إسلام ويب

أفرأيت من اتخذ إلهه هواهللشيخ : صالح بن حميد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد حذر الشارع الحكيم من الهوى واتباعه، وبين أن بعض المتبعين للهوى قد اتخذوه إلهاً، وعلَّق سبحانه وتعالى فساد السماوات والأرض باتباع الأهواء، ومن القضايا التي قام الشيخ بتوضيحها، بيان أن حق الاختيار والتشريع لله، وأن الاستجابة لا تكون إلا لله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    آيات منذرة من اتباع الهوى

    الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمد في الآخرة والأولى، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله بعثه بالهدى، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجعلنا على المحجة البيضاء، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الأصفياء، وأصحابه الأتقياء، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ وسار على نهجهم واقتفى.

    أما بعـد:

    فإن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.

    أيها الإخوة: أحييكم بتحية الإسلام، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

    إن هذا التقديم الذي قدم به فضيلة الشيخ مرحباً ومبدياً التحايا والترحيبات -وقبل ذلك لقيت ترحيباً حاراً غمرني وأخجلني- من أهل هذا البلد المضياف الطيب الكريم، وهو غير مستغرب منهم ولا فيهم، فهم أهل الكرم والخير والفضل، فشكر الله لهم، وأجزل لهم المثوبة، وأخص بالذكر-: (ومن لا يشكر الناس، لا يشكر الله ) كما جاء في الحديث- نادي مرخ الرياضي، فقد كنا باستضافته الليلة الماضية ولا زلنا، ورأينا فيه أموراً طيبةً ومشجعة، فحق على أهل العلم، وعلى أهل الدعوة أن يشاركوا بتوجيههم في مسيرته الطيبة الخيرة، ليكون على النحو المرضي الذي يسر أهل الخير، فلهم مني خالص الشكر وجميل الثناء.

    أيها الإخوة: الحديث الذي رُغب مني أن أتقدم به إليكم، وهي كلمات في هذا البيت من بيوت الله، حول الهوى - ونعوذ بالله من اتباع الهوى- وقد قدم فضيلة الشيخ، وأشار إلى عظم هذه المسألة، وأهمية هذا الأمر، وقد سمى الله عز وجل بعض المتبعين للهوى أنهم قد اتخذوه إلهاً في آيات كثيرة.

    ومن هنا فإن هذا الحديث سوف يكون مشتملاً على عدة أمور لعل فيها جمعاً لهذا الموضوع، وإلا فهو واسع، ومن هذه الأمور التي سوف تعرض في هذا اللقاء استعراض بعض الآيات في الهوى، واتباعه والتحذير منه ولا سيما أهله، ومنه كذلك تقرير أن حق الاختيار، وحق الأمر والنهي هو لله وحده.

    فإذا تقرر هذا وعلم المسلم أن الله وحده له حق الخلق، فليعلم أن الله وحده له حق الاختيار، قال تعالى: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص:68].

    وهذا الأمر إذا استقر في النفوس، واستيقنته القلوب، حينئذٍ يتبين كيف يصيب الشطط أصحاب الهوى، وأتباع الهوى، ثم بعد ذلك نتكلم عن الاستجابة لله ولرسوله، وأنه لا تتحقق الاستجابة إلا بالتجرد من الهوى، وأن من انقاد إلى الهوى فقد جانب الاستجابة لله ولرسوله بمقتضى قوله تعالى: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ [القصص:50].

    ثم بعد ذلك نشير إلى شيء من الشهوات والشبهات الصادة عن سبيل الله عز وجل، والقائدة إلى الهوى، ثم نبين مواطن يتبين فيها امتحان الهوى، وكيف يتحسس المسلم هل هو متبع لهواه أم ليس متبعاً لهواه، ثم النقطة الأخيرة لصور من اتباع الهوى، بحيث إنه حينما يشعر بها المسلم ويراها يكون عنده ميزان، هل هو متبعٌ لرغبات نفسه، أم متبع لقول الله وقول رسوله في أمور قد تشتبه، لكن حينما أنقلها لكم -كما صورها العلماء- فإني لا آتي بجديد، وأنا حريص على أن أكون متصلاً بكتب أهل العلم، فأغلب ما سوف تسمعونه هو من كلام السلف رحمهم الله، وأخص شيخ الإسلام والإمام شمس الدين ابن القيم رحمه الله، وقبله الإمام ابن الجوزي .

    من الآيات التي فيها ذكر الهوى وسوء اتباعه وصفة متبعيه ومصيرهم قوله تعالى: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى [النجم:23] وسوف تأتي إشارة إلى منهج المصطفى صلى الله عليه وسلم، والسر في قوله تعالى في أول السورة: مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى [النجم:2] وجاء في ثناياها: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ [النجم:23] ومن ذلك قوله تعالى: فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا [النساء:135].

    إذاً: فإن مقابل الحق القسط والحكم بالعدل: الهوى؛ لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا [النساء:135].

    ومن ذلك قوله تعالى مبيناً حال الفريقين -فريق الجنة وفريق السعير-: فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:37-41].

    إذاً: إيثار الحياة الدنيا، والطغيان المادي نتيجة الثرى مظهر من مظاهر اتباع الهوى، أما من خاف مقام ربه، ونهى النفس عن الهوى، فإن الجنة هي المأوى.

    ومن ذلك أيضاً قوله تعالى، وهذا أيضاً في مسلك من مسالك أهل العلم -نسأل الله السلامة- وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ [الأعراف:175-176].

    فإذاً قد يكون من مسالك أهل العلم- نسأل الله السلامة- ما يقود إلى الهوى، وسوف نشير إلى ذلك في ثنايا الحديث، ومن ذلك أيضاً قوله تعالى في خطابه لنبيه موسى: فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى [طه:16].

    ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان:43-44] وهذا شأن الكافرين مهما كان عندهم من العلوم، ومهما كان عندهم من المعارف، وكذلك المنافقون؛ بل حتى العصاة أثناء مزاولة المعاصي، فهم متبعون أهواءهم، مغلقون عقولهم، بل عقولهم مطبوع عليها أثناء الإتيان للمشتهيات، حتى قال صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن

    1.   

    تقرير أن حق التشريع لله

    إذا كان الأمر كذلك، وإذا كان هذا هو شأن اتباع الهوى، وما يؤدي إليه الهوى؛ فعلينا أن نقرر حقيقة لا بد أن ننطلق منها، وعلى ضوئها يكون بعدنا وقربنا من الحق، يقول الله عز وجل: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [القصص:68] ومن إعجاز القرآن الذي يدل على أنه حق من عند الله، ولا تنقضي عجائبه أن هذه الآية هي في نفس السورة التي يقول الله فيها: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [القصص:50].

    فما هي المناسبة بينهما عندما قال الله: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [القصص:50] وقال بعد السياق: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ [القصص:68] ثم بعد آيات تأتي قصة قارون: قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أشَدُّ قُوَةً وَأكْثَرُ جَمْعاً [القصص:78]؟ فتفسيرات وتبريرات كل فيها مخالف للحق، ومتبع فيها الهوى والرغبات والشهوات، وخاصة شهوة المال، وكذلك شهوة الحكم والاستعلاء عند فرعون، فالآيات التي في سورة القصص كلها تتكلم عن سلطان الحكم، وسلطان المال ممثلاً في سلطان قارون ، فالسورة هذه فيها عجائب، وفيها هاتان القاعدتان: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ [القصص:50] وفيها: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص:68].

    عند تقرير حق الاختيار لله يتبين لنا مسالك أهل البدع، ومسالك أهل الأهواء، وذلك أن الله عز وجل يقول: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ [القصص:68] ولاحظ أن الله قرن الخلق بالاختيار.

    إذاً: الخلق مسلَّم، والناس يعلمون أن الخالق هو الله وحده، ولم يدع أحدٌ أنه يخلق أو يرزق، والمشركون مقرون لله عز وجل بتوحيد الربوبية، وأنه هو الخالق الرازق، المحيي المميت، منزل الغيث إلى آخره كما أن له حق الخلق، ولهذا قال: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ [القصص:68] ليس لأحد من خلق الله مهما كانت منزلته، ومهما كان مقامه الخيرة من أمره، سواء كان ملكاً أو نبيناً أو ولياً، فكيف بمن دونه من أهل علم أو دونهم؟!

    فالاختيار لله في أمر التشريع بأمر التوجيه: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ [القصص:68] ثم قال: سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [القصص:68].

    إذاً: من أعطى الاختيار لغير الله، أو أعطى لغير الله حق الاختيار فهو مشرك كمن أعطى حق الخلق لغير الله.

    وأكثر ما ينصب هذا الأمر على العبادة التي هي محض حق لله وحده، أما في أمور الدنيا فقد جعل الله عز وجل للناس فيها نوع اختيار، والأصل فيها الإباحة، لكن في العبادات، الأيام أيام الله، والبلاد بلاد الله، فاختار الله عز وجل أماكن وجعلها أشرف البقاع، فليس لنا أن نضفي على أي بقعة قداسة، ولا نعتقد فيها أي بركة إلا بمقتضى النص، ومن ذلك أن الله عز وجل خص مكة وشرفها، وبين ذلك في كتابه، وبينه لنا رسوله محمد صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً [آل عمران:96-97].

    والمدينة شرفها الله، وأخبر نبينا صلى الله عليه وسلم ما فيها من الفضل، وبيت المقدس الله عز وجل أخبر عن فضله، فقال سبحانه وتعالى:

    بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ [الإسراء:1].

    فالبركات لا نعرفها إلا بمقتضى ما أخبرنا الله عز وجل ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم.

    إذاً: فحق الاختيار، أن يختار هذا المكان ليكون أطهر البقاع، وذلك المكان ليكون فيه مزيد فضل، وليس لنا أن نقول: إن تلك البقعة مباركة أو مقدسة، أو فيها فضل أو حسنات، هذا فيما يتعلق بالأماكن.

    أما الذي يتعلق بالأيام والشهور والساعات فالأصل أن الأيام أيام الله، وأنها متساوية إلا إذا جاء خبرٌ من الله عز وجل في كتابه، أو خبرٌ عن رسوله محمد صلى الله عليه وسلم يقول فيه: إن هذا فيه مزية، وقد جاءت أيام لها مزايا، وشهور لها فضائل، تختلف عن الأشهر الأخرى، فشهر رمضان له فضل، فمن أدى فيه نافلة كان كمن أدى في غيره فريضة، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهذا فضل عظيم، ولا نستطيع أن نقول: إن هذا في شوال، أو صفر، أو ربيع، ثم في نفس رمضان هناك أيام تفضل، فالأيام العشر الأخيرة أفضل من بقية أيام رمضان، وليلة القدر أفضل الليالي كلها.

    إذاً: هذه كلها لا نعرفها بالاجتهاد، ولا نعرفها بالعقل، إن فعلنا هذا سلكنا جانب البدع، وحينئذٍ البدع هي بمستحسنات عقولنا، أي: بأهوائنا، وهذا اتباع للهوى ولا محالة.

    ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم أخبرنا، أن ليومي الإثنين والخميس مزيد فضل بالصيام خاصة، وليس فيه مزيد فضل الصدقة.

    ويوم الجمعة له مزيد فضل -لكن لا يصام- وفضله في ساعة الإجابة التي فيه، وفي كثرة الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى حسب ما ورد في النصوص، إذاً: لا نجتهد فنقول: يوم الجمعة فاضل فنحن نتصدق فيه ونصوم، لا. فالفضل إنما يتأتى بمقتضى النص.

    فيوم الإثنين فضله في الصيام، ولهذا لا يمكن أن يحتج علينا أحد ويقول: يوم الإثنين هو يوم ولد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، إذاً: فكل أيام المولد له صلى الله عليه وسلم نحتج بها، نقول: لا. الفضل في يوم الإثنين هو للصيام، ولا نضع ولائم، ولا احتفالات، ولا زيادة صدقات.

    إنما نقتصر في التعبد على النص، وليس لنا أن نختار.

    ومثل هذا حفل يوم الخميس ويوم الجمعة، وصيام ست من شوال هذا خاص، ولا نصو

    1.   

    الاستجابة لله ولرسوله

    قال تعالى: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ [القصص:50] إذاً الأمر مقسوم إلى طريقين: إما الاستجابة لله ولرسوله، وإما اتباع الهوى لا محالة: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ [القصص:50].

    وقال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31] وكما ورد في الحديث: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به ) والحديث فيه مقال.

    علاقة المحبة بالاتباع

    ولا مانع أن نقف قليلاً عند موضوع المحبة لأنها تقيد موضوع الهوى، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول كما في حديث أنس في البخاري : {ثلاثٌ من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار }.

    إذاً: قضية المحبة لا شك أن للنفس فيها مدخل، والله عز وجل وضع في فطر الناس أن يحبوا أشياء، والله سبحانه وتعالى حينما استخلفهم في هذه الدنيا وسخر لهم ما سخر، واستعمرهم فيها -أي: طلب منهم عمارتها- هيأ لهم الوسائل والأسباب، وغرس في فطرهم محبة الدنيا والأموال والأولاد والأزواج والبيوت والبلاد والمساكن، فالإنسان يحب وطنه ومسكنه، ويحب أشياء كثيرة.

    إذاً: هذه الأمور فطرية، ونحن نعلم أن الإسلام لا يعارض الفطرة، وأن الأشياء الغريزية مقرة في الدين، ولهذا حينما حرم الزنا أباح النكاح، ولم يلم على محبة المال والأهل، إنما يتبين الهوى -كما سنذكر في صور اتباع الهوى- حينما يكون ثَم ابتلاء، ولهذا في قوله صلى الله عليه وسلم: { أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما } هذا معناه: أنه يحب، فالإنسان في فطرته أنه يحب ولده ومن أحسن إليه، ويحب صديقه وجاره، ويحب ابن بلده أكثر من الغريب، فهذه قضايا معروفة.

    ويبين هذا ويقرره آية أخرى، وهي قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْأِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ [التوبة:23-24].

    إذاً: أغلب هذه الأشياء المذكورة هي المحاب، وهي التي يحبها الإنسان، ويميل إليها بطبعه، ويفضلها على كثير مما يراه: قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ [التوبة:24] فالإنسان يحب أهله وقبيلته وأبناء بلده، وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا [التوبة:24] وكذلك يحب المال، وكل تلك المحبة إنما هي لعمارة الأرض؛ لأنه مكلف بعمارتها على ما أمر الله عز وجل به، لكن حينما يتعارض عنده أمران: شهوة نفسه وزوجه وماله، مع أمر النبي صلى الله عليه وسلم أو أمر الله عز وجل، فإن قدم شهواته ومحابَّه على مراضي الله وأوامره؛ حينئذٍ يكون قد اتبع الهوى، وهذا هو الابتلاء، أما حينما لا يكون هناك تعارض لا يكون هناك ابتلاء كما سنرى في صور اتباع الهوى، ولهذا قال الله عز وجل: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ [الحج:11].

    والهوى أخشى ما يكون في حال الابتلاء والافتتان، ولهذا بعض الناس قبل أن تهيأ له سبل المعاصي واتباع الهوى يؤدي الصلوات الخمس ويستمر في الطاعة، لكن حينما تلوح لائحة هوى، كأن ينفتح له باب تجارة أو باب شهوة من زنا ونحوه؛ فإنه يسقط على وجهه، وبعض الناس قد يحافظ على الصلاة ولكنه يغش في تجارته، أو يرابي أو يرتشي، وهنا الخطورة..! يصلي ويتعبد وهو منحرف في اتجاه آخر، هنا يكون محك اتباع الهوى: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ [الجاثية:23].

    إذاً: بهذا التقرير يتبين معنى قوله سبحانه وتعالى: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [القصص:50].

    كلام ابن القيم في الاستجابة لله ولرسوله

    ولـابن القيم رحمه الله كلامٌ جميلٌ في الاستجابه لله ولرسوله قال: افترض الله سبحانه وتعالى على عباده طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وتعزيره وتوقيره ومحبته، والقيام بحقوقه، وسد دون جنته الطرق، فلن تفتح لأحد إلا من طريقه عليه الصلاة والسلام، فشرح له صدره، ورفع له ذكره، ووضع عنه وزره، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره، ففي المسند من حديث أبي منيب الجرشي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقومٍ فهو منهم }.

    وجانب التشبه اتباع للهوى، وكما أن الذلة مضروبة على من خالف أمره؛ فالعزة لأهل طاعته ومتابعته، قال سبحانه وتعالى: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:139].

    وقال تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ [المنافقون:8] وقال تعالى: فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ [محمد:35] ويقول سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال:64].

    قال: وبحسب متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم تكون العزة والكفاية والنصرة، كما أنه بحسب متابعته تكون الهداية والفلاح والنجاح، فالله سبحانه علق سعادة الدارين بمتابعته، وجعل شقاوة الدنيا والآخرة في مخالفته، فلأتباعه الهدى والأمن، والفلاح والعزة والكفاية والنصرة والولاية والتأييد وطيب العيش في الدنيا والآخرة، ولمخالفيه الذلة، والصغار والخوف والضلال والخذلان والشقاء في الدنيا والآخرة.

    وقد أقسم صلى الله عليه وسلم بأنه لا يؤمن أحدكم حتى يكون أحب إليه -يعني: النبي صلى الله عليه وسلم- من ولده ووالده والناس أجمعين، رواه أحمد والبخاري والنسائي .

    وأقسم الله سبحانه وتعالى بأنه لا يؤمن من لا يحكِّمه في كل ما تنازع فيه، ثم يرضى بحكمه، ولا يجد في نفسه حرجاً مما حكم به، ثم يسلِّم له تسليماً، وينقاد له انقياداً، فقال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36] فقطع سبحانه وتعالى التخيير بعد أمره وأمر رسوله، فليس لمؤمن أن يختار شيئاً بعد أمره وأمر رسوله، بل إذا أمر فأمره حتمٌ، وإنما في قول غيره إذا خفي أمره.

    يعني: إذا لم تكن هناك دلالة واضحة من نص حديث النبي صلى الله عليه وسلم أو حتى في القرآن وإنما تبين في قول غيره كقول العلماء به وبسنته، فبهذه الشروط يكون قول غيره سائغ الاتباع، لكنه ليس واجباً، فلا يجب اتباع قول أحدٍ سواه، بل غايته أن يسوغ له اتباعه، ولو ترك الأخذ بقول غيره لم يكن عاصياً لله ورسوله، وهذه قضية مهمة في التقليد، وفي اتباع الهوى، وفي اتباع العلماء وتقديرهم واحترامهم، وهناك فرق بين احترامهم وبين النظر أنهم لا يخطئون، أو التعصب لهم، أو نحو ذلك.

    "ولو ترك الأخذ بقول غيره لم يكن عاصياً لله ولا لرسوله، فأين هذا ممن يجب -وهو النبي صلى الله عليه وسلم- على جميع المكلفين اتباعه، ويحرم عليهم مخالفته؟

    فلا يمكن أن يُنْصَبَ قول أحد من أهل العلم مقابلاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم، ويجب عليهم ترك قولهم لقوله صلى الله عليه وسلم، فلا حكم لأحدٍ معه، ولا قول لأحدٍ معه، كما لا تشريع لأحدٍ معه، وكل من سواه فإنما يجب اتباعه على قوله إذا أمر بما أمر به، ونهى عما نهى عنه، فكان مبلغاً محَضاً ومخبراً، لا منشئاً ومؤسساً.

    فمن أنشأ أقوالاً، وأسس قواعد بحسب فهمه وتأويله، لم يجب على الأمة اتباعها، ولا التحاكم إليها حتى تعرض على ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن طابقته ووافقته، وشهد لها بالصحة قبلت حينئذٍ، وإن خالفته وجب ردها واطراحها، فإن لم يتبين فيها أحد الأمرين جعلت موقوفةً، وكان أحسن أحوالها أن يجوز الحكم والإفتاء بها وتركه، وأما أنه يجب ويتعين، فكلا".

    إذاً: هذا فيما يتعلق بالاستجابة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يسع أحداً ألبتة أن يسمع كلام أحدٍ غير كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبخاصة إذا كان معارضاً ومشتبهاً، وهذا يظهر كما قلنا في قضية التقليد، وفيما يدور أحياناً في الساحة بين أهل العلم، والمشتغلين بالدعوة في بعض أنواع التوجهات، أو التعصب نحو عالم من العلماء وبخاصة بعض العلماء المعاصرين، فهؤلاء ينبغي أن يعرف فضلهم وعلمهم وباعهم في الدعوة، ولكن الحق أحب إلينا منهم.

    وهذا هو الذي يجب أن يتقرر وإلا فكثيرٌ من الذين يقل فقههم أو من الذين لهم أغراض يظن أو يتظاهر بأنه ينتصر للحق، بينما هو ينتصر لنفسه أو لشيخه، وقد قرر ذلك ابن رجب رحمه الله تقريراً بديعاً في جامع العلوم والحكم .

    يقول: "المجتهد قد أدى ما عليه واجتهد، وتوصل إلى ما توصل إليه، لكن المقلد -وخاصة يقصد طلبة العلم المقلدة- تجده ينتصر لقول هذا الإمام سواء كان حنبلياً، أو شافعياً، أو حنفياً، أو حتى معاصراً وهو في قرارة نفسه لم يتمثل أنه الحق، وإنما يريد أن ينصر إمامه".

    فالأئمة المجتهدون أو غيرهم براء مما يفعله هذا المقلد لهم، فكثير منهم يقول: إما أنه ينتصر لنفسه، أو ينتصر لشيخه، ويلبس ذلك بأنه ينتصر للحق، فهنا مداخل دقيقة جداً ينبغي أن يتحراها أهل العلم، ويتحراها أهل الدعوة، نسأل الله السلامة.

    إذاً: بعد أن تبين وتقرر المقصود بأن حق الاختيار هو لله وحده، كما أن له حق الخلق في قوله تعالى: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص:68] ثم تبين لنا كذلك الاستجابة لله ولرسوله، وأن من لم يستجب، فإنه متبعٌ هواه شاء أم أبى، ولو لبس ذلك بلباس الحق، وهذه قضايا كثيراً ما يكون مدخلها قلبي، على معنى لا تستطيع أن تستكشفه.

    فحينما يكون هناك ردود بين العلماء -وبخاصة المعاصرين- فالذي يخشاه المطلع أو القارئ أنه يتلمس من ثنايا هذه الردود أن هناك هوى في النفس وتشهياً، وهو لا يريد الحق لمحض الحق، وإنما يريد الانتصار والعلو، ويريد دحر كلام صاحبه، وأحياناً قد يكون من المعالم على هذا والدلائل عليه: اللجوء إلى التجريح الشخصي، فتجده ينال من عرضه، بينما القضية لا تحتمل، ولا يحتاج إلى أنك تتكلم فيه، أو في شخصه، أو في حاله، وإنما يكون الكلام في الباطل الذي أتى به إن أتى باطلاً، أو شبهةً إن كان اشتبه عليه أمر، أو لَبْس إن حصل عليه لَبْس.

    أما أن يميل المرء أو يجنح في عباراته إلى النيل الشديد من غير داع، أو استطال في أعراض المسلمين، فهذا لا شك أنه قد يباح عرضه كما ذكر بعض العلماء: أ

    1.   

    كيفية تبين اتباع الهوى

    متى يفحص الإنسان نفسه، ويعلم هل هو متبع لهواه أو لا؟

    وهذا قد أشرت إليه قبل قليل في الابتلاء، حينما يبتلى الإنسان إما بالخير، أو بالشر، قد يبتلى بثراء، أو بمال، أو يبتلى بجاه، أو بصحة، أو يبتلى بزوجة يحبها وأولاد، فيتعلق بهذه الأمور، فتكون صوارف عن اتباع الحق، أما في حال الاعتدال فليس هناك ابتلاء.

    تقرير ابن تيمية لحديث الأقرع والأبرص والأعمى

    قرر شيخ الإسلام ابن تيمية مسألة الابتلاء تقريراً عجيباً في قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ [الحج:11].

    فالابتلاء هو قصة الأعمى والأبرص والأقرع من بني إسرائيل الذين أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة المعروف بحديث الابتلاء، فكانوا في حالٍ يبدو عليهم الهدوء والصلاح، فلما ابتلاهم الله عز وجل بالمال انتكسوا، ولهذا قيل: (إن من العصمة ألا تقدر)، فبعض الناس أحياناً قد يبتلى بأسفار، فيفسد ويمرج، بينما كان هادئاً لا يتطلع، وليس هناك مغريات ومعاصي، وقد تجده ينبذ أهل المعاصي، لكن حينما يقدر يغلبه هواه، فهذا اتباع الهوى، ومثله أيضاً عندما يكون فقيراً بلا مال، فإذا جاءه مال كان كما قال تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [التوبة:75-76].

    فإذاً يتبين امتحان الهوى عند الابتلاء فيقول ابن الجوزي رحمه الله: تأملت أمراً عجيباً، وأصلاً ظريفاً، وهو انهيال الابتلاء على المؤمن -والمؤمن مبتلى- وعرض صور اللذات عليه مع قدرته على نيلها، وخصوصاً ما كان في غير كلفة من تحصيل كمحبوب موافق في خلوة حصينة ... إلى آخره، ثم ساق قصة يوسف عليه السلام، فقال: والله ما صعد يوسف عليه السلام، ولا ساد إلا في مثل ذلك المقام -يعني: مقام الابتلاء- ابتلي وكان الجو مهيأً للمعصية، فحماه الله عز وجل.

    فيقول ابن الجوزي : فبالله عليكم تأملوا حاله لو كان وافق هواه من كان سيكون.

    ثم أيضاً أطال في هذا، وبين عاقبة الصبر، وقارن ذلك بين ذل إخوانه... يقول: ومن تأمل ذلة إخوة يوسف عليه السلام يوم قالوا: وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا [يوسف:88] عرف شؤم الزلل ... إلى آخره.

    فالهوى اختباره ومحكه هو عند الابتلاء بالخير، أو بالشر.

    صور من اتباع الهوى

    منها: أن بعض الناس يتعاطى العبادات وكأنها عادات، فتجده في بلده يصلي، لكن إذا سافر تقاعس كثيراً -نسأل الله السلامة- وأخرجها عن وقتها، أو تركها بالكلية ونحو ذلك وهذا انتكاس، يقول تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ [الحج:11] ولم يقل خيراً أو شراً، لأنها قد تكون في ظاهرها خيراً أو سروراً انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ [الحج:11] فهذه صورة.

    ولهذا قال ابن الجوزي : ترى كثيراً من الناس يتحرزون من رشاش النجاسة، ولا يتحاشون من غيبة.

    وهذه قضية مهمة في التفاوت بين العبادات، تجده فعلاً يتهجد في الليل أو يصلي؛ لكن يقع في أعراض الناس وأشياء كثيرة؛ لأنه اتخذها عادة، ولم يأت على القضايا الإسلامية والعبادة على أنها عبادة وتقرب إلى الله عز وجل، بينما ما يأتيه من أمور يتساهلها قد تكون محبطة لعمله.

    قال: أو يتهجدون بالليل ويؤخرون الفريضة عن الوقت؛ في أشياء يطول عددها من حفظ فروع وتضييع أصول.

    يقول: بحثت عن ذلك، فوجدته في شيئين:

    أحدهما: العادة.

    والثاني: غلبة الهوى في تحصيل المطلوب، فإنه قد يغلب فلا يترك سمعاً ولا بصراً.

    ومن الناس: من يطيع في صغار الأمور دون كبارها، وفيما كلفته عليه خفية، وفيما لا ينقصه شيئاً من عادته في مطعم وملبس، ونرى أقواماً يوسوسون في الطهارة، ويستعملون ماءً كثيراً، ولا يتحاشون من الغيبة.

    قال: هناك أقوام يستعملون التأويلات الفاسدة في تحصيل أغراضهم مع علمهم أنها لا تجوز، وهذا أحياناً كما قلنا في الردود: يأخذ تأويلات ويتعسف فيها وهو يعلم في قرارة نفسه غير ذلك؛ لكن من أجل أن ينتصر لرأيه أو أن ينتصر لشيخه ... إلى آخره.

    قال: ونرى أقواماً يتركون الذنوب لبعدهم عنها، فقد ألفوا الترك، وإذا قربوا منها لم يتمالكوا أنفسهم.

    كما قلنا: بعض الناس قد يترك المعصية لأن الجو لا يساعد عليها، لكن إذا رأى جواً يساعد على المعصية وقع فيها.

    هذه قضايا خطيرة وأرجو ألا أطيل، هذا وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه، وأختمها بعبارة: (إن متبع الهوى يرى ذليلاً، ضعيف الإرادة، عبداً لهواه ومشتهياته، فحقيقته مقهورٌ مستكين، بخلاف غالب الهوى، فإننا نراه ذا عزيمة وهمة تعلوه العزة والمهابة، وقارن ذلك بين وصف الله للمؤمنين والمنافقين: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ [المنافقون:8]).

    وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله وسلم على خير خلقه نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    1.   

    الأسئلة

    .

    الحكم على شخص بأنه متبع لهواه

    السؤال: متى يحكم على الشخص بأنه قد اتخذ إلهه هواه؟ أو ما التعريف الشامل للهوى؟

    الجواب: لعله فُهم من عموم ما سبق أن الهوى يطلق بإطلاقات، الحكم بغير الحق هو حكم بالهوى، والشهادة بغير الحق مهما كانت هي شهادة بالهوى حتى لو كانت لصالح فلان أو فلان، وعموم اتباع الهوى هو مخالفة ما جاء عن الله وعن رسوله، فمن خالفها فهو متبع لهواه، لكن فيما يتعلق باجتهاد المجتهدين فيما للاجتهاد فيه مسار، فهذا ليس اتباعاً للهوى، لأن هناك أموراً تركها الشارع لاجتهاد المجتهدين، وجعلها مجالاً للاجتهاد، فما كان من هذا النوع، أو من هذا الباب، فإن الاجتهاد فيه من أهله لا يعتبر اتباعاً للهوى.

    أما ما عدا ذلك وكان مخالفةً بينةً، أو أن إنساناً سلك مسلكاً خطأً من غير تحر، فهذا اتباعٌ للهوى، وهو يختلف، فمنه ما هو في حدود المعاصي، وقد يكون صغيرة وقد يكون كبيرة، ومنها ما هو مخرجٌ من الملة.

    أما من اتخذ إلهه هواه فهذا هو الذي لم ينقد لكتاب الله ولا لسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وإنما اتبع رغباته، وانقاد إلى مشتهيات نفسه، فالحلال عنده ما حل في اليد، والحرام عنده ما حرم منه.

    فهذا هو من اتخذ إلهه هواه، سواء في أموره الخاصة أو البيتية أو السوقية أو العامة ... إلى آخره.

    التعامل مع من لا يقبل النصح

    السؤال: بعض الناس إذا بينت له الحق في أمر ما، رد عليك بأن ذلك من خصوصياته، أو قال لك: ذنبي على جنبي، هل يعتبر ذلك من اتباع الهوى، وهل يكون كمن عبد مع الله غيره، أفيدونا مأجورين؟

    الجواب: أما أنه يقول: ذنبي على جنبي، أو نحو ذلك، هذا لا شك أنه خطأ، لأن من المعلوم في هذا الدين أن التناصح بين المسلمين حق من حقوقهم، وأن حق المسلم أن ينصح لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، ثم أيضاً الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل أحد بقدر استطاعته؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه }.

    فإذا رأيت أخاك على منكرٍ، فحقٌ عليك أن تنهاه بالطريقة التي ترى أنها مجدية، فإن كنت قادراً على التغيير باليد كما لو كان المنكر في بيتك، أو مع من لك عليه يد مثل أبنائك أو الذين تحت سلطتك وسلطانك، كما لو كنت رئيس مصلحة، أو وجيهاً في قوم تستطيع ما لا يستطيعه من دونك، فإذاً الأمر في حقك أعظم.. وهكذا، فهذه الكلمة لا شك أنها غير مقبولة، ولا يمكن أنها تكون مسوغاً لمن رأى منكراً أن يمتنع عن إنكاره وهو قادر على إنكاره.

    أما أنه يكون عابداً مع الله غيره، فهذا كما قلنا يختلف على حسب مواقع المخالفة قد تكون صغيرة، وهذا لا يكون مشركاً، وقد تكون كبيرةً، فالذنب فيها أعظم، وقد تصل إلى حد الشرك كما قال الله عز وجل في أهل الكتاب: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة:31] لأنهم أطاعوهم في تحريم ما أحل الله، وتحليل ما حرم الله، وكذلك قال الله عز وجل في حق المشركين في سورة الأنعام: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ [الأنعام:121].

    إذاً: هذا النوع من الطاعة يكون شركاً وكما يسميه العلماء شرك الطاعة.

    معنى مقولة: إكرام النفس هواها

    السؤال: أرجو إيضاح بدعة من يقول: "إكرام النفس هواها"، كما هو دارجٌ على ألسنة الناس، وما هو البديل لذلك أثابكم الله؟

    الجواب: الأرجح أن هذه ليست بدعة، ويبدو أن التعبير بها له مساغ، وله وجه فمعنى: إكرام النفس هواها، ليس المقصود طبعاً إكرام النفس هواها في مخالفة الشريعة، وإنما في الأمور المعتادة من الناس، على معنى مثلاً: رغبت منه أن يدخل بيتك، وكان ظرفه لا يسمح، وألححت قليلاً، ثم رأيت عنده تمنع، فقلت: إكرام النفس هواها، هذا معناه أني لا أريد أن أشق عليك، كأنه يقول: أنا قدرت ظرفك، وأنا أردت إكرامك، وحيث إنني لم أكرمك في استضافتك في بيتي، فأنا أكرمك بأن لا يكون في نفسي حرج، وأن أتركك على هواك، هذا هو المقصود، وليس المقصود مخالفة الشريعة، لا. هذه عادةً يتحدث بها الناس فيما أعلم في الأمور المعتادة في العادات، ليس في حدود الشريعة، تقول له: صلِّ، يقول: لا. تقول: إكرام النفس هواها! هذا لا يقال، إنما الكلام غالباً في المعتاد كما قلنا في الاستضافة، في نحو طلب أشياء لم يتمكن من تحقيقها، سواء من ممتلكاته أو غيرها، فألححت عليه، فوجدت عنده تمنعاً، فقلت: إذاً إكرام النفس هواها، فهذا لا شيء فيها، أما أنها في أوامر الشريعة أو نواهيها، ثم تقول: إكرام النفس هواها، هذا لا يجوز، وليس هذا هو المقصود فيما أعلم من معتاد العبارة بين الناس.

    معنى آية: (وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ )

    السؤال: ما معنى القاسطون في قوله تعالى: وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً [الجن:15]؟

    الجواب: القاسطون غير المقسطين، المقسطون هم العادلون، أما القاسطون فهم الظالمون.

    حكم متابعة الرياضة بكثرة والحب والبغض فيها

    السؤال: هل عليّ حرجٌ في متابعة الرياضة، لا سيما أنها تشغل وقتي كله لأشاهدها، وإن قرأت أقرأ لها، وإن سمعت أسمع لها، وأحب من أجلها، وأبغض من أجلها، هل في هذا متابعة للهوى؟

    الجواب: إذا كان على هذا النحو الذي صورت فنعم، هذا متابعة للهوى تشغل كل وقتك، وتحب فيها، وتعادي فيها -نسأل الله السلامة- وأخشى أن يرقى بك هذا إلى أن تخرج من الملة، إذا كنت تحب فيها وتبغض وتشغل كل وقتك، ولا شك أننا نحب الأشياء المباحة، فالإنسان يحب أهله وأولاده وكتبه وممتلكاته، وهواياته وبعض الناس يحب السباحة أو الصيد.

    ولا شك في أن المسلمين من العصور القديمة والحديثة يهوون الصيد ويذهبون إليه، ويحبون التنزه والتمشية والسباحة والرماية والجري وأنواع من الرياضات المشروعة، فهوايتها ومشاهدتها كذلك من الأمر المباح بالضوابط الشرعية ولا مانع، لكن لا يجوز أن يشغل عن واجب، أو أن يؤدي إلى الوقوع في محرم، أو حتى المكروه، فإذا كان كذلك، فحينئذٍ يصل إلى دائرة المحرم، وقد يترقى إلى دائرة اتباع الهوى المذموم ذماً كلياً، فإذا كان على هذا النحو الذي وصفت أنها تشغل الوقت كله، وتحب وتوالي فيها، إنما المحبة العادية، فمثلاً حينما تتنافس مع إنسان في محبة صيدٍ أو سباحةٍ، أو حتى محبة من الألعاب المباحة والهوايات المباحة، فيقع بينكم تنافس، هذا تنافس مقبول، وعادة يكون في الفطرة البشرية من أجل الاستزادة إلى حد مقبول، لكن إذا تجاوز إلى أن يشغل عن واجب، أو يوقع في محرم أو قطيعة رحم أو نحو ذلك، فهذا لا يجوز، لأنه حسب ما يؤدي إليه.

    نصيحة لبائعي المجلات

    السؤال: نرجو منكم نصيحة لبعض أصحاب المحلات التي تقوم ببيع المجلات التي بغلافها وبداخلها صور للنساء، ودعاية للدخان التي تهدف إلى نشر الفساد بين الشباب والشابات، وهدم الأخلاق والانحلال، ونشر الفواحش، وإفساد شباب وشابات هذه الديار الطاهرة حماها الله، وكذلك فيها استلاب لأموال المسلمين، وتدمير أخلاقهم، وأن أهل هذه المحلات مسئولون أمام الله عز وجل؛ لأنهم يعينون على نشر الفساد في الأرض؟

    الجواب: جزاك الله خيراً وأفادك، لا كلام بعد كلامك هذا، هو كلامٌ جامعٌ مانعٌ، ولا شك أن التناصح والتذكير مطلوب، وكثير من أصحاب المحلات قد يسمعون مثل هذا، ولكن ليعلموا أنهم إذا لم يجدوا في أنفسهم استجابة لمثل هذا الكلام الطيب، والذي يذكر بالله عز وجل، ويخوف من عذابه، ويخوف كذلك أولاً من وقوع البلاء بالمسلمين عموماً إذا فشت المعاصي، ولم يحدث تذكير ولا تناصح، لأن الله عز وجل ذكر أنه لم ينجح إلا الذين كانوا ينهون عن السوء: فـأَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ [الأعراف:165] فلا شك أن حقنا وحق الأخ السائل أن نناصح وأن نبين، وأن صاحب المحل إذا لم يستجب، فعليه أن يفتش في نفسه.

    فيخشى عقوبة الله عز وجل عليه في نفسه، وأن تنزع بركات ماله، وأن يرى سوءاً في أهله، لأني أخشى أن يكون علم، أو لم يعلم أنه ممن يحب أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، لأنه إذا كانت المجلات على النحو التي وصفها صفه الأخ الفاضل تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، فإن الله عز وجل توعد الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذابٌ أليمٌ في الدنيا والآخرة، فقدر هذا العذاب الأليم في الدنيا في نفسه؛ إما بسلب أرزاقه، وإما في نزع بركاته، وإما أن يرى الخبث والفحشاء في أهله، هذه القضايا كلها على المسلم أن يتبصر فيها، وأن يفتح قلبه للناصحين، وقد قال الله عز وجل في نبي من الأنبياء حينما قال: وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ [الأعراف:79] فاخش على نفسك إذا كنت لا تحب أن تكون من الناصحين، أو تستثقل الواعظين.

    كتافات الأسفنج في لباس المرأة

    السؤال: إن بعض النساء تقوم بوضع كتافات السفنج على الكتف في بعض الملابس، فهل هذا الأمر جائز شرعاً؟ وهل يعتبر هذا داخلٌ في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: {لعن الله الواصلة والمستوصلة } نرجو شرح الحديث أثابكم الله؟

    الجواب: لا يبدو أن هذه داخلة في الواصلة والمستوصلة، لأن هذه متعلقة بوصل الشعر بآخر، وهذا ما يظهر لي والله أعلم، أما فيما يتعلق بوضع الكتافات كما قالت، إن كان ليس فيها تلبيس أو تدليس، فأرجو أن لا بأس به، لأن المرأة قد تلبس أشياء فيها شِعار، أو قصد به التشبه بأعداء الله عز وجل، فهذا ينهى عنه، وإلا الأصل في مثل هذا إن لم يكن فيه تزوير ولا تدليس ولا غش، ولا فيه دعوة إلى فسوق، أو يكون شعاراً للفساق أو للفاسقات، فالأصل أنه لا مانع منه، على أن المرأة ينبغي أن تلبس الحشمة، بل يجب عليها أن تلبس لباس الحشمة، وأن تبتعد عن كل ما يجلب ريبة، أو يورث شيئاً مما يقع في النفس منه شيء من شبهةٍ أو حرام.

    حكم استخدام سحر المحبة

    السؤال: بعض النساء يأخذها اتباع الهوى والغيرة، فتعمل هذا العمل: وهو أنها تضع لزوجها شيئاً كي يحبها، ويلزم من ذلك أن يكره بقية أزواجه، ما هذا العمل التي تعمله، هل هو حلال أو حرام؟ وأرجو أن تنصح النساء، فإنه منتشر.

    الجواب: إذا كان مثل هذا فهذا لا يجوز بأي حال، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: {لا تسأل إحداكن طلاق ضرتها لتكفأ ما في إنائها } فإنه لا يجوز بأي حال، وحينما حاول نساء النبي صلى الله عليه وسلم أن يمنعنه من شرب العسل في بيت مارية في القصة المعروفة، قال الله عز وجل: عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ [التحريم:5] فلا يجوز للنساء أن يسلكن مثل هذا المسلك، وإنما تكون المرأة عادلة، إن لم تكن محسنة، لأن هناك درجتين:

    درجة العدل.

    درجة الإحسان.

    العدل هو: أخذ الحق، وإعطاء الحق، أما الإحسان، فهو التفضل وإعطاء أكثر من الحق، لكن لا يجوز أن ينقص الأمر عن العدل، فيجب عليها أن تعدل، والله عز وجل يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة:8].

    فالتي تريد أن تنحرف عن جانب العدل والاستقامة هو انحرافٌ عن التقوى وبعدٌ عنها.

    ومعلوم أن هذا لا يجوز، ويحرم تعاطي مثل هذا؛ فإن كانت تقوم بالسحر من نفسها؛ فبعض العلماء يرى أن الساحر كافر، وأنه يكفر الساحر المتعلم السحر، أما إن كانت تذهب إلى سحرة وكهان- نسأل الله السلامة- فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {من أتى كاهناً فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد } ويقول: {لم تقبل له صلاة أربعين يوماً } فإذا كان من هذا النحو، ومن هذا الباب، فنعوذ بالله، ونعيذكم بالله أن يكون في هذه البلاد الطاهرة والمعروفة بالتوحيد وبالدين والاستقامة، وهي نموذج يضرب مثلا للاستقامة والبعد عن مثل هذه الشعوذات والكهانة، فنعيذكم بالله من ذلك.

    نصيحة للذين يتغيبون عن المحاضرات

    السؤال: تقام محاضرات بين الحين والآخر في النادي، ولكن نلاحظ إحجام البعض، وخاصةً كبار السن عن الحضور، مما يوقع المسئولين في حرج، نرجو توجيه كلمةٍ بهذه المناسبة، وإبداء الصورة الحقيقية للنادي؟

    الجواب: على كل حال جلب المستمعين يكون بعدة أمور:

    منها الحرص على ألا يكون إلا مع من يرضاه الناس، والحمد لله الناس في هذه البلاد -أقصد بلادنا كلها- هم على خير، ولا يحبون إلا الخير، ويكرهون السوء، والدعوة إلى السوء.

    وحقٌ على النادي أن يجتهد في أن يكون ما يدعو إليه يحقق رغبات هؤلاء المشايخ والآباء، ثم أيضاً قد تكون هناك ظروف وأشياء تحول دون هذا، وخاصة قد يكون بعد المكان، أو موعد المحاضرة أو الندوة غير مناسب، ونحو ذلك، لكن على كل حال لا شك أن الأصل هو أن المسلمين يتكاتفون في هذا، ويعلموا أنهم إن لم يشغل مثل هذا أهل الحق، فإنه سوف يشغله أهل الباطل، وكما قيل: إن العقل -ومثله النادي- كالإناء إن لم تشغله بالماء شغله الهواء، فلا بد من شغله، ولهذا أنصح كل من عنده وقت، وكل من عنده حسن توجيه ونفع ويريد الاستفادة أن يقصد مثل هذه التجمعات ليكثر سواد أهل الحق، ويكثر سواد أهل الخير، ويغيض إن كان فيهم أهل باطل، وبهذه النظرة، وهذه النفس إن شاء الله مع لباقة وانفتاح في النفس وانشراح، ولا يأتي إنسان منغلق ناقم؛ فهذا أيضاً لا يفيد ولا يجدي، ولا يحقق الغرض المطلوب.

    وجوب التوبة

    السؤال: أنا شاب منَّ الله عليَّ بالهداية، وقد كنت قبل هذا ألعب الورقة، وكنت أطلق كثيراً بسبب هذه اللعبة، وقد تبت الآن منها، فهل عليَّ كفارة، أم تجزئ التوبة؟

    الجواب: التوبة من المعاصي واجبة كما يقول العلماء؛ وعلى المسلم حال ما يفعل معصية أن يتوب، وأن يبادر وألا يسوف، فالله سبحانه وتعالى يتوب على الذين يتوبون من قريب: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ [النساء:17] فليبادر بالتوبة من أي معصية، ولعل الله سبحانه وتعالى وفقك للتوبة النصوح، وهأنت تشكر الله عز وجل على ما منَّ به عليك من حسن استقامة، أما ما يتعلق بالطلاق، فهذا يحتاج إلى أن أسمع الصيغة، أو الصيغ التي كنت تتلفظ بها، لأنه بموجبها أو بحسب اللفظ يكون الحكم.

    الاحتجاج على المعاصي بالقدر

    السؤال: كثيرٌ من الناس إذا دعوا إلى الله وإلى خشيته، يقولون: إن الله قدر المقادير، ويحتجون بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: { إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخلها... الحديث } فماذا يكون الرد على مثل هؤلاء جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: الأمر الأول: لا أدري هل أنت تعد نفسك من أصحاب النار، أو من أصحاب الجنة، لأنك تقول: فيسبق عليه الكتاب، ما أدري أعددت نفسك من أيهما، معلوم أنك لا تدري ولا تعلم.

    ثم أيضاً الاحتجاج بالقدر لا شك أنه إما احتجاج عاجز وإما متبع للهوى، لأن الله عز وجل حينما كلف المكلف إنما كلفه بأشياء في حدود استطاعته البدنية، والفكرية وتحت قدرته، فالأمور التي لا تقدر عليها، وليس لك فيها اختيار، ليست محل تكليف، وهذا أمر معلوم، فحينما تسقط من السطح أو حينما يصيبك مرض، فالله عز وجل لا يسألك عن المرض، ولا يسألك عن السقوط، وإنما يسألك عما هو في حدود قدرتك، وهو الصبر مثلاً؛ لكن لا تقول لماذا مرضت؟ ولماذا جرحت؟ وإنما هل صبرت أم لا؟ فالله يبتلي بالخير ويبتلي بالشر، فبالشر يكون الصبر، وعلى الخير يكون الشكر، ونحو ذلك هذه واحدة.

    والأمر الثاني: أن القدْر نوعٌ من القدَر ليس مجبراً، وهو بمعنى علم الله عز وجل بما هو كائن، والمقصود هنا -والله أعلم- هو علم الله بما هو كائن، ولا يترتب عليه إجبار، تعالى الله عن التشبيه والتمثيل، لو أن عندك ولدين، فتقول لأحدهما: أنت سوف تنجح هذا العام، وتقول للآخر: أنت لن تنجح، وأنت قصدت بهذا الذي ينجح، لأنك رأيته مجتهداً، ورأيته مقبلاً على دروسه، ورأيته مذاكراً ومهتماً بأعماله المدرسية يومياً، ونحو ذلك مما يكون مؤدياً إلى النجاح، ورأيت في الآخر إهمالاً وكسلاً، فقلت للمجد: أنت ناجح، وقلت للكسول: أنت غير ناجح، ثم جاء الامتحان، ونجح فعلاً من قلت إنه سوف ينجح، ورسب من قلت إنه لن ينجح، هل ممكن أن الذي رسب سوف يحتج عليك، ويقول: يا أبي! أنت قلت كذا وكذا؟ وهل كان علمك مجبراً؟ فإذا كان بحق البشر وهم يعلمون بمجرد بعض الظواهر، فكيف بالله تعالى المحيط بكل شيء علماً، فهذا نوع من القدر هو بمعنى علم الله تعالى، وهذا هو المقصود والله أعلم.

    الحث على دعم المجاهدين

    السؤال: يعيش إخواننا المجاهدون الأفغان أياماً عصيبة بمناسبة حلول موسم الشتاء والثلوج عليهم، وحاجتهم تضاعفت، وقلّ الدعم من إخوانهم المسلمين، لأنهم تصوروا أنهم قد انسحبوا، ولكنهم في الواقع لا زالوا يدعمون عملاءهم من الشيوعيين، أرجو حث الموجودين بالتبرع لإخوانهم، وحث النساء على ذلك أيضاً، لأنه سيقف على الأبواب بعض الإخوة لجمع التبرعات، وسيقف على باب النساء امرأة لجمع التبرعات من النساء أيضاً؟

    الجواب: لا شك أن هذا الأمر من الأمور التي يُنبه عليها، وإخوانكم المجاهدون في أفغانستان هم على ثغر من ثغور الإسلام، وسنوات عديدة وهم يقفون هذا الموقف، وإخوانهم أمدوهم بما يسر الله عز وجل، وقد كان لمددهم بعد توفيق الله عز وجل الأثر الكبير، وتحقق شيء كثير، وعجزت دولة تعتبر من أعظم دول العالم، بل إحدى دولتين عظيمتين عن أن تحقق مآربها، وقيض الله للمجاهدين القوة والصمود، وأجبروا الكفرة الشيوعيين على الخروج من الديار، ولكنهم أبقوا لهم، ورتبوا مع إخوانهم في الغي من دول أخرى مما جعل أعوانهم يصمدون هذا الصمود، وكان حقاً، ولا زال على كل مسلم عنده نجدة، وعنده مقدرة أن يعين إخوانه؛ وبخاصة في مثل هذه الظروف العصيبة، وجو الشتاء القارس، فإن طبيعة بلادهم يأتيها شتاء شديد جداً، ويصعب على إخوانكم التحرك والتنقل وتحقيق ما يريدون من قهر العدو، وتوالي الضربات عليه مع أنهم- ولله الحمد- لهم تمكنهم ولهم سيطرتهم، ولكن أولاً تبتغون بذلك وجه الله، ويكون لكم أجر المجاهد، وأنتم ردءهم، وأنتم الصفوف الخلفية لهم، فأوصيكم وأوصي نفسي بالاهتمام والاجتهاد في هذا الأمر؛ لعل الله سبحانه وتعالى أن يعز أوليائه ويعلي دينه، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على خير خلقه نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756333464