حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي أخبرنا أبو معاوية ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة أخبرنا عبدة - المعنى واحد - عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
زاد ابن نفيل فقال لها أسيد رضي الله عنه: (يرحمك الله ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله للمسلمين ولك فيه فرجاً) ] .
والتيمم ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، وهو خصيصة خص الله تعالى به هذه الأمة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي، وذكر منها: وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل) ، وهذا الحديث أخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجة .
والنبي صلى الله عليه وسلم كان يريد أن يرتحل، ولكنه أقام لأجل التماس قلادة عائشة فبعث رجالاً يطلبونه ويبحثون عنه.
وفيه: دليل على أن الإمام يراعي الرعية ويلاحظ حوائجهم، وفيه: أن المال لا يضاع؛ لأن المال عصب الحياة، وتقوم به مصالح الدنيا والآخرة، ولهذا قال الله تعالى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا [النساء:5]، ولهذا فقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم لالتماس عقد عائشة ، وأرسل رجالاً يطلبونه فلم يجدوه، وحضرت الصلاة فصلوا بغير وضوء، وذلك قبل أن يشرع التيمم، وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم، فدل هذا على أن من فقد الماء والتراب فإنه يصلي على حسب حاله، وصلاته صحيحه في أصح أقوال أهل العلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم بإعادة الصلاة وقد صلوا بغير ماء ولا تيمم.
فمن لم يجد الماء ولا التراب، فإنه يصلي وصلاته صحيحه، كالمحبوس في مكان ليس فيه تراب ولا ماء، والمصلوب على الخشبة، والمريض في المستشفى ليس عنده أحد ويخشى خروج الوقت فإنه يصلي على حسب حاله؛ لقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] .
ثم إنَّ الصحابة الذين بحثوا عن العقد لم يجدوه، ثم بعد ذلك لما أقاموا البعير وجدوا العقد تحته، فدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، ولو كان يعلم الغيب ما أرسل جماعة يبحثون عنه وهو تحت البعير.
وفيه أن أسيد قال: (يرحمك الله ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله للمسلين ولك فيه فرجاً) وفي لفظ البخاري : ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر ، ففيه دليل على جواز القول لشخص: هذا من بركتك، أي: من البركة التي جعلها الله فيك، خاصة إذا كان شخصية مباركة، مثل آل أبي بكر فإنهم مباركون، أو مثلما يقول بعضهم: كلك بركة، أي: إذا كان الشخص معروف، وكان فيه خير ينفع الناس بشفاعته أو بماله أو ببدنه أو بتوجيهه.
أما ما ورد في التيمم من أنه ضربتان كما سيأتي، وأنه تمسح بإحدهما اليدان إلى الآباط أو المرافق فهذا محمول على أنه اجتهاد من الصحابة، أو أن ذلك كان في أول الأمر، ثم نسخ بحديث عمار وأمثاله الدال على أن التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح أخبرنا عبد الله بن وهب حدثني يونس عن ابن شهاب قال: إن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة
حدثه عن عمار بن ياسر رضي الله عنه: (أنه كان يحدث أنهم تمسحوا وهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصعيد لصلاة الفجر، فضربوا بأكفهم الصعيد ثم مسحوا بوجوههم مسحة واحدة، ثم عادوا فضربوا بأكفهم الصعيد مرة أخرى، فمسحوا بأيديهم كلها إلى المناكب والآباط، من بطون أيديهم) ] .هذا الحديث أصله في الصحيحين كما سبق في حديث عمار ، أما كونهم مسحوا أيديهم إلى المناكب والآباط، وكونهم أيضاً ضربوا ضربتين ضربة للوجه وضربة للكفين، فهذا محمول على أنه من اجتهادهم، وقياسهم في أول الأمر، فلما بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم كيفية التيمم عملوا بها.
أو أنه مسوخ بحديث عمار في الصحيحين أن التيمم ضربة واحدة تمسح بها الوجه والكفين فقط، أما الصحابة الذين صلوا بغير وضوء، فالصواب أنه لا يجب عليهم إعادة الصلاة، وقال بعض أهل العلم: تجب عليهم إعادة الصلاة مرة أخرى .
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن داود المهري وعبد الملك بن شعيب عن ابن وهب نحو هذا الحديث قال: قام المسلمون فضربوا بأكفهم التراب، ولم يقبضوا من التراب شيئاً، فذكر نحوه ولم يذكر المناكب والآباط.
قال ابن الليث : إلى ما فوق المرفقين ] .
هذا حديث منقطع؛ لأن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة
لم يدرك عمار بن ياسر ، لكن أخرجه النسائي وابن ماجة مختصراً من حديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبيه عن عمار ، فهو حديث موصول.وعلى هذا فيكون لو صح حديث الضربتين فإنه من فعلهم.
وكذلك أيضاً قول ابن الليث : إلى ما فوق المرفقين.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن أحمد بن أبي خلف ومحمد بن يحيى النيسابوري في آخرين قالوا: أخبرنا يعقوب أخبرنا أبي عن صالح عن ابن شهاب حدثني عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن عمار بن ياسر رضي الله عنهم: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرس بأولات الجيش ومعه
زاد ابن يحيى في حديثه: قال ابن شهاب في حديثه: ولا يعتبر بهذا الناس ] .
وهذا الحديث ثابت وأصله في الصحيحين بدون زيادة مسح إلى المناكب والآباط.
والتعريس هو نزول المسافر آخر الليل للاستراحة، والعقد الذي لـعائشة من جزع ظفار، وهو خرز فيه سواد وبياض، وظفار بلدة في سواحل اليمن تأتي منها هذه الخرزات.
وفي هذا الحديث أن الله تعالى أنزل آية التيمم في هذه القصة، والتيمم التطهر بالصعيد، فقام المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربوا بأيديهم إلى الأرض ثم رفعوا أيديهم ولم يأخذوا من التراب شيئاً؛ لأن المقصود ما يعلق باليدين من التراب، أما كونهم مسحوا وجوههم وأيديهم إلى المناكب وإلى الآباط من بطون الأيدي، فهذا كما سبق إما من اجتهادهم، ثم بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم، أو أنه منسوخ، ولهذا قال ابن يحيى قال ابن شهاب في حديثه: لا يعتبر بهذا الناس، أيْ: لا يعتبرون بهذا الحديث ولا يأخذون به، ولم يذهب أحد إلى أنَّ التيمم إلى الآباط والمناكب؛ فلا يعمل بالتيمم إلى الآباط والمناكب.
وقال مالك عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبيه عن عمار .
وكذلك قال أبو أويس عن الزهري .
وشك فيه ابن عيينة قال مرة: عن عبيد الله عن أبيه، أو عن عبيد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما، مرة قال: عن أبيه، ومرة قال: عن ابن عباس ، اضطرب ابن عيينة فيه وفي سماعه من الزهري ولم يذكر أحد منهم في هذا الحديث الضربتين إلا من سميت ].
والحديث المضطرب في اصطلاح المحدثين: هو الذي يروى على أوجه مختلفة متقاربة من راو واحد مرتين أو أكثر، أو من راويين أو من رواة، قد يقع الاضطراب تارة في الإسناد وتارة في المتن، ويقع في الإسناد والمتن معاً من راو واحد أو من راويين أو جماعة.
والاضطراب موجب لضعف الحديث، لإشعاره بعدم الضبط، ولهذا اضطرب ابن عيينة فمرة قال: عن عبيد الله بن عبد الله عن أبيه عن عمار ، ومرة قال: عن عبيد الله عن ابن عباس .
قال أبو داود : اضطرب ابن عيينة فيه وفي سماعه من الزهري ، فدل على أن حديث الضربتين لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك المسح إلى المناكب والآباط، ولو صح فهو محمول على أن هذا من فعلهم، ولم يأمرهم به النبي صلى الله عليه وسلم.
فقال أبو موسى رضي الله عنه: فكيف تصنعون بهذه الآية التي في سورة المائدة: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [النساء:43]؟ فقال عبد الله : لو رخص لهم في هذا لأوشكوا إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا بالصعيد.
فقال له أبو موسى : وإنما كرهتم هذا لهذا؟ قال:نعم، فقال له أبو موسى : ألم تسمع قول عمار لـعمر رضي الله عنهما: (بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنبت، فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تتمرغ الدابة، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: إنما كان يكفيك أن تصنع هكذا، فضرب بيده على الأرض فنفضها، ثم ضرب بشماله على يمينه وبيمينه على شماله على الكفين ثم مسح وجهه، فقال له
وهذا الحديث أخرجه الشيخان والنسائي ، وهذه القصة التي حصلت بين عبد الله بن مسعود وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما في الصحيحين، وفيها أن أبا موسى رضي الله عنه يرى أن الإنسان إذا لم يجد الماء فإنه يتيمم، وأن عبد الله بن مسعود يرى أنه لا يتيمم وإن لم يجد الماء شهراً، وهذا من العجائب فـعبد الله بن مسعود من كبار الصحابة وفضلائهم وخفيت عليه هذه الآية ولم يتذكرها، وهي قوله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء:43]، مع أن أبا موسى ذكره بها فقال: فكيف تصنعون بهذه الآية؟ التي في سورة المائدة: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [النساء:43]، فقال عبد الله : لو رخص لهم في هذا لأوشكوا إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا بالصعيد.
أي: لو رخص للناس حصل تساهل، فلو برد الماء تيمموا، ولهذا قال أبو موسى : إنما كرهتم هذا لهذا، قال: نعم، ثم ذكره بحديث عمار أيضاً، فقال له أبو موسى : ألم تسمع قول عمار لـعمر : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة فأجنبت فلم أجد الماء، فتمرغت في الصعيد كما تتمرغ الدابة وهذا قياس من عمار للتيمم على غسل الجنابة أي: كما أن الجنب يعمم جسده بالماء، ظن عمار رضي الله عنه أنه يجب تعميم البدن أيضاً بالتراب، فلهذا نزع ثيابه وتمرغ كما تتمرغ الدابة.
أما عمر فإنه جلس ولم يتيمم ولم يصل، ثم قال عمار : (ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: إنما يكفيك أن تصنع هكذا، فضرب بيديه الأرض ثم مسح وجهه وكفيه)، وهذا هو الأصل في التيمم، لكن مع ذلك قال عبد الله بن مسعود : ألم تر عمر لم يقنع بقول عمار ؟!
ولا زال الأمر مشكلاً على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وهذا يدل على أن العالم الكبير قد يشكل عليه بعض المسائل، وقد يخفى عليه بعض العلم، وهو دليل على أن العالم ليس معصوماً، فقد يخطئ وقد يغلط، وإذا أخطأ العالم أو غيره فلا حجة في قوله، فالحجة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وهذه الرواية فيها: أنه ضرب بشماله على يمينه وبيمينه على شماله ثم مسح وجهه، وفيها: أنه أخر مسح الوجه، لكن حرف (ثم) فيه نظر، والمعروف في حديث عمار وفي الأحاديث الأخرى تقديم مسح الوجه على الكفين، والترتيب في بعض الروايات: (فمسح وجهه ثم مسح يديه) فيحتمل أن هذه اللفظة وهم من بعض الرواة؛ لأن ثم تفيد الترتيب، والمعروف في الأحاديث الصحيحة تقديم مسح الوجه على الكفين.
وهذا الحديث فيه دليل على أن التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين، وفيه أنه يقتصر على الكفين، والكفان إلى الرسغ وهو مفصل ما بين الكف والساعد، وهذه هي اليد إذا أطلقت فهي التي تقطع في السرقة، أما مسح المرفقين إلى الآباط أو إلى المنكبين فهذا لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما فعله بعض الصحابة اجتهاداً منهم، وفي سنده اضطراب، وكذلك ما جاء في الضربتين فإنَّ فيه اضطراب، فلا يصح.
وباطن الكف وظاهره يطلق عليهما كف.
قال: فقال عمار رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين! أما تذكر إذ كنت أنا وأنت في الإبل فأصابتنا جنابة، فأما أنا فتمعكت، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فقال: إنما كان يكفيك أن تقول هكذا، وضرب بيديه إلى الأرض، ثم نفخهما ثم مسح بهما وجهه ويديه إلى نصف الذراع.
قال عمر رضي الله عنه: يا عمار ! اتق الله، فقال: يا أمير المؤمنين! إن شئت والله لم أذكره أبداً، فقال عمر رضي الله عنه: كلا والله لنولينك من ذلك ما توليت
) ].وهذا الحديث أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجة مختصراً ومطولاً، لكن بدون إلى نصف الذراع، وإنما فيه مسح وجهه وكفيه، وهذه القصة التي حصلت مع عمار وعمر كالقصة التي حصلت مع عبد الله بن مسعود وأبي موسى الأشعري ، وأشكل الأمر على عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع جلالة قدره وفضله وطول باعه في العلم والفضل ولكن الكمال لله عز وجل.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما كان يكفيك أن تقول هكذا، وضرب بيديه الأرض ثم نفخهما)، أي: نفخهما لتخفيف الغبار؛ لأنه ليس المقصود التلطيخ بالغبار، إنما المقصود الامتثال، ولا بد أن يمسح بيديه وجهه وكفيه، لقوله صلى الله عليه وسلم: (ثم مسح بهما وجهه ويديه).
وقوله: (إلى نصف الذراع) هذه الزيادة ليست في الصحيحين، ولكن عمر نسي وذكره عمار ولم يتذكر واستمر على نسيانه؛ ولهذا قال له: يا عمار اتق الله، فقال: يا أمير المؤمنين إن شئت والله لا أذكره أبداً.
وفي الصحيح: (إن شئت تركته ولا أحدث به الناس) وفيه دلالة على طاعة ولي الأمر؛ لأن عمر هو ولي الأمر وهو أمير المؤمنين، وفيه دليل على طاعة ولي الأمر في غير معصية الله وليس في هذا كتمان العلم؛ لأن هذه السنة ثابتة وقد حدث بها عمار وحدث بها غيره.
فقال: يا أمير المؤمنين إن شئت والله لم أذكره، أي: أتركه ولم أحدث به؛ لأن طاعتك واجبه، وأصل تبليغ هذه السنة قد حصل، ولكن عمر لم يوافقه على الكتمان، فقال عمر : كلا والله، وفي رواية قال: نوليك من ذلك ما توليت، أي: نرد إليك وننسب إليك ما رضيت به لنفسك ما دام وأنت متثبت من هذا الشيء، فهذا موكول إليك، وأنت مسئول عنه.
و عمر نسي واستمر في نسيانه بينما عمار حفظ ولم ينس، ففيه دليل على أن من حفظ حجة على من لم يحفظ، وأن من تذكر مقدم على من نسي، ومن جهل شيئاً من العلم، فإنه يقدم عليه من بلغه هذا العلم.
وفيه دليل على أن التيمم من الجنابة ضربة واحدة للوجه والكفين، وأن التيمم للحدث الأكبر وللحدث الأصغر واحد وهو ضربة واحدة يمسح بها وجهه وكفيه، لقوله: (ثم مسح بهما وجهه ويديه)، والواو قد تكون للترتيب، لكن الوجه مقدم، وجاء في بعض الروايات أنه مسح وجهه ثم يديه، والله تعالى يقول: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ [النساء:43]، وقدم الوجه على اليدين.
والصواب: إلى الكفين، كما بينت الأحاديث أنه إلى الكفين.
وفيه هنا: ابن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه، فمرة يروي عن عمار ومرة يروي عن أبيه، فيروي عن عمار في الحديث الأول، وهنا يروي عن أبيه، ولا محظور في ذلك، فله شيخان: أبوه، وعمار .
يعني: أنت منفرد من بين أصحابك في ذكر الذراعين، وهذا يدل على أنها وهم منه، فـشعبة يقول: كان سلمة يقول: الكفين والوجه والذراعين، فقال له منصور ذات يوم: انظر ما تقول؛ لأنه لا يذكر الذراعين غيرك، فأنت المنفرد بذكرها من بين أصحابك فدل على أنه وهم؛ لأن أصحاب ذر لم يذكروا الذراعين.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة حدثني الحكم عن ذر عن ابن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن عمار في هذا الحديث قال: فقال: -يعني: النبي صلى الله عليه وسلم-: (إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك إلى الأرض وتمسح بها وجهك وكفيك) وساق الحديث ].
وقوله: (تمسح بوجهك وكفيك) هذا هو الثابت.
[ قال أبو داود : ورواه شعبة عن حصين عن أبي مالك قال: سمعت عماراً يخطب بمثله إلا أنه قال: (لم ينفخ)، وذكر حسين بن محمد عن شعبة عن الحكم في هذا الحديث قال: (فضرب بكفيه إلى الأرض ونفخ) ].
والنفخ إذا كان التراب كثيراً فلا بأس.
وهذا فيه دليل صريح على الاقتصار في التيمم على الوجه والكفين، وأنه ضربة واحدة، وأن ما زاد على الكعبين ليس مشروعاً، ولهذا ذهب المحققون من أهل العلم إلى الاكتفاء بضربة واحدة للوجه والكفين، وذهب بعض العلماء إلى أن التيمم ضربتان: ضربة للوجه وضربة لليدين.
قد ورد في بعض الأحاديث ذكر الضربتين، وأخذ بهذا بعض أهل العلم، إلا أن المعتمد هو حديث عمار ؛ لأنه في الصحيحين، وهو أقوى سنداً من غيره.
معروف حد الوجه طولاً من منابت شعر الرأس إلى ما انحدر من الذقن واللحية، يعني: كل ما يظهر أمام الإنسان وعرضاً من الأذن إلى الأذن. ما أقبل من الوجه وما ظهر كما هو الحال في الوضوء.
والصعيد هو: وجه الأرض، وقوله تعالى: َتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [النساء:43]، اختلف العلماء في المراد بالصعيد: فمن العلماء من قال: إنه خاص بالتراب. ومنهم من قال: إنه عام.
وسيأتي في الحديث الآتي والذي بعده، وقد تكلم الشارح على الصعيد.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل أخبرنا أبان قال: سئل قتادة عن التيمم في السفر؟ فقال: حدثني محدث عن الشعبي عن عبد الرحمن بن أبزى عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إلى المرفقين) ].
وهذا ضعيف؛ في إسناده رجل مجهول، فلا يصح لفظ (إلى المرفقين)، فرواية: (إلى المرافقين) غير ثابتة؛ لأن هذا الحديث فيه مجهول.
الجواب: الشهادة في الرضاع تصح بواحدة إذا كانت ثقة، والله تعالى يقول: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى [البقرة:282] ، أي: إذا نسيت إحداهما تذكرها الأخرى؛ وهذا في غير شهادة الرضاع.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن العلاء أخبرنا حفص أخبرنا الأعمش عن سلمة بن كهيل عن ابن أبزى عن عمار بن ياسر رضي الله عنه في هذا الحديث فقال: (يا
قوله: (ثم مسح وجهه والذراعين إلى نصف الساعدين ولم يبلغ المرفقين) هذا ليس من أمر النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو من فعل بعض الصحابة، أو أنه وهم، والثابت في الصحيحين وغيرهما أنها ضربة واحدة يمسح بها الوجه والكفين.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ قال أبو داود : ورواه وكيع عن الأعمش عن سلمة بن كهيل عن عبد الرحمن بن أبزى .
ورواه جرير عن الأعمش عن سلمة عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى يعني عن أبيه ].
أي: رواية وكيع عن سلمة بن كهيل عن عبد الرحمن بن أبزى فقط، ورواية جرير عن الأعمش عن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه، ولعل عبد الرحمن بن أبزى سمع من أبيه وسمع من عمار .
وهذه الرواية فيها اضطراب كما قال المؤلف: اضطرب ابن عيينة فيه، وفيه سماعه من الزهري : ولم يذكر أحد منهم في هذا الحديث الضربتين، وكذلك أيضاً قال المؤلف: ذكر الضربتين كما ذكر يونس ، ورواه معمر عن الزهري ضربتين، وقال مالك عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبيه عن عمار ، وكذلك قال أبو أويس : عن الزهري : وشك فيه ابن عيينة قال مرة: عن عبيد الله عن أبيه، ومرة عن عبيد الله عن ابن عباس ، ومرة عن أبيه، ومرة قال ابن عباس فهذا اضطراب.
وما صح فهو محمول على أن هذا من فعل الصحابة فعلوا ذلك من أنفسهم اجتهاداً منهم، ثم بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر