إسلام ويب

دروس في العقيدة [7]للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • توحيد الله تعالى منه ما هو علمي خبري، وهو توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، ومنه ما هو إرادي طلبي، وهو توحيد الإلهية والعبادة، وهو أعظم أنواع التوحيد، ولأجله خلق الله تعالى العباد، وينافي التوحيدين الشرك بالله تعالى، وهو كائن في الربوبية والإلهية والأسماء والصفات، ولا شيء أقبح منه، ولا ذنب أعظم منه، ولا ظلم مثله، لأنه تنقص لله تعالى، وصرف لخالص حقه عنه إلى غيره، ومن مات عليه فقد حرم الله عليه الجنة.
    الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد.

    فإن التوحيد الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه هو توحيد العبادة والألوهية، وهو إفراد الله سبحانه وتعالى بجميع أنواع العبادة.

    والعبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، فكل ما أمر الله به وأمر به رسوله يفعله المؤمن إخلاصاً لله عز وجل وتعظيماً وخوفاً ورجاءً، وكل ما نهى الله عنه ونهى عنه رسوله يتركه المؤمن خشية لله وإجلالاً وتعظيماً ومحبة ورغبة ورهبة، وهذا التوحيد -أعني توحيد العبادة- هو أول الدين وآخره، وظاهره وباطنه، وهو أول دعوة الرسل، وهو الذي وقعت بسببه الخصومة بين الأنبياء وأممهم في قديم الدهر وحديثه، وهو الذي من أجله خلق الله الجنة والنار، وافترق الناس إلى شقي وسعيد، ولأجله حقت الحاقة، ووقعت الواقعة، وقامت القيامة، فجدير بالمؤمن أن يعتني بهذا التوحيد، وأن يهتم به، وأن يعرف حقيقته ومعناه حتى يعبد الله على بصيرة؛ فإن الله سبحانه وتعالى عرف العباد بنفسه بأسمائه وصفاته وأفعاله ليعرفوه سبحانه، وليعلموا عظيم حقه وليعبدوه؛ فإن توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات وسيلة لتوحيد العبادة، وتوحيد العبادة هو الغاية التي من أجلها خُلِق الخلق، وهو الغاية المحبوبة لله والمرضية.

    وفي توحيد الربوبية اعتراف بأن الله هو الرب الخالق الرازق المدبر، والاعتراف والإيمان بأسمائه وصفاته، فهو وسيلة إلى أن نعبده، فإذا عرفنا ربنا بصفاته وأفعاله وأسمائه وقضائه وقدره وحكمته خصصناه بالعبادة سبحانه، فتوحيد العبادة المطلوبة المرضية لله هو الذي بعث الله به الرسل، وأنزل به الكتب، وهو الذي أنكره المشركون، وكذب فيه الكفار رسلهم حينما أتوا به ودعوهم إلى إخلاص العبادة لله، قال الله تعالى: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ [الشعراء:105-107]، فكذبوه في أنه رسول الله، وأنه جاء بتوحيد وإخلاص العبادة لله وحده، وقال تعالى: كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ [الشعراء:123-125]، وقال تعالى: كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ [الشعراء:141-143]، فكذبوه في دعوى الرسالة والنبوة، وأنه أتى من عند الله بالتوحيد وإخلاص العبادة لله والنهي عن الشرك، وقال تعالى: كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ [الشعراء:160-162]، وقال تعالى: كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ [الشعراء:176-178].

    ومن كذب رسولاً فقد كذب جميع المرسلين، لذا قال الله تعالى: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء:105]، مع أنهم لم يكذبوا إلا بنوح، لكن لما كان الرسل دعوتهم واحدة، والمتقدم بشر بالمتأخر، والمتأخر صدق المتقدم؛ صار من كذب واحداً كمن كذب بالجميع.

    وكذلك كفار قريش أنكروا توحيد الإلهية، وكذبوا نبينا صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من عند الله من إخلاص الدين لله، وإخلاص العبادة والتوحيد له عز وجل، قال الله تعالى عنهم: وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:4-5]، فأنكروا أن تكون الآلهة إلهاً واحداً؛ لأن المشركين ابتلوا بوجود آلهة متعددة يعبدونها من دون الله، ونشأ على هذا الصغير، وهرم عليه الكبير، وتوارثوا هذا عن آبائهم وأجدادهم، وصاروا يتبعون آباءهم وأجدادهم على الباطل، فلما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (قولوا: لا إله إلا الله. تفلحوا)، عجبوا! كما قال تعالى: وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ * وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ * مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ [ص:4-7]، فهذه هي الحجة الملعونة الشيطانية، وهي اتباع الآباء والأجداد على الباطل، واتباع القرون السابقة على الضلال، وهي حجة فرعون حينما قال لموسى: َمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى [طه:51]، وهي حجة كفا قريش لما قالوا: مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ [ص:7].

    معنى كلمة (لا إله إلا الله)

    جدير بالمؤمن أن يعتني بتوحيد العبادة وتوحيد الألوهية، وهو معنى (لا إله إلا الله)، فإن معناها: لا معبود بحق إلا الله، وقد كان كفار قريش يعرفون معنى (لا إله إلا الله)، ولذلك امتنعوا ورفضوا قولها؛ لأنهم يعرفون أن المراد ليس هو التلفظ بالحروف فقط، بل المعنى هو إخلاص التعبد لله، والبعد عن الشرك، فلذلك تواصوا بالصبر على آلهتهم والبقاء عليها، وامتنعوا عن قول: (لا إله إلا الله)، ثم جاء المتأخرون من أهل الكلام وغيرهم ممن يتمسحون بالقبور ويعبدونها من دون الله، ويدعونها ويذبحون لها وينذرون لها؛ فصاروا لا يعرفون معنى (لا إله إلا الله)، فصار الواحد منهم يقول: (لا إله إلا الله) وهو يدعو غير الله، ويذبح وينذر لغير الله؛ لأنه لا يعرف من معنى هذه الكلمة إلا مجرد الحروف، وبعضهم يفسرها بتوحيد الربوبية، كما بين ذلك الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله الإمام المجدد في رسالة (كشف الشبهات)، فقد بين أن كثيراً من الناس في زمنه لا يعرف من معنى (لا إله إلا الله) إلا مجرد الحروف فقط، والذكي منهم الفطن يفسرها بتوحيد الربوبية، فيقول: (لا إله إلا الله)، أي: لا خالق إلا الله. والصواب أن الإله هو المعبود، ومعنى: (لا إله إلا الله) أي: لا معبود بحق إلا الله، فالإله هو المعبود المطاع المتبع.

    فلا بد من العناية بمعنى هذه الكلمة، ولا تتبين عظمة هذه الكلمة، بأنها تنفي الشرك عن الله، وأنها تنفي جميع أنواع العبودية عن غير الله وتثبتها لله إلا إذا فسر الإله بالمعبود، وقدر الخبر بـ(حق)، أي: لا إله حق إلا الله، فـ(لا) نافية للجنس تعمل عمل (إن)، فتنصب الاسم وترفع الخبر، واسمها: (إله)، والإله: هو المعبود المطاع المتبع، والخبر محذوف تقديره: حق، أي: لا معبود حق إلا الله.

    أما المعبودات الموجودة فهي معبودة بالباطل، فالشمس والقمر والنجوم والأولياء والأنبياء والملائكة، كل هؤلاء عبدوا بالباطل، ولا يستحقون العبادة، وإنما المعبود بالحق هو الله وحده سبحانه وتعالى، كما قال سبحانه وتعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [الحج:62]، أما من فسر الإله بأنه الخالق، فهذا قد وافق ما عليه المشركون، فإن المشركين يقولون: لا خالق إلا الله، وكذلك من قدر الخبر فقال: لا إله موجود إلا الله. فقوله ليس بصحيح، بل الآلهة متعددة وموجودة وكثيرة، وكلها معبودة بالباطل إلا الله، فهو المعبود بالحق سبحانه وتعالى.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088781993

    عدد مرات الحفظ

    778994539