إسلام ويب

الفتورللشيخ : نبيل العوضي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يتحمس المرء للدعوة إلى الله بداية أمره، فتراه مندفعاً في كل خير، ثم إذ به بين بكرة وعشية يضعف ويفتر، وقد يصل الأمر إلى الانقلاب إلى الوراء، وهناك أسباب وراء هذا الفتور تحتاج إلى تأمل وعلاج. هذه الأسباب منها ما هو حقيقي نتج عن قصور الفهم، ومنها ما هو خيالات، أو حيل نفسية ترمي بسهامها عن بعد، فيجب توضيحها وعلاجها.
    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد:

    أيها الأخ العزيز: أعرني سمعك، فإني سوف أتحدث عن بعض الإخوة، ولعلي أُعنِّف بعض الشيء، ولكن لا بأس فهي كلمات من أخٍ إلى أخ؛ فليتحملها الإخوة إن شاء الله.

    هي قصة رجل التزم فبدأ يدعو إلى الله، كان يوماً من الأيام ينصح إخوانه وجيرانه، وأهله، وزوجته، وأبناءه.

    كان يوماً من الأيام إذا مرَّ في الشارع فرأى منكراً توقف فنصح. هي ذكريات مضت، أما الآن فيجلس في مجلس ويستمع فيه إلى المنكرات، ويتلذذ بها ولا يتغير، بل إن لم يكن يفعلها هو، تغيَّر الحال، وتبدلت الصورة.

    كان يوماً من الأيام يقوم في المسجد يتكلم في الناس وينصح.

    تذكر معي أخي في الله: يوماً من الأيام كنت تجمع الناس إلى المسجد، كنت إذا ذهبت إلى الصلاة طرقت الأبواب، تذكر عندما أعطيت فلاناً شريطاً وقلت له: استمع إليه، لعلَّ الله أن ينفعك به.

    تذكر عندما كنت تجتهد في الدعوة إلى الله، وتنصح، وتذكر، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، فما الذي جرى؟!

    أنا أتكلم عن ذلك الشخص الذي بدأ الفتور يدب إليه ويحسب أنه على خير، إذا نظر في المرآة فالصورة لم تتغير، واللحية لا زالت طويلة، والإزار ما زال قصيراً، -والحمد لله- ما زال يصلي، والمسكين لا يشعر أنه قد فتر في الدعوة إلى الله، بدأ يتهرب من جميع المسئوليات، بل إن وكِّلتْ إليه مسئولية في الدعوة إلى الله تهرب منها وتنصَّل، وتركها إلى غيره .. يقول الله عز وجل عن همِّ الدعوة وذلك الرجل: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً [الأحزاب:72] أتعرف ما هي الأمانة؟ إنها أمانة هذا الدين.

    استمراء المنكرات

    أخي في الله: مالك بدأت تستمع إلى المنكرات؟! تمرُّ في السوق فتكلمها وتكلمك .. نعوذ بالله! ألم تكن في يوم من الأيام تقول لها: احتجبي، استتري بارك الله فيكِ؟ أما الآن فتغير الحال، بدأت أنت الذي تكلمها، بدأت أنت الذي تختلي بها، ما الذي جرى؟!

    إن جلستُ معك أرى حديثك قد تغير، بدأت تتكلم في الدنيا، كنت يوماً من الأيام لا همَّ لك إلا الدعوة، كان حديثك: المسلمون في بلاد كذا، المسلمون يُقتلون، الناس في ضلال، الناس في ضياع، كان هذا حديثك في السابق، أما اليوم فلا أراك تتكلم إلا عن الصفق في الأسواق، وعن أخبار المباريات، وعن أسعار العملات، وعن التجارة، وعن البيع، وعن الشراء، وعن الدنيا، وكأنك لم تسمع أو تناسيت قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ [التوبة:38] إذا قيل لك: تعال معنا ندعو إلى الله، قلت: عندي الآن الزوجة، والأولاد، والبيت، والسيارة، والأثاث، والمزرعة، وغيرها من الأعذار!

    نناديك أن تدعو إلى الله؛ فتعرض .. مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ [التوبة:38] تغير حديثك، بدأت تتكلم، لكنَّ العمل لا أثر له، وتحسن الجدل، والكلام، إن جلست في مجلس وكأنك أكبر الدعاة وكأنك أفضل المجاهدين، لكن لا نراك بعد هذا المجلس تفعل شيئاً، نرى الكلام تحسنه أما العمل فلا تتقنه .. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:2-3] بل وصل بك الأمر إلى الجدل فأصبحت لا تتقن إلا الجدل، تجادل في كل أمر، وتنتقد كل شخص، وكأنك المبرأ من العيوب، وكأنك الذي يُسأل ولا يسأل.

    احذر الرجوع إلى الوراء

    نراك قد انقطعت غيرتك؛ فلا تنكر منكرا، بل إن جلست في مجلس أُدير فيه المنكر واستُمِعَ فيه إلى الحرام ضحكت وابتسمت، وقلت: سيقوم بهذا الأمر غيري، أو لا فائدة، أو غيرها من الأعذار.

    من يهن يسهل الهوان عليه     ما لجرحٍ بميتٍ إيلامُ

    نعم. القلب بدأ يموت، حتى أصبح لا يتأثر بالجروح، نراك كلما ناديناك إلى الدعوة، إلى عمل أو مشروع خيري: يا فلان، شارك معنا، ضع يدك في أيدينا، نحتاج إليك. تقول: أنا مشغول! تخدع نفسك، لا تخدع غيرها! تتظاهر بالشغل وإن فتشت في نفسك فلا ترى إلا ضياع الوقت في النوم والأكل واللعب والسفر في المباحات، وفي أمور الدنيا .. ضاع وقتك، وضاع عمرك أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ [المؤمنون:115].

    إن دخلت في عملٍ في الدعوة إلى الله تغيرت، وأصبحت لا تعرف إلا الفوضى، تأتي يوماً وتتركنا أياماً، وتظن أنك على خير .. إن بدأت في عمل لا تلبث أن تتركه إلى غيره، أصبحت لا تعرف إلا الفوضى في الدعوة إلى الله وكأن الأمر لعب وضحك.. ألا تذكر آخر آية كنت تحفظها؟ لا أدري هل نسيتها أم تناسيتها؟ في آخر سورة الصف التي بدأها الله بالقتال وختمها بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ [الصف:14] سل نفسك وحاسبها من صباحك إلى ليلك: هل أنت من أنصار الله؟ أم أنت من الذين لا همَّ لهم في الدنيا إلا المباح؟ ما الفرق بينك وبين جارك؟ ما الفرق بينك وبين فلان الذي كنت تنكر عليه؟ كنت يوماً من الأيام ترأف لحاله، فما الفرق اليوم بينك وبينه؟

    أصبح الظاهر: وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا [المنافقون:4] إن جلس في مجلس تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ [المنافقون:4] لكنَّ الحقيقة كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ [المنافقون:4].

    اسمح لي -أيها الأخ العزيز- فلعلي قد عنفت عليك بعض الشيء، ولكن سماعها مني أفضل من سماعها من غيري.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088783124

    عدد مرات الحفظ

    779003021