إسلام ويب

تفسير سورة النور الآية [55]للشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد وعد الله أولئك المتطلعين إلى النصر والتمكين، ونشر دين رب العالمين، والذين يريدون الاستخلاف في الأرض وتمكين دينكم فيها، وإزالة الرعب وإبداله أمناً، وعدهم بذلك بشرط أن يؤمنوا ويعملوا ويعبدوا الله حق عبادته، ويحذروا من الشرك بنوعيه، فإذا حققوا ذلك فإن الله لا يخلف الميعاد.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض ...)

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته أجمعين.

    قال الله عز وجل: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:55].

    في هذه الآية الكريمة وعد من الله سبحانه وتعالى للذين آمنوا به سبحانه، وعملوا الصالحات التي أمروا بها بالتمكين في الأرض والاستخلاف.

    قال: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا [النور:55]، فهذه ثلاثة أشياء وعد الله عز وجل بها هاهنا:

    الاستخلاف في الأرض، فيعطيهم الله عز وجل الحكم فيحكمون بشرعه سبحانه وتعالى، فقد آمنوا وعملوا الصالحات وتربوا على العقيدة الصحيحة وعلى العمل الصالح، فاستحقوا أن يسودوا العالم، وأن يحكموا غيرهم، فوعدهم بالاستخلاف، ووعدهم بأن يمكن لهم هذا الدين العظيم الذي ارتضاه لهم.

    قال تعالى: وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ [النور:55]، والخطاب هنا لأصحاب النبي صلوات الله وسلامه عليه، فقال: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ [النور:55].

    والمعنى: أنه سيعجل لكم هذا ما استمسكتم بدين الله، وما استمسكتم بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولن يؤخره عنكم، وكان وعد الله الحق سبحانه وتعالى، فرأى الصحابة ذلك مباشرة، فهم أولى الناس بأن يستخلفوا، ولذلك خير القرون وأحبها إلى الله عز وجل هم قرن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم الصحابة الذين رباهم النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه على هذا الدين العظيم.

    قال: (خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم).

    فإذا كان الله عز وجل وعد المؤمنين فالوعد عام، فإذا نص على هؤلاء فالوعد عاجل في التنفيذ: أنه يا من أنتم آمنتم بالنبي صلى الله عليه وسلم، وابتليتم وتعبتم وأوذيتم في سبيل الله عز وجل سنمكن لكم، فكان الوعد من الله عز وجل، وكان التنفيذ في حياة النبي صلوات الله وسلامه عليه، والله لا يخلف الميعاد.

    فأخبر هنا أنه ليستخلفنهم فكانت الخلافة للنبي صلى الله عليه وسلم، فحكم بدين رب العالمين، وجاء الخلفاء الراشدون من بعده فحكموا بشرع الله، ومكن الله عز وجل لهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في وعده للمؤمنين: (والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون).

    فالآية وعد من الله عز وجل، والحديث وعد من النبي صلى الله عليه وسلم بوحي من الله سبحانه وتعالى.

    وهذا الحديث في صحيح مسلم وفيه: أن الله سيتم هذا الأمر بعدما كانوا في ضعف، وفي قلة، وفي ذلة، وفي خوف، وفي أذى من الكفار، فالله يعدهم أن سنمكن لكم وستكونون أقوياء، وسيسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله سبحانه، يعني: أنه في غاية الأمان وليس خائفاً من أحد إلا الله سبحانه وتعالى، والذئب على غنمه وهذا خوف الطبع، فإذا كان معه غنم فهو ليس خائفاً من أحد أن يسرقها؛ فبالإسلام استتب الأمن والأمان، لكنه يخاف الخوف الجبْلي الطبعي: أن الذئب يأكل الغنم.

    وحدث مثل هذا الأمن في يوم من الأيام، بل وفي أعوام كثيرة طالت واستقر الأمن وحدث وعد الله سبحانه وتعالى للمؤمنين، وذلك لما فعلوا ما أمر الله عز وجل به، فقال: لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [النور:55] يعني: المؤمنين السابقين قبلهم من بني إسرائيل وغيرهم قد استخلفهم الله سبحانه، قال تعالى: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ [القصص:5].

    فمنّ عليهم وجعلهم -بعدما كانوا عبيداً- سادة، وبعدما كانوا مقهورين أذلة جعلهم منصورين أعزة، والفضل بيد الله تبارك وتعالى.

    قال تعالى: وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ [النور:55]، فدين الإسلام في أيام مكة لم يكن ممكناً له، فكان المشركون يؤذون المؤمنين، ويؤذون النبي صلوات الله وسلامه عليه، ولكن لما هاجر النبي إلى المدينة، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، مكن له ربه سبحانه وتعالى، أي: نصره، وجعل له المكانة في الأرض.

    قال تعالى: وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا [النور:55].

    وهو الخوف الذي كانوا فيه من المشركين ومن أذى الكفار، والخوف الذي كانوا فيه من غيرهم، فالله عز وجل يذكر أنه سيبدل هذا الخوف إلى الأمن والأمان بالقوة التي يعطيهم الله عز وجل، وبالعلم والعزة التي يعزهم الله عز وجل بها، بالضعف الذي يصيب أعداءهم، وكيف نصر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (نصرت بالرعب مسيرة شهر)، فكان من جنود النبي صلى الله عليه وسلم التي جعلها الله عز وجل ليمكن له الرعب في قلوب المشركين.

    قال تعالى: سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا [آل عمران:151].

    إذاً: فالإنسان الكافر المشرك يجعل الله عز وجل في قلبه الرعب والخوف، فإذا به يخاف من النبي صلى الله عليه وسلم، ويخاف من المؤمنين، وهذا من تمكين الله عز وجل لدينه.

    والنصر له أسباب مادية، وأسباب معنوية، فمن أسبابه المادية قال الله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ [الأنفال:60] , وقال: فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ [الأنفال:66].

    إذاً: فالقوة المادية: هي قوة السيف، وقوة العدد.

    وقوة الإيمان في قلوب المؤمنين من القوى التي يجهز المؤمنين أنفسهم بها، فالمؤمن يؤمن بالله، ويثق في نصر الله، والله يزيده إيماناً، ويزيده قوة، ويجعل قلبه ثابتاً، قال تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [إبراهيم:27]، فيربط على قلوب المؤمنين ويجعلهم في ثبات ولا يخافون ولا يبالون بأعدائهم.

    والكافر يجعل الله عز وجل الخوف في قلبه، فأقل شيء يفزعه ويخيفه، ولذلك أخبرنا عن بني إسرائيل فقال: لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ [الحشر:14].

    أي: لا يجتمعون لقتالكم وأنتم جيش وقوة، فهم يخافون منكم، إلا إذا فقدتم أسباب النصر فلم توجد قوة عندكم: لا قوة بدنية، ولا قوة عقدية، ولا قوة معنوية، فعندئذ يبتدئ الكافر يتحرش بكم.

    فأهل الكتاب يخافون من المؤمنين، وقد جعل الله بأسهم بينهم شديداً طالما كان المؤمنون متمسكين بعهد الله سبحانه وبدينه، فالله يلقي في قلوب الذي كفروا الرعب، قال سبحانه: لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ [الحشر:14].

    إذاً: لما يكون عندهم حصون، وأما وجهاً لوجه فيخاف إذا كان المؤمن في قوة، وعنده جيش، وعنده سلاحه.

    ولذلك ترى هؤلاء بدباباتهم وبمدافعهم يجرون وراء الصبيان الذي يحذفوهم بالحجارة في فلسطين، فهو يخاف أن يجري وراءه بحجر مثله، لكنه يجري وراءه بمدفع، فهذا يحذفه بحجرة، وهذا يرميه بالرصاص، فطالما هو في دبابته فهو متحصن بحصنه وسيقاتل، قال الله تعالى: أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ [الحشر:14] أي: من وراء سواتر، أو من وراء جدار، لكنه يخاف من المواجهة وذلك مما جعل الله عز وجل في قلبه من رعب ومن خوف.

    قال الله سبحانه للمؤمنين: وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا [النور:55].

    فتبديل الخوف الذي أنت فيه أمناً هو من الله سبحانه، ويقلب الأمر على هؤلاء الكافرين، فالكافر مستقر في نفسه أنه سينتصر، فيزعزع الله عز وجل هذا في قلبه، ويزلزل قدمه، ويبعد عنه أسباب النصر، ويهزمه سبحانه وتعالى، ويقول للنبي صلى الله عليه وسلم: وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى [الأنفال:17] أي: أنت أخذت بالأسباب وأنت ترمي، فعليك الرمي فقط، والذي يوصل هذا الشيء ويجعله يصيب ويجعله يقتل هو الله سبحانه وتعالى. فالله يطمئن المؤمنين ويقول: أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ [الأنفال:12]، فلا تخف من الكافر، واقدم عليه واقطع رقبته ويده والله معك.

    هذا إذا استمسك المؤمنون بدين رب العالمين سبحانه يمكنهم وينصرهم.

    القراءات في قوله تعالى: (وليبدلنهم)

    قال تعالى: وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا [النور:55] هذه قراءة الجمهور: وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ [النور:55].

    وقراءة ابن كثير ، وشعبة عن عاصم ويعقوب : وليبدِلنهم من بعد خوفهم أمناً .

    فيبدل الخوف الذي في القلوب أمناً وأماناً، وهذا الوعد من الله عز وجل له شروط، قال سبحانه: يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا [النور:55]، إذاً: فالمؤمن يعبد الله سبحانه ولا يشرك به شيئاً، وكأنه يقول: أنتم أيها المؤمنون طالما تمسكتم بدين رب العالمين، وكنتم تعبدون الله ولا تشركون به شيئاً: لا شركاً أكبر يخرجكم من الملة، ولا شركاً أصغر، ولا شركاً خفياً، فلكم الاستخلاف والنصر.

    والشرك الأكبر أن يعبد الإنسان وثناً أو حجراً، أو يطلب من غير الله ما لا يطلب إلا من الله سبحانه وتعالى، أو يتوكل على غير الله ولا يتوكل على الله سبحانه، فهذا من الشرك الذي يخرج صاحبه من الملة.

    والشرك الأصغر كأن يقول: لولا السلاح الذي في يدي لما انتصرت، وينسى الله سبحانه وتعالى.

    والشرك الخفي في قلب الإنسان كالرياء والسمعة، كأن يقول: نحن ذاهبون إلى القتال وسنعمل كذا، وكأنه هو الذي يفعل وينسى الله سبحانه وتعالى.

    فإذا انتفى ذلك عن قلب الإنسان المؤمن وكان صادقاً مع الله، وأخلص لله كان الله معه ينصره سبحانه.

    قال: يَعْبُدُونَنِي [النور:55] أي: يتوجهون بالعبادة إلي وحدي، فالمؤمن حين يجد نفسه قد ضاقت به السبل وقد اعتاد أن يقول: يا رب، ففي وقت الضيق ينصره الله سبحانه وتعالى.

    وأما إذا ضاق عليه الأمر وابتلي فدعا: يا سيدي فلان، يا وليي فلان، يا فلان، فيسأل غير الله سبحانه فقد أشرك بالله، وإن زعم أنه على الإسلام.

    وكذلك إذا نسي الله، ونسي التوكل على الله سبحانه، وبدأ يتوكل على الخلق، فيتوكل على فلان أن يمده بسلاح، ويتوكل على فلان أنه ينصره ويكون معه في وقت الذل، وينسى الله سبحانه وتعالى، فهنا يتخلى عنه ربه.

    فالتوكل على الله: أن تجعل الله وحده وكيلك الذي يقوم بأمرك، وهو الذي يدبر أمرك.

    فالإنسان المؤمن توكله على الله، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير: تغدوا خماصاً، وتروح بطاناً).

    فلو أن المؤمن يتوكل على الله حق التوكل ثقةً بالله سبحانه وتعالى، ويأخذ بالأسباب، فالله يكون معه، وينصره سبحانه وتعالى.

    فهذا وعد من الله سبحانه، وقد جاء في حديث تميم الداري الذي رواه الإمام أحمد في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر) وكان تميم الداري رضي الله عنه يقول: قد عرفت ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز، ولقد أصاب من كان منهم كافراً الذل والصغارة والجزية. والحديث إسناده صحيح.

    قال هنا: (ليبلغن هذا الأمر)، ليبلغن: فعل مضارع مسبوق باللام المؤكدة، ومنتهي بالنون المثقلة المؤكدة، فهو جواب لقسم، كأنه يقول: والله ليبلغن هذا الأمر، يعني: هذا الدين العظيم، سيبلغ ما بلغ الليل والنهار، وهذا من جوامع كلمه صلوات الله وسلامه عليه، ومن محاسن التشبيه العظيم، فالإسلام يبلغ ما بلغ الليل والنهار، إذ الليل والنهار يدخلان كل البيوت، فكذلك هذا الدين العظيم لابد وأن يبلغ جميع بقاع الأرض يوماً من الأيام.

    وهذا وعد من الله سبحانه وتعالى على لسان رسوله صلوات الله وسلامه عليه، كما يأتي الليل على الجميع، ويأتي النهار على الجميع فسيأتي هذا الدين على الجميع، قال: (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر) المدر: الطوب، والوبر: الشعر.

    فبيوت الخيام في الصحاري، وبيوت الطوب والأبنية في البلدان والقرى كلها سيدخلها هذا الدين يوماً من الأيام.

    قال: (إلا أدخله الله هذا الدين) يدخله هذا الدين وإن أبى المشركون.

    قال صلى الله عليه وسلم: (بعز عزيز، أو بذل ذليل) يعني: إنسان يعزه الله عز وجل بهذا الدين، أو إنسان آخر يرفض هذا الدين فيذله الله سبحانه وتعالى برفضه إياه، حتى يدخل هذا الدين كل البيوت.

    قال: (عزاً يعز الله به الإسلام وأهله، وذلاً يذل الله به الكفر وأهله).

    فهنا وعد من الله سبحانه وقد تحقق شيء من هذا الوعد، وجاء دين الله عز وجل ودخل الناس فيه أفواجاً، وانتشر في بقاع الأرض، ولكن بهذه الصورة التي في هذا الحديث سيكون يوماً من الأيام؛ فإن الله لا يخلف الميعاد، ولم يحدث أن الدين دخل جميع البيوت فأسلم جميع الناس، ولكن سيكون بهذا الوعد الذي في هذا الحديث يوماً من الأيام يعز الله عز وجل هذا الدين كما كان قبل ذلك وأكثر من ذلك، فيدخل الجميع فيه، وذلك حين ينزل المسيح صلوات الله وسلامه عليه، فيحكم الناس ليس بالتوراة ولا بالإنجيل، ولكن يحكمهم بهذا القرآن، ويكون إمام المسلمين من المسلمين، فيصلي بهم ويتأخر للمسيح عليه الصلاة والسلام حتى يتقدم، فيقول المسيح: لا إمامكم منكم.

    ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن المسيح عليه الصلاة والسلام ينزل فيضع الجزية -يعني: يمتنع من أخذها- فلا يقبل إلا الإسلام، ويقتل الخنزير، ويكسر الصليب)، فلا يكون في الدنيا إلا هذا الدين العظيم.

    قال الله عز وجل: : يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا [النور:55] فهذا شرط، والعبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، فإذا كانت حياة المؤمن ظاهراً وباطناً، قولاً وعملاً، كلها فيما يحبه الله عز وجل، استحق أن ينصره الله وأن يمكن له.

    قال: وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ [النور:55] أي: بعدما ذاق حلاوة الإيمان، وعرف ربه سبحانه، قال: فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:55].

    والفسق هنا: الفسق الأكبر بمعنى: الخروج من دين رب العالمين سبحانه، وأصله من فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرتها، فكذلك هؤلاء بعدما دخلوا في دين الله عز وجل لم ينالوا منه شيئاً كفروا بالله، ففسقوا فخرجوا عن دين الله، وخرجوا عن طاعته، فلا يضرون إلا أنفسهم، قال: وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:55] بمعنى: الفسق الأكبر، فالكفر منه أكبر مخرج لصاحبه من الملة، ومنه أصغر.

    والظلم منه ظلم أكبر، ومنه ظلم أصغر.

    والفسق منه فسق أكبر وفسق أصغر، فهنا الفسق المقصود به الكفر برب العالمين، والخروج من هذا الدين.

    نسأل العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756436768