وإن مما نعتقده: أن العبد ما دام أحكام الدار جارية عليه فلا يسقط عنه الخوف والرجاء ].
وتكون أحكام الدار جارية عليه إذا كان حياً ولم تصل الروح إلى الحلقوم، فأحكام الدار جارية عليه، فإذا كان عقله ثابتاً لا يسقط عنه الخوف والرجاء، فيخاف من الله، ويخاف من عقابه ويرجو، ويجمع بين الخوف والرجاء.
فالقنوط واليأس من روح الله هذا شؤم، فالمؤمن بين الخوف والرجاء، يعبد الله بالخوف والرجاء، فهو يخاف؛ حتى لا يسترسل في المعاصي، فيمنعه الخوف من ارتكاب المعاصي، وهو أيضاً يرجو رحمة الله وثوابه؛ حتى لا يتشاءم ولا يقنط ولا يسيء الظن بالله، فهو خائف غير مرتكب المعاصي، وراج غير قانط وغير متشائم وغير مسيء الظن بالله، بل يكون يرجو رحمة الله، فلا يطغى به الأمن حتى يرتكب المعاصي، ولا يزيد في الخوف حتى يقنط ويتشاءم ويسيء الظن بالله، بل بين الخوف والرجاء، يعبد الله بين الخوف والرجاء كجناحي الطائر، قال تعالى عن عباده المؤمنين: يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا [السجدة:16]، وقال عن أنبيائه: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا [الأنبياء:90]، وقال سبحانه: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا [الإسراء:57].
قال: [ وكل من ادعى الأمن فهو جاهل بالله وبما أخبر به عن نفسه، فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:99]، وقد أفردت كشف عورات كل من قال بذلك.
ونعتقد: أن العبودية لا تسقط عن العبد ما عقل وعلم ما له وما عليه ].
وهذا أجمع عليه المسلمون، وهو مقتضى النصوص: أن كل عاقل عالم لا تسقط عنه التكاليف؛ لقول الله تعالى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99]، وإذا مات سقط عنه التكاليف، ولا تسقط التكاليف إلا بأحد أمرين: إما رفع العقل، فإذا رفع العقل سواء كان صغيراً لم يبلغ أو مجنوناً أو مغمى عليه، فهذا تسقط عنه التكاليف، والثاني: الموت إذا مات، أما ما دام العقل ثابتاً والحياة موجودة، فإنه يكلف ولا تسقط عنه التكاليف، وقالت الصوفية بترك التكاليف عن بعض الخواص الذين وصلوا إلى مرتبة عالية، وتجاوزوا مرتبة العوام، وزعموا بأن التكاليف تسقط عنهم، واستدلوا بقوله: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99] قالوا: اليقين: العلم، لو وصل العلم فقد رفع عنه التكاليف، وهذا كفر وضلال، أن يقسم الناس إلى طبقات، فالعامة عليهم التكاليف، ومن العامة الأنبياء والرسل، والخاصة تسقط عنهم التكاليف؛ لأنه وصل إلى الله، وتجاوز مرتبة العوام، وخاصة الخاصة عندهم والعياذ بالله الملاحدة الذين يقولون بالحلولية، وهذا كفر وضلال.
وقد أجمع العلماء كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على أن من قال: هناك أحد تسقط عنه التكاليف وعقله ثابت في زمن الحياة يستتاب، فإن تاب وإلا قتل مرتداً نعوذ بالله، إلا إذا فقد العقل فهو معذور لأنه قد رفع عنه القلم، قال الله: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99] يعني: الموت.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ونعتقد: أن العبودية لا تسقط عن العبد ما عقل وعلم ما له وما عليه، فيبقى على أحكام القوة والاستطاعة، إذ لم يسقط الله ذلك عن الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين ].
والأنبياء هم خير الناس، ومع ذلك هم أعظم الناس عبودية لله، وهم الذين وفوا مقام العبودية حقها عليهم الصلاة والسلام، وأشرف مقامات نبينا صلى الله عليه وسلم العبودية خاصة والرسالة، ولهذا وفى الله بالعبودية في المقامات العالية في مقام التحدي: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [البقرة:23].
وفي الإسراء: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ [الإسراء:1].
وفي مقام الدعوة: وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ [الجن:19].
فأشرف مقامات النبي صلى الله عليه وسلم العبودية خاصة والرسالة، فكيف بغيره؟!
فإن قيل: ما حكم تزويج الأب ابنته من شخص يعتقد اعتقاداً كفرياً؟
الجواب: إذا زوج الأب شخصاً يعتقد اعتقاداً كفرياً فالزواج باطل، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [الممتحنة:10]، فالمؤمنات لسن حلاً للكافرين ولا هم يحلون لهن، قال الله: وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا [البقرة:221] يعني: المشرك لا يزوج بمؤمنة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ إذ لم يسقط ذلك عن الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، ومن زعم أنه قد خرج من رق العبودية إلى فضاء الحرية بإسقاط العبودية والخروج إلى أحكام الأحدية المبدئية بعلائق الآخرية فهو كافر لا محالة ].
هذا اعتقاد الصوفية، يخرج إلى الفضاء ويتحرر من الدين، ويتحرر من الأوامر والنواهي؛ لأن الصوفية يزعمون أنه وصل إلى الله، فقد تحرر وخرج من العبودية والرق إلى فضاء الحرية، فيعمل ما يشاء، وتسقط عنه التكاليف: فيزني، ويسرق، وهكذا، ولهذا بعض الصوفية والعياذ بالله يعملون مع شيوخهم الصوفية ما يشاءون، وشيخ الصوفية لا يمنع من شيء، قد يدخل على ابنته ولا يمنعه، يدخل على بيته وعلى أهله ويفعل ما يشاء ولا يمنع؛ لأنه سقطت عنه التكاليف، وهذا كفر وضلال، وإذا كانوا يزعمون أنه يصل إلى الأحدية، يعني: الأحد، يكون واحداً، يعني: يتحد مع الله، هذا قول الاتحادية، وهذا كفر، يقول: الموحد في الوجود، الرب عبد والعبد رب، أنت الرب وأنت العبد، لا فرق بينهما، ورئيس الاتحادية هو ابن عربي الذي يقول:
الرب عبد والعبد رب يا ليت شعري من المكلف
إن قلت عبد فذاك ميت أو قلت رب أنى يكلف
يقول: لا أدري أيهما العبد وأيهما الرب، العبد هو الرب والرب هو العبد، إن قلت: رب كيف يكلف، وإن قلت: عبد فهو ميت، فالعبد هو الرب والرب هو العبد، ويقول: رب مالك وعبد هالك وأنتم ذلك.
والعبد فقط هو كثرة الوهم، يقول: هذا توهم التعبد لله ويقول عن الله: الله العلي الأعلى، يقول: علي على من؟ العلي على من؟ وما ثم إلا هو، وما هو إلا هو، نسأل الله العافية، ويقول:
سر حيث شئت فإن الله ثم وقل ما شئت فالواسع الله
أي: فكل شيء تراه في هذا الوجود هو الله، نعوذ بالله، ويقول هؤلاء الملاحدة: هذا التعدد وهم، وأنت لا تفهم مذهب الاتحادية إلا إذا خرقت العقل، وخرقت الشرع، وخرقت الحس، يعني: ألغ هذه، ألغ عقلك حتى تكون مجنوناً، وألغ الشرع حتى تفهم الأبيات ثم تفهم مذهب الاتحادية، نسأل الله السلامة والعافية، نعوذ بالله من زيغ القلوب.
والعامة على الفطرة وفي عافية من هذه الأشياء، لكن لما ذكر محمد بن خفيف رحمه الله ذلك، لابد أن نبين لطلبة العلم، وهذا موجود الآن، والاتحادية موجودون الآن، ولهم من يدافع عنهم، وابن عربي له كتب، له: الفتوحات المكية، وفصوص الحكم، وله أيضاً معارضة في القرآن في قصصه، يأتي بقصة قوم نوح ويعارضها ويفسرها بتفسيرات وإشارات ورموز إلحادية، ثم يأتي بقصة هود وهكذا، نسأل الله السلامة والعافية.
فقوله: [ ومن زعم أنه قد خرج من رق العبودية إلى فضاء الحرية بإسقاط العبودية ].
يعني: سقطت عنه التكاليف، فليس عليه تكاليف ولا هو برقيق لله، إذاً: رقيق للشيطان، خرج من رق العبودية لله فيكون عبداً للشيطان، ولابد.
خرج إلى فضاء الحرية بإسقاط العبودية، فلا يتعبد لله بأي عبودية: لا صلاة ولا صيام ولا زكاة ولا حج ولا اجتناب محرمات.
وقوله: [ والخروج إلى أحكام الأحدية المبدئية ].
أي: الاتحاد بالله نعوذ بالله.
قوله: [ لعلائق الآخرية فهو كافر لا محالة، إلا من اعتراه علة أو رأفة فصار معتوهاً أو مجنوناً أو مبرسماً ].
هذا معذور، رفع عنه القلم، معتوه يعني: نقص في العقل، أو مجنون معروف، أو مبرسم: يهذي هذياناً لخلل في رأسه.
قال: [ وقد اختلط عقله أو لحقه غشية ارتفع عنه بها أحكام العقل، وذهب عنه التمييز والمعرفة، فذلك خارج عن الملة مفارق للشريعة ].
هذا مرفوع عنه التكاليف.
فإن قيل: ما حكم المدافع عن مثل هؤلاء الاتحادية؟
الجواب: إذا كان المدافع عنه يعلم حقيقة حاله فهو كافر مثله نعوذ بالله، ومن دافع عن الكفرة فهو كافر مثلهم، نسأل الله العافية.
وإن قيل: ما الفرق بين الحلولية والاتحادية؟
فالجواب: الفرق واضح، الحلولية: شيء حل محل الآخر، كالماء حل في الكوب، والاتحادية يقولون: الوجود شيء واحد، ولهذا يقال عن الاتحادية إنها لم تتعدد، ولم تقل باثنين أحدهما حل في الآخر، لا اثنينية ولا تعددية، الوجود واحد، وأما الحلولية تقول: اثنان حل أحدهما في الآخر، كالماء في الكوب، والاتحادية أشد كفراً من الحلولية، وكلهم كفرة وكلهم من الصوفية، وأصلهم منبثق عن مذهب الجهمية الذين أنكروا الأسماء والصفات، وأتوا بالقول بالحلول، ثم القول بالاتحاد.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ومن زعم الإشراف على الخلق: يعلم مقاماتهم ومقدارهم عند الله -بغير الوحي المنزل من قول الرسول صلى الله عليه وسلم- فهو خارج عن الملة ].
من زعم أنه يشرف على الخلق ويعلم أحوال الناس، بدون الوحي وبدون شيء أخبر به النبي فهذا كافر؛ لأن هذا من دعوى علم الغيب، والذي يزعم أنه يشرف على الناس، وأنه يعلم أحوالهم، ويعلم المؤمن وغير المؤمن، ويعرف الصحيح من غير الصحيح، ويعلم السعيد من الشقي؛ فهو مدع لعلم الغيب وقد كفر، فالله تعالى يقول: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل:65].
قال: [ ومن ادعى أنه يعرف ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد باء بغضب من الله، ومن ادعى أنه يعرف مآل الخلق ومنقلبهم، وأنهم على ماذا يموتون ويختم لهم، بغير الوحي من قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم فقد باء بغضب من الله ].
الفراسة يعني: خاطر يهجم على الإنسان هجوم الأسد على الفريسة، وتشتق الفراسة من الفريسة، يعني: يهجم عليه فيعطيه الله نوراً، وفي الحديث: (اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله) وسببه نور يقذفه الله في قلب عبده المؤمن، وهناك فراسة رياضية، وهذه يعملها الصوفية والفلاسفة، وهي أن يجوع نفسه ويقلل من الأكل؛ حتى يصح بدنه، وكذلك يقلل من النوم، مثل ما يسميه بعض الناس: رجيماً، وهذه يفعلها كثيروا الوهم والأطباء.
وهناك فراسة أيضاً خلقية، وهي: الاستدلال بالخلق على الخلق، وهذه أيضاً دائرة بين المدح والذم، وهناك فراسة إيمانية وهي التي ذكرها المؤلف، وهي نور يقذفه الله في قلب العبد، فالفراسة الرياضية دائرة بين المدح والذم، وقد تصدق وقد لا تصدق، وهي مشتركة بين المؤمن والكافر، بأن يقلل الأكل ويقلل النوم؛ حتى يصح بدنه، والفراسة الخلقية: الاستدلال بالخلق على الخلق، كأن يقول: طول الرقبة دليل على الغباوة وقصر الرقبة على الحماقة، وجمود العينين على بلادة صاحبها، وسعة الصدر على سعة الخلق، وهذه الفراسة قد تصيب وقد لا تصيب، ومشتركة بين المؤمن والكافر، ويقال لها: فراسة خلقية، والمهم الفراسة الإيمانية، فقد ورد الحديث: (اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله) والحديث ذكره الألباني رحمه الله وقال: إنه ضعيف، ولكن الحديث له طرق ساقها الحافظ ابن كثير رحمه الله في سورة الحجر، قال تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ [الحجر:75] وساق له عدة طرق يشد بعضها بعضاً لا بأس بها، وإن ضعفه الشيخ الألباني رحمه الله، وهو محدث كبير، فالحديث معروف عند أهل العلم وهو حسن.
قال في التحقيق: [ وأشهر دليل يستدل به على الفراسة حديث ابن عمر وأبي سعيد وأبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله) رواه الترمذي ، وقال الترمذي : وهذا حديث غريب إنما نعرفه من هذا الوجه، وقد روي عن بعض أهل العلم، ورواه ابن جرير في تفسيره، والطبراني في المعجم الكبير، وأبو نعيم في الحلية، والعقيلي في الضعفاء، وذكره الهيثمي في المجمع وحسن إسناده، وذكره الكناني في تنزيه الشريعة وحسنه، وذكره أيضاً العجلوني في كشف الخفاء وحسن إسناده.
وقال الشوكاني في الفوائد المجموعة بعد ذكر الحديث: وعندي أن الحديث حسن لغيره، وأما صحيح فلا، وذكر بعض الشواهد، وذكره ابن حجر في الفتح، وسكت عنه، هذا مجمل ما قيل في هذا الحديث الذي يعتبر أشهر الأدلة على الفراسة، وقد علق ابن القيم على هذا الحديث بقوله: وهذه الفراسة نشأت له من قربه من الله ].
وفات على المحقق ما ذكره الحافظ ابن كثير في تفسير آية: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ [الحجر:75].
وقال أيضاً: [ ومما يستدل به على الفراسة قوله تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ [الحجر:75] قال مجاهد وغيره: أي للمتفرسين. وإلى هذا القول ذهب ابن جرير وأبو عيسى الترمذي ، ونسب ابن القيم هذا القول لـابن عباس ، وقد علق ابن القيم على هذا الحديث بقوله: وهذه الفراسة نشأت له من قربه من الله، فإن القلب إذا قرب من الله انقطعت عنه معارضات السوء المانعة من معرفة الحق وإدراكه، وكان تلاقيهم من مشكاة قريبة من الله؛ بحسب قربه منه، وأضاء له النور بقدر قربه، فرأى في ذلك النور ما لم يره البعيد والمحجوب.
وقسم الفراسة إلى ثلاثة أقسام:
الأولى: الفراسة الإيمانية، وهي التي سبقت الإشارة إليها.
الثانية: فراسة الرياضة، والجوع، والسهر والتخلي.
وقال: فإن النفس إذا تجردت عن العوائق صار لها من الفراسة والكشف بحسب تجردها، وذكر أن هذا القسم مشترك بين الكافر والمؤمن، وهي ليست دليلاً على إيمان أو ولاية.
الثالثة: فراسة خلقية: وهي التي يستدل بالخلق على الخلق، نحو قولهم: من كان كثير لحم الخدين فهو غليظ الطبع، ومن كان عنقه قصيراً جداً فهو ذو مكر.. ونحو ذلك ].
ومن كان طويل الرقبة فهو غبي، ومن كان قصيرها فهو ذكي يعني: كل هذه استدلالات قد تصيب وقد تخطئ، فهي مشتركة دائرة بين المدح وبين الذم، وبين الصدق والكذب.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ والفراسة حق على أصول ذكرناها وليس ذلك مما سميناه في شيء، ومن زعم أن صفاته قائمة بصفاته ويشير في ذلك إلى غير آية العصمة والتوفيق والهداية، وأشار إلى صفاته عز وجل القديمة فهو حلولي ].
قوله: (ومن زعم أن صفاته قائمة بصفاته).
يعني: صفات المخلوق قائمة في صفات الخالق، فهو حلولي.
قال: [ ومن زعم أن صفاته قائمة بصفاته، ويشير في ذلك إلى غير آية العصمة والتوفيق والهداية، وأشار إلى صفاته عز وجل القديمة فهو حلولي قائل باللاهوتية والالتحام، وذلك كفر لا محالة ].
يعني: شابه قول النصارى الذين يقولون: اللاهوت حل في الناسوت، بمعنى: حل جزء من الله في جزء من الناس، وقالوا: إن الله حل في عيسى نعوذ بالله، وهذا هو معنى أن اللاهوت حل في الناسوت كحلول الماء في الإناء، وكذلك قول غلاة الرافضة: إن الله حل في علي أو في أئمة آل البيت، وهذا حلول خاص، والحلول العام كقول الحلولية: إن الله حل بالناس وبكل مكان، وهناك اتحاد خاص، وهو قول النصارى: إن الرب اتحد بعيسى.
اعتقاد أن كلام الله منزل غير مخلوق ولا حال في مخلوق هو قول أهل السنة والجماعة.
قال: [ وأنه كيفما تلي وقرئ وحفظ فهو صفة الله عز وجل ].
أي: إن تلي فهو كلام الله نتلوه، وإن حفظ فكلام الله محفوظ، وإن سمع فكلام الله مسموع، وإن كتب ونسخ فكلام الله منسوخ، هو في هذه الحقائق كلها حقيقة ليس مجازاً.
قال: [ وليس الدرس من المدروس، ولا التلاوة من المتلو؛ لأنه عز وجل بجميع أسمائه وصفاته غير مخلوق ].
أي: أن الدرس: القراءة، والمدروس: كلام الله، كما قال تعالى: بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ [آل عمران:79].
فالدرس غير المدروس، والتلاوة غير المتلو، فالتلاوة: فعلك أنت، والمتلو: كلام الله، والدرس: درسك أنت، والمدروس: كلام الله.
قال: [ وليس الدرس من المدروس، ولا التلاوة من المتلو؛ لأنه عز وجل بجميع أسمائه وصفاته غير مخلوق، ومن قال بغير ذلك فهو كافر، ونعتقد أن القراءة الملحنة بدعة وضلالة، وأن القصائد بدعة ].
قوله: (القراءة الملحنة) يعني: من يلحنها ويطرب بها كتلحين الغناء والأذان، فإن تلحين الأذان مكروه وبدعة، والقراءة الملحنة كتمطيط القراءة وتلحينها بما يشبه ألحان الغناء من لحون الأعاجم بدعة أيضاً، فقد ثبت في البخاري أن عمر بن عبد العزيز رحمه الله قال لمؤذن: أذن أذاناً سمحاً وإلا فاعتزلنا، أي: لا تطرب ولا تلحن، فتلحين الأذان والقراءة مكروه ومثله التطريب.
وعلى من يرى مثل ذلك أن ينبه على هذا الخطأ، فإن انتهوا وإلا فقد أدى واجبه.
قوله: (وأن القصائد بدعة) يعني: كالقصائد التي يفعلها الصوفية وهي ما تسمى الآن بالأناشيد، والناس اليوم صاروا يتشبهون بالصوفية.
وقوله: (وأن القصائد بدعة ومجراها على قسمين: فالحسن من ذلك من ذكر آلاء الله ونعمائه، وإظهار نعت الصالحين وصفة المتقين فذلك جائز، وتركه والاشتغال بذكر الله والقرآن والعلم أولى به ].
يعني: النوع الأول من القصائد هي التي فيها ذكر آلاء الله ونعمه، وذكر أخبار الصالحين، وصفات المتقين، فكل هذا جائز ولا بأس به، لكن كلام الله أفضل من ذلك، وتعلم العلم أيضاً أفضل، لكن لا بأس به بشرط أن يكون خالياً من الدف، فإن الدف ممنوع على الرجال، وإنما هو للنساء في الأعراس أو يوم العيد، وكذلك للجواري الصغار، كما حصل مع الجاريتين اللتين كانتا تغنيان في بيت النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: (وما جرى على وصف المرئيات ونعت المخلوقات فاستماع ذلك على الله كفر)
وكون ذلك كفراً؛ لأنه وصف لله بصفات المخلوقات من المرئيات وغيرها، وهذا هو قول الاتحادية القائلين بأن الأوصاف المخلوقة هي أوصاف لله، وهو قول الحلولية أيضاً، فاستماع ذلك مع اعتقاد أنها وصف لله كفر أكبر.
قوله: (واستماع الغناء والرباعيات على الله كفر) الرباعيات: هي منظومة شعرية تتألف من وحدات كل وحدة منها أربعة أشطر، تستقل بقافيتها فقط.
فاستماع مثل هذه القصائد واعتقاد أنها كلام الله، أو أنها من صفات الله كفر.
وقوله: (على أحكام الدين) أي: وصف أهل الرقص بالتقى والزهد والإيمان، وهذا موجود عند بعض الصوفية.
قوله: (وعلى أحكام التواجد والغناء لهو ولعب).
التواجد والغناء من طرق الصوفية، والتواجد من وجد وجداً بالفتح يطلق على الحب، وبالكسر على الحزن، والتواجد عند الصوفية: استجلاب الوجد بالذكر والتفكر، أي: ادعاء المحبة عن طريق ترديد الأذكار، ويزعمون أن هذا وجد، وأنه محبة، وهو من الفسق.
ويقولون: الوجد ما يرد على الباطن من الله يكسبه فرحاً أو حزناً ويغيره عن هيئته ويتطلع إلى الله تعالى، وهو فرحة يجدها المغلوب عليه بصفات نفسية يأمر منها إلى الله تعالى. وهو من كلام الصوفية الباطل.
وفي نسخة قال: (وعلى أحكام التواجد والنغام لهواً ولعب).
والنغام من النغمة وجمعها أنغام.
فترى بعضهم يتعبد الله بالرقص والغناء، وينسب هذا إلى الدين، مثلما يتدين الخوارج بحلق الرأس، ويبالغون في حلقه، ومثل هذا لم يثبت في دين الله، فالتدين به فسق.
والغناء والرقص عبادة عند الصوفية، وبعض الشباب اليوم يعملون القصائد الجماعية وصاروا يتلذذون بها، وبعضهم يلحنها ويتأوه، ثم يسمونه بعد ذلك بالأناشيد الجماعية، ولا يعجبهم منها إلا النغمات فقط مثل الصوفية، فترى بعضهم ينظر متى يرفع المنشد صوته أو يخفضه، ولا يهتم بالمعنى، فهذا صار تلذذاً بالصوت فقط، وليس المقصود المعنى، وهذه هي طريقة الصوفية، وصاروا أيضاً يتوسعون في هذا حتى إن بعضهم يلحن تلحيناً لا تشك أنه مثل التلحين الذي يسمع في الإذاعة، وهذا من إسدال الشيطان عليهم بالتدرج، ولربما سمعت من يسمع مثل هذا في الطريق فتقول له: هذا غناء؟ فيرد مسرعاً: هذه أناشيد، وقد أجازها فلان وفلان. وأمثال هذه الأناشيد لا تفرق بينها وبين الغناء أبداً، ومع ذلك تجد من يرد عليك قولك، مستظهراً قوته وشجاعته، وكل هذا بسبب انتشار هذه القصائد، نسأل الله السلامة والعافية، وليس وراء ذلك كله من فائدة أو نفع إلا إضاعة الأوقات والتلذذ بالأصوات، بل وجد بعض الناس يغني: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] والعياذ بالله، وترى بعض الفسقة يقلد فلاناً وفلاناً من القراء، فتراه مرة يقرأ ومرة يغني، وتراه يطيل الصوت في الغناء والقراءة سواء بلا فرق!
ومثل هذا الذي يغني بالقرآن يخشى عليه من الردة، فإذا كان ساخراً مستهزئاً ومستهيناً بالقرآن، فهو ردة والعياذ بالله.
ولا يصح الاستدلال على مثل هذه الأناشيد بالحدو المذكور في الأحاديث؛ لأن ذلك مذكور في حدو الإبل وهو شيء واحد وبألفاظ خاصة، ولا يصح بالشعر أيضاً؛ لأن هذه الأناشيد يقصد منها الأنغام والأصوات فقط، والشعر يقصد منه المعنى والفائدة.
ولا يدخل في ذلك تحسين الصوت بالقراءة، سواء كانت قراءة قرآن أو غيره، فتحسين الصوت مطلوب، وتلحينه غير مطلوب.
يعني: ليس له أن يستمع إلا إذا عظم الله وميزه فهذا كلام فيه إجمال.
قال رحمه الله تعالى: [ وكل من جهل ذلك وقصد استماعه على الله على غير تفصيله فهو كفر لا محالة، فكل من جمع القول وأصغى بالإضافة إلى الله فغير جائز إلا لمن عرف بما وصفت من ذكر الله ونعمائه، وما هو موصوف به عز وجل ما ليس للمخلوق فيه نعت ولا وصف، بل ترك ذلك أولى وأحوط، والأصل في ذلك أنها بدعة، والفتنة بها غير مأمونة على استماع الغناء والربعيات بدعة، وذلك مما أنكره المطلبي -أي: الشافعي - ومالك والثوري ويزيد بن هارون وأحمد بن حنبل وإسحاق ، والاقتداء بهم أولى من الاقتداء بمن لا يعرفون في الدين، ولا لهم قدم عند المخلصين، وبلغني أنه قيل لـبشر بن الحارث : إن أصحابك قد أحدثوا شيئاً يقال له القصائد، قال: مثل أيش؟ قال: مثل قوله:
اصبري يا نفس حتى تسكني دار الجليل
فقال: حسن، وأين يكون هؤلاء الذين يستمعون ذلك؟ قال: قلت: ببغداد، فقال: كذبوا، والله الذي لا إله غيره لا يسكن بغداد من يسمع ذلك.
يقول ياقوت الحموي : ذم بغداد قد ذكره جماعة من أهل الورع والصلاح والزهاد والعباد، ووردت فيه أحاديث خبيثة وعلتهم في الكراهية ما عاينوه بها من الفجور والظلم والعسف، وكان الناس وقت كراهيتهم للمقام ببغداد غير ناس زماننا، فأما أهل عصرنا فأجلس خيارهم في الحش وأعطهم فلساً فما يبالون بعد تحصيل الحطام أين كان المقام، وكان بعض الصالحين إذا ذكرت عنده بغداد يتمثل:
قل لمن أظهر التنسك في الناس وأمسى يعد في الزهاد
الزم الثغر والتواضع فيه ليس بغداد منزل العباد
إن بغداد للملوك محل ومناخ للقارئ الصياد ].
بغداد كانت في أزمان محل العباد والعلماء، وفي أزمان محل الرقص والغناء والصوفية.
يعني: الفقير إذا صبر ولم يسأل الناس فهذا خير له وأفضل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (ومن يتصبر يصبره الله، ومن يستعفف يعفه الله)، فإذا استعف وتصبر وصبر فهو أفضل، وإن عجز واستعان فله أن يسأل؛ لأن الوعيد إنما جاء فيمن سأل من غير حاجة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من سأل الناس تكثراً فإنما يسأل جمراً) وهذا سأل لضرورة فلا بأس بذلك.
ومما جاء في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لأن يأخذ أحدكم أحبله فيحتطب فيبيع فيكف الله به وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أم منعوه) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
وجاء في حديث آخر: (لا يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم).
ويشير الله تعالى إلى المضطر لذلك بقوله: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [المعارج:24-25].
وأما ما حدث في زماننا هذا من وقوف السائل في المساجد فهذا فيه تفصيل: إن كان يُعلم أنه ليس محتاجاً فيجب أن يمنع ويزجر ويؤدب، وإن كان يعلم أنه محتاج فلا يمنع، وإن كان يجهل حاله ترك؛ لاحتمال أن يكون محتاجاً، لكن لا ينبغي له أن يشوش على الناس في المسجد بوقوفه وسؤال الناس بعد الصلاة، بل الأفضل أن يجلس عند الباب أو في مكان ما؛ حتى يبتعد عن التشويش.
فإن قال قائل: وهل يجوز السؤال في المسجد؟
قلنا: نعم، يجوز؛ لأنه قد لا يجد حاجته إلا في المسجد، ولما جاء عن أبي بكر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم: (من تصدق منكم اليوم على مسكين، قال
يعني: ترك المكاسب لوجود شبهة أو ما شابهها تورعاً من ذلك لا بأس به، فإن الورع لا حد له، أما الوجوب فلا يجب عليه الترك إلا إذا علم أن هذا الشيء محرم.
ولا شك أن التكسب مع العبادة أفضل من العبادة وحدها، وذلك لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الأخوين، حيث كان أحدهما يتعبد والآخر يكسب فينفق على نفسه وعلى أخيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمتعبد: (إنه أفضل منك).
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ونقول: إن ترك المكاسب غير جائز إلا بشرائط مرسومة من التعفف والاستغناء عما في أيدي الناس. ومن جعل السؤال حرفة وهو صحيح فهو مذموم في الحقيقة خارج ].
أي: خارج عن الطرق المستقيم، أو خارج عما عليه أهل الحق أهل السنة والجماعة.
ومثل هذا الرجل لا شك أنه مذموم، ويجب عقوبته ومنعه من قبل ولاة الأمور بالسجن، ويضرب أيضاً حتى يترك حرفة السؤال.
الغناء لا شك أنه ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل، وأن السامع له فاسق.
وهذا الأثر روي مرفوعاً بألفاظ متقاربة، وروي موقوفاً على عبد الله بن مسعود وغيره، ولعل الموقوف أصح من المرفوع، أما المرفوع فروي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الغناء ينبت النفاق في القلب) رواه أبو داود والبيهقي وابن أبي الدنيا . ونقل المناوي في فيض القدير عن العراقي قوله: وصله غير صحيح؛ لأن في إسناده من لم يسم.
وذكره ابن حجر الهيثمي في كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع. وروي عن أنس مرفوعاً بلفظ: (الغناء واللهو ينبتان النفاق في القلب كما ينبت الماء العشب) رواه الديلمي في الفردوس، وروي أيضاً مرفوعاً نحواً من هذا عن جابر وعائشة وأبي هريرة رضي الله عنهم، ولعل المرفوع لا يخلو من مقال. وروي موقوفاً على ابن مسعود ، ورواه البيهقي في السنن الكبرى وابن أبي الدنيا ، والخلال في السنة، قال العراقي في كلامه على هذا الأثر: روي مرفوعاً من عدة طرق كلها ضعيفة، قال البيهقي : والصحيح أنه من قول ابن مسعود .
قوله: (والذي نختاره قول أئمتنا: ترك المراء في الدين) يعني: الجدال، وينبغي على الناس أن يتركوا الجدال في الدين، فقد جاء في بعضها الوعيد، ومن تلك الأحاديث: (والمراء في الدين كفر) فأصل الجدال في الدين كفر، لكن الجدال يختلف، فإن كان في أصل العقيدة والتوحيد، مع الشك في تلك الأمور فهو كفر وردة، أما إن كان جدالاً في أمور شرعية فهذا هو الذي عليه الوعيد.
وقوله: (والذي نختار قول أئمتنا ترك المراء في الدين والكلام في الإيمان مخلوق أو غير مخلوق) يعني: يسأل هل الإيمان مخلوق أو غير مخلوق؟ لما في ذلك من الإيهام، وإلا من المعلوم أن أعمال العباد أفعالهم وأقوالهم مخلوقة. فهو يقول: نختار السكوت عن هذا، وغيره يختار التفصيل في هذا، ويقول: أعمال العباد مخلوقة، وأما كلام الله فهو منزل غير مخلوق.
ذهب بعض أهل وحدة الوجود وعلى رأسهم ابن عربي الطائي وابن الفارض وغيرهم إلى تفضيل الأولياء على الأنبياء!
ولا شك أنه إن كان المراد أن الرسول واسطة بين الله حتى يؤدي عنه ويبلغ عنه فهذا صحيح.
أما أن يكون واسطة بين الله بمعنى: يدعى مع الله، أو أنه يتصرف في الكون، فهذا كفر والعياذ بالله.
ومن قال إن المتقين أفضل من الأنبياء فقد كفر؛ لأنه فضل الناس على الأنبياء، وهذا يقوله الصوفية الذين يرون أن الفلاسفة أفضل من الأنبياء والرسل؛ لأن النبي نبي العامة، والفيلسوف نبي الخاصة، فهو أفضل. وهذا كفر وضلال نعوذ بالله.
ويقول الصوفية: إن الأنبياء ختموا بمحمد عليه الصلاة والسلام، وأما الولاية فلم تختم، وبعضهم ادعى أنه خاتم الأولياء، وقال: إن خاتم الأولياء أفضل من خاتم الأنبياء؛ وذلك أن خاتم الأولياء تابع لخاتم الأنبياء في الظاهر، وخاتم الأنبياء تابع لخاتم الأولياء في الباطن، ويقول بعضهم: ابن عربي تابع لمحمد في الأمور الظاهرة، ولذلك يظهر الأحكام حتى لا يقتل، فتراه في الظاهر يصلي أمام الناس، وفي الباطن محمد تابع له؛ لأن محمداً يأخذ الوحي بواسطة جبريل، أما هو فهو يأخذ عن الله مباشرة أو عن نفسه ولا يحتاج إلى واسطة! نسأل الله السلامة والعافية.
قال رحمه الله تعالى: [ ومن قال بإسقاط الوسائط على الجملة فقد كفر ].
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر