إسلام ويب

الشيطان يتمرد على الرحمنللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن من نعم الله علينا أن خلق لنا السموات والأرض، فخلق السموات بأفلاكها ونجومها وكواكبها ومجراتها، كما خلق الأرض بجبالها وبحارها وأنهارها ومائها ومعادنها، وذللها لنا، وخلق لنا فيها من كل شيء ، فأحل لنا فيها الطيبات وحرم علينا الخبائث.

    ثم خلق آدم فعلمه الأسماء كلها ثم استخلفه في الأرض ليعمرها بتوحيد الله وعبادته.

    وفي هذه المادة عرض لتلك الأحداث العظيمة التي وقعت في غابر القدم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً )

    الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفةً لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    أمَّا بَعْد:

    فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

    يقول الله تبارك وتعالى بعد أن ذكر منته سُبحَانَهُ وَتَعَالى على الخلق: بسم الله الرحمن الرحيم كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة:28] سبق شرح هذه الآية، وسبق بيان بعض مقاطع ومقاصد هذه الآية، ثم يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:29].

    هذه الآية فيها قضايا، وفيها ثلاثة مقاطع:

    أولها: المقطع الأول: يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً [البقرة:29] وهذا المقطع يستدل به أهل العلم على أن كل ما في الأرض الأصل فيه أنه مباح، وهي قاعدة أصولية أخذوها من هذه الآية، وتساءل الرازي في تفسيره: هل الطين مباح أن نأكله؟ وهذا فيه تكلف.

    فإن الله عز وجل أحل لنا الطيب المباح، وحرم علينا الضار الخبيث، وهو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، ويقول في محمد صلى الله عليه وسلم: وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157].

    فلا دلالة في هذه الآية على أن مثل الطين والتراب والصخور، وهذه الضارات أنها مباحة للأكل.

    إن الله عز وجل أحل الطيب المفيد وحرم الخبيث الضار، ومن شاء أن يأكل تراباً فليأكل، ومن شاء أن يأكل طيناً فليأكل، والرازي أتَى بهذه لأنه يريد أن يعلقها بقاعدة عند أهل الأصول.

    فقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً [البقرة:29] يقول الرازي: جرم الأرض شيء، وما في الأرض شيءٌ آخر، وهو تفسيرٌ مقبول ومطلوب، و(لكم) هنا للملكية، أي: مباح لكم، وطيب لكم، ومهيأ لكم، بشرط أن يكون هذا الشيء نافعاً ومفيداً، أما إذا كان ضاراً فلا يكون هذا، وأما إذا كان مفسداً فلا يكون، بل هو محرم كالخمر والسم، والطين والتراب والصخر، وكل ما أفسد الهيئة والعقل فهو محرم، والخبيث المستقذر محرم.

    إذاً: الطيب المفيد هو النافع الذي خلقه الله للإنسان، أكلاً وشرباً ولبساً، وإنما ذكر الله هذه الآية -كما قال أهل التفسير- بعد قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ [البقرة:28] ليذكر منته على الخلق سُبحَانَهُ وَتَعَالى.

    قال: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً [البقرة:29]. (فجميعاً) تعود إلى (ما في الأرض) وبعضهم يقول: تعود إليكم أيها الناس جميعاً، والأقرب أنها تعود إلى (ما في الأرض).

    ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ البقرة:29] سبحان الخالق! ولكن نحن لانتدبر، ولا نتفكر، ولا نعي، يقول بعض أهل العلم: كثرة المساس يبطل الإحساس، فمن كثرة ما تعودنا على رؤية السماء ورؤية القمر والشمس والنجم، أصبحنا لا نتدبر ولا نتفكر، لكن إذا خرج مصنوعٌ صنعه الإنسان، تفكرنا فيه وتدبرنا.

    مر أعرابي في ليلة من الليالي في ليلةٍ مظلمة، فمشى في هذا الليل لا يرى مد يده، وفجأة طلع عليه القمر -والقمر: أزهى شيء عند العرب، دائماً ينشدون فيه أشعارهم، ودائماً يصفون الجمال بالقمر والبدر، يقول الصحابة عن الرسول عليه الصلاة والسلام: (كان وجهه كالقمر ليلة أربعة عشر) يقول أحد الشعراء وقد دخل على الخليفة المكتفي، فبدأ قصيدته الغزلية التي يقول فيها:

    حلفت لنا ألا تخون عهودنا     فكأنها حلفت لنا ألا تفي

    هنا يقصد الدنيا، وبعضهم يقول: أنه يقصد محبوبته.

    حلفت لنا ألا تخون عهودنا     فكأنها حلفت لنا ألا تفي

    والله لا كلمتها لو أنها     كالبدر أو كالشمس أو كـالمكتفي

    يقول: لا أكلمها ولو أنها كالبدر أو كالشمس أو كالخليفة، فغضب الخليفة لأنه وازنه مع المرأة.

    المقصود أن الأعرابي طلع عليه البدر، فنظر في السماء فقال: سبحان من سواك! سبحان من رفعك! إن قلت: جملك الله؛ فقد جملك الله، وإن قلت: رفعك الله؛ فقد رفعك الله، وإن قلت: بهاك الله أو حسنك الله؛ فقد حسنك الله. والمقصود أن في هذه الآية فارقاً لا بد أن يفهمه أهل الفضل وأهل الخير من أمثالكم.

    1.   

    مدة خلق السماوات والأرض

    يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ [البقرة:29] ربما يقول أحدكم: هذه تدل على استواء الله على العرش، وهذه الآية لا تدل على ذلك، وهذه الآية لا تدل على ذلك قصداً، وغيرها يدل على استواء الله على العرش أكثر وأكثر، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] فهذه هي الآية التي تدل على ذلك وغيرها من الآيات، أما هذه الآية: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ [البقرة:29] قالوا: قصد الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى؛ لأنه عدى ذلك بإلى، فقالوا: استوى، أي: قصد إلى السماء سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وهنا سؤالٌ يطرح بين طلبة العلم: أخلقت الأرض أولاً أم السماء؟

    وهنا يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ [البقرة:29] ففي هذه الآية كأن الأرض كانت قبل خلق السماء، لكن يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ [فصلت:11] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا [النازعات:30] لأنه ذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالى: أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا [النازعات:27-30] فكأن في هذه الآية أن الأرض خلقت بعد السماء، وفي آية البقرة أن السماء خلقت بعد الأرض، فما هو الجواب لهذا التساؤل؟

    وقد أجاب عنه حبر الأمة وترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما، فقال: إن الله خلق الأرض ثم استوى إلى السماء، ثم دحا الأرض سُبحَانَهُ وَتَعَالى. وأخذت الأرض من الخلق مدة يومين، والسماء أربعة أيام، فكلها ستة أيام!! وهذا يدل في الجمع على أن أناساً يجيدون الحساب، وعندهم فهم في الجمع والطرح، (2+4=6) والحمد لله رب العالمين.. ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الجمعة:4].

    وقف أعرابي -فيه خبل- على المنبر يخطب بالناس وليس عنده علم، ثم استغل فرصة الخروج على المنبر، فقال: يا أيها الناس: عليكم بالسكينة، وعليكم بالمهل، فإن الله خلق السماوات والأرض في ستة أشهر -وهذه ذكرها ابن الجوزي- فقالوا: اتق الله عز وجل، في ستة أيام! قال: والله لقد تقاليت ستة أشهر وأردت أن أقول ست سنوات.

    فالمقصود أنها ستة أيام، وعند مسلم من حديث أبي هريرة، قال: [[خلق الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى التربة يوم السبت...]] ثم عد الأيام حتى وصل إلى يوم الجمعة، فأصبحت سبعة أيام، والله يقول: ستة أيام، ولكن عند مسلم في الصحيح سبعة أيام! أجاب أبو العباس ابن تيمية في المجلد الثامن عشر، قال: هذا وهم، وهذا مخالفٌ للقرآن، وهو من كلام كعب الأحبار، وليس من كلام الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذا الحديث بعينه من الأحاديث التي انتقدت في صحيح مسلم، فإن الله عز وجل ذكر أنه خلقها في ستة أيام، فكيف تكون في سبعة؟!

    وأجاب بعض الناس من العصريين، قالوا: لا. الدحو كان في يوم سابع فلا يحسب من الستة، لكن هذا تكلف، والحديث فيه وهم، ولعله من كلام كعب الأحبار.

    قال تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ [البقرة:29] وهنا لم يذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالى الأرض، وقد ذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالى في القرآن: وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ [الطلاق:12] أي: سبع أراضين مثلهن، ومما اكتشف في هذا العلم -كما سمعنا من كثيرٍ من الثقات الذين اعتنوا بعلم الهيئة والجيولوجيا- أن الأرض سبع طبقات، طبقةٌ على طبقة، كل طبقة لها لونٌ آخر، ولها مزاجٌ آخر، ولها تكيفٌ، ولها تضاريسٌ تختلف عن الأخرى.. فسبحان الخالق!

    فكلما انتهت الطبقة أتت طبقة فتنتهي إلى سبع طبقات، أما السماوات فإنهن سبعٌ مرتفعة، جرم السماء مسيرة خمسمائة عام، وبين السماء والسماء خمسمائة عام!!

    يقول أمية بن أبي الصلت الجاهلي، وهو يتحدث عن موسى وفرعون -وهو لم يسلم- يقول عنه صلى الله عليه وسلم: (أسلم شعره، وكفر قلبه) إن الله عز وجل -وهذا في قصيدة- أرسل موسى عليه السلام إلى فرعون، فقال:

    فقولا له هل أنت سويت هذه      بلا عمدٍ حتى استقرت كما هي

    وبعض أهل العلم يقولون: سماءٌ من حديد، وسماءٌ من نحاس، وسماءٌ من فضة، لكن ما علمت على هذا دليلاً، من المعصوم عليه الصلاة والسلام، لكنه عجبٌ من العجب! فهذه السماء الدنيا زينها الله بالمصابيح والنجوم والشمس والقمر، فهي كواكب تدور فيها.

    1.   

    بعض الأشياء التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم حين أسري به

    ولما وصل عليه الصلاة والسلام إلى هناك استأذن هو وجبريل، واستدل أهل العلم بهذا على شرعية الاستئذان، وأن المستأذن يسمي اسمه ويذكر من هو، ولا يعمي على الناس ولا يقول: أنا.

    فعبرها عليه الصلاة والسلام السبع في لحظات حتى وصل إلى سدرة المنتهى، وفي كل سماء بشر، في السماء الدنيا آدم، وذكر عليه الصلاة والسلام أنه رأى يوسف وقد أُوتي شطر الحسن، ورأى ابني الخالة يحي وعيسى عليهما السلام، ورأى موسى الشجاع القوي الأمين عليه السلام، ورأى هارون، ورأى إدريس وقد رفعه الله مكاناً علياً، ورأى إبراهيم في السماء السابعة، وموسى في السادسة، ورأى بيت العزة، وهذا البيت كالبيت العتيق، يطوف به كل يوم سبعون ألفاً من الملائكة لا يعودون إليه مرةً ثانية إلى يوم القيامة!

    حتى وصل عليه الصلاة والسلام إلى مكان يسمع صرير الأقلام هناك:

    أسرى بك الله ليلاً إذ ملائكه     والرسل في المسجد الأقصى على قدم

    كنت الإمام لهم والجمع محتفلٌ      أعظم بمثلك من هادٍ ومؤتممِ

    لما خطرت به التفوا بسيدهم     كالشهب بالبدر أو كالجند بالعلم

    وقيل كل نبيٍ عند رتبته     ويا محمد هذا العرش فاستلم

    حتى بلغت مكاناً لا يُطار له      على جناحٍ ولا يُسعى على قدمِ

    بلغ عليه الصلاة والسلام منزلةً عُليا، يقول لجبريل: أتتركني في هذا المكان؟! أيترك الخليل خليله، والحبيب حبيبه في هذا الموطن؟! جلال خلق الله وعظمة الله تتصور في هذا الخلق الهائل، قال جبريل: وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ [الصافات:164] ولو تقدمت لاحترقت، فتقدم عليه الصلاة والسلام، وهذه من المنزلة العالية التي ما منحها الله أحداً من البشر، ورأى الجنة والنار، ورأى الأنبياء ورأى الملائكة، ورأى ألوفاً مؤلفة من الملائكة يملئون السماء وهم ركعاً لله! وملء السماء الأخرى سجداً لله! وآخرين مسبحين، وآخرين مقدسين، وآخرين متكلفين بالوحي، هذا يصعد وهذا ينـزل! وآخرين موكلين بكتب الحسنات والسيئات، وآخرين معقبين يحفظونه من أمر الله من بين يديه ومن خلفه، وآخرين موكلين بالقطر، وآخرين بقبض الأنفس، وآخرين بتعذيب الأمم، وبتعذيب الفسقة والفجرة الذين ينحرفون عن أمر الله.. وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ [المدثر:31].

    1.   

    خلق السماء

    قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ [البقرة:29] بعد أن خلق الله الأرض أتى إلى السماء فسواهن سبع سماوات، سواها سُبحَانَهُ وَتَعَالى وخلقها بلا عمد -وهو الصحيح-: تَرَوْنَهَا [الرعد:2] يقول بعض أهل العلم: لها عمد لكن لا ترونها، ولكن الصحيح أنها بلا عمد، هكذا قائمة على قبة الفلك، فانظر: مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ [الملك:3] فانظر: هل ترى فيها من فروج؟! فانظر: هل ترى فيها من عيب؟! يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ [الملك:4] فيعود إليك بصرك وأنت لا ترى شكاً، ولا ترى ثلمة، ولا ترى في البناء شيئاً، لأن الذي بناه هو الله وهو الذي سواه، ولو كان الذي بناه مخلوقاً لرأيت النقص، ورأيت العيب والثلم، ولذلك يقول أحد القصاصين من المسلمين: لا يخلو عمل ابن آدم من نقص، قال تعالى: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82] أتى رسامٌ هندي، دعاه ملكٌ من ملوك الهند قديماً، وقد طلب من الرسامين في العالم أن يحضروا، ويرسموا له لوحات، ومن أجاد منهم ونجح فله جائزة، فأجاد أحدهم فأتى بلوحة فرسم فيها سنبلة قمح، ثم رسم على السنبلة عصفورة، ثم عرضها للناظرين، فأعجبت المشاهدين، فذهل الملك من حسن فنه، رسم سنبلةً خضراء، والحب يكاد يطلع منها، وعصفوراً جميلاً بريشه يزقزق ويغرد على هذه السنبلة في حديقة، فأخذها هذا الملك وعرضها للناس، وأعطى ذلك الرجل جائزة، وقال للناس: من أراد منكم أن ينظر في عيب فلينظر. فأجمع أهل الهند ألا عيب فيها، فأتى رجل من غير الهند أعور ليس له إلا عين واحدة، فدخل على الملك، وقال: رأيتُ عيباً باللوحة. قال: وما هو العيب؟ قال: العصفور إذا نزل على السنبلة فإنها تميل ولا تبقى مستقيمة، وهذا لما رسمها جعلها مستقيمة، وهذا خلاف ما يذهب إليه العقلاء، ومن سنة الله عز وجل أن يميل الزرع إذا نزل عليه ما يثقله.

    فقال الملك: صدقت، وشطب اللوحة وأخذ الجائزة من الرسام!

    وأحد الناس أراد أن يرسم رسمة في لوحة، فأخطأ الرسم، فضرب اللوحة كلها بطلاء أسود، فقالوا: مالك؟ قال: هذه صورة الليل، ليس فيه قمرٌ ولا نجوم، هذا هو الجمال، ولن تجد في هذا إلا الصحيح، هذا هو ليلٌ لا نجوم فيه ولا قمر، وكلٌ يجيد هذه الصورة.

    ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ [البقرة:29] هي سبع، والأراضين سبع لكنها طبقات، والله أعلم بذلك سُبحَانَهُ وَتَعَالى.

    1.   

    سعة علم الله

    قال تعالى: فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:29] في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:29] قضايا:

    أولها: أن هذا عام لا مخصص له، وإذا قلت للإنسان: إنك بكل شيءٍ عليم، فلا بد من مخصص، فالإنسان -والله- لا يدري ولا يعرف بأمورٍ كثيرة، وما يجهله أكثر مما يعلمه.. وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ [يوسف:76] وقال: وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً [الإسراء:85].. مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا [المجادلة:7].

    وعلمه سُبحَانَهُ وَتَعَالى في كل مكان وهو مستوٍ على العرش، وهذا معتقد أهل السنة والجماعة، أنه بائن عن خلقه، مستوٍ على عرشه، لا يغيب عن علمه مثقال ذرة لا كبيرة ولا صغيرة: يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى [طه:7] وقال: وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام:59].. وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ [الأنعام:59].. وقال: وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ [آل عمران:29].

    فسبحان القادر الباري، تسقط الورقة من الشجرة في ظلام الليل، في وادٍ منحنٍ وفي صحراء مقفرة، فيعلم الله أنها سقطت من الشجرة على الأرض.. تأتي أكمام الريحان والرمان، وأكمام النبات وأكمام الياسمين فتتفجر بالنبتة وتخرج الثمرة، فيعلم الله أنها أخرجت تلك الثمرة! وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ [الرعد:8] ما تحمل من أنثى من أناث البشر أو الحيوانات، أو العجماوات، أو الطيور، أو الزواحف، أو الأسماك، أو الحيات، إلا يعلم الله متى حملت، وهل يتم هذا الحمل، وهل تضع، وهل هذا الحمل من بني البشر سعيد أو شقي، وماذا يصيبه في الحياة، وماذا يأتيه من المصائب، وماذا يحدث عليه من الكوارث، وما يمرُ به من فقر أو غنى.. وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ [الرعد:8].

    مر عيسى عليه السلام ببقرة وهي حاملٌ فأتت تضع -وهذا في سيرة عيسى عليه السلام- فاعترض ابنها في بطنها، فأخذت تخور بصوتٍ أدهش أهل القرية، فبكى عيسى رحمةً للبقرة، فأنطقها الله الذي أنطق كل شيء، فقالت: يا عيسى بن مريم! أسألك بالله أن تدعو الله أن يفرج عني كربتي، والله عز وجل ينطق ما شاء، ومتى شاء، بأي لسانٍ شاء!!

    يقول سليمان عليه السلام: عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ [النمل:16] ويقول عليه الصلاة والسلام: (بينما رجلٌ يسوق بقرة، إذ ركبها فضربها فالتفتت إليه، وقالت: ما خلقنا لهذا) والحديث في الصحيح، فسبحان من أنطقها! ويقول عليه الصلاة والسلام في قصة صاحب الذئب، والحديث في الصحيح: (أخذ ذئب على رجل -والرجل من الصحابة- شاة، فلحقه الرجل، فاستلب الشاة من الذئب، فالتفت الذئب وقال: أتأخذ رزقاً رزقنيه الله؟! من يحمي غنمك عني يوم لا حامي لها إلا أنا؟!).

    فقالت البقرة لعيسى: يا عيسى بن مريم أسألك بالله أن تدعو الله أن يفرج عني. فبكى عيسى ودعا الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى وقال: اللهم إنك تعلم ما تغيض الأرحام وما تزداد، وكل شيءٍ عندك بمقدار، اللهم فرج عنها كربتها، فخرج هذا التبيع في الأرض، فإذا هي تنظر!!، وهذا من آياته سُبحَانَهُ وَتَعَالى.

    وفي كل شيءٍ له أيةٌ      تدل على أنه الواحد

    فيا عجباً كيف يعصى الإله     أم كيف يجحده الجاحدُ

    لكن القلوب إذا ما عرفت بارئها، وما استدلت على باطنها، فمن أين تستدل؟ هل سألت الصباح: من جمله؟! هل سألت النسيم: من أجراه؟! هل سألت النجم: من بهاه؟! هل سألت القمر: من رفعه؟! فالصباح الباكر كل شيءٍ فيه يحيا، مع إطلالة الفجر، الزهرة تغرد وتسبح الباري، الطير تغرد وتشدُو وتسبح الخالق، والماء يتمتم بتسبيحه سُبحَانَهُ وَتَعَالى!!

    وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً [الإسراء:44].

    فيا أيها الناس: أنتم أولى المخلوقات بالتسبيح، وأولى الكائنات بالذكر والاهتداء إلى الواحد الأحد، وإنما نزل هذا القرآن وإنما أتى هذا الكلام ليدل الناس على الله تبارك وتعالى.

    فقوله تعالى: وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:29] هذا عامٌ لا مخصص له، وهو مستوٍ على عرشه -كما قلت- بائن عن خلقه، علمه في كل مكان، وكذب من ادعى أن الله حل مع خلقه، وافترى وكذب على الله، وكذب من قال: اتحد الله في خلقه، أو حل في بعض خلقه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، بل الله عز وجل موصوفٌ بصفات الكمال، على عرشه مستوٍ، ينزل كل ليلة في ثلث الليل إلى السماء الدنيا، فينادي فيقول: (هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفرٍ فأغفر له؟ هل من داعٍ فأجيبه؟) فإذا طلع الفجر عاد سُبحَانَهُ وَتَعَالى عودةً تليق بجلاله، ونزولاً يليق بجلاله، لكن لا يغيب عنه شيء: فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى [طه:7].

    ما تناجى متناجيان إلا وعلم الله ما دار بينهما، وما فكرت أنت فيه إلا وعلم ما فكرت فيه، والشيء الذي قبل أن تفكر فيه يعلم سُبحَانَهُ وَتَعَالى أنك سوف تفكر فيه، فهو يعلم السر وأخفى، قالوا: ما أخفى من السر؟

    قيل: الشيء الذي تريد أن تفكر فيه وأنت لا تدري الآن يعلمه سُبحَانَهُ وَتَعَالى.

    وقف صفوان بن أمية عند ميزاب الكعبة، وقف مع صاحبه عمير بن وهب وهو يحاوره وقال: تقتل محمداً! قال: أقتله لكن من لي بأطفالي وذريتي وزوجتي، قال: أهلك أهلي، وأطفالك أطفالي، الهدم هدمي والدم دمي! اذهب واقتله وأنا أكفيك أطفالك، فذهب وتسلح بسيفه، ولكن غارة الله أقوى من عمير بن وهب:

    يا غارة الله جدي السير مسرعة      في سحق أعدائنا يا غارة الله

    وصل إلى المدينة يحمل قلباً كله حقد وضغينة وبغض، ويريد الانقضاض على سيد البشر ليقتله؛ ليفعل أعظم جريمة وأعظم لعنة في التاريخ، فدخل المدينة ورآه رجل مسدد ملهم عمر بن الخطاب...

    قد كنت أعدى أعاديها فصرت لها     بفضل ربك حصناً من أعاديها

    فانطلق إليه عمر وكان رجلاً مسدداً ملهماً، فأخذه بتلابيب ثيابه وسيفه وسلاحه وأتى يجره حتى أدخله المسجد، فرآه صلى الله عليه وسلم فقال: مالك يا عمير بن وهب؟ قال: يا رسول الله! أتيتُ لأفك الأسارى -أسارى بدر - وأزور أصحابي من الأساري، قال: كذبت، وإنما جلست أنت وصفوان بن أمية تحت ميزاب الكعبة، فقال لك كيت وكيت، وقلت له كيت وكيت، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ [المجادلة:7].

    سبب نزول آية التحريم

    أتت حفصة وعائشة رضوان الله على الجميع، زوجاته صلى الله عليه وسلم، وقد مر يوماً بجارية له فأكل عندها عسلاً، فسمعت عائشة أنه أكل عسلاً عند الجارية فأخذتها الغيرة، وقيل: عند بعض نسائه، قيل: جاريته مارية، وقيل: جامع مارية وهي جاريته حلالاً له عليه الصلاة والسلام، فقالت عائشة لـحفصة: إذا أتاك فقولي نشم منك يا رسول الله رائحة مغافير، وكأن نحله جرست العرفط -شجر منتن الرائحة- والرسول عليه السلام يغضب وينكر ولا يرتاح إذا وجد منه رائحة، وقد كان دائماً يفوح مسكاً، إذا مر من الطريق علم الناس أنه مر من الطريق..

    أرادوا ليخفوا قبره عن مكانه     فطيب تراب القبر دل على القبرِ

    نفسي الفداء لقبرٍ أنت ساكنه     فيه العفاف وفيه الجود والكرمُ

    يا خير من دفنت في القاع أعظمه     فطاب من طيبهن القاع والأكم

    وكان عرقه كالمرجان والجوهر والدر ينسكب فيؤخذ منه الأطياب، فيصبح أحسن طيب، أخذته أم سليم في قارورة، وخلطت عرقه فيها، وكان إذا مرض أحد من أهل بيتها أخذت قطرة فخلطتها بالماء، ثم غسلت المريض فتشافى بإذن الله.

    فدخل على عائشة، وقد جهزت حفصة الكلام أيضاً -هذه جبهة متحدة ضد الرسول عليه الصلاة والسلام، حلف نسائي بيتي يريدون معارضة الرسول عليه الصلاة والسلام- فدخل على عائشة، فقالت: يا رسول الله! أشم منك رائحة، فأخبرته الخبر، فاستاء صلى الله عليه وسلم من هذه الرائحة.

    وذهب إلى حفصة فقالت: أشم منك رائحة مغافير كأن نحله جرست العرفط، فحرم النبي على نفسه العسل، وفي رواية حرم الجارية، فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [التحريم:1] هذه القصة بكل جزئياتها ومدلولاتها، وما دار بين الجارتين والشريكتين والضرتين في البيت، ومن تدخل في القضية ومن المصيب ومن المخطئ، وحلل القضية برمتها في بيتٍ من بيوته عليه الصلاة والسلام، يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التحريم:1].

    ثم بين له سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن حفصة أو عائشة تقول له: من أنبأك هذا؟ قال: نبأني العليم الخبير!! قال: سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ [التحريم:4].

    يا من يرى مد البعوض جناحها     في ظلمة الليل البهيم الأليل

    ويرى نياط عروقها في نحرها     والمخ في تلك العظام النحلِ

    اغفر لعبدٍ تاب من زلاته     ما كان منه في الزمان الأولِ

    هذه الأبيات للزمخشري، قيل إنه رئي في المنام، فقيل: ما فعل الله بك؟ قال: غفر الله لي في ثلاثة أبيات.

    يا من يرى مد البعوض جناحها     في ظلمة الليل البهيم الأليل

    ما من بعوضة تمد جناحها إلا علم الله بذلك، والخلق كل يومٍ في شأن، كم يموت من الألوف! وكم تلد من النساء! وكم تتغير من الحكومات والدول! وكم تنشأ من المستعمرات! وكم تنتصر من جيوش، وكم تهزم! وكم تجوع من بطون! وكم توسوس من أفكار! وكم يضل من قوم وكم يهتدي من بشر! وكم يقرأ من أناس! وكم يستيقظ من خلق وكم ينام! كله في علم الله لا يغيب، قال: فغفر له.

    الزمخشري وقصة موسى مع الخضر

    استطراد بسيط: الزمخشري صاحب الكشاف، عالم في اللغة جهبذ؛ لكنه معتزلي! أتى من خراسان فدخل على أمه فسكن معها، فأخذ عصفوراً وهو طفل؛ فربطه بخيط عنده في البيت يلعب به، ففر العصفور فأمسك الحبل فانقطعت رجله في الحبل، فقالت أمه وهي تبكي: قطع الله رجلك كما قطعت رجل العصفور.

    فذهب من خراسان يريد بغداد، فنشبت رجله في الثلج فتجمدت فبترت من الساق! ولعلها من كفارات الدنيا، وقد جاور مكة فسمي جار الله، وأبياته من ألطف ما قيل.. وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:29] سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، علمه وسع المخلوقات، وما علم الناس في علمه سبحانه وتعالى إلا كما يأخذ العصفور من البحر بمنقاره مرةً واحدة.

    مر موسى والخضر عليهما السلام في رحلة بحرية، طالب العلم مع شيخه؛ وذلك أن موسى عليه السلام خطب في بني إسرائيل فتدفق عليهم بالعلم، قالوا: هل في الأرض أعلم منك؟ قال: ليس في الأرض أعلم مني. فأوحى الله إليه: بل الخضر أعلم، فسافر إليه، فركب هو وموسى في القارب، فأتى عصفورٌ فأخذ بمنقاره قطرة ماء، فقال الخضر لموسى: يا موسى! أتدري ما مقدار علمي وعلمك في علم الله؟! قال: الله أعلم، قال: كما أخذ هذا العصفور من هذا الماء، هذا علم المخلوق إلى علم الخالق سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

    1.   

    قصة أبينا آدم عليه السلام

    قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة:30] الآن قصتنا يا أيها الضعفاء! وقصة أبينا المكدود المكبود، المذنب التائب إلى الله، هذا أبونا الآن معه حديثٌ طويل في القرآن، يبدأ ذكر آدم بهذه الآية، وسيد قطب يقول كما سلف معنا: تبدأ سورة البقرة بنسفٍ وإبادة لبني إسرائيل من اليهود والنصارى، ثم تأتي قصة المعاد، وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة:30]

    وفي هذه الكلمة مسائل:

    مدلول كلمة: (خليفة)

    أولها: معنى الخليفة، والخليفة قالوا: هو آدم، والصحيح أن الخليفة يعني قوماً يخلفون قوماً، وهذا الذي رجحه ابن كثير وهو الصحيح، جعلنا الله خلائف الأرض، فبعضنا يخلف بعضاً، قرناً بعد قرن، وجيلاً بعد جيل، وأمةً بعد أمة، قال تعالى: وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ [ابراهيم:45] سكنا الدور والقصور وسكنها آباؤنا وأجدادنا ثم أتينا، ويأتي أبناؤنا وهكذا، فكأن الثاني ما اعتبر بالأول، قدم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه إناء من خزف ليشرب فيه، فقربه من فمه ثم نظر إليه وقال: [[الله..! كم في هذا الكوب من خدٍ أسيلٍ وطرفٍ كحيل]].

    يقول: ربما صنع هذا الكوب أو هذا الإناء من ترابٍ تحلل من خدٍ أسيل، أي: جميل، ومن طرفٍ كحيل، يقول أبو العلاء المعري:

    غير مجدٍ في ملتي واعتقادي      نوح باكٍ ولا ترنم شادي

    خفف الوطء ما أظن أديم الـ     أرض إلا من هذه الأجساد

    يقول: أنت تمشي على التراب، ربما يكون قطعة من جسم أبيك وجدك وأجدادك في هذا التراب الذي تتكبر عليه.

    خفف الوطء ما أظن أديم الأرض      إلا من هذه الأجساد

    صاحِ هذي قبورنا تملأ الر     حب فأين القبور من عهد عادِ

    يقول: قبورنا ملأت الدنيا فكيف بقبور القرون التي سلفت.

    جعل آدم خليفة في الأرض

    قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة:30] هذا حكمةٌ من حكم الله، أن يسكن الأرض آدم، لمقاصد منها: أن يعمر الأرض، كما قال تعالى: وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا [هود:61] ومنها: أن يأتي من ذريته الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، والشهداء والعلماء، والصائمون والمصلون.

    ومنها: أن يبتليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، قال تعالى: إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً [الإنسان:2] وقال: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:2-3].

    ومنها: أن يظهر سُبحَانَهُ وَتَعَالَى قدرته للعالمين، لأنه لا يكون الملك ملكاً -ولله المثل الأعلى- إلا إذا كانت له رعية يتصرف فيهم، يقتل هذا ويعفو عن هذا، ويعطي هذا ويولي هذا، ويعزل هذا، فإذا كان ملك بلا رعية، فعلام يكون ملكاً؟! فالله أراد أن يظهر سلطانه في الأرض وحكمته البالغة، وقدرته النافذة، ويظهر رحمته وعقابه فأتى بآدم.

    ومنها: أنه أراد سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يظهر غفرانه، وشديد عقابه، فإنه الغفور الرحيم، شديد العقاب، فكيف نعرف أنه غفورٌ رحيم إذا لم يغفر؟ أتأتي إلى ملك من الملوك فتقول: يا حليم وهو ما سبق له أن حلم عن أحد، وتقول: يا جواد، وهو ما سبق أن أعطى أحداً، وتقول: يا قوي، وهو ما سبق أن هزم جنداً، لا، لابد أن تظهر الأسماء والصفات في المخلوقين.

    فهو الغفور الرحيم، فلذلك أذنب آدم فظهرت مغفرته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وأخرجه من الجنة فظهرت قدرته، وسلط الله على بعض عباده العذاب فظهر أنه شديد العقاب.

    وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ [البقرة:30] هذا مجتمعٌ من الملائكة الأطهار، ومن حكمته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أنه لم يجعل الأرض من الملائكة، ولم يجعلهم من الجن، ولا من الحيوانات، الحيوانات شهوةٌ بلا عقل، والملك عقلٌ بلا شهوة، والإنسان عقلٌ وشهوة.

    ابن آدم نفخةٌ من روح الله، وقبضة من التراب، ابن آدم إذا ارتفع بالصلاة والصيام والذكر وقيام الليل وطلب العلم والزهد، أصبح أفضل من الملائكة، وإذا خسئ بالحقارة والنذالة والمعصية، فشرب الخمر، وتناول المخدرات، وتخلف عن الصلوات، وسمع الأغاني الماجنات، وقرأ المجلات الخليعات، وعق الأمهات، وأغضب رب الأرض والسماوات، أصبح أحقر من البهيمة، قال تعالى: إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان:44].

    أتعرف الحمار؟ يصبح أذل منه.. وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ * لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ * فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ * أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ [التين:1-8].

    بلى، وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3].

    وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [الإسراء:70] فكرامة الإنسان يوم يكون عبداً لله..

    ومما زادني شرفاً وفخراً      وكدت بأخمصي أطأ الثريا

    دخولي تحت قولك يا عبادي     وأن صيرت أحمد لي نبيا

    ذكر بعض المفسرين، أن الملائكة قالت: يارب! لو أنزلتنا في الدنيا ما عصيناك أبداً. فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:30].

    فأنزل الله هاروت وماروت، وهما من الملائكة، فقال: انزلا، كان عندهما عقول، فآتاهما الله الشهوة مع العقل كما يؤتي الإنسان، فلما نزلا في الأرض جلسا في المحكمة يحكمون بين الناس خلفاء، فأتت امرأةٌ جميلة فتنت هاروت وماروت، فبقيت بهما حتى زنيا بها، وفي رواية فقتلاها، ولما قتلاها أتى الشيطان فقال: إنه لا يمكن إلا أن أخبر إلا أن تعبداني، فسجدا له، ولكن الصحيح أنها ليست في قصة هاروت وماروت، بل في قصة رجلٍ آخر، أما هاروت وماروت فوقعا في الزنا فقط، فخيرهما الله بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدنيا، فنكسهم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في بئر هاروت وماروت في العراق بأرجلهما.

    والقصة ذكرها الذهبي بسندٍ ضعيف في سير أعلام النبلاء في ترجمة مجاهد، وذكرها كثيرٌ من المفسرين، ووصل مجاهد إلى هناك ليرى هاروت وماروت مع رجل يهودي، فقال له الرجل: لا تتكلم؛ فإنك إن تكلمت صعقت، قال: فذهبت فرأيت ملكين منكوسين بأرجلهما في بئرٍ مطوية، فقلت: سبحان الله خالقكما! قال: فصعقت فأغمي عليَّ وعلى الرجل، ثم أفقنا بعد حين فقال لي: أهلكتني وأهلكت نفسك.

    ومن أراد أن يعود فليعد إلى الذهبي وغيره من العلماء، والمقصود من هذه الآية أن الله علم أنه لا يصلح للأرض إلا الآدميون.

    وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة:30] يخلف بعضهم بعضاً، وبعضهم يقول: معنى خليفة: آدم وحده، ولكن ليس بصحيح، والقرطبي يذهب إلى أن إقامة الخليفة واجب بهذه الآية، وفي استدلاله نظر! لأن الخليفة هنا هم من يخلف بعضهم بعضاً.. قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:30] هنا قضايا:

    منها: اعتراض الملائكة على الله عز وجل.

    فالله يقول للملائكة:إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة:30] فتقول الملائكة: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ [البقرة:30].

    وهذا ليس اعتراضاً على الله؛ فإنهم كما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6].. لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ [الأنبياء:27].

    وإنما أرادوا أن يُظْهِر لهم الحكمة، كأن طالباً يرى الأستاذ يكتب على السبورة جملة، فيقول: يا أستاذ! كيف تكتب هذه الجملة؟! وهذا ليس اعتراضاً على الأستاذ، ولكنه يقول: فسر لي المعنى وما هو المقصود. ولله المثل الأعلى.

    أتجعل فيها من يفسد فيها! عرف الملائكة أنه سيقع فساد في الأرض؛ لأنه قد عمرها الجن فترة فأفسدوا، فظنوا أن آدم سوف يكون هو وذريته كالجن، كما ذكر ذلك ابن كثير رحمه الله.

    والإفساد هنا: بالفواحش والمنكرات والمعاصي والظلم، وسفك الدماء بغير حق.

    ثم يقول: وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ [البقرة:30] أي كأنهم يشيدون بأنفسهم، ويقولون: نحن أولى، نحن أهل التسبيح، نسبحُ ونصلي لك، وقالوا: نقدسك ونستغفرك، وفي صحيح مسلم قال أبو ذر: {ما هو أحسن الذكر يا رسول الله؟ قال: ما اصطفى الله لملائكته، سبحان الله وبحمده} وعند البخاري: {كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم}.

    وفي الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: {من قال: سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة غفرت ذنوبه وإن كانت كزبد البحر} وفي صحيح مسلم قوله صلى الله عليه وسلم: {لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس} وصح عند الترمذي قوله صلى الله عليه وسلم: {من قال: سبحان الله وبحمده، غرست له نخلةٌ في الجنة}.

    الحكمة في جعل آدم خليفة في الأرض

    قالت الملائكة: يا رب! نحن نسبح بحمدك، ونصلي لك، ونطيعك! فأنزلنا في الأرض..!! قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:30] أي: أعلم حكمةً لا تعلمونها، وأعلم سراً لا تدركونه، وأعلم مقصداً لا تفطنون إليه، قال أهل العلم: مما علم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من هؤلاء أنه سوف يكون من ذرية آدم رسلٌ وأنبياء وشهداء، وعلماء ودعاة وصالحون.

    إبراهيم وموسى وعيسى ونوح ومحمدٌ عليهم الصلاة والسلام، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وأبي، ومعاذ، وزيد بن ثابت،ومالك، والشافعي، وأبو حنيفة، وأحمد، وابن تيمية، وابن القيم، وابن كثير... وأمثالهم كثير، هذا مما علم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ويعلم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أنه سيكون هناك مفسدون، قال تعالى: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ [البقرة:251].

    إبليس وفرعون، وابن الراوندي، وهامان، وقارون، وأبو جهل، وأبو لهب، وأمية بن خلف، وكل رعديدٍ على وجه الأرض، وشامير، ورابين، وريجن، وبيجن، فالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم، لكن يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً [الفرقان:31].

    هذا هو العلم، أعلم ما لا تعلمون..!! والله يعلم ما يعلمون، ويعلم مالا يعلمون، سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ومن أدب الفتيا -وسوف يمر معنا- إذا سئلت عما لا تعلم أن تقول: الله أعلم.

    تعليم الله لآدم الأسماء

    قال تعالى: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا [البقرة:31] أراد سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يثبت خصيصة لآدم، فعَّلمه الأسماء كلها، كما في الآية.

    أسماء البشر والحيوانات والدواب والمخلوقات، وكل شيء، قال ابن عباس: [[علمه اسم كل شيء، البقرة, والحمار، والفرس]] فعلمه سبحانه وتعالى أن هذا اسمه جبل، وهذه سارية، وهذا مسجدٌ، وهذه شجرةٌ، وهذه زهرةٌ، وهذا ماء، وهذا رجل، وهذه امرأة، وهذا طير، إلى غير ذلك من الأسماء، علَّمه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من تعليمه مرةً واحدة، هذا هو الصحيح.

    وقال ابن كثير يتساءل: هل التعليم شيء لأشياء محدودة في عصر آدم، أم لمطلق الأشياء؟

    الصحيح أنه علمه اسم كل شيء، وذات كل شيء، ومعنى كل شيء، هذا هو الصحيح.

    ففي الصحيحين من محاجة آدم مع موسى عليهما السلام، أن موسى عليه السلام التقى بآدم! فقال له: يا آدم! أنت أبونا، خلقك الله بيده، وأسكنك جنته، وعلمك أسماء كل شيء، فلماذا أخرجتنا وخيبتنا؟

    موسى جريء شجاع! دائماً يستفسر.. كلَّمه الله عز وجل فما اكتفى بالمكالمة، وهو شرف عظيم، لكنه قال: رب أرني أنظر إليك، فهو جريء عليه الصلاة والسلام، حتى قيل: لا يصلح لبني إسرائيل إلا موسى، ويقول صلى الله عليه وسلم لـعمر: {أنت أشبه الناس بموسى ونوح عليهما السلام، ولـأبي بكر: أشبه الناس بإبراهيم وعيسى}.

    فموسى يصلح لبني إسرائيل؛ لأن بني إسرائيل كما يقول الأول: إذا رأوا الرجل المخادع خدعوه، أسيادٌ وفجرةٌ عند عدم الصوت، وحميرٌ عند وجود الصوت، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً [الجمعة:5] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ [الأعراف:176] فلا يقومون إلا بالصوت، ولذلك كان هارون رحيماً، فيحبوه بنو إسرائيل، وموسى كان قوياً في جسمه، وفي إرادته، وفي هيبته، وفي سلطته، كان بنو إسرائيل إذا غاب موسى يغتابونه في المجالس، فإذا وصل سكتوا، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً [الأحزاب:69].

    خرج أربعين يوماً فعبدوا العجل، فأتى والصحف معه، فلما رأى العجل ورأى هارون أخذ بلحيته وألقى الألواح من يده، وأخذ يجره أمام الناس!!

    والشاهد: أن الله علم آدم أسماء كل شيء، وذوات كل شيء، ومعاني كل شيء، وهي من مؤهلاته لأن يكون خليفة، لأن الخليفة والمسئول لابد أن يكون على بصيرة، ولذلك لما اختار الله لبني إسرائيل طالوت، قالوا: كيف يكون له الملك علينا ولم يؤت سعةً من المال؟ انظر إلى بني إسرائيل الرأسماليين حتى في القرآن وفي القرون السالفة، يقولون: ليس لديه بنوكٌ ولا شيكاتٌ ولا رصيد، فكيف يكون ملكاً؟ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ [البقرة:247] ففي العلم عالم، وفي الجسم كذلك طويل، يصلح للملك..

    يقول شوقي:

    والحسن من كرم الوجوه وخيره     ما أوتي القواد والزعماء

    علم آدم الأسماء كلها، ثم عرضهم على الملائكة، أتى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بالحيوانات، والعجماوات، والدواب، والحشرات، قال للملائكة: ما أسماء هذه؟! فقالوا: لا ندري.

    ما اسم الفرس؟ قالوا لا ندري، ما اسم الحمار؟ قالوا: الله أعلم، ما اسم الشجرة؟ الله أعلم، قال تعالى: أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:31] أي: إن كنتم صادقين أنكم أولى بالخلافة في الأرض، أو إن كنتم صادقين أنكم تعرفون أسماء هذه الأشياء، أو إن كنتم صادقين أنكم أعلم من آدم، أو إن كنتم صادقين أن عندكم علماً مكنوناً ليس عند آدم.

    قالوا: سبحانك! ما أحسن الرد! أن سؤالنا اعتراض، سبحان الله!

    لما ذكر التوحيد والشرك، فقالوا: سبحانك ما اعترضنا يا رب! تنزهت، وتقدس اسمك سبحانك! لا علم لنا إلا ما علمتنا، وهذا أدب طالب العلم أن يقول: لا علم لنا إلا ما علمنا الله، والله أعلم، ولا يتسرع بالفتيا، ولا يفتي بجهل، فإنه سوف يصيبه من الخذلان والحرمان ما الله به عليم، وتضطرب عليه أموره، ويتكدر قلبه، وينطفئ نوره، ويكون جسراً إلى جهنم للناس.

    الناس يتورطون في مسائل الفروج والدماء، والطلاق والزوجات والأموال، فيأتون إليه، فيستحي أن يقول: لا أدري، فيقول: أرسلها وعلى الله مخرجها، فيتكلم بلا علم، وقد كان الصحابة من أشد الناس حذراً في الفتيا، وكانوا يتدافعونها ويتغير وجه الواحد منهم، إذا سئل عن مسألة يخاف أن ينزلق فيها، ولذا فمن لم يعرف فليقل: لا أدري.

    يقول علي بن أبي طالب: [[ما أبردها على قلبي إذا سئلت عن مسألةٍ فقلتُ: لا أدري]].

    وسئل مالك في أربعين مسألة فأفتى في ثمان، وقال في اثنتين وثلاثين مسألة: لا أدري!! قالوا: نضرب إليك أكباد الإبل من العراق، وتقول: لا أدري، قال: اذهبوا إلى الناس، وقولوا لهم: مالك لا يعرف شيئاً.

    ومن الخذلان كتمان العلم، بعض الناس يحمله الورع البارد على كتمان الجواب حتى في أسئلة بسيطة.

    يقولون له: كم يتمضمض الإنسان؟ فيقول: الله أعلم.. سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم! قالوا: كم أركان الإسلام فتح الله عليك؟ قال: الله أعلم.. لا أدري.

    فهذا جهل، وهذا تكلم بلا علم؛ فجزاؤه النار، وهذا كتمَ علماً يلجم بلجامٍ من نار، والأوسط أن تتكلم في ما تعرف، وأن تقول في ما لا تعرف: الله أعلم... لا أدري!

    علمٌ بلا حكمة اضطراب، وحكمة بلا علم يصيبها جهل.

    والإنسان يجمع في أصله بين اثنتين: ظَلُوماً جَهُولاً [الأحزاب:72] قال ابن تيمية: ظلوماً يحكم بلا عدل؛ جهولاً يحكم بلا علم. ولذلك يشترط أن يكون الحاكم عالماً عادلاً، ويشترط في العالم أن يكون عادلاً.. وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا [المائدة:8] فإن بعض الناس قد يتكلم بجهل ويحكم بظلم، والعدل والعلم صفتان جميلتان جليلتان.

    قال تعالى: يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ [البقرة:33] فسمى الحيوانات والعجماوات والجبال وكل شيء.

    (أعلم غيب السماوات والأرض) هنا حذف المضاف للعلم به، أي (وغيب الأرض) والغيب ما يغيب عن العيون، ولا يعلمه إلا الله، والناس لا يعلمون إلاَّ ما يرون، وعلمهم بما يرون ليس علم إدراك! إنما علم مجمل ظاهر، أما الباطن فلا يعلمه إلا الله.. بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ [النمل:66] وقال تعالى: يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [الروم:7].

    وفيه شرف العلم، وأنه من أعظم المطالب في الحياة، وأن من جلس عند أهل العلم فهو أفضل ممن يتنفل بالصلاة، ومن يقرأ القرآن وحده.. {وأن من طلب باباً من العلم ليعمل به ويرفع الجهل عن نفسه، فهو أحسن من أن يركع سبعين ركعة!} وهذا الحديث عند الطبراني لكن في سنده نظر، أن تعلم باباً واحداً من العلم، خيرٌ من سبعين ركعة، وقد جاء من حديث أبي ذر.

    وهذا يدل على شرف العلم، والعلم الشريف هو قال الله وقال رسوله، والعلم له وسائل:

    لا يكفي القراءة وحدها! ولا يكفي الجلوس عند المشايخ! ولا يكفي حضور الدروس والمحاضرات! بل تجتمع الجميع، التدبر والحفظ والجلوس مع العلماء، ولو كانوا أقل منك علماً وبصيرة، فإن الله يمنحك بالجلوس في مجالس الذكر والعبادة فتحاً عظيماً.

    يقول معاذ في سكرات الموت: [[ما كنتُ أحب الحياة إلا لمزاحمة العلماء بالركب في حلق الذكر]] وكان معاذ يجلس في حلق من هم أقل علماً منه ليفتح عليه من المعارك، ولأن هذا المتكلم قد يحضر مسائل تستفيدها ما سمعتها أنت!!

    فعلى المسلم أن يحرص على طلب العلم، وأن يكون عنده وسائل في العلم، والله قد هيأ المسائل سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، عندنا الآن الكتب محققة ومطبوعة ومنقحة، والشريط الإسلامي أمره عظيم، وشأنه جليل، وحاسة السمع تقدم على حاسة البصر، بل الإنسان يفهم بما يسمع أكثر مما يقرأ، والله يقول: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [النحل:78] فقدم السمع، فما يُسمع كثيراً سوف يُحفظ.

    فالله الله في الحرص على الفائدة، والتدبر في الدين، والحرص على مجالس الخير والدروس والمحاضرات مهما كانت، وأياً كان المحاضر، فإنك لن تعدم فائدة، بل قد تخرج من بعض الدروس بخمسين وستين فائدة.

    ذلك لمن أتى بقصد الله عز وجل، وطلب ما عنده.

    قال تعالى: قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ [البقرة:33] ما تكتمون في صدوركم وسرائركم، والله هو العليم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

    1.   

    الأسئلة

    هنا بعض الأسئلة،، وأحبذ -أيها الإخوة- أن تكون الأسئلة عن الموضوع الذي يتكلم فيه، لأن الفتيا لها وقت، وهذا يعني لو أن الوقت متسع لكان هناك مجلس قضايا الأسبوع، وتعرض فيها الفتاوى، والاجتماعيات، والمسائل الحادثة في الساحة، كان أفضل، لكن لضيق الوقت حبذا أن تكون الأسئلة عن الموضوع الذي يتكلم فيه، الآيات هذه الذي تكلمنا فيها وما يدور حولها، تكون فيها الأسئلة، فأنا أعتذر للإخوة نظراً لضيق الوقت، وأن الأسئلة متشعبة، تخرج بنا بأحكام في الطهارة، وأحكام في المواريث، وفي الطلاق، وفي الرضاع، ونحن لسنا بصدد هذه الليلة، الدرس درس تفسير، ومن عنده سؤال شفوي في التفسير فليتفضل.

    ضرب الأمثال

    السؤال: قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ [النحل:74] كيف إذا أراد العلماء أن يذكروا شيئاً عن الله، يمثلون بمخلوقاته، والله يقول: فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ [النحل:74]؟

    الجواب: معنى الآية: لا تضربوا لله الأمثال، أي: لا تضربوا له مثلاً بالأصنام سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وتدعو لله أنداداً، وتضربوا له أمثلة الأصنام والأوثان، وتعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، أما إذا ضربت مثلاً فلتقل: ولله المثل الأعلى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

    أعوان ملك الموت

    السؤال: ذكرت أن هناك ملائكة تقبض الأرواح، هل هم ملائكة أو ملك؟

    الجواب: الذي ذكر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في سورة السجدة أنه ملك: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ [السجدة:11] فلا أعلم أنهم ملائكة؛ ربما يكون سبق لسان، ولكن أعلمُ ملكاً واحداً، أما اسمه فلا يعلم بسندٍ صحيح، ومن قال اسمه عزرائيل، فليأتنا بدليل، والبينة على من ادعى، واليمين على من أنكر، فشاهدان أو حدٌ في ظهرك، لأنه ما ثبت في النصوص عزرائيل.

    بعض الأبيات للزمخشري

    كتاب الكشاف

    السؤال: لمن هو كتاب الكشاف؟ وما رأيكم فيه؟

    الجواب: الكشاف كتابٌ للزمخشري، وهو يحمل الاعتزال في طياته، وفيه حياتٌ وعقارب، والرجل مبتدع، ويحمل بدعته، ويؤيدها في كل مقالة، لكن فيه فوائد بلاغية وبيانية ونحوية، واستطراداتٌ طيبة، فنأخذ ما فيه، ونتقي حياته وعقاربه.

    حوار بين موسى وآدم

    السؤال: ما هو الحوار الذي دار بين موسى وآدم عليهما السلام؟

    الجواب: كان هناك درس قبل أشهر اسمه: المحاجة، أو: حوار ساخن بين آدم وموسى عليهم السلام.. لما قال له موسى: أنت آدم الذي خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، خيبتنا وأخرجتنا من الجنة! فقال: أنت موسى، الذي كتب الله لك التوراة بيده، وكلمك، أتلومني على شيءٍ قد قدره الله عليَّ قبل أن يخلقني؟! ويقول له في روايةٍ صحيحةٍ أخرى: بكم رأيت الله عز وجل قدَّر عليَّ ذلك؟ قال: قبل أن يخلقك بأربعين سنة، قال: أفتلومني على شيءٍ قدره الله عليَّ قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟ قال صلى الله عليه وسلم: {فحج آدمُ موسى، فحج آدمُ موسى، فحج آدمُ موسى} أي: غلبه، هذا هو الرد، وفيه تفصيل يكون في درس اسمه (موقف أهل السنة بين الجبرية والقدرية) لأنهم يستدلون بهذه الأحاديث.

    حقيقة لون السماء

    السؤال: اللون الذي نراه في السماء أزرق، هل هي السماء نفسها أم هو سطحها؟

    الجواب: سواءً كان الذي نراه أزرق هو السماء أو سطحها؛ الله أعلم، إنما نقول: هناك سماء ولا أدري ما لونها، وقد يكون هذا اللون الذي نراه ناتجاً عن البعد الشاسع لا حقيقة، والقرآن لم يثبت مما نراه شيئاً، فإذا أتو بعلمٍ ليس في القرآن، ولا يعارض القرآن، فلا بأس أن نقبله، لأنه علم وصل إليهم.

    ملك الموت

    السؤال: هل ورد في السنة أن ملك الموت واحد، ومعه جنود؟

    الجواب: نعم، كما تفضلت هذا وارد، لأنني سُئلت قبل قليل: ملك الموت هل هم ملائكة، أو واحد؟ والصحيح أنه واحد، لكن صحت الأحاديث بأنه ينزل ملائكة معهم حنوط، كما في حديث البراء عند أبي داود بسندٍ صحيح، وغيره من الأحاديث، ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ [فصلت:30-31] فدل على أن هناك ملائكة يساعدون؛ لكن لا يسمون ملائكة الموت، بل هم أعوان.

    الشورى

    السؤال: هل يستدل بقوله تعالى: (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) على الشورى؟

    الجواب: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة:30] الاستدلال بهذا في الشورى بعيد، والله لا يشاور أحداً من خلقه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وما اتخذ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى معاضداً ولا مشاركاً ولا مساعداً ولا معاوناً ولا يستشير أحداً، وينفذ أمره متى شاء، بأي هيئةٍ شاء وبأي كيفية شاء، لأن له نفوذاً مطلقاً، هذا لا يستدل به أبداً، فهو سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ذو الكلمة النافذة تبارك وتعالى.

    مدى صحة تسمية ملك الموت بـ(عزرائيل)

    السؤال: هل يصح تسمية ملك الموت عزرائيل؟

    الجواب: لا يصح، لأن لفظ عزرائيل ليس بثابت في الأحاديث عنه صلى الله عليه وسلم، عزرائيل اسمٌ اشتهر بين الناس، ولا يصح أنه قال: أرني صورتك لآدم، إنما صح أن محمداً رسولنا صلى الله عليه وسلم قال لجبريل: {أرني صورتك التي خلقك الله عليها} فصوره الله بستمائة جناح، كل جناح يسد ما بين المشرق إلى المغرب، فأغمي على رسولنا، وصعق عليه الصلاة والسلام، حتى استفاق بعد فترة، وهذا ستمائة لم يستخدم جبريل منها في تدمير قوم لوط وهم أربع قرى فيها ستمائة ألف؛ لم يستخدم إلا جناحاً واحداً، ويوم أتى لتعذيبهم أتى من أول القرى وهي المؤتفكات قبل الوديان والجبال بمسافة أخذها من تحت الأرض حتى رفعها بما فيها من جبال وأودية وأناس وبيوت؛ رفعها إلى السماء الدنيا، وفي بعض الألفاظ الصحيحة: أن الملائكة سمعت صياح أطفالهم ونباح كلابهم، ثم لطم بهم الأرض.

    أحد الخطباء سمعته في شريط يقول: جبريل قائد الفرقة الثامنة والثلاثون للكمندوز المتخصصة في النسف والإبادة، ولا بأس بالإشراقات، لكن في حدود المعقول، التخاطب مع الملائكة والرسل يكون في حدود الأدب، ومن أحسن ما يتكلم في هذا المباركفوري صاحب الرحيق المختوم، له كلمات مشرقة، لا تخدش في الأدب، مثل أن يقول:-

    - أبو بكر يعلن سياسة حكومته الجديدة بعد الرسول عليه الصلاة والسلام.

    - نقل الجثمان والصلاة ومجلس الشورى.

    - الرسول صلى الله عليه وسلم في ساعة الصفر في بدر.

    - عمر بن الخطاب يلقي كلمة أبي بكر.

    فالأساليب العصرية لا بأس باستخدامها، لكن بشرط ألا تخرج عن نطاق الأدب وحدوده، مثل بعض الخطباء يقول: في بدر اتصل عليه الصلاة والسلام مباشرةً باللاسلكي، قال: فأتاه ألف من الكمندوز، فنزلوا في بدر.

    هذا فيه شيءٌ من الإساءة والجرح للكتاب والسنة، لابد من الوقار، ولا بأس باستخدام الأساليب العصرية.

    موقع السبع السماوات

    السؤال: هل يصح، وأين توجد السماوات السبع؟

    الجواب: أما هل يصح فلك أن تسأل أين توجد السماوات السبع، ولك أن تسأل في ذلك، وأما أين توجد فاترك هذا إلى الأسبوع القادم إن شاء الله. إما أن توجد في جزر القمر، أو في الهملايا، هي فوقنا.. أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ [الغاشية:17-18].

    انظر تجد آياته في كل ما      يبري بها حُكم الحكيم ويبصرُ

    وفي كل شيء له آيةٌ تدل على أنه واحد

    فهي فوقك.

    سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755981074