إسلام ويب

الروض المربع - كتاب الصلاة [64]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لصلاة التراويح في شهر رمضان فضائل عظيمة، وأجور كثيرة، ويتعلق بها أحكام منها: كراهية التنفل والطواف بين التراويح، وجواز التنفل بعدها، واستحباب قراءة القرآن كاملاً فيها خلال شهر رمضان لإسماع الناس كلام الله سبحانه وتعالى.
    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل. وبعد:

    كراهية التنفل بين التراويح

    فقد قال المؤلف رحمه الله: [ويكره التنقل بينهما أي بين التراويح، روى الأثرم عن أبي الدرداء أنه أبصر قوماً يصلون بين التراويح، قال: ما هذه الصلاة؟ أتصلي وإمامك بين يديك؟ ليس منا من رغب عنا].

    هذا الأثر رواه محمد بن نصر في قيام الليل، ومن المعلوم أن كتاب قيام الليل لـمحمد بن نصر غير موجود، والمعروف والموجود هو المختصر.

    وقد نص على ذلك الإمام أحمد ، وقال فيه عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: أنهم كرهوا أن يقوم الإنسان فيتنفل بالترويحة بين التسليمتين، وقد ذكر محمد بن نصر عن الليث بن سعد أنهم كانوا يستريحون قدر كذا وكذا ركعة، ومعنى التنفل بينهما أنه إذا سلم الإمام من تسليمتين فإنه ينتظر، يستريح، فتجد بعض الناس من شدة حرصه للطاعة والعبادة يقوم فيصلي هاتين الركعتين قبل أن يقوم الإمام فيصلي بالناس، فهذه الصلاة تعتبر مخالفة للإمام، ففيها مخالفة من وجوه:

    الوجه الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه )، فهذا وإن كان قد سلم الإمام، لكن سلامه هنا من باب الاستراحة، فسوف يقوم، فإذا صلى بعض الناس من غير الإمام ففيه مخالفة.

    الوجه الثاني: أن هذه الصفة لم تكن معهودة على ما شرع فيها التراويح، فإن عمر رضي الله عنه حينما جمع الناس على ذلك لم تكن هذه الفعلة معهودة عند الصحابة، فدل ذلك على كراهيتها، ولهذا أنكر الصحابة.

    الوجه الثالث: لا يؤمن ممن فعل مثل ذلك أن يدخله العجب، فيقول: الناس يستريحون وأنا أصلي، فهذا فيه من العجب ما فيه، والله أعلم.

    إذاً الأول: أن فيه مخالفة للإمام.

    والثاني: أن هذه الصفة لم تكن معهودة في فعل الصحابة.

    والثالث: لا يأمن على نفسه أن يدخله العجب، ولهذا قال أبو الدرداء : ليس منا من رغب عنا، فهذا فيه رغبة عنهم.

    حكم التنفل بعد التراويح

    قال المؤلف رحمه الله: [ولا يكره التعقيب، وهو الصلاة بعدها، أي: بعد التراويح والوتر في جماعة؛ لقول أنس : لا ترجعون إلا لخير ترجونه].

    المقصود من هذا أن يسلم الإمام من التراويح، فيقول الحنابلة: إن ثمة فرقاً بين أن يصلي الناس قبل أن ينصرف الإمام بين كل تسليمتين، وبين أن يصلوا بعد ما ينصرف الإمام من التراويح، فأما الصلاة أثناء صلاة الإمام قبل أن ينصرف فسبق أن قلنا: إنها مكروهة، وأما بعد ذلك فإن ذلك لا يكره، فإذا سلم الإمام وانصرف الناس جلس جماعة، وقالوا: نحن نريد أن نصلي، صلاة التراويح، كما لو صلى بنا الإمام ثم سلم، وكنا خمسة أو عشرة، فإذا خرج الناس قمنا فصلينا.

    قال المؤلف رحمه الله: (ولا يكره التعقيب وهو الصلاة بعدها).

    يعني: بعد صلاة التراويح وبعد صلاة الإمام في جماعة، قال لقول أنس : لا ترجعون إلا لخير ترجونه، والرواية الأخرى عند الحنابلة أن ذلك مكروه إذا كان في جماعة، وهذا أقرب؛ لأمور كثيرة، أهمها: أن مثل هذا الفعل يخشى فيه من الفرقة، فلربما ظن الناس أن هذه الجماعة لم تر حسن ولا صحة الصلاة مع الإمام، فيصلون مع الإمام من باب التقية، وربما صلوا معهم لأنفسهم، فإذا صلوا بعد الإمام فيخشى أن الناس يظنون أن صلاة الإمام ليست بذاك، وهذا فيه إشكال كبير.

    الثاني: أن هذه الصفة لم تكن معهودة عند الصحابة رضي الله عنه، وأما قول أنس فإنه محمول في حق من صلى وحده بعد التراويح، فسألوه عن ذلك، فقال: لا ترجعون إلا لخير ترجونه.

    الثالث: أن فيه مخالفة لحديث ابن عمر كما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً )، فإذا أوتروا مع الإمام ثم صلوا ابتداءً بعد ذلك فهذا فيه مخالفة مقصودة، وفرق بين المخالفة المقصودة والمخالفة غير المقصودة، فالمخالفة المقصودة صورتها: أنه مجرد أن يسلم الإمام ويوتر بهم يصلون، فهم عازمون على أن يصلوا بعد الوتر.

    وأما غير المقصودة فهو أن يوتر الإنسان أول الليل، ثم إن قام آخر الليل صلى ركعتين ركعتين، فهنا الصلاة بعد الوتر لم تكن مقصودة، فهذا هو الأقرب؛ أن قوله صلى الله عليه وسلم: ( اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً )، أن ذلك من باب الاستحباب، والثاني: أن الصلاة بعد الوتر إذا لم تكن مقصودة فلا بأس بها، مثل أن يوتر، ثم يريد أن ينام، فيشق عليه النوم، فيقول: بدلاً من أن أجلس على فراشي أذهب وأصلي، فهنا لا بأس، وأما أن يصلوا جماعة، فهذا الأقرب -والله أعلم- منهي عنه، وقد أشار بعض أئمة الدعوة، كالشيخ عبد الله با بطين في الدرر السنية إلى شيء من ذلك، والله أعلم.

    ومما يدل على أن الصلاة بعد الوتر أيضاً جائزة، إذا كانت ليست جماعة، ما جاء في صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( كنا نعد له طهوره وسواكه، فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه، فيصلي تسع ركعات لا يجلس إلا في الثامنة، فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثم يقوم، فيصلي التاسعة، ثم يجلس فيسلم، ثم يصلي ركعتين وهو قاعد )، وقد اختلف العلماء في هاتين الركعتين، هل كانت الركعتان وهو قاعد من باب سنة العشاء، أم أنها من باب سنة الفجر، أم أنها صلاة مستقلة؟ ذكر ذلك الحافظ ابن حجر والله أعلم، ولعل هذا محمول على أن الصلاتين هما بعد دخول الوقت جمعاً بين قوله صلى الله عليه وسلم: ( اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً )، وبين هذا، أو أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يفعلها إلا أحياناً، إذا كان قد أوتر بتسع على الاستمرار، فهذا الذي يظهر.

    فـعائشة إنما ذكرت هاتين الركعتين في حق ما لو صلاها صلى الله عليه وسلم وتراً تسعاً، أو سبعاً، أما إذا صلى ركعتين ركعتين فلم تذكر عائشة رضي الله عنها ذلك عنه عليه الصلاة والسلام.

    حكم الطواف بين التراويح

    قال المؤلف رحمه الله: [وكذا لا يكره الطواف بين التراويح ].

    ما معنى بين التراويح؟ يعني: في الترويحة التي يجلس الإمام يرتاح فيها من شدة طول صلاة التراويح، فتجد بعض الناس يذهبون ويطوفون، وكان هذا معهوداً عند أهل مكة، كما ذكر ذلك الإمام أحمد ، ولأجل أن أهل المدينة ليس عندهم طواف استبدلوا هذا الطواف بتسليمتين، حتى يوازوا أهل مكة في الفضل والعبادة، والذي يظهر -والله أعلم- أن مثل هذه المفارقة إذا كانت مقصودة مع الإمام فلا حرج، وأما إذا كان بعضهم يذهب وبعضهم يجلس، فالأفضل أن يستغفر ولا يطوف، وهذه صورة كانت في السابق، والآن -والله المستعان- صلاة الناس خفيفة جداً، السائب بن يزيد يقول: وكانوا يعتمدون على العصي من طول القيام، يعني: يقرءون تقريباً خمسة أجزاء، وحدثني أحد الإخوة أن في مصر يختمون في رمضان خمس مرات، يقول: فصليت معهم فكان الإمام يقرأ في الركعة الأولى خمسة أجزاء، الله أكبر.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088773328

    عدد مرات الحفظ

    778920068