إسلام ويب

تفسير سورة الكهف [22-26]للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الأصل في القصص القرآني أن تؤخذ منه العبرة والفائدة، أما الخوص فيما لا فائدة فيه كعدد أصحاب الكهف وأسمائهم واسم كلبهم فليس هذا من العلم الضروري، ولا ينبغي الخوض فيه بلا علم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم...)

    قال الله تعالى: [ سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا [الكهف:22].

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ يقول تعالى مخبراً عن اختلاف الناس في عدة أصحاب الكهف، فحكي ثلاثة أقوال فدل على أنه لا قائل برابع، ولما ضعف القولين الأولين بقوله: رَجْمًا بِالْغَيْبِ [الكهف:22] أي: قولاً بلا علم كمن يرميه إلى مكان لا يعرفه، فإنه لا يكاد يصيب وإن أصاب فبلا قصد، ثم حكى الثالث وسكت عليه أو قرره بقوله: وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ [الكهف:22] فدل على صحته وأنه هو الواقع في نفس الأمر.

    وقوله: قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ [الكهف:22] إرشاد إلى أن الأحسن في مثل هذا المقام رد العلم إلى الله تعالى، إذ لا احتياج إلى الخوض في مثل ذلك بلا علم، لكن إذا أطلعنا على أمر قلنا به وإلا وقفنا ].

    فهذا هو الواجب على المسلم، فالشيء الذي لا يعرفه يكل علمه إلى الله، وإذا أطلعه الله على شيء قال به وإلا فيتوقف ويقول: الله أعلم.

    وكذلك ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه أنكر على أناس يتكلمون، وقال: الناس يتكلمون بغير علم؛ من سئل عن شيء لا يعلمه، فليقل: الله أعلم، فإن الله قال لنبيه: قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ [ص:86].

    وكان الصحابة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إذا سئلوا أو سألهم قالوا: الله ورسوله أعلم؛ لأنه ينزل عليه الوحي حال حياته وأما بعد موته عليه الصلاة والسلام فيقال: الله أعلم.

    بين الله سبحانه وتعالى أن الناس اختلفوا في عدة أصحاب الكهف على ثلاثة أقوال:

    قيل: ثلاثة والرابع الكلب.

    وقيل: خمسة والسادس الكلب.

    وقيل: سبعة والثامن الكلب.

    أما القولان الأولان: فبين الله بطلانها في قوله رَجْمًا بِالْغَيْبِ [الكهف:22]، يعني: قول لا دليل عليه، كالرامي الذي يرمي بغير قصد فلا يصيب، وإن أصاب فتكون رمية من غير رام، وأما الثالث فسكت عنه، وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ [الكهف:22].

    فبين سبحانه وتعالى أن الأمثل والأحسن في مثل هذا أن يوكل العلم إلى الله، قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ [الكهف:22].

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقوله: مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ [الكهف:22] أي: من الناس.

    قال قتادة : قال ابن عباس : أنا من القليل الذي استثنى الله عز وجل كانوا سبعة، وكذا روى ابن جرير عن عطاء الخراساني عنه أنه كان يقول: أنا ممن استثنى الله عز وجل، ويقول عدتهم سبعة.

    وقال ابن جرير : حدثنا ابن بشار حدثنا عبد الرحمن حدثنا إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس : مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ [الكهف:22] قال: أنا من القليل كانوا سبعة، فهذه أسانيد إلى ابن عباس أنهم كانوا سبعة، وهو موافق لما قدمناه.

    وقال محمد بن إسحاق بن يسار عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد قال: لقد حدثت أنه كان على بعضهم من حداثة سنه وضح الورق. قال ابن عباس : فكانوا كذلك ليلهم ونهارهم في عبادة الله يبكون ويستغيثون بالله وكانوا ثمانية نفر مكسلمينا، وكان أكبرهم، وهو الذي كلم الملك عنهم، ويمليخا ومرطونس وكسطونس وبيرونس ودنيموس ويطبونس وقالوش ].

    وهذه كلها أسماء أعجمية ولا دليل على صحتها، وكلها من أخبار بني إسرائيل.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ هكذا وقع في هذه الرواية، ويحتمل أن هذا من كلام ابن إسحاق ومن بينه وبينه، فإن الصحيح عن ابن عباس أنهم كانوا سبعة وهو ظاهر الآية، وقد تقدم عن شعيب الجبائي أن اسم كلبهم حمران، وفي تسميتهم بهذه الأسماء، واسم كلبهم نظر في صحته والله أعلم، فإن غالب ذلك متلقى من أهل الكتاب وقد قال تعالى: فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا [الكهف:22] أي: سهلاً هيناً فإن الأمر في معرفة ذلك لا يترتب عليه كبير فائدة.

    وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا [الكهف:22] أي: فإنهم لا علم لهم بذلك إلا ما يقولونه من تلقاء أنفسهم رجماً بالغيب أي: من غير استناد إلى كلام معصوم، وقد جاءك الله يا محمد بالحق الذي لا شك فيه ولا مرية فيه، فهو المقدم الحاكم على كل ما تقدمه من الكتب والأقوال ].

    ولا شك أن هذه الأقوال في أسمائهم لا دليل عليها، ولهذا قال الله تعالى: فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا [الكهف:22]، لا تجادل فيهم ولا تستفت منهم أحداً، فإنهم ليس عندهم دليل إلا ما يقولون من تلقاء أنفسهم، والله تعالى جاء نبيه بالحق الواضح الذي لا مرية فيه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً ...)

    قال الله تعالى: قال الله تعالى: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا [الكهف:23-24].

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ هذا إرشاد من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم إلى الأدب فيما إذا عزم على شيء ليفعله في المستقبل أن يرد ذلك إلى مشيئة الله عز وجل علام الغيوب الذي يعلم ما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، كما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قال سليمان بن داود عليهما السلام: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة -وفي رواية-: تسعين امرأة، وفي رواية: -مائة امرأة- تلد كل امرأة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله، فقيل له -وفي رواية: قال له الملك-: قل إن شاء الله، فلم يقل فطاف بهن فلم يلد منهن إلا امرأة واحدة نصف إنسان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لو قال إن شاء الله لم يحنث وكان دركاً لحاجته، وفي رواية: ولقاتلوا في سبيل الله فرساناً أجمعين).

    وقد تقدم في أول السورة ذكر سبب نزول هذه الآية في قول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن قصة أصحاب الكهف: (غداً أجيبكم)فتأخر الوحي خمسة عشر يوماً.. ].

    فهذه الآية فيها إرشاد من الله سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم -وهو إرشاد لأمته- ألا يقول لشيء إنه سيفعله في المستقبل إلا أن يشاء الله، فيقيد ذلك بمشيئة الله، ولهذا قال سبحانه: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الكهف:23-24].

    فإذا أراد الإنسان أن يفعل شيئاً أو يقول شيئاً، فإنه يقول: إن شاء الله.

    فهذا تقييد بمشيئة الله؛ لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي بيده الأمر، وهو علام الغيوب، وهو يعلم ما كان في الماضي ويعلم ما يكون في المستقبل، ويعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون.

    فإن الله سبحانه أخبر أنه يعلم الشيء الذي لا يكون، قال سبحانه وتعالى عن المنافقين: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا [التوبة:47]، فأخبر ماذا سيعملون لو خرجوا؟! وهم ما خرجوا.

    وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ * لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ [التوبة:46-47].

    فأخبر سبحانه وتعالى عن حالهم لو خرجوا، ماذا سيعملون؟!

    ومثله قوله تعالى: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [الأنفال:23].

    وقال سبحانه عن أهل النار لما طلبوا الإعادة والرجعة إلى الدنيا: وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ [الأنعام:28].

    فهذا من علمه سبحانه بما لم يكن لو كان كيف يكون.

    وفي قصة سليمان عليه الصلاة والسلام أنه ترك التقييد بالمشيئة، فلم يقل: إن شاء الله، بل قال: (لأطوفن الليلة على سبعين امرأة -وفي رواية-: تسعين امرأة تلد كل واحدة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله).

    وهذا من عنايته واهتمامه بالجهاد عليه الصلاة والسلام، وفيه دليل على أن الأنبياء أعطاهم الله القوة على جماع تسعين امرأة في ليلة، فهذا شيء عظيم! ونبينا صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه في حجة الوداع في وقت واحد عليه الصلاة والسلام، وجاء أيضاً في الحديث في المدينة أنه طاف على نسائه بغسل واحد عليه الصلاة والسلام.

    فالأنبياء أعطاهم الله قوة، فمثل هذا لا يستطيع أحد من البشر أن يطوف على تسعين امرأة في ليلة واحدة.

    وفيه دليل على أن شريعة بني إسرائيل فيها توسع في النساء، ثم قصر الله هذه الأمة على أربع نسوة، كذلك داود عليه الصلاة والسلام كان عنده عدد كثير من النساء، واليهود يعيبون على المسلمين الآن التعدد، والنصارى يعيبون على المسلمين التعدد إلى أربع نسوة، ويرون الاقتصار على واحدة، وهم في شريعتهم -شريعة بني إسرائيل- يجوز فيها التعدد الكثير، وهذا من ظلمهم وجهلهم!

    فالمقصود: أن هذه الآية فيها إرشاد من الله سبحانه وتعالى لنبيه وللأمة أن يقيدوا أقوالهم وأفعالهم بالمشيئة، وأن يوكلوا الأمر إلى الله عز وجل، قال تعالى: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الكهف:23-24]، ولكن سليمان عليه الصلاة والسلام لما قال: إنه سيطوف على تسعين امرأة تلد كل واحدة منهن غلاماً، لم يقل: إن شاء الله، وفي لفظ: أنه نسي، وفي لفظ: أنه قال له صاحبه: قل إن شاء الله؟ فلم يقل، فطاف عليهن، ولم تلد إلا واحدة منهن شق إنسان أي: نصف إنسان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لو قال: إن شاء الله لم يحنث، وكان دركاً لحاجته، ولقاتلوا في سبيل الله فرساناً أجمعين).

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقد تقدم في أول السورة ذكر سبب نزول هذه الآية في قول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن قصة أصحاب الكهف (غداً أجيبكم) فتأخر الوحي خمسة عشر يوماً.

    وقد ذكرناه بطوله في أول السورة فأغنى عن إعادته ].

    وهذا موجود هذا في أول سورة الكهف لما ذهب كفار قريش وسألوا النبي صلى الله عليه وسلم بأمر من اليهود عن ثلاث: عن أصحاب الكهف، وعن ذي القرنين، وعن الروح فقال: (أخبركم غداً عما سألتم عنه) ولم يستثن، فانصرفوا عنه، فمكث رسول صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة، ثم نزل عليه الوحي فأخبره.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ قوله: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ [الكهف:24] قيل معناه: إذا نسيت الاستثناء فاستثن عند ذكرك له، قاله أبو العالية والحسن البصري ، وقال هشيم عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس في الرجل يحلف قال: له أن يستثني ولو إلى سنة، وكان يقول: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ [الكهف:24]، في ذلك قيل للأعمش : سمعته عن مجاهد ؟ فقال: حدثني به ليث بن أبي سليم يرى ذهب كسائي هذا ].

    قوله: (وقال هشيم عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس في الرجل يحلف له، قال: له أن تستثني ولو إلى سنة، وكان يقول: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ [الكهف:24]).

    هذا قول ضعيف، فالاستثناء لابد يكون متصلاً بالمستثنى منه، فإذا قال: والله لا أكلم زيداً غداً إن شاء الله، فإذا لم يكلمه لم يحنث، لكن إذا قام من مجلسه ثم أراد أن يستثني لا ينفع هذا، فالصواب: أنه لابد أن يكون الاستثناء متصلاً بالمستثنى منه، أما كونه يستثني بعد سنة على هذه الرواية عن ابن عباس إن صحت، كأن يحلف ألا يدخل بيت فلان، فإذا مرت سنة قال: إن شاء الله! فلن يحنث أحد أبداً، وكل من أراد ألا يحنث قال: إن شاء الله.

    وهذا قول ضعيف، ومردود؛ لأنه يلزم من هذا ألا يحنث أحد في يمين.

    فالصواب: أنه لابد أن يكون المستثنى متصلاً بالمستثنى منه، فإذا قال: والله لا أكلم زيداً غداً، ثم قال: إن شاء الله لا يحنث، لكن لابد أن يكون متصلاً.

    أما إذا قال: والله لا أكلم زيداً، ثم قام من مجلسه، وبعد ساعة أو ساعتين استثنى فلا يفيده هذا الاستثناء.

    قوله: (قيل للأعمش : سمعته عن مجاهد ؟ قال: حدثني به ليث بن أبي سليم يرى ذهب كسائي هذا).

    يعني: ذهب الكسائي إلى هذا القول.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ورواه الطبراني من حديث أبي معاوية عن الأعمش به، ومعنى قول ابن عباس أنه يستثني ولو بعد سنة أي: إذا نسي أن يقول في حلفه أو كلامه: إن شاء لله، وذكر ولو بعد سنة، فالسنة له أن يقول ذلك؛ ليكون آتياً بسنة الاستثناء حتى ولو كان بعد الحنث ].

    ولو استثنى لكن ما يفيده في كونه لا يحنث لكن يقول: إن شاء الله، تطبيقاً للسنة ومن باب التبرك، وإذا حنث لابد أن يكفر عن يمينه، إلا إذا كان الاستثناء متصلاً بالمستثنى منه.

    فإذا قال: والله لا آكل طعام فلان إن شاء الله، ثم أكل لا يحنث، لكن إذا تأخر الاستثناء وانقطع الكلام أو قام من مجلسه ثم استثنى يحنث في يمينه، ولا يفيده في عدم الحنث.

    قال المؤلف رحمه الله: [ حتى ولو كان بعد الحنث قاله ابن جرير رحمه الله ونص على ذلك، لا أن يكون ذلك رافعاً لحنث اليمين ].

    وهذا هو الصواب فهو لا يرفع اليمين، ولكنه من باب التبرك باسم الله وفعل السنة ولا يرفع حنث اليمين إلا إذا كان متصلاً بالكلام.

    قال المؤلف رحمه الله: [ لا أن يكون ذلك رافعاً لحنث اليمين ومسقطاً للكفارة، وهذا الذي قاله ابن جرير رحمه الله هو الصحيح وهو الأليق بحمل كلام ابن عباس عليه والله أعلم.

    وقال عكرمة: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ [الكهف:24] إذا غضبت وهذا تفسير باللازم.

    وقال الطبراني: حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني حدثنا سعيد بن سليمان عن عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن يعلى بن مسلم عن جابر بن زيد عن ابن عباس: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ [الكهف:23-24]، أن تقول: إن شاء الله. وهذا تفسير باللازم.

    وقال الطبراني: حدثنا محمد بن الحارث الجبلي حدثنا صفوان بن صالح حدثنا الوليد بن مسلم عن عبد العزيز بن حصين عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس في قوله: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ [الكهف:23-24]، أن تقول: إن شاء الله.

    وروى الطبراني أيضاً عن ابن عباس في قوله: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ [الكهف:24]، الاستثناء فاستثن إذا ذكرت وقال: هي خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس لأحد منا أن يستثني إلا في صلة من يمينه.

    ثم قال: تفرد به الوليد عن عبد العزيز بن الحصين ].

    بيان أن ذكر الله يطرد الشيطان

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ويحتمل في الآية وجه آخر وهو: أن يكون الله تعالى قد أرشد من نسي الشيء في كلامه إلى ذكر الله تعالى؛ لأن النسيان منشؤه من الشيطان، كما قال فتى موسى: وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ [الكهف:63] وذكر الله تعالى يطرد الشيطان، فإذا ذهب الشيطان ذهب النسيان، فذكر الله تعالى سبب للتذكر، ولهذا قال: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ [الكهف:24] ].

    فذكر الله تعالى سبب للتذكر، أو فذكر الله تعالى سبب للذُكر، والذُّكر ضد النسيان. أما الذكر: الأذكار المعروفة.

    هذا المعنى له وجه كما قال الحافظ رحمه الله يعني: إذا نسيت أن تذكر الله؛ لأن النسيان من الشيطان، وذكر الله يطرد الشيطان وإذا طرد الشيطان تذكرت ما نسيته قال تعالى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ [الكهف:24]، يعني: إذا نسيت شيئاً اذكر الله؛ لأن الذي أنساك هو الشيطان، وذكر الله يطرد الشيطان، وإذا ذهب الشيطان تذكرت حاجتك، وهذا فهم جيد من الآية.

    قال المؤلف رحمه الله: [ وقوله: وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا [الكهف:24]، أي: إذا سئلت عن شيء لا تعلمه فاسأل الله فيه وتوجه إليه في أن يوفقك للصواب والرشد في ذلك، وقيل في تفسيره غير ذلك والله أعلم ].

    يعني: إذا لم يعلم الإنسان شيئاً فليتوجه إلى الله سبحانه وتعالى ويسأله الرشد في هذا الأمر حتى يوفقه ويعلمه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين ...)

    قال الله تعالى: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا * قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا [الكهف:25-26].

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ هذا خبر من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بمقدار ما لبث أصحاب الكهف في كهفهم منذ أرقدهم إلى أن بعثهم الله وأعثر عليهم أهل ذلك الزمان, وأنه كان مقداره ثلاثمائة سنة تزيد تسع سنين بالهلالية وهي ثلاثمائة سنة بالشمسية، فإن تفاوت ما بين كل مائة سنة بالقمرية إلى الشمسية ثلاث سنين فلهذا قال بعد الثلاثمائة: وَازْدَادُوا تِسْعًا [الكهف:25] ].

    لأن الفرق بين السنة القمرية والشمسية عشرة أيام تقريباً، فالسنة الشمسية ثلاثمائة وستون يوماً تقريباً، وهي الأصل، ولكن السنة القمرية تنقص في الأشهر، ففي الغالب أن ستة أشهر منها تكون تسعة وعشرين يوماً، وستة أشهر تكون ثلاثين.

    قال المؤلف رحمه الله: [ وقوله: قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا [الكهف:26] أي: إذا سئلت عن لبثهم وليس عندك علم في ذلك, وتوقيف من الله تعالى فلا تتقدم فيه بشيء، بل قل في مثل هذا: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الكهف:26] أي: لا يعلم ذلك إلا هو ومن أطلعه عليه من خلقه وهذا الذي قلناه عليه غير واحد من علماء التفسير كـمجاهد وغير واحد من السلف والخلف.

    وقال قتادة في قوله: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ [الكهف:25]، الآية، هذا قول أهل الكتاب وقد رده الله تعالى بقوله: قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا [الكهف:26] قال: وفي قراءة عبد الله : (وقالوا: وَلَبِثُوا) يعني: أنه قاله الناس ].

    وقراءة عبد الله بن مسعود هذه قراءة شاذة كما قال الحافظ : والقول الأول، وهو أن هذا خبر من الله عن مدة لبثهم، وأنهم لبثوا ثلاثمائة سنين بالسنة الشمسية، وازدادوا تسعاً بالسنة القمرية.

    قال المؤلف رحمه الله: [ وهكذا قال قتادة ومطرف بن عبد الله ، وفي هذا الذي زعمه قتادة نظر فإن الذي بأيدي أهل الكتاب أنهم لبثوا ثلاثمائة سنة من غير تسع يعنون: بالشمسيةولو كان الله قد حكا قولهم لما قال: وَازْدَادُوا تِسْعًا [الكهف:25] والظاهر من الآية إنما هو إخبار من الله، لا حكاية عنهم وهذا اختيار ابن جرير رحمه الله، ورواية قتادة قراءة ابن مسعود منقطعة ثم هي شاذة بالنسبة إلى قراءة الجمهور فلا يحتج بها والله أعلم].

    أي: أن قراءة عبد الله بن مسعود شاذة ومنقطعة ولم يتصل سندها فلا يعول عليها. والصواب: أن هذا خبر من الله وليس من كلام أهل الكتاب، فتكون الآية فيها قولان:

    القول الأول: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ [الكهف:25]، أن هذا خبر من الله أخبرناه: كيف لبثوا في نومهم ثلاثمائة سنة بالسنة الشمسية، وازدادوا تسعاً بالسنة القمرية.

    والقول الثاني: أن هذا من قول أهل الكتاب، واحتجوا بقراءة عبد الله بن مسعود : (وقالوا وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ) ولكن هذه القراءة شاذة ومخالفة لقراءة الجمهور، وأيضاً منقطعة؛ فإن قتادة لم يسمع من ابن مسعود.

    إشكال وجوابه

    وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن يسمع هذا القرآن غضاً كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد) .

    يعني: في غير الشيء الذي يجتهد فيه، والقرآن متواتر، وهذا شاذ، لم يثبت عن ابن مسعود ، ولو ثبت فيحمل على أنه تفسير واجتهاد منه. وسند هذه القراءة منقطع.

    معنى قول الله تعالى: (أبصر به وأسمع)

    قال المؤلف رحمه الله: [ وقوله: أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ [الكهف:26]، أي: إنه لبصير بهم سميع لهم. قال ابن جرير: وذلك في معنى المبالغة في المدح، كأنه قيل: ما أبصره وأسمعه.

    وتأويل الكلام: ما أبصر الله لكل موجود وأسمعه لكل مسموع، لا يخفى عليه من ذلك شيء.

    ثم روي عن قتادة في قوله: أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ [الكهف:26] فلا أحد أبصر من الله ولا أسمع.

    وقال ابن زيد: أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ [الكهف:26]، يرى أعمالهم ويسمع ذلك منهم سميعاً بصيراً ].

    إثبات صفتي السمع والبصر لله

    وفيه إثبات السمع والبصر لله عز وجل، وأنه لا يخفى عليه شيء من أعمال العباد, بل يسمع أصواتهم، ولا يخفى عليه شيء من أعمالهم، ويرى حركاتهم من فوق عرشه، وهو سبحانه فوق العرش.

    فيرى البعوضة وهي أصغر المخلوقات في سواد الليل، ويرى مخ ساقها سبحانه وتعالى، ولا يخفى عليه شيء، ويسمع الأصوات الخفية.

    سبب نزول قوله تعالى (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها ...)

    وقد ثبت في سبب نزول قول الله تعالى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا [المجادلة:1]، أن المجادلة وهي خولة بنت حكيم جاءت تشكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم لما ظاهر منها زوجها أوس بن الصامت وقال: إنها عليه كظهر أمه. وجاءت تجادل النبي صلى الله عليه وسلم وتقول: يا رسول الله! إنه ظاهر مني، وإني أشكو إلى الله صبية إن ضممتهم إلي جاعوا وإن ضممتهم إليه ضاعوا، فقال لها النبي: (ما أراك إلا قد حرمت عليه) وجعلت تكرر ذلك وتقول: أشكو إلى الله صبية إن ضممتهم إلي جاعوا وإن ضممتهم إليه ضاعوا إنه تزوجني وأنا شابة، حتى إذا نثر بطني وأكل مالي جعلني كظهر أمه فهل تجد لي شيئاً أو كما قالت فقال النبي: (ما أراك إلا حرمت عليه) ، وكانت قد جاءت تشتكي إلى الله, وتقول: أشكو إلى الله فأنزل الله هذه الآية: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ [المجادلة:1] فجاء الفرج. قالت عائشة رضي الله عنها: سبحان من وسع سمعه الأصوات، فقد جاءت المجادلة وهي تتكلم مع النبي صلى الله عليه وسلم وإنه يخفى علي بعض كلامها، وقد سمع الله ذلك من فوق سبع سماوات وأنزل: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [المجادلة:1]ثم جاء الفرج بالكفارة، فقال تعالى: وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ [المجادلة:3] فكفر ثم رجعت إليه زوجته.

    بيان تفرد الله في حكمه

    قال المؤلف رحمه الله: [ وقوله: مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا [الكهف:26].

    أي: أنه تعالى هو الذي له الخلق والأمر, الذي لا معقب لحكمه وليس له وزير ولا نصير ولا شريك ولا مشير، تعالى وتقدس ].

    أقسام الحكم

    قوله تعالى: وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا [الكهف:26], يشمل الحكم الكوني القدري, والحكم الشرعي الديني فإنه الحاكم في خلقه قضاء وقدراً وخلقاً وتدبيراً.

    والحكم الكوني القدري هو: ما يجري على الإنسان من التقديرات من المصائب والمسرات وغيرهما، فلا أحد يشاركه فيها ولا أحد يمنعه فمثلاً: إذا حكم الله على أحد بالموت فلا أحد يمنعه، وكذلك إذا أعطى الله أحداً نعمة فلا أحد يستطيع منعها عنه وإذا أراد الله بأحد ضراً فلا أحد يستطيع دفعه، قال تعالى: مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ [فاطر:2] .

    وحكمه الشرعي هو: شريعته التي أنزلها ليحكم بها بين عبادة في الدنيا، وحكمه الجزائي يكون يوم القيامة فيجازي العباد بأعمالهم إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.

    فليس له شريك لا في حكمه الكوني القدري, ولا في حكمه الشرعي, ولا في حكمه الجزائي يوم القيامة.

    إذاً: فحكم الله ثلاثة أنواع: حكم كوني، وهو الذي يقدره الله على العباد من سقم ومرض وغنى وصحة وموت وحياة، وهذه الأحكام الكونية القدرية لا أحد يستطيع أن يمنعها، أو أن يشارك الله فيها.

    والثاني: الحكم الشرعي، وهو شريعة الله التي أنزلها ليُحكم بها بين عباده، وهي كتاب الله وسنة رسوله. وحكم الله الشرعي لا يشاركه أحد فيه.

    والثالث: الحكم الجزائي، ويكون يوم القيامة، عندما يجازي الله عباده، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، ولا أحد يشاركه في ذلك سبحانه وتعالى.

    قال ابن عاشور في التحرير والتنوير: (في قول الله سبحانه وتعالى: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا [الكهف:23]، وقد جمعت هذه الآية كرامة للنبي صلى الله عليه وسلم من ثلاث جهات:

    الأولى: أنه أجاب على سؤاله، فبين لهم ما سألوه إياه على خلاف عادته في مكابريه.

    والثانية: أنه علمه علماً عظيماً من أدب النبوة.

    والثالثة: أنه ما علمه ذلك إلا بعد أن أجاب على سؤاله، استئلافاً لنفسه أن لا يبادره بالنهي عن ذلك قبل أن يجيبه؛ كي لا يتوهم أن النهي يقتضي الإعراض عن إجابة سؤاله، وكذلك شأن تأديب الحبيب المكرم ومثلهما في الصحيح: أن حكيم بن حزام قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم سألته فأعطاني، ثم قال: يا حكيم ! إن هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع واليد العليا خير من اليد السفلى)، إلى آخر الحديث.

    وأما في قول الله عز وجل: قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ [الكهف:26]، إلى آخر الآية.

    قوله: وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا [الكهف:26] ، قال: هو رد على زعمهم بأن الله اتخذ آلهتهم شركاء له في ملكه).

    والمعروف عن كفار قريش أنهم لم يزعموا أن آلهتهم شريكة لله في الملك وإنما كانوا يعبدونها ويزعمون أنها تشفع لهم عند الله, وأنها تقربهم إلى الله زلفى، ولم يعتقدوا أنها تشارك الله في ملكه كما أخبر الله عنهم بقوله: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3]، يعني: قائلين. وقال: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ [يونس:18] .

    وفي هذه الآية: وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا [الكهف:26]، دليل على: أن الله تعالى ليس له شريك في حكمه، لا في حكمه الكوني القدري, ولا في حكمه الشرعي, ولا في حكمه الجزائي.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718711

    عدد مرات الحفظ

    765182639