إسلام ويب

النفاق ضد الإيمانللشيخ : عبد الرحيم الطحان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من أهم أسباب سوء الخاتمة النفاق، وحقيقته: الاتصاف بالإسلام ظاهراً مع مخالفته باطناً، ومنه مخالفة القول للفعل، والاتصاف بالكذب والخيانة والغدر، وقد ميز الله المؤمنين في الدنيا والآخرة عن المنافقين بسبب الصدق، وكان السلف رضوان الله عليهم يخافون كثيراً من النفاق، وقد ورد أن أكثر منافقي هذه الأمة قراؤها.

    1.   

    اغترار العباد بفعل الطاعات والغفلة عن المهلكات

    الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.

    الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً, وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً، وهو اللطيف الخبير.

    اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله، أنت رب الطيبين.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [هود:6] .

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [فاطر:3] .

    وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمةً للعالمين, فشرح به الصدور, وأنار به العقول, وفتح به أعيناً عمياً, وآذاناً صماً, وقلوباً غلفاً، فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن أصحابه الطيبين، وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    معشر الإخوة المؤمنين! كنا نتدارس صفات عباد الله الطيبين، الذين يعمرون بيوت رب العالمين، وكنا نتدارس الصفة الرابعة من صفاتهم ألا وهي: استعدادهم للقاء ربهم، وقد نعتهم الله جل وعلا بأنهم رجال, ووصفهم بأربع خصال: لا تلهيهم الدنيا عن طاعة ربنا، ويصلون لله جل وعلا ويسبحونه ويذكرونه، ويشفقون على عباد الله ويحسنون إليهم، يخافون من الله ويستعدون للقائه كما قال تعالى: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ [النور:36-37].

    وقد تدارسنا ما يتعلق بتعريف الخوف، ومنزلة الخوف في الإسلام، وثمرات الخوف التي يحصلها الخائف من ربه في عاجل أمره وآجله.

    وبعد ذلك شرعنا في مدارسة الأمر المتعلق بالصفة الرابعة من صفات عباد الله المهتدين ألا وهو: أسباب خوف المكلفين من رب العالمين، وقلت: إن أسباب الخوف كثيرة وفيرة، يمكن أن تجمع في ثلاثة أسباب:

    أولها: إجلال الله وتعظيمه.

    ثانيها: خشية التفريط؛ سواء كان ذلك التفريط في ترك المأمورات أو في ارتكاب المحظورات.

    وثالثها -وهو الذي بدأنا في مدارسته-: الخوف من سوء الخاتمة.

    وقلت: إن الخوف من سوء الخاتمة له أيضاً أسباب كثيرة يمكن أن ترد إلى سببين اثنين:

    أولهما: عدم خوف المؤمن على إيمانه من ذهابه، فما أحد أمن على إيمانه أن يسلبه إلا سلبه عند الموت، وقررت هذا الأمر بأمرين اثنين، فقلت: إن الإنسان في حالة الاحتضار يعاني من الشدائد والأهوال ما لم يمر عليه قبل ذلك في ليل أو نهار، فما يعاني الإنسان شدة أعظم من شدة الموت، فهي أعظم من ألف ضربة بالسيف، ومع ذلك قلت: تعظم المصيبة بالأمر الثاني؛ فيجتمع إبليس وجنوده حول المحتضر، ويقول إبليس -عليهم لعنة ربنا- لأتباعه: دونكم هذا فإن فات فلن تدركوه.

    فكيف سيكون حال الإنسان وهو في شدة تذهل الحليم، وتجعله حيران، وقد اجتمع عليه جميع الشياطين في ذلك الحين؟ أما المؤمن فكما قال تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم:27]، فإذا ظلمت نفسك وأسرفت في حياتك فالويل لك في ساعة مماتك، وإذا اتقيت الله فحاشا بكرمه أن يخذلك في ذلك الوقت، بل يثبتك الله جل وعلا ويقوي إيمانك، وتتنزل عليك الملائكة بالبشرى كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:30-32].

    وقد مضى الكلام على السبب الأول من أسباب سوء الخاتمة: وهو الأمن على الإيمان من الاستلاب والفقدان، وإذا كان الإنسان لا يأمن على إيمانه فإنه يشتد خوفه ويتعلق قلبه بربه جل وعلا.

    السبب الثاني من أسباب سوء الخاتمة: اغترار المكلفين بما يصدر عنهم من طاعات قاصرة، والغفلة عما فيهم من بليات مهلكة مدمرة.

    والبليات التي تسبب سوء الخاتمة عند الممات ثلاث:

    أولها: النفاق، وثانيها: البدعة، وثالثها: التعلق بالدنيا والركون إليها.

    فمن اغتر بالحالة الحاضرة، وأعجب بما يصدر عنه من طاعات ناقصة قاصرة، وغفل عما فيه من بليات مهلكات من النفاق والبدعة والتعلق بهذه الدنيا الدنية، التي لا تعدل جناح بعوضة عند رب البرية، من اتصف بشيء من ذلك يخشى عليه سوء الخاتمة، ونسأل الله حسن الخاتمة.

    وهذه الأسباب الثلاثة: النفاق, والبدعة, والتعلق بالدنيا هي التي سنتدارسها هنا بعون ربنا.

    1.   

    حقيقة النفاق

    أما النفاق -وهو أول الصفات الخبيثة التي إذا اتصف الإنسان بها يخشى عليه سوء الخاتمة- فإنه ضد الإيمان، والإيمان هو التصديق، يعني: أن تصدق الله في جميع أحوالك؛ في نيتك وفي جنانك، في مقالك وفي لسانك، في أعمالك وفي أفعالك، فإذا تغيرت عن هذا ففيك صفة من صفات المنافقين, وأمرك إلى رب العالمين.

    يقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( الإيمان بضع وسبعون شعبة؛ أعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان ). وهذه الشعب تتعلق بالجنان واللسان، والعمل بالجوارح والأركان، وهذا هو تعريف الإيمان، فهل حققت ذلك على وجه الكمال والتمام؟ إن كنت كذلك فأنت مؤمن, وإلا ففيك خصلة من خصال المنافقين، فكيف سيكون حالك عند الاحتضار وحضور الشياطين؟ نسأل الله حسن الخاتمة بمنه ورحمته، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

    نعم! إن النفاق يضاد الإيمان، وحقيقة النفاق كما قرر أئمتنا الكرام: اختلاف السر والإعلان؛ اختلاف سرك عن علنك، وتغاير واختلاف القول عن الفعل والعكس، وتضاد المدخل والمخرج، أمام الناس بصورة لكن إذا خلوت مع ربك جل وعلا في بيتك أو في غيره فأنت في صورة أخرى، هذه هي حقيقة النفاق، ولذلك قال العبد الصالح يزيد بن الحارث : من استوى سره وعلنه فذلك النصف؛ أي: هذا قام بالعدل وهو منصف، وإذا كان السر خيراً من العلن فهذا هو الفضل، وإذا كان العلن خيراً من السر فهذا هو الظلم والجور.

    فتأمل حالك, هل استوت سريرتك وعلانيتك؟ إذاً فأنت الآن منصف عادل أم هل كانت سريرتك خيراً من علانيتك؟ فأنت إذاً على خير عظيم، أم أن علانيتك خير من سريرتك؟ فأنت بلا شك إذاً من المنافقين، فانتبه على نفسك! والإنسان على نفسه بصيرة، وقد أنشد أئمتنا عليهم رحمة ربنا في هذا المعنى فقالوا:

    إذا الإعلان والسرُ في المؤمن استوى فقد عزّ في الدارين واستوْجبَ الثنا

    فإنْ خالفَ الإعلانُ سِراً فما له على سعْيه فضلٌ سوى الكَدِّ والعنا

    كما خالِصُ الدينار في السوقُ نافِقٌ ومغشوشه المردودُ لا يقْتضي الـمُنا

    أي: لو أردت بيع ليرة ذهبية خالصة فبائع الذهب يأخذها منك، ولو كانت مغشوشة فيها الحديد والنحاس والصفر لردوها عليك، ولنقص من قيمتها بمقدار ما فيها من خلط وغش، هذا معنى البيت الشعري:

    كما خالِصُ الدينار في السوقُ نافِقٌ ومغشوشه المردودُ لا يقْتضي الـمُنا

    والعملة المزورة لا ترد على صاحبها, وإنما يعاقب عليها، والإيمان المزور يرد عليك, وتعاقب عليه عند الله جل وعلا.

    فتأمل نفسك أخي الكريم! هل استوى سرك وعلنك؟ هل اتحد مدخلك ومخرجك؟ هل اتفق قولك وفعلك؟ فإذا اتفق فأنت منصف، وأفضل من ذلك أن يحسن السر ويكمل، ويزداد على العلن، والعكس من صفات المنافق.

    روى شيخ الإسلام الإمام عبد الله بن المبارك رحمة الله ورضوانه عليه في كتابه الزهد والرقائق، عن أبي عمرو قيس بن رافع -وهو من أئمة التابعين، خرج له أبو داود في المراسيل, وهو ثقة عدل إمام رضا-، قال: اجتمع صحابة وتابعون عند حبر الأمة وبحرها سيدنا عبد الله بن عباس رضوان الله عليهم أجمعين، فتكلموا فرقت قلوبهم، وواقد بن الحارث من الصحابة الكرام جالس حاضر ساكت، فقالوا: ألا تتكلم يا أبا الحارث ! قال: قد تكلمتم فأحسنتم وكفيتم.

    قالوا: لا بد من أن تتكلم وأن تشاركنا في الكلام، والله ما أنت بأصغرنا ولا بأقلنا منزلة! فقال هذا العبد الصالح أبو الحارث واقد ابن الحارث : إنني أرى أن القول قول صالح، وأن الفعل فعل آمن -أي: إذا نظرنا إلى أقوالنا فيظهر عليها الخوف والخشية، نخادع الله وما نخدع إلا أنفسنا وما نشعر-، فبكى الحاضرون عليهم رضوان الحي القيوم.

    نعم! إن الأمر كما قال أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: إن الناس قد أحسنوا القول كلهم، فمن وافق قوله فعله فقد أصاب حظه، ومن خالف قوله فعله فإنما يوبخ نفسه. لذلك قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:1-3]، وقال أيضاً: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ [البقرة:44].

    1.   

    أنواع الصدق التي تعين على التخلص من النفاق

    إخوتي الكرام! للخلاص من وصف النفاق لابد أن يتصف الإنسان بالصدق في جميع الأحوال؛ أن يصدق في قوله، وأن يصدق في نيته وعزمه، وأن يصدق في الوفاء بعزمه، وأن يصدق في فعله وعمله، وأن يصدق في مقامات الدين التي ينتسب إليها في كل حين، ولا يمكن للإنسان أن يحصل وصف الصادقين إلا إذا حقق الصدق في هذه الأمور الخمسة:

    الصدق في القول

    أولها: الصدق في القول؛ فينبغي إذا تكلمت أن يطابق القول الحقيقة التي أنت عليها.

    والحقيقة التي تتكلم فيها هي: أن لا يخرج قولك عن هذين الأمرين، وهذا أشهر أنواع الصدق؛ صدق المقال، ويدخل في هذا النوع كما قرر أئمتنا الأبرار: الصدق في الألفاظ التي تناجي بها الله عز وجل. فانتبه يا عبد الله! هل تحقق فيك قولك أم لا؟ فإن تحقق فيك فأنت صادق، وستوفى أجرك عند من لا يضيع أجر من أحسن عملاً، وإلا فأنت منافق مخادع.

    أخي الكريم! إذا قمت إلى الصلاة تقول: الله أكبر، أليس من مقتضيات هذا القول أن تشتغل بالكبير الجليل، وأن تغفل عن الحقير الصغير؟ فإذا قلت: الله أكبر بلسانك، وقلبك يهيم في كل واد فأنت عند الله من الكذابين، في صلاتك تعتبر منافقاً، ثم تقرأ دعاء الاستفتاح: وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الأنعام:79]، قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163].

    أي وجه وجهته إلى الله؟ تأمل قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم، إنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم )، فهل توجه القلب نحو الرب جل وعلا، أو الوجه إلى جهة القبلة والقلب مع الشيطان؟ ثم أنت تخبر في صلاتك: أن صلاتك ونسكك ومحياك ومماتك لله رب العالمين، فهل تحققت بذلك، أو جعلت لغير الله شيئاً من ذلك؟ إن تحققت فأنت صادق, وإلا فأنت كذاب مخادع.

    وعندما تقرأ الفاتحة -نسأل الله ألا يجعلنا ممن يقرءون القرآن والقرآن يلعنهم- تقرأ فيها في كل ركعة: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، وعبادة الله هي: أن تحكم شريعته في جميع شئون حياتك، وأن تكون الحياة كلها لله على حسب شرع الله، وتكون حياتك كلها قائمة وخالصة لله، هذه هي العبادة، ومن أجلها خلق الله الخليقة، فهل تحققت بذلك؟ وهل وثق قلبك بربك جل وعلا وأعرض عن غيره واستعنت به في جميع أحوالك، أم لجأت إلى مخلوق لا يملك لنفسه -فضلاً عن غيره- ضراً ولا نفعاً؟

    أنت وأنا أعلم بأنفسنا.

    أيضاً: عندما تسأل الله الهداية لصراطه المستقيم، فهل سعيت في طريق الهداية وفي طلب العلم النافع، وفي القيام للعمل الصالح؟ وهل بذلت لذلك الأسباب أم أنك في قولك دعي ٌ كذاب؟

    الإنسان -كما قلت- على نفسه بصيرة، فلنحقق هذا القول فينا، والله إننا لو تأملنا هذا لعلمنا أننا نتصف بالنفاق تسعين بالمائة على أقل تقدير في أقوالنا المخالفة لأفعالنا، هذا على أقل تقدير، إذا لم يكن نفاقنا في قولنا مائة بالمائة، وإذا كان الأمر كذلك أخي المؤمن! فكيف سيكون حالك عند الاحتضار عندما يجتمع عليك الشيطان وأتباعه الاشرار، وأنت في هذه الحياة منافق مخادع؟ كيف سيكون حالك عند الممات؟ أتدري من المنافق أخي المسلم؟!

    والمنافق الذي أخبر عنه صاحب سر رسول الله عليه الصلاة والسلام حذيفة بن اليمان عليهما رحمة ورضوان ذي الجلال والإكرام، كما في حلية الأولياء وكما في ذم النفاق للإمام الفريابي ، قال: المنافق هو الذي يصف الإسلام ولا يعمل به. سبحان الله العظيم! رحمك الله يا حذيفة! كأنك تتحدث عن واقعنا، وكأنك تصف حالنا رضي الله عنك وأرضاك، المنافق: هو الذي يصف الإسلام؛ يتكلم به، يقرأ القرآن، يدعو إلى الله، يتحدث عن صفات الطيبين، يقول: أنا مؤمن بالله العظيم، لكنه لا يعمل بذلك، هذا هو المنافق، فضع نفسك أخي الكريم! عند هذه الصفة، وتأمل في أي درجة أو دركة أنت؟

    الصدق في النية

    الأمر الثاني الذي لا بد من تحقيقه لتكون من المؤمنين الصادقين، وليفارقك وصف المنافقين المخادعين ألا وهو: الصدق في النية.

    النية: هي أن يكون باعثك في جميع أحوالك وجه ربك جل وعلا، كما أنك تنطلق وتقوم بالأفعال تنفيذاً لأمر الله، فينبغي أن تريد بجميع حياتك وجه الله جل وعلا، فهل خلص الباعث لله؟ وهل أردت بجميع أعمالك وجه الله؟ أنت أعلم بسرك أخي الكريم! والإنسان على نفسه بصيرة.

    والله إن النية إذا تكدرت فإنه يرد العمل ولا يقبل عند الله عز وجل، إن العمل من غير نية هباء، والنية من غير إخلاص رياء، وأنت في الحالتين منافق مخادع لا يقبل عملك، فإذا لم يكن لك نية في العمل فلا قيمة له عند الله عز وجل، وإذا كان لك نية لكن فيها دنس، وفيها مشاركة غير الله مع الله، فهو أغنى الشركاء عن الشرك، ومن عمل عملاً أشرك فيه مع الله غير الله فهو للذي أشرك, والله منه بريء.

    أخي الكريم! تأمل لهذا الحديث الذي يخلع قلوب المؤمنين؛ لتعلم أنهم حقيقة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار، تأمل لهذا الحديث الذي يرويه الإمام أحمد في المسند، ومسلم في صحيحه، وابن حبان في صحيحه، وهو في سنن الترمذي ، وصحيح ابن خزيمة وتفسير الطبري ، ورواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد، وأبو نعيم في الحلية، ورواه ابن المنذر في تفسيره، ولفظ الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه في حديثه في بيان الذين تسعر بهم نار جهنم قبل غيرهم.

    وسأذكر رواية الإمام الترمذي وابن خزيمة والطبري لهذا الحديث، لكن هنا زيادة في المقدمة عن شفي الأصبحي ، وهو من أئمة التابعين رضوان الله عليهم أجمعين، حديثه في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وأخرج له ابن ماجه في التفسير، وروى له البخاري في كتابه: خلق أفعال العباد وهو من الأئمة الصالحين: قال: (قدمت المدينة المنورة فرأيت أناساً يجتمعون حول رجل، فجلست معهم، فلما انفض المجلس قلت: من هذا؟ قالوا: هذا أبو هريرة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: فذهبت معه, وقلت: أريد أن تحدثني بحديث علمته من النبي صلى الله عليه وسلم وعقلته؟ قال: أجل، سأحدثك بحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام علمته منه وعقلته، وقد حدثني به في هذا المكان، ليس مع النبي عليه الصلاة والسلام أحد غيري، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنشغ أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه نشغة وسكت؛ أي: شهق شهقة، واعتراه الغشي وأصابه الصعق، فما استطاع أن يحدث بحديث النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بعد أن صحا قال: أجل، سأحدثك بحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام علمته وعقلته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نشغ نشغة وسقط، ثم صحا بعد الثانية فقال في الثالثة ما قاله في الأولى والثانية، ثم صحا بعد الثالثة، فقال: أجل، سأحدثك بحديث عقلته عن النبي عليه الصلاة والسلام وعلمته، فنشغ الرابعة, وخر على وجهه، يقول شفي : فأسندته إلى حجري، فمكث ما شاء الله أن يمكث, فلما صحا، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أول ما تسعر النار على ثلاثة من الخلق)، انظر للأعمال التي قاموا بها، وانظر لفساد النية التي تلبسوا بها، ( قارئ القرآن, والمجاهد, والمتصدق، يؤتى بقارئ القرآن فيعرفه الله نعمه فيعترف بها ويقر، فيقول الله له: ماذا عملت؟ يقول: رب! قرأت القرآن وأقرأته الناس، فيقول الله له: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ويقول الله: إنما قرأت وأقرأت ليقال: فلان قارئ، وقد قيل، ثم يأمر الله الملائكة أن تأخذه فتطرحه على وجهه في نار جهنم ).

    انتبه أخي الكريم! ما كذبه الله في فعله، وما قال له: لم تقرأ، بل قال: قرأت وأقرأت؛ لكنك كاذب في أنك تريد بهذا العمل وجه الله، بل النية فاسدة، وهكذا ( المجاهد يعرفه الله نعمه فيعترف بها ويقر، فيقول الله له: ماذا عملت؟ يقول: رب! قاتلت في سبيلك حتى قتلت، فيقول الله له: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ويقول الله له: قاتلت ليقال: فلان جريء، وقد قيل، ثم يأمر الله الملائكة أن تسحبه على وجهه فتطرحه في نار جهنم، ثم يؤتى بالمتصدق فيعرفه الله نعمه فيعترف بها ويقر، فيقول الله له: ماذا عملت؟ فيقول: رب! ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيه إلا أنفقت، قال: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ثم يقول الله له: إنما تصدقت ليقال: فلان جواد وقد قيل ).

    هذا الحديث إخوتي الكرام! سمعه شفي من أبي هريرة عن النبي -على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه- فحدث به معاوية بن أبي سفيان رضوان الله عليهم أجمعين، فلما حدث به معاوية من قبل شفي بكى وبكى وبكى، حتى ظن الحاضرون أن البكاء فالق كبد معاوية وصعق رضي الله عنه وأرضاه، فلما صحا مسح دموعه والعرق عن جبينه ثم قال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، مصداق هذا في كتاب الله، قال الله تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ [هود:15]، أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [هود:16].

    أراد بعمله غير وجه ربه، من قراءة القرآن، وجهاد في سبيل الرحمن، وتصدق على المحتاجين من الأنام، ما كذبه الله في العمل فقد صدر منه، لكن قال: نيتك فاسدة, وما أردت بعملك وجهي، فتفقد نيتك أيها الإنسان! فالله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ولا يعلمه إلا ربك، لكن ما في القلب يظهر عند الاحتضار، وما في القلب يظهر عند اجتماعنا أمام العزيز الغفار كما قال تعالى: يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ [الطارق:9]، أي: تظهر مكنونات الضمائر، يحصل ما في الصدور عندما تبعثر القبور، فانتبه لهذا أخي المؤمن! وتفقد حالك هل صدقت في نيتك مع ربك جل وعلا؟

    إذاً النوع الثاني: في النية وفي العزم، فينبغي أن تكون نيتك خالصة لله، وأن تعزم فيها بحيث لا يكون فيها تردد ولا فتور، ولا رخاوة ولا تذبذب.

    الصدق في الوفاء بالعزم

    الأمر الثالث الذي ينبغي أن تراعيه ليتحقق الصدق فيك، ولئلا تكون من المنافقين: صدق الوفاء بالعزم، فإذا صدقت في مقالك وفي نيتك فلا بد من أن تصدق في الوفاء بعزمك.

    وكم من الناس ناس ينوون الخير؛ لأنه لا يكلفهم شيئاً، فإذا تمكنوا منه وتيسرت لهم أسبابه فتروا عنه وتركوه؟! وهذا من خصال المنافقين؛ نويت أن تتصدق, وأن تبني المساجد, وأن تساعد المحتاجين, وتجاهد في سبيل الله ... إلخ، ثم مُكنت من ذلك، فعلام تراخيت وعلام فترت؟ أما عاهدت الله على الاستقامة؟ لم رجعت القهقرى؟ ولمَ نكثت؟ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ [الفتح:10].

    إن صفة الغدر وصفة نقض العهد هذه من صفات المنافقين، وليست من صفات المؤمنين الطيبين، تأمل لصفات المؤمنين نحو هذه الصفة ولصفات المنافقين:

    ثبت في المسند والصحيحين، وسنن الإمام الدارمي ، والحديث رواه ابن سعد في الطبقات أيضاً، وأبو نعيم في الحلية، ورواه ابن المنذر في تفسيره، ورواه البيهقي في شعب الإيمان، وابن أبي حاتم وابن مردويه في تفسيرهما، كما رواه الإمام البغوي في تفسيره معالم التنزيل بسنده، وهو في الصحيحين كما قلت: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (غاب عمي أنس بن النضر رضي الله عنه عن موقعة بدر، فقال: غبت عن أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة الأبرار رضوان الله عليهم، والله لئن أشهدني الله مشهداً آخر -أي قتالاً مع المشركين- ليرين الله ما أصنع.

    يقول أنس بن مالك: فلما كانت موقعة أحد تقدم أنس بن النضر رضي الله عنه، ولما حصل في الموقعة ما حصل من انكشاف الصحابة الطيبين، وغدر المشركين والتفافهم حول الجبل وصعودهم عليه، تقدم أنس بن النضر الذي عاهد الله أن يريه من نفسه ما يحب إن شهد موقعة أخرى، فقال: اللهم إني أعتذر إليك مما فعل هؤلاء -يعني: الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين, عندما انكشفوا وفر بعضهم- وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء يعني: الكفار، ثم تقدم، قال سعد بن معاذ : فرأيته وقابلته، فقال: يا سعد! ورب النضر، إني لأجد ريح الجنة من جهة أحد، قال سعد بن معاذ : ثم تقدم أنس بن النضر فقاتل حتى قتل، فوجدوا في بدنه بضعاً وثمانين ما بين ضربة بسيف، وطعنة برمح، ورمية بسهم، وقد مثل به المشركون ببدنه الشريف المبارك بعد أن قتلوه، فما استطاع أحد أن يعرفه إلا أخته ببنانه؛ جاءت وميزته، وقالت: هذا هو أخي أنس بن النضر.

    قال أنس بن مالك : فأنزل الله فيه وفي أشباهه: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا [الأحزاب:23-24] ).

    إذاً: إذا عزمت وتمكنت فأوف بما عزمت عليه، وإياك ونقض العهد مع الله، إن نقض العهد مع العباد نفاق، فكيف بنقض العهد مع الكريم الخلاق؟ انظر للمنافقين الذين نقضوا عهودهم مع رب العالمين، كيف أخبر الله عنهم في سورة الفاضحة في سورة التوبة براءة، فقال جل وعلا: وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ [التوبة:75-78]، قارن بين السورتين: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [الأحزاب:23] وهنا: فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [التوبة:76] ونقضوا عهدهم مع الحي القيوم، إن نقض العهد وعدم الوفاء بالعزم من أبرز صفات المنافقين، فانتبه لهذا الوصف الذميم اللعين!

    الصدق في الأعمال

    الأمر الرابع الذي لا بد من الاتصاف به لنكون من الصادقين ولنفارق المنافقين: الصدق في الأعمال؛ وذلك بمطابقتها لما في القلوب من أحوال، ولا ندخل الآن عند هذا الأمر في باب الرياء، لا ثم لا، إنما أنت أيها الإنسان! إذا صليت وخشع ظاهرك دون أن يراك أحد وأنت في غرفة مظلمة بينك وبين ربك، والظاهر أنك خاشع مخبت مطرق لكن القلب ساهٍ، فأنت من المنافقين، عملك ما وافق حالك. وإذا مشيت بين الناس بهدوء وسكينة وغضضت الصوت، وقصرت الطرف، وجمعت بين كتفيك لإظهار الذلة والمسكنة والتواضع عند الله، وقلبك كقلب فرعون وقارون، فهذا الوصف ما انطبق عليك فأنت عند الله من المنافقين، ينبغي أن يكون ما تظهره من أعمال مطابق لما في القلب من أحوال، فإذا لم يحصل اتفاق بين حال القلب والفعل، فهذا هو وصف المنافقين، فانتبه لهذا!

    ورضي الله عن شيخ الإسلام بلال بن سعد عندما قال: لا تكن ولياً لله في العلانية، وعدواً له في السر؛ أي: ظاهرك ظاهر الأولياء، وقلبك قلب الأعداء، وحال من يفعل ذلك فيختلف فعله عن حاله قلبه كحال من أتى إلى عدو شقي فألبسه لباس الصديق الولي، عميت الأمر على الناس، هذا عدو شقي تلبسه لباس الأولياء؟ وهكذا كذلك قلبك فيه ما فيه، ثم بعد ذلك تظهر الخشوع والمسكنة، والتواضع، وفي قلبك من الفساد ما لا يعلمه إلا رب العباد.

    أخي الكريم! تحقق من قول الله عند هذا البحث: وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ [الزمر:47]، كم من إنسان يقوم في خلوته؛ ليناجي ربه وهو مسجل في ديوان المنافقين؟ في حال مناجاته لرب العالمين أطرق وخشع البصر لكن القلب ساه لاه، فما طابق فعله حال قلبه، هذا هو اختلاف السر والعلن، اختلاف القول والعمل، اختلاف المدخل والمخرج، هذا هو حقيقة النفاق، فتأمل هذا أخي الكريم!

    الصدق في مقامات الدين

    والأمر الخامس وهو آخر الأمور التي لا بد من أن تصدق فيها: الصدق في مقامات الدين.

    أخي الكريم! أعظم منة منها الله علينا الإيمان به ومحبته ومحبة رسوله عليه الصلاة والسلام، نعمة الإيمان لا يعدلها نعمة، فأنت عندما تقول: أنا مؤمن، أتدري ما معنى هذه النعمة؟ أنك تصدق بجنانك، وتقر بلسانك، وتعمل بأركانك، وأن تحافظ على شعب الإيمان. فهل اتصفت بذلك أم أنك كذاب فيما تقول كما قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ [البقرة:8-9]؟

    أخي الكريم! عندما تقول: أنا محب لله، أنا راج لله، أنا خائف منه، أتدري ما معنى المحبة؟ المحبة أن لا يتقدم أحد على الله عندما تحبه، فتعلق قلبك به، واشتغلت جوارحك بخدمته، هل حصل هذا منك؟ إن خالفت هذا فأنت كذاب، كما قال بعضهم:

    تعصي الإله وأنت تزعم حبه هذا عجيب في القياس بديع

    لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع

    عندما تقول: أنا راج لله؛ أي: ينبغي أن تقطع أملك عن غير الله مهما كان شأنه، ثم أنت تتعلق بهذا وذاك من أجل لعاعة من الدنيا، أي رجاء هذا الذي تزعمه؟ وعندما تقول: أنا خائف من الله عز وجل، ثم بعد ذلك تخاف من ظلك وتخشى الموت, كما يخشى المؤمنون الصالحون غضب الله عز وجل، فأي خشية في قلبك من ربك جل وعلا؟ هل الخشية كلام يقال باللسان؟ وهل المحبة دعوى يدعيها الإنسان؟ لا ثم لا، لابد من إثبات وبرهان.

    وهكذا ما يشاع في هذا الزمان من انتساب إلى السلف الكرام، فيقولون: نحن السلفية، وننتمي للسلف الصالح، ولا خير فيمن لا ينتمي إليهم، لكن ينبغي أن نعرف قدرنا, وأن لا نلوث منزلة سلفنا.

    إن الذي ينتسب إلى السلف الصالح ينبغي أن يتحقق فيه العلم النافع، والخشية من الله, والأدب مع خلق الله جل وعلا، فإذا وجد فيه هذا فهو سلفي، وأما ادعاء طريقة السلف، وأنهم سلفية، ثم في نفوسهم وفي بيوتهم كل آفة ورذيلة، فهل كان في بيوت السلف الكرام -مثلاً- مزامير الشيطان؟ سبحان ربي العظيم! والله إن المجتهد فيها كاللاعب عند سلفنا، لو رأوا أعظم متعبد مجتهد فينا لما وصل إلى درجة اللاعب عند سلفنا الكرام، والله الذي لا إله إلا هو لو رأيناهم لقلنا: إنهم مجانين؛ من جدهم واجتهادهم في طاعة رب العالمين، ولو رأونا لقالوا: كأن هؤلاء لا يؤمنون بالله العظيم, ولا يستعدون للقاء أرحم الراحمين في يوم الدين، ثم بعد ذلك يقال: سلفية وانتماء.

    لا تعرضن بذكرنا مع ذكرهم ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد

    والله لسنا بأهل لأن نذكر سلفنا الكرام، فضلاً أن نحشر أنفسنا فيهم وأن نقول: نحن سلفية، وعلى مسلك السلف، نعم، قلوبنا تحبهم وتتعلق بهم، لكن شتان شتان بيننا وبينهم، ونسأل الله أن يتوب علينا إنه أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين.

    أخي الكريم! لا بد من أن تحقق هذه المقامات فيك عندما تتدعي ذلك، وإذا لم تتحقق فيك هذه المقامات فأنت من المنافقين.

    1.   

    وقفة مع الاستثناء في الإيمان

    استحب أهل السنة الكرام الاستثناء في الإيمان، فإذا سئلت فقيل لك: هل أنت مؤمن؟ قل: إن شاء الله، لمَ؟ لأربعة أسباب معتبرة قررها أئمتنا البررة:

    أولها: للشك في كمال الإيمان لا في أصله، فلا يستطيع أحد على وجه الأرض أن يجزم بكمال إيمانه وتحقيقه، والإيمان إذا أطلق ينصرف للإيمان الكامل، وهذا غير موجود فيك، فعلام تقول: إنني مؤمن؟ بل قل: إن شاء الله.

    السبب الثاني: للشك في الخاتمة، فأنت لا تدري بأي شيء سيختم لك، هل سيختم لك بكفر وردة أو بإيمان؟

    وهل جاءك صك من الله بأنه سيختم لك على الإيمان وأنت من أهل الجنان؟ فإذا قيل لك: أنت مؤمن؟ قل: أرجو إن شاء الله؛ للشك في الخاتمة لا في الأصل.

    السبب الثالث: خشية تزكية النفس، فعندما تقول: أنا مؤمن، فإنك تزكي نفسك تزكية ليس بعدها تزكية، كأنك تقول: أنا من أهل جنات ونهر, في مقعد صدق عند مليك مقتدر. وهذه تزكية ينبغي أن تصون نفسك عنها، ثبت في معجم الطبراني الكبير وحلية الأولياء عن أبي البختري: أن بعض الصحابة الكرام جاءوا إلى سلمان الفارسي -منهم جرير بن عبد الله البجلي - ليبلغوه سلام أخيه أبي الدرداء في بلاد الشام، وسلمان كان في المدائن، قالوا: أنت سلمان صاحب النبي عليه الصلاة والسلام؟ قال: لا أدري، قالوا: سبحان الله! وكادوا أن يشكوا في أمره، أنت سلمان صاحب النبي عليه الصلاة والسلام؟ قال: لا أدري، قال: فمن أنت؟ قال: صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام من دخل الجنة، وما الذي يدريني أنني سأدخل الجنة؟ فهل عندي صك بذلك؟ نعم صحبته في هذه الحياة، لكن هل سأكون معه في غرف الجنات أم لا؟ لا يعلم هذا إلا رب الأرض والسماوات. سبحانك ربي! إذا كان هذا يقوله الصحابة الكرام، فكيف نطلق الدعاوى العريضة في هذه الأيام؟!

    السبب الرابع: تستثني في إيمانك من أجل تعليق الأمور بمشيئة ربك تبركاً بذكره، فقد أمرنا بذلك، فتقول: أنا مؤمن إن شاء الله متبركاً باسم الله.

    إذاً: ذكر الاستثناء يكون للشك في كمال الإيمان, وللشك في الخاتمة ونهايته؛ ولئلا تزكي نفسك؛ ولأجل أن تتبرك بذكر ربك، فإذا سئلت: هل أنت مؤمن؟ فقل: إن شاء الله.

    وقد ذكرت مراراً قول أمير المؤمنين -في الحديث- في زمانه سفيان الثوري عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا أنه قال: إذا سئلت: هل أنت من المتوكلين؟ قال: فاسكت، فإن قلت: لا، كفرت، وإن قلت: نعم، كذبت.

    ومثله لو قيل: هل أنت من الخائفين؟ هل أنت من المحبين؟ فقل: أرجو، إن شاء الله. أسأل الله أن يجعلني من هؤلاء، وأما أن تجزم بنعم، والله يقول من فوق عرشه: كذبت, ولن أقبل منك عملاً، من المتألي على الله جل وعلا؟

    هذه الأمور الخمسة: صدق في القول، وصدق في النية والعزم، وصدق في الوفاء بالنية والعزم، وصدق في الأعمال بمطابقتها لما في القلب من أحوال، وصدق في مقامات الدين، إن اتصفت بالصدق فيها وحققتها فأنت من الصادقين، وإلا فمن المنافقين، وكل إنسان ينبغي أن يعتبر هذا.

    1.   

    تميز المؤمنين عن المنافقين في الدنيا والآخرة بسبب الصدق

    إن الفارق الوحيد بين أهل الإيمان وأهل النفاق هو صفة الصدق، فصفة الصدق ميزت المؤمنين عن المنافقين في الدنيا، وفرقت بين المؤمنين والمنافقين في الآخرة، ففريق في الجنات وفريق في أسفل الدركات، فاستمع لتقرير هذا من كلام الله وكلام رسوله على نبينا وصحبه صلوات الله وسلامه.

    أما في الدنيا: فالذي يميز المؤمن على المنافق صفة الصدق، ثبت في مسند أبي يعلى والبزار , والحديث رواه الدارقطني ، والبيهقي ، ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب الصمت، وإسناده صحيح كالشمس، من رواية سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه.

    ورواه الإمام أحمد في المسند وابن أبي شيبة في المصنف من رواية أبي أمامة .

    ورواه الإمام الطبراني في معجمه الكبير، والبيهقي في شعب الإيمان، من رواية عبد الله بن عمرو ، مرفوعاً إلى النبي عليه الصلاة والسلام في الروايات الثلاث عن سعد وأبي أمامة وعبد الله بن عمرو .

    ورواه الطبراني في معجمه الكبير بسند صحيح موقوفاً على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه من قوله، ولفظ الحديث -أعني: حديث سعد الأول المتقدم- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يطبع المؤمن على كل خلة غير الخيانة والكذب ). أي: كل وصف يمكن أن تتصف به، وأن يزل الإنسان وأن يتوب إلى الرحمن غير الخيانة والكذب، الكذب يضاد الإيمان كما يضاد الملح العسل، والسم العسل، وهنا: كذب وإيمان لا يجتمعان، خيانة وإيمان لا يجتمعان؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ( يطبع المؤمن على كل خلة غير الخيانة والكذب ).

    وأما في الآخرة فالله جل وعلا يخبرنا في آخر سورة المائدة عندما يجمع المخلوقات ويقول للرسل: مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ [المائدة:109]. ثم قال نبي الله عيسى -عليه وعلى نبينا عليه الصلاة والسلام- ما قال، وختم قوله بما حكاه الله عنه فقال: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [المائدة:118-120].

    والشاهد في قوله تعالى: قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ [المائدة:119]، وتقدم معنا في آية الأحزاب: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا [الأحزاب:23-24].

    نعم, إخوتي الكرام! إن الصدق هو سيف الله في أرضه، ما وضع على شيء إلا قطعه، ولا واجه باطلاً إلا صرعه، ومن صال به لم ترد صولته، ومن نطق به علت على الخصوم حجته, هو روح الأعمال، وهو محك الأحوال، وهو الدافع إلى اقتحام الأهواء، وهو الباب الوحيد الذي يدخل منه الطيبون إلى حضرة ذي العزة والجلال، وهو فريضة الله الدائمة، لا يقبل الله من عباده فريضة من الفرائض إلا إذا حققوا هذه الفريضة؛ أعني: الصدق في جميع أحوالهم وفي جميع شئونهم وحياتهم، فمنزلة الصدق هي الفارق بين المؤمنين والكافرين في هذه الحياة, وهي التي تفرق بينهم إلى جنة النعيم وإلى نار الجحيم.

    أخي الكريم! تأمل هذه الصفة؛ أعني: صفة الصدق، هل اتصفت بها في جميع أحوالك؟ أمرنا الله أن نسأله الصدق في جميع أحوالنا فقال: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا [الإسراء:80]، وأخبرنا عن خليله إبراهيم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه أنه قال: رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ * وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ * وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ [الشعراء:83-85]، ومدخل الصدق: أن تدخل لله بأمر الله، ومخرج صدق: أن تخرج لله بأمر الله، لا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [الأنفال:47].

    ولسان الصدق الذي نطلبه أن يثني الناس علينا بالخير الذي فينا، وكم من عبد ينشر له من الثناء ما يملأ ما بين المشرق والمغرب ولا يزن عند الله جناح بعوضة، ومن اتصف بمدخل الصدق ومخرج الصدق جعل الله له لسان صدق، وأخبره الله أنه سيقدم على مقدم صدق. قال الله جل وعلا: الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ * أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ [يونس:1-2].

    وقدم الصدق فسر بثلاثة أمور مجتمعة متلازمة: فسر بالأعمال الصالحة، وفسر بنبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وفسر بالجنة، وحقيقة القدم ما يقدمه الإنسان, وما يقدم عليه، فهو قدم الأعمال الصالحة، ورأسها محبة خير خلق الله على نبينا صلوات الله وسلامه، ويقدمون على دار كرامة الله جل وعلا أن لهم قدم صدق، عمل صالح رأسه محبة النبي عليه الصلاة والسلام يفضي بهم إلى غرف الجنان في جوار الرحمن، كما قال الله جل وعلا: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر:54-55].

    أخي الكريم! تأمل هذه الصفات، هل هي فيك؟ فإن كانت فيك فاحمد الله فأنت من الصادقين، وإلا فنحن من المنافقين المخادعين، فكيف سيكون حالنا عند مفارقة الدنيا في حالة الموت عند الذهاب إلى رب العالمين؟

    أخي المؤمن! أنت بين أمرين لا ثالث لهما؛ إما أن تتحقق من نفسك النفاق -وهذا الذي لا أشك أنه فيك، وأسأل الله أن يحسن ختامنا- وإما أن تخشى على نفسك النفاق، ولا يمكن لمخلوق على الإطلاق أن يجزم لنفسه ببراءته من النفاق.

    إذاً: أنت بين أمرين: إما أن تقول: إنك منافق متحقق من ذلك، أو تخشى على نفسك النفاق، وفي الحالتين ينبغي أن يتقطع قلبك كما وصف الله الذين ما ألهتهم الدنيا، والذين عبدوه وأشفقوا على عباد الله بقوله: يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ [النور:37]، فلا يستطيعون أن يجزموا لأنفسهم بتمام الإيمان وكماله، فأقل الأحوال إذا بلغت الحماقة والغرور فيك مبلغها أن تقول: أخشى على نفسي النفاق، ولا تجزم به على نفسك.

    1.   

    الآثار الواردة عن السلف في الخوف من النفاق

    في صحيح البخاري في كتاب الإيمان باب نشير به إلى هذه القضية فقال: باب خشية المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر، وما يحذر من الإصرار على النفاق والعصيان، ثم أورد في هذا الباب آثاراً كثيرة سأقتصر على ثلاثة آثار عن بعض التابعين الأبرار:

    أولها: قال: وقال إبراهيم التيمي -وهو عبد صالح عاش أربعين سنة، وتوفي سنة اثنين وتسعين للهجرة، رحمة الله ورضوانه عليه، وهو القائل: إذا كان الرجل يتهاون بالتكبيرة الأولى فاغسل يدك منه-: ما عرضت قولي على عملي إلا خشيت أن أكون مكذباً، بصيغة اسم الفاعل واسم المفعول، أما اسم المفعول وهي الصيغة الأولى: إلا خشيت أن أكون مكذَباً؛ أي: عند الناس، أي: كان يعظ الناس، ويقول: إذا قارن الناس بين قولي وبين عملي يكذبوني، يقولون: أنت تعظ وعملك بخلاف ما تعظ.

    وعلى صيغة الفاعل أي: أنا مكذب من المنافقين، فأجزم لنفسي بذلك، وأنا أخشى على نفسي من هذا، مع أن الناس أيضاً سيقولون عني هذا.

    وهذا الأثر الذي أورده الإمام البخاري في صحيحه معلقاً بصيغة الجزم وصله الإمام البخاري في تاريخه كما وصله الإمام أحمد في كتاب الزهد، رحمة الله عليهم أجمعين.

    والأثر الثاني: قال: قال ابن أبي مليكة -وهو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة توفي سنة مائة وسبع عشرة للهجرة، حديثه كحديث إبراهيم التيمي مخرج في الكتب الستة-: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول: إنه على إيمان جبريل وميكائيل.

    فهؤلاء ثلاثون من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام أدركهم هذا التابعي يقول: كلهم يخافون النفاق على أنفسهم.

    وهذا الأثر الذي أورده الإمام البخاري معلقاً بصيغة الجزم، وصله ابن أبي خيثمة كما وصله محمد بن نصر ، وأبو زرعة رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين.

    والأثر الثالث: رواه عن الحسن البصري لكن معلقاً بصيغة التمريض فقال: ويذكر عن الحسن أنه قال: ما خافه إلا مؤمن، وإنما أورده الإمام البخاري بصيغة التمريض مع أنه ثابت -وقد وصله أبو نعيم في الحلية، والإمام الفريابي في ذم النفاق-؛ لأن عادة البخاري كما قال شيخ الإسلام الإمام ابن حجر في فتح الباري: أنه يذكر الأثر بصيغة التمريض, وإن كان إسناده ثابتاً إذا تصرف في روايته، فنقله بالمعنى أو اختصره.

    وهنا قد اختصر الإمام البخاري أثر الحسن ، ولذلك حكاه بصيغة التمريض من أجل التحقق من صيغته الكاملة والنظر فيها، فكأنه عندما اختصر الكلام وقع السامع في شيء من الإيهام، وهذا هو الحاصل، يقول شيخ الإسلام الإمام النووي رحمة الله ورضوانه عليه: (ما خافه إلا مؤمن)؛ يعني: ما خاف الله عز وجل إلا مؤمن، وليس هذا مراد الحسن من كلامه وإنما المراد: ما خاف النفاق، والأثر بكماله عن الحسن البصري : والله ما على وجه الأرض مؤمن قط فيما مضى وفيما بقي إلا وهو من النفاق مشفق، وما على وجه الأرض منافق قط فيما مضى وفيما بقي إلا وهو من النفاق آمن. ثم قال رحمة الله ورضوانه عليه: ما خاف النفاق إلا مؤمن، وما أمنه إلا منافق.

    فلما اختصر الآثار أورده بصيغة التمريض من أجل التأكد من صيغته الكاملة؛ لئلا يقع الإنسان في لبس في فهم معناه.

    سبحان ربي العظيم! شيخ التابعين إذا عرض قوله على عمله يخشى أن يكون مكذِباً ومكذَباً، وابن أبي مليكة يدرك ثلاثين من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام يخافون النفاق على أنفسهم، والحسن البصري يقول: لا يخاف النفاق إلا مؤمن، ولا يأمنه إلا منافق.

    نعم، هذا هو حال سلفنا رضوان الله عليهم أجمعين.

    1.   

    خوف عمر بن الخطاب من النفاق

    استمع لحال واحد منهم فقط وهو ثاني الخلفاء الراشدين أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

    ثبت في مغازي ابن إسحاق بلاغاً: أن عمر رضي الله عنه وأرضاه جاء إلى حذيفة رضوان الله عليه فقال: أنشدك بالله؛ أسألك الله، هل سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافقين؟ سبحان الله! أيها الخليفة الراشد المهتدي! أنت من المبشرين بجنات النعيم، ولن يخلف الله وعده وهو أصدق القائلين، ومع ذلك تتهم نفسك إلى هذا الحد، هل سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافقين؟ وهو سيد الملهمين المحدثين في هذه الأمة، فقال حذيفة رضوان الله عليهم أجمعين: لا، ولا أؤمل أحداً بعدك.

    وثبت في مسند البزار بسند صحيح، عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه: أنه دخل على أمنا أم سلمة رضوان الله عليها، فقال: (يا أماه! إني من أكثر قريش مالاً خشيت أن يهلكني مالي، فقالت: يا عبد الرحمن ! أنفق، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن من أصحابي من لا يراني بعد موته، فبكى عبد الرحمن بن عوف ، وخرج من عند أمنا أم سلمة رضوان الله عليها، فقابله عمر بن الخطاب وهو يبكي، فقال: ما لك؟ قال: سمعت أم سلمة رضي الله عنها تقول: أنها سمعت النبي عليه الصلاة والسلام يقول: إن من أصحابي من لا يراني بعد موته).

    فبكى عمر رضي الله عنه، ودخل على أمنا أم سلمة رضوان الله عليها وقال: يا أماه! هل سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم؟ أي: هل أنا ممن إذا ماتوا لم أر النبي عليه الصلاة والسلام، وسيحول الله بيني وبينه وسأكون من أهل النيران؟ قالت: لا يا عمر ، ولا أؤمل أحداً بعدك.

    سبحانك ربي! إذا كان هذا حال خير هذه الأمة وأفضل خلق الله بعد أنبياء الله ورسله على نبينا وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، فماذا نقول نحن؟ والله الذي لا إله إلا هو لو جزمنا بنفاقنا مائة بالمائة لكان قليلاً في حقنا، ماذا نقول نحن؟ أخشى أن نكون في هذا الزمن ممن عناهم عبد الله بن عمرو بن العاص ، والأثر ثابت عنه في مستدرك الحاكم بسند صحيح على شرط الشيخين، أقره عليه الذهبي فقال: يأتي على الناس زمان يجتمعون فيه في المساجد ليس فيهم مؤمن.

    سبحانك ربي! هل هذا هو الزمن الذي نعيش فيه ليس فيهم مؤمن؟! ومؤمن نكرة في سياق النفي, ليس فيهم مؤمن واحد وقد اجتمعوا في بيوت الله، فكيف سيكون حال من آذى من في المساجد؟!

    1.   

    ارتفاع القرآن من الأرض في آخر الزمان

    وأخشى أن يكون حالنا كما في قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الذي ثبت في مستدرك الحاكم وفي معجم الطبراني الكبير بسند رجاله رجال الصحيح غير شداد بن معقل ، وهو ثقة؛ فالحديث صحيح، وقد نص الحافظ ابن حجر في فتح الباري على أنه بإسناد صحيح، وهكذا شيخ الإسلام الإمام الهيثمي في المجمع، انظروه في الجزء السابع صفحة ثلاثمائة وثلاثين.

    يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخر ما يبقى من دينكم الصلاة، وليصلين أقوام ولا دين لهم، ولينزعن القرآن من بين أظهركم، قالوا: أبا عبد الرحمن ! كيف ينزع القرآن من بيننا, وقد قرأناه وأثبتناه في مصاحفنا؟ قال: يسرى عليه ليلاً, فينزع من صدور الرجال فلا يبقى في الأرض منه آية.

    أعوذ بالله من ذلك الزمان، نسألك يا ذا الجلال والإكرام! ألا ندرك ذلك الزمان, إنك أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

    نعم إخوتي الكرام! إن أعظم مصيبة تنزل على هذه الأمة بعد موت نبيها -على نبينا صلوات الله وسلامه- هي رفع القرآن؛ فإذا امتهن القرآن وأعرض الناس عنه، ولم يحكموه في شئون حياتهم، فهذا الكتاب العزيز يغار الله عليه، فمنه بدأ وإليه يعود، يعود هذا الكلام إلى قائله بعد أن نبذه العباد وأعرضوا عنه ولم يقدروه حق قدره.

    وقد ثبت هذا المعنى عن نبينا عليه الصلاة والسلام في مستدرك الحاكم ، وسنن ابن ماجه بسند صحيح كالشمس وضوحاً من رواية حذيفة بن اليمان رضوان الله عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب حتى لا يدرى ما صيام ولا صدقة ولا نسك، ويسرى على كتاب الله في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية، ويبقى طوائف من الناس فيهم العجوز والشيخ الكبير يقولون: أدركنا آباءنا يقولون: لا إله إلا الله فنحن نقولها، فقال الصلت بن زفر لـحذيفة بن اليمان: فما تغني عنهم لا إله إلا الله وهم لا يدرون ما صيام ولا صدقة ولا نسك؟ فأعرض عنه حذيفة رضي الله عنه, ويعيد الصلت بن زفر كلامه, ثم أقبل عليه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، فقال له: تنجيهم من النار، تنجيهم من النار، تنجيهم من النار).

    والمقرر عند أئمتنا الأبرار في كتب التوحيد: أن القرآن كلام الله منه بدأ وإليه يعود، فهل هذا الزمن الذي نعيشه سيرفع فيه القرآن؟ نسألك حسن الختام يا ذا الجلال والإكرام.

    أخي المؤمن! اعرض نفسك على صفة الصدق في جميع هذه الأحوال، هل اتصفت بها؟ هل تحليت بها؟ إن كنت كذلك فأنت من الصادقين، وإلا فلا شك بأننا من المنافقين، والله إن جزمنا بنفاقنا لكان ذلك قليلاً في حقنا.

    عبد الله! لا يشكلن عليك ما يقع منا من أعمال صالحة، ودعوات إلى الله جل وعلا، وصدقة أحياناً في سبيله، فإذا اتصفنا بالنفاق فكل هذا لن يقبل عند الكريم الخلاق، وقد ثبت في مسند أحمد والصحيحين وسنن الترمذي ، من رواية أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر ).

    وفي المسند من رواية أبي بكرة رضي الله عنه وأرضاه: ( سيؤيد الله هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم، فيعمرون بيوت الله، ويتصدقون في سبيله، لكنهم منافقون لا يقبلون عند الحي القيوم ).

    وهذا الحديث ثابت عن نبينا عليه الصلاة والسلام، بل هو متواتر عنه، روي من رواية أنس بن مالك ، وعبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عمرو ، وأبي موسى الأشعري ، وروي عن كعب بن مالك ، والنعمان بن مقرن مع الروايتين المتقدمتين عن أبي هريرة وأبي بكرة ، وروي في الحلية عن الحسن مرسلاً مرفوعاً إلى نبينا عليه الصلاة والسلام، وفي رواية أبي موسى الأشعري في معجم الطبراني الكبير قال: ( لقد نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة نحواً من سورة براءة، وقد علقت منها: إن الله يؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم ). أي: كان هذا قرآناً يتلى في أول الأمر ثم نسخ، هذا حالنا في هذه الأيام، فلا يشكلن عليك أخي الكريم! ما يقع منا من طاعات إذا اتصفنا بصفة النفاق, وانحرفنا عن صفة الصدق، إن الله جل وعلا لا يقبل إلا الصادقين، ولا يقبل من العمل إلا ما كان صالحاً ولوجهه خالصاً.

    أسأل الله برحمته الذي وسعت كل شيء أن يجعلنا من الصادقين المفلحين، وأن يحفظنا من صفات المنافقين، وأن يجعل خير أيامنا يوم لقاه، وأن يجعلنا من الفائزين يوم الدين؛ إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

    أقول هذا القول وأستغفر الله.

    1.   

    أكثر من يتصف بالنفاق من هذه الأمة

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله خير خلق الله أجمعين.

    اللهم صل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

    عباد الله! إذا كان حال المنافقين كما تقدم، ولا يجزم إنسان لنفسه بالبراءة من نفاقه، إذا كان الأمر كذلك فإن قلوب الصالحين في الماضي كانت تتقطع من خوفهم من ربهم خشية وجود النفاق في نفوسهم.

    أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ثلة طيبة في هذه الأمة تتصف بالنفاق، فكيف بمن عداها؟

    وهذه الثلة هم حملة الشريعة الغراء، وإذا كان هؤلاء يبتلون بالنفاق فكيف بمن عداهم؟ فاسمع لكلام نبينا عليه الصلاة والسلام في هذه القضية، واسمع لموقف سلفنا عند هذه الأحاديث.

    ثبت في مسند الإمام أحمد ، ومعجم الطبراني الكبير ، والحديث رواه البخاري في تاريخه، ورواه ابن المبارك في كتاب الزهد، والبيهقي في شعب الإيمان، والإمام الفريابي في كتابه ذم النفاق وصفة المنافقين عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.

    والحديث رواه الإمام أحمد أيضاً، والطبراني في معجمه الكبير، والخطيب في تاريخ بغداد، والفريابي في كتابه ذم النفاق أيضاً والمنافقين من رواية عقبة بن عامر . والحديث رواه الطبراني أيضاً في معجمه الكبير عن عصمة بن عامر، عن عبد الله بن عمرو وعقبة بن عامر وعن عصمة بن مالك رضي الله عليهم أجمعين: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أكثر منافقي أمتي قراؤها ). والحديث صحيح، نص على صحته أئمتنا الكرام، منهم: شيخ الإسلام الإمام الهيثمي والمنذري وغيرهما.

    فإذا كان هذا حال الخلاصة فكيف بمن عداهم؟ ورضي الله عن معاوية عندما سمع الحديث من شفي فقال: إذا فعل هذا بهؤلاء -بقارئ القرآن والمتصدق والمجاهد- فكيف بمن عداهم؟ ولذلك كانت هذه الآثار تؤثر في نفوس سلفنا الأبرار، فاستمع لإمام الأخيار في زمن مالك بن دينار وهو من الأئمة الأبرار، توفي سنة سبع وعشرين ومائة للهجرة، وقيل سنة ثلاثين ومائة للهجرة, وحديثه في السنن الأربع، وأخرج له البخاري في الأدب المفرد مالك بن دينار أبو يحيى من أئمتنا الصالحين كما قلت، وكان يقول عن نفسه: إذا ذكر الصالحون فأفٍ لي وتف.

    وكان يقول للناس إذا استبطئوا للمطر: إنني استبطئ من الله إرسال الحجر، يعني: أن يرجمنا الله بحجارة من السماء بدلاً من أن يسقينا الماء، وكان هذا العبد الصالح يقول: كان الصالحون يتواصون بثلاثة أشياء: بإمساك اللسان، وكثرة الاستغفار، والعزلة والبقاء في البيوت وعدم المخالطة إلا لمصلحة شرعية.

    هذا العبد الصالح مرة قالت له زوجته عندما غضبت منه: يا منافق! يا مرائي! وهو عابد زمانه، فبكى عليه رحمة الله، وقال: يا أمة الله! ما عرفني إلا أنت؛ يا أمة الله! قد وجدت اسمي الذي أضله أهل البصرة، أهل البصرة ينعتونني بالزهد والعبادة والورع، وأنا المرائي، وأنا المنافق، هذا حال الصالحين, يستكينون لرب العالمين عندما يقال لهم: هذا منافق، من الذي يبرأ نفسه من النفاق؟!

    نسأل الله أن يحسن ختامنا, وأن يجعل خير أيامنا يوم لقاه.

    إخوتي الكرام! بقي كلام حول أقسام النفاق أذكره عند بيان السبب الثاني من أسباب سوء الخاتمة إن شاء الله.

    فنسأله إن أحيانا أن يحيينا على الإسلام، وإن أماتنا أن يميتنا على الإيمان، إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

    اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم يا مقلب القلوب! ثبت قلوبنا على دينك، اللهم يا مثبت القلوب! ثبت قلوبنا على دينك، اللهم يا مصرف القلوب! صرف قلوبنا على طاعتك، يا ولي الإسلام وأهله! ثبتنا عليه حتى نلقاك به، اللهم إنا نعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق، اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئاً نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم إنا نسألك من كل خير أحاط به علمك في الدنيا والآخرة، ونعوذ بك من كل شر أحاط به علمك في الدنيا والآخرة.

    اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغاراً، اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا، اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك، اللهم اغفر لمن عبد الله فيه.

    اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.

    وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وسلم تسليماً كثيراً.

    والحمد لله رب العالمين.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755998738