إسلام ويب

شرح كتاب السنة للبربهاري [6]للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يرى أهل السنة والجماعة وجوب نصب إمام، وأنها تجب طاعته بالمعروف، ولا يجوز الخروج عليه إلا إذا كفر كفراً صريحاً، وتجوز مقاتلة الخوارج إذا بدءونا بالحرب.
    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ والسمع والطاعة للأئمة فيما يحب الله ويرضى، ومن ولي الخلافة بإجماع الناس عليه ورضاهم به فهو أمير المؤمنين، ولا يحل لأحد أن يبيت ليلة ولا يرى أن عليه إماماً براً كان أو فاجراً ].

    المعنى: أن من عقيدة أهل السنة والجماعة السمع والطاعة للأئمة فيما يحب الله ويرضى، أما المعاصي فلا يطاع فيها أحد، والمراد بالأئمة ولاة الأمور قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59]، وقال عليه الصلاة والسلام: (من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني).

    لكن هذا مقيد بالأحاديث الأخرى، (على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية، فلا سمع ولا طاعة)، وحديث أبي ذر : (أمرني خليلي أن أسمع وأطيع وإن كان عبداً حبشياً مجدع الأطراف) وحديث عوف بن مالك الأشجعي : (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم، قلنا: يا رسول الله! أفلا ننابذهم بالسيف؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، ألا من ولي عليه فرآه يأتي شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يداً من طاعة) ولا يجوز الخروج على ولاة الأمور للمعاصي بل يجب الصبر وعدم الخروج.

    فالسمع والطاعة تكون لولاة الأمور في طاعة الله، أما المعاصي فلا يطاع فيها، فإذا أمر الأمير شخصاً بشرب الخمر فلا يطيعه، أو أمره أن يقتل أحداً بغير حق لا يطيعه، إذا أمر الوالد ولده بالمعصية فلا يطيعه، وإذا أمر الزوج زوجته بالمعصية فلا يطيعها، وإذا أمر السيد عبده بالمعصية فلا يطيعه، (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) لكن لا يتمرد عليه، فليس للرعية أن يتمردوا على الأمير أو ولي الأمر، بل لا يطيعونه في المعصية وما عدا ذلك فيطيعونه، في الأمور المباحة ويطيعونه في طاعة الله ورسوله.

    وهذا بخلاف أهل البدع، فإنهم لا يسمعون ولا يطيعون لولاة الأمور، كالخوارج، فهم يرون أن ولي الأمر إذا عصى كفر ووجب قتله وخلعه وإزالته من الإمامة، وكذلك المعتزلة فإنهم يرون أنه إذا عصى ولي الأمر وفعل الكبيرة خرج من الإمامة فلا يطيعونه، بل إن من أصول الدين عندهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وضمنوه الخروج على ولاة الأمور إذا جاروا وظلموا، والروافض كذلك يرون أنه ليس هناك طاعة إلا للإمام المعصوم ، وأما ولاة الأمور الموجودين في كل وقت فهم كفرة فسقة يجب قتلهم وخلعهم وإزالتهم من الإمامة، ولا طاعة إلا للإمام المعصوم، وهم الأئمة الاثنا عشر الذي نص عليهم بزعمهم.

    قالوا: إن الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وسلم هو علي ، ولكن أهل السنة كفروا وفسقوا وارتدوا وخالفوا النصوص التي تنص على أن الخليفة بعده علي ، فولوا أبا بكر زوراً وبهتاناً وظلماً، ثم ولوا عمر زوراً وبهتاناً وظلماً، ثم ولوا عثمان زوراً وبهتاناً وظلماً؛ لأنهم يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على اثني عشر إماماً: علي بن أبي طالب ثم الحسن بن علي ثم الحسين بن علي ثم البقية كلهم من نسل الحسين وهم: علي بن الحسين زين العابدين ثم محمد بن علي الباقر ثم جعفر بن محمد الصادق ثم موسى بن جعفر الكاظم ثم علي بن موسى الرضا ثم محمد بن علي الجواد ، ثم علي بن محمد الهادي ثم الحسن بن علي العسكري ثم المهدي المنتظر الذي دخل سرداباً في العراق سنة ستين ومائتين ولم يخرج إلى الآن، وأبوه الحسن بن علي قد مات عقيماً ولم يولد له، فاختلقوا له ولداً وأدخلوه السرداب قالوا: دخل السرداب وهو ابن سنتين أو خمس يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : مضى عليه أربعمائة سنة ولم يخرج في زمانه، ونحن الآن نقول: مضى عليه ألف ومائتين سنة ولم يخرج حتى الآن.

    وهو شخص موهوم لا حقيقة له؛ لأن أباه الحسن مات عقيماً ولم يولد له، فهؤلاء الأئمة عند الشيعة وهم منصوصون معصومون.

    فالروافض يقولون: ليس هناك طاعة إلا للإمام المعصوم، أما الولاة الموجودين كلهم فكفرة ظلمة يجب قتلهم ولا سمع لهم ولا طاعة. إذاً: من عقيدة أهل السنة والجماعة السمع والطاعة لولاة الأمور فيما يحبه الله ويرضاه -كما قال المؤلف- خلافاً لأهل البدع.

    فقوله: (ومن ولي الخلافة بإجماع الناس عليه ورضاهم به فهو أمير المؤمنين)، بمعنى: أنه اجتمع عليه أهل الحل والعقد، وليس المراد بإجماع الناس كل فرد بعينه، بل المراد أهل الحل والعقد ورؤساء القبائل والأعيان والوجهاء فإذا بايعوه تمت البيعة، ولا يشترط أن يبايع كل واحد بعينه، وتسقط الخلافة بالانتخاب والاختيار كما ثبتت الخلافة لـأبي بكر الصديق رضي الله عنه بالاختيار والانتخاب، وكما ثبتت الولاية أيضاً لـعثمان باختيار أهل الحل والعقد وبالإجماع، وكما ثبتت الخلافة لـعلي بمبايعة أكثر أهل الحل والعقد.

    وتثبت الخلافة بولاية العهد من الخليفة السابق كما ثبتت الخلافة لـعمر رضي الله عنه بولاية العهد من أبي بكر ، وتثبت الخلافة أيضاً بالقوة والغلبة إذا غلب الناس بسيفه وقهرهم بسيفه واجتمعت عليه الكلمة فتمت له البيعة ولا يجوز الخروج عليه.

    الأمور التي تثبت بها الخلافة لولي الأمر

    فتثبت الخلافة لولي الأمر بواحد من ثلاثة أمور:

    الأمر الأول: الاختيار والانتخاب من أهل الحل والعقد، وفي هذه الحالة يجب أن يكون الخليفة من قريش إذا وجد فيهم من يقيم الدين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه: (لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان) فإن لم يوجد من قريش من يصلح للخلافة فينتخب من غيرها.

    ثانياً: تثبت الخلافة بولاية العهد من الخليفة السابق.

    ثالثاً: تثبت الخلافة بالقوة والغلبة، فإذا غلب الناس بسيفه وقوته ولو لم يكن من قريش ثبتت له البيعة؛ ولهذا جاء في حديث أبي ذر : (أمرني خليلي أن أسمع وأطيع وإن كان عبداً حبشياً مجدع الأطراف) لكن لو كان الاختيار والانتخاب للمسلمين فلا يختارون عبداً حبشياً مجدع الأطراف، إنما يختارون من قريش، فدل على أن الخلافة تثبت بواحد من هذه الأمور الثلاثة.

    يقول المؤلف: (ولا يحل لأحد أن يبيت ليلة، ولا يرى أن عليه إماماً براً كان أو فاجراً)، فلا يجوز للإنسان أن يبيت وهو لا يرى الإمامة لأحد أي: يعتقد في نفسه أنه ليس عليه إمام، ويرى أن يخلع الإمام، ولا يرى له بيعة، بل على الإنسان أن يرى البيعة لولي الأمر الذي اجتمعت عليه الكلمة براً كان أو فاجراً، براً يعني: تقياً، فاجراً يعني: فاسقاً، خلافاً للخوارج والمعتزلة والروافض الذين لا يرون الإمامة للفاجر؛ لأن الخوارج يرون أن الفاجر يكفر، وإذا كفر وجب قتله وحل دمه وماله ولا يكون إماماً، والمعتزلة عندهم أصل: أن ولي الأمر إذا فجر وفسق يجب الخروج عليه، والروافض لا يرون الإمامة لأهل السنة إطلاقاً، ولا يرون الإمامة إلا للأئمة المعصومين.

    فإذاً: أهل السنة تميزوا عن أهل البدع، فهم يرون السمع والطاعة لولي الأمر ولو كان فاسقاً فاجراً.

    الشروط التي يجوز للرعية أن تخرج على الإمام بها

    يجوز الخروج عليه بشروط:

    الشرط الأول: أن يكفر كفراً صريحاً واضحاً لا لبس فيه.

    الشرط الثاني: وجود البديل المسلم، ووجود القدرة على إزالة الإمام الفاجر الكافر وتولية الإمام العادل، فإذا وجدت هذه الشروط جاز الخروج عليه، وإذا لم توجد فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق: (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان)، لكن إذا وجدت قدرة، ووجد البديل فيزال الإمام الكافر ويكون بدله إماماً مسلماً، أما إذا زال كافر وجاء بدله كافر مثل ما يحدث في الانقلابات العسكرية في الجمهوريات، فقد يكون الانقلاب على حكومة كافرة فتأتي حكومة أخرى أكفر منها.

    ولا يجوز الخروج على الحاكم في حال عدم تواجد هذه الشروط، ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر، فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات، فميتته جاهلية) وهذا فيه دليل على أن الخروج على ولاة الأمور من الكبائر؛ لأنه قال: (فميتته جاهلية).

    إذاً اصبر وتحمل؛ لأنك إذا أنكرت على ولي الأمر المعصية مثل شرب الخمر، أو أخذ مال شخص بغير حق، أو قتل شخص بغير حق ففيه مفسدة، لكن الخروج عليه يترتب عليه مفسدة أكبر، وهي إراقة الدماء؛ لأن عنده جيشاً، والذين يخرجون كذلك، فيكون الناس فرقتين، فتراق الدماء ويختل الأمن، وتختل أحوال الناس المعيشية في الاقتصاد والزراعة والتجارة والدراسة والاجتماع، ويتربص بهم العدو الدوائر، وتأتي فتن تقضي على الأخضر واليابس، ففسقه ومعصيته مفسدة صغرى، والقاعدة أنه: إذا اجتمع مفسدتان كبرى وصغرى لا يمكن تركهما، ندرأ المفسدة الكبرى بارتكاب المفسدة الصغرى.

    الحج والغزو مع الإمام

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ والحج والغزو مع الإمام ماض، وصلاة الجمعة خلفهم جائزة، ويصلى بعدها ست ركعات يفصل بين كل ركعتين، هكذا قال أحمد بن حنبل ].

    وهذا من عقيدة أهل السنة والجماعة أن الحج والغزو مع الإمام ماض؛ لأن الحج والغزو فرضان يتعلقان بالسفر فلا بد من سائس يسوس فيهما الناس ويقاوم العدو، وهذا يحصل بالإمام الفاجر وبالإمام البر فيحجون مع الإمام ولو كان فاجراً، ويغزون معه ويجاهدون، وهذا خلافاً للخوارج والمعتزلة والروافض فإنهم لا يرون الحج والغزو مع ولي الأمر الفاجر؛ لأنه ليس الإمام عندهم.

    قوله: (وصلاة الجمعة خلفهم جائزة) أي كذلك الصلاة جائزة خلف الأئمة ولو كانوا فجاراً.

    ثم قال المؤلف: (ويصلي بعدها ست ركعات) بعد صلاة الجمعة (يفصل بين كل ركعتين هكذا قال أحمد بن حنبل )، فالذي ورد في الأحاديث في صحيح مسلم وغيره أنه يشرع للمسلم إذا صلى الجمعة أن يصلى بعدها أربع ركعات، سواء كان في البيت أو في المسجد، وفي حديث ابن عمر أنه إذا صلى في البيت صلى ركعتين، وإذا صلى في المسجد صلى أربع ركعات، أما قول المؤلف: إنه يصلى بعدها ست ركعات يفصل بين كل ركعتين ونسبه إلى الإمام أحمد بن حنبل ، فالصواب أنه يصلي أربع ركعات بسلامين، وأن يصلي أربع ركعات سواء في المسجد أو في البيت، وهذا هو الصواب الذي دلت عليه النصوص، خلافاً لما ذكره المؤلف.

    الخلافة في قريش

    قال المؤلف رحمه الله تعالى:[ والخلافة في قريش إلى أن ينزل عيسى بن مريم عليه السلام ].

    هذا إذا كان الاختيار والانتخاب للمسلمين فهم يختارون من قريش إذا وجد فيهم من يقيم الدين.

    أما إذا لم يوجد من يقيم الدين فإنها تكون في غيرهم، لحديث معاوية بن أبي سفيان عند الشيخين: (لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان) وفي رواية: (ما أقاموا الدين) يعني: ما دام أنه وجد من قريش من يقيم الدين فتكون الخلافة فيهم، فإذا لم يوجد فيهم من يقيم الدين فتكون في غيرهم، فإن لم يكن هناك اختيار للمسلمين وغلب الناس بسيفه وقوته وسلطانه ثبتت له الخلافة.

    إلى أن ينزل عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام من السماء، ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام من أشراط الساعة الكبرى، وأول أشراط الساعة الكبرى خروج المهدي ، ثم خروج الدجال ، ثم نزول عيسى بن مريم وهي العلامة الثالثة، ثم خروج يأجوج ومأجوج.

    ثم تتوالى الأشراط: الدخان الذي يملأ ما بين السماء والأرض ويصيب المؤمن الزكام، ويصيب الكافر أذى عظيماً، وهدم الكعبة في آخر الزمان من أشراط الساعة الكبرى، ونزع القرآن من الصدور ومن المصاحف إذا ترك الناس العمل به، ثم تأتي الأشراط الأخيرة لقرب الساعة وهي: طلوع الشمس من مغربها ثم خروج الدابة وهي التاسعة، ثم العاشرة، وهي آخرها: خروج نار من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر فتبيت معهم إذا باتوا وتقيل معهم إذا قالوا.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088778971

    عدد مرات الحفظ

    778971541