إسلام ويب

كتاب منهج السالكين - كتاب الجنايات والحدودللشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • جاء الإسلام الحنيف يحمل مقاصد سامية، منها حفظ النفس والتحذير من الاعتداء عليها، فحرم القتل وعصم الدماء ورتب الإثم والعذاب العظيم لمن يقتل متعمداً، فشرع الحدود وخول الإمام بإقامتها، فمن قتل عمداً قتل، ومن قتل خطأً دفع الدية والكفارة، ومن اعتدى على أعراض الآخرين بالزنا والقذف أقيم عليه حد الله. وعلى الإمام أن ينشر الأمن والعدل، فمن تعدى وحارب وبغى قاتله وأقام عليه شرع الله تعالى.
    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، وبعد:

    شرع المؤلف في كتاب الجنايات، فقال رحمه الله تعالى: [ كتاب الجنايات.

    القتل بغير حق ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

    أحدها: العمد العدوان: وهو أن يقتله بجناية تقتل غالباً، فهذا يخير الولي فيه بين القتل والدية؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( من قتل له قتيل فهو بخير النظرين، إما أن يقتل وإما أن يفدى ) متفق عليه.

    الثاني: شبه العمد: وهو أن يتعمد الجناية عليه بما لا يقتل غالباً.

    الثالث: الخطأ: وهو أن تقع الجناية منه بغير قصد، بمباشرة أو سبب، ففي الأخيرين لا قود، بل الكفارة في مال القاتل، والدية على عاقلته، وهم عصباته كلهم، قريبهم وبعيدهم، توزع عليهم الدية بقدر حالهم، وتؤجل عليهم ثلاث سنين، كل سنة يحملون ثلثها.

    والديات للنفس وغيرها قد فصلت في حديث عمرو بن حزم ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن -وفيه- أن من اعتبط مؤمناً قتلاً عن بينة فإنه قود إلا أن يرضى أولياء المقتول، وإن في النفس الدية؛ مائة من الإبل، وفي الأنف إذا أوعب جدعه الدية، وفي اللسان الدية، وفي الشفتين الدية، وفي الذكر الدية، وفي البيضتين الدية )].

    قال المؤلف: (كتاب الجنايات)، والجنايات: جريمة بحق الغير تؤدي إلى قتله أو ما دون نفسه، وهنا تكلم المؤلف عن الجناية في النفس، فقسمها إلى ثلاثة أقسام، قال: (القتل بغير حق ينقسم إلى ثلاثة أقسام):

    قتل العمد العدوان

    القسم الأول: القتل العمد العدوان، والقتل العمد العدوان: هو أن يقصد الجناية بما يقتل غالباً، فهو ضرب الشخص قاصداً إيذاءه بما يقتل غالباً، والذي يقتل غالباً السكين، الحصاة الكبيرة، الحديدة، المسدس، فهذا يسميه العلماء: قتلاً عمداً عدواناً، وهو أن يقصد جنايته بما يقتل غالباً، فهذا يخير فيه الولي، كما قال تعالى: فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا [الإسراء:33]، والسلطان: التخيير، بين أن يقتل الجاني أو أن يأخذ الدية؛ (لقوله صلى الله عليه وسلم: ( من قتل له قتيل فهو بخير النظرين، إما أن يقتل وإما أن يفدى )، متفق عليه).

    قتل شبه العمد

    قال: (الثاني: شبه العمد).

    شبه العمد جمع بين مزيتين، جمع بين قتل الخطأ؛ وهو أنه قصد الجناية بما لا يقتل غالباً، وجمع مع القتل بأنه يقصد أذيته، فقال: (وهو أن يتعمد الجناية عليه بما لا يقتل غالباً) مثل: العصا ضربه بها، ثم سقط ومات، أو مع قصد المضاربة هو وإياه مسكه وقذفه فمات، عادة في المصارعة يضربون أشد من هذا، لكن هذا مات، فهذا يسميه العلماء قتل شبه عمد؛ أن يقصد الجناية لكن بما لا يقتل غالباً.

    قتل الخطأ

    قال: (الثالث الخطأ: وهو أن تقع الجناية منه بغير قصد، بمباشرة أو سبب).

    يعني: أن هذه الآلة التي وقعت الجناية بها مما يقتل غالباً، لكنه لم يقصد الجناية على ذاك الشخص، مثل: شخص يصيد ولقي طيراً، فرماه بحجر، فأصابت الحجر رأس شخص كان خلف الشجرة لا يعلم به، فهذا يسميه العلماء: قتل الخطأ.

    فالثاني والثالث من أقسام القتل ليس فيها قود، فشبه العمد ليس فيه قود على الراجح، ولكن فيه الدية والكفارة، أما كفارة شبه العمد وكفارة الخطأ فهي واحدة، من مالهما جميعاً، فيلزمهما الكفارة، هذا قول بعض أهل العلم، وبعضهم يرى أن الكفارة إنما هي في حق قتل الخطأ فقط، وأما شبه العمد والعمد فليس فيهما كفارة؛ لأن ذنبهما عظيم، فلا بد فيهما من التوبة.

    وأما الدية فإن دية شبه العمد دية مغلظة، ودية قتل الخطأ دية مخففة، والله أعلم.

    والذي يظهر -والله أعلم- أن الكفارة لا تجب في العامد، سواء كان قتل عمد أو شبه العمد، ولكن تجب في قتل الخطأ كما هو قول المؤلف رحمه الله.

    أما الدية في قتل الخطأ فهي على العاقلة؛ وهم عصبته الذكور، ولهذا قال: (عصباته كلهم، قريبهم وبعيدهم، توزع عليهم بقدر حالهم، وتؤجل عليهم ثلاث سنين، كل سنة يحملون ثلثها) والله أعلم، وإن شاءوا أن يدفعوها كاملة مباشرة فلا حرج في ذلك، والله أعلم.

    أقسام ديات النفس وغيرها

    ثم قسم المؤلف الديات للنفس وغيرها، و(قد فصلت في حديث عمرو بن حزم) في الكتاب الذي جاءه من النبي صلى الله عليه وسلم وهو في اليمن، وفيه: ( أن من اعتبط مؤمناً قتلاً )، يعني: قتل بلا جناية ولا جريرة، ( عن بينة فإنه قود إلا أن يرضى أولياء المقتول ).

    ثم قال: (وإن في النفس الدية: مائة من الإبل )].

    اختلف العلماء: هل الأصل في الدية الإبل أم الورق: الذهب والفضة؟

    الأظهر -والله أعلم- أن الأصل أنها في الإبل، وقد قدرت دية الإنسان -مائة من الإبل- بمائة ألف ريال، والآن اختلفت قيمة الإبل، سوف تعاد الفتوى، وهي ما زالت محل بحث، والظاهر أنها لم تصدر بعد، سوف تكون في حق الإنسان ثلاثمائة ألف، والله أعلم.

    ثم ساق المؤلف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: [(وإن في النفس الدية، وهي في الأنف إذا أوعب جدعة -بمعنى قطع- الدية، وفي اللسان الدية، وفي الشفتين الدية، وفي الذكر الدية)]، هذا لا نستطيع أن نجتهد فيه؛ لأن هذا من عند النبي صلى الله عليه وسلم وقد أجمع العلماء عليه، ( وفي البيضتين -يعني: الخصيتين- الدية، وفي الصلب -يعني: يكسر ظهره- الدية، وفي العينين الدية، وفي الرجل الواحدة نصف الدية -وفي الرجلين الدية كاملة- وفي المأمومة ثلث الدية )، وهي التي تضرب من قبل الرأس، وتخرق الجلد حتى تصل إلى أم الدماغ، (وفي الجائفة -وهي الجرح الذي يصل إلى باطن الجوف- ثلث الدية، وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل، وفي كل أصبع من أصابع اليد والرجل عشر من الإبل، وفي السن خمس من الإبل، وفي الموضحة خمس من الإبل -أيضاً- وإن الرجل يقتل بالمرأة، كما أن المرأة تقتل بالرجل، وعلى أهل الذهب ألف دينار)، رواه أبو داود، والمنقلة هي الشجة القوية التي توضح عظم الجمجمة، وتهشمه أحياناً، أو تنقل عظامه بتكسيره، فهذه يسميها العلماء المنقلة، هذا حكم من النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث وإن كان روي مرسلاً لكن ابن عبد البر حكم بأن هذا الحديث في حكم الموصول. وقد أجمع العلماء على معناه. والله أعلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088776984

    عدد مرات الحفظ

    778954969