حدثنا الحسين بن الحسن المروزي أنبأنا محمد بن أبي عدي حدثنا محمد بن أبي حميد حدثنا حفص بن عبيد الله بن أنس عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه) ].
هذا الحديث ضعيف؛ لأجل محمد بن أبي حميد فهو متروك، ومتهم بالكذب.
قال البوصيري : (هذا إسناد ضعيف من أجل محمد بن أبي حميد فإنه متروك ولم يترك).
ولم يترك، أي: لا يرى أنه يصل إلى درجة أنه متروك وضعيف.
ولا شك أن العلماء والأخيار الذين نفع الله بهم البلاد والعباد ونشروا العلم، وكذلك الدعاة والمصلحون وأهل الأموال الذين ينفقون أموالهم في المشاريع الخيرية، والذين ينفعون الناس بشفاعاتهم ووجاهتهم تكون أعمالهم قدوة للناس فهم مفاتيح للخير، ومغاليق للشر.
وهذا الحديث لا يستشهد به لأنه شديد الضعف.
وهذا الحديث ضعيف أيضاً؛ لأن فيه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وهو يضعف في الحديث، من الثامنة، وله إخوان كلهم ضعفاء، أشدهم ضعفاً عبد الرحمن ، ولكن هذا الحديث أقل ضعفاً من الحديث السابق، لأن الأول فيه متروك.
وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم لم يصل إلى درجة الترك، وروايته معتبرة في الشواهد، وعليه فكلا الحديثين يشد أحدهما الآخر ويتقوى به، وكل واحد منهما حسن لغيره، كما قال الشيخ ناصر رحمه الله.
حدثنا هشام بن عمار حدثنا حفص بن عمر عن عثمان بن عطاء عن أبيه عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنه ليستغفر للعالم من في السموات ومن في الأرض، حتى الحيتان في البحر).
وهذا الحديث ضعيف من أجل عثمان بن عطاء بن أبي مسلم الخراساني ، ولكن معناه صحيح، وإذا كانت الملائكة تستغفر لعموم المؤمنين فمعلم الناس من باب أولى، قال الله تعالى: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [غافر:7-9].
والحديث صححه العلامة الألباني رحمه الله متناً من أجل الشواهد والآية القرآنية التي هي الدعاء للمؤمنين، فكأنه يرى أن السند فيه ضعف، لكن المتن موافق للدعاء في الآية.
وهذا السند ضعيف؛ من أجل سهل بن معاذ بن أنس ، لكن المتن صحيح، فمن علم علماً فله أجر من عمل به، ويشهد له حديث: (من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة)، وحديث الإمام علي رضي الله عنه لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر قال: (فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم).
ويحيى بن أيوب قيل: إنه لم يدرك سهلاً بن معاذ ، وهذه هي العلة الثانية، وهي: الانقطاع.
هذا الحديث لا بأس بسنده، ويشهد له حديث أبي هريرة عند مسلم : (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)، وهو في معناه، فدل هذان الحديثان وأمثالهما على أن الإنسان بعد موته ينتفع بما تسبب به في الحياة وبما يهدى أيضاً إليه من ثواب أعمال صالحة أو دعاء من الأحياء.
والصدقة الجارية: هي الأوقاف التي يوقفها الإنسان في حياته كمسجد يبنيه، أو نخل يوقفها، أو مصاحف، أو غير ذلك من كتب العلم يطبعها ويجعلها وقفاً على طلبة العلم، أو دورات مياه يصلحها للناس؛ كل هذا من الصدقة الجارية.
(أو علم ينتفع به) يشمل الكتب التي ألفها، والطلاب الذين درسهم وما أشبه ذلك من العلم الذي ينتفع به بعد موته.
(أو ولد صالح يدعو له)، أي: ولد صالح رباه وعلمه، ونشأه فدعا له، وكذلك ينتفع بما يهدى إليه من صدقات الأحياء بعد موته، والأوقاف التي يوقفها الأحياء له، والدعوات التي يدعون له، كل ذلك ينتفع به.
وكذلك الاستغفار يعتبر نوعاً من أنواع الدعاء الذي ينفع الحي والميت.
وأما قراءة القرآن ففيه خلاف بين أهل العلم، وكذلك التسبيح، والتهليل، وصلاة ركعتين ينوي ثوابها للميت، ويصوم وينوي ثواب صيامه للميت، ويطوف بالبيت وينوي ثواب الطواف للميت، فهذا فيه خلاف بين العلماء، ولم يأت فيه نص، إنما النص ورد في أربعة أشياء: (يتبع الميت أربعة أشياء: الدعاء، والصدقة، والحج، والعمرة). فبعض العلماء قاس عليها الصلاة والصيام وقراءة القرآن والتسبيح يُنوى ثوابها للميت، وذهب إلى هذا الحنابلة وجماعة من أهل العلم، فقالوا: كل قربة فعلها وجعل ثوابها لمسلم حي أو ميت نفعته. هذا هو القول الأول.
والقول الثاني: أن العبادات توقيفية، وأن هذا خاص بما جاءت به النصوص، والنصوص إنما جاءت في أربعة أنواع: الدعاء والصدقة والحج والعمرة، وهذا هو الأرجح، ويلحق بذلك الصيام الذي يقضى عن الميت، إذا مات وعليه صيام من رمضان أو نذر أو كفارة يقضى عنه وينفعه؛ لما ثبت في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن النبي الله صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) يعني: عليه صوم واجب سواء كان من رمضان، أو كفارة، أو نذر.
وإذا صنع طعاماً وأهدى ثوابه للميت فلا بأس وفي أي وقت، ويتحرى الإنسان الذي هو أنفع للفقير، والصواب: أنه يقتصر على الأربع التي وردت: الدعاء، والصدقة، والحج، والعمرة، وكذلك قضاء الصوم الواجب على الميت، أما أن يصلي عن الميت ركعتين، أو يسبح، أو يطوف بالبيت وينوي ثوابها للميت فليس عليه دليل، لكن يصوم لنفسه، ويدعو للميت، ويصلي لنفسه ويدعو للميت، ويطوف بالبيت لنفسه ويدعو للميت.
وليس هناك وقت محدد للصدقة، فقد كان الناس قديماً أيام المجاعة يخصصون يومي الإثنين والخميس، لأنهما يومان تعرض فيهما الأعمال على الله، ولكن الأولى أن الإنسان يتحرى الأنفع للفقير.
وبعض الناس يتصدق في المقبرة، والأولى عدم التمادي في مثل هذا؛ لأنه قد يتوسع بعض الناس في ذلك.
لكن لو اشتد العطش مثلاً واحتاج الناس إلى شراب وأتى إنسان بشيء ليس معتاداً فلا بأس، أما كونه يعتاد هذا ويتوسع الناس فيه فلا، وقد توسع بعضهم في هذا حتى إنه يأتي بعصير وقد يأتي بحلويات، فهذا مما لا ينبغي.
والطواف المستقل إذا أهدي للميت فليس عليه دليل، ويستثنى من ذلك الحج والعمرة المستقلان، وبعض العلماء كالحنابلة وغيرهم قاسوا الطواف عليه، فقالوا: كل قربة تنفع الميت، كالطواف بالبيت، والتسبيح والتهليل، وصلاة ركعتين أو أكثر، وآخرون من أهل العلم اقتصروا على ما جاءت به النصوص، وهذا هو الأرجح.
أما الضحية فلا يشترط فيها كونها صدقة؛ لأنها نوع من الصدقة، أما إذا كانت وصية فلا بأس، وإذا كانت غير وصية فالأولى أن يشرك في الأموال.
أما صدقة التطوع، فأمرها عام وواسع، لكن الزكاة خاصة بالأصناف الثمانية.
وأبو الحسن القطان هو: راوي سنن ابن ماجة .
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يحيى حدثنا محمد بن وهب بن عطية حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا مرزوق بن أبي الهذيل حدثني الزهري حدثني أبو عبد الله الأغر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علماً علمه ونشره، وولداً صالحاً تركه. ومصحفاً ورثه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته يلحقه من بعد موته).
وهذا الحديث ضعيف؛ لأجل مرزوق بن أبي هذيل ، ولكن هذه الأمور التي ذكرها يغني عنها حديث أبي هريرة : (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) رواه الإمام مسلم في صحيحه.
قوله صلى الله عليه وسلم: [ (وولداً صالحاً تركه) ].
كذلك (ولد صالح يدعو له)، كما في حديث أبي هريرة عند مسلم .
قوله صلى الله عليه وسلم: [ (ومصحفاً ورثه) ].
هذا أيضاً من الصدقة الجارية، طبع كتاباً أو مصحفاً على نفقته فهو من العلم الذي ينتفع به.
وقوله صلى الله عليه وسلم: [ (أو مسجداً بناه) ].
كذلك هذا من الصدقة الجارية.
وقوله صلى الله عليه وسلم: [ (أو بيتاً لابن السبيل بناه) ].
كذلك هذا من الصدقة الجارية.
[ (أو نهراً أجراه) ].
وكذلك هذا من الصدقة الجارية.
[ (أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته) ].
وهي التي مضت في حياته.
[ (يلحقه من بعد موته) ].
كل هذه الألفاظ صحيحة وإن كان السند فيه ضعف.
ومن معاني: (مصحفاً ورثه) أن يأتي بمصحف ويوقفه للمسجد.
والصدقة حال الصحة والحياة أفضل، يقول النبي في صحيح البخاري لما سئل: (أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تمهل -أي: لا تؤخر- حتى إذا بلغت -يعني: الروح- الحلقوم قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان)، فأفضل الصدقة ما كان في زمن الصحة والشح، (وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر وتأمل الغنى) بخلاف ما إذا كان الإنسان مريضاً، وبسبب مرضه رخص عنده المال، بخلاف وقت الصحة يكون المال غال ونفيس؛ فإن تصدق في هذه الحالة كان أفضل.
ومعلوم أن النية تسبق العمل، فمن تصدق بشيء فهو على حسب نيته، فمن وضع مصحفاً في المسجد بنية الوقف فهو كذلك، وإن وضعه بنية أخذه فلا بأس بذلك، ومن تصدق بصدقة ينوي بها نفسه كتبت له، وإن نوى بها الميت فهي للميت، ولا يصح أن يتصدق بها على نفسه ثم ينوي بها للميت، فإذا سبقت النية العمل انتهى الأمر.
والاستغفار يصح، ويصل إلى الميت، أما التسبيح فما عليه دليل.
وابن خزيمة رحمه الله حسن الحديث، وهو يتساهل، لكن يحتمل أنه ترجح عنده التحسين للشواهد، ولحديث أبي هريرة عند مسلم.
وهذا ضعيف؛ لأجل يعقوب بن حميد شيخ ابن ماجة رحمه الله، وكذا فيه انقطاع فـالحسن لم يسمع من أبي هريرة ، ويعقوب روى عن إسحاق بن إبراهيم وهو كذلك ضعيف، فيكون فيه ثلاث علل: يعقوب شيخ المؤلف، وشيخ شيخه، والانقطاع بين الحسن وأبي هريرة ، ونشر العلم معلومة فضائله في النصوص الأخرى.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا سويد بن عمرو عن حماد بن سلمة عن ثابت عن شعيب بن عبد الله بن عمرو ، عن أبيه رضي الله عنه قال: (ما رئي رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل متكئاً قط، ولا يطأ عقبيه رجلان).
قال أبو الحسن : وحدثنا حازم بن يحيى حدثنا إبراهيم بن الحجاج السامي حدثنا حماد بن سلمة .
قال أبو الحسن : وحدثنا إبراهيم بن نصر الهمداني -صاحب القفيز- حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد بن سلمة ].
وهذا لا بأس بسنده، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يأكل متكئاً، والأولى للإنسان ألا يأكل متكئاً.
(ولا يطأ عقبيه رجلان) يعني: لا يمشون خلفه عليه الصلاة والسلام، خشية لما قد يقع في نفس الإنسان من الكبر، ولهذا ينبغي للإخوان ألا يمشوا خلف طالب العلم أو غيره، وإنما يكونوا أمامه أو عن يمينه أو عن شماله، وإذا كانوا أكثر من اثنين فمن باب أولى.
وقوله: (لا يأكل متكئاً).
هذا جاء من فعله عليه الصلاة والسلام (لا يأكل متكئاً)، ولا شك أن الأولى ترك هذا، أما كيفية الاتكاء، وهل يتكئ على يده اليسرى أم اليمنى؟ وما حكمه؟ فـالخطابي فسر الاتكاء: أن يكون متربعاً، وهذا ليس اتكاء، وفي كتاب الأطعمة للإمام البخاري رحمه الله ذكر هذا، والحافظ ابن حجر نقل كلام العلماء في كيفية الأكل متكئاً وحكمه، وأنه للكراهة.
وهذا ضعيف جداً من أجل علي بن يزيد الألهاني والقاسم، وأيضاً من نكارته أنه قال: (لئلا يقع في نفسه شيء من الكبر)؛ ما الذي أعلمه بالذي وقع في نفس النبي صلى الله عليه وسلم إلا إذا كان أخبره؟! ولكن هذا ضعيف، والعمدة على الحديث الأول: (كان النبي صلى الله عليه وسلم من فعله أنه لا يطأ عقبه اثنان) يعني: لا يمشي خلفه اثنان، فالأولى عدم المشي في الخلف.
وهذا لا بأس بسنده، وفيه: أن أصحابه يمشون أمامه أو عن يمينه أو عن شماله، ولا يمشون خلفه.
حدثنا محمد بن الحارث بن راشد المصري حدثنا الحكم بن عبدة عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (سيأتيكم أقوام يطلبون العلم، فإذا رأيتموهم فقولوا لهم: مرحباً مرحباً بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم واقنوهم)، قلت للحكم : ما اقنوهم؟ قال: علموهم ].
وهذا الحديث ضعيف من أجل أبي هارون العبدي وهو ضعيف، ولا يحتج به في أن النبي صلى الله عليه وسلم وصى بطلبة العلم، لكن ينبغي إكرامهم والإحسان إليهم والاهتمام بهم أولى من غيرهم، ويجب على المؤمن أن يكرم أخاه المؤمن، وأن يلقاه بالبشر والإحسان، وطلبة العلم في الدرجة الأولى من الإكرام.
وهذا ضعيف جداً؛ لأجل المعلى بن هلال فقد قيل: إنه ضعيف الحديث، وبعضهم حكم عليه بالوضع، ومما يدل أيضاً على ضعفه ونكارته: أن الحسن قال: أدركنا أقواماً يجفوننا، والذي أدركهم هم الصحابة، والصحابة لا يمكن أن يجفوهم، وإن كان بعضهم قد يحمله على أنه أدرك صغار الصحابة، لكنه أدرك بعض الصحابة، وإن كان لم يدرك أبا هريرة، والعناية بطلبة العلم معلومة من النصوص الأخرى.
وهذا الحديث ضعيف من أجل أبي هارون العبدي كما سبق، ولا تصح الوصية من النبي لطلبة العلم، لكن العناية بهم معروفة؛ فهم أولى الناس بها.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر