إسلام ويب

كتاب التوحيد - العبادةللشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • حقيقة العبادة وغايتها هي امتثال طاعة الله بفعل المأمور وترك المحظور، وهذه هي الحكمة الشرعية من خلق الجن والإنس، وما أرسل الرسل ولا أنزلت الكتب إلا من أجل تحقيق هذه الغاية.
    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

    قال المؤلف رحمه الله: [قال شيخ الإسلام : العبادة: هي طاعة الله بامتثال ما أمر الله به على ألسنة الرسل.

    وقال أيضاً: العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.

    قال ابن القيم: ومدارها على خمس عشرة قاعدة، من كملها كمل مراتب العبودية.

    وبيان ذلك: أن العبادة منقسمة على القلب واللسان والجوارح، والأحكام التي للعبودية خمسة: واجب ومستحب وحرام ومكروه ومباح، وهن لكل واحد من القلب واللسان والجوارح.

    وقال القرطبي: أصل العبادة التذلل والخضوع، وسميت وظائف الشرع على المكلفين عبادات؛ لأنهم يلتزمونها ويفعلونها خاضعين متذللين لله تعالى.

    ومعنى الآية: أن الله تعالى أخبر أنه ما خلق الجن والإنس إلا لعبادته، فهذا هو الحكمة في خلقهم].

    قول الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، الاستثناء هنا استثناء مفرغ، يعني: ما خلقت الجن والإنس لشيء إلا للعبادة.

    واللام في (ليعبدون) غائية، وهي للتعليل، وليست موجبة، لأن المعنى: إلا لغاية أن يعبدوني.

    والتعليل بالغائية معناه أنه يمكن أن يقع الأمر ويمكن ألا يقع، فإنه من المشاهد أن الله سبحانه وتعالى ما خلق الجن والإنس إلا ليعبدوه، ولكن منهم من يعبده، ومنهم من لا يعبده، وهذا يدل أنها للغائية وليست موجبة، لأنك لو قلت: إنها موجبة، للزم أن يعبده كل الخلق، كما تقول: انكسر الزجاج لأجل سقوطه، فاللام في قولك: (لأجل) موجبة؛ لأنه من المعلوم أنه لا يسقط الزجاج إلا وينكسر، فلذلك قال أهل العلم: إن اللام في الآية غائية وليست موجبة، ولو كانت موجبة لكانت كونية؛ لأن الكونية لا بد أن تقع، والغائية لا توجب الوقوع، ولكن لها أثر في الإرادة والمحبة.

    قال المؤلف رحمه الله: [قلت: وهي الحكمة الشرعية الدينية].

    إذاً: الحكمة الشرعية الدينية يحبها الله، وقد تقع وقد لا تقع، فإيمان أبي لهب يحبه الله، فهو يحب من أبي لهب أن يؤمن، لكنه لم يقع، أما إيمانه صلى الله عليه وسلم وإيمان أبي بكر فإنه يحبه الله ولكنه قد وقع، إذاً إيمان أبي بكر إرادة شرعية كونية، وإيمان أبي لهب شرعية لا كونية والله أعلم.

    قال المؤلف رحمه الله: [قال العماد ابن كثير: وعبادته هي طاعته بفعل المأمور وترك المحظور، وذلك هو حقيقة دين الإسلام؛ لأن معنى الإسلام: الاستسلام لله تعالى، المتضمن غاية الانقياد والذل والخضوع. انتهى].

    قوله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، يعني إلا لآمرهم أو أنهاهم، وهذا هو غاية العبادة، ولهذا قال سعيد بن المسيب: حينما حدثه رجل عن قوم يعبدون ويركعون ويسجدون من الظهر إلى العصر، وكان عبد الملك بن مروان ممن يصنع ذلك، كانوا إذا صلوا الظهر يبدءون فيصلون من الظهر إلى العصر، فقال: هذه العبادة! لو كنت أطيق ذلك، ألا تصنع ذلك يا أبا محمد؟ قال: ليس ذلك بالعبادة، قلت: ما العبادة؟ قال: العبادة التفكر في أمر الله وفعل المأمور، واجتناب المحظور، والورع عما حرم الله.

    هذه هي العبادة الحقيقية، ولهذا نجد أحياناً بعض النساك يوصفون بالعبادة، لكنهم ربما يصنعون بعض المنكرات، كما يفعل بعض أهل التصوف، فتراهم يعبدون الله وترى أثر السجود في وجوههم، لكنهم يتأثرون بالصور المحرمة والمردان والله المستعان.

    فهؤلاء كما وصفهم ابن الجوزي في كتاب (تلبيس إبليس)، ليسوا من النساك، إنما النساك الذين يعملون بما أمر الله ويجتنبون ما نهاهم عنه، ولهذا يخطئ البعض حينما يقول: أنا أتمنى أن أكون عابداً مثل فلان، مع أنه يصلي في المساجد، ويجتنب الحرام، وهذه الأعمال من العبادة، بل هي أعظم عبادة، أما العبادة الثانية وهي التنفل فإنها شيء آخر زائد عن الواجب، ففي الحديث: (وما تقرب العباد إلي بشيء أحب مما افترضته عليهم)، وما افترضه الله عليهم هو أن يأمرهم فيطيعوه وأن ينهاهم فيجتنبوا نهيه.

    قال المؤلف رحمه الله: [وقال أيضاً في تفسير هذه الآية: ومعنى الآية أن الله تعالى خلق الخلق ليعبدوه وحده لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء في جميع أحوالهم وهو خالقهم ورازقهم.

    وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الآية: إلا لآمرهم أن يعبدوني وأدعوهم إلى عبادتي?. وقال مجاهد: إلا لآمرهم وأنهاهم اختاره الزجاج وشيخ الإسلام.

    قال: ويدل على هذا قوله: أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى [القيامة:36].

    قال الشافعي : لا يؤمر ولا ينهى.

    وقال في القرآن في غير موضع: اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21]، اتَّقُوا رَبَّكُمُ [النساء:1]].

    ويخطئ بعض المفكرين وبعض الدعاة إذا قال: يا أخي! العبادة في القلب، نعم العبادة في القلب لكن لا بد أن يكون لها أثر في الجوارح.

    ولهذا يقول الشاطبي رحمه الله في (الموافقات): غاية العبادة امتثال المأمور، وهذا أعظم مقصود، ولهذا تجد بعض العلماء يترك الدليل بحجة أن المقصد الشرعي -وهو التخفيف- هو الأصل، وهذا خطأ؛ لأن المقصد الشرعي قطعي في كلياته ظني في جزئياته، فالتيسير قطعي في الكليات، لكن من حيث المسألة نفسها فإنه ظني، فإذا وجد دليل يقول لك: حرام، فلا يسوغ لك أن تبطل الدليل بدعوى وجود مقصد شرعي؛ لأن المقصد الأعظم هو امتثال المأمور، والله أعلم.

    ولهذا لا يمكن تحكيم غير الشريعة بدعوى أنه سوف يتولى الإسلاميون؛ فإن أعظم شيء هو تحكيم الشرع، وأن يكون الشرع هو السائد وله السيادة المطلقة، وليس الأمة أو الشعب أو غير ذلك، ولا يجوز التساهل في هذا الأمر، نعم، تطبيق الشريعة على حسب التكليف، أما التهاون واستساغة الحكم بغير شرع الله، فهذا لا يجوز، والله أعلم.

    قال المؤلف: [فقد أمرهم بما خلقوا له وأرسل الرسل بذلك.

    وهذا المعنى هو الذي قصد بالآية قطعاً، وهو الذي يفهمه جماهير المسلمين ويحتجون بالآية عليه.

    قال: وهذه الآية تشبه قوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ [النساء:64].

    ثم قد يطاع وقد يعصى، وكذلك ما خلقهم إلا لعبادته، ثم قد يعبدون وقد لا يعبدون].

    وهذه اللام هي اللام الغائية وقد تقع وقد لا تقع، وليست هي اللام الموجبة التي لا بد من وقوعها، والله أعلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088781993

    عدد مرات الحفظ

    778994538