إسلام ويب

تفسير سورة القصص [73 - 77]للشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يجمع الله الناس يوم القيامة، فيسأل المشركين عن شركائهم، ثم يستشهد عليهم بأنبيائهم الذين أرسلوا إليهم، فيسكت الكفار وتقوم عليهم الحجة.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون)

    قال الله عز وجل: وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ * وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ * إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ [القصص:74-77].

    في هذه الآيات من سورة القصص يخبرنا الله عز وجل عن رحمته بعباده كما يذكرنا بيوم القيامة، ويضرب لنا مثالاً لنعتبر ونتعظ به، فهذا إنسان قد آتاه الله عز وجل من الدنيا متعاً ومتعه، فجحد ولم يشكر نعم الله، وظن أن هذا لفضله وأنه بذكائه أوتيه وعلمه.

    فقال الله سبحانه: وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [القصص:73]، فبعد أن ذكر بنعمه العظيمة من جعل الليل محلاً للسكون والنهار محلاً لطلب المعاش وجعلهما متعاقبين وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ [الحج:66]، فينام الإنسان ويتذكر نعمة الله عز وجل عليه بالنوم، إذ لو استمرت يقظته أياماً لتعب ولم يقدر على العمل، وقد يموت من عدم النوم.

    لكن من رحمة رب العالمين أن جعل الإنسان ينام فيستريح، فكان النوم له سباتاً أي: راحة وانقطاعاً عن الدنيا، وهو مأخوذ من السبت، والسبت: القطع، والنوم هو الموتة الصغرى، ويري الله عز وجل الإنسان آياته بهذا النوم الذي يحتاجه المرء ويفتقر إليه، وهو الغني عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم عن ربنا سبحانه: (إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، بيده القسط، يرفع ويخفض) فهو الحي الذي لا يموت، والنوم أخو الموت كما جاء في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    وفي الآية ما يفيد أن الإنسان قد يسكن بالنهار وإن كان سكونه في الليل أكثر، إذ فيه السكون وفيه الدعة والراحة والطمأنينة.

    قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من بات آمناً في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه؛ فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها)، أي: حصل على الدنيا جميعها، فمهما كان عند الإنسان من شيء يجد نفسه لا يحتاج إلى شيء طالما عنده هذه الأشياء.

    قوله: (بات) أي: جاء عليه الليل وهو في بيته.

    قوله: (آمناً في سربه) أي: لا يزعجه أحد في شيء، ولا يطلب أحد منه شيئاً، ولا يقتحم أحد عليه بابه ويخيفه ويزعجه.

    (معافى في بدنه) قد أعطاه الله نعمة العافية فقدر على النوم.

    أما المريض ففي سهاد لا يقدر على النوم يظل يتأوه، طوال ليله، متعب يشكو عدم قدرته على النوم، فإذا أعطاك الله عز وجل السكن، وأعطاك الأمن، وأعطاك العافية، ومن عليك بقوت هذا اليوم، فلا تنظر إلى الغد لعلك لا تعيش فيه الغد.

    فلو أن الإنسان دخل بيته في الليل فوجد الطعام عنده، وقد هيئ له السرير فنام مستريحاً فأي شيء يريده من الدنيا، فكان من رحمة الله بالعباد أن جعل لهم الليل ليسكنوا والنهار ليبتغوا من فضله، وكان من بلاغة الآية أن فيها لفاً ونشراً: فالليل لتسكنوا فيه والنهار لتبتغوا من فضل الله عز وجل، ورزقه ورحمته فتتنعموا بذلك في الدنيا، وتحمدوا الله سبحانه، ولعلكم تشكرونه على ما أولاكم وما أعطاكم.

    وعليكم أن تدركوا أنه إذا أعطاكم في الدنيا فإنه يسألكم يوم القيامة، ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ [التكاثر:8]؛ ولذا قال: وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ [القصص:62]، أي: يوم ينادي المشركين فيقول: أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ [القصص:62]، أين هؤلاء الشركاء، الذين عبدتموهم من دون الله، واتخذتموهم أنداداً لله سبحانه، من الأصنام والأوثان والملائكة والجان.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ونزعنا من كل أمة شهيداً...)

    قال سبحانه: وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا [القصص:75].

    أي: جئنا من كل أمة بشهيد وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فيؤتى من كل أمة بشهيد ينادي عليه تعالى: اشهد على قومك، أبلغت هؤلاء؟ فيقول الرسول: نعم. أي رب.

    فيسأل الأقوام المكذبين: أبلغكم هذا؟ فيقولون: لا.

    فيقال لهذا الرسول عليه الصلاة والسلام: من يشهد لك؟

    فيقول: أمة محمد صلوات الله وسلامه عليه!

    فتشهد أمتنا على الأمم، وعلى أن رسلهم قد بلغوا، وكانت شهادتنا عليهم بما في هذا القرآن، فقد أخبرنا الله عز وجل عن دعوة الأنبياء لقومهم وتكذيبهم لأنبيائهم ومن ذلك: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [المؤمنون:23]، وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:65]، وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:73].

    ثم يؤتى بنبينا صلوات الله وسلامه عليه فيشهد علينا وعلى الجميع.

    قال سبحانه: وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا [القصص:75] لهؤلاء المشركين: هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ [القصص:75] أي: هاتوا ما تحتجون به من أثر، أو من يشهد لكم أنكم كنتم على صواب.

    قال: فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ [القصص:75] فلما انعدمت حجتهم استيقنوا أن ما كانوا يقولونه باطل، وإن كانوا يزعمون في الدنيا أنه حق، وينصرونه لا بقوة حجتهم ولكن بقوة أبدانهم وأسلحتهم، فيلزمون غيرهم بما يقولونه من باطل، ويستخفون بهم، قال الله سبحانه: فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ [القصص:75]، ومعلوم أن يوم القيامة لا باطل فيه، وهم يوم القيامة يستيقنون أن الحق لله وحده ويصدقون به، ولكن حين لا ينفع التصديق، ويندمون حين لا ينفع الندم.

    قال سبحانه: فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ [القصص:75]، والعلم بمعنى: اليقين، أي استيقنوا الآن أن الكلام الحق كلام رب العالمين، وقد كانوا في الدنيا يعرفون ذلك ولكن يتكلمون بالباطل ويزعمون أن معهم حججاً وبراهين.

    يقول الله سبحانه: وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ [القصص:75]، وَضَلَّ، بمعنى: تاه، وذهب عنهم، يقف الواحد منهم في الدنيا يتكلم ويتهم المؤمنين بأنهم هم المتزمتون والمتشددون وأنهم هم أهل الباطل، وأنهم رجعوا للعصور الوسطى والكتب الصفراء.

    وقد يجد من يقبل منه مثل هذا الكلام الباطل، رغم أنه محض كذب، ومن يستمع إليه إنما يفعل ذلك اليوم، أما يوم القيامة فلا قوة إلا لله سبحانه، ولا حيلة لأحد يوم القيامة مع الله سبحانه وتعالى، فظهر الحق جلياً، وضاع منهم وتاه عنهم ما كانوا يختلقونه ويفترونه في الدنيا، وما كانوا يكذبونه، فبهتوا يوم القيامة وندموا على ما قدموا، وضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ [القصص:75].

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم ...)

    يذكر لنا الله قصة عجيبة، وهي قصة قارون ، ذلك الإنسان الذي كان ملكاً بما أوتي من المال.

    وقد أرانا الله عز وجل فرعون في ملكه، وأرانا قارون في ماله، وأرانا هامان في رئاسته ووزارته، لنرى ما يصنع الجاه والمال والملك بالإنسان، إن لم يتق الله سبحانه وتعالى.

    كان قارون من بني إسرائيل، إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى [القصص:76]، ولم يكن من أهل فرعون، ولكن غره أن فرعون قربه منه، فإن فرعون كان له الملك على مصر ومعه هامان الوزير المستعلي على الخلق، وتبعهم قارون مع أنه ليس من قومه، بل هو من قوم موسى.

    وقيل: كان ابن عم موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وبالرغم من أنه كان قريباً لموسى إلا أنه لم يستفد من دعوته، بعكس هارون أخي موسى فقد انتفع بدعوة موسى عليه الصلاة والسلام وصار نبياً بعده، أما قارون فقد ملأ قلبه حسداً لموسى وأخيه عليهما الصلاة والسلام على ما آتاهما الله من الرسالة وهما من الفقراء ولم يعطها وهو الغني.

    فبغى على قومه، وهم بنو إسرائيل، وكذا الإنسان حين يترك نفسه لهواه يستعلي على من معه، فرعون لم يعجبه الناس فأراد أن يكون فوق الناس، فزعم أنه الإله على الناس، وأنه الرب، واختلق لهم البراهين، وأخذ يقول: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي [الزخرف:51]، ومع أن حججه باطلة إلا أن الناس صدقوها فعبدوه من دون الله سبحانه، وكان فرعون لا ولد له فكان يقول: أنا ابن الشمس، والشمس إله وهو ابن لها!

    فيزعم الباطل، وهذا الكلام الذي راج على الناس صدقوه وإن كانوا في قلوبهم غير متيقنين، ولكن صدقوه بألسنتهم واتبعوه فيما يقول؛ خوفاً من سطوته وإعجاباً بقوته الزائلة في الدنيا ويوم القيامة قال تعالى: َضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ [الأنعام:24].

    وممن تبعه قارون وكان من قوم موسى فبغى عليهم، إذ لما أحس بقربه من سلطة فرعون بدأ يتقرب من فرعون ويبتعد عن موسى ومن معه، ويستكبر عليهم.

    قال عنه الله سبحانه وتعالى: وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ [القصص:76]، فالله قد أعطاه مالاً عظيماً، وكنوزاً كثيرة من الذهب والفضة، وامتلك الخزائن العظيمة التي لا يستطاع وزنها، بل إن مفاتيح هذه الخزائن كانت تجمع، حتى لو قام عصبة من أولي القوة، أي: عشرة من الرجال الأشداء فإنها تنوء بهم؛ أي: تثقلهم وقد لا يستطيعون حملها!

    فقوله: لَتَنُوءُ [القصص:76]، من ناء بالشيء إذا أراد أن يحمله فثقل عليه، فمال به، وكاد يسقطه على الأرض من شدة ثقله، فكيف بتلك الخزائن!

    وقد نتساءل: هل هو محتاج لهذا المال؟! مهما عمر الإنسان فلن ينفق هذا المال الكثير.

    ومع أن الله قد أعطاه ذلك كله إلا أنه جحده ولم يشكره! قال الله سبحانه: إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ [القصص:76].

    وقد يفهم من الآية مقت الفرح عموماً، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفرح بنصر الله سبحانه وتعالى، وقد أخبر الله عز وجل عن المؤمنين أنهم يفرحون بنعمة الله سبحانه، ويستبشرون بها، ومثل هذا الفرح مشروع، وإنما المذموم الفرح الذي يجعل الإنسان يطغى ويغرق فيستعلي على الخلق، ويرى نفسه أعلى منهم، بطراً وأشراً.

    وجاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه ذرة من كبر، فقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنة فهل هذا من الكبر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق، وغمط الناس)، فبطر الحق أي: عدم قبوله، فقد يعلم أن معك الحق لكنه لا ينظر للحق الذي معك، بل ينظر إليك أنت، وإلى فقرك البادي على ثوبك ونعلك، وسوء هيئتك، فيلغي ذلك الحق ولا يقبله منك.

    قوله: (وغمط الناس)، بمعنى أنه يحتقر الناس، ويراهم دونه، فلا يستحقون أن يستمع إليهم، وكذلك كان قارون ، فقال له قومه: لا تفرح، أي: لا تستكبر، وكأنهم تأدبوا معه في الموعظة، فبدلاً من أن يقولوا له: لا تستكبر، قالوا له: لا تفرح، والمعنى: لا تبالغ في فرحك بما أوتيت فقد يطغيك هذا الفرح الذي أنت فيه، وكم من إنسان يفرح فتأخذه سكرة الفرح، فيطغى على الناس، ويفعل ما لا ينبغي له أن يفعل، كمن يتزوج فيعلن فرحته بزواجه بأن يحضر الراقصات والمعازف والخمور والحشيش ويفعل ما نهى الله عز وجل عنه، غروراً واستكباراً على الحق الذي أمر الله عز وجل به، فيدخل تحت وعيد قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ [القصص:76].

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ...)

    وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ [القصص:77]، أي: إذا كان الله قد أعطاك هذه الكنوز العظيمة فلم لا تنفق من هذه الكنوز ابتغاء وجه الله سبحانه وتعالى، بدلاً من الاستكبار في الدنيا؟

    وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا [القصص:77]، وهنا يظهر التحلي بأدب الموعظة، إذ إنك لو وعظت غنياً فلا تأمره أن ينفق كل ماله! فالله برحمته سبحانه لم يأمر العباد أن ينفقوا جميع أموالهم، بل النبي صلى الله عليه وسلم حين أخبره سعد بأنه عازم على أن يوصي بماله كله -وذلك في مرض موته- نهاه عن ذلك وقال له: (الثلث والثلث كثير).

    ولذا لو أن الإنسان شارف على الموت لا ينبغي أن يوصي بكل ماله، بل ثلث المال فقط، والثلث كثير، كما أخبر رسوله صلى الله عليه وسلم.

    ومن الأدلة على ذلك أيضاً ما حدث مع كعب بن مالك حين تاب إلى الله عز وجل، وهو من الثلاثة الذين خلفوا وذكر الله قصتهم في سورة براءة، قال: (يا رسول الله! إن من توبتي أن أخرج مالي كله صدقة لله)، أي: أترك المال كله فلا آخذ لنفسي منه شيئاً، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أمسك عليك بعضه فهو خير لك).

    فليس كل إنسان كـأبي بكر الصديق ، إذ إن له خصوصيات، حيث أنفق ماله كله على دين الإسلام وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يليه عمر رضي الله عنه، حيث أنفق نصف ماله، وليس كل الناس كـعمر رضي الله عنه، فالله عز وجل لم يأمر العبد أن ينفق ماله كله، لكن تصدق من هذا المال وأد شكر النعمة.

    وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ [القصص:77]، أي: اطلب الجنة بهذا المال ولا تنس نصيبك من الدنيا، بل استمتع بمالك في الحلال الذي هو طيب لك.

    فالمعنى: لا تنس نصيبك من الحلال، فكل واشرب ولا تسرف، وأنفق في الحلال ما تحب من إنفاق، بعد أن تعطي لله عز وجل حقه.

    وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ [القصص:77]، فلا بد على الإنسان أن يتذكر دائماً نعمة الله عز وجل عليه، وهنا أمروه أن يحسن ويتذكر إحسان الله عز وجل عليه، ويحذر من الفساد، وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ [القصص:77]، وهنا كأنهم يعرضون به: أنت مفسد، وأنت مستكبر، ولكن صاغوها بتلك الصياغة الجميلة لعله يتعظ ويتذكر، ولكنه لم يتعظ ولم يتذكر، كما سيأتي بعد ذلك إن شاء الله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756343277