إسلام ويب

شرح تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد لابن الأمير الصنعاني [1]للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • بعث النبي صلى الله عليه وسلم والناس في جاهلية جهلاء، فهدم الله ومحا به الشرك، ثم خلف من بعده خلوف، فدعوا وعبدوا غير الله تعالى، فظهر في البلدان الإسلامية الشرك والاعتقاد في الأموات وفي الأحياء، فانبرى لذلك علماء ربانيون، فأنكروا ما أوجب الله إنكاره، وألفوا في ذلك الكتب والرسائل، فدحر الله بهم الشرك في بلاد المسلمين.
    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على عبد الله ورسوله نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فإني أحمد الله سبحانه وتعالى وأشكره على أن وفقنا للمجالس التي يدرس فيها كلام الله وكلام رسوله، وكلام أهل العلم الذي يبين كلام الله وكلام رسوله.

    وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلها مجالس خير وعلم، تحفها الملائكة وتغشاها الرحمة، وتنزل عليها السكينة، ويذكرها الله سبحانه وتعالى فيمن عنده.

    لذا لابد أن يعلم المسلم مدى أهمية طلب العلم، وحضور حلقات ومجالس العلم، والدروس العلمية، وأن طلب العلم قربة إلى الله عز وجل، بل هو من أفضل القربات وأجل الطاعات، (وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع).

    وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده).

    وقال صلى الله عليه وسلم: (إن لله ملائكة سياحين يتتبعون مجالس الذكر، فإذا وجدوها حفوها بأجنحتهم وجلسوا معهم).

    وجاء في الأحاديث الصحيحة: أن الله تعالى يغفر لأهل الذكر، ولمن جاء معهم وليس منهم، ويقول الرب سبحانه وتعالى: (هم القوم لا يشقى بهم جليسهم).

    والنصوص التي فيها بيان فضل العلم وطلب العلم كثيرة جداً، منها قوله تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [الزمر:9]، كما أن الله تعالى قرن شهادة أهل العلم بشهادته وشهادة ملائكته، وذلك على أعظم مشهود به وهو توحيد الله عز وجل: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:18]، وقال سبحانه: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28].

    وجاء في الحديث (أن العلم هو ميراث النبوة، وأن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر).

    وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين).

    قال العلماء: هذا الحديث له منطوق وله مفهوم.

    أما منطوقه: فإن من فقهه الله في الدين فقد أراد به خيراً.

    وأما مفهومه: ومن لم يفقهه الله في الدين لم يرد به خيراً. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    ومعلوم أن طلب العلم أفضل من نوافل العبادة كما قرر ذلك العلماء، وقد نصوا على أنه مقدم على نوافل العبادة، كنوافل الصلاة والصيام والحج، فلذا ينبغي لطالب العلم أن يخلص نيته لله عز وجل، وأن يعلم أنه في عبادة وقربة لله عز وجل، ولا يقصد بطلبه للعلم إلا وجه الله والدار الآخرة، ويقصد بطلبه العلم إبتداءً رفع الجهل عن نفسه ثم عن غيره؛ لأن الأصل في الإنسان أنه لا يعلم، قال الله تعالى: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [النحل:78]، كما ينبغي له أن يعلم أنه لابد من الحرص والإصغاء وحضور الذهن، ولا بد من تقييد الفوائد العلمية، والاكثار من الأسئلة التي يقصد بها الفائدة، لا التي يقصد بها الإعنات وإيقاع المسئول في الحرج، أو التوصل بها إلى المباحات، أو غير ذلك من المقاصد السيئة.

    وسأتحدث بما يفتح الله به عليَّ حول هذه الرسالة الموسومة بـ: (تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد) للإمام محمد بن إسماعيل بن الأمير الصنعاني رحمه الله تعالى، والأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني معروف بسلفيته في الاعتقاد، فهو سلفي على منهج السلف الصالح، وهو من معاصري الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله مجدد الدعوة السلفية، وكما أنه عاصره فقد وافقه، وقد ولد في رأس المائة الأولى بعد الألف، وتحديداً عام: ألف وتسعمائة وتسعين، وكانت وفاته سنة: اثنين وثمانين ومائة وألف، والشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ميلاده سنة ألف ومائة وخمسة عشر، ووفاته سنة ألف ومائتين وست للهجرة، وعمر الشيخ محمد بن الأمير الصنعاني رحمه الله اثنان وثمانون سنة، وعمر الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب اثنان وتسعون سنة يزيد عليه بعشر سنوات، فهو معاصر له وموافق له، وقد أثنى على دعوته السلفية وله قصيدة مشهورة في ذلك، يقول في مطلعها:

    سلام على نجد ومن حل في نجد.

    وبين في قصيدته تلك ما معناه: أن الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب جاء بهذه الدعوة السلفية، وأنه قد وافق ما عندي.

    وابن الأمير الصنعاني هو صاحب: (سبل السلام)، وقد أثنى عليه الشوكاني وغيره من أهل العلم، وهذه الرسالة التي بين أيدينا سماها: تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد.

    وتطهير الاعتقاد يعني: تطهير عقيدة المسلم عن الأدران. والأدران جمع درن وهو الوسخ، والإلحاد: الميل عن الصواب وعن الحق والجادة.

    فيكون معنى هذه الرسالة: يريد أن يطهر العقيدة السلفية عن وسخ الإلحاد والانحراف والشرك.

    والمراد بالتطهير: التطهير المعنوي لا التطهير الحسي، ومعلوم أن التطهير نوعان:

    تطهير حسي، وتطهير معنوي.

    فالتطهير الحسي: كأن تطهر الثوب أو البدن الذي علقت به النجاسة، بالغسل.

    وأما التطهير المعنوي فهو: تطهير العقيدة مما علق بها من أدران الشرك والإلحاد والبدع والمعاصي والكبائر، بمعنى أنك تعتقد عقيدة السلف الصالح، وتصفي العقيدة وتنقيها من شوائب الشرك والبدع، والمحدثات في الدين، وهذا هو الذي أراده الشيخ الصنعاني رحمه الله بقوله: تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد.

    وإذا كان الإلحاد هو الميل عن الصواب وعن الحق، فإن الشرك إلحاد، والمعاصي نوع من الميل والإلحاد قال الله تعالى: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأعراف:180] أي: الذين يميلون بها عن الصواب وعن الحق سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأعراف:180].

    وهذه الرسالة قد طبعت أكثر من مرة، وبين يدي الرسالة طبعة فيها تحقيق وتخريج محمد صبحي حسن حلاق، وقد ذكر في أولها مقدمة قليلة وترجمة للمؤلف، وبين فيها أيضاً باختصار العقيدة السليمة، أي: عقيدة السلف الصالح، وأنها توحيد الله في ربوبيته وأسمائه وصفاته وألوهيته، وسنمر على المقدمة ثم نعرج على الترجمة باختصار، ثم نبدأ في شرح الرسالة بعون الله تعالى.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3088776179

    عدد مرات الحفظ

    778943993