مما ينقض التوحيد أو يخدشه إتيان الكهان والعرافين والمنجمين؛ فمن أتى واحداً منهم معتقداً صدقه ومعرفته بالغيب النسبي أو المطلق من غير إخبار أحد له؛ فقد كفر كفراً أكبر، ومن أتاه معتقداً كذبه أو أن أحداً أخبره فقد ارتكب كبيرة من الكبائر، ومن أتاه منكراً مبينا
قال رحمه الله: (قال
البغوي : العراف: الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق ومكان الضالة ونحو ذلك، وقيل: هو الكاهن).
العراف موضع خلاف في تعريفه، فقيل بأن العراف هو الكاهن، وقيل: بأن العراف هو الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستخدمها، يعني: معرفة مكان الضالة ونحو ذلك بمقدمات يستخدمها، وقيل بأنه يشمل هذا كله، قيل بأنه اسم عام يشمل الكاهن والمنجم والعراف، وهذا هو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
قال: (وقيل: الذي يخبر عما في الضمير) هذا القول الرابع.
(وقال أبو العباس ابن تيمية : العراف: اسم للكاهن والمنجم والرمال ونحوهم ممن يتكلم في معرفة الأمور بهذه الطرق) فأصبح العراف في تفسيره أربعة أقوال:
القول الأول: أن المراد بالعراف: الكاهن.
والقول الثاني: الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستخدمها.
والقول الثالث: الذي يخبر عما في الضمير.
والقول الرابع: الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه شامل، وأنه اسم عام يشمل الكاهن ويشمل المنجم، ويشمل الرمال ونحو ذلك.
قال رحمه الله تعالى: (وقال
ابن عباس في قوم يكتبون أبا جاد، وينظرون في النجوم: ما أرى من فعل ذلك له عند الله من خلاق).
قوله: (أبا جاد): يعني: يقطعون حروف أبجد هوز، التي تسمى حروف الجمل، ويتعلمونها لادعاء علم الغيب، ولا شك أن ادعاء علم الغيب ادعاء خصيصة من خصائص الله عز وجل:
قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ
[النمل:65].
(وينظرون في النجوم) سيأتينا باب مستقل إن شاء الله في ما يتعلق بالنجوم، فهم ينظرون في حركات النجوم ويستدلون بها على الحوادث الأرضية، وأن علم التنجيم ينقسم إلى قسمين: علم التسيير، وعلم التأثير، وكل قسم تحته أقسام.
قال: (ما أرى من فعل ذلك له عند الله من خلاق) يعني: ليس له نصيب وحظ عند الله عز وجل، وهذا مما يدل على الكفر.
وأيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: (
ليس منا ) ظاهر هذا الكفر، لكن معنى هذا الحديث: ليس منا في هذا العمل، كذا معناه، وإلا ظاهره الكفر.
( ليس منا من تطير أو تطير له، أو سحر أو سحر له ) إن كان هذا العمل كفراً فهو على ظاهره، أي: ليس من النبي صلى الله عليه وسلم ولا من أتباعه إذا كان على ظاهره، فإذا كان عمله كفراً كادعاء علم الغيب ونحو ذلك، فهذا على ظاهره.
وإن كان عمله ليس كفراً فنقول بأن قوله عليه الصلاة والسلام: ( ليس منا ). في هذا العمل.
ومن ذلك حديث ابن مسعود في الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية ).
وفي هذا الحديث، الشاهد واضح، وهو: تحريم إتيان الكهنة والسحرة، وتقدم ما يتعلق بحكم إتيانهم.
أيضاً في هذا قول ابن عباس : هذا الأثر كتابة أبي جاد وتعلمها لادعاء معرفة الغيب يدل على أنه كفر، لأن ادعاء معرفة الغيب هذا من خصائص الله عز وجل، وأيضاً النظر في النجوم لادعاء معرفة الغيب كفر، ولهذا قال: (ما أرى من فعل ذلك له عند الله من خلاق).
قال رحمه الله: [باب ما جاء في النشرة].
مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد أن المؤلف رحمه الله تعالى ذكر حكم السحر، ثم بعد ذلك ذكر ما جاء في النشرة؛ لأن النشرة قد تكون من قبل الشياطين، فتكون مضادة للتوحيد.
ومناسبة هذا الباب لما قبله واضح؛ لأن المؤلف رحمه الله تعالى ذكر ما يتعلق بالسحر، ثم ذكر ما يتعلق بإتيان الكهنة، ثم ذكر ما يتعلق بالنشرة.
والنشرة: هي حل السحر، كما سيأتينا إن شاء الله أن حل السحر ينقسم إلى قسمين.
قال رحمه الله تعالى: [عن جابر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال: ( هي من عمل الشيطان ). رواه أحمد بسند جيد، وأبو داود ، وقال: سئل أحمد عنها فقال: ابن مسعود يكره هذا كله].
النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة -يعني: النشرة التي كان يتعامل بها أهل الجاهلية-، فقال: ( هي من عمل الشيطان )؛ لأنهم ينشرون عن المسحور بسحر مثله، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( هي من عمل الشيطان ).
النشرة تنقسم إلى قسمين، يعني: حل السحر ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: حل السحر بالقراءات والأدعية المباحة ونحو ذلك، فهذا مشروع، ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سحر رقته عائشة ورقاه جبريل.
القسم الثاني: حل السحر بسحر مثله، فهذه هي التي حكم فيها النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ( بأنها من عمل الشيطان ).
وأيضاً كما جاء عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه كان يكره ذلك كله.
وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ذكر بأنه لا ضرورة إلى دواء؛ لأن فقهاء الحنابلة يقولون: يجوز حل السحر بسحر مثله ضرورة، لكن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال: بأنه لا ضرورة إلى دواء؛ لأن الله سبحانه وتعالى ما أنزل داءً إلا أنزل له دواء، فلا يصار إلى الدواء المحرم، وإنما يصار إلى الدواء المباح، لكن يحتاج إلى البحث عنه: ( فما أنزل الله عز وجل من داء إلا أنزل له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله ). ولم يجعل الله عز وجل شفاء هذه الأمة في ما حرم عليهم، ولا شك أن إتيان السحرة من أجل حل السحر محرم ولا يجوز.
وتقدم لنا أن إتيان السحرة ينقسم إلى أقسام، ومنه ما يكون كفراً أكبر، ومنه ما يكون كفراً أصغر، ومنه ما يكون محرماً.
وتقدم أن الشياطين أنها في الغالب لا تخدم الإنسي إلا بالشرك بالله عز وجل أو بالكفر، إما بالشرك أو بالكفر، يعني: إما بالذبح للمخلوق، أو بالسجود لغير الله عز وجل، أو بسب الله أو سب رسوله أو غير ذلك.
والله أعلم، وصلى الله وسلم.