إسلام ويب

شرح زاد المستقنع باب صلاة التطوع [2]للشيخ : محمد مختار الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من صلوات التطوع: صلاة الوتر، ويشرع فيها القنوت، وكذلك يشرع القنوت إذا نزلت بالمسلمين نازلة، فيقنت في جميع الصلوات، ومن الصلوات المسنونة المؤكدة: صلاة التراويح في رمضان، وهي إحدى عشرة ركعة، ولا بأس بالزيادة، وتصلى جماعة مع الإمام حتى ينصرف.

    1.   

    أحكام القنوت

    محل القنوت

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد:

    فيقول المصنف عليه رحمة الله: [ويكره قنوته في غير الوتر إلا أن تنزل بالمسلمين نازلة غير الطاعون فيقنت الإمام في الفرائض].

    تقدم معنا بيان مشروعية القنوت في الوتر، وذكرنا تعليم النبي صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء للحسن بن علي رضي الله عنه وعن أبيه.

    وهنا شرع المصنف رحمه الله في التنبيه على مسألة القنوت في غير الوتر التي تعتبر من مسائل الخلاف بين العلماء رحمة الله عليهم، فهذا القنوت -وهو الدعاء الذي يكون بعد الركوع، أو يكون قبل الركوع- هل يشرع في غير الوتر، أو لا يشرع؟

    فمذهب طائفة من أهل العلم رحمة الله عليهم أن دعاء القنوت في الفريضة يعتبر سنة. وبهذا القول قال الإمام مالك والشافعي عليهما رحمة الله، وقال الإمام أبو حنيفة وأحمد رحمة الله عليهما: إن المداومة على دعاء القنوت في الفريضة ليست بسنة، ثم اختلفوا على قولين:

    فقال الإمام أحمد رحمة الله عليه: إنما يشرع في النوازل.

    ومنع الإمام أبو حنيفة القنوت مطلقاً.

    فأما الذين قالوا بمشروعية دعاء القنوت فقد استدلوا بأحاديث صحيحة ثابتةٍ عن المصطفى عليه الصلاة والسلام أنه قنت ودعا، ومن أصحها ما ثبت عنه: (أنه قنت شهراً يدعو على رعل وذكوان، وعصية عصت الله ورسوله)، وكان يدعو بالنجاة للمسلمين، فكان يدعو أن ينجي الله الوليد بن الوليد ، وكذلك دعا عليه الصلاة والسلام بنجاة عياش بن أبي ربيعة رضي الله عن الجميع، فأخذ العلماء من هذا دليلاً على مشروعية القنوت، وأكدوا هذا بحديث أنس : (أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يقنت حتى فارق الدنيا) .

    وأما الذين قالوا: إنه لا تشرع المداومة على القنوت، وإن المداومة عليه بدعة فقد استدلوا بما ثبت في حديث لـمالك الأشجعي رضي الله عنه وأرضاه أنه سأل أباه رضي الله عنه فقال: يا أبت: صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، فهل كانوا يقنتون؟ قال: أي بني: إنه مُحْدث. وهو حديثٌ رواه أصحاب السنن، قالوا: فهذا يدل على أن المداومة على القنوت تعتبر بدعة.

    وقالوا: إن الأحاديث التي دلت على أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في صلاة الفجر إنما كانت في أول الأمر، ثم نسخ ذلك.

    وأجابوا عن حديث أنس بن مالك رضي الله عنه بالطعن في سنده، وهو حديثٌ متكلمٌ في سنده، رواه البيهقي وغيره.

    ولذلك فالذي يظهر من هذه المسألة أحد أمرين:

    الأول: ما اختاره جمعٌ من المحققين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل القنوت أحياناً ويتركه أحياناً. وهذا مسلك يسلكه بعض العلماء رحمة الله عليهم في الجمع بين النصوص.

    والمسلك الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت لحاجة، فيعتبر القنوت سنة إذا وجدت الحاجة.

    وهذا القول الأخير هو أحوط الأقوال وأولاها بالصواب إن شاء الله؛ لأن الصلاة شأنها عظيم، وقد حصل التردد بين كون القنوت باقياً وبين كونه منسوخاً، ولا شك أن الأدلة على نسخه أقوى، أي: نسخ المداومة عليه، فإن الله عز وجل أوحى إلى نبيه: لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ [آل عمران:128] فكفّ عليه الصلاة والسلام.

    وجاء في الحديث الآخر: (أنه لما قنت يلعن رعلاً وذكوان، وعصية عصت الله ورسوله، وقال: اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف أوحى الله إليه: يا محمد: إنا لم نجعلك نكالاً، وإنما جعلناك رحمةً للعالمين) -صلوات الله وسلامه عليه- وكان فيما أنزل عليه: لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ [آل عمران:128] أي: لا تدعُ عليهم، فلعلّ الله أن يتوب عليهم، ولذلك فالفاسق والمجرم والكافر المعين لا يدعا عليه، وإنما يدعا بتوبته، ويدعى بكف بأسه عن المسلمين، ومنه أخذ جمعٌ من أهل العلم تحريم لعن الكافر المعين، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم نُهي عن ذلك، أما الدعاء على الكافر فإنه يشرع ولا حرج، ولكن الأفضل والأكمل أن يدعا بصلاحه وبهدايته إن أمكن ذلك.

    وبناءً على هذا فالقنوت يشرع عند وجود النوازل، والنوازل المراد بها المصائب والنكبات، كأن يعتدى على أعراض المسلمين، أو على دمائهم، أو يضيق بهم الحال في كربٍ أو خطب، فيلجأون إلى الله بالدعاء، وهذا هو الأصل الذي دعا الله إليه عباده فقال: فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا [الأنعام:43] ، والمسلمون (كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) .

    ولا يبلغ المسلم حقيقة الإسلام، ولا يبلغ المؤمن حقيقة الإيمان إلا إذا بلغ به الحال أنه إذا بلغه ضرر بأخيه المسلم أحس به كما يحس به أخوه المسلم أو أشد، ولذلك كان بعض العلماء رحمة الله عليهم إذا بلغه المصاب في المسلمين، أو النكبة تحل بالمسلمين تأثر، وربما مرض حتى يعاد في بيته، وهذا من كمال الإيمان، ومما جعله الله عز وجل وشيجة بين المؤمنين، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنه بقوله: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد) .

    فإذا نزلت المصيبة بالمسلمين هنا أو هناك شرع أن يقنت، وأن يدعا بالنجاة والسلامة لمن ابتلي، وكذلك يدعا بكفّ بأس الذين ظلموا عن المسلمين، وهذا هو هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك فهذا القول يعتبر أعدل الأقوال، وفيه جمع بين النصوص، خاصةً وأنه أعمل السنة وهدي النبي صلى الله عليه وسلم في الحالة التي فعل فيها النبي صلى الله عليه وسلم القنوت.

    وبناءً على ذلك يشرع القنوت للنوازل في دفع ضرر عام أو خاص على بلاد المسلمين.

    السنة في القنوت

    وردت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء القنوت، منها دعاؤه المشهور: (اللهم إنا نستعينك ونستهديك، ونستغفرك ونتوب إليك، ونؤمن بك ونتوكل عليك، ونشكرك ولا نكفرك، ونخلع ونهجر من يفجرك، اللهم لك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك الجد بالكفار ملحق) ، وقد كانت سورة تتلى من سور القرآن، وكان يقنت بها في دعاء القنوت.

    فالسنة أن الإمام إذا دعا في القنوت أن يتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لما في هذا الدعاء الوارد من إظهار الفاقة والحاجة إلى الله سبحانه وتعالى، والاعتراف له بالعبودية، والإسلام له سبحانه وتعالى.

    ثم إنه يقتصر على أمرين:

    الأول: أن تدعو بكف بأس الذين ظلموا، فتدعو على الكافرين أن يستأصل الله شأفتهم، وأن يكفّ بلاءهم عن المسلمين.

    الثاني: الدعاء للمسلمين أن يرحمهم الله، وأن يغاثوا، وأن يعجل لهم بالنصر إن كانوا في ضائقة.

    وأما الزائد على ذلك من الأدعية الأخرى فلا يشرع في هذا الموضع؛ لأنه كلام أبيح للضرورة، ولا يجوز فيما أبيح للضرورة والحاجة أن يزاد فيه على الوارد، فإن هذا القنوت إنما شرع للنازلة، فيتقيد الإمام فيه بالوارد، حتى قال الإمام أحمد: إن زاد حرفاً واحداً -أي: عن الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم- فاقطع صلاتك. أي: لا تأتم به إذا خرج عن السند والسبب في هذا أنه إذا زاد كلاماً آخر فإنه قد خرج عن كونه قانتاً إلى كونه مُحدثاً، نسأل الله السلامة والعافية.

    فينبغي على الأئمة أن يتقيدوا بما ورد، وأن لا يزيدوا على هذه السنن الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فالوارد موصوف بهذين الوصفين:

    أولهما: ما ورد من الثناء على الله عز وجل في هذه الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، كقوله: (اللهم لك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك الجد بالكفار ملحق ..) إلى آخره.

    الثاني: الدعاء بالنجاة للمسلمين والهلاك على الكافرين، ولا حرج أن يعمم في دعائه أو يخصص قوماً؛ فإن تخصيص القوم جائز إذا كان لا يعني منهم شخصاً معيناً، ولذلك دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على رعلٍ وذكوان وعصية عصت الله ورسوله، فلا حرج إذا دعا على طائفة أن يكون دعاؤه على هذا الوجه لثبوت السنة به، وقال بعض العلماء: إذا سمى طائفةً أو سمى جماعةً بعينها فإنه يعتبر داخلاً في نهي الله عز وجل لنبيه؛ لأن سبب نزول الآية إنما ورد في دعائه عليه الصلاة والسلام على مضر في قوله: (اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف) ، قالوا: فخصص، وتعتبر مضر بطوناً كثيرة، ومع ذلك نهاه الله عز وجل. وهذا القول لا شك أنه من القوة بمكان، فلو دعا على الكافرين فإنه يعمم، ولذلك كان من دعائه عليه الصلاة والسلام: (اللهم قاتل الكفرة من أهل الكتاب الذي يصدون عن سبيلك) ، فعمم صلوات الله وسلامه عليه، ولم يخص منهم طائفة دون أخرى.

    قنوت النازلة وموضعه

    قال: [إلا أن تنزل بالمسلمين نازلة غير الطاعون فيقنت الإمام في الفرائض].

    قوله: (إلا أن تنزل) استثناء، والاستثناء -عند أهل العلم رحمة الله عليهم-: إخراج بعض ما يتناوله اللفظ. فكأنه يقول: إنه لا يشرع أن يقنت إلا أن تنزل بالمسلمين نازلة، وقد ذكرنا ذلك.

    قوله: (غير الطاعون) الطاعون: مرض يصيب الجوف، ويعتبر شهادةً، فقد ثبتت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من أصابه الطاعون فمات منه -والعياذ بالله- يعتبر في حكم الشهيد.

    ويقول بعض العلماء: إنه هو المرض المعروف اليوم بالكوليرا فتعتبر هي الطاعون، ومن مات بها فإن هذا الموت يعتبر شهادة، وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الطاعون: (أنه رحمةٌ بالمؤمن، ونقمةٌ على الكافر) ، فإذا انتشر بين المسلمين فإنه رحمةٌ يريد الله أن يرحم بها عباده المسلمين، وإذا انتشر بين الكافرين فيعتبر عاجل نقمة عجلها الله لهم في الدنيا قبل الآخرة، ولا يشرع إذا نزل هذا المرض أن يدعا أو يقنت، قالوا: لما فيه من معنى الرحمة، ولأن الصحابة رضوان الله عليهم طُعنوا كما في طاعون عمواس في عهد أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعنهم أجمعين، فلم يقنت رضي الله عنه، ولم يسأل الله رفعه، ولذلك قالوا: لا يشرع في هذا أن يدعا برفع البلاء.

    قوله: [فيقنت الإمام في الفرائض].

    قد جاءت أحاديث تدل على هذا، وقد اختلف العلماء في ذلك:

    فمنهم من يخص القنوت بالفجر، وهذا لا شك أنه لا شبهة فيه ولا إشكال، ومن أهل العلم من قال بالعموم في الصلوات. والسبب في هذا الخلاف ورود أحاديث اختلف في تصحيح أسانيدها، فمن يصحح أسانيدها يقول بمشروعية القنوت في الصلوات الخمس، وأنه لا فرق بين السرية والجهرية، وأنه في السرية يقنت ويكون قنوته سرياً، ويعتبر هذا تابعاً للسنة كما ذكرنا.

    ومن أهل العلم من خصه بالجهرية دون السرية، وقال: إنما يشرع القنوت في الجهرية دون السرية، ولذلك فعله النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر.

    1.   

    صلاة التراويح

    التراويح: تفاعيل من الراحة، وسميت التراويح بهذا الاسم لأنهم كانوا يتروحون ويرتاحون بين كل أربع ركعات، فكانوا يرتاحون لطول القيام، وقد اختار عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبي بن كعب أن يصلي بالناس بعد صلاة العشاء، وكان أبي رضي الله عنه من حفّاظ كتاب الله عز وجل، وكان من الصحابة القلائل الذين جمعوا حفظ القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكفاه شرفاً وفضلاً ونبلاً أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصلاة وارتج عليه، فلما سلم قال: (أفي الناس أبي ؟ قال: نعم. قال: ما منعك أن تفتح عليّ آنفاً؟)، فاختاره من بين الصحابة.

    وثبت في الحديث الصحيح: (أن الله أوحى إلى نبيه أن يقرأ القرآن على أبي، فقال أبي : وسماني لك؟ قال: نعم. فبكى -رضي الله عنه وأرضاه-)، فلما قام بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أطال قيامه، فقام بهم من بعد صلاة العشاء وأطال بهم القيام، فكان يروح أو يرتاح بهم بين الأربع، فلذلك سميت التراويح بهذا الاسم.

    أصل مشروعية صلاة التراويح

    صلاة التراويح من أهل العلم من يقول: إنها شرعت بهدي النبي صلى الله عليه وسلم.

    ومنهم من يقول: إنها شرعت في أصلها بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، ثم شرعت بوصفها بسنة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

    وهذا القول الثاني أدق، ووجه ذلك أن الصحابة اجتمعوا وصلّى بهم النبي صلى الله عليه وسلم الليلة الأولى، ثم كثروا في الليلة الثانية، ثم كثروا في الليلة الثالثة، فلم يخرج إليهم عليه الصلاة والسلام، حتى حصبوا الخيمة التي كان فيها ليشعر، ثم قال عليه الصلاة والسلام: (إنه لم يخف عليّ مكانكم البارحة، ولكني خشيتُ أن تفرض عليكم)، فامتنع من الخروج والصلاة بهم خوف أن تفرض هذه الصلاة على الأمة، وكان عليه الصلاة والسلام من رحمته وشفقته ورفقه بالمؤمنين يخشى أن ترهقهم التكاليف، فيعجزون أو يمتنعون عن فعلها فتكون فتنةً عليهم، فكان صلى الله عليه وسلم ممتنعاً من أجل هذا المعنى، فلما توفي صلّى الناس قيام رمضان في المسجد، فصار هذا يشوش على هذا، وتجدهم أوزاعاً كلهم يصلي، وصلاة الليل فيها نوع من الجهر، فلا يجهر بها جهراً كاملاً ولا يخافت، فلما صار بعضهم يشوش على بعض جمعهم عمر رضي الله عنه -وهو المحدّث الملهم- على أبي ، فكانت سنةً حسنةً منه، فكان أصلُ الجمع مستنداً إلى السنة من فعله عليه الصلاة والسلام، لكن الوقت الذي اختاره من كونها بعد صلاة العشاء لم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فاستند إلى الأصل في قيام الليل، وكانت الصفة من كونها في أول الليل من سنة عمر، ولذلك لو اعترض معترضٌ على فعل التراويح والتهجد في آخر رمضان أجيب بهذا الجواب، وقيل له: إن التراويح شرعت سنةً عمرية، أي أنها سنة، وحصل الإجماع عليها، وأما التهجد فيكون بعد الهجود؛ لأن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في تهجده إنما كان بعد اضطجاعه، فسمي التهجد تهجداً لأنه بعد الهجود، وهو أكمل وأفضل وأعظم ما يكون لكونه بعد الراحة والاستجمام، كما أشار الله إلى ذلك حينما أمر به نبيه فقال: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ [الإسراء:79] .

    فكان هذا القول أدق من هذا الوجه، فتكون سنةً عمرية من جهة الوقت، أي: كونها في أول الليل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما جمع الصحابة في آخر الليل.

    عدد ركعات صلاة التراويح

    قال رحمه الله تعالى: [والتراويح عشرون ركعة]

    في القرون المفضلة كانوا يقومون بعشرين ركعة، وفي هذا العدد حديثٌ عن ابن عباس مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنه حديث ضعيف، فيه إبراهيم بن عثمان، وهو ضعيف باتفاق المحدثين.

    وفيه كذلك أثر السائب بن يزيد في قيام أبي بن كعب ، وتكلم العلماء فيه، فمنهم من صححه كالإمام النووي وغيره، ومنهم من ضعفه، وكانت عشرين على عهد عمر رضي الله عنه، واستمر هذا في عهد السلف الصالح، فقد كان في عهد مالك رحمة الله عليه، وكذلك أدركه الأئمة كالإمام أحمد رحمة الله عليه، وهذا يدل على أن له أصلاً، ومن المعلوم أن المدينة إلى عهد مالك -كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية- لم تدخلها بدعة واحدة، ولذلك رأى الإمام مالك أن العمل بقول أهل المدينة حجة إذا كان من الأمور الظاهرة، وقد فصّل ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالةٍ نفيسة في إجماع أهل المدينة.

    فكون التراويح تصلى بعشرين ركعة إلى عصر مالك -كما نقل في الموطأ ما يدل عليه ويشهد له- يقوي أن هذا العدد له أصل، لكن اعتقاد أن هذا العدد بمثابة اللازم، والمحافظة عليه على وجهٍ يُظَنّ أنه لازم لا تشرع الزيادة عليه ولا النقص منه لا أصل له، ولذلك ينبه على أن فعله من حيث الأصل جائز؛ لأنه داخل تحت الأصل الذي يطلق قيام الليل، لكن إذا اعتقد الشخص أنه لا تجوز الزيادة على ثلاث وعشرين، أو أنه لا يجوز النقص عن ثلاث وعشرين، وتقيد بذلك والتزم فقد أحدث، ووجه الإحداث فيه أنه ظن ما ليس بلازمٍ لازماً، واعتقد فضل الثلاث والعشرين بعينها دون ورود نص بالتحديد، فكان تبديعه من هذا الوجه، أما لو صلّى ثلاثاً وعشرين على أصل أنه كان محفوظاً، وأراد بذلك التخفيف، كالإمام يريد أن يخفف على كبار السن ونحوهم، فيجعل طول القيام لأجل أن يكون أرفق بهم فلا حرج في ذلك، والهدي الأكمل والأفضل والأعظم أجراً اتباع هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاقتصار على إحدى عشرة ركعة، فهي الثابتة في حديث أم المؤمنين عائشة، وإن زاد إلى ثلاث عشرة ركعة فلا حرج؛ فإنها سنة كما في الحديث الآخر، وكذلك إلى خمس عشرة ركعة، كما هو حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه في السنن، فكلٌ على سنةٍ وخير، ولا يجوز لأحدٍ أن يقول: إن الإحدى عشرة ركعة واجبة، فمن زاد عليها يعتبر مبتدعاً. فليس هناك أحدٌ من أئمة السلف رحمة الله عليهم يقول: إن الزيادة على إحدى عشرة ركعة بدعة؛ لأنك إذا قلت: إن الزيادة على إحدى عشرة ركعة بدعة فمعناه أنه يجب على من قام الليل أن يلتزم بإحدى عشرة ركعة، ولكن تقول: الهدي الأكمل والأفضل ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو المحافظة على إحدى عشرة ركعة، أما أن يعتقد أن من زاد على إحدى عشرة ركعة أنه مبتدعٌ فلا، ويأبى الله ويأبى رسوله عليه الصلاة والسلام ذلك؛ لثبوت الأدلة من الكتاب والسنة على مشروعية الزيادة على إحدى عشرة ركعة.

    أما الدليل الأول على إطلاقها فقوله سبحانه وتعالى: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا [السجدة:16] ، فأطلق ولم يقيد، ولم يلزم بعددٍ معين.

    وقال سبحانه وتعالى: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ [الزمر:9] ، فأطلق ولم يقيد.

    وقال تعالى: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا [المزمل:2] ، فأطلق ولم يقيد.

    وقال سبحانه: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ [الإسراء:79] ، فأطلق ولم يقيد.

    فدليل الكتاب صريحٌ في عدم الإلزام بعدد معين.

    ثم انتقلنا إلى السنة فوجدناها قد دلت على هذا قولاً وفعلاً وإقراراً:

    أما القول فقد وجدنا الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لما سأله السائل -كما في الصحيحين من حديث ابن عمر - عن صلاة الليل كان الجواب من رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الفجر فليوتر بواحدة) ، فلم يبين له النبي صلى الله عليه وسلم أن صلاة الليل يلزم فيها بإحدى عشرة ركعة، وإنما أطلق له، وثبت في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي بالليل) .

    وأقوى الأدلة دلالةً على عدم الإلزام بإحدى عشرة ركعة ما ثبت في الصحيح من حديث عبد الله بن سلام عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما دخل إلى المدينة خاطب أهل المدينة -وهم لم يروه يقوم الليل- خاطبهم بقوله: (أيها الناس أطعموا الطعام، وأفشوا السلام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام) ، فلو كانت هذه الإطلاقات مقيدة بالفعل فكيف يفهم أهل المدينة في أول لحظة يلقون النبي صلى الله عليه وسلم فيها أنهم مطالبون بإحدى عشرة ركعة، وهو يخاطبهم ويقول: (صلوا بالليل والناس نيام)؟ فأطلق لهم، ففهمنا من هذه الأدلة في الكتاب والسنة أن قيام الليل على الإطلاق، ثم جاء فعل النبي صلى الله عليه وسلم فوجدناه على صورتين: فصورة إحدى عشرة ركعة ترويها عائشة ، وصورة في الزيادة على إحدى عشرة ركعة يرويها ابن عباس وغيره، وبناءً على ذلك فإنك لو قلت: احملوا المطلق على المقيد من فعله عليه الصلاة والسلام يرد الإشكال: أنحمله على إحدى عشرة ركعة، أو على ثلاث عشرة ركعة، أو على خمس عشرة ركعة؟ ثم إن مسلك حمل المطلقات على المقيدات في مثل هذا ضعيف، ولا يتأتى بحال؛ لأنك لو قلت بهذا لزمك أن تقول: إن صلاة النهار المطلقة مقيدة بما ورد؛ لأنه كما قيدت في صلاة الليل تقيد في صلاة النهار، فتعتبر من زاد على ما ورد في صلاة النهار مبتدعاً ولا قائل بذلك، فعلى العموم لو صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث واحد ينهى عن الزيادة على إحدى عشرة ركعة ما حل لمسلمٍ أن يجاوزه، ثم إننا لم نجد في عصر القرون المفضلة التي شهد لها بالخيرية إماماً واحداً من الصحابة أو التابعين أو تابعيهم يقول: إن الزيادة على إحدى عشرة ركعة بدعة. ومن وجد أحداً من السلف الصالح من الأئمة الذين هم أهل الفضل والعلم في القرون المفضلة يقول بذلك فإنها فائدةٌ عظيمة وليتحفنا بها، لكن الذي يظهر من أدلة الكتاب والسنة وهدي السلف الصالح من هذه الأمة أن الأمر موسّع فيه، وأنك إذا أردت أن تلتزم السنة تقول: الأفضل والأكمل أن يصلى كما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة ركعة، فتكون ملتزماً بدليل النص.

    ثم لو قلت: إن الزيادة على إحدى عشرة ركعة بدعة فاعلم أنك تقول ذلك بالاجتهاد، ووجه الاجتهاد أنك حملت مطلق النص على المقيد، وهذا -كما هو معلوم- ليس من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يقوى على ترك النصوص المطلقة التي هي من كلامه، كقوله: (صلوا بالليل والناس نيام)، وكذلك التي من نص القرآن، فضلاً عن أن حمل المطلق على المقيد فيه النزاع المعروف بين الأصوليين، فالتزام نصوص الكتاب والسنة الواردة أولى من الميل إلى هذا الاجتهاد في حمل المطلق على المقيد مع ضعفه من جهةٍ أصولية؛ لأن فقه الأصول في حمل المطلق على المقيد أن يكون الأصل دالاً على التقييد، أما إذا كان الأصل دالاً على الإطلاق فإنه لا يقوى حمل المطلق على المقيد في مثل هذا، فهذا الذي ظهر والله تعالى أعلم.

    فإذا ثبت هذا فهل الأفضل لو صلّى الإمام ثلاثاً وعشرين ركعة أن تنصرف من عشر ركعات تتأول السنة، أو تبقى معه إلى تمام قيامه؟

    والجواب أنه إن انصرف من عشر ركعات فإنه يكون على الحال المفضول، وإن انصرف من ثلاث وعشرين ركعة فلا شك أنه يكون على الأفضل، وذلك لثبوت النص في قوله عليه الصلاة والسلام: (من قام مع إمامه حتى ينصرف كُتب له قيام ليلة).

    وإذا قال قائل: إنه الإمام الأول فهذا ضعيف؛ لأنه إذا قيل بأنه الإمام الأول الذي ينصرف من خمس تسليمات فمعنى ذلك أنك تخالف معنى النص؛ لأن النص إنما جاء من أجل شحذ همم المأمومين للبقاء مع الأئمة، فقصد الشرع من قوله: (من قام مع إمامه حتى ينصرف) أن يبين فضل معونة الأئمة على البقاء، فإذا قال: إنه الإمام الأول خالف المقصود.

    ثم إن الإمام الأول إذا انصرف فإنه لم ينصرف حقيقةً، وإنما بقي كما هو معلومٌ ومعهود، وبناءً على ذلك فلا يسلم الانصراف لا من جهة معنى النص، ولا من جهة دلالة ظاهر الحال، فلا يشك أن البقاء إلى انتهاء التراويح بكمالها أقرب إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأقرب إلى هديه، فهو أكمل من وجوه:

    أولها: أنه ظاهر قوله: (من قام مع إمامه حتى ينصرف)، فلم يفصّل النبي صلى الله عليه وسلم بين إمامٍ يلتزم الإحدى عشرة ركعة أو يزيد.

    ثانياً: أنه إذا بقي مع الإمام حتى ينصرف فإن هناك فضائل كثيرة لا يشك أنه مثابٌ عليها، منها: سماعه للقرآن، ومنها: قيامه بين يدي الله راكعاً ساجداً، ومنها: ما يكون من مشقة ومؤنه العمل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثوابك على قدر نصبك)، أي: على قدر تعبك. وقال الله تعالى: أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى [آل عمران:195]، فلا شك أنه لو بقي إلى تمام التراويح فهو أفضل وأعظم أجراً، وأضف إلى ذلك أن آخر التراويح فيه الوتر، خاصةً في الثلثين الأولين من الشهر، وهذا الوتر فيه دعوة المسلمين، وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الحائض أن تشهد صلاة العيد وتعتزل المصلى، مع أن عندها العذر وممنوعةٌ من الصلاة، فقال: (وأما الحيّض فليعتزلن الصلاة وليشهدن الخير ودعوة المسلمين)، فلا شك أنه لو بقي إلى انصراف الإمام الأخير أصاب هذه الفضائل التي دلت عليها السنن، وبناءً على ذلك فإن الأفضل والأكمل فيما ظهر أن يبقى إلى تمامها وكمالها، وإذا انصرف من عشر يتأول السنة فإنه على خيرٍ إن شاء الله، لكن الأقوى والأرجح أنه يبقى إلى تمامها ثلاثاً وعشرين.

    حكم الجماعة في صلاة الليل

    قال رحمه الله تعالى: [تفعل في جماعة].

    صلاة التراويح مما تشرع له الجماعة، وهنا مسألة، وهي: لو أن قوماً خرجوا ذات يومٍ، أو ذات ليلة ثم قام رجلٌ منهم يصلي، فصلوا معه جماعة في غير رمضان، فهل تشرع الجماعة في غير التراويح في قيام الليل؟

    والجواب: هذه المسألة لها صورتان:

    الصورة الأولى: يسميها العلماء الجماعة قصداً.

    والثانية: أن تكون اتفاقاً.

    أما الجماعة قصداً فصورتها أن يقول قائل: إذا سافرنا أو بتنا الليلة نقوم الليل جماعة، فمعنى ذلك أنهم قصدوا القيام.

    والحالة الثانية: أن تكون اتفاقاً، كأن تقوم في المسجد فيأتي رجلٌ ويأتم بك، أو تكون مع جماعة في السفر فتتوضأ وتقوم تصلي بالليل فيراك أخوك فيأتي بجوارك، ثم يأتي الثاني والثالث حتى تصير جماعة، لكن اتفاقاً لا قصداً، أي: موافقةً دون أن يكون ذلك بترتيب معين.

    فإن كانت قصداً فقد منع منه طائفة من العلماء، وأشار إلى ذلك غير واحد من محققي أهل العلم، فلا تشرع الجماعة في قيام الليل في غير رمضان، وهذا الذي أشار إليه المصنف رحمة الله عليه بما ذكر، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم مع سفره وكثرة خروجه وحصول الجماعة له حتى في بيته -كما في حديث ابن عباس وابن مسعود- فإنه لم يطلب منهم أن يكونوا معه جماعة، فلم يحدث الجماعة على سبيل القصد.

    أما الحالة الثانية، وهي أن تكون الجماعة اتفاقاً، كأن تقوم تصلي ويأتي رجل بجوارك ويصلي معك، أو يكون هناك إنسان عرف بقيام الليل فرأيته فقمت معه فهذه سنة؛ لما ثبت في الصحيح من حديث عبد الله بن مسعود وحديث عبد الله بن عباس ، قال رضي الله عنه -أعني ابن عباس - : (بِتُّ عند خالتي ميمونة، وبتّ في عرض الوسادة، فلما كان هوياً من الليل قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسح النوم من عينيه، ثم تلا الآيات من آخر سورة آل عمران، ثم قال: ويل لمن قرأهن ولم يتعظ بهن، ويل لمن قرأهن ولم يتعظ بهن، قال: فتوضأ، ثم قام فكبر، فقمتُ فصنعت مثل ما صنع، فقمت عن يساره فأدارني عن يمينه) ، ووجه الدلالة أن ابن عباس تبع النبي صلى الله عليه وسلم في فعله، فوقعت جماعة ابن عباس مع النبي صلى الله عليه وسلم اتفاقاً لا قصداً، بمعنى أنه لم يقل له النبي صلى الله عليه وسلم: إذا قمتُ فقم معي وكذلك الحال في قيامه عليه الصلاة والسلام مع بقية الصحابة.

    وعلى هذا فإنه تشرع الجماعة اتفاقاً لا قصداً، فلو قال جماعة في رحلة أو نحوها: سنصلي بالليل. وألزموا من معهم أن يصلوا معهم جماعة فإن هذا يعتبر مضيقاً فيه عند العلماء رحمة الله عليهم، خاصةً وأن قيام الليل كما هو معلوم أمرٌ أقرب إلى الإخلاص، وأقرب إلى معاملة الله سبحانه وتعالى بالسر، فإذا رتب لها، أو أمر بها إنسانٌ كانت أشبه بالفريضة، ولذلك لا يدعا الناس إلى مثل هذا إلا بسنة أو بدليل من الشرع ولا دليل، فهذا بالنسبة لقوله: [تفعل في جماعة]، فقيام الليل جماعة إنما يفعل في التراويح، أو يفعل على سبيل الاتفاق لا القصد.

    وقت التراويح ووقت الوتر في لياليها

    قال رحمه الله تعالى: [تفعل في جماعةٍ مع الوتر بعد العشاء في رمضان].

    أي أنه يقوم بهم ويوتر، ولذلك يوتر بهم في التراويح، فإذا جاءت أواخر رمضان وأرادوا أن يقوموا في التهجد فلا شك أن الأفضل انصرافهم بدون وتر؛ لما يحدثه قيامهم بالوتر في أول الليل وآخر الليل ما هو معروف من اللبس على الناس، مع أن أكثرهم يحضرون ويشهدون التهجد، ولذلك يوتر وتراً واحداً، خروجاً من مخالفة حديث الترمذي عنه عليه الصلاة والسلام في قوله: (لا وتران في ليلة) وعلى هذا فالسنة في إيقاع صلاة جماعةً على هذا الوجه يختص بها شهر رمضان، والسبب في هذا أن رمضان نُدِب إلى إحيائه، وثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم النصوص بمشروعية هذه الجماعة في رمضان دون غيره، والأصل أن يتقيد بالوارد، فكانت السنة في قيام رمضان بالتراويح في أول الليل خاصة برمضان دون غيره من سائر الشهور.

    وقوله: (بعد العشاء) أي: بعد صلاة العشاء، ويكون هذا -كما هو معلوم- بعد أن تصلى سنة العشاء، ولذلك يبتدأ بسنة العشاء، ويترك للناس وقت ليصلوا سنة العشاء، ثم يبتدأ بصلاة التراويح، وتعتبر صلاة التراويح في الأصل قياماً لأول الليل، وصلاة التهجد قياماً لآخر الليل، والقيامان بينهما فرق، فقيام التهجد أفضل من قيام التراويح، فإذا كان الشخص لا يستطيع أن يقوم الاثنين معاً فإن الأفضل والأكمل أن ينتظر إلى قيام التهجد؛ لما فيه من هجر النوم والكرى، وهذا أبلغ في الطاعة والعبودية، وأكثر عناءً ونصباً وتعباً، ثم إن فيه إحياءً لآخر الليل الذي ثبتت فيه النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم بفضل إحيائه، وأنه أفضل ما تكون فيه صلاة العبد، كما قال عليه الصلاة والسلام للصحابي في شأن جوف الليل الآخر: (وإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن) أي: في جوف الليل الآخر.

    [ويوتر المتهجد بعده].

    أي: بعد صلاة التهجد. وهذا هو الأصل؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) ، فالسنة في الوتر أن يجعل بعد التهجد، أي: في آخر التهجد، وهذا فيه حكم:

    منها: أن يكون وتراً للصلاة على ظاهر ما ورد في السنة.

    وثانياً: أنه يصيب السَحَر، أو يقارب السَحَر الذي يكون فيه الدعاء أسمع، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن دعاء السحر أسمع، ففي الحديث الصحيح أن الله تعالى ينزل كل ليلة في الثلث الآخر، ويقول: (هل من داعٍ فأستجيب دعوته، هل من مستغفرٍ فأغفر له...)الحديث. فهذا يدل على فضل الدعاء في مثل هذه الساعات، ولذلك يكون الوتر آخر الليل، وفي الصحيح عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتهى وتره إلى السحر) ، فمن صلّى التهجد فإنه يجعل وتره في آخر التهجد، وهذه هي السنة.

    الجمع بين أكثر من وتر في ليلة

    قال رحمه الله تعالى: [فإن تبع إمامه شفعه بركعة].

    قوله: (فإن تبع إمامه) أي: في التراويح طلباً للفضل، فإذا صليت التراويح وأوتر الإمام فللعلماء أوجه:

    قال بعض العلماء: لا توتر معه، حتى لا يكون وتران في ليلة، إذا كنت تريد أن تتهجد وتوتر.

    وقال بعضهم: توتر معه، وتوتر في التهجد، وتوتر بعدهما.

    وقال بعضهم: توتر في التراويح، ثم تصلي التهجد، وتترك وتر التهجد بناءً على أن الفضل للأول منهما والأسبق.

    والذي يظهر والله أعلم أن الأفضل والأولى أن توتر في التراويح لكي تحصل ظاهر قوله عليه الصلاة والسلام: (من قام مع إمامه حتى ينصرف ..) ، فإن انصراف الإمام -كما هو معلوم- إنما يكون بعد الوتر لا قبل الوتر، فتوتر معه في التراويح، ثم إذا قام للتهجد فإنك تصلي ركعةً قبل التهجد تنقض بها الوتر الذي أوترته مع الإمام، ثم تصلي ركعتين ركعتين، ثم تجعل وتر الإمام هو وترك، فهذه هي أسلم وأفضل الصور، وهي مأثورةٌ عن عبد الله بن عمر .

    أما دليل فضلها فلكونك تدرك فضل القيام مع الإمام في التراويح إلى الانصراف، وقد ثبت النص بتفضيل هذه الحالة، وأنها كقيام الليل.

    وأما نقض الوتر الأول بركعة فيدل له قوله: (لا وتران في ليلة) ، فإن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا وتران في ليلة) ونهيه عن إيقاع الوترين في ليلة يدل على أن أحدهما ناقضٌ للآخر؛ لأن العلة في النهي عن الوترين في الليلة أنه يجعل العدد شفعاً، ويصير مثنى، وقد قصد الشرع أن تختم صلاة الليل بالوتر، وهذا يكون مؤكداً لما ذكرناه من أن الركعة المنفصلة ناقضةٌ للركعة التي وقعت في التراويح، فإن قوله: (لا وتران) يدل على أن الوتر الثاني يؤثر في الوتر الأول؛ إذ لو لم يكن مؤثراً في الوتر الأول لما قال: (لا وتران في ليلة) .

    والأمر الثالث في هذا الفضل أنه يدرك أيضاً الإيتار مع الإمام في التهجد، فهو أفضل من القول بتركه، ولا شك أن وتر التهجد أفضل؛ لما فيه من إصابة السنة التي ذكرناها من كونه يقع في هذا الوقت الذي يكون فيه الدعاء أسمع، ولكونه مطابقاً لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وأضف إلى هذه الفضائل كلها أنه قد جاء عن عبد الله بن عمر فعل ذلك.

    ويتخرّج على هذا أن من أوتر ثم نام ثم استيقظ فهو على حالتين:

    الحالة الأولى: أن يريد أن يصلي ركعتين ويقتصر عليهما، فهذا السنة له أن يصلي الركعتين، ولا ينقض الوتر الأول، ولا يوتر بعد الركعتين، لما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه صلى ركعتين بعدما أوتر) ، وألف الحافظ ابن حجر في هذا رسالة أثبت فيها الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وفي السنن التي تدل على شفعه بعد الوتر، وأنه فعل ذلك على سبيل الجواز لكي يبين الجواز للأمة.

    الحالة الثانية: أن يكون قصده أن يصلي أكثر من ركعتين، وأن يقوم آخر الليل، فهذا الأفضل له أن ينقض الوتر الأول بركعة كما ذكرنا، لحديث الترمذي : (لا وتران في ليلة) ، ثم يصلي شفعاً شفعاً، ثم يوتر لقوله عليه الصلاة والسلام: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) ، فيصيب هذه السنة، خاصةً وأنها جاءت بالأمر المشتمل على الحث والحض، فيطابق السنن من هذه الوجوه كلها.

    أما إذا صلى مع الإمام الوتر وقام ليشفع بركعة ففيه وجهان للسلف:

    قال جمهور العلماء: إنه يسلم مع الإمام. وهذا على ظاهر قوله عليه الصلاة والسلام: (إنما جُعِل الإمام ليؤتم به). قالوا: فلا يحدث الركعة الزائدة، وذلك لأن الأصل فيه أن يتابع الإمام، فليست هذه الركعة الزائدة واجبةً عليه حتى يتكلف القيام لها ويأتي بالشفع.

    والقول الثاني: أنه يأتي بركعةٍ شفعية. وهذا القول هو إحدى الروايات عن الإمام أحمد في هذه المسألة، فينقض وتره مع الإمام بركعة بعد سلام الإمام.

    والقول الأول بأنه يسلم مع الإمام على ظاهر السنة، وأما القول بالشفع فإن أقل درجاته أنه خلاف الأولى لأمور:

    أولها: أنك إذا صليت مع الإمام وشفعت بعد سلامه خالفت ظاهر الحديث: (إنما جعل الإمام ليؤتم به) .

    ثانياً: أنك تستبيح الدعاء في الركعة الأولى مع أنك تريد الشفع، ولا يعرف في الشرع صلاة شفعية يكون الدعاء في الركعة الأولى منها، وإنما يكون الدعاء في الشفعية في الثانية كالفجر، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا شفعت وترك كنت قاصداً لركعتين مستبيحاً للدعاء في أولهما، ولا صورة في الشرع لمثل هذه الصلاة.

    ثالثاً: أنه يُحدثُ جلوساً بين ركعتين شفعيتين، ولا يعرف في الشرع صلاة شفعية يجلس فيها بين الأولى والثانية للتشهد، فإنه سيستبيح الجلوس في التشهد والدعاء والذكر بعد انتهائه من السجدة الثانية من الركعة الأولى.

    رابعاً: أنه -خاصةً في أول الشهر- إذا صلى مع الإمام وقام أمام الناس لكي يأتي بركعة فكأنه يشير وينبه على أن له حظاً من قيام الليل في آخره، ولذلك يكون في هذا شيءٌ من الإظهار للعبادة، فإذا سلم مع الناس كسائر الناس خفيت عبادته، لكن لو قام أمام الناس فإن هذه ينبه على أن عنده ورداً في آخر الليل، وكأنه يشعر بهذه الصلاة التي سيصليها، والتي الأولى فيها والأحرى أن تكون سرية بين العبد وبين الله، لذلك فالأفضل والأكمل أن يسلم مع الإمام حتى يصيب ظاهر الحديث، ثم بعد ذلك إذا أراد أن ينقض الوتر نقضه قبل دخوله في التهجد، أو يوتر ويجعل وتر التهجد ناقضاً لوتر التراويح، ثم يصلي بعد ذلك ما شاء الله، ثم يوتر لظاهر قوله: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً).

    التنفل بين التراويح

    قال رحمه الله تعالى: [ويكره التنفل بينها لا التعقيب بعدها في جماعة].

    أي: يكره التنفل بين التراويح، فإذا صلى الإمام التراويح وجلس بين الركعات، كأن صلى تسليمتين، ثم جلس لكي يخفف على الناس ويرتاح الناس، فقام الإنسان يتسنن، فإنهم قالوا: يكره والسبب في هذا أنه أثر عن زيد بن أرقم رضي الله عنه أنه أنكر ذلك، وقال لمن فعل ذلك: أتتنفل وإمامك أمامك؟! ولذلك قالوا: إنه لا يتنفل بينها، ولو تنفل جاز له ذلك، لكن مشى المصنف رحمه الله على مذهب بعض الأصوليين الذين يقولون: إن قول الصاحب حجة، فحكم بالكراهة، مع أنه لو صلى فلا حرج عليه؛ لأنه داخل في ظرفٍ شرع فيه أن يصلى فرادى وأن يصلى مع الجماعة، ألا ترى أنك لو انصرفت عن الإمام وصليت لوحدك لما أنكر عليك، وعلى هذا فإنه لا حرج أن يتنفل، والمصنف رحمه الله إنما حكم بالكراهة لما أُثِرَ عن زيد رضي الله عنه، والكراهة حكمٌ شرعي تحتاج إلى دليل، وليس عندنا دليل مرفوع؛ ولذلك لو بقي المصنف على الأصل لكان أولى وأحرى.

    قوله: [لا التعقيب بعدها في جماعة].

    أي: لا حرج عليه أن يعقب بعدها في جماعة، كأن يصلي في تهجد ونحو ذلك.

    1.   

    الأسئلة

    صلاة الرجل بامرأته ليلاً

    السؤال: إذا كانت الجماعة لا تستحب إلا في رمضان، فكيف يمكن الجمع بين هذا والحديث الذي يحث على قيام الزوج مع زوجته؟ وهل يصح أن يصلي مع زوجته قيام الليل والوتر؟

    الجواب: أما حديث قيام الرجل مع زوجه فقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (رحم الله امرأً قام من الليل فصلى وأيقظ أهله، فإن أبت نضح في وجهها الماء)، وليس فيه التصريح بصلاتهما معاً، وهو أعمّ من أن يكون جماعةً أو يكون فرادى.

    الأمر الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت عنه أنه جمع بأهله، وهذا أمر لا يختلف فيه اثنان، فهو ما صلى بنسائه، ولا حفظ عنه في حديث واحد أنه صلى بأهله صلوات الله وسلامه عليه، وهذا يقول فيه العلماء: إنه من السماحة، فكانت أم المؤمنين عائشة وأمهات المؤمنين ربما أوترن أول الليل وعجزن عن القيام آخر الليل، وهذا أمر يحتاج إلى صبر ومكابدة، فليست كل زوجة تستطيع أن تفعله، وإنما دلّ النبي صلى الله عليه وسلم على نضح الماء في وجه المرأة على سبيل الأفضلية، وعلى سبيل السنية والاستحباب، ولكن لا يستلزم ذلك وجود جماعةٍ بينهما، فإنه لم يثبت في هذا ما يدل عليه، وليس في نفس الحديث ما يدل عليه، ولا يعتبر معارضاً للأصل الذي ذكرناه. والله تعالى أعلم.

    اقتداء المسافر في صلاة المغرب بمن يصلي العشاء

    السؤال: رجل مسافر أخر صلاة المغرب إلى العشاء ليجمع جمع تأخير، وحين نزوله إلى المسجد وجد المصلين يصلون العشاء، فماذا يصنع؟

    الجواب: إذا نوى الإنسان أن يؤخر صلاة المغرب والعشاء ويجمع بينهما فإنه في هذه الحالة إذا دخل المسجد فإنه يدخل وراء الإمام بنية النافلة، ثم إذا انتهى من صلاته نافلةً أقام لصلاة المغرب ثم صلاها وصلى بعدها العشاء، والسبب في كونه لا يتابع أن صلاة العشاء والمغرب ليس بينهما اتفاق في الصورة، وشرط اقتداء المأموم بالإمام عند اختلاف نية الصلاتين أن تتحد صورتهما، والصورة هنا مختلفة، فالثلاث لا تصلى وراء الأربع، ولا يمكن بحال أن تتحقق المتابعة على الصورة المعتبرة شرعاً، وإن كان بعض العلماء -وهو وجهٌ ضعيف شاذٌ يحكى ولا يعول عليه قال به بعض فقهاء الشافعية قياساً على صلاة الخوف- قالوا: يجوز له أن يدخل وراء من يصلي العشاء، ثم إذا انتهى الإمام من الركعة الثالثة جلس، وترك الإمام يتم الركعة الرابعة قياساً على صلاة الخوف. وهذا محل نظر؛ لأنه قياس في صورة التعبد، وفيما هو تعبدي يفتقر إلى نص يدل على مشروعية هذه الصورة وجوازها.

    ثانياً: أن نفس القياس معارض بأنه قياسٌ على الخارج عن الأصل، والقاعدة أن ما خرج عن الأصل لا يقاس عليه. توضيح ذلك أن صلاة الخوف خارجة عن الأصل، ولذلك الإمام في بعض الصور يصليها أربعاً والمأمومون يصلون ركعة ويفارقونه، والطائفة الثانية تصلي ركعة وتفارقه، وهذا لا يعرف في سنن الصلاة أو الجماعة الأصلية، ولذلك قالوا: إن ما عدل عن سنن القياس -أي: عن الأصل- فغيره عليه لا ينقاس. كما لو قال قائل -مثلاً-: أقيس الأخ لو قذف أخاه -والعياذ بالله- بالزنا على الزوجة، فيشرع بينهما اللعان قياساً على لعان الزوج لزوجته. فيكون القياس باطلاً؛ لأن أصل اللعان الذي وقع بين الزوجين خارجٌ عن الأصل؛ لأن الأصل: (البينة أو حدٌ في ظهرك)، فشرع للزوجين على سبيل الخصوص، فكذلك أيضاً متابعة الإمام في الأصل واجبة على المأموم، فجاءت صلاة الخوف بعينها واستثنيت، فلا وجه لأحدٍ أن يقيس على هذا المستثنى.

    لكن هنا مسألة، حيث قالوا: لو أدركه في الأخيرتين من صلاة العشاء، أو أدرك إماماً مسافراً يصلي ركعتين، فقد اختار بعض العلماء أنه يدخل وراءه في ركعتين ناوياً بها المغرب، فإذا سلم الإمام قام وجاء بركعة، وهذا أخف من الذي قبله؛ لأن الذي قبله فيه اختلاف، وأما هذا فلا اختلاف في صورته، وغاية ما فيه أنه كالمسبوق يقوم ويتم لنفسه.

    والأحوط والأفضل ما ذكرناه من كونه يدخل متنفلاً، ثم بعد ذلك يقيم لصلاة المغرب، ثم يقيم بعدها لصلاة العشاء، أما لو نوى الجمع بين صلاتي الظهر والعصر وأخرهما فدخل ووجد إماماً يصلي العصر فإنه يدخل وراءه بنية الظهر، ثم إذا سلم الإمام أقام لصلاة العصر وصلاها؛ لأن الظهر والعصر صلاتان متفقتان في الصورة، والله تعالى أعلم.

    حكم المسبوق إذا سجد إمامه للسهو بعد السلام

    السؤال: إذا زاد الإمام في الصلاة وسجد سجود السهو بعد السلام وبعض المأمومين فاتته الركعة الأولى، فقاموا بعد سلام الإمام مباشرة، ولم يسجدوا معه للسهو، فهل يرجعون ليسجدوا للسهو، أم يتمون صلاتهم ثم يسجدون للسهو؟

    الجواب: إذا دخلت المسجد وقد فاتتك ركعة، وكان الإمام قد سها في صلاته، سواءٌ أدركت السهو، كأن يقع سهوه بزيادة في ركعةٍ خامسة، أو يقع سهوه بزيادة سجدة في الركعة الرابعة، وقس على هذا، أم لم تدرك السهو، كأن يكون في الركعة التي لم تدركه فيها قد زاد شيئاً، فحينئذٍ للعلماء وجهان:

    قال بعض العلماء: تثبت في مكانك وتسجد معه بعد سلامه دون أن تسلم، وهذا إذا علمت أنه سيسجد، كأن تكون قد اطلعت على زيادته، فتثبت في مكانك ولا تقوم للإتمام، وذلك لأنك مطالب بالمتابعة، وإنما تنفصل عنه بعد سلامه الكلي لا سلامه الجزئي الذي يكون قبل إتيانه بسجدتي السهو، فتثبت في مصلاك، ثم تكبر وراءه ساجداً السجدتين لمكان المتابعة، ولا يضر وقوع هاتين السجدتين قبل إتمامك للصلاة؛ لأن النص استثناهما بالأمر بالمتابعة.

    الوجه الثاني يقول: تقوم وتتم لنفسك، ثم بعد سلامك تقضي ما فاتك من السجدتين.

    وكلا الوجهين صحيح، فلو أنك انتظرت وسجدت معه ولكن لم تسلم فلا حرج، ولو أنك -وهو أقوى وأولى- قمت بعد سلامه مباشرة لقوله صلى الله عليه وسلم: (وما فاتكم فأتموا) فحينئذٍ لا حرج عليك، وتسجد سجدتي الزيادة بعد سلامك من الصلاة.

    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

    وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756023996