إسلام ويب

شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [58]للشيخ : عبد الرحيم الطحان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أثبت الفقهاء من أئمة المذاهب الأربعة ومن تبعهم أن المرأة كلها عورة إلا وجهها وكفيها ظاهرهما وباطنهما، ومن أهل العلم من قال: إن المرأة كلها عورة حتى ظفرها، أما إذا خشيت منها أو عليها الفتنة فهم متفقون على وجوب تغطيتها للوجه والكفين، سواء كانت في صلاة أو حج أو غير ذلك، وما ذاك إلا لحفظها ومن حولها من السقوط في حمأة الرذيلة.

    1.   

    ما يحل للزوجة والسرية أن ينظراه من الزوج

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده، محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين، سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    إخوتي الكرام! تقدم معنا أنه يجوز للزوجة وللسرية فقط لهذين الصنفين: أن ينظرا إلى عورة الزوج مطلقاً بشهوة وبغير شهوة، إلى الفخذين وإلى السوأتين، هذا يجوز مطلقاً، لا حرج فيه، فيجوز لهما النظر واللمس، وما شاكل هذا، وتقدم معنا أنه إن تعفف وأنهما لو تعففتا عن النظر إلى السوأتين لكان أولى، لكن لو فعلا لا يقال: إنهما ارتكبا إثماً ولا عصيا ربهما، على أن بعض أئمتنا يقول: إنه يباح له أن ينظر عند المباشرة من أجل تقوية الشهوة، لكن بعد ذلك لا داعي للنظر، وأنه فضول لا داعي له، من أجل ذلك يعد منظره سوأة؛ لأن الإنسان يستاء إذا رؤي، لكن إذا كانت بعض النفوس تميل إلى ذلك فلا حرج.

    تزوج بعض إخواننا الكرام في هذه البلدة من فترة، ولا أريد أن أحددهم من أهلها أو من غيرها، دعوه في ستر الله، جاء يسأل وهو متحرج وخائف، وهو من أهل الخير، وكأنه يريد أن يضع عن عاتقه حملاً، يقول: إن زوجته تأنس إلى اللعب بعضوه باستمرار، حتى لو جلس يقرأ تريد أن تلعب بعضوه، فهل عليه حرج أو عليها حرج؟ حتى أنه قال: إنها وهي تأتي بوردها أو وهو يأتي بورده يقرأ القرآن وهي تلعب، فقلت: يا عبد الله من ناحية الجواز جائز ولا حرج، كونك تقرأ وهي تقضي شهوتها فلا بأس بهذا الأمر ولا حرج أحل الله ذلك، هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة:187]، لكن أنا أرى أن تجعل الجد جداً، والمعاشرة معاشرة، واللعب لعباً، وتعطي كل ذي حق حقه، فمثلاً: تريد أن تقوم بوردك وأنت جالس تذكر الله جل وعلا، وهي تتلذذ وتقوم بهذه الشهوة المباحة، أخشى -وهذا قد يحصل في الغالب- أن تطغى بعد ذلك الشهوة على حلاوة الذكر والعبادة بحيث تصبح العبادة حركة مثالية، لا تتلذذ ولا تستحضر عظمة الله، فمن ناحية الجواز لا حرج، لكن لو تعففت عن هذا لكان أحسن، فقال: إنها تتلذذ وما تصبر، أكلمها أريد أن أقرأ تجلس بجواري وتمد يدها، قلت: لا حرج، اتركها، اتركها لا سيما في أول زواجها، والأمر إن شاء الله فيه سعة، وقد قال لي: إن الأمر أشكل علي وأنا متحرج، وحتى عندما يقول السؤال تنظر إلى وجهه صار كأنه أربعون لوناً من حيائه، فقلت: لا حرج يا أخي الكريم، لا حرج، من ناحية الجواز لا حرج إن شاء الله.

    سئل الإمام أبو حنيفة كما في رد المحتار على الدر المختار عن رجل تمسك زوجته بعضوه ليقوم عليها، فقال: هذا أعظم لأجرها، يعني: لا حرج عليها، لكونها مسكت ذلك العضو وحركته لا حرج في ذلك، وهو ضمن دائرة الإباحة والحلال.

    الحمد الله الذي شرع لنا ما نعف به أنفسنا، ونستغني به عما حرم علينا ربنا سبحانه وتعالى، فلا يفعل أولئك شيئاً إلا يفعله الإنسان لكن عن طريق الحلال بلا علانية ومجاهرة، وهذه فيها ستر، أما أنها تقضى تلك الشهوة كحالة البهائم في الأندية، وفي المقاهي، وفي الشوارع، هذا هو الامتهان والانحطاط، أما بين الإنسان وزوجه، هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة:187]، وقلت: ليس بعد هذه الدلالة دلالة، ولا يمنع الإنسان إلا من أمرين كما أشار إلى ذلك نبينا سيد الكونين عليه الصلاة والسلام: (اتق الحيضة والدبر)، وما عدا هذا ما يرتاح إليه الإنسان فهو حلال.

    إذاً فخلاصة الأمر: يجوز للزوجة ويجوز للسرية أن تنظر إلى ذلك المكان من السرة إلى الركبة، ويجوز أن تمد اليد مطلقاً بشهوة وبغير شهوة كما تقدم معنا، أما غيرهما فلا يجوز له أن ينظر إلى ذلك المكان إلا لحاجة من غير شهوة، فإذا اضطر الإنسان إلى كشف الفخذ لعلاج جرح فيه، ولنفرض أن إنساناً احترقت ثيابه، وسقط مغمياً عليه، وجئت بعد ذلك تلبسه وتستره، فوقع نظرك على سوأته المغلظة على فخذيه، فلا حرج في ذلك، لكن إياك أن تشتهي في نفسك ما حرم الله عليك نحو هذا الإنسان، فهذا لا بد من وعيه، الزوجة والسرية يباح لهما النظر والاستعمال مطلقاً بشهوة وبغير شهوة، ما عداهما لا يباح له النظر إلا عند الحاجة بالشرط الأول من غير شهوة، والضرورات تبيح المحظورات، والضرورة تقدر بقدرها، وإذا ضاق الأمر اتسع ورحمة الله واسعة، وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78]، هذا فيما يتعلق بعورة الرجل، وهو أحد القسمين عندنا.

    1.   

    عورة المرأة

    المعتمد عند المذاهب الأربعة في حد عورة المرأة

    القسم الثاني: عورة المرأة جميع بدنها عورة عند أئمتنا الأربعة، إلا الوجه والكفين، وحد الكفين إلى الكوعين، والمعتمد عندهم أنه يدخل في الكفين ظاهرهما وباطنهما، هذا هو المقرر عند المذاهب الأربعة وهي في الكتب الأربعة المتقدمة في المذاهب الأربعة التي ذكرتها في نفس المكان عند عورة الرجل، ويضاف إليها المغني الجزء الأول والجزء السابع صفحة ستين وأربعمائة، عند ذكر النظر إلى المرأة حال الخطبة وبين عورة المرأة، وما الذي يعد منها عورة وليس بعورة، وفي فتح القدير للـكمال بن الهمام في الجزء الأول صفحة تسع وخمسين ومائتين، وتفسير الإمام القرطبي في الجزء السابع صفحة اثنتين وثمانين ومائة.

    إذاً: كل المرأة عورة إلا الوجه والكفين، ولنمشي خطوة خطوة في مراحل البحث، فلا علاقة على الإطلاق بين كون الوجه ليس بعورة، وبين كونها يجوز لها أن تكشفه، أو يجوز لنا أن ننظر إليها، هذه ثلاث مسائل:

    الأولى: هل هو عورة؟

    الثانية: هل يجوز أن تكشفه؟

    الثالثة: إن لم يكن الوجه عورة هل يجوز النظر إليه إذا كشف؟ هذه ثلاث مسائل، يأتينا الكلام عليها إن شاء الله.

    إذاً المعتمد عند المذاهب الأربعة أن المرأة كلها عورة إلا الوجه والكفين، وحد الكفين إلى الكوعين، والمعتمد ظاهر الكفين وبطنهما.

    قول آخر في حد عورة المرأة وأدلته

    وذهب بعض أصحاب الإمام أحمد كما في المغني إلى أن جميع بدن المرأة عورة، والوجه والكفان كما هو الحال في بقية أجزاء جسمها، وبقية الأجزاء متفق عليها.

    قال الإمام ابن قدامة في المغني: قال أبو بكر بن الحارث بن هشام : المرأة عورة كلها حتى ظفرها عورة، واستدل على ذلك بقول نبينا صلى الله عليه وسلم: (المرأة عورة)، والحديث صحيح ثابت ثبوت الشمس في رابعة النهار، رواه الإمام الترمذي، وقال: هذا حديث حسن غريب، وهو في جامع الأصول في الجزء السادس صفحة خمس وستين وستمائة، ورواه ابن حبان في صحيحه كما في الإحسان في الجزء السابع صفحة ست وأربعين وأربعمائة، وبوب عليه فقال: باب ذكر الأمر للمرأة بلزوم قعر بيتها؛ لأن ذلك خيرٌ لها عند ربها جل وعلا.

    ورواه البزار ، وابن خزيمة في صحيحه في الجزء الثالث صفحة ثلاث وتسعين، والطبراني في معجمه الكبير كما في المجمع في الجزء الثاني صفحة خمس وثلاثين بسند رجاله موثقون، ورواه الطبراني في معجمه الأوسط كما في المجمع في الجزء الرابع صفحة أربعة عشر وثلاثمائة، ورجاله رجال الصحيح، والحديث حسنه الترمذي ، وهذا هو الموجود في نسخة الترمذي هذا حديث حسن غريب، لكن نقل المنذري في الترغيب والترهيب في الجزء الثاني صفحة سبع وعشرين ومائتين عن نسخة عنده لسنن الترمذي، أن الترمذي قال: هذا حديث حسن صحيح غريب، فعندنا زيادة صحيح.

    وكذلك قال صاحب كتاب العناية في شرح الهداية للمرغيناني في الجزء الأول صفحة تسع وخمسين ومائتين نقل عن الترمذي : هذا حديث حسن صحيح غريب، وكذلك فعل الإمام الزيلعي في نصب الراية في الجزء الأول صفحة ثمان وتسعين ومائتين: هذا حديث حسن صحيح غريب، والحديث في الدراية في الجزء الأول صفحة ثلاث وعشرين ومائة، والحديث سواء كان حسناً أو صحيحاً فهو ثابت حجة، ولفظه عن سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، عن نبينا المحبوب عليه الصلاة والسلام أنه قال: (المرأة عورة)، ولم يستثن شيئاً منها، (المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان)، إلى هنا رواية الترمذي .

    الروايات الأخرى فيها زيادة وهي: (وإنها)، ولذلك ترجم الإمام ابن حبان فيما تقدم لهذه الزيادة، (وإنها أقرب ما تكون إلى الله وهي في قعر بيتها)، فقال: ذكر الأمر للمرأة بلزوم قعر بيتها؛ لأن ذلك خيراً لها عند ربها جل وعلا.

    فقوله: (المرأة عورة، وإذا خرجت استشرفها الشيطان، وإنها أقرب ما تكون إلى الله وهي في قعر بيتها)، (استشرفها الشيطان) يعني: تطلع لها، ابتهج بها، احتفل، فإذا خرجت يتطلع إليها الشيطان من أجل أن يفتنها، وأن يفتن الناس بها، هذا هو معنى: (استشرفها الشيطان)؛ لأنها مصيدة من مصايده المحكمة، وهي شبكة من شباكه المبطلة، وهي سهمه الذي يضرب به فلا يخطئ، وما آيس الشيطان من أحد إلا أتاه من قبل النساء.

    والحديث كما روي مرفوعاً عن نبينا عليه الصلاة والسلام روي أيضاً موقوفاً من كلام سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بسند صحيح وله حكم الرفع في معجم الطبراني الكبير كما في المجمع في الجزء الثاني صفحة خمس وثلاثين بسند رجاله ثقات، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: إنما النساء عورة، وإن المرأة لتخرج من بيتها وما بها بأس، فيستشرفها الشيطان، فيقول: لا، إنك لا تمرين برجل إلا أعجبتيه، انتبهي الآن لك شأن.

    وأخبرني بعض الإخوة في بعض البلاد: أن المرأة إذا خرجت من بيتها وعادت وما أحد تعرض لها، أو أسمعها كلاماً تتأثر وتقول عن نفسها إنها قبيحة، خرجت وعادت وما أحد قال لها: يا كذا، فهي تتضايق إذا ما أحد تعرض لها بسوء، اصطادها الشيطان وسيصيد بها، وفي البلاد العربية الغوية التي حصل فيها التهتك يرى الإنسان أحياناً ما لا يراه في حظيرة الدواب، من ميوعة وسقاطة وقلة حياء في الشوارع العامة، وهكذا أندية العراة، وهكذا مدن العراة، بعض المدن والأماكن في بعض البلاد لا يدخلها الإنسان إلا إذا كان عارياً كما ولد ليس عليه ما يستر العورة المغلظة، فيدخلوا جميعاً وكلهم عراة، الحمير لها ذنب يستر سوأتها، وهل شكل السوأتين محمود؟ كيف وصل الانحطاط البشري إلى هذا الحد، ونحن مقبلون على فصل الصيف الذي هو فصل جهنم نسأل الله العافية، الأرض تضج إلى الله في هذا الفصل من عتاة الأغنياء من المسلمين، يذهبون لبلاد أوروبا وبلاد الغرب يعبثون بالأعراض المحرمة من الذكور والإناث، نسأل الله اللطف والعافية بفضله ورحمته، إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

    إذاً سيستشرفها الشيطان فيقول: إنك لا تمرين بأحد إلا أعجبتيه، قال سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: وإن المرأة لتلبس ثيابها فيقال لها: أين تريدين؟ من القائل؟ إما الملائكة، والمعنى: أين ستذهبين يا أمة الله؟ بيتك خير لك وأفضل، وإما أن القائل بعض الإنس من أهلها من أصحابها ممن هو في البيت، فالمعنى: أين ستذهبين من البيت؟ وأين ستخرجين؟ فتقول: أعود مريضاً، أو أشهد جنازةً، أو أصلي في مسجد، أريد أن أذهب إلى مواطن الطاعة والبر، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: وما عبدت امرأة ربها مثل أن تعبده في بيتها.

    والحديث كما قلت في معجم الطبراني الكبير، ورواه الإمام ابن خزيمة في أوائل كتابه التوحيد في صفحة ثمان عشرة بنحو هذا اللفظ المتقدم موقوفاً على سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم وأرضاهم.

    قول ثابت في حد عورة المرأة

    بعض العلماء ممن ينتمي إلى المذاهب الأربعة ذكر تفريقاً في عورة المرأة خلاصته: أن الوجه والكفان ليسا بعورة للمرأة في صلاتها، فإذا صلت فلها أن تكشف هذين العضوين، وهما عورة في حق نظر الرجال إليها، فينبغي أن تسترهما، إلى هذا ذهب الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا وسيأتي قوله، وذهب إليه الصنعاني في كتابه سبل السلام في الجزء الأول صفحة ست وسبعين ومائة، قال: كلها عورة بالنظر إلى الأجنبي، ووجهها وكفاها ليسا بعورة بالنسبة إلى الصلاة.

    والإمام ابن القيم يقرر هذا في كتابه إعلام الموقعين -بكسر الهمزة ويقال له: أعلام الموقعين بفتحها- كما تقدم معنا في الجزء الثاني صفحة واحدة وستين، يقول: العورة عورتان أي للمرأة: عورة في النظر، وعورة في الصلاة، فالحرة لها أن تصلي مكشوفة الوجه والكفين، وليس لها أن تخرج في الأسواق ومجامع الناس كذلك، هذا في إعلام الموقعين.

    وقال في بدائع الفوائد في الجزء الثالث صفحة اثنتين وأربعين بعد المائة في موضوع ستر المرأة لوجهها وكفيها في الحج حالة الإحرام بغير البرقع والقفازين: وهذا مطلوب وواجب إذا كشفتهما فهي آثمة عاصية لله عز وجل بحضرة الرجال الأجانب، يقول عليه رحمة الله في تقرير هذا -وقد أفاض وأتى بما يشرح الصدر ويريح البال في هذه المسألة بقرابة صفحة ونصف في هذه المسألة-: أي نص اقتضى كشف وجه المرأة أو كفيها في حال الإحرام، أو أي مفهوم أو عموم أو قياس، أو أي مصلحة اقتضت ذلك؟ بل وجه المرأة في حال الإحرام كبدن الرجل، ستره بالمفصل بغير المخيط ممنوع محرم كالبرقع والقفازين، كما هو الحال للرجل، أنت عندما تحرم تغطي بدنك لكن بغير المفصل بغير المخيط الذي يحيط بالبدن، فلو جاز أن يلبس إزاراً مخيطاً وهو لا يجوز، لجاز له أن يلبس قميصاً مخيطاً وهو لا يجوز.

    إذاً: وجه المرأة كبدن الرجل، لا تلبس اللباس الذي يفصل للوجه ويفصل لليدين كالقفازين والبرقع، وما عدا هذا فوجهها كبدن الرجل، كما أن الرجل لا يجوز له لبس المخيط، لكن يجب عليه ستر بدنه بغير المخيط المفصل على قدره، فهي كذلك تستر وجهها ويجب عليها ستره عن طريق السدل كما سيأتينا في الروايات ضمن بحثنا بعون الله وتوفيقه إن شاء الله.

    إذاً عندنا الآن المعتمد أن المرأة كلها عورة إلا الوجه والكفين ظاهرهما وباطنهما.

    هناك قول ثان لبعض الحنابلة: كلها عورة، وهناك قول ثالث في المسألة لمن ينتمي إلى المذاهب الأربعة، قال: عورة المرأة عورتان: الأولى: عورة الصلاة وهي كلها عورة إلا الوجه والكفين، الثانية: عورة النظر، أي: في نظر الرجال الأجانب، كل هذا لا يجوز أن تكشف منه شيئاً، وذهب إلى هذا كما قلت ابن القيم ، والإمام الصنعاني عليهم جميعاً رحمة الله ورضوانه.

    1.   

    تغطية المرأة وجهها عند خوف الفتنة

    وكيفما كان الأمر سواء قلنا: إن المرأة كلها عورة، أو كلها عورة إلا الوجه والكفين في الصلاة، أو كلها عورة إلا الوجه والكفين في الصلاة وفي غيرها، كيفما كان الأمر على هذه الأحوال الثلاثة فلا يجوز للمرأة أن تكشف وجهها بحضرة الرجال الأجانب إذا خشي عليها أو منها فتنة، هذا محل اتفاق بين المذاهب الأربعة، وتقدم معنا الإشارة إلى هذا في ترجمة أمنا الطيبة المباركة سيدتنا عائشة رضي الله عنها، وقلت هناك: لا ملازمة بين كون الوجه عورة وبين جواز كشفه وجواز النظر إليه، كما هو مقرر عند أئمتنا، كما في كتاب العناية في شرح الهداية في الجزء الأول صفحة ستين ومائتين، وعبارته: إذا خشيت الفتنة، وتوقعت المحنة وجب الستر وحرم النظر.

    ومثل هذا في رد المحتار على الدر المختار حاشية ابن العابدين في الجزء الأول صفحة سبع وأربعمائة، وحاشية الإمام الطحاوي في الجزء الأول صفحة واحدة وتسعين ومائة، وفيهما: تمنع المرأة من كشف الوجه، لخوف الفتنة من الفجور بها، أو الشهوة إليها، أي: لا لأنه عورة على حسب قول المذاهب الأربعة فيما هو معتمد عندهم، لكن لخوف الفتنة من الفجور بها والشهوة إليها، هذا مقرر عند الحنفية، ومقرر عند المالكية كما في حاشية الدسوقي في الجزء الأول صفحة سبع وتسعين ومائة، وعندهم الوجه والكفان ليسا بعورة كما تقدم معنا، يقولون: إن خشي بالنظر إليها فتنة وجب عليها ستر وجهها، في مشهور المذهب فلا علاقة إذاً بين كونه عورة وبين جواز الكشف، إن خشي بالنظر إليها فتنة وجب عليها ستر وجهها.

    وقيل: بالتفرقة بين الجميلة فيجب عليها أن تستر وجهها، وأما الدميمة فيستحب؛ لأن الفتنة بها قليلة أو منعدمة، لكن كما قال أئمتنا الكرام عليهم رحمة ربنا الرحمن:

    لكل ساقطة في الحي لاقطة وكل كاسدة يوماً له سوق

    وهكذا قرر سادة الشافعية، وهو المذهب الثالث:

    يقول الإمام ابن رسلان أحمد بن حسن بن حسين ، توفي سنة أربع وأربعين وثمانمائة للهجرة، ويقول هذا الإمام الرافعي كما في الروضة في الجزء السابع صفحة إحدى وعشرين: اتفق المسلمون على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه لا سيما عند كثرة الفساق، ولو كان الوجه عورة، فلا داعي لهذا الاتفاق؛ لأن العورة لا يجوز أن تكشف، وهذا محل إجماع، لكن تقدم معنا أنه ليس بعورة، فهل يجوز الكشف أم لا؟ اتفق المسلمون على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه لا سيما عند كثرة الفساق، هذا مذهب الشافعية، وهذا هو المقرر عند الحنابلة، ففي مجموع الفتاوى في الجزء الخامس عشر صفحة سبع وسبعين وثلاثمائة، يقول: في سياق كلامه على الأمرد وسيأتينا حكم النظر إليه إن شاء الله في بحث مستقل أختم به المبحث على موضوع العورة بعون الله جل وعلا، الأمرد وكذلك المرأة مع المرأة، وكذلك محارم المرأة مثل ابن زوجها وابنه وابن أخيها وابن أختها، متى يخاف عليه الفتنة أو عليها -يعني على محارمها أو عليها- توجه الأمر بالاحتجاب بل وجب.

    حتى الأمرد إذا يخشى عليه أو منه الفتنة فلا يسمح له كما سيأتينا بالتجول والاستطلاع في شوارع المسلمين، ولا سيما إذا كان يترتب على خروجه فتنة، حتى المرأة مع المرأة إذا كانت ستنظر إليها نظر خيانة فتتحجب أمامها، ولا تبدي شيئاً من جسمها، حتى المرأة مع محارمها كابن زوجها، وابن ابنه، وابن أختها، وابن أخيها، إذا كان لا يتورع من النظر إليها، وهذا يوجد في هذا الزمن الهابط، وما أكثره، كم من قصة نقلت لي من قبل أخ نسأل الله العافية يعتدي على أخته، وقصص ليست قصة، وكان بعض الناس قال لي: إني لا أستطيع أن أخرج مع زوجتي من البيت ولا مقدار ربع ساعة وأترك الأولاد في البيت، قلت: لماذا؟ قال: يعبثون ببعضهم، قلت: أولادك؟ فقال لي بتقدير الله: أنه خرج مرةً إلى المستشفى لحالة اضطرارية مع أهله فولده الكبير اعتدى على أخته الكبيرة، لكن قال لي: خلصها الله منه فسفح الماء بين رجليها وما استطاع أن يفتضها، فجاء يقول: ماذا أعمل به؟ أضربه بالرصاص أو أقتله وأستريح منه؟ هذا يقع بكثرة، ونقل لي هو عن أولاده يقول: إنه في الأسرة حتى الأولاد الذكور بعضهم يعبث ببعض وهم إخوة، أعوذ بالله يا جماعة من هذا الزمن الهابط الذي نعيش فيه، ولذلك عندما يرشد الشرع إلى أن يفرق بينهم في المضاجع فالحكم دائماً حكم لأجل وقاية الجيل من الأباطيل، ومن كل عمل رذيل، يخشى الأب أن يترك أولاده في البيت حتى لا يعبث بعضهم ببعض، لا يأمن الوالد أن يترك الأولاد مع بعضهم ربع ساعة في البيت، هذا موجود الآن في بيوت المسلمين، ليست بيوت يهود ولا نصارى، نسأل الله اللطف والعافية، جاء إلي ويعلم الله يقول لي: تفتيني أن أضربه بالرصاص وأقتله، قلت: يا عبد الله ستوسع الخرق عليك، أولاً: ستأخذ إلى تحقيقات في الدولة، الأمر الثاني: الفضيحة تزداد، ما دام ما حصل افتضاض يا عبد الله ما لك إلا أن تحتاط للمستقبل فلا يدخل على المكان الذي فيه نساء بالإطلاق، وتشد عليه وتغلظ عليه، ولتبحث عن مخرج من المخارج، لا أن تقتله، ثم تقتل الولد الثاني والثالث ليس هذا بحل للقضية، نسأل الله اللطف والعافية وحسن الخاتمة.

    فالمرأة إذا خشيت من ابن زوجها أو ابنه وجب عليها أن تستتر، وكذلك لو خشي عليها هي أن تفتتن به، وما أكثر من تقع بالفحش مع ابن زوجها؛ لأنه لا يوجد نفور كما بين الإنسان وأمه، فهذه زوجة أبيه، والتحريم ليس في قلبه شديد من ناحية النظرة الطبيعية، وهذا يقع بكثرة نسأل الله العافية، كم من إنسان أحياناً يكون عنده زوجات وهو هرم فيزاولن زوجاته الفحش والزنا مع أولاده الكبار في بيته، وهذا يقع بكثرة في الواقع، نسأل الله اللطف والعافية وحسن الخاتمة، فلو قدر أن مثل هذا وقع لأحدهم فليتق الله في نظره إلى زوجة أبيه، ويجب على الأب أن يمنع زوجته من القيام أمام ابنه بملابس الزينة، أو حتى بكشف الوجه أو اليدين أو.. أو.. فتكون مصونة، ولا تظهر أمامهم إلا متحجبة، ولا يدخل عليها ولا يخلو بها.

    إذا كان الأمر في المحارم كذلك، فكيف في الأجنبية عندما ستخرج في الشوارع عند انتشار الفساق في الزقاق؟! كيف سيكون حالها؟! والله الذي رفع السماء بغير عمد ما يفتي بجواز كشف وجه المرأة في هذه الأيام إلا خبيث نجس، لا يعظم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يشفق على أعراض المسلمين، ولا يراعي حرماتهم ولا يتقي الله في هذه الأمة المرحومة المباركة، وهو داعية فتنة، وداعية شر وبلاء.

    فأئمتنا عندما قالوا: إنه ليس بعورة، لا تظن المسألة أنها ستكون من باب الحمد لله وجدنا مخرجاً، لا يا عبد الله.

    أما أنا لأن تضرب رقبتي أيسر علي أن أقول: إن قول المذاهب الأربعة بأن الوجه ليس بعورة خطأ، أئمتنا بررة ما قالوا حكماً إلا وهو مأخوذ من أدلة الشريعة المطهرة، فالوجه ليس بعورة وقولهم حق، وقلت: لو ضربت رقبتي لتأخذ مني قولاً بجواز كشف المرأة وجهها، فسأقول: لا يجوز كشفه، هذا هو المقرر عند أئمتنا، فقلت: هل يلزم من كلام الأئمة أن الوجه ليس بعورة كشفه؟ لا ملازمة بين الكشف وكونه ليس بعورة، هناك إذا خشي منها أو عليها فتنة وجب ستر الوجه، باتفاق المسلمين ليس في ذلك خلاف، بل وسع أئمتنا الأمر وقالوا: إذا خشي حتى فتنة منها أو عليها مع المحارم أو مع النساء وجب عليها الستر. ما قاله أئمتنا حق معتبر.

    هناك قول ثان أن الوجه عورة انظر للمذاهب الأربعة كما تقدم معنا لبعض الحنابلة، هذا موضوع ثان، أما أن تقول لي: قول المذاهب خطأ، أنت ومن معك مخطئون، قول المذاهب حق. إذاً، هل يجوز للنساء أن يكشفن؟ لا ثم لا، هذا شيء وهذا شيء، ليس بعورة ويحرم كشفه، ولا يجوز النظر إليه إذا علم أو شك أو ظن الإنسان حصول فتنة له إذا نظر، فلا بد من ضبط الأمر بالضوابط الشرعية.

    وعلى ستر الوجه جرى عمل المسلمات في سائر العصور في جميع الأوقات، المرأة تنتقب وتستر وجهها، قال الإمام الغزالي وهو من علماء القرن الخامس في الإحياء في الجزء الثالث صفحة ثمان وأربعين، وزاد هذا الكلام تقريراً وشرحاً وإيضاحاً الإمام الزبيدي في شرحه في الجزء الخامس صفحة ثلاث وستين وثلاثمائة، ومقرر نظيره في فتح الباري في الجزء التاسع صفحة سبع وثلاثين وثلاثمائة: عمل المسلمين مستمر بأن المرأة إذا خرجت إلى الشارع تستر وجهها، هذا الذي تلقيناه عمن قبلنا، لا يوجد امرأة تخرج كاشفة لوجهها في الشارع، هذا عمل المسلمين في سائر الأمصار في سائر الأعصار، وهذا في القرن الخامس ونحن في القرن الخامس عشر يعني هم بعد عصر النبوة على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه خمسة قرون، ونحن نزيد عليهم بعشرة قرون مع الخمسة، يعني في عصرهم وما قبله لا يوجد كشف، ثم يقال في عصرنا يا معشر النساء! اكشفن، ما هذا الفقه البارد؟!

    1.   

    حكم تغطية المحرمة وجهها

    لقد قرر أئمتنا أن المرأة ينبغي أن تستر وجهها في حال إحرامها عندما تحج بيت ربها، وتجتنب النقاب ومثله البرقع وهو الذي فصل على قدر ستر الوجه، وهو ملاصق له كما تقدم معنا في كلام الإمام ابن القيم في بدائع الفوائد، ومثله في سبل السلام في الجزء الثاني صفحة ثلاث وخمسين ومائتين، وفي فتح الباري في الجزء الثالث صفحة ست وأربعمائة.

    وبهذا يحصل الجمع بين الآثار، التي ينبغي للمرأة ألا تستر وجهها في حال إحرامها، أي: ببرقع أو بنقاب مفصل على قدر الوجه، وأنه ينبغي أن تستر وجهها، لا تستر وتستر، لا تعارض، لا تستر الكفين بالقفازين، وتجعل لهما كماً طويلاً أو تدخلهما تحت ثيابها أو تحت عباءتها جلبابها ملحفتها، أما يظهران فلا يجوز.

    فإذاً لا تعارض بين الإثبات والنفي، النفي للباس معين مفصل على قدر الوجه، هذا تجتنبه، والجواز بشيء يسدل من الرأس يغطي الوجه فلا يظهر، وهذا ما كان يفعله النساء في خير الأوقات مع نبينا خاتم الأنبياء على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.

    ذكر حديث عائشة حول تغطية المحرمة لوجهها

    وسنذكر ما يدل على ذلك في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود وسنن ابن ماجه ، ورواه ابن خزيمة في صحيحه، والدارقطني في سننه، والبيهقي في السنن الكبرى من رواية أمنا الصديقة المباركة سيدتنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها، والحديث حسن لكن بشواهده، وبعض المشايخ هنا عمل ندوةً في الحج بشريط مسجل يقول: هذا الحديث في صحيح البخاري ، خف وزن صحيح البخاري حتى يعزى إليه كل شيء، وأنا أعجب كيف أن إنساناً يعد لمحاضرة ويأتي إليها وبعد ذلك لا يحسن عزو حديث، الحديث كما قلت في سنن أبي داود وابن ماجه ، وهو في المسند غير ذلك، وحوله كلام لكن يشهد له ما سنذكره، فيتقوى إن شاء الله حاله في درجة الحسن.

    عن أمنا الصديقة المباركة سيدتنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها، قالت: (كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله عليه الصلاة والسلام محرمات، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفنا ) تقول: هذا الذي نفعله، نحن حججنا مع النبي عليه الصلاة والسلام أعظم الحجات، وحج معه خير البريات، ومع ذلك إذا اقترب الرجال منا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فخمرت الوجه فلا يرى، إن هؤلاء ليس حجهم كحجنا في هذه الأيام فهم أهل انضباط وترتيب ونظام، فالنساء يسرن في جهة والرجال في جهة، هؤلاء في يمين الطريق وهؤلاء في يسار الطريق، هؤلاء يتقدمون وأولئك يتأخرون، فإذا التقوا في بعض مراحل الطريق وصارت محاذاة، فإن بعض الرجال يتأخر، وبعض النساء تقدمت، أو صار شيء من ضيق الطريق فحصل اجتماع بينهم فإن النساء تسدل ثوبها على وجهها، ولا يوجد مصاحبة في كل الطريق، وأما الآن في أيامنا فالمصاحبة موجودة من باب البيت إلى باب البيت، فإذاً: الستر واجب من البيت إلى البيت، ولا يجوز أن تفتح باب البيت إلا وقد سدلت على وجهها، هذا لا بد من وعيه وضبطه.

    آثار أخرى في تغطية المحرمة وجهها تشهد لحديث عائشة

    وهذا الحديث روي أيضاً عن أمنا أم سلمة في سنن الدارقطني ، وروى البيهقي في الكبرى في الجزء الخامس صفحة سبع وأربعين بسند صحيح عن أمنا عائشة رضي الله عنها من قولها، وله حكم الرفع إلى نبينا عليه صلوات الله وسلامه، فحديث أم سلمة يتقوى بأثر عائشة الموقوف عليها وله حكم الرفع، وأثر عن أسماء بنت أبي بكر وفاطمة بنت المنذر مع أسماء وإسناده صحيح كالشمس، فهذه أربعة آثار عن أربع من النسوة في نقل وقائع تتعلق، بهن فخبرهن يقدم على كل خبر في هذه المسألة.

    تقول أمنا عائشة رضي الله عنها: (المحرمة تلبس من الثياب ما شاءت إلا ثوباً مسه ورس أو زعفران ولا تتبرقع ولا تتلثم)، أي: لا تلبس البرقع، ولا اللثام وهو الذي تشده المرأة رباطاً على فمها وأنفها من أجل ألا يظهر شكل الوجه.

    قالت: (وتسدل الثوب على وجهها إن شاءت)، أي: إذا لم يكن بحذائها رجال، فإذا أرادت أن تكشف فهو جائز، وإن أرادت أن تغطي فهو مباح لها في حالة الإحرام، لكن إذا حاذاها الرجال فلا بد من أن تستر، وهذا الحكم يعلم من القواعد الشرعية الأخرى؛ أن المرأة لا يجوز أن تكشف وجهها بحضرة أجنبي إذا خشي عليها أو منها الفتنة كما تقدم معنا.

    وهذه الآثار الثلاثة يشهد لها ما روي في موطأ مالك ومستدرك الحاكم ، وقال: صحيح، وأقره الذهبي ، ورواه ابن خزيمة في صحيحه عن فاطمة بنت المنذر رضي الله عنها قالت: (كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر ، وكنا نمتشط قبل الإحرام)، نخمر وجوهنا أي: نغطي ونحن مع أسماء ، وهي صحابية صديقة، وتلقت هذا الهدي من نبينا عليه الصلاة والسلام، وعلمتنا إياه، فنحن مع هذا الركب المبارك بقيادة أسماء نخمر وجوهنا، ولا يرى رجل أجنبي وجه امرأة، ونحن محرمات، ونمتشط قبل الإحرام لأن المرأة تحتاج إلى الامتشاط في حال إحرامها فقد يسقط شيء من شعرها فيترتب عليه ما يترتب من فدية، فإذاً: قبل الإحرام تسوي المحرمة خلقتها، وتمتشط لشعرها من أجل أن لا يتلبد، فإذا لم تسرحه قبل الإحرام وبعد الإحرام فإنه يطول العهد فيتلبد الشعر فيؤذيها.

    رد على بعض المعاصرين حول أثر فاطمة بنت المنذر في تغطية المحرمة وجهها

    والأثر كما قلت سنده صحيح، وبعض الكتاب المعاصرين علق على هذا الأثر بتعليق كنت ذكرته ضمن ترجمة أمنا عائشة ، ولا بد من إعادته لنحذر الهوس والتشويش واللغط والسفاهة التي تنتشر في هذه الأيام، وصاحب الكتاب دكتور لكن بيطري، ألف كتاباً سماه: تذكير الأصحاب بتحريم النقاب، أي: يحرم على المرأة أن تنتقب ليس في حال الإحرام -فحسب- بل في جميع الزمان، فلا بد أن يكون وجهها مكشوفاً كالبقرة، فهذا الضال يرى أن الكشف واجب، وأن ستر الوجه محرم، إن الذي يقيم الآن في الكويت يقول أمر المرأة وإلزامها بتغطية وجهها أعظم من إعدامها وقتلها، وفيه امتهان لها وتضييع لكرامتها الإنسانية، فما طاب نساء الجنة إلا لأنهن مقصورات بالخيام، وقاصرات الطرف، فمقصورة لا تبرز ولا ترى، وقاصرة لا تتطلع إلى غير زوجها، ولا خير في المرأة إذا لم يكن فيها هاتان الصفتان.

    لا أريد أن أذكر ما في كتاب الدكتور البيطري من ضلال وجهل مركب، إنما أذكر كلامه حول أثر فاطمة بنت المنذر في صفحة تسع وتسعين ومائة، يقول: لا ندري من أين أتوا بهذا القول بستر الوجه، ولعلهم أتوا به من رواية أخرى عن فاطمة بنت المنذر تقول: (كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر )، ونحن نقول تعقيباً عليها -ما أسوأ وأشنع وأخبث هذا التعبير، لو قلت: وأنا؟ ومع ذلك إبليس قال: أنا خير منه فلعنه رب العالمين- قال هذا المخرف: ونحن نقول تعقيباً عليها: إن قول فاطمة بنت المنذر عن جدتها أسماء بنت أبي بكر لم يثبت، ولا نعرف له سنداً.

    يا عبد الله! أنت دكتور بيطري ما الذي أخذك الآن إلى كتب السنة وللتخريج وللإسناد والأسانيد، لو جاءك الحمار يشتكي فجرب أن تعطيه علاجاً، أما الأحاديث هل صرت طبيباً فيها، والله إن هذا الزمن زمن الفوضى العلمية التي لا نظير لها.

    قال الله: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ [النحل:43] فأقول: هو في موطأ مالك الذي يقول عنه الشافعي : ما أعلم تحت أديم السماء كتاباً أصح من موطأ مالك ، والحديث -أيضاً- في مستدرك الحاكم وصحيح ابن خزيمة ، أما تستحي من الله، حيث تقول: لم يثبت ولم يعرف له سند، اللهم إلا أنه ورد بصيغة التمريض التي لا يعتد بها في الإثبات وهي روي.

    من قال هذا يا مريض؟ من قال: روي؟ ثم يقول: فضلاً عن معارضة معناها لعموم النهي النبوي الشريف عن تغطية وجوه النساء في الإحرام بالنقاب فوجب إسقاطها بلا نزاع، ولذلك لم أجد سنداً صحيحاً ولا روايةً ثابتةً يمكن أن يعتمد عليها لإثبات ما يقولون.

    كلامه كثير، وفي نهايته يقول: يبقى بعد ذلك كله أن نقول: وما معنى هذا الحديث الذي نحن بصدده، أعني حديث فاطمة مع أسماء رضي الله عنها فإذا لم يكن يفيد إثبات التغطية في الإحرام فما معنى قول أسماء بنت أبي بكر : (كنا نغطي

    الجواب: أنها رضي الله عنها تحكي بصدق ولا شك عن أمرين كل النساء يفعلنهما في الإحرام، ثم جاء الشرع بعد ذلك بالنهي عنهما، فامتنع الرجوع إليهما بعد تمام الدين، وهذا هو ما يجمع بين النصوص بلا تعارض.

    أقول لهذا المغفل: أولاً: الأثر ليس عن أسماء فما عرفت أن تقرأ السند وهو أمامك، إنما الأثر عن فاطمة بنت المنذر في حج بعد موت النبي عليه صلوات الله وسلامه، فقولك: لا نجد له سنداً، والرواية ضعيفة، ورويت بصيغة التمريض روي، ثم قولك: على فرض ثبوته فقول أسماء : (كنا نغطي وجوهنا ونحن محرمات، وكنا نمتشط قبل الإحرام) هذا للإشارة لحالة ماضية في حج سابق، يعني في الجاهلية، فما حج النبي عليه الصلاة والسلام إلا حجة واحدة، والصحابة حجوا معه هذه الحجة حجة الوداع فثبت هذا الحكم الذي نسخ ما كان قبله، لا دراية عندك ولا رواية، فأين يوجد الحديث؟ في أي كتاب؟

    صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ [البقرة:171] ، أنت معذور فليست من صنعتك النص الذي أمامك عن فاطمة بنت المنذر : (كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات ونحن مع أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها) ثم تأتي وتقول: أسماء تقول: كنا أي بأمر سابق نسخ، هذا التمذهب وهذا هو الفقه الجديد، ولا أريد كما قلت أن أذكر كل ما في هذا الكتاب، ويعلم ربي عندما أقرأه أنني أضحك، حتى أقول: سبحانك ربي، إلى هذا الحد يوجد في خلقك من جمعوا بين سخافة الفكر وضحالة العقل، ثم بعد ذلك يجول ويصول، ويرد على الكبير والصغير والمتقدم والمتأخر، وزاد كتابه سوءاً رسم صورته في نهاية الكتاب، أما يعلم أن التصوير محرم؟ هذه العصا لتلك العصية، ولا تلد الحية إلا الحية، أما يحتاج إلى آية الكرسي! ما يحتاج إلا لصورة ترفق معه ليعلم الناس شكل هذا الكتاب، مقالات إسلامية كتب في هذه الأيام يضعون عليها الصورة أيضاً، عندما تنظر إلى صورة أحدهم تجدها كصورة كلينتون ، ما في وجهه شعرة توحد الله جل وعلا.

    أنت الآن تكتب مقالات شرعية، وتنشر كتابات وكل كاتب تعجب منه، لولا أن هويته معروفة لقلت: هذا يهودي أو نصراني أو مجوسي من أي الملل، إننا معشر المسلمين لنا زي ميزنا الله به، ثم تأتي وتعارض قضايا إسلامية وتريد وعياً، وتزعم أن المذاهب تخلف ورجعية، وتريد أن ننظر لصورتك، كيف قارنت بين الأمرين؟ كيف جمعت بين الأمرين النقيضين؟ مذاهب أئمتنا ما راقت لك، ووجهك هذا راق لك بهذه الصورة؟

    صار الإسلام كلأً مباحاً لكل شاردة، لماذا لا يوجد من يرعاه؟ هل ترون أحداً يستطيع أن يعرض فقط ولا يصرح بقوانين بلد من البلدان هل يستطيع؟

    يا إخوتي! شرع الله صار أحق من شرع العبيد، سبحان ربي العظيم، في هذه الأيام كل إنسان يهرف بما لا يعرف، وخذ ما شئت من أفكار تحت ستار التمذهب، نحن نريد الآن سلفية كتاباً وسنة على تعبير تلك المرأة: كتاب وسنة يا حبيبي لكن لا تأتينا بعد ذلك بمذهب أبي حنيفة أو الشافعي أن المرأة يجب عليها أن تتحجب ولا يبدو منها شيء، وتقول: نحن سلفية!

    كذلك فتح باب التمذهب والاجتهاد يجعل كل واحد يهرف بما لا يعرف، وهذا كله يبوء بإثمه الذين دائماً ضاقوا ذرعاً مما قرره أئمتنا، وعلى تعبيرهم: أرادوا أن يتحرروا، فهذا هو تحررهم صور منكرة، وقضايا والله يستحي منها الصبيان، يستحون لذكرها، فلا رواية ولا دراية وتألفوا كتباً تتطاير بها الدنيا هنا وهناك.

    هذا الكتاب أعطانيه بعض الإخوة عندما كنت في أبها، قال: سأهديك هدية في الكذب، قلت: أعوذ بالله هدية الكذب، اتق الله يا رجل! إنما سميت هدية لأنه تقدم بلطف وسهولة وبرفق، وما أحد يعطي هدية بغلظة، حقيقةً لما قرأته تقطع الكبد، تذكير الأصحاب -استمع- لتحريم النقاب وفق القواعد المستمدة من علمي الأصول والحديث، قلت: في أي حديث؟ وفي أي دواوين السنة حتى تقول: ما وجدنا هذا الحديث في كتاب، اللهم إلا أنه روي بصيغة روي أهذا على حسب قواعد مستمدة من علمي الأصول والحديث؟

    عندنا ألقاب لا نهاية لها، وهذا من باب التعليق على هذه العبارة العابرة التي مرت معنا، وإلا يوجد في هذا الكتاب من بلايا ورزايا ما الله به عليم.

    فقه آية الحجاب

    خلاصة الكلام: عندنا آية في القرآن تسمى بآية الحجاب يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الأحزاب:59] .

    وقررت سابقاً: أن كل من يقول: إن هذه الآية نزلت بفرضية حجاب المرأة وإلزام المرأة بالحجاب ينبغي أن يقول بوجوب ستر المرأة لوجهها أمام الرجال، ووجه الاستدلال كما قلت: إنه كان يكشف من النساء قبل آية الحجاب الوجه والكفان، وما كانت عادة العرب كشف الفخذين، ولا كشف الصدر، ولا كشف الظهر، لم يكن عندهم هذا الابتذال المنكر، وإنما وجد الآن في الحياة الغربية في بلاد أوروبا، لا يوجد امرأة عربية تمشي بسراويل ضيقة في وسط الشارع، هذا ما كان يوجد في جزيرة العرب! إنما النساء إذا احتاطت حتى في الجاهلية فإنها تتبرقع، وإذا شاءت تكشف الوجه، أما امرأة تتبذل وتجلس بملابس ضيقة، فإذا جلست يظهر الفخذان و.. إلى آخره.

    إن من شروط الصلاة أن يستر الإنسان العورة، وعورة الرجل ما بين السرة إلى الركبة، فلا يكشف عن فخذيه، والمرأة تستر ما هو أكثر من ذلك جميع جسدها إلا الوجه والكفين، ثم نزلت آية تأمر بستر ما كان يكشف، أعني: الوجه والكفين، إذاً: آية الحجاب أصالةً تأمر بستر الوجه والكفين، وليس لنا علاقة في كون الوجه والكفين عورة أو ليسا بعورة، إنما المرأة مأمورة بستر وجهها، وإذا قامت تصلي فالوجه ليس بعورة، فتكشفه، وحالها كما لو كشفت عن يديها، أو ساقيها، فلا تصح صلاتها، وكما لو كشفت عن شعرها، ولكن ينبغي أن يستر الوجه أمام الرجال الأجانب، لا بد من وعي هذا ووضعه في موضعه.

    وقد ثبت في صحيح البخاري وسنن أبي داود ، والحديث في جامع الأصول في الجزء الثاني صفحة ثمانين ومائتين وفي الجزء العاشر صفحة أربع وأربعين وستمائة، كما رواه النسائي في السنن الكبرى، والطبري في تفسيره، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه في تفاسيرهم، ورواه البيهقي في السنن الكبرى عن عائشة رضي الله عنها قالت: (يرحم الله نساء المهاجرين الأول، لما نزلت)، يعني: النساء المهاجرات الأول، ( لما نزلت آية الحجاب عمدن إلى أكتاف مروطهن فاختمرن بها، فشهدن الصلاة مع النبي عليه الصلاة والسلام كأن على رءوسهن الغربان)، اختمرن بها أي: تغطين، وتقدم معنا أنه رواه أبو داود في سننه، وعبد بن حميد في مسنده، وابن المنذر في تفسيره، وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أمنا أم سلمة رضي الله عنها أنها أثنت على نساء الأنصار، وأن هذه الآية لما نزلت عمد رجال الأنصار إلى بيوتهم، أي: ذهبوا فقرءوا على نسائهم هذه الآية فأصبحن بعد ذلك يصلين الفجر مع النبي عليه الصلاة والسلام متخمرات كأن على رءوسهن الغربان من الأكسية.

    فإذاً: هذا الحجاب هو ستر الوجه بما لا يظهره، وهذا ما قرره ابن حجر في الفتح في الجزء الثامن صفحة تسعين وأربعمائة، العيني في عمدة القارئ في الجزء التاسع عشر صفحة اثنتين وتسعين قال: (شققن مروطهن فاختمرن بها) أي: غطين بها وجوههن.

    وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى في الجزء الخامس عشر صفحة واحدة وسبعين وثلاثمائة، واثنتين وسبعين وثلاثمائة: أمر الله جل وعلا النساء بإرخاء الجلابيب لئلا يعرفن، وفرض الله الحجاب عليهن؛ لئلا يرى وجوههن وأيديهن، أي التي كانت تكشف، وتقدم معنا أن القاعد من النساء يرخص لها أن تتخفف من العباءة، وأن تكشف عن الوجه والكفين، وذلك إذا قعد سنها عن طلب النكاح والتشوق إليه وعن تشوق الرجال إليها كأن بلغت -مثلاً- سبعين أو ثمانين سنة، ووجهها تجعد، وظهرها انحنى، يرخص لها أن تكشف عن وجهها، وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ [النور:60] فهل نجعل الشابات كالقواعد من النساء؟!

    كلمة الشيخ مصطفى صبري حول حجاب المرأة

    إن الحجاب لا بد من الاعتناء بأمره في هذا العصر الحاضر، واحتجاب المرأة دلالة وبرهان على رقيها وحضارتها، كما أن سفورها دليل على همجيتها وانتقاصها، وهذا ما قرره مصطفى صبري في كتاب له، وكنت ذكرت لكم هذا الكتاب مراراً، وفيه مقالتان: مقالة في المرأة، ومقالة في تعدد الزوجات، ولو كتب كل حرف من هذا الكتاب على القلب لكان قليلاً في حق هذا الكتاب لهذا الشيخ المبارك، وتقدم معنا أنه آخر شيوخ الدولة الإسلامية، توفي سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة بعد الألف، يقول عليه رحمة الله في صفحة إحدى عشرة: هذا إجمال ما تحتويه المقالتان الآتيتان في مبدأ تعدد الزوجات، وفي السفور والاحتجاب، وهاتان المسألتان لا يزال يدور حولهما النقاش بين الفئة المتمسكين بدينهم وتقاليدهم، وبين فئة العائشين بأبدانهم في الشرق، وقلوبهم في الغرب، ومن أحاط بالمقالتين فهماً وعلماً سيرى أن العقل والنقل والفضيلة كلها تؤيد الفئة الأولى، الذين يتمسكون بدينهم وتقاليدهم وأن الوجه ينبغي أن يغطى، إلا أن الفئة الثانية على أبصارهم غشاوة من الشهوات، وفي أعناقهم أغلال التقييد القائلة: إنا وجدنا قدوتنا وقبلتنا الغربيين على أمة وإنا على آثارهم مهتدون، ووالله ما قالوا هذا إلا انطباعاً من الغرب وتقليداً لهم واقتداء بهم.

    يقول: فلا تحسبوا أن الأولين مقلدون لآبائهم، وقائلون: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ [الزخرف:23] ، والصنف الثاني مستدلون ماشون في طريقة العقل والتفكير، ولو قالوا لكان لهم بعض المعنى، أي: لو قالوا: نحن سنقلد آباءنا فإن لهم بعض العذر، حيث أن تقليد الآباء أقرب إلى الضد من تقليد الأجانب، مع أن تقليدهم عمى خالص، في حين أن تقليد الأولين له من العقل والفضيلة نصيب.

    ويقول: هذه المسألة المتمسكون بها مقلدون، والمتحللون منها مقلدون، لكن المتمسكين قلدوا دينهم وسلفهم، فأولئك عندما يمزجون يقولون: أنتم تقلدون، نقول: وأنتم لمن تقلدون؟ تقلدون الأجانب، والله تقليد الآباء مع ما في التقليد من معرة أيسر من تقليد الأجانب الأعداء، فكلانا مقلد، لكن أنتم قلدتم من غضب الله عليه، ونحن قلدنا من رضي الله عنه، فاختاروا!

    وقال في صفحة خمس وعشرين: ولا خلاف أيضاً في أن السفور حالة بداوة وبداية في الإنسان، والاحتجاب طرأ عليه بعد تكامله بوازع ديني أو خلقي، يدعه عن الفوضى في المناسبات الجنسية الطبيعية ويسد ذرائعها، ويكون حاجزاً بين الذكور والإناث، وقد خص الاحتجاب بالمرأة دون الرجل لاشتغاله في خارج البيت؛ ولأن موقفه في المناسبات الجنسية موقف الطالب وموقف المرأة موقف المطلوب، فيكون منه الطلب والإيجاب، ومنها القبول أو الإباء، واحتجابها يساوي إباءها وهي متحلية به أمام الرجل كيلا تحتاج إلى الإباء والرفض باللسان أو باليد ففيه صونها عن أن تكون عرضةً للرجال، فإذا تصدى لها الرجل وراودها بلحافه وأرادت هي قبول مراودته تسجر له، فهو ينم عن قبولها الطلب إذا أسفرت رأسها، وسفورها لرجل معين من غير سبق طلب منه شعار قبول متقدم، تقول: أريدك فتقدم، وإغراء له بالطلب، وسفورها العام شعار القبول والإغراء العامين، عندما تكشف وجهها كالبقرة وتمشي في وسط الشارع كأنها تقول: يا عباد الله! أنا لا أمتنع من أحد، متعرضة للجميع، شعارها القبول والإغراء لكن ليس لواحد خاص بل لكل العالمين.

    حقيقةً هذا هو الكلام المحكم الحق الذي يقوله ويقرره أئمتنا رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756321404