إسلام ويب

خصائص الجمعةللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الجمعة عيد المسلمين، وهي خير أيام الأسبوع، ولذا اختصت بخصائص ليست لغيرها من الأيام، وسن لها بعض الآداب، وهناك عشرون خصيصة من خصائصها، مفصلة في هذا الدرس من خلال شرح أحاديث من صحيح البخاري في أبواب تتعلق بالجمعة.
    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    أمَّا بَعْد:

    فإن من أعظم القضايا التي يلتمسها المؤمن ويبحث عنها في تدبر كتاب الله عز وجل، وفي قراءة سنة رسوله صلى الله عليه وسلم قضية الهداية، وكيف ينقذ الإنسان نفسه من غضب الله وعذابه ولعنته.

    ولأن رجال صحيح البخاري هم ممن عرفوا الله عز وجل، كما قال أهل العلم: كل من روى له البخاري فقد تجاوز القنطرة لذلك فقد أثرنا أن نقف في هذا الدرس، مع رجل طالما مر معنا في كثير من الدروس، وفي بعض الأحيان نتعرض له وفي بعضها نهمل ذكره استعجالاً أو لضيق الوقت، وهو عبد الله بن المبارك رضي الله عنه وأرضاه.. وكثرة ترداد هذه التراجم لا تمل، بل كان هذا منهج كثير من أهل العلم: أنهم إذا أرادوا أن يشرحوا حديثاً، أو أرادوا أن يعرضوا درساً للناس، بدءوا بذكر الصالحين في مقدمة درسهم.

    قال أبو حنيفة رحمه الله: سير الرجال -أي: أخبار الرجال الصالحين- أحب إلينا من كثير من الفقه.

    وقال مجاهد رحمه الله: القصص جند من جنود الله يسلطها الله على من يشاء.

    ابن المبارك وطريق الهداية

    هذا الرجل - عبد الله بن المبارك - هو مثل لكل شاب يريد الله والدار الآخرة، أو لكل رجل أسرف في أول عمره أو أخطأ، ثم أراد أن يراجع حسابه، وأراد أن يعيد نفسه إلى الله تبارك وتعالى.

    عاش حتى بلغ السابعة والعشرين من عمره، وكان يصلي كما يصلي كثير من الناس، لكنه ما كان يعيش مع الإسلام في ليله ونهاره، ما كان يشغل أوقاته بطاعة الله بدقائقها وثوانيها وأنفاسها مع الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فلما أراد الله أن يوقظ قلبه، وكان مع عصابة من القرناء الذين يريدون أن تكون الحياة معبراً للذات والشهوات، جلس في شمال إيران، وكانت هناك حديقة قريبة من منزله، فسمر مع هؤلاء القرناء، فلما انتهى من سمره نام، وكانت تلك الليلة ليلة مباركة أراد الله أن يوقظ قلبه، فسمع أن هاتفاً يهتف ويقول: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [المؤمنون115-116].

    فاستفاق وعلم أنه مقصود بالخطاب، وأنه مدعو إلى الجواب، فقام من تلك الليلة وبدأ حياة جديدة مع الله عز وجل، حياة التفقه في دين الله، وتدبر كتابه، والتزود بالنوافل؛ ففتح الله عز وجل عليه، وعاهد الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عهداً أوجبه على نفسه ولم يوجبه غيره من الناس عليه؛ ولذلك يقول ابن تيمية: إن الحق الذي يذكره الله في كتابه كقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى:وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47] أوجبه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى على نفسه ولم يوجبه أحد من الناس عليه؛ فحق عليه تبارك وتعالى أن من طلب الهداية وأراد الخير أن يهديه، فهدى الله هذا الرجل؛ فاستنار قلبه.

    خوف ابن المبارك من الله وإنفاقه في سبيل الله

    قال أحد تلاميذه: سافرنا معه إلى الحج، فجلسنا في ليلة ظلماء فانطفأ السراج، فذهبنا نلتمس سراجاً، فعدنا إليه، وإذا بدموعه تنهمر على لحيته، فقلنا: ما لك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: لما تركتموني في هذه الغرفة تذكرت القبر والله.

    وقال الإمام أحمد: إن ابن المبارك رفعه الله بخبيئة من الخشية في قلبه.

    وكان مع ذلك قد رزقه الله بسطة في المال.. والمال لا يحاربه الإسلام كما يظن كثير من العباد أو الزهاد أو المتصوفة، بل إن الإسلام يستثمر المال ويوجهه في طرق الخير، وكان كثير من الصحابة يشتغلون بالتجارة وبالغنى، لكنهم ينفقون أموالهم في سبيل الله.

    بلغ من عطائه أنه كان يدعو القافلة ليحجوا، وينفق عليهم مما آتاه الله، حتى إنه في يوم من الأيام مر بقرية من قرى العراق وهو حاج؛ فوجد امرأة خرجت من بيتها فوجدت دجاجة ميتة في زبالة، فأخذتها فقال لغلامه: اذهب وراءها واسألها، فلما ذهب وسألها قالت: ما لنا طعام منذ ثلاثة أيام إلا ما يلقى من الأموات في هذه المزبلة. فلما عاد وأخبره دمعت عيناه، وقال: نحن نأكل الفالوذج والناس يأكلون الميتة من المزابل! والله لا أحج هذه السنة، واذهبوا بقافلتي هذه إلى أهل هذه القرية، فرد القافلة بأحلاسها وأقتابها وجمالها وبما عليها من متاع وطعام، ووزعها على أهل القرية، وعاد إلى خراسان ولما نام أول ليلة هناك رأى في منامه قائلاً يقول: حج مبرور وذنب مغفور وسعي مشكور.

    وله قدم ثابتة في الجهاد عرفتموها في بعض المناسبات، أو من قراءتكم واطلاعكم.. وله كذلك وفاة حميدة وخاتمة حسنة، يقول غلامه: لما حضرته الوفاة رأيته يتبسم وهو في سكرات الموت، قلت: ما لك؟ قال: لمثل هذا فليعمل العاملون.

    هذا هو عبد الله بن المبارك الذي يروي عنه البخاري ويقول: حدثنا عبدان -تلميذ عبد الله بن المبارك - قال: حدثنا عبد الله بن المبارك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088779584

    عدد مرات الحفظ

    778976497