حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو -يعني ابن الحارث - عن ابن شهاب حدثني بعض من أرضى أن سهل بن سعد الساعدي أخبره أن أبي بن كعب أخبره (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما جعل ذلك رخصة للناس في أول الإسلام لقلة الثياب، ثم أمر بالغسل ونهى عن ذلك).
قال أبو داود : يعني الماء من الماء ].
الإكسال معناه: الضعف والفتور، وهو: أن يجامع فلا ينزل فمن جامع وغيب الحشفة في الفرج وجب عليه الغسل ولو لم ينزل، وكان في أول الإسلام إذا جامع الإنسان ولم ينزل، غسل ذكره وتوضأ وضوءه للصلاة، ثم نسخ ذلك، وأوجب الله سبحانه وتعالى الغسل بالجماع.
وهذا الحديث فيه مجهول، لأنه قال: حدثني بعض من أرضى أن سهل بن سعد ، فهذا مبهم لا بد من تسميته؛ لأنه قد يرضاه هو ولا يرضاه غيره، لعلة قادحة فيه، ولكن له شواهد في الصحيحين وغيرهما في أن الإنسان إذا جامع ولم ينزل فإنه يجب عليه الغسل.
وأبي بن كعب أخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما جعل عدم الاغتسال من الجماع بغير إنزال رخصة للناس في أول الإسلام؛ لقلة الثياب، ثم أمر بالغسل ونهى عن ذلك، هذا ثابت بالأحاديث الصحيحة، وإن كان هذا الحديث فيه انقطاع.
وقوله: (الماء من الماء) الماء الأول ماء الغسل، والماء الثاني ماء المني، أي: لا يجب الغسل إلا إذا خرج المني، وهذا كان في أول الإسلام ثم نسخ وبقي حكم ذلك في النائم فلا يجب عليه الغسل إلا إذا رأى المني.
قوله: (حدثني بعض من أرضى)، قال ابن حبان : تتبعت طرق هذا الخبر على أن أجد أحداً رواه عن سهل بن سعد فلم أجد في الدنيا أحداً إلا أبا حازم ، فيشبه أن يكون الرجل الذي قال الزهري : حدثني بعض من أرضى عن سهل بن سعد هو أبو حازم .
وعلى هذا فيكون الحديث متصلاً، لكن هو بهذا السند منقطع.
وسيأتي في الحديث الذي بعده، أن قليلاً من الصحابة والتابعين ذهبوا إلى أنه لا غسل إلا من الإنزال.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن مهران البزاز الرازي حدثنا مبشر الحلبي عن محمد أبي غسان عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد قال: حدثني أبي بن كعب : (أن الفتيا التي كانوا يفتون أن الماء من الماء كانت رخصة رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدء الإسلام ثم أمر بالاغتسال بعد) ].
هذا الحديث فيه ذكر أبو حازم الساقط في الحديث السابق، الذي يروي عن سهل بن سعد .
وهذا الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجة ، وقال الترمذي : حسن صحيح.
و سهل بن سعد يقول: حدثني أبي بن كعب : ( أن الفتيا التي كانوا يفتون أن الماء من الماء كانت رخصة رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدء الإسلام ثم أمر بالاغتسال بعد ) والذين يفتون بذلك جماعة من الصحابة منهم: علي وعثمان والزبير وطلحة وأبو أيوب ، كما أخرج الشيخان في صحيحيهما (أن هؤلاء الصحابة كانوا يفتون أن الماء من الماء) يعني: أنه لا يجب الغسل إلا من خروج المني، فإذا جامع ولم ينزل فلا يجب الغسل، وهذا كان رخصة في أول الإسلام رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أمر بالاغتسال بعد ذلك، وهذا صريح بأن هذا الحكم منسوخ، وهو ثابت في الصحيحين وفي غيرهما.
هذا الحديث رواه الشيخان بدون لفظ: ( وألزق الختان بالختان )، والمراد بشعبها الأربع هي: اليدان والرجلان هذا هو الأقرب، وقيل: الرجلان والفخذان وقيل: الفخذان والختان.
ففي رواية البخاري (إذا قعد بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل) وفي لفظ: (وإن لم ينزل) جهدها يعني: شدها بحركته وإن لم ينزل، وهذا الحديث فيه دليل على أنه يجب الغسل بمجرد الإيلاج فإذا أولج الذكر في الفرج، ومس الختان الختان؛ فإنه يجب الغسل.
والمراد من قوله: ( ألزق الختان بالختان ) أي: ألزق ختان الرجل بختان المرأة، والمراد تلاقي موضع القطع من الذكر مع موضعه من فرج الأنثى، وذلك لا يكون إلا إذا كان الذكر في الفرج، وليس المراد حصول مس الحشفة وهي رأس الذكر في الفرج، فلا يلاقي الختان الختان إلا إذا غيب الحشفة.
وقد أجمع العلماء على أنه لو وضع ذكره على ختانها ولم يغيب الحشفة لم يجب الغسل لا عليه ولا عليها، وإنما يجب الغسل بتغييب الحشفة في الفرج أو قدرها إذا كانت مقطوعة فإذا غيب الحشفة وهي رأس الذكر في الفرج فحينئذ يلتقي الختان بالختان؛ لأن الختان في المرأة في أعلى الفرج، فإذا غيب الحشفة في الفرج التقى الختان بالختان وليس المراد مس الختان بالختان.
فدل على أن قوله: ( إنما الماء من الماء ) منسوخ، وبقي حكم الماء من الماء في الاحتلام، فإن المحتلم لا يغتسل حتى يخرج منه الماء وهو المني، فإذا احتلم ولم يخرج منه شيء فلا غسل عليه، بخلاف المجامع فإنه إذا أولج ومس الختان الختان وغيب الحشفة في الفرج، فإنه يجب عليه الغسل.
هذا الحديث منسوخ بحديث: (إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جاهدها فقد وجب الغسل) أخرجه الشيخان، وفي لفظ لـمسلم : وإن لم ينزل)، لكن بقي حكم هذا في النوم فلا يجب الغسل إلا إذا أخرج الماء وهو المني، هذا هو الصواب، وقد بقي بعض الصحابة، وبعض التابعين على المذهب الأول، وكأنه لم يبلغهم النسخ، ولهذا قال الشارح: واعلم أن قليلاً من الصحابة والتابعين ذهبوا إلى أنه لا غسل إلا من الإنزال وهو مذهب داود الظاهري ، وهو قول ضعيف مرجوح.
والصواب الذي عليه الجماهير أنه يجب الغسل بمجرد التقاء الختانين بعد غيبوبة الحشفة في الفرج وهذا لا ينبغي العدول عنه، وأحاديث الباب كلها تدل على ذلك.
كذلك إذا قطعت الحشفة ثم غيب مقدارها في الفرج وجب الغسل.
حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا إسماعيل حدثنا حميد الطويل عن أنس : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه في غسل واحد).
قال أبو داود : وهكذا رواه هشام بن زيد عن أنس ومعمر عن قتادة عن أنس وصالح بن أبي الأخضر عن الزهري كلهم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم ].
هذا الحديث أخرجه الشيخان رحمهما الله، وهو دليل على أن الغسل لا يجب بين الجماعين، وأن الإنسان إذا جامع زوجته ثم أراد أن يجامع مرة أخرى فلا يجب عليه الغسل وإنما يستحب له أن يتوضأ بينهما، وكذلك إذا جامع عدداً من زوجاته فلا يجب عليه الغسل بينهن، لكن الغسل أفضل، وإن اقتصر على الوضوء فلا حرج.
ومقصود المؤلف رحمه الله من إيراد التعاليق في قوله: (وهكذا رواه هشام بن زيد عن أنس ومعمر عن قتادة عن أنس وصالح بن أبي الأخضر عن الزهري كلهم عن أنس ) أن الزيادة في قول أنس (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائة في غسل واحد) أي: في غسل واحد هي زيادة محفوظة، وإن لم يذكرها بعض الرواة عن أنس .
وقد استدل بعض العلماء بهذا الحديث على أن القسم بين الزوجات ليس واجباً على النبي صلى الله عليه وسلم حيث أنه طاف على نسائه بغسل واحد، وهذا يدل على أن القسم ليس بواجب على غير النبي؛ لأن وطء المرأة في غير نوبتها غير ممنوع، وذهب إلى هذا طائفة من أهل العلم، لكن ذهب الأكثرون إلى وجوب القسم بين الزوجات وأجابوا عن هذا الحديث بأجوبة منها: أن هذا كان برضا صاحبة النوبة، ومنها: أن هذا كان عند استيفاء القسمة، ثم يستأنف قسمة جديدة، ومنها: أن هذا كان عند السفر؛ لأنه كان إذا سافر أقرع بين نسائه فلم يقسم بينهن، فإذا أقام أقسم بينهن، ومنها: أن هذا كان قبل وجوب القسم، والأقرب أن هذا لا يخل بالقسم إذا كان في وقت واحد.
وفي هذا الحديث دليل على ما أعطيه النبي صلى الله عليه وسلم من القوة في الجماع، ولهذا قال أنس : (كنا نحدث أنه أعطي قوة ثلاثين رجلاً في الجماع) عليه الصلاة والسلام.
وقد ذكر العلماء في تعدد الزوجات للنبي صلى الله عليه وسلم من الحكم أنهن ينقلن بعض الأحكام التي لا يطلع عليها الرجال، ومن الحكم أيضاً ما يحصل من التآلف بين عدد من القبائل التي تزوج منهم النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون ذلك عوناً له على القيام بالدعوة ونشر الإسلام.
حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد عن عبد الرحمن بن أبي رافع عن عمته سلمى عن أبي رافع : (أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه قال: فقلت له: يا رسول الله، ألا تجعله غسلاً واحداً؟ قال: هذا أزكى وأطيب وأطهر).
قال أبو داود : وحديث أنس أصح من هذا ].
هذا الحديث أخرجه النسائي وابن ماجة .
والكلام على عبد الرحمن بن أبي رافع وعمته سلمى وهما مقبولان.
وقد روت عن أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم وعنها عبد الرحمن بن أبي رافع وغيره، وذكرها ابن حبان في الثقات، وقال ابن القطان : لا تعرف.
فالحديث ليس بالقوي، لكن له شواهد أخرى وقد حسنه الألباني .
وقال في التقريب: عبد الرحمن بن أبي رافع مقبول من الرابعة، وعمته مقبولة، والمقبول إذا توبع ارتفع إلى درجة الاحتجاج.
وقال أبو داود : حديث أنس أصح من هذا لا شك؛ لأن حديث أنس السابق في الصحيحين وفيه أنه ترك الاغتسال، وفي هذا الحديث أنه اغتسل، ويحمل هذا على استحباب الغسل قبل المعاودة، وحديث أنس على جواز ترك الغسل، ولهذا لما سأل أبو رافع النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ألا تجعله غسلاً واحداً؟ قال: هذا أزكى وأطيب وأطهر ) فالغسل أفضل قبل معاودة الوطء، وإن تركه واكتفى بالوضوء فلا حرج.
هذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه والترمذي والنسائي وابن ماجة ، وفيه استحباب الوضوء قبل معاودة الوطء، وقيل: إن الوضوء واجب، وذهب إلى هذا الظاهرية وجماعة، وذهب الجمهور على أنه مستحب وحملوا الأمر على الاستحباب، وقال الجمهور: إن الذي صرف الأمر من الوجوب إلى الاستحباب قوله كما في رواية أحمد بن حنبل وابن حبان والحاكم (فإنه أنشط للعود) فهذا يدل على الاستحباب، وأما الظاهرية وابن حنبل ومالك فقد ذهبوا إلى أنه للوجوب؛ لأن الأصل في الأوامر أنها للوجوب.
وبعض أهل العلم حمله على الوضوء اللغوي وهو غسل الفرج فقط، لكن ابن خزيمة رحمه الله رد هذا؛ لما رواه من طريق ابن عيينة عن عاصم في هذا الحديث فقال: (فليتوضأ وضوءه للصلاة).
والأصل أن الشارع تحمل ألفاظه على الاصطلاحات الشرعية والحقائق الشرعية، لكن هل هو للوجوب أو للاستحباب؟
قول الظاهرية قول قوي في الوجوب والجمهور حمله على الاستحباب لقوله في الرواية الأخرى: (فإنه أنشط للعود)، إذاً: يكون الوضوء بين الجماعين مستحب متأكد أو واجب، أما الغسل فإنه مستحب وليس بواجب كما في حديث أنس . وحديث أبي رافع يحمل على استحباب الغسل، وحديث أنس السابق يدل على أنه لا يجب الغسل.
وحديث أبي سعيد هذا يدل على تأكد الوضوء بين الجماعين.
حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أنه قال: (ذكر
هذا الحديث أخرجه الشيخان والنسائي ، والحديث فيه دليل على أمر الجنب بالوضوء إذا أراد أن ينام وهو للاستحباب، وذهبت الظاهرية إلى أن الجنب إذا أراد أن ينام فإنه عند الظاهرية للوجوب، وهو قول قوي؛ لأن الأصل في الأوامر أنها للوجوب فلا تصرف عن الوجوب إلا بصارف.
قوله: ( توضأ واغسل ذكرك ثم نم ) يعني: أنه يغسل ذكره أولاً ثم يتوضأ.
ووضوء الجنب للنوم متأكد جداً، ثم يليه الوضوء للأكل، ثم يليه الوضوء للشرب، وآكدها الوضوء للنوم.
قوله: ( ثم نم ) من نام ينام ومن خاف يخاف، والأمر منهما نم وخف.
حدثنا مسدد وقتيبة بن سعيد قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة).
حدثنا محمد بن الصباح البزاز حدثنا ابن المبارك عن يونس عن الزهري بإسناده ومعناه، زاد: (وإذا أراد أن يأكل وهو جنب غسل يديه).
قال أبو داود : ورواه ابن وهب عن يونس فجعل قصة الأكل قول عائشة مقصوراً، ورواه صالح بن أبي الأخضر عن الزهري كما قال ابن المبارك ، إلا أنه قال: عن عروة أو أبي سلمة ، ورواه الأوزاعي عن يونس عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم كما قال ابن المبارك ].
الحديث الأول قد سبق الكلام عليه، لكن حديث محمد بن الصباح فيه زيادة: ( وإذا أراد أن يأكل وهو جنب غسل يديه ) فدل على أن الجنب له أن يأكل ويشرب من غير وضوء، ويأتي في الباب الذي بعده أنه يستحب له الوضوء، فالجمع بينهما أنه يجوز له أن يأكل من دون وضوء ولكن الوضوء أفضل.
وحديث عائشة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة )، أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة وأحمد وابن خزيمة .
حدثنا مسدد حدثنا يحيى حدثنا شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يأكل أو ينام توضأ) تعني وهو جنب ].
في هذا الحديث أن الجنب يتوضأ ثم يأكل أو يشرب أو ينام، وهذا الوضوء للاستحباب كما سبق عند الجمهور، وهو للوجوب عند الظاهرية إذا أراد أن ينام.
قال أبو داود : بين يحيى بن يعمر وعمار بن ياسر في هذا الحديث رجل، وقال علي بن أبي طالب وابن عمر وعبد الله بن عمرو : ( الجنب إذا أراد أن يأكل توضأ ) ].
هذا الحديث ضعيف لانقطاعه، كما قال أبو داود : بين يحيى بن يعمر وعمار بن ياسر رجل فيكون منقطعاً، وهو ضعيف، لكن يشهد له الحديث الذي قبله، وهو يدل على مشروعية الوضوء للجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام.
ويؤيد هذا قول علي بن أبي طالب وابن عمر وعبد الله بن عمرو (أن الجنب إذا أراد أن يأكل توضأ وهذا أخذ من الأحاديث).
حدثنا مسدد حدثنا معتمر ح وحدثنا أحمد بن حنبل حدثنا إسماعيل بن إبراهيم قالا: حدثنا برد بن سنان عن عبادة بن نسي عن غضيف بن الحارث ، قال: (قلت لـ
هذا الحديث فيه أنه لا بأس بتأخير الجنب للغسل إلى آخر الليل، لكن يتوضأ قبل النوم كما ثبت في الصحيحين وغيرهما، من حديث عمر ، ويكره في حقه كراهة شديدة ترك الوضوء، حتى قال الظاهرية: بأن الوضوء واجب، وهو قول قوي؛ لأن الأصل في الأوامر أنها للوجوب.
وأما ما ذكر من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر في أول الليل، ويوتر آخره فقد جاء في الصحيح عن عائشة أنها قالت: (من كل الليل أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وكذلك قراءة القرآن، كان يتلو على حسب الحال، إن كان عنده من يتأذى بالجهر كالنائم فإنه يخفت بها، وإن لم يكن عنده من يتأذى جهر.
ومن قال: إن اسمه الحارث بن غضيف فقد وهم وإنما هو غضيف وقد بقي إلى زمن عبد الملك بن مروان ، وقال العجلي : غضيف بن الحارث تابعي ثقة، وقال الدارقطني : ثقة من أهل الشام.
وعبادة بن نسي الكندي أبو عمروا الأردني ثقة من الثالثة، قاضي طبرية روى عن أبي الدرداء وأبي موسى وشداد بن أوس وغضيف بن الحارث وخباب بن الأرت وخلق كثير، وعنه برد بن سنان والمغيرة بن زياد وطائفة، وثقه ابن معين ، مات سنة ثمانية عشرة.
والحديث ثابت، وما دل عليه الحديث له شواهد كثيرة في الصحيحين وفي غيرهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ربما أخر الاغتسال إلى آخر الليل، وكذلك أيضاً الإيتار كان يوتر أول الليل وكان يوتر آخره.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حفص بن عمر النمري حدثنا شعبة ، عن علي بن مدرك ، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن عبد الله بن نجي ، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة ولا كلب ولا جنب) ].
هذا الحديث سبق وأن أخرجه النسائي ، والحديث في صحته نظر، من أجل الكلام في عبد الله بن نجي وفي أبيه، قال البخاري رحمه الله : عبد الله بن نجي فيه نظر وأبوه نجي أيضاً فيه كلام.
وقال الحافظ : مقبول وفي حديثه كلام.
والعلماء اختلفوا في صحة حديثه منهم من صحح حديثه، ومنهم من لم يصحح حديثه، ولو صح فهو محمول على ما إذا لم يتوضأ، كما بوب النسائي رحمه الله باب الجنب إذا لم يتوضأ وساق هذا الحديث وكما بوب البخاري رحمه الله باب كينونة الجنب في البيت إذا توضأ قبل أن يغتسل.
وسبق الكلام على أن قوله: ( لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة ولا كلب ) هذا الحديث مخرج في الصحيحين، والمراد بالكلب غير كلب الصيد والزرع والغنم، والمراد بالصورة صور ذوات الأرواح ويستثنى من هذا الصور الصور الممتهنة، وكذلك صور غير ذوات الأرواح.
وسبق أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للجنب أن ينام إذا توضأ، وربما أخر النبي صلى الله عليه وسلم الغسل إلى آخر الليل، فقوله: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة ولا كلب ولا جنب) هذا الحديث فيه ضعف.
ولهذا اختلف العلماء في صحته، والأقرب أن هذه الرواية لا تصح، وإن صحت فهي محمولة على ما إذا لم يتوضأ كما سبق.
والصورة مطلقاً لا تجوز إلا للضرورة، وصور ذوات الأرواح لا تجوز إلا إذا أزيل الرأس والوجه.
قال أبو داود : حدثنا الحسن بن علي الواسطي ، قال: سمعت يزيد بن هارون يقول: هذا الحديث وهم، يعني حديث أبي إسحاق ].
أبو إسحاق السبيعي متكلم فيه، وهذا الحديث فيه كلام كثير للعلماء، والمستنكر منه قوله: ( من غير أن يمس ماء ) فإن هذا مخالف للأحاديث الصحيحة التي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للجنب أن ينام إذا توضأ، وربما أخر الغسل إلى آخر الليل.
وقد اختلف العلماء في ثبوت هذه اللفظة: (من غير أن يمس ماء) فقد نقل أبو داود عن الحسن بن علي الواسطي قال: سمعت يزيد بن هارون يقول: هذا الحديث وهم، يعني: حديث أبي إسحاق .
ونقل ابن القيم رحمه الله كلاماً للعلماء في هذا ورجح أن هذه اللفظة وهم، والصواب ما قاله ابن القيم أن هذه اللفظة وهم وغلط من أبي إسحاق السبيعي ، وعليه فلا يصح الحديث وعلى هذا لو صح هذا الحديث فله جوابان كما قال النووي رحمه الله.
الجواب الأول: أن المراد أنه لا يمس ماء للغسل، لكنه يمس ماءً للوضوء.
والثاني: أنه كان في بعض الأوقات لا يمس ماء أصلاً؛ لبيان الجواز.
والصواب أن هذه اللفظة غير صحيحة وهذا الحديث غير صحيح.
وأبو إسحاق رحمه الله مدلس، فيحتمل أنه دلسه عن غيره؛ لأن الأحاديث كثيرة كما في رواية الأسود عن عائشة رضي الله عنها في إثبات الوضوء، فيحتمل أنه دلس عن غير الأسود .
وقد جاء عند البيهقي التصريح بالسماع في هذه الرواية، ولو ثبت هذا فهو شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة، أو أنه ترك الوضوء في هذه المرة لبيان الجواز.
حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة قال: (دخلت على
هذا الحديث في هذه الترجمة لبيان حكم قراءة الجنب للقرآن، وفيه قصة عبد الله بن سلمة قال: (دخلت على
وهذا الحديث أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة ، وهو حديث ضعيف؛ لأن فيه عبد الله بن سلمة المرادي ، وأنكر من حديثه، ولا يتابع عليه، ولكن ورد في الباب أحاديث يقوي بعضها بعضاً فتصلح للاحتجاج، ولهذا ذهب الجمهور من العلماء إلى أن الجنب لا يقرأ شيئاً من القرآن ولو كان عن ظهر قلب، وهذا الحديث -وإن كان ضعيفاً- لكن له شواهد يتقوى بها، وجاء في الحديث الآخر: (فأما الجنب فلا ولا آية)، ومراده عن ظهر قلب.
وأما إذا كان حدثه أصغر، فإنه يجوز له أن يقرأ القرآن عن ظهر قلب لكن لا يمس المصحف حتى يتوضأ، ومن كان يدرس طلاباً مميزين، فعليه أن يأمرهم بالوضوء قبل أن يمسوا القرآن الكريم.
واختلف العلماء في الحائض والنفساء هل يقرأان القرآن؟ على قولين: فذهب الجمهور إلى أنهما لا يقرأان، وقالوا: إن حدثهما أغلظ من الجنب، واستدلوا بحديث ضعيف في ذلك، وذهب إلى هذا كثير من الفقهاء كالحنابلة وغيرهم.
والقول الثاني: أنهما يقرأان، ولا يقاسان على الجنب كما قال الجمهور؛ لأنه قياس مع الفارق، فالجنابة مدتها قصيرة، والحيض والنفاس مدتهما طويلة، فقد تنسى الحائض والنفساء القرآن إذا كانتا حافظتين له، فتضطران إلى قراءته، وليس هناك دليل يمنعهما من قراءة القرآن، والقياس هنا قياس مع الفارق.
والصواب أن الحائض والنفساء لا بأس أن يقرأان القرآن عن ظهر قلب؛ لأنه ليس هناك دليل يمنعهما، وقياسهما على الجنب قياس مع الفارق.
وهل يقرأ الجنب إذا خشي أن يضيع القرآن عليه؟ فيه خلاف أيضاً، والأحاديث فيها ضعف، لكن يقوي بعضها بعضاً، وهناك رسالة للشيخ سليمان العلوان في الجنب لم أتمكن من قراءتها، وقد ذهب فيها إلى أن الجنب يقرأ القرآن، والمعروف عند جمهور العلماء أن الجنب لا يقرأ القرآن، والأحاديث -وإن كان فيها ضعف- يشد بعضها بعضاً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر