إسلام ويب

تفسير سورة الروم [17 - 20]للشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أخبر الله سبحانه وتعالى أن كل شيء يسبح بحمده، وأمر العباد بالتسبيح والتمجيد له في كل وقت وحين، ويذكرهم الله سبحانه بمعجزاته التي أودعها في خلقه، وبيّن خلق الإنسان وحقارة شأنه، ولكن الله كرمه، فليشكر ربه على نعمه وآلائه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون ...)

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

    قال الله عز وجل في سورة الروم: فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ * يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم:17-21].

    لما أمر الله سبحانه وتعالى عباده بتسبيحه سبحانه حين يمسون وحين يصبحون، وبالعشي وحين يظهرون، فيها إشارة إلى الصلوات الخمس كما قدمنا في الحديث السابق، وقال: فَسُبْحَانَ اللَّهِ [الروم:17]، أي: فسبحوا الله تسبيحاً وسبحانه، فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ [الروم:17] أي: وقت المساء، وَحِينَ تُصْبِحُونَ [الروم:17] أي: وقت الصباح.

    فالتسبيح المقصود: أن العباد يسبحونه ويقدسونه سبحانه، ويذكرونه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وسبحان ربي العظيم، وسبحان ربي الأعلى، تقديساً لله وتنزيهاً له من أن يشبهه شيء من خلقه سبحانه وتعالى، فقال: فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ [الروم:17]، والمساء: هو الليل، وصلوات الليل: المغرب والعشاء، وَحِينَ تُصْبِحُونَ [الروم:17]، صلاة الصبح، وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الروم:18]، هذه جملة معترضة، وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ [الروم:18] أي: سبحوه في وقت العشي في صلاة الظهر والعصر.

    ونص على الظهر فقال: وَحِينَ تُظْهِرُونَ [الروم:18]، فهو إشارة إلى الصلوات الخمس، وبعمومه أمر بتسبيح الله عز وجل في كل وقت، فالمسلم يكثر من قوله: سبحان الله، يسبح الله سبحانه وتعالى بهذه الكلمة العظيمة، والمؤمن عندما يقول: سبحان الله يؤجر عليها، وهذه من الباقيات الصالحات والمعقبات التي لا يخيب قائلهن كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يخيب قائلهن: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)، فالإنسان الذي يقول ذلك يفلح عند الله ولا يخيب أبداً، فقد جاء في الحديث أن: (غراس الجنة سبحان الله، والحمد لله)، غراس الجنة يعني: تغرس غرساً في الجنة بأنك تقول: سبحان الله، والغرس في الدنيا هو غرس شجرة في الأرض أو نخلة في الأرض، فتغرس لنفسك في الجنة غراساً وأشجاراً ونخيلاً، وذلك بأن تقول: سبحان الله وتكرر هذه الكلمة، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، فتستحق موضعاً في الجنة وغرساً في الجنة بذلك.

    وإذا أصبحت فقلت: سبحان الله وبحمده، مائة مرة أفضل لك عند الله سبحانه من أن تحمل على مائة فرس في سبيل الله سبحانه وتعالى، ومن قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر.

    والأحاديث كثيرة في فضل التسبيح والمسبح لربه سبحانه وتعالى، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض).

    لذلك فإن المؤمن لا يستقل قوله: سبحان الله، بل ينظر إلى معناها وإلى الثواب الذي من ورائها.

    واعترض بقوله سبحانه: وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الروم:18] أي: هو الذي يحمده أهل السموات ويحمده أهل الأرضين، وهو المستحق لذلك سبحانه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ...)

    قال الله تعالى: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ [الروم:19]، فالله سبحانه وتعالى يخرج الشيء الحي الذي فيه حياة من الميت، وكل شيء خلقه الله عز وجل فيه شيء من الحياة التي أودعها الله عز وجل، ويتحرك الشيء حتى ولو حركة في داخله، في ذراته أو في نواته أو في الشحنة الكهربية التي فيه، ولكن المقصود هنا بالحي الذي فيه حياة تراها أنت وتحس بها.

    يخرج هذا الحي من الميت: وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ[الروم:19]، كإخراج البيضة من الدجاجة، والفرخة من البيضة، ويخرج الإنسان من مني يمنى ومن بويضة، كان هذا وذاك جامداً فإذا بالله يبعث فيها الحياة، وكذلك النواة يخرج منها النخلة، والنخلة يخرج منها الثمرة، والثمرة يخرج منها هذه النواة، ... وهكذا.

    قال تعالى: وَيُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا[الروم:19]، هذا كله مشاهد.

    ثم قال: وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ[الروم:19]، يقول أهل الأصول: هذه الآية دليل من أدلة القياس، والأدلة عند الأصوليين هي: الكتاب، والسنة، والإجماع، والاستصحاب للبراءة الأصلية، والاستحسان، وقول الصحابي، وشرع من قبلنا، وغير ذلك من الأدلة الأصولية، فالله عز وجل قال هنا: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ[الروم:19].

    فأنتم ترون قدرة الله سبحانه في أن أخرج شيئاً حياً من شيء كان ميتاً، وأخرج شيئاً ميتاً من شيء كان حياً هذا الذي نراه أصل نراه أمامنا، والقياس هو إلحاق فرع بأصل في حكمه يعني: نعطي للفرع حكم الأصل، للجامع الذي بين الاثنين، فنقول: الله عز وجل حرم على العباد الخمر؛ لعلة موجودة فيه وهي الإسكار، فكل ما كان مسكراً ففيه هذه العلة، فيأخذ حكم الأصل وهو التحريم في حكم الخمر، هذا قياس، إلحاق فرع بأصل في حكمه لجامع بينهما.

    فهنا الأصل ما تراه أمامك من بديع خلق الله عز وجل، يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا[الروم:19]، فهذه أشياء رأيتها أنت ودلت على كمال قدرته وعظمته سبحانه.

    كذلك مثل الذي تراه أنت يخرجك الله سبحانه وتعالى يوم القيامة، فأنت حي الآن ثم تصير ميتاً بعد ذلك، فكما أن هذه النخلة حية، وخرج منها تمرة، وخرج من التمرة نواة ميتة، فوضعت النواة في الأرض فأحياها الله عز وجل مرة ثانية، كذلك أنت حي تصير ميتاً بداخل الأرض، ثم يخرجك الله عز وجل مرة ثانية، فإذا أنكر الإنسان البعث قل له: قس نفسك على هذا الشيء الذي يخرجه الله أمامك وأنت مستيقن به أنه أخرج الحي من الميت وأخرج الميت من الحي.

    فهذا دليل من الأدلة عند الأصوليين يسمى بالقياس.

    من أدلة القياس في كتاب الله سبحانه وتعالى قوله: فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ[الحشر:2]، والمعنى: انظروا إلى الأمم السابقة ما الذي صنعوه؟ وماذا كانت النتيجة وحكم الله عز وجل في هؤلاء؟ وانظروا إلى أنفسكم ما الذي تصنعون؟ فإذا كانت العلة في إهلاك هؤلاء موجودة فيكم فالحكم واحد، كما أهلكهم يهلككم أنتم أيضاً، فقوله تعالى: فَاعْتَبِرُوا[الحشر:2] أي: قيسوا أنفسكم على هؤلاء السابقين، إذا فعلتم فعلهم استحققتم عقوبة هؤلاء، فهذا من أدلة القياس في كتاب الله سبحانه وتعالى.

    ومن أدلة القياس في سنة النبي صلوات الله وسلامه عليه ما جاء عنه حين سأله عمر رضي الله عنه وقال: هل أقبل وأنا صائم؟ هذا سؤال عمر، يقول للنبي صلى الله عليه وسلم هل أفطر بهذا الشيء، أي إن قبلت امرأتي وأنا صائم؟ فالنبي صلى الله عليه وسلم قال له: (أرأيت لو تمضمضت وأنت صائم؟)، فهنا يكون القياس، والحكم فيما لو أنك تمضمضت أثناء الصيام لا شيء في ذلك، فقال: لا شيء، فقال: (فمه).

    إن المضمضة مقدمة لبلع الماء ولشربه، ولكن ليس في التقبيل بلع ولا شرب، فالصوم على ذلك صحيح، كما أن الإنسان لو تمضمض وهو صائم فصومه صحيح ما لم يبلع الماء أو يشربه، فالقبلة مثل المضمضة، والنبي صلى الله عليه وسلم أراه هذا القياس، هذا هو معنى القياس وهو: إلحاق فرع بأصل في الحكم لجامع العلة بينهما.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ومن آياته أن خلقكم من تراب...)

    قال الله سبحانه وتعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ [الروم:20]، آية من آيات الله العظيمة لمن يتفكر فيها، فإن الله تعالى يقول: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28]، فالعلماء هم الذين يخشون الله سبحانه وتعالى.

    وكلما ورث العلم زادت الخشية في القلب من الله عز وجل، وصار صاحبه مستحقاً لرحمة رب العالمين سبحانه وتعالى، فهنا يذكر لنا هذه الآيات: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ [الروم:20]، وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا [الروم:21]، وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ [الروم:22]، وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ [الروم:23]، وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا [الروم:24]، وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ [الروم:25]، آيات بعد آيات ليتدبر الإنسان في آيات الله سبحانه وتعالى، وآيات الله عز وجل عظيمة وكثيرة.

    ومن ضمن آيات الله العظيمة، ومن ضمن هذه المعجزات التي نراها: أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ [الروم:20] أي: بدأ خلق الإنسان من تراب، ثم جعله نطفة فِي قَرَارٍ مَكِينٍ [المؤمنون:13]، ثم خلق هذه النطفة علقة، ثم خلقها مضغة، ثم جعل المضغة عظاماً وكسا العظام لحماً، ثم أنشأ الإنسان خلقاً آخر كما ذكر سبحانه في سورة المؤمنون، وفي سورة الحج التفصيل في ذلك.

    قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ [الروم:20]، وخلق الإنسان ليس من تراب فقط، ولكن من تراب ومن ماء، أي: من طين، هذا أصل الإنسان، والعلماء الذين ينظرون في ذلك يقولون: إن كل عناصر الإنسان موجودة في هذا التراب الذي يمشي فوقه، فالله يخبرك أنه خلقك من هذا التراب الذي تسير عليه، هذا التراب الذي يحتقره الإنسان، والذي لو سقط على ثوب الإنسان بسرعة ينفض التراب ويغسل الثوب، فهو يستقذر ثوبه بهذا التراب، وهو مخلوق من هذا التراب، ويمشي فوق الأرض ويطأ على الأرض برجله وهو يحتقر هذا الذي يسير عليه، وهو أصلاً خلق منه، إن العلماء حللوا جسم الإنسان فوجدوا عناصر التراب الذي في الأرض أكثر من عناصر الإنسان، ووجدوا أن جسم الإنسان يحتوي على مجموعة من العناصر موجودة كلها في التراب، والتراب فيه عناصر أكثر منه.

    فالتراب فيه حوالى مائة عنصر من العناصر، والإنسان فيه اثنان وعشرون عنصراً من هذه العناصر الموجودة في التراب، فحين يموت الإنسان يصير تراباً في الأرض من ضمن التراب الموجود في الأرض، وقالوا: إن في جسم الإنسان الأكسجين، وفيه الهيدروجين على شكل ماء، وخمسة وستون في المائة من جسم الإنسان ماء.

    ويقول العلماء: في جسم الإنسان عناصر مثل الكربون، ومثل الهيدروجين والأكسجين، وتشكل في الإنسان ما يسمى بالمركبات العضوية من سكريات، ودهون، وبروتينات، وفيتامينات، وهرمونات، وخمائر، كلها مواد موجودة من الكربون والأكسجين والهيدروجين الذي في الإنسان، وهي مواد جافة خلقها الله سبحانه وتعالى فيه.

    يقول العلماء: هذه المواد تقسم ثلاثة أقسام:

    القسم الأول: مواد الكلور، والكبريت، والفسفور، والبوتاسيوم، والصوديوم تشكل ستين إلى ثمانين في المائة من المواد الجافة الموجودة داخل الإنسان.

    القسم الثاني: مواد بنسبة وهي الحديد، والنحاس، واليود، والمغنسيوم، والمنجنيز، والكوبالت، والتوتيا، والملفيديم.

    القسم الثالث: عناصر آخر أقل من ذلك بشكل فقير جداً في الإنسان وبشكل زهيد، والله عز وجل ركب كل شيء في الإنسان بحكمة، ولو زاد هذا الشيء لحصل للإنسان تسمم، فأقل هذه العناصر وجوداً في الإنسان الفلور، الألمنيوم، القورن، السلنيوم، الكنديون، الكروم.

    وتركيب الإنسان كما قال الله تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ [المؤمنون:12] أي: من خلاصة من هذا الطين، إذاً: ليس خلقه من كل التراب، ولكن من بعض عناصر التراب، ومع ذلك كرمه الله سبحانه وتعالى فقال: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [الإسراء:70].

    ولذلك الشيطان احتقر آدم، وأبى أن يسجد له؛ لأنه مخلوق من تراب فقال: خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [الأعراف:12].

    فلو أن الإنسان عومل هذه المعاملة على أنه عبارة عن منجم من المناجم التي فيها هذه العناصر، فإنه لا يساوي شيئاً، وقال العلماء: إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن الإنسان فقال: (إن الله خلق آدم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض)، إذاً: آدم قبضة مقبوضة من جميع الأرض، فجاء منها آدم، وجاء من آدم أولاده على حسب هذه الأرض، جاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك، والسهل، والحزن، والخبيث، والطيب.

    والأرض فيها أرض بيضاء، وأرض حمراء، وأرض سوداء، وأرض طيبة، وأرض خبيثة، وأرض سهلة، وأرض جبال صعبة، والإنسان جاءت خلقته على ما هو موجود في الأرض.

    وقالوا: إنه بتحليل جسم الإنسان عرفنا أنه تكون من مركبات، من ضمنها هذه المعادن التي في الإنسان، مثل: الفسفور والكبريت والمغنسيوم والكالسيوم والبوتاسيوم وغيرها، وقال العلماء: لو أخذت المعادن التي في جسم الإنسان وقمت بتركيبها لخرجت بالمكونات التالية: علبة طباشير، وعلبة كبريت، ومسمار صغير، وحفنة من الملح، ومواد أخرى لا قيمة لها، هذا هو أصل خلق الإنسان! ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم نبه أصحابه إلى ذلك، وبصق في يده الشريفة صلى الله عليه وسلم وأخبر أن الإنسان خلق من مثل هذا البصاق، ثم يتعالى على الله سبحانه وتعالى، ويأبى أن يعبد الله سبحانه وتعالى!!

    يقول العلماء: إن الثوب الذي يلبسه الإنسان أغلى من العناصر الموجودة فيه والتي تكون منها، والساعة التي يلبسها في يده أغلى من العناصر الموجودة فيه، ولكن الذي كرمه وجعل له القدر والقيمة هو الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [الإسراء:70]، إذاً: التكريم في أصله لا يستحقه، ولكن الله بفضله وبكرمه سبحانه رفعه، وكرمه، وأسجد له الملائكة، وجعل في الإنسان ما يعود إلى ربه من فضل الله سبحانه، وخلق الإنسان من طين، وخلق الشيطان من نار، ولو خلق الإنسان من نار لنفر كالشيطان، فآدم لما أخطأ رجع إلى أصله، رجع إلى الطين الذي فيه التؤدة، والذي فيه احتقار النفس، والذي فيه التواضع والركون إلى ربه سبحانه وتعالى.

    والشيطان لما تغيظ رجع إلى أصله، إلى النار، وإلى النفور والرفض فقال لله سبحانه وتعالى: فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [ص:82]، قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا [الإسراء:61]، رجع الشيطان إلى أصله، وقال: خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [الأعراف:12]، وآدم رجع إلى أصله، وهو الطين لما عصى الله سبحانه وتعالى، فقال: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:23]، فرجع إلى أصله الطين، حيث احتقر نفسه فتواضع لله فاستحق أن يغفر الله عز وجل له، وأن يعيده إلى الجنة مرة ثانية، فكان أن خلق الله الإنسان من طين فضلاً ومنة منه سبحانه على العبد، فيستشعر الإنسان في نفسه بأنه عبد لله وأنه حقير، وأن الله الخالق الجليل الكبير العظيم الذي يستحق العبادة، فيعبد ربه ويتوب إليه سبحانه وتعالى.

    وهنا في الآية يقول الله سبحانه وتعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ [الروم:20]، وفي الآية الأخرى يقول: سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ [يس:36]، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

    وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755963788