إسلام ويب

حكم الغناء والأناشيدللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ما حكم الغناء؟

    وما الفرق بينه وبين الأناشيد؟

    وهل يجوز الضرب بالدف؟

    هذه الأحكام وأحكام أخرى تحدث الشيخ عنها في هذا الدرس.

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعـد:

    هذا الدرس هو الدرس (41) من صحيح البخاري، ولنستمع إلى الإمام البخاري رحمه الله تعالى حيث يتحفنا من صحيحه، الكتاب النير العطر، بحديث في كتاب العيدين.

    يقول رحمه الله تعالى: باب الحراب والدرق يوم العيد.

    وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش، وحول وجهه صلى الله عليه وسلم، ودخل أبو بكر فانتهرني، وقال: مزمارة الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: دعهما، فلما غفل غمزتهما فخرجتا، وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب، فإما سألت النبي صلى الله عليه وسلم، وإما قال: تشتهين تنظرين؟ فقلت: نعم. فأقامني وراءه، خدي على خده، وهو يقول: دونكم يا بني أرفدة، حتى إذا مللت، قال: حسبك؟ قلت: نعم. قال: فاذهبي).

    في هذا الحديث مسائل وسوف تأتي بإذن الله، وبمناسبة لعب الحبشة وعرضهم يوم العيد أمام الرسول صلى الله عليه وسلم نتكلم هنا عن داعية الحبشة، وعن رجل من أهل الحبشة، هو أفضل أهل الحبشة في الإسلام وفي الصحابة، فمن هو يا ترى هذا الرجل؟

    بلال سفير الحبشة للإسلام

    بلال بن رباح داعي الأرض الذي تلقى نور السماء وأذن في الخالدين، وكان حقاً على قلب كل مؤمن أن يقول:

    وقل لـبلال العزم من قلب صادق      أرحنا بها إن كنت حقاً مصليا

    توضأ بماء التوبة اليوم مخلصاً     به ترق أبواب الجنان الثمانيا

    بلال رضي الله عنه وأرضاه يعرفه الجميع، أهل الملايو ومسلمو اليابان والصين والسودان والعراق والجزائر، كل مسلم على وجه الأرض يعرف بلالاً رضي الله عنه وأرضاه، هو سفير الحبشة إلى الإسلام، وسفير الإسلام إلى أهل الحبشة، فإن لكل قوم سفيراً وسفير الحبشة إلى الإسلام بلال رضي الله عنه وأرضاه، كما أن سفير الروم صهيبوسفير أهل فارس سلمان.

    دخل بلال مكة فما كان له قيمة عند المكيين ولا عند القرشيين، كانت وثنية تمعر في رءوسهم، لا يقيمون لهؤلاء الموالي قيمة أبداً ولا وزناً، وإنما ينزلون هؤلاء الموالي منزلة الحيوان، فأرخصوا ثمنه وهو غال عند الله، وعطلوا قيمته وهي ثمينة جد ثمينة، فلما أتى الإسلام كان بلال رضي الله عنه ممن شرح الله صدره للإسلام، أسلم مبكراً، ووضع يده في يد الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام؛ فأخرجه من الجاهلية إلى الإسلام، ومن الظلمات إلى النور، وهداه ورقاه فأصبح غالياً من أغلى الناس.

    كان عمر رضي الله عنه وأرضاه يقول: [[أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا]].

    إن السيادة في الإسلام تكون بالتقوى وبالعمل الصالح وبالقرب من الله عز وجل، وأما الجاهليون فما استمعوا لهذا، لما علموا أنه قال: لا إله إلا الله، ودخل في هذا الدين؛ لأن هذا الدين مجرد عن الطلاء، من يرغب في الاستقامة يأت، لا لمنصب ولا لولد ولا لمال ولا لأسرة ولكن لوجه الله تبارك وتعالى، فلما أتى بلال رفعه الإسلام وجعله الرسول صلى الله عليه وسلم مؤذناً فأبى أمية بن خلف وعذبه بأنواع العذاب، سحبه على وجهه على الرمضاء، طرح الصخور على صدره وما يزداد إلا إيماناً وتسليماً، كان كلما عذبه، قال: أحد أحد، أحد أحد هتف بها لكل معطل، يفني بها كل شرذمة باطلة خاسرة خائبة عند الله.

    هجرة بلال

    هاجر رضي الله عنه وأرضاه، واستفاقت المدينة من سباتها ومن نومها على أذان بلال تنفض الجاهلية والوثنية وأدرانها، كان دائماً يمر ببيت الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الصلاة، ويقول: الصلاة الصلاة يا رسول الله! فينتشي صلى الله عليه وسلم، وإذا تأخر بلال عن هذا الموعد، قال عليه الصلاة والسلام: {أرحنا بها يا بلال } أي: بالصلاة؛ فإنها قرة عين المصطفى صلى الله عليه وسلم، وشرحة فؤاده، وراحة نفسه، عليه أفضل صلاة وأجل تسليم.

    وفي مرض موته صلى الله عليه وسلم يمر بلال فيقول: الصلاة الصلاة يا رسول يا الله! ولكن أين مناخ العيس من حلب؟! كيف يستطيع صلى الله عليه وسلم أن يقوم وهو في مرض الموت، فقال: {يا بلال! مر أبا بكر فليصلِّ بالناس} فيتلعثم بلال رضي الله عنه بالبكاء ويقول: واحبيباه! وارسولاه! واخليلاه! ثم يقول: يا أبا بكر! صلِّ بالناس، فيقول أبو بكر: الله المستعان، إنا لله وإنا إليه راجعون!

    ويؤثر في السيرة أنه رضي الله عنه وأرضاه قام من صلاة الفجر في أول يوم توفي فيه صلى الله عليه وسلم فرفع صوته الندي الشجي بالتكبير والتهليل فلما بلغ قول المؤذن: أشهد أن محمداً رسول الله التفت فخنقته العبرة وبكى وما استطاع أن يتم الأذان.

    كان يوم الفتح مع الرسول صلى الله عليه وسلم، عندما دخل الجيش العرمرم المسلم الذي يرفع لا إله إلا الله، جيش قوامه عشرة آلاف، والرسول قائده صلى الله عليه وسلم، فلما حانت صلاة الظهر ونصر الله رسوله نصراً مؤزراً ما سمع التاريخ بمثله، وقف كفار قريش أمامه وقد جردهم من السلاح والسيوف والرماح، وقال: ما ترون أني فاعل بكم؟

    فبكوا حتى اختلطت أصوات بكاء الأطفال بالنساء، وظنوا أنها مجزرة ومذبحة، وظنوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم سوف يعاملهم بالمعاملة التي عاملوه بها، فقد أخرجوه وكذبوه وشتموه وآذوه وظنوا أنه كالبشر الذين فعلوا ما علمتم في التاريخ.

    هتلر يوم دخل الشرق ماذا فعل؟

    و نابليون يوم دخل الدول العربية ماذا صنع؟

    ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم من نوع آخر، رباه الله وعلَّمه وأدبه؛ فقال: {اذهبوا فأنتم الطلقاء! عفا الله عنكم} فزاد البكاء بكاءً، وقام أبو سفيان يقول: الله ما أرحمك! الله ما أوصلك! الله ما أبرك! الله ما أكرمك!

    ولما أتت صلاة الظهر قام صلى الله عليه وسلم وأخذ بحلق الكعبة وقال: {الحمد لله الذي نصر عبده -اسمعوا للنصر التاريخي العظيم- وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده. ثم قال: قم يا بلال أذن. فقام بلال فارتقى الكعبة} وكانت مقصودة من الرسول صلى الله عليه وسلم.

    كان من الممكن أن يدعو أبا بكر أو عمر لكن قال: قم يا بلال، يا من سحب على الرمال! يا من أوذي بالصخور! يا من تعرض للإهانة والإساءة! يا من كان هؤلاء لا يقيمون له وزناً! أخبرهم أن هذا الدين يرفع المولى، ويعز الضعيف، ويعرف قيمة الإنسان؛ فقام وهم ينظرون إليه، أهذا هو العبد الأسود الذي كان معنا نمتهنه كما نمتهن الدابة؟!

    أهذا هو الخادم يرتقي على الكعبة؟! فيقوم ويطلق: الله أكبر؛ فيرتج المسجد الحرام بالبكاء.

    إنه نصر عظيم! وإنه صوت عجيب! وإنه فتح كبير! ويعود حتى يقول صفوان بن أمية: ما كنت أظن أن الحياة تطول بي حتى أرى هذا الغراب ينادي من على الكعبة.

    ولكن سوف يعلم لمن الرفعة عند الله عز وجل.

    وفي صحيح البخاري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {دخلت الجنة البارحة فسمعت دف نعلك يا بلال، فماذا كنت تصنع؟ قال: يا رسول الله! ما كنت كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة -أي: في النوافل- لكن ما توضأت وضوءاً إلا صليت بعده ركعتين}.

    بلال بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم

    توفي صلى الله عليه وسلم وكان من أحب الناس إليه بلال، ومن أندى الأصوات لديه صوت بلال، فلما أتى أبو بكر قال: أذن يا بلال؟ قال: والله لا أؤذن لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال له أبو بكر: لم لا تؤذن؟

    قال: ما كنت أرفع صوتي مؤذناً إلا له صلى الله عليه وسلم، ثم استأذن أبا بكر أن يخرج إلى الشام فقال أبو بكر: لا آذن لك.

    قال بلال: إن كنت أعتقتني لوجه الله؛ فاتركني أخرج للشام للجهاد -و أبو بكر يريد أن يستأنس بـبلال وهو معه- وإن كنت أعتقتني لنفسك؛ فلك ما ترى وسوف أبقى؛ فدمعت عينا أبي بكر رضي الله عنه، وقال: أعتقتك لوجه الله فاخرج. فخرج إلى الشام، وبقي هناك، وفي بعض السير أنه رأى -وهو في حمص - الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام فقال: هجرتنا يا بلال من الزيارة، فقام يبكي في الليل وشد راحلته وأتى المدينة -ولو أن في هذا السند ضعفاً لكنه جبر بطرقه- فقدم فلما وصل المدينة رآه الصحابة فكأنهم يرونه لأول مرة، فعانقوه وهم يبكون، ولما فتح عمر رضي الله عنه بيت المقدس قال: يا بلال! قم أذن للظهر. فقد فتح بيت المقدس. قال: اعفني يا أمير المؤمنين! قال: سألتك بالله أن تؤذن. فقام فأذن قالوا: فما بقيت عين إلا بكت ذاك اليوم.

    هذا بلال رضي الله عنه، أحد أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ومن أهل الحبشة الذين نعيش معهم ونسمع إلى أخبارهم ومراسيمهم وإلى عيدهم أمام الرسول صلى الله عليه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3088776340

    عدد مرات الحفظ

    778947424