إسلام ويب

الفاروق في القرن العشرينللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • عمر أسلم بسورة (طه) وكان أصدق من الشمس في ضحاها, وأوضح من القمر إذا تلاها, وأشهر من النهار إذا جلاها, وتولى الخلافة فأعلاها, وقاد الأمة ورعاها.

    عمر.. مواقف ودروس خالدة.. بكاء ونحيب.. تفقد واستطلاع.. أتعب الخلفاء بعده.. قائد لقي الله خالياً من المظالم.. فهل سيوجد مثله في هذا القرن؟! هذا مضمون هذه المادة.

    الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين, ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين, وقدوة الناس أجمعين, وعلى آله وصحبه والتابعين.

    عنوان هذه المحاضرة: (عمر في القرن العشرين) ورقمها (304) وإنه موقف صعب يوم نتكلم هذه الليلة عن عمر الفاروق!!

    من أين نبدأ مع أبي حفص؟! وإلى أين ننتهي؟! وماذا نقول هذه الليلة؟!

    وهل نمدحه فهو أغنى عن المدح؟ وكما قال الأعرابي لما رأى القمر وسط الليل: "والله يا قمر! إن قلت: رفعك الله! فقد رفعك الله، وإن قلت: جملك الله! فقد جملك الله، وإن قلت: زينك الله! فقد زينك الله".

    عمر التاريخ، وعمر المجد، وعمر العدالة، عمر المنهج الرباني الذي أنزله سُبحَانَهُ وَتَعَالى على قلب أولئك البشر من الناس، فخرجوا أمةً جديدةً للعالم، فنشروا العدل في ربوع الدنيا:

    والله ما ادكرت روحي لسيرته     إلا تمنيت في ديناي لقياه

    ولا تذكرته إلا وخالجني      شوق أبو حفص فحواه ومعناه

    تبكي عليه الملايين التي فقدت      بموته عزة الإسلام إذ تاهوا

    الطفل من بعده يبكي عدالته      يقول هل مات ذاك الغيث أماه

    والناس حيرى يتامى في جنازته     تساءلوا من يقيم العدل إلاه

    مضى إلى الله والآلاف تندبه      ابن الشريعة حياها وحياه

    نعم أحييك من قلبٍ يقطعه      شوقي إليك فهل واسيت فقداه

    عمر أسلم بسورة طه، وكان أصدق من الشمس في ضحاها، وأوضح من القمر إذا تلاها، وأشهر من النهار إذا جلَّاها، تولى الخلافة فأعلاها، وقاد الأمة ورعاها.

    من أين أبدأ يا أبا حفص ولي      قلب له في حبكم أسرارُ

    يا أيها الفاروق تاريخ الورى      زورٌ وفي تاريخكم أنوار

    السلام عليك يا عمر بن الخطاب , يوم أسلمت! والسلام عليك يوم هاجرت! والسلام عليك يوم توليت الخلافة! والسلام عليك يوم أن مت شهيداً ويوم تبعث حياً في الخالدين!

    لا أترجم له، فهو أغنى عن الترجمة، وهو أكبر من الكلام، وهو أعلى من المدح.

    لقبه الفاروق، لقَّبه بذلك أهل الكتاب، لأن الله فرَّق به بين الحق والباطل.

    إسلام عمر

    أسلم وعمره سبع وعشرون سنة، ورضع (لا إله إلا الله) وحمل (إياك نعبد وإياك نستعين) وسجد لله، وعفَّر جبينه للخالق، ثم مضى إلى الله، وسوف نعيش معه هذه الليلة ليعلم كل إنسان إذا أراد أن يكون إنساناً مسلماً أن عمر ينبغي أن يكرر حتى في القرن العشرين، وينبغي أن يكون جامعةً للعدل وللحب وللإيمان وللطموح.

    قال ابن كثير: " أسلم وعمره سبعٌ وعشرون سنة، وشهد بدراً وأحداً والمشاهد كلها.

    وهو أول من دعي أمير المؤمنين في الإسلام، وأول من كتب التاريخ، وأول من جمع الناس على التراويح، وهو أول من عس بـالمدينة بدرته في ظلام الليل، يتفقد الأرامل والمساكين، ويتفقد أحوال المساكين، لا ينام الليل والناس ينامون، ولا يشبع والناس يجوعون، ولا يهدأ حتى يرتاح الناس ويهدءون ".

    تقول زوجته عاتكة بنت زيد: [[يا عمر , ألا تنام الليل؟

    قال: لو نمت في الليل لضاعت نفسي، ولو نمت في النهار لضاعت رعيتي]].

    نامت الأعين إلا مقلةً     تذرف الدمع وترعى مضجعك

    تواضع عمر

    وكان متواضعاً لله, وحمل الدرة وأدب بها، عنده عصا اسمها: "الدرة" يخرج بها الشياطين من الرءوس، وكان يؤدب بها أمراء الأقاليم، وكان يحكم اثنتين وعشرين دولة من الدول الإسلامية اليوم يحكمها من المدينة، وكان إذا سمع بصيته كسرى وقيصر ارتعدوا على كراسيهم كما يقول محمود غنيم شاعر وادي النيل:

    مالي وللنجم يرعاني وأرعاه      أمسى كلانا يعاف الغمض جفناه

    لي فيك يا ليل آهات أرددها     أواه لو أدت المحزون أواه

    كم صرفتنا يدٌ كنا نصرفها      وبات يملكنا شعبٌ ملكناه

    يا من يرى عمراً تكسوه بردته      والزيت أدمٌ له والكوخ مأواه

    يهتز كسرى على كرسيه فرقاً      من خوفه وملوك الروم تخشاه

    قال ابن كثير: "وكان عمر خشن العيش، وكان قليل الضحك، لا يمازح أحداً، وكان منقوشاً على خاتمه (كفى بالموت واعظاً يا عمر).

    يقول المتنبي:

    أرى كلنا يبغي الحياة بجهده     حريصاً عليها مستهاماً بها حبا

    وحب الجبان النفس أورده البقا      وحب الشجاع الحق أورده الحربا

    وكان يقول عليه الصلاة والسلام: {أشد أمتي في دين الله عمر} كان عمر يبكي على المنبر ويقول: [[لا يحل لي من مال الله إلا حلتان: حلة للشتاء وحلة للصيف]] وصعد عام الرمادة ليتكلم إلى الجماهير وليخطب، فقرقر بطنه من الجوع، أمعاؤه لم تجد لحماً، لم تجد خبزاً، وهو يملك الملايين المملينة من الذهب والفضة، لكنه يخاف من نارٍ تلظى، فقال لبطنه: [[يا بطن! قرقر أو لا تقرقر! والله لا تشبع حتى يشبع أطفال المسلمين]].

    قال معاوية رضي الله عنه: [[أما أبو بكر فلم يرد الدنيا ولم ترده، وأما عمر فأرادته الدنيا وما أرادها، وأما نحن فتقلبنا في الدنيا ظهراً لبطن]].

    وقال عمر وقد قيل له: لو أكلت طيباً؟ قال: [[ما لي وللدنيا! إني تركت صاحبي -أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر - على جادة، ولا أريد أن أخالفهما عن تلك الجادة]].

    لبست رخيص الصوف خوفاً لعله     ستلبس في أخراك من سندسٍ خضر

    لباس عمر

    كان لباسه جبة صوف، بين كتفيه أربع رقاع، وأنفق في حجته التي قاد فيها المسلمين ستة عشر ديناراً فحسب، وكان يأكل خبز الشعير، ويأتدم بالزيت، وربما قدم له الملح مقشوراً، وقال: [[والله إني أعلم الناس بنسيل العسل، وبلباب البر، وبأجود اللحم، ولكن أخشى أن أجمع هذا وهذا، ثم آتي إلى الله، فيقول الله لي: أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا [الاحقاف:20]]].

    قل للملوك تنحوا عن مناصبكم     فقد أتى آخذ الدنيا ومعطيها

    حسبي وحسب القوافي حين أرويها     أني إلى ساحة الفاروق أهديها

    يا رب هب لي بياناً أستعين به      على قضاء حقوقٍ نام راعيها

    قال أنس بن مالك: [[سمعت عمر وراء الحائط وهو على الخلافة يبكي ويضرب رجله بعصا، ويقول: والله يا عمر! إن لم تتق الله ليعذبنك الله عذاباً أليماً]] ومن مآثره أنه لم يأكل اللحم والسمن عام الرمادة، وهو عام القحط، وأقسم ألَّا يأكل سميناً ولا سمناً حتى يكشف الله البلوى عن المسلمين.

    عليك سلام الله وقفاً فإنني     رأيت الكريم الحر ليس له عمر

    ثوى طاهر الأردان لم تبق بقعة      غداة ثوى إلا اشتهت أنها قبر

    وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً * مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً [الإنسان:12-14].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3088776436

    عدد مرات الحفظ

    778948050