نقض المرأة شعرها
دلك البدن وتفقد ما قد يغفل الإنسان عنه حال الاغتسال
قال المؤلف رحمه الله: [ ويدلكه أي: يدلك بدنه بيديه ليتيقن وصول الماء إلى مغابنه وجميع بدنه ].
ينبغي للمسلم إذا اغتسل من الجنابة أن يدلك بدنه، الدلك في الوضوء في رواية جابر وهي ضعيفة، وأما في الاغتسال، فإننا قلنا: إنه جاء في بعض الروايات: ( أن تحت كل شعرة جنابة، ألا فأنقوا البشرة واغسلوا الشعر )، وهذا الحديث روي مرفوعاً وموقوفاً، والأقرب أنه موقوف على علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ ولكن المسلم مأمور أن يغسل المغابن، وما كان يخفى من الإنسان، مثل الآباط والأفخاذ لأهل الحوالب ونحو ذلك، ويغسل إليتيه، وكذلك إبطيه، وما كان من عكن في بطنه، وما كان من عكن في ركبته إن كان ثمة عكن، ونحو ذلك مما يظهر، وكذلك السرة يغسل ظاهرها، وكذلك يتفقد أصول الشعر الذي في الفخذ والساق، وكذلك غضاريف الأذنين، وتحت حلقه، وغير ذلك.
قال المؤلف رحمه الله: [ ويتفقد أصول شعره وغضاريف أذنيه، وتحت حلقه، وإبطيه، وعمق سرته، وبين إليتيه، وطي ركبتيه ].
لأن ذلك من جملة سائر البدن الظاهر؛ لقول عائشة : ( ثم يغسل سائر بدنه )، وهذا داخل في العموم، والله تبارك وتعالى أعلم.
التيامن وغسل القدمين في مكان آخر
قال المؤلف رحمه الله: [ ويتيامن؛ لأنه صلى الله عليه وسلم (
كان يعجبه التيامن في طهوره ) ].
لحديث عائشة كما في الصحيحين.
قال المؤلف رحمه الله: [ ويغسل قدميه ثانياً مكاناً آخر ].
قد مر معنا التفصيل في ذلك، وقلنا: إن الأقرب -والله أعلم- أن غسل الرجلين هنا مرة ثانية إنما كان إذا كان في مستحمه شيء يؤذيه، أما إذا لم يكن، فقد كان عليه الصلاة والسلام يغسل رجليه مع وضوئه أول الأمر.
تحريك الخاتم لمن يلبسه
قال المؤلف رحمه الله: [ ويكفي الظن في الإسباغ، قال بعضهم: ويحرك خاتمه ليتيقن وصول الماء ].
أما تحريك الخاتم، إن كان الخاتم قد أمسك في الأصبع بحيث يغلب على الظن أن ما كان تحته لا يصله الماء، فهنا يكون مأموراً أن يحرك الخاتم؛ لأن العبد مأمور أن يعمم سائر بدنه، وأما إن كان الخاتم ليس ممسكاً بالأصبع، ويغلب على الظن، أو يتيقن أن الماء يدخل من خلله، فإنه لا يؤمر بالتحريك، وهذا مبني على أن الواجب أن يعمم سائر بدنه، وأما أن يكون ثمة حديث مرفوع فلا، نعم جاء في بعض الروايات من طريق معمر بن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ حرك خاتمه )؛ ولكن هذا الحديث رواه الدارقطني ، وهو ضعيف حيث أن معمر بن محمد وأباه ضعيفان.
قال المؤلف رحمه الله: [ والغسل المجزئ أي: الكافي أن ينوي كما تقدم ويسمي، فيقول: باسم الله، ويعم بدنه بالغسل مرة ].
هنا ذكر المؤلف صفة الغسل المجزئ، فقال: و(أن ينوي) هذا ليس فيه إشكال، أما البسملة فمرت معنا أنها ليست بواجبة، هذا هو الذي يظهر والله أعلم، ثم يعم بدنه بالغسل مع المضمضة والاستنشاق كما مر معنا؛ حيث إن المضمضة والاستنشاق واجبتان في الغسل والوضوء، هذا مذهب الحنابلة، خلافاً للحنفية الذين أوجبوهما في الغسل دون الوضوء، وخلافاً لـمالك و الشافعي اللذين لم يوجباهما لا في غسل ولا في وضوء، أما إن عمم سائر بدنه فإنه يجزئه، وقد نقل أبو عمر بن عبد البر أن ذلك محل إجماع من أهل العلم؛ لقول الله تعالى:
وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا
[المائدة:6]، ولم يذكر المولى جل جلاله وتقدست أسماؤه سوى التطهير العام، وقد روى البخاري و مسلم من حديث عمران بن حصين في الرجل الذي أصابته جنابة: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه الماء، ثم قال له: خذ هذا فأفرغه عليك )، والله تبارك وتعالى أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: [ أي: يغسل ظاهر جميع بدنه، وما في حكمه من غير ضرر كالفم والأنف والبشرة التي تحت الشعر، ولو كثيفة، وباطن الشعر وظاهره مع مسترسله، وما تحت حشفة أقلف إن أمكن شمرها ].
الأقلف وهو الذي لم يقطع حشفة الذكر الزائدة، فإنه يجب عليه أن يشمر ذكره؛ لأنه ربما يكون شيء قد اجتمع في قلفته، فإذا حركها وشمرها يعني: مدها، فإنها ربما يكون تحتها شيء لم يصبه الماء، وهذا في حق الأقلف الذي لم يختتن، وأما إذا انتشر ذكره، فإنه ليس بحاجة إلى مثل ذلك؛ لكن هم يقولون في حالة إذا لم ينتشر ذكره، ولم يختتن، وهذا هو الغسل المجزئ، كما أشار إلى ذلك أبو عمر بن عبد البر ، والله تبارك وتعالى أعلم.
أما قول المؤلف: (وباطن الشعر وظاهره مع مسترسله) الشعر ينقسم إلى أقسام:
القسم الأول: ما يجب غسل ظاهره دون باطنه، وهذا في الوضوء، فإن الإنسان يؤمر أن يغسل ما كان ظاهر الشعر الذي في وجهه، ولا يؤمر أن يغسل ما كان في باطنه في الوضوء؛ لأنه من ضمن الوجه.
القسم الثاني: ما كان مأموراً أن يغسل باطنه وظاهره، وهذا في غسل الجنابة، وبعضهم يزيد في التيمم، فيقول: يجب تطهير ظاهره خفيفاً كان أو كثيفاً إذا كان في التيمم، كما أشار إلى ذلك ابن سعدي رحمه الله، والأقرب أنه في التيمم يمسح الوجه؛ ولكن لا يمسح لحيته به خلافاً للماء، إلا إذا قصد ابن سعدي رحمه الله أنه إذا كان الشعر على لحيته أعلى وجهه، فإنه يمرر أصابعه وكفيه بذلك، إن كان المقصود كذلك فلا حرج، والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: [ ويرتفع حدث قبل زوال حكم خبث ].
مر معنا في الوضوء أنه لا يصح وضوء إلا أن يسبقه استنجاء أو استجمار، والذي يظهر -والله أعلم- التفصيل؛ فإن كان سوف يترتب عليه مس حلقة الدبر، فإنه لا بد فيه من استجمار أو استنجاء، وأما إذا لم يحتج لذلك فلا حرج؛ لأن النجاسة خارجة عن البدن، والحنابلة يفرقون بين إزالة النجاسة لرفع حدث أصغر، وبين إزالة النجاسة لرفع حدث أكبر؛ فإنهم لم يشترطوا ذلك في الحدث الأكبر؛ ولهذا قال: (ويرتفع حدث قبل زوال حكم خبث).
ومر أيضاً أن النجاسة إذا كانت في البدن، ولا يمنع ما كان تحته من وصول الماء، فإن الحنابلة يقولون: لا يجب إزالة النجاسة، والله تبارك وتعالى أعلم.
ما يستحب عند اغتسال الكافر إذا أسلم والحائض إذا طهرت
مقدار الماء الذي كان يتوضأ ويغتسل به النبي عليه الصلاة والسلام
قال المؤلف رحمه الله: [ ويتوضأ بمد استحباباً ].
المد لقول جابر : ( كان يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع )، والمد أشار المؤلف بقوله: (والمد رطل وثلث عراقي ورطل وأوقيتان وسبعاً، هذه لا نفهمها، ولكني أقول: إن المد باللتر هو نصف لتر وثلاثة عشر ونصف من الغرامات، يعني: القارورة الصحة هذه نصف لتر، وزد عليها ثلاثة عشر من الغرامات، يعني: شيئاً قليلاً، هذا الذي يتوضأ به النبي صلى الله عليه وسلم، وقد فهم بعض الفضلاء أن مقدار المد هو مقدار البيالة، وهذا خطأ، فالبيالة هذه التي يعرفها الناس أقل من المد، وربما لم يسبغ الوضوء، بل ربما جعل وضوءه كله مسحاً، والذي يظهر أن المد هو نصف لتر تقريباً.
قال المؤلف رحمه الله: [ والمد رطل وثلث عراقي، ورطل وأوقيتان وسبعاً أوقية مصري، وثلاث أواق وثلاثة أسباع أوقية دمشقية، وأوقيتان وأربعة أسباع أوقية قدسية ].
الشيخ: هل تفهمون منها شيئاً؟ ما نفهم، لكن نفهم من هذا أن المد نصف لتر، واللتر نصف قارورة الصحة المعروفة.
قال المؤلف رحمه الله: [ ويغتسل بصاع وهو أربعة أمداد، وإن زاد جاز ].
أربعة أمداد، يكون المقدار لترين وأربعة وخمسين من الغرامات.
قال المؤلف رحمه الله: [ لكن يكره الإسراف ولو على نهر جار ].
لحديث سعد بن أبي وقاص : ( لا تسرف، ولو كنت على نهر جار ).
حكم الاغتسال عرياناً
معنى الإسباغ وحكم الغسل بأقل من صاع
قال المؤلف رحمه الله: [ فإن أسبغ بأقل مما ذكر في الوضوء أو الغسل أجزأه، والإسباغ تعميم العضو بالماء بحيث يجري عليه ولا يكون مسحاً ].
يعني: أنه لو توضأ بأقل من المد تقريباً؛ لكن تم فيه الإسباغ أجزأ، أما أن يتوضأ بأقل من المد من غير إسباغ فلا، والإسباغ هو كما قال المؤلف: (والإسباغ تعميم العضو بالماء بحيث يجري عليه ولا يكون مسحاً).
ومن المعلوم أن الذين يتوضئون بمقدار فنجان الشاي هذا البيالة، ما يكفيهم؛ بل يمسحون مسحاً، وهذا لا يجزئهم، وبعض أصحاب الكشافة، وبعض الشباب الذين يذهبون في المخيمات يظنون أن هذا من حسن الترتيب والتدبير، وليس ذلك بحسن تدبير ولا ترتيب، فإن الماء إذا كان قليلاً فإنه لا يسبغ، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حق الذين لم يغسلوا أعقابهم: ( ويل للأعقاب من النار )، كما في حديث عائشة و أبي هريرة ، و عبد الله بن عمرو بن العاص .
حكم من نوى بغسله رفع حدثين وحكم الترتيب والموالاة في الاغتسال
قال المؤلف رحمه الله: [ أو نوى بغسله الحدثين أو الحدث وأطلق أو الصلاة ونحوها مما يحتاج لوضوء وغسل أجزأه عن الحدثين ولم يلزمه ترتيب ولا موالاة ].
إذا نوى بغسل الجنابة الحدثين أجزأ قولاً واحداً، أو نوى أن يقرأ القرآن، أو أن يطوف، أو أن يتسنن، كل ذلك يجزئ؛ لأنه قصد بذلك رفع الحدث الذي تحصل به الصلاة والعبادة، وحين ذلك يجزئه.
يقول المؤلف: (ولم يلزمه ترتيب ولا موالاة).
أما عدم الموالاة فقد نقل بعضهم الإجماع، وخالف في ذلك القرطبي في بداية المجتهد، ورأى أنه يجب الموالاة، والأقرب عدم الوجوب، وفيه حديث العلاء التيمي: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل ثم خرج، فوجد بقعة لم يصبها الماء، فأخذ من بلل لحيته فغسل بها )، وهذا الحديث مرسل، ولكنه مرسل صحيح، وعليه العمل عند أهل العلم، وأحسن شيء في الباب ما رواه ابن المنذر بسند صحيح عن ابن عباس أنه سئل عن رجل اغتسل غسل الجنابة ولم يتوضأ، فقال له ابن عباس : توضأ الآن، وهذا يدل على عدم الموالاة، وكذلك لا يلزمه الترتيب؛ لأنه يكفي أن يعمم سائر بدنه.
نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.