إسلام ويب

مباحث النبوة - الآفات الردية في الشهوة الجنسية [1]للشيخ : عبد الرحيم الطحان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن بقاء الجنس البشري مرهون باستمرار العلاقة بين الرجل والمرأة، وقد قدر الله لهذه العلاقة أن تكون مركوزة في فطر الرجال كما هي مركوزة في فطر النساء، ومع ذلك لم يترك سبحانه وتعالى هذه العلاقة بينهما دون نظام وقيود تضمن لها عدم خروجها من كونها علاقة شرعية إلى علاقة بهيمية لا يضبطها ضابط، وكما رتب أجراً وثواباً لمن أقام هذه العلاقة على أصولها جعل عقاباً وعذاباً على من تجاوز فيها وتعدى حدودها.
    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، يا أرحم الراحمين.

    اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين.

    سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    إخوتي الكرام! كنا نتدارس كما تقدم معنا فصلاً مستطرداً، جرنا إليه مبحث من مباحث النبوة، ألا وهو خلق نبينا عليه الصلاة والسلام مع أهله الكرام، وبعد أن انتهينا من مدارسة هذا الجانب من حياة نبينا عليه الصلاة والسلام وتبين معنا: أن من تأمل خلقه عليه الصلاة والسلام مع آل بيته الكرام عليه وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، لن يرتاب في أن نبينا رسول الله حقاً وصدقاً عليه صلوات الله وسلامه.

    إخوتي الكرام! كما قلت بعد أن انتهينا من هذا الجانب ينبغي أن نتدارس ترجمة لأمهاتنا أزواج نبينا على نبينا وعليهن صلوات الله وسلامه، وهذه الدراسة قلت سيسبقها ثلاثة أمور:

    أولها: في بيان مقاصد النكاح والحكم من مشروعيته.

    والأمر الثاني: في بيان حكم التعدد في حق الأمة.

    والأمر الثالث: في بيان حكم التعدد في حق النبي عليه الصلاة والسلام، بعد هذه المقدمات الثلاث ننتقل إلى مدارسة أمهاتنا أزواج نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.

    وكنا نتدارس إخوتي الكرام! الأمر الأول من هذه الأمور الثلاثة، وهي الحكم العامة والمقاصد البارزة من مشروعية النكاح، وقلت: لذلك حكم جليلة يمكن أن نجملها في خمس حكم:

    أولها: تحصين النفس البشرية من كل آفة ردية، حسية أو معنوية.

    والأمر الثاني: إنجاب الذرية التي تعبد وتوحد رب البرية، وتقدم معنا ما في إنجاب الذرية من فوائد في العاجل والآجل، في الدنيا والآخرة.

    وثالث الأمور: تحصيل الأجر لكل من الزوجين عن طريق حسن عشرة كل منهما لصاحبه ومساعدته أيضاً في النفقة.

    والأمر الرابع: تذكر لذة الآخرة.

    وخامس الحكم: ارتفاق كل من الزوجين بصاحبه وبأهل صاحبه.

    كنا إخوتي الكرام: بدأنا في الحكمة الرابعة ألا وهي: تذكر لذة الآخرة، وقدمت لها مقدمة لا زلنا نتدارس هذه المقدمة لننتقل بعد ذلك إلى كيفية تذكير النكاح بلذة عظيمة تكون في الآخرة إن شاء الله.

    إخوتي الكرام! تقدم معنا أن أعظم الشهوات الحسية عند بني آدم شهوة الجنس، وتقدم معنا تقرير هذا من كلام الله ومن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتبين معنا أن النفس البشرية لا تصاب بالعشق المفرط الذي يؤدي بصاحبه إلى تلف وهلاك إلا في هذه الشهوة، فمهما اشتهى الطعام لا يؤدي به ذلك إلى الهيام والجنون، وإلى أن يموت هماً وغماً لأنه ما حصل شهوة طعام ما، وهكذا شهوة الشراب، أما شهوة الجنس فقد يصاب الإنسان لضعفه وعدم تعلقه بربه أحياناً بالتلف والعشق والوسوسة والجنون، هذا حاصل في الناس بكثرة في القديم وفي الحديث، ونسأل الله أن يعلق قلوبنا به، وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

    تقدم معنا تقرير هذا.. أن هذه الشهوة هي أشد الأشياء تسلطاً على النفس البشرية، والنفس البشرية تقدمها على غيرها من الشهوات الحسية، وآخر ما ذكرته في ذلك الحديث الثابت في الصحيحين وغيرهما من قول نبينا عليه الصلاة والسلام: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم منكن)، وبينت ما يتعلق بهذا الحديث من معنى في الموعظة الماضية، ولا أريد أن أعيد شيئاً من ذلك، إنما هذا كما قلت آخر شيء ذكر في آخر الموعظة الماضية، أبني عليه لأنتقل بعد ذلك كما قلت إلى بيان أن هذه الشهوة مع تعلق النفس بها هي شهوة أيضاً خسيسة وضيعة، يعني: ليس لها قدر ولا اعتبار، ومع ذلك النفس تتعلق بها وتقدمها على غيرها، فكيف بالشهوة الحقيقية التي تكون في الجنة دار السلام.

    إخوتي الكرام! كما قلت هذه الشهوة لها هذا الأثر في النفس، وقد أشار نبينا صلى الله عليه وسلم إلى هذا أيضاً في أحاديث أخرى، سأقرر هذا بحديثين آخرين، ثم أنتقل إلى بيان منزلة هذه الشهوة وحقارتها في هذه الحياة، لنعلم أننا عندما نفعلها عن طريق الحلال نفعلها أرضاءً لذي العزة والجلال، وأما إذا عرضت على المرء من طريق حرام فيعرض عنها إعراض الكرام، ويقول: إني أخاف ذا الجلال والإكرام سبحانه وتعالى.

    إخوتي الكرام! مما يدل على تعلق النفس البشرية بهذه الشهوة الحسية أيضاً ما ثبت في المسند والكتب الستة إلا سنن أبي داود ، والحديث في الصحيحين والسنن الثلاثة، رواه الإمام الحميدي في مسنده، وابن أبي شيبة في مصنفه، ورواه ابن حبان في صحيحه، والطبراني في المعجم الكبير، والبيهقي في السنن الكبرى، والبغوي في شرح السنة، ورواه الإمام العدني وابن قانع كما ذكر ذلك الإمام السيوطي في جمع الجوامع، في الجزء الأول صفحة تسع وتسعين وستمائة.

    والحديث كما قلت في المسند والصحيحين وغير ذلك من رواية حب رسول الله وابن حبه على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، من رواية أسامة بن زيد رضي الله عنهم أجمعين، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء)، فهذه الشهوة الحسية لها هذا الأثر، تزيد كما قلت على أثر ميل الإنسان إلى الطعام والشراب وغير ذلك، (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء)، هذا لفظ الحديث إخوتي الكرام، وسمعت بعض الخطباء يذكره على المنبر بزيادة ما وقفت عليها، فلا بد من التحقق مما ينسب إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فيزيدون في الحديث يقول: (وما تركت بعدي فتنة أضر على النساء من الرجال)، كما قلت بعد تفتيش وبحث ما وقفت على هذه الزيادة، وإن كان المعنى صحيحاً، لكن لفظ الحديث: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء)، وأما تلك الزيادة فكما قلت ما أعلمها مروية، لكن المعنى حقيقة فيها صحيح، فكما أن أعظم فتنة للرجل المرأة، فأعظم فتنة للمرأة أيضاً الرجل، والأمر صحيح. ‏

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3088776347

    عدد مرات الحفظ

    778947543