إسلام ويب

ففيهما فجاهدللشيخ : محمد مختار الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ذكر الله عز وجل بر الوالدين والإحسان إليهما في أكثر من آية من كتابه الكريم، حتى قرن برهما بتوحيده سبحانه، وقد تكلم الشيخ -حفظه الله- عن كيفية بر الوالدين في الحياة وكيفية الإحسان إليهما، وكذلك تكلم عن كيفية برهما بعد مماتهما، ذاكراً آثار بر الوالدين وعلاج ما قد يكون عائقاً للمرء عن برهما.

    1.   

    بر الوالدين في حياتهما

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة على المبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] .. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1] .. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً [الأحزاب:70] يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:71].

    أما بعــد:

    فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    إخواني في الله: إن للوالدين حقاً عظيماً وفضلاً -بعد فضل الله- جليلاً كريماً، وصى الله به عز وجل الملأ وتنـزل به الروح الأمين من فوق أطباق السماوات السبع العلى.

    اثنان إذا ذكرتهما ذكرت البر والمعروف والإحسان، اثنان إذا ذكرتهما تحركت في القلوب الأشجان والأحزان.. اثنان إذا ذكرتهما أسعفتك بالدموع العينان، مضت أيامهما وانقضى شبابهما وبدا مشيبهما، وقفا على عتبة الدنيا وهما ينتظران منك قلباً رقيقاً، ينتظران منك براً رفيقاً، وقفا ينتظران والجنة وراءهما والجنة تحت أقدامها، فطوبى لمن أحسن إليهما ولم يسء إليهما، طوبى لمن برهما ولم يعقهما، طوبى لمن أضحكهما ولم يبكهما، طوبى لمن سرهما ولم يحزنهما، طوبى لمن أسعدهما ولم يشقهما، طوبى لمن أكرمهما ولم يهنهما، طوبى لمن أعزهما ولم يذلهما، طوبى لمن نظر إليهما نظرة الحنان، وتذكر ما كان منهما من البر والعطف والإحسان، طوبى لمن شمر عن ساعد الجد في رضاهما فما خرجا من الدنيا إلا وقد كتب الله له رضاهما، طوبى لمن سهر ليله وأتعب نهاره وأضنى جسده في حبهما وابتغاء رضاهما.

    أيها الأحبة في الله: في هذا الزمان الذي عظمت غربته، وفي هذا الزمان الذي اشتدت كربته، فلم يرحم الأبناء دموع الآباء، ولم ترحم البنات رقة الأمهات، في هذا الزمان الذي تولى فيه البرور، وانقطعت فيه المودة إلى أعقاب الهوى والشرور، في هذا الزمان الذي عظمت غربته واشتدت كربته يحتاج المؤمن إلى من يذكره بحقيهما، يحتاج المؤمن إلى من يدله على عظيم فضلهما، لذلك تنـزلت من الله عز وجل الآيات، تحث المؤمن على البر بالآباء والأمهات، وصى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ووصى أمته من بعدهم أن يبروا ولا يعقوا، وأن يحسنوا ولا يسيئوا، وأن يكرموا ولا يهينوا.

    ثلاث كلمات مشتملات على وقفات:

    الوقفة الأولى: مع البر في الحياة.

    والوقفة الثانية: مع البر بعد الوفاة.

    والوقفة الثالثة: مع الثمرات وما يجنيه أهل البر من الخيرات.

    فاللهم إنا نسألك قولاً سديداً وعملاً صالحاً رشيداً.

    أيها الأحبة في الله:

    الوقفة الأولى: مع من متع الله عينيه وسر خاطره وناظريه برؤية أبويه، مع من أكرمه الله بحياتهما فكم من قلوب تمنت بقاء الوالدين والله تفضل عليك بوجودهما.

    فيا من متع الله ناظريك! ويا من أسعد الله عينيك! وصية بالوالدين وصاك الله عز وجل في كتابه المبين وعلى لسان رسوله الأمين بالوالدين إحساناً، قال الله في كتابه: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً [الإسراء:23]، وقال جل ذكره: وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً [العنكبوت:8]، وقال تقدست أسماؤه: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً [الأحقاف:15] وصية من الله جل وعلا إليك أن تحسن إلى الوالدين.

    كيفية الإحسان إلى الوالدين

    وكيف يحسن الإنسان إلى أبويه؟

    يحسن الإنسان إلى أبويه بخصلتين كريمتين يقول العلماء: من حفظ الله له هاتين الخصلتين فبر بهما فقد أحسن إلى والديه، الخصلة الأولى: في اللسان.

    والخصلة الثانية: في الجوارح والأركان.

    أما اللسان: فمن حق الوالدين على الإنسان أن يصونه، فلا يؤذيهما بالكلام الذي يكسر خاطرهما، يحافظ على لين الكلام، ويحافظ على كريم المنطق مع الوالدين، وقد جمع الله عز وجل في اللسان لمن أراد بر والديه صفتين:

    الصفة الأولى: القول الكريم.

    الصفة الثانية: العفة عن القول الذي لا يليق.

    فمن وفقه الله للقول الكريم وصان لسانه عن أن يؤذي والديه؛ فقد بلغ الإحسان إلى والديه بلسانه، فما عليه إلا أن يتقي الله فيما بقي من جوارحه وأركانه.

    أما القول الكريم: قال بعض العلماء: إن الله عز وجل أمر به ومنه أن يشعر أباه بالأبوة وأمه بالأمومة، فلا ينادي أباه باسمه بل يناديه فيقول: يا أبتاه! أو ينادي أمه فيقول: يا أماه! ولقد أخبر الله عز وجل عن هذا الأدب الكريم حينما قال عن نبيه إبراهيم وهو يخاطب أباه على الشرك والكفر: يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً [مريم:42] لم يناده باسمه وإنما قال: يا أبت، قال بعض العلماء: إن الابن إذا دعا أباه بالأبوة أشعره بعلو المرتبة عليه.

    ومن دلائل الإكرام والإجلال باللسان: ألا يتكلم الابن في مجلس فيه أبوه إلا في حالتين:

    الحالة الأولى: أن يتكلم عن علم.

    الحالة الثانية: أن يتكلم عن حاجة.

    ولذلك كانوا يعدون من سوء الأدب مع الوالدين كلام الابن بحضرة أبيه وأمه دون حاجة، وكان الإمام محمد بن سيرين إمام من أئمة التابعين إذا حضرت أمه خشع وأصابه السكون، فيسأل الغريب: ما باله؟ فيقولون: هكذا يكون إذا حضرت أمه، من سوء الأدب إذا حضر الوالد أن يهذي الابن فيما لا حاجة فيه.

    أما الخصلة الثانية في اللسان: أن يقول القول الكريم كما قال الله تعالى: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً [الإسراء:23-24] القول الكريم وكف الأذى باللسان فلا يقل لهما أف.

    قال بعض السلف: لو كانت هناك كلمة أقل من أف لنهى الله عز وجل عنها، فيكف الإنسان لسانه في هاتين الحالتين، فيقول الكلام الطيب الذي يدخل السرور على والديه ويغض عن الكلام الذي يجرح الوالدين، فكم من كلمة تكلم بها الابن جرحت أباه إلى الممات في قلبه، وكم من كلمة تكلمت بها البنت جرحت أمها إلى الممات في قلبها.

    الكلمة إذا خرجت لا تعود وإذا رمى الإنسان بالكلمة المؤلمة لأبيه وأمه فإن أذاها وشدة بلاها لا يقتصر على ما فيها، بل يضاعف على ذلك وجود الحنان والشفقة في قلب الوالد والوالدة، لذلك وصى الله من أراد البر أن يقول القول الكريم.

    أما الخصلة الثانية التي ينبغي للإنسان أن يحفظها في جوارحه وأركانه: طول الصحبة للوالدين، فقد فرض الله على الإنسان أن يصحب والديه، ولذلك لا يجوز للمسلم أن يخرج عن والديه في سفر أو في غربة ما لم تكن واجبة إلا بعد استئذانهما، قال الله عز وجل في كتابه: وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً [لقمان:15].

    وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أقبلت أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله تعالى، قال عليه الصلاة والسلام: (أحي والداك أو أحدهما؟ قال: نعم. بل كلاهما، فقال عليه الصلاة والسلام: أفتبتغي الأجر والمثوبة من الله؟ قال: نعم. قال: ارجع إليهما فالزمهما وأحسن صحبتهما) الله أكبر! قدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم يبايعه على الهجرة ويبايعه على الجهاد، يريد أن يصحب النبي صلى الله عليه وسلم مهاجراً مجاهداً فيقول له: أحي والداك؟ ثم يقول له: أفتبتغي الأجر، ثم يقول له: الزمهما وفي رواية: (صاحبهما).

    ولذلك قال بعض العلماء: لا يجوز للإنسان أن يخرج عن والديه إلا بعد استئذانهما، ولا ينبغي للإنسان أن يعيش في بلد غير بلد والديه إلا عند الاضطرار والحاجة، إذا فارقت الوالدين فقد أسكنت قلوبهما ألم الفرقة، وأوجدت في قلبيهما ألم الغربة، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم حينما قدم عليه الرجل قال: يا رسول الله! أقبلت من اليمن أبايعك على الهجرة والجهاد قال: (أحية أمك؟ قال: نعم. قال: الزم رجلها فإن الجنة ثم) أي: الجنة التي تطلبها والتي تريدها وتنشدها عند رجل أمك، ولذلك كان من أول ما ينبغي على المسلم الذي يريد بر الوالدين أن يصحبهما، أحق من يصاحبك هم الوالدان، وأحق من تكون معهما وتطيل الجلوس معهما فتدخل السرور عليهما برؤيتك هما الوالدان.

    ولذلك يقول بعض العلماء: من تغرب عن الوالدين في طلب عيش أو في ضرورة فليدمع، وليسأل الله جل وعلا أن يغفر ذنباً حرمه القرب من الوالدين، البعد عن الوالدين فوات لخير كثير لو لم يكن إلا دخولك على الوالدين في زيارة أو قضاء حاجة حتى سلام الإنسان على والديه من البر الذي يرحمه الله تعالى به.

    ومما يوصى به من أراد بر الوالدين ورد جميل الوالدين، أن يحفظ الجوارح وأن يكون في خدمة والديه، ولذلك قالوا: ينبغي عليه أن يطعمهما إذا جاعا، وأن يكسوهما إذا عريا، وأن يحسن صحبتهما بالمعروف إذا احتاجا، فكم من ساعات قضى بها الإنسان للوالدين الحاجات غفر الله عز وجل بها الذنوب والخطيئات، وأوجب بها الستر وفرج بها الهموم والغموم والكربات!

    كم من ابن بار بر والديه أدخل السرور عليهما فقام من عندهما وقد قضى لهما حاجتهما، فرفعت له الكف من والديه فلم تخب أكفهما فيما دعت وسألت، فخير ما يقضيه الإنسان حوائج الوالدين.

    ومن كان في حاجة والديه كان في بر ورحمة ولطف من الله جل وعلا، قضاء حوائج الوالدين مقدمة على حوائج الأبناء، ومقدمة على حوائج البنات، ومقدمة على حوائج الزوجات، وعلى حوائج الإخوان والأخوات، إذا وفق الله الإنسان فصان لسانه وصان جوارحه عن أذية الوالدين ولزمهما فأحسن صحبتهما وأدخل السرور عليهما فإن الله تبارك وتعالى قد وفقه لخير كبير وفضل جليل غير حقير.

    1.   

    بر الوالدين بعد مماتهما

    أما الخصلة الثانية والوصية الثانية التي يحتاجها من أراد بر الوالدين فهو: بر الوالدين بعد الممات، فأحوج ما يكون الوالدان إلى بر ابنهما إذا خرجا من الدنيا فصارا إلى دار البلاء، فما أحوجهما إلى دعوة صالحة أو استغفارة أو رحمة صادقة يرفع بها الابن كفه إلى الله تبارك وتعالى، قال: (يا رسول الله! هل بقي من بري لوالدي شيء أبرهما به بعد موتهما قال: نعم. الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما).

    جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن ابتلاه الله بفقد والديه يريد أن يسأل هل بقي من حقهما شيء؟

    فقال: يا رسول الله! هل بقي من بري لوالدي شيء أبرهما به بعد موتهما قال: نعم. فلا يزال بر الوالدين ديناً على الإنسان مادامت روحه في جسده، ومن ظن أن البر ينتهي بوفاة الوالدين فقد أخطأ، فلا يزال بر الوالدين ديناً في عنق الإنسان إلى أن يلقى الله جل جلاله، يحتاجان إلى دعوة صادقة ويحتاجان إلى استغفارة تسبغ بها شآبيب الرحمات وتضفى بها من الله عز وجل المغفرات، فأحوج ما يكونان إليه برهما بعد موتهما، فيكثر الإنسان من الاستغفار لهما وكلما كان الإنسان ذاكراً والديه بعد وفاتهما فإن الله يفي له كما وفى لوالديه.

    والله ما ذكرت والديك بعد وفاتهما إلا سخر الله لك من يذكرك كما ذكرتهما، والله ما ذكرت الوالدين بدعوة صالحة فنفس الله بها في القبور كرباتهما أو رفع بها درجاتهما؛ إلا سخر الله لك من يذكرك إذا صرت إلى ما صاروا إليه، فإن الجزاء من جنس العمل.

    أما الوصية الثانية في بر الوالدين بعد الوفاة: صلة قرابة الوالدين، وأحق من تصل أبناء الوالدين، فإن الإنسان قد يتوفى أبوه ويترك له إخوته وإخوانه وهما أحوج ما يكونون إلى عطفه وبره، فلذلك كان من أصدق البر للأب العطف على يتيمه والعطف على صغيره، فمن ابتلاه الله فكان أكبر إخوانه فقد صار ديناً عليه أن يفي لأبيه بعد وفاته؛ فيحسن إلى إخوانه وأخواته، فمن أجل القربات وأفضل الطاعات أن تحسن إلى يتيم الوالدين، ولذلك قال العلماء: إن الإحسان إلى اليتيم على مراتب:

    أعلاه: اليتيم القريب، وأقرب قريب إذا كانوا إخوة لك، فإن الإخوة إذا فقدوا الأب احتاجوا إلى من يسد ذلك الفراغ الذي كان فيه الأب، احتاجوا إلى أخيهم الكبير في كلمة حنونة أو عطف أو بر أو إحسان، أو دفع شدة أو كربة بعد الله جل وعلا، فإذا قابل الأخ إخوانه بهذا العطف وهذا البر كان أصدق ما يكون من ذكره لحق والديه عليه، ولذلك كان من أشد ما يكون على اليتيم أن يبلى بأخ يسيء إليه ولا يحسن إليه، فخير ما يوصى به من فقد والديه وخلف له الوالدان أبناءً وبناتاً يحتاجون إلى عطفه أن يبر الوالدين بالعطف على أولئك الصبية الضعفة، وأن يحتسب عند الله جل وعلا إدخال السرور عليهم.

    الخصلة الثالثة في بر الوالدين بعد الوفاة: صلة أهل ود الوالدين من الأرحام -العم والعمة والخال والخالة- بزيارتهم وتفقد أحوالهم والإحسان إليهم، قال عليه الصلاة والسلام: (إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه).

    مشى عبد الله بن عمر رضي الله عنه وأرضاه في سفره من المدينة إلى مكة وكان عنده دابة يركبها ويتروح عليها إذا تعب، فرأى أعرابياً يسير فنـزل عن دابته وألبسه العمامة وحياه وأكرمه، ثم لما مضى قال له أصحابه، لم أعطيته الدابة رحمك الله؟ قال: إن هذا كان أبوه صديقاً للخطاب في الجاهلية، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه).

    قال بعض العلماء: إنما كان براً؛ لأن صديق الوالد إذا رأى ابن صديقه ذكر الوالد فترحم عليه، وذكر جميل أفعاله وأثنى عليه، فكان ذلك من بر الوالدين، ولذلك تعتبر هذه وصية لمن فقد والديه أن يحسن إلى أصحابهما -إن من أبر البر أن يصل أهل ود أبيه- يتفقدهم بالزيارة، وإن وجد منهم خلة أو حاجة سدها يحتسب عند الله عز وجل برها، فهذه من القربات التي تكون للوالدين بعد الممات.

    1.   

    آثار بر الوالدين

    لبر الوالدين آثار:

    تقبل العمل

    من أعظمها وأجلها تقبل العمل؛ فإن الإنسان إذا كان باراً بوالديه كان مقبول العمل، وإذا تقبل الله العمل نفع الله به صاحبه في الدنيا والآخرة، وكان السلف الصالح رحمهم الله يحملون هم القبول، فكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: [لو أعلم لو أن لي صلاة مقبولة لاتكلت، فمن بر والديه فإن الله يتقبل عمله] قال الله تعالى في كتابه فيمن بر والديه: أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ [الأحقاف:16] فجمع لمن بر والديه بين هاتين الثمرتين قبول العمل وتكفير الخطيئة، فيقبل عمل الإنسان وتكفر خطيئته.

    قال بعض العلماء: إن البار إذا أصبح وفعل الطاعة وأمسى قبل عمل يومه، وإن العاق لو أطاع الله يومه فإن عقوقه قد يكون سبباً في حرمانه القبول للطاعة والعياذ بالله، فلو أصبح صائماً وبات قائماً وأغضب أباه وأمه لم يقبل الله عز وجل عمله، فإن الله تبارك وتعالى ذكر في قطيعة الرحم أنها تلحق بالإنسان العمى والصمم فقال جل وعلا: أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:23] فإذا كان هذا فيمن قطع رحمه، فكيف بمن عق والديه والعياذ بالله، فخير ما يجنيه من بر الوالدين قبول العمل.

    إجابة الدعاء

    الأمر الثاني الذي يجنيه البار بالوالدين: إجابة الدعوة، فإن البار بالوالدين الغالب أنه يكون مستجاب الدعوة، فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر أويس القرني قال: (يأتيكم أهل اليمن أرق قلوباً فيهم أويس القرني -رجل كان باراً بأمه- وكان به برص فدعا الله عز وجل فأذهبه إلا قدراً يسيراً في قدمه، من رآه منكم فليسأله أن يدعو له) فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه مع علو قدره وارتفاع مكانه وصحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم يتفقد البعوث في الجهاد حتى وجده فعزم عليه بأن يستغفر له.

    فمن فضائل البر إجابة الدعوة، وقل أن يكون الإنسان باراً بوالديه ويحجب عن دعوة، ما من إنسان يوفق لبر الوالدين إلا كانت دعوته مستجابة، وإذا توسل لله عز وجل ببر الوالدين فرج الله كربته ونفس الله همه وغمه، كما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الثلاثة النفر الذين دخلوا الغار (قال الثالث: اللهم إنك تعلم أنه كان لي والدان، وكنت آتي بالعشي فأحلب فلا أغبق قبل غبوقهما، وإني قد نأى بي طلب الشجر يوماً فتأخرت عليهما، فقدمت وقد ناما فاحتلبت لهما وقمت على رأسيهما فكرهت أن أوقظهما حتى طلع الصبح، والصبية يتضاغون عند قدمي، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء مرضاتك ففرج عنا ما نحن فيه، ففرج الله الصخرة عنهم حتى خرجوا).

    فمن كان باراً بوالديه استجاب الله دعوته وفرج الله كربته، والله لن تجد باراً يساء في الحياة غالباً، لن يطلب طريقاً إلا سهله الله له، ولن يقرع باباً إلا فتحه الله في وجهه، ولا تمنى أمراً من الخير إلا يسر الله له سبيله.

    بر الوالدين من أعظم الأسباب التي توجب الرحمة من الله في تيسير الأمور، والعكس بالعكس، فإن العاق ما حضر مكاناً إلا كان شؤماً على أهله، حتى أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الرحمة لا تنـزل على قوم فيهم قاطع رحم فكيف بالذي عق والديه؟!

    فالمقصود: أن من أراد أن يجني ثمرة البر فمن أعظمها أن الله يجيب دعوته وأن الله يفرج كربته، وأن الله تعالى يكون معه في شدته وعسره.

    انشراح الصدور

    ومن آثار البر: انشراح الصدور.

    ولذلك قل أن تجد باراً منقبض الصدر، وقل أن تجد إنساناً باراً تضيق عليه الحياة أو يشكو نكدها أو همها؛ لأن من بركات البر وآثاره الحميدة على الإنسان في نفسه انشراح صدره، فإن القلوب تنشرح بطاعة الله وأعظم الطاعات بعد عبادة الله بر الوالدين، فمن وجد في قلبه ضيقاً أو حرجاً فليتفقد حقوق الوالدين عليه، فلعله أن يكون أساء إلى الوالدين بكلمة أو أساء إلى أمه أو أبيه بزلة فليطلب سماحها عل الله أن يذهب عنه همها وغمها.

    1.   

    أسباب بر الوالدين

    أيها الأحبة في الله! من أراد أن يبر الوالدين فليأخذ بالأسباب:

    الأول: أعظمها الدعاء، فيسأل الله البر ويستعيذ من العقوق.

    الأمر الثاني: أن تحس أن وجود الوالدين ليس بدائم، وأنه سيأتي اليوم الذي يفقد الإنسان فيه أمه أو أباه، ولا شك أن ذلك قادم إن عاجلاً أو آجلاً، فإذا وجدت الوالدين أمامك فاحمد نعمة الله عز وجل بوجودهما ولا تضمن أن تمسي ولا تراهما، فإن هذا مما يعين على البر ويشوق الإنسان إلى اغتنام وجود الوالدين.

    الثالث: استشعار حسن العاقبة، فإن الإنسان إذا أحس برضى الله عز وجل عنه فإن ذلك يشوقه إلى الإحسان والبر للوالدين.

    1.   

    عوائق بر الوالدين

    إخواني في الله! إن من أعظم العوائق التي يجدها الإنسان في بر والديه هي:

    الابتلاء بأبوين قاسيين

    أولاً: أن يحسن إلى الوالدين ويسيئا إليه، أن يرحم الوالدين ويعذباه، أن يقول لهما القول الطيب فيردا عليه بالخبيث، أن يفعل الخير بهما فيردا عليه شراً، أن يذكرهما بخير فيردا عليه بسوء، فإذا ابتلاك الله بأب لا يرحمك وأم لا ترحمك فاعلم أن أفضل البر بر مثل هذا، أفضل ما يكون البر إذا وجدت أباً إذا أحسنت إليه أساء إليك، وأفضل ما يكون البر إذا وجدت أباً تكرمه فيهينك، وترفعه فيضعك، لا يبالي بحسنتك، إن رأى منك حسنة كفرها، وإن رأى منك سيئة أذاعها، فإذا بليت بمثل هذا فاصبر، فإن أفضل ما يكون البر في مثل هذا، فإن الله قد يريد أن يرفع درجتك ويعظم أجرك بهذا البر فيسلط عليك أباً لا يبالي بإحسانك إليه، فأفضل ما يكون البر إذا وجدت من الأب الإساءة، أو وجد الإنسان من الأم الإساءة، فما عليه إلا أن يصبر ويصطبر عل الله عز وجل أن يعوضه خيراً.

    ذكروا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان أبوه شديداً عليه وكان باراً به؛ حتى إنه رضي الله عنه نزل بوادٍ بـمكة فجمع التراب ونام وقال: كنت أرعى لأبي الخطاب في هذا الوادي الإبل وكان فظاً غليظاً يضربني، قال بعض العلماء: إن الله عز وجل أخرج من عمر هذه الكلمة في هذا الوادي الذي بر فيه والديه فقال هذه الكلمة وهو خليفة وإمام للمسلمين، لكي يعلم حسن العاقبة من الله، أهانه أبوه في الجاهلية فكان يكرمه، وأساء إليه فكان يحسن إليه، فعوضه الله عز وجل أن جعله إماماً من أئمة المسلمين.

    فمن صبر على الوالدين واحتسب؛ خاصة عند الأذية وعند الإهانة؛ فإن الله تبارك وتعالى لن يضيع إحسانه، ولذلك كثيراً ما يجد الشاب الصالح أباً لا يبالي به، ويكون له إخوة يقسون على أبيهم فيخاف الأب منهم ولكن يحسن فالأب يهينه، ويحس الأب أن هذا الصالح بإكرامه له وبره له قد أصبح مهاناً في عينه، فيتألم الشاب الصالح من أثر ذلك ويجد في نفسه، ولكن اصبر وصابر، فإن كان أبوك أو كانت أمك لا تبالي بإحسانك فما هي إلا حسنات تخط في ديوانك، وإذا كان الأب يجحد البر فإن الله لا يجحده، وإذا كان الوالدان يجحدان الإحسان فإن الله لا يجحده، فما عليك إلا الصبر وما عليك إلا احتساب الأجر، وأن تحس من قلبك أن الله يريد بك خيراً حينما سلط عليك أباً لا يرحمك.

    قرناء السوء

    كذلك أيضاً من عوائق البر التي تعيق الإنسان: قرناء السوء، فإن كثيراً من الناس قد يبتلون -والعياذ بالله- بعقوق الوالدين بسبب قرناء السوء، فكم حقر الأب وكم حقر الأم في عين الولد صديق لا يخاف الله، وقرين لا يتق الله، فغير قلب الابن على أبيه وغيرت قلب البنت على أمها، فمن الشقاء أن يبلى الإنسان بقرناء السوء، فما على الإنسان الذي وجد من قرينه إهانة لوالديه إلا أن يتركه، إذا أحسست بأن جلساءك يعينوك على العقوق وأنك لا تجد منهم من يثبتك على البر والإحسان فاتركهم والله يعوضك خيراً منهم.

    أيها الأحبة في الله: إن الله تبارك وتعالى إذا يسر للإنسان البر ورأى دلائله فما عليه إلا أن يشكر، فإن الله تأذن بالمزيد لمن شكر، إذا وجدت سرور الوالدين بك ورضاهما بما كان منك فاحمد الله عز وجل على نعمته، واسأله المزيد من فضله، نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا البر برحمته.

    اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تسبغ شآبيب الرحمات على الوالدين، اللهم اغفر لأمواتهم، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، اللهم اجزهم عنا خير ما جزيت والداً عن ولد، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، اللهم أسبغ عليهم شآبيب الرحمات، وكفر عنهم الخطيئات، وارفعهم عندك في أعلى الدرجات.

    اللهم من كان منهم حياً اللهم فأسعده ولا تشقه، اللهم أسعده ولا تشقه، اللهم ارحمه ولا تعذبه، اللهم أعظم أجره وكفر خطيئته ووزره، وأحسن خاتمته إنك ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبيه وآله وصحبه أجمعين.

    1.   

    الأسئلة

    حكم الإلحاح على الوالدين

    السؤال: نحن مجموعة من الشباب نجتمع دائماً على طاعة الله وفي بيوت الله، وفي بعض الإجازات نذهب إلى المدينة المنورة أو مكة المكرمة أو أي مدينة أخرى لطلب العلم، وأيضاً ترويحاً عن النفس، ولكن نفاجأ ببعض الشباب الذين لا يذهبون معنا والسبب في ذلك الأهل، فعندما نقول لهم: أبلغوا أهلكم يقولون: أبلغناهم، وإذا قلنا لهم: حاولوا مرة أخرى يقولون: تكفي مرة واحدة، فإذا قلنا لهم الثانية فإنهم يقولون: إنه يعتبر عصياناً لهم، فهل المحاولة مع الأهل لأجل الموافقة على الذهاب فرضاً لمحاضرة أو مجاورة، أو المحاولة معهم أكثر من مرة بطرق مختلفة يعتبر عصياناً لهم؟ أرشدونا، وجزاكم الله خيراً.

    الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعــد:

    فتسأل -أخي في الله- عن هؤلاء الشباب الذين تطلب منهم أن يعيدوا مع الوالدين الكرة لكي يذهبوا معكم في هذا السفر، فهل ذلك من العقوق إذا حاولوا مع الوالدين أو ليس من العقوق؟

    هذا الأمر كرهه بعض العلماء وقالوا: إن إلحاح الابن على الوالدين ليس من كمال البر؛ لأن الأم والأب على شفقة ورحمة، فإذا رأيا من الولد الإلحاح والإصرار أخذتهما الشفقة وأخذهما الحنان فوافقا على كره، ولذلك قالوا: لا ينبغي للابن أن يلح على الوالدين، ولذلك كان من كمال البر إذا عرض الأمر عليهما ألا يلح عليهما في ذلك الأمر، ولكن إذا تركت ذلك فإن الله يعوضك خيراً منه، وفي هذه الحالة فإن طلب الكمال أولى، وعدم حثهم على الإلحاح أولى إن شاء الله، ولعل الله أن يعوضهم خيراً من الخروج معكم، فإن الله تعالى قد يبتلي الإنسان ببر والديه فيطلب خيراً ويعلم الله أنه لو خرج قد يفتن فيعصمه الله من الفتنة بامتناع الوالدين، وهذا كثير، فلذلك أوصي بتركهم إن سألوا الوالدين وأراد الوالدان بمحض اختيارهما دون إلحاح عليهما فلا حرج، والله تعالى أعلم.

    التفصيل في شراء حاجيات المنزل على الابن الذي ابتلي أبوه بشرب المخدرات

    السؤال: والدي مبتلى بشرب المخدرات؛ أريد أن أبر والدي بشراء بعض مقاضي المنـزل التي يحتاجونها، ولكن إذا فعلت ذلك سوف يرتاح هو من مصاريف المنـزل ثم يشتري بماله ما شاء من المخدرات، أرجوك فضيلة الشيخ! أن تدلني إلى الطريق السليم الذي أبر فيه والدي، كما أرجو منك فضيلة الشيخ! أن تدعو لوالدي؟

    الجواب: أسأل الله العظيم في هذا المجلس أن يشرح قلبه وأن يهديه وأن يصلحه وأن يزيل عنه ما ابتلاه به، وأن يقر عينك به عبداً صالحاً.

    أما ما سألت عنه من كونك تقوم بمصاريف البيت هذا فيه تفصيل:

    إذا أمرك الوالد بذلك فما عليك إلا بره، وتقوم بتذكيره وتخويفه بالله جل وعلا لعل الله أن يشرح صدره على يديك، فينجيه من هذا البلاء، ولذلك من أعظم حقوق الوالدين على الابن أن يدلهما على الخير كما فعل أنبياء الله، كما أخبر الله عن نبيه إبراهيم، فتحرص على دلالة أبيك على الخير سواء كان ذلك في عقيدته أو كان في معاملته، فاحرص -أخي في الله- على تذكيره بالله عز وجل.

    أما إذا كان أبوك لم يأمرك بذلك ورأيت أن من المصلحة أن تجعل مصاريف البيت عليه حتى يقل المال الذي بيديه فهذا أولى، بل قد يتعين إذا كنت إن كفيته المصاريف أعنته على الحرام، وبناءً على ذلك فالذي يظهر أنه يفصل فيه فإن أمرك بالمصاريف وجب عليك الإنفاق في حدود طاقتك ولا تلزم بشيء خارج عن قدرتك، وأما إذا لم يأمرك ورأيت المصلحة كما ذكرنا في أن تكون أعباء البيت عليه حتى يقل شراؤه لذلك الحرام فافعل ذلك ويلزمك، والله تعالى أعلم.

    كيفية نصح الوالدين وإرشادهم بالتي هي أحسن

    السؤال: ورد في السؤال السابق كيف يرشد والده إلى ترك هذا المنكر ووردت أسئلة كثيرة في الطريقة السديدة في نصح الوالدين وإرشادهم بالتي هي أحسن؟

    الجواب: أولاً: لا تذكر والديك إلا وأنت مخلص لوجه الله عز وجل، فلا تذكره حمية وتقول هو يشرب المخدرات ويفضحنا ونريد أن نكتفي عار الفضيحة، تذكره وليس في قلبك إلا الله، فإن الكلمة إذا خرجت من القلب استقرت في القلب، والكلمات الصادقات أبى الله إلا أن يجعلها في القلوب، فاصدق مع الله عز وجل بالإخلاص.

    الأمر الثاني: أن تنظر إلى أفضل الأوقات التي يكون الوالد فيها مرتاح البال مستجم النفس خالياً.

    الأمر الثالث: تقدم عليه في أفضل الأوقات وأنت تحس كأنك أمام غريق يريد الموت، وتحس أنك أمام إنسان عظيم الحق والقدر عليك، فتقدم عليه ولسانك يلهج بأن يشرح الله صدره وأن ييسر لك الأمر في نصحه، فتسأل الله العظيم أن يفتح لك قلبه فإن مفاتيح القلوب بيد الله جل جلاله، فاسأل الله أن يهديه، فإذا جلست معه فخذ بالكلام الطيب والموعظة الحسنة والقول الكريم وقل: يا أبت! إن الذي تفعله لا يرضي الله، إن الذي تفعله يسخط الله، يا أبت! إني أخاف عليك عذاب الله، يا أبت! إني أخاف أن يمكر الله بك، يا أبت! يا أبت.. وقل ذلك وقلبك يحترق عل الله عز وجل أن يشرح صدره بموعظتك.

    فإن نبي الله إبراهيم ينادي أباه وهو على الشرك يقول له: يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً [مريم:42] لم تعبد؟ ينكر عليه ذلك الأمر، حتى إذا رد عليه أبوه رداً غليظاً قال: لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً [مريم:46] قال بعض المفسرين: (ملياً) إلى الأبد لا تكلمني، هل قال له فعل الله بك وفعل، أنت ما فيك خير أنت ما تقبل النصيحة أبداً، قال: قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً [مريم:47] فقابل كل ما يكون من الوالد بكل حنان وبكل ذلة كما قال تعالى: وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ [الإسراء:24] اخفض له جناح الذل، فوالله إذا شعر الوالد أنك مشفق عليه فإن ذلك يؤثر فيه، وذلك له أثر عظيم على قلبه، فاصدق مع الله عل الله عز وجل أن يشرح صدره.

    الوصية الأخيرة: إذا لم يفتح الله قلب الوالد لك فاطلب من يؤثر على الوالد من القرابة ومن غير القرابة كإمام الحي ونحوهم من أهل الفضل وأهل العلم والصلاح، وبث لهم ما تراه على الوالد من الأخطاء عل الله أن يوفقهم لنصيحة تؤثر فيه، والله تعالى أعلم.

    من أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس

    السؤال: والدي تارك للصلاة ووالدتي عكس ذلك ولله الحمد، وعندما استقمت أنا وهداني الله علمت أن هذا خطأ عظيم، ولا بد من الفراق، فنصحت والدي عدة مرات بالصلاة وبينت له عظم هذا الأمر، ولكن رفض وأبى حتى وصل الأمر إلى طلبت والدتي منه الطلاق ولكنه رفض، فأوصلت الأمر إلى المحكمة وتم الفراق ولله الحمد، ولكن من ذلك اليوم ووالدي يقول: قد تبرأت منك؛ لأنك هدمت المنـزل، وحاول بشتى الوسائل إيذائي، ولكن ما زال الأمر على ذلك وهو دائم الدعاء عليَّ، وحاولت عدة مرات أن أدخل الأقارب في هذا ليكون صلحاً ولكن لم يزل الأمر كما هو، أرشدني أثابك الله لما فيه الصلاح والصواب؟

    الجواب: أولاً: أما أنت فقد عاملت الله ومن عامل الله فإنه لا يخيب، فمفاتيح الدعاء وأبواب السماء بيد الله جل جلاله، ولو دعا عليك آناء الليل وأطراف النهار وكان الله معك فإنه لا يضرك دعاؤه بإذن الله، ولو أصابتك منه دعوة فإن الله يعظم بها أجرك ويرفع بها قدرك ويحسن العاقبة لك، فأبشر بخير، فوالله ما عامل عبد ربه فخاب يوماً من الأيام، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس) فأنت أرضيت الله مع سخط أقرب الناس إليك، ولم تبال مع وجود القرابة ووجود الصلة أن تصدق مع الله حتى أقمت حكم الله عز وجل، ولا شك أن الرجل الذي لا يصلي بالكلية لا يحل لمرأة أن تبقى تحته، فيجب عليها أن تطلب الطلاق وأن تسعى في فكاك نفسها، فإما أن يستقيم على شرع الله وإما أن تتركه والله يعوضها خيراً منه.

    الأمر الثاني: ما فعلته من طلب الصلح والأخذ بالأسباب من كونك سألت القرابة أن يدخلوا بينك وبينه فقد أخذت بالأسباب، فاستدم ذلك فلعل يوماً من الأيام أن ييسر الله لك الأمر، وأن ييسر لك هذا الذي تطلبه، فيشرح صدر أبيك فيصبح محسناً لا مسيئاً إليك، فلا تيأس من روح الله، فإن الله تعالى معك ويعينك، فأحسن الظن بالله جل وعلا، وإني لأسأل الله العظيم أن يعجل بتفريج كربتك، وأن يرزقك رضاهما، وألا يتوفاهما إلا وهما راضيان عنك، بيض الله وجهك وجزاك الله خيراً، والله تعالى أعلم.

    حكم رفض الابن إخبار الأم عن حالته المادية إذا سألته

    السؤال: والدتي تطلب مني أن أخبرها بأحوالي المادية فأرفض أن أخبرها حيث أنني إذا أخبرتها فسيضايقها ما أنا فيه من حال، فهل يجوز لي أن أخبرها أم أرفض، وكيف يكون برها في ذلك؟

    الجواب: أخبرها ويجب عليك إخبارها؛ لأنها سألتك، ولا يجوز لك ردها، أما ما اعتذرت به من كونها يؤلمها حالك فإن الله تبارك وتعالى سيجعل ذلك الألم سبباً في دعائها لك، وما الذي يدريك أنها إذا تألمت رفعت الكف وأنت غائب عنها فسألت الله أن يغنيك من فقرك وأن يسدك من ضعفك، ما يدريك أن الله يسخرها لك حتى تدعو لك بظهر الغيب، فاحتسب عند الله فإذا سألتك فأخبرها، لكن إذا أردت أن توري وأن تأخذ بالتورية فهذا أمر يرخص فيه بعض العلماء؛ ولكن الذي تطمئن إليه النفس أن تخبرها والله تعالى سيجعل في إخبارك لها خيراً، والله تعالى أعلم.

    الأصلح للابن المتزوج إذا أراد أن يسكن بمفرده

    السؤال: إذا أراد الشخص أن يتزوج وأن يسكن بمفرده وترك والديه هل يجوز له ذلك أما ماذا يفعل؟

    الجواب: إن أمكن أن يكون الإنسان قريباً من والديه وغلب على ظنه السلامة من الفتن فإنه لا شك أنه أولى وأحرى، فكل ساعة يرى الإنسان فيها والديه فيها بر لهما لو لم يكن في الدخول عليهما إلا السلام لكفى، فإن الوالدين إذا كنت قريباً منهما سألاك واحتاجا إليك، وكنت قريباً من حوائجهما، ولكن إذا ابتعدت عنهما فاتك من البر خير كثير، فالذي يوصى به كل إنسان إذا تزوج أن يكون قريباً من والديه ما أمكن، فإن لم يتيسر له ذلك أو غلب على ظنه أن القرب قد يوقعه في المشاكل أو قد يتسبب في حصول بعض الإحن والفتن، فإنه قد يكون من السلامة أن يبتعد عن والديه، فيبتعد ابتعاداً لا ينقطع عنهما به، فيجعل وقتاً لزيارتهما وتفقد أحوالهما، والسلام عليهما والجلوس معهما، فلهما حق كبير على الإنسان في ذلك، والله تعالى أعلم.

    الابتعاد عن الوالدين لطلب الرزق

    السؤال: أنا شاب أعمل في جدة ومعي زوجتي وأولادي، ولكن والدي يعيشان في قرية بمفرديهما، فهل أنا عاق لهما بأني هنا وهم هناك، علماً بأني قد حاولت معهم أن يسكنا معي ولكن رفضا، وأنا أزورهما كل شهر مرة، أرشدني وفقك الله للخير؟

    الجواب: هذه المسألة فيها تفصيل:

    إذا كان الوالدان في الموضع الذي هما فيه؛ فيه عمل ويتيسر لك فيه العمل ووجود الوظيفة فإنه ينبغي عليك القرب من الوالدين، وأن تكون بجوارهم وفي البلد الذي فيه الوالدان، قال: (يا رسول الله! أقبلت أبايعك على الجهاد، قال: أحي والداك؟ قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد) فلا يجوز للإنسان أن يتسبب في البعد عن والديه دون حاجة، وقد انعقد قول جماهير العلماء بل حكى بعض العلماء الإجماع على أنه لا يجوز السفر في النوافل إلا بعد استئذان الوالدين، لو أردت أن تخرج إلى عمرة نافلة والوالدان في البلد لا يجوز أن تخرج إلا بعد استئذانهما.

    من عظيم حقهما قال: (ارجع إلى والديك فإن أذنا لك فجاهد، وإن لم يأذنا لك فالزمهما) أي: كن معهما، فهذا يدل على حق الوالدين في القرب، والله يقول: وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً [لقمان:15] أمر بالمصاحبة وأن تكون المصاحبة على وجه المعروف لا على وجه الإساءة، فالبعد عن الوالدين فيه عدة أضرار منها أن الوالدين لو احتاجا -خاصة إذا لم يكن لهما غيره- فمن يسألا ومن يطلبا بعد الله عز وجل، وقد يحتاجا إلى سؤال الغريب وقد يحتاجا إلى الخروج، وقد يصيبهما السقم والمرض، فاتق الله في الوالدين خاصة بعد كبرهما وضعفهما وحاجتهما إليك.

    الأمر الثاني: إذا كان المكان الذي فيه الوالدان لا يتيسر فيه العمل فحينئذٍ تستأذنهما في الخروج، وتخبرهما بأنك خارج لطلب المعيشة، وترضيهما وتأخذ بإذنهما، فإن ذلك مما ييسر الله عز وجل به أمرك، قال بعض العلماء: إذا وجد عملاً بديل في نفس الموضع الذي فيه الوالدان لم يحل له الخروج ووجب عليه البقاء؛ لأنه يبحث عن طلب الرزق وقد تيسر له الرزق في الموضع الذي فيه الوالدان، فحرم عليه أن يعقهما بالخروج دون حاجة، هذا بالنسبة لقضية خروجك عن الوالدين.

    وأما قضية أنك حاولت فهذا شيء تؤجر عليه من الله عز وجل، وكونهما امتنعا يوجب عليك أن تنظر في المسألة على التفصيل الذي ذكرناه، فتكون قريباً من الوالدين وتقوم بحقهما على الوجه المعروف، والله تعالى أعلم.

    المدة التي يجب فيها زيارة الوالدين

    السؤال: ما هي حق الزيارة للوالدين إذا كانا يسكنان خارج المنـزل؟

    الجواب: نزل نفسك منـزلة الوالدين وأنت أدرى بالجواب. نـزل نفسك منـزلة الوالدين متى تحب أن ترى ابنك وتنـزل المرأة نفسها منـزلة أمها، وبناءً على ذلك فإنه سيظهر للإنسان الجواب.

    حكم اللقطة

    السؤال: وجد أبي بعض الأشياء في الطريق، فأخذها ثم أخبرته أنه لا يصح له أخذها، بل تسليمها إلى المكان المخصص لهذا الأمر فرفض بحجة أنه وجدها فهي له، ولكن عندما خرج من المنـزل أخذتها شفقة وخوفاً عليه من العقاب من الله سبحانه وتعالى وسلمتها لإحدى الجهات المختصة، فغضب عليَّ غضباً شديداً، ما هو الدور الذي كان ينبغي عليَّ فعله أثابكم الله؟

    الجواب: هذه المسألة فيها تفصيل:

    إذا كان الشيء الذي أخذه الوالد حقيراً أو لا تتبعه همة صاحبه فقد ملكه بأخذه، لما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في تمرة وجدها: (لولا أني أخاف أن تكون من تمر الصدقة لأكلتها) فأخذ العلماء من هذا دليلاً على أن الحقير الذي يجده الإنسان أنه لا يشترط تعريفه، ولا يجب على الإنسان إعطاؤه الغير بل يملكه بقبضه.

    وأما إذا كان شيئاً عظيماً وشيئاً ذا بال فإنه في هذه الحالة لا يملكه الأب وينبغي عليه التعريف، وكان ينبغي عليك بدل أن تأخذ المال وتقع في غضب الوالد أن تخبر الجهات بأنه من فقد أمراً بصفة كذا وكذا فليخبروك، ثم بعد ذلك تقوم بإخبار الوالد بذلك وأخذ حق الإنسان له.

    وأما أخذك على نية الخوف على الوالد فالله يأجرك على حسن نيتك، وهو أمر صحيح وفعل صحيح، لكنه خلاف الأولى، والله تعالى أعلم.

    مسائل الطلاق لا يفتى فيها أمام العامة

    السؤال: شخص قال لامرأته وهو غاضب: إذا ذهبت إلى بيت أختك فأنت طالق وهو غاضب السؤال: أنه يريد الآن أن تذهب زوجته إلى أختها وخاصة أن أختها مريضة فماذا يفعل؟

    الجواب: هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء، هل إذا علق الإنسان الطلاق على أمر ثم أراد أن يرفعه؛ فيها خلاف معروف بين العلماء، ولذلك مسائل الطلاق لا يفتى فيها أمام العامة والأولى أن ترد إلى المحاكم.

    حكم المزاح مع الوالدين

    السؤال: ما حكم المزاح مع الوالدين، وما حكم أن يناديهما باسميهما بدون يا أبي أو يا أمي مازحاً لهما؟

    الجواب: والله بئس المزاح، والله ما أدري هل عند الإنسان حياء أن ينادي أباه باسمه ولو كان مازحاً، هل عنده حياء يستطيع أن يجرأ على أن يخاطب أباه باسمه، والله مثل هذا يعزر، يقول بعض السلف: والله لو سألتني أن أصف أبي ما استطعت أن أصفه، قالوا: وكيف ذاك؟ قال: ما رفعت بصري في وجهه يوماً قط، وأنت تمزح معه! والثاني قيل له: ما بلغ بك من برك لوالديك قال: والله ما رقيت على سطح تحته أبي أو أمي، وأنت تمازحه وتغلبه، هذا لا ينبغي، أنا أرى أنه خلاف الأولى فينبغي أن تشعره بالإجلال والإكبار، أشعر والديك بالإجلال والإكبار والإعظام في حدود الشرع، إذا شعر الوالد أنك تجله ما يمزح معك.

    لكن عندما يعلم أنك -أستغفر الله- لعاب يمزح معك، إذا رأيت إنساناً يلعب أو يمزح تمزح معه، لكن إذا رأيت إنساناً وتجله ما تمزح معه أبداً؛ لأنك تجله وتحترمه ولا تفعل معه هذه الأمور، لكن إذا كان يستخف بالوالدين يمزح معهما، لكن أشعر الوالد بالإجلال والاحترام والإكبار لا يمزح معك أبداً، فتكسب من رضاء الله أكثر مما تكسب من إدخال السرور بالمزاح، فينبغي للإنسان أن يطلب الأكمل وأن يطلب الأجمل من أجل بر والديه، يقولون: لو أن الإنسان أشعر والديه بالإجلال قلّ أن يمزح معه والده؛ لأن الإنسان -مثلاً- لو فعل أي خصلة من الخصال التي تنبي على أنه يرى والده شيئاً كثيراً منعت الأب وكفت الأب عن أن ينـزل إلى منـزلة المزاح، نسأل الله العظيم أن يجبر الكسر.

    لكن الأولى والأحرى أن تترك ذلك، إلا إذا دعاك إلى المزاح ما حيلة المضطر إلا ركوبها.

    كيفية بر الزوجة لأبويها وزوجها

    السؤال: أرجو التوضيح بالنسبة للزوجة كيف لها أن تبر والديها وزوجها أثابكم الله؟

    الجواب: ينبغي على الزوج أن يعين زوجته على بر والديها، وينبغي على الزوجة أن تعين زوجها على بر والديه، وهذا سؤال نحب أن نتكلم عليه بالعموم، فينبغي للزوج أن يتقي الله في زوجته وأن يحملها على البر، والله ما أعنت زوجتك على بر الوالدين إلا بارك الله لك فيها، فإن المرأة إذا كانت بارة بوالديها وجدت أثرها في بيتك، ووجدت أثرها في ولدك، لأن الله سيخرج منها ذرية بارة، فكن أول من يعين الزوجة على بر الوالدين، لا تنتظر الزوجة أن تقول لك يوماً من الأيام: أريد أن أذهب إلى أمي، بل من نفسك؛ لأن أمها لها حق عليها، فتقول للزوجة: هل لك أن تصلي رحمك، هل لك أن تزوري أمك، على فترات تراها أنها فعلاً تحدث البر وأنها تدخل السرور على أم الزوجة، فإذا فعلت ذلك فإن الله يأجرك ويعظم لك الأجر، وهذا من العشرة بالمعروف.

    ينبغي للزوج أن يكون حي القلب يستشعر هذه المواطن التي لها آثار حميدة حتى على الزوجة، الزوجة إذا شعرت أن الزوج يجل أمها وأنه يحرص على برها فإن ذلك يكون له أثر كبير حتى في أخطاء الزوج، فإن الزوجة تغفر للزوج خطأً متى ما وجدته معيناً على طاعة الله عز وجل.

    الأمر الثاني: بالنسبة للزوجة مع الزوج، كذلك أيضاً فإن بعض الزوجات تكون حجر عثرة دون بر الزوج لوالديه نسأل الله السلامة والعافية، والله لا خير في الزوجات ولا الأبناء والبنات إذا قطعوا عن الآباء والأمهات، من الذي له الحق والفضل بعد الله عز وجل أعظم وأجل من حق الوالدين، يقول الله تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً [النساء:36] .. وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً [الإسراء:23] وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً [العنكبوت:8] هذه وصية من الله عز وجل أوصاك بوالديك أضعاف أضعاف وصيته لأهلك وزوجك، فأي مكانة للزوجة أمام أم وأمام أب، لا مكانة لها إذا دعتك إلى معصية الله عز وجل أو حقرت من شأن الأم أو أنقصت من مكان الأم، إذا قالت الزوجة أي كلمة تشعر بانتقاص الأم فكفها واردعها وانهها عن ذلك، ولا يكن زواجك وسيلة إلى عقوق والديك فإن حق الأم أعظم من حق الأب، قال: (يا رسول الله! من أحق الناس بحسن صحابتي؟قال: أمك.قال: ثم من؟قال: أمك.قال: ثم من؟قال: أمك.قال: ثم من؟ قال: أبوك).

    ما قال: زوجتك، ما قال أبناؤك، كله ينسى أمام الأم والأب، فمن حق الزوج على زوجته أن تعينه على بر الوالدين، بعض الزوجات تتدخل في كل صغير وكبير من شأن الأم وتحاول أن تمنع زوجها حتى في بعض الأمور الضرورية لو اشتراها لوالديه جلست تحاسبه وجلست تثبطه، وبئس والله المرأة التي لا تخاف الله ولا تتقي الله في بعلها وزجها، ينبغي للمرأة أن تصون لسانها، وألا تتدخل في بر زوجها لوالديه، فإن أول من يجني الثمرات في البيت هي الزوجة، متى ما كان الزوج باراً بأبيه وأمه فإن الزوجة هي التي تجني الثمرات؛ لأن الله يعينه وييسر أمره ويشرح صدره ويكون آثار ذلك كله على بيته، وقل أن تجد امرأة مكرت بوالدي زوجها إلا مكر الله بها، فإن المرأة إذا جعلت الزوج لئيماً ينسى معروف الوالدين سيأتي يوم من الأيام وينسى معروفها.

    فإن الذي نسى معروف أمه التي كان بطنها له وعاء، وثديها له سقاء، وحجرها له حواء، سيأتي يوم من الأيام ينسى امرأة من عرض الناس؛ لأن اللؤم الذي دفعه -والعياذ بالله- إلى المكر بهذا الفضل العظيم سيدفعه إلى المكر بحق الزوجة والأبناء، فلتتق الله الزوجة في حقوق الأباء والأمهات على الأزواج ولتكن معينة له وتقول له: جزاك الله خيراً، وإذا سمعت منه أنه وصل أمه قالت: جزاك الله خيراً، وكيف حالها، وسألت وتملقت حتى ولو تكلفت، كل ذلك من أجل أن تثبت الزوج على طاعة الله، وتعينه على مرضات الله، فالمقصود: أنه ينبغي للزوج والزوجة أن يراقب كل منهما ربه وأن يتقي الله، وأن يعلم أن الله سائله عن معاملة تنتهي بصاحبه إلى خير أو شر.

    نسأل الله العظيم أن يعصمنا من الزلل، وأن يوفقنا في القول والعمل، والله تعالى أعلم.

    حكم السفر إلى بلاد لا يأمن فيها المرء على دينه بأمر من الوالد

    السؤال: يعلم فضيلتكم ما للسفر إلى الخارج من أضرار، ويقول: أنا طالب في المرحلة الثانوية في القسم العلمي وأبي يريد أن أسافر إلى بلاد مشهورة بالكفر لتعلم اللغة الإنجليزية أو بعض العلوم التي يمكن أن تدرس في البلاد، هل أطيعه أم أخالفه، وماذا أفعل أثابكم الله؟

    الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

    أما بعــد:

    فتسأل أخي في الله عن حكم السفر إلى بلاد قد لا تأمن الفتنة فيها، وأن أباك يدعوك إلى الخروج إليها بحجة التعلم فيها، والجواب: أنه إذا غلب على ظنك أنك تقع في الحرام وأنك تصيب الآثام، فإنك لا تلتفت إلى أمره ويعتبر حق الله مقدم على حقه ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فإن الحفاظ على دينك وصيانة دينك أمر مطلوب واجب عليك، وأما بر الولدين فحده وحدوده ألا يكون بمعصية الله جل وعلا، بحيث أمرك بأمر يفضي بالمعصية ويفضي للوقوع بالمحذور فلا يلزمك بره ولا طاعته، ولكن ينبغي عليك أن تلتمس الأسباب والطرق التي يمكنك بها أن تقنعه بالعدول عن رأيه، وأن تنظر من قرابتك من يؤثر عليه، وأن تستعين بالدعاء عل الله أن يصرفه عن أمره، وأسأل الله العظيم أن يكتب لك ذلك، والله تعالى أعلم.

    حكم طلب الزوجة للطلاق بسبب وجود مشاكل بينها وبين أم الزوج

    السؤال: إنني شاب متزوج وقد أخذت والدتي معي في بيتي، ولكن حصلت مشكلة كبيرة بين زوجتي ووالدتي وطلبت زوجتي مني الطلاق أو إخراج والدتي من البيت؛ خاصة وأن زوجتي ابنة خالتي وأمها أخت أمي، وبينهما قطيعة رحم، ماذا أفعل أثابكم الله؟

    الجواب: هذه المسألة تحتاج إلى نظر ما هو السبب الذي من أجله طلبت بنت الخالة الطلاق.

    وهل وجود الأم يتسبب في الضرر بها والتضييق عليها؟

    يحتاج الأمر إلى نظر، فإذا أمكن أن يأتيني السائل بعد الصلاة حتى أنظر في أمره وإن شاء الله أسأل الله أن يوفق للصواب في ذلك، والله تعالى أعلم.

    تقديم بر الوالدين على مجالس العلم ونحو ذلك

    السؤال: أجلس مع أناس أحسبهم صالحين ولكن يتعارض جلوسي مع ما يريد والدي أو والدتي ماذا أفعل أثابكم الله؟

    الجواب: إذا أمر الوالد ابنه أن يجلس في البيت لحاجة أو سأله أن يذهب لحاجة وتعارض ذلك مع مجلس علم أو نحو ذلك من خصال البر؛ فإنه يقدم بر أبيه على الجلوس في مجلس العلم، وهذا أمر واضح بين من خلال النصوص، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر جريجاً العابد فإنه لما نادته أمه وهو في الصلاة قال: يا رب! أمي وصلاتي؟ فنادته فقال: يا رب! أمي وصلاتي؟ فنادته في الثالثة فقال: يا رب أمي وصلاتي، فدعت عليه وقالت: اللهم لا تمته حتى يرى وجوه المومسات -يعني: الزانيات والعياذ بالله- ففتن في دينه حتى عصمه الله تبارك وتعالى من فتنته كما ثبت في صحيح مسلم .

    ولذلك ترجم له الإمام النووي وغيره باب إذا دعاه والداه وهو في صلاة النفل وجبت عليه إجابتهما، يقطع الصلاة النافلة ويجيبهما، هذا في صلاة النفل وهي مقام الإنسان بين يدي الله وهو في طاعة من أجل الطاعات يقطعها من أجل إجابة والديه، فكيف إذا كان إنسان في أمر من فضائل الأمور في مجلس علم أو غيره، فلذلك يقول العلماء: إن الإنسان يقدم حاجة أبيه وأمه على مجلس العلم شريطة ألا يكون ذلك العلم فرضاً ولا يمكنه التوفيق بين الأمرين، والله تعالى أعلم.

    حكم معارضة الأب ابنه في زواجه بامرأة صالحة

    السؤال: تزوجت امرأة صالحة والحمد لله، إلا أن والدي لم يكن موافقاً على هذا الزواج وتجاهلت هذا الأمر لصلاح المرأة، ما هو الحكم الآن هل ترى أنني أطلقها أم ماذا أفعل؟

    الجواب: إذا وجد الإنسان امرأة صالحة وكان أبوه لا يرضاها فإنه إذا ذكر عيباً أو ذكر أمراً يعتبر وجيهاً في امتناعه من زواج ابنه بهذه المرأة فإنه يجب عليه بره قولاً واحداً.

    أما إذا كان لم يذكر شيئاً فإن الصالحات موجودات وكثيرات والحمد لله، إذا لم تتيسر هذه فيتيسر غيرها، ولذلك أقول: إنك لربما تجد المرأة صالحة ويعلم الله أن صلاحها لا يثبت ولا يدوم فيسخر الله لك الأب يقول لك: لا. لا تتزوجها أو يسخر الله لك الأم تقول: لا تتزوجها. لكي يبتلي الله أمرك، فإن بررت عصمك من فتنة انتكاسها، وإن عققت أوقعك فيما يكون من سوء عاقبتها، وقد تكون المرأة على صلاح واستقامة، ولكن يعلم الله أن ذريتها غير صالحة، ويعلم الله أن ما يكون منها ليس بصالح.

    ذكر بعض الإخوة أنه عرضت عليه امرأة صالحة وكان باراً بأبيه فحاول فيه إخوانه وخلانه يقول: حتى هممت أن أقطع أبي وأعقه وأتزوجها، ولكن وجدت أحد العلماء سألته فقال لي: بر أباك ولعل هذا البر أن يعصمك الله به من شر، ثم شاء الله عز وجل أن تزوجها غيره فلما تزوجها غيره تركها وتزوج غيرها وكانت قريبة له يرضاها أبوه، وكانت على صلاح لكن دون صلاح الأولى يقول: وشاء الله عز وجل أن انتكست المرأة الأولى -والعياذ بالله- فالله حكيم في خلقه فإذا وجدت الوالد والوالدة يمتنعان من شيء فإن الله يعلم وأنت لا تعلم، فبر والديك فإن عواقب الأمور هي المهمة وقد ترى المرأة على صلاح في بدايتها لكن ما تعلم نهايتها.

    وكذلك أقول للمرأة، إذا حضر الزوج فإن بعض النساء يرغبن في الزواج من رجل ويرغب الوالد من رجل آخر، ويكن ذا دين واستقامة، وليس على الذي اختاره الأب من محذور شرعي فتختار هي ذلك وتقول: هذا أفضل من هذا، فيشاء الله عز وجل أن يكون مثلما يكون في النساء فلعل الرجل الذي تختاره المرأة لا يستديم صلاحه ولعله أن يكون ديناً لكن طباعه ليست بحميدة، وقد تكون ذريته ليست بصالحة، فإياك إذا عرض الأب عليك أمراً ليس فيه معصية لله أن تترددي لحظة واحدة في القبول، ولذلك ينبغي للمرأة أن تبر.

    عرض أب على ابنته أن تتزوج من ابن عمها وكان كبير السن -يعني: أكبر منها سناً- ولكن فيه قوة الشباب وليس بذي هرم ولكنه في الخمسة والأربعين تقريباً، وكانت البنت في قرابة العشرين فعرض عليها ابن عمها فأبت وأصرت وعاندت، فجاء من يذكرها بالله عز وجل وينصحها فقالت: ما دام أن أبي اختاره فإني قد رضيت به، وكانت تكره هذا الزوج وتمقته وتحتقره، وصبرت وصابرت وتزوجت ودخل بها، فإذا بالله عز وجل يقلب قلبها وإذا به أحب إليها حتى في بعض الأحيان من أهلها وقرابتها، ثم شاء الله عز وجل أن يخرج من ذريتها صبية من خيار الصبيان، ولا زالت تربي وتجد الخير في الزواج من هذا الرجل، الآن بعض النساء بمجرد أن تبلغ تضع في ذهنها أن تتزوج على طريقة معينة تحس أن الوالد والوالدة إذا تدخلا في أمرها أن الدنيا قامت وقعدت، فترد على أبيها وتسفه رأيه وتغضب وتحدث مشكلة في البيت، وتقيم الدنيا وتقعدها سبحان الله!

    متى كانت نساء المؤمنين ترفع الواحدة بصرها في وجه أبيها؟

    من أين جاءنا هذا البلاء؟

    متى كانت المرأة تعترض على أبيها في زواج لم يكن فيه معصية الله عز وجل؟

    كانت المرأة على حسن ظن: هل أحد يشك في صدق الوالدين؟

    هل أحد يشك في حب الوالدين الخير لك؟

    من الذي يتهم والديه بحب الشر للإنسان؟

    فالوالد قد يصر على قريب -ابن عم- لعلمه أن القريب يستر العورة ويغفر الزلة، وأنه يحس أن ابنة عمه فضيحتها فضيحة له، ويصبر ويصابر لأشياء يراها الوالد قد لا تراها المرأة، نحن لا ندعو إلى التعصب والجمود على العادات، ولكن مع ذلك نريد المرأة أن تكون عاقلة فاهمة لا نريد إلغاء حقوق الوالدين ولا نريد فتح الباب، إنما نريد أن تقدر الأمور بقدرها، المرأة إذا عرض عليها الوالدان الزواج أو الرجل إذا عرض عليه الأمر في الزواج والداه ينبغي عليه أن أن يبادر ببر الوالدين ما لم يجد معصية وحداً من حدود الله.

    بل إن بعض النساء عرض عليهن شارب خمر -والعياذ بالله- وكان يصلي ولكن مبتلى بشرب الخمر وكان ابن عم للوالد فقالت لأبيها: أنت تأمرني أن أتزوجه -كانت امرأة صالحة- قال: نعم. آمرك بذلك ولا تتزوجي غيره، قالت: إذاً أنا لا أرضاه إلا من أجل برك، والله يعلم أني ما قبلته إلا من أجل رضاك، فشاء الله عز وجل بمجرد أن دخل زوجها عليها ما مضت فترة يسيرة حتى هدى الله قلب ذلك الزوج على يديها، وأصبح يحبها ويكرمها ويحس أنها أنقذته من النار، حتى إنه يثني عليها ويقول: دلتني على طريق المساجد، فعلت بي وفعلت بي، فأصبح خير زوج لها بالبر.

    فالذي نريد أن ينظر الأبناء والبنات في حق الوالدين من السمع والطاعة وإجلال للأمور وتقديرها بقدرها.

    نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يوفقنا في القول والعمل، وأن يعصمنا من الزلل، والله تعالى أعلم.

    لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق

    السؤال: إن أمر الوالد ابنه أن يأتي له أو يشتري له أمراً محرماً كالدخان مثلاً هل يجيبه أو لا، وإن كان في امتناع الابن ورفضه ذلك ربما يتطور الأمر وتحصل مشاكل كبيرة في المنـزل مثل مخاصمة الأم أو إلى غير ذلك، فما هو الصواب في هذه المسألة؟

    الجواب: أما الذي أعرفه أن للأب السمع والطاعة إلا في معصية الله؛ ولأن تحمل الجبال الشم على ظهر الإنسان ولا يفتي بما حرم الله، لا أستطيع أن أجد لك مخرجاً أن تأتي بأمر محرم لأمك وأبيك، لا أعرف نصاً من كتاب الله ولا سنة نبي الله صلى الله عليه وسلم تبيح لك أن تطيع مخلوقاً في معصية الخالق، وأما الطريقة التي تتخلص فيها من البلاء فابذل والله يعينك، فإن الله ييسر لليسرى لمن أراد ذلك، والله تعالى أعلم.

    نصيحة لمن ينهى عن المنكر ويأتيه إذا خلا به

    السؤال: إني أشعر بيني وبين نفسي بالذنب والإثم؛ بأنني أنكر على والدي كثيراً من المنكرات ولكن إذا خلوت بنفسي انتهكت كثيراً من المحارم، ماذا تنصحني وفقك الله فضيلة الشيخ؟

    الجواب: أوصيك ونفسي بتقوى الله عز وجل، فإنه قد جاء في حديث ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إني لأعرف أقواماً من أمتي يأتون بأعمال كأمثال الجبال فقال ثوبان : جلهم لنا، صفهم لنا يا رسول الله! لا نكون منهم ونحن لا ندري، فقال: أما إنهم منكم يصلون كما تصلون ويصومون كما تصومون، إلا أنهم أقوام إذا خلوا بحدود الله انتهكوها) فينبغي عليك أن تربي في نفسك تقوى الله عز وجل، وأن تقوي في نفسك وازع الإيمان الذي يحول بينك وبين معصية الرحمن، واتق الله فيما تقوله، اتق الله فيما تذكر به، واسأل الله جل وعلا أن يسلمك وأن ينجيك مما بليت به، فإنه لا عاصم من الضلالة إلا الله.

    نسأل الله العظيم أن يمن علينا بالقول السديد والعمل الصالح الرشيد، والله تعالى أعلم.

    كيفية توبة عاق الوالدين

    السؤال: كيف تكون توبة عاق الوالدين وفقكم الله؟

    الجواب: أما إذا كان الوالدان حيين فيبدل الإساءة حسناً، وبدلاً من أن كان يسيء إليهما يحسن إليهما، ويغير الفظاظة والغلاظة إلى اللين، ويدخل عليهما يقبل رأسيهما ويجلس عند رجليهما ويضفي الحنان إليهما، ثم يغير ما كان عليه من الإساءة، فإن كانت هناك أمور قد فعلها أغضبتهما فعل ضدها وأرضاهما.

    أما إذا كانا ميتين فقد مضيا إلى ربهما، وقال بعض العلماء: إدراك برهما وإزالة عقوقهما أولاً بصلاح الإنسان قالوا: ما يعتبر باراً لوالديه بعد الموت إلا إذا كان صالحاً؛ لأنه لا تستجاب دعوته ولا تقبل حسنته إلا بالصلاح، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أو ولد صالح يدعو له) فقالوا: أول حق للميت على ابنه لكي يبره أن يكون صالحاً، يحاول أن يكون صالحاً في قوله وعمله.

    الأمر الثاني: أن يكثر من الدعاء والاستغفار لهما، وقد نصت طائفة من العلماء على أن الإنسان إذا عق والديه في الحياة فأكثر من الاستغفار والترحم عليهما وصلة أرحامهما وأحسن إلى قرابتهما أن الله يكفر خطيئته بالعقوق، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755948941