إسلام ويب

فقه العبادات - الطهارة [5]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • اهتم الإسلام بنظافة الإنسان وظهوره بالمظهر الأجمل، فشرع تطهير الفم بالسواك في المواضع التي يقابل فيها الإنسان خالقه، أو عند مقابلة المخلوقين، ويجب الاعتناء بنظافة الجسم بتطبيق ما جاء في سنن الفطرة وما يتعلق فيها من آداب.

    1.   

    المواضع التي يتأكد فيها استحباب السواك

    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم.

    وبعد:

    فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    إخوتي المشاهدين والمشاهدات! أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا الاجتماع اجتماعاً مرحوماً، وأن يجعلنا ممن تحفهم الملائكة، وتغشاهم الرحمة، ويذكرهم ربي فيمن يذكرهم في الملأ الأعلى.

    أيها الإخوة في الله! هذا الدرس هو من ضمن دروس الأكاديمية الإسلامية المفتوحة التي تحييكم أجمل ترحيب، والتي يتفيأ ضلالها أكثر من اثنين وثمانين دولة، فهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن العلم نور، وأن العلم بركة، فمن أعطاه الله إياه فقد أعطاه حظاً عظيماً، و( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين )، والعلم لا يستطاع براحة الجسد، فلا بد من الجد والاجتهاد.

    إذا كان يلهيك حر المصيف ويبس الخريف وبرد الشتا

    ويلهيك حسن زمان الربيع فأخذك للعلم قل لي متى؟

    ولأجل هذا فمن أراد أن يتعلم ويسود في العلم فلا بد أن يجد ويجتهد، فإن الإنسان لا ينبغي أن ينسب نفسه لأن يكون طالب علم، إلا إذا جد واجتهد؛ لأن كل إنسان طالب علم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( بلغوا عني ولو آية )، أما أن ينسب إلى العلم وطلبة العلم، وهم الذين عرفوا بذلك فلا بد أن يعطي نفسه بعد توفيق الله وتسديده حظها من العلم والجد والاجتهاد.

    عند كل وضوء

    الشيخ: أيها الإخوة في الله! لقد وصلنا إلى باب السواك، وقد شرحنا فيه أن السواك من سنن المرسلين، وقيل: إن أول من استاك هو إبراهيم عليه السلام، وذكرنا بعض المسائل، وكنا قد ذكرنا أن السواك مسنون في كل الأوقات، وذكر النووي رحمه الله إجماع أهل العلم على أنه سنة ومشروع، ولم يخالف في ذلك إلا إسحاق بن راهويه و داود الظاهري ، وقلنا: إن الراجح -والله أعلم- أنه سنة مؤكدة.

    إلا أنه ينبغي للإنسان حينما يعلم أن السواك سنة مؤكدة أن يعرف أنه يتأكد في مواضع، أول هذه المواضع الوضوء، فإذا أراد الإنسان أن يتوضأ فإنه يشرع له أن يستاك، وقد جاء عند الإمام أحمد و أبي داود ، وكذلك ابن خزيمة أن عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أمرت بالوضوء عند كل صلاة طاهراً أو غير طاهر، فلما شق ذلك على أمتي أمرت بالسواك عند كل وضوء ).

    فهذا يدل على أن السواك يعطي الوضوء عبادةً أزيد مما لو توضأ بلا سواك، وهذا يدل على أن الوضوء بالسواك سنة مؤكدة، وأن الصلاة بالسواك سنة مؤكدة، ولأجل هذا كان مما يتأكد له السواك الصلاة.

    أما دليل استحباب السواك عند الوضوء فهو ما رواه مالك في موطئه، وكذلك البخاري معلقاً بصيغة الجزم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء )، وهذا حديث إسناده صحيح، وهو من أحاديث بلوغ المرام.

    عند كل صلاة

    الشيخ: الموضع الثاني الذي يتأكد فيه السواك: هو الصلاة، فيستحب للإنسان إذا شرع المؤذن في الإقامة أن يخرج السواك فيستاك ويدعو، وهذه سنة يغفل عنها كثير من الناس، فعندما يشرع المؤذن بالإقامة فإنه يستحب له أن يدعو، وكذلك يستاك، بحيث يكون نهاية سواكه قبل أن يكبر ويقول: الله أكبر، وهذا من السنن التي ينبغي أن تشاع بين الناس.

    نعم الحمد لله يوجد من أهل الخير من يصنع ذلك، ومن عامة الناس، إلا أن إشاعته أفضل بحيث لا تستطيع أن تلتفت ذات اليمين أو تلتفت ذات الشمال إلا ورأيت من يطبق هذا، فهذا يدل على إحياء السنة.

    ومما يدل على استحباب السواك عند كل صلاة ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ).

    فإذاً حديث: (لولا أن أشق على أمتي) جاء في حديث: (مع كل وضوء)، وجاء (عند كل صلاة)، واستدل بعض أهل العلم على أن (مع كل وضوء) لو تمضمض وتسوك فإنه يصدق عليه أنه تسوك مع الوضوء.

    أما السواك في الصلاة فإنه يستحب عند كل صلاة، بحيث إذا كبر ورفع يديه للتكبير فإنه لا ينبغي له أن ينشغل بالسواك حينها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن في الصلاة لشغلاً ) كما في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود ، وعلى هذا فإنه يستاك قبل أن يكبر، فإذا أراد أن يكبر وضعه في جيبه الأعلى أو في جيوبه الخلفية أو الجانبية ثم يكبر. إذاً هذا الموضع الثاني.

    عند الاستيقاظ من النوم

    الشيخ: الموضع الثالث: هو عند الانتباه من النوم.

    وقد جاء في الصحيحين من حديث حذيفة رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك )، إذاً يستحب للإنسان عند الانتباه من النوم أن يستاك.

    وكونه إذا قام من الليل فإن هذا إنما كان من غالب فعله صلى الله عليه وسلم، وإلا فلو قام من النهار فإن له أن يستاك أيضاً.

    وينبغي أن يكون الإنسان عنده سواك في ثوبه، وسواك عند نومه، بحيث يطبق السنة إذا قام من النوم؛ لأن بداية الصباح تبدأ فيه بالسنة هي بداية خير ونعمة، فإن من أعطي السنة فقد أعطي خيراً كثيراً، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم للرجل الذي لم يعد الوضوء حينما جاء الماء وهو قد تيمم: ( أصبت السنة )، وقال للذي لم يصب السنة: ( لك الأجر مرتين )، مما يدل على أن إصابة السنة أعظم من الأجرين، وعلى هذا فينبغي للإنسان أن يضع سواكاً عند نومه، بحيث إذا قام من النوم يشوص فاه بالسواك.

    عند دخول المنزل

    الشيخ: الموضع الرابع: عند دخول المنزل، ولهذا روى مسلم في صحيحه ( أن عائشة رضي الله عنها سئلت: بأي شيء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبدأ إذا دخل بيته؟ قالت: كان يبدأ بالسواك )، وهذا يدل على استحباب السواك عند دخول المنزل.

    وقد استشف بعض أهل العلم حكماً في ذلك، فقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيحين (كان يشتد عليه أن توجد منه الريح)، فكان عليه الصلاة والسلام إذا اقترب الإنسان منه لا يكاد يجد إلا شيئاً طيباً، وريحةً طيبة، حتى إن عرقه صلى الله عليه وسلم كانت أم سليم تأخذه وتضعه في قارورة فتقول: نطيب به صبياننا، وكان من أحسن الطيب، بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم!

    فكان عليه الصلاة والسلام يشتد عليه أن توجد منه الريح، حتى إنه مرةً من المرات (اجتمعت عائشة وميمونة وسودة يردن ألا يأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم عند حفصة، عندما أكل عند حفصة جرة عسل، فقالت عائشة: فقلت لـسودة و ميمونة: أيتكن دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلتقل: يا رسول ما هذه الريح؟ أكلت مغافير؟ فسوف يقول لك: لا، بل سقتني حفصة شربة عسل، فقولي: جرست نحله العرفط ) يعني: النحلة أخذت من العرفط، وهو شجر الصمغ، فيكون أثر العسل من سبب الشجر، ( فسيقول لك: لا، بل سقتني حفصة شربة عسل، فقولي: جرست نحله العرفط، ثم حرم النبي صلى الله عليه وسلم عليه أكل هذا العسل )، وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسوءه أن توجد منه رائحة.

    وبعض الناس ربما يكون في فمه بعض الرائحة الكريهة إما بخر وإما بعض الأشياء، فلا يبالي إلا بنفسه ولا يبالي بالآخرين، ولهذا نهي العبد أن يأكل الكراث، أو الثوم، أو البصل، لأجل ألا يؤذي عباد الله؛ بل ولأجل ألا يؤذي الملائكة، ولهذا جاء في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم )، وهذا يدل على أن المقصود ملائكة المسجد، وإلا فإن الإنسان لو صلى في بيته فإن ثمة ملائكة عن يمينه وعن شماله، ولكن هؤلاء الملائكة المقصود بهم ملائكة المسجد، كما نص على ذلك الإمام أحمد بن حنبل رحمة الله تعالى عليه.

    فقد التمس أهل العلم حكمة ذلك: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان من عادته إذا دخل بيته اقترب من أهله، فكان يقبل نساءه صلى الله عليه وسلم )، كما أشارت عائشة إلى ذلك كما في الصحيحين، فكان صلى الله عليه وسلم يحب أن يتجمل لأهله كما كان الأهل يحبون أن يتجملوا له، فكان هذا من باب: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ [النساء:19]، فإذا كان هذا حاله صلى الله عليه وسلم مع من يمون، فما بالك بمن يكون من عامة خلطائه، فهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يتقي، وكثيرون هم الذين يتقون مع الآخرين ولا يتقون مع أهليهم، فربما لبس ثياباً رثة في بيته، ولا يبالي برائحته، لكن إذا أراد أن يخرج عند الناس لبس أحسن الثياب، وتطيب أحسن الطيب، أما محمد صلى الله عليه وسلم فكان يطبق السنن في كل شيء، حتى مع أهله، ( فكان إذا أراد أن يدخل المنزل بدأ بالسواك ).

    عند تغير رائحة الفم

    الشيخ: الموضع الخامس: قال أهل العلم: عند تغير الرائحة، يعني: رائحة الفم.

    ذكر ذلك بعض أهل العلم كالحنابلة والشافعية، وغير واحد من أهل العلم، وقد ذكر ابن دقيق العيد في كتاب إحكام الأحكام وقال: ولعله يستدل بذلك -يعني عند تغير رائحة الفم- لأن ( النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك )؛ لأن من عادة من صمت ولا يتكلم فإن فمه يكون قد تغير فلما ( كان صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك )، فدل على ذلك من باب دلالة الالتزام وهي أن في العادة أن من كثر صمته، أو تغير رائحته فإنه يستاك.

    عند قراءة القرآن

    الشيخ: الموضع السادس: عند قراءة القرآن، استدل الحنابلة وكذلك الشافعية وغيرهم على أنه يستحب للإنسان إذا أراد أن يقرأ القرآن أن يتسوك بما جاء عند الدمياطي في المتجر الرابح من حديث علي بن أبي طالب : ( إن أحدكم إذا أراد أن يقرأ فليشوص فاه بالسواك؛ فإن الملك يضع فاه على موضع فيه، فما خرج من جوفه دخل في جوف المِلك، ألا فطيبوا أفواهكم بالقرآن )، والحديث في سنده بعض الضعف، إلا أن الدمياطي حسنه، ومن المعلوم أن الحديث له طرق تدل على أن له أصلاً، فيستحب للإنسان إذا أراد أن يقرأ القرآن أن يشوص فاه بالسواك.

    1.   

    كيفية الاستياك

    الشيخ: السواك كما هو معلوم يستحب عند الوضوء، ونحن سوف نشرع إن شاء الله بعد باب السواك في سنن الوضوء، لكن ينبغي أن نذكر طريقة التسوك.

    الاستياك طولاً أو عرضاً

    الشيخ: بعض أهل العلم قال: يستحب التسوك عرضاً، قالوا: لما جاء من حديث عائشة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستاك عرضاً )، والحديث سنده ضعيف؛ فإن في سنده رجلين ضعيفين، أحدهما يسمى اليمان بن عدي ، والثاني يسمى ثبيت بن كثير، وهما ضعيفان.

    وذكر الأطباء أنه يُستاك أو يَستاك طولاً؛ لأن أغشية الأسنان تتأثر فيما لو استاك عرضاً. أما اللسان فإنه يستاك طولاً؛ لما جاء في الصحيحين من حديث أبي موسى عندما دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وطرف السواك على لسانه وهو يقول: ( هع هع )!

    إذاً الأقرب والله أعلم أنه لم يرد دليل على أنه يستاك عرضاً أو يستاك طولاً، وهذا يدل على الجواز في الصفحتين، ونحن ذكرنا قاعدة كل ما جاء الشرع بمشروعيته ولم يبين لنا صفته دل على أن كل صفة تؤدي فعل هذا المشروع فإنها جائزة.

    فبين لنا النبي صلى الله عليه وسلم السواك ولم يبين لنا طريقة التسوك، مما يدل على أن أي طريقة جائزة، والله تبارك وتعالى أعلم.

    الاستياك باليمين أم باليسار

    الشيخ: وقد ذكرنا في آخر الحلقة حكم التسوك أيهما أفضل باليمين أم باليسار؟ وقلنا: سوف نذكرها إن شاء الله في الدرس القادم.

    بعض أهل العلم قال: يستحب السواك باليمين؛ لما جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أريت في المنام وأنا أتسوك بسواك، فجاءني رجلان، فدفعت السواك إلى الأصغر منهما، فقيل لي: كبر، كبر، فدفعته للأكبر )، ووجه الدلالة في هذا الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( أريت في المنام وأنا أتسوك بسواك، فدفعته للأصغر منهما )، فلو كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستاك باليسار لقال: فأخذته باليمين فأعطيت؛ لأنه لا يعطي صلى الله عليه وسلم ولا يأخذ إلا باليمين، فلما كان يستاك قال: (فدفعته)، والفاء تفيد التعقيب، وهذا دليل على أنه كان صلى الله عليه وسلم يستاك باليمين، وهذا يعني يلتمس لكنه ليس صريحاً في المقصود.

    وقال بعضهم: إنه يستحب السواك باليسار، وذكر أبو العباس بن تيمية أن مذهب جمهور أهل العلم أنه يستحب السواك باليسار؛ لأن السواك إنما هو مطهرة للفم، وما كان مطهرة للفم فإن من المعلوم أن الإنسان يريد أن يزيل الأشياء العالقة في الفم، والأشياء العالقة في الفم إنما تزال بما دون اليمين؛ لقول عائشة كما في الصحيحين: ( كان يحب التيمن في تنعله، وفي ترجله، وفي طهوره )، وأما ما عدا ذلك فإنه يستاك باليسار، هذا قول.

    وقال بعض أهل العلم: إن كان يريد بسواكه التنظف يستاك باليسار. وإن كان يريد بسواكه تطبيق السنة ليس إلا فيستاك باليمين.

    والذي يظهر والله أعلم هو مذهب مالك ، فإنه سئل رحمه الله فقال: الأمر في هذا واسع، ومعنى ذلك كما قلت: أنه صلى الله عليه وسلم بين استحباب السواك، ولم يقل: بيمين أو بيسار، مما يدل على أن كل أمر ثبتت مشروعيته عن النبي صلى الله عليه وسلم أو في كتاب ربنا، ولم يرد إلينا شيء في صفته، دل على أن كل صفة تؤدي فعل هذا المشروع فإنها جائزة، والله تبارك وتعالى أعلم، وهذا هو الظاهر، وهو قول مالك رحمه الله رحمةً واسعة.

    طيب، إذا ثبت هذا فإنه ثمة فرق بين أن يستاك عرضاً أو طولاً، وبين أن يبدأ بشقه الأيمن، فإن السنة أن يبدأ بشقه الأيمن؛ لما جاء في الصحيحين من حديث عائشة : ( كان يحب التيمن في شأنه كله )، فهذا يدل على استحباب البداءة باليمين، والله أعلم.

    فيبدأ بالشق الأيمن ثم الشق الأيسر، وكل ذلك جائز أيها الإخوة.

    وكما قلت: نحن نشرح كتاب فقه فلا بد أن نذكر جميع المسائل، وقد يقول بعضكم: إن هذه المسائل الأمر فيها واسع، نحن نقول: الحمد لله الأمر فيها واسع، لكن من أراد أن يزيد في الطاعة ويؤجر على ذلك فالحمد لله، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يبين كثيراً من المسائل مما يدل على أن الأمر فيها واسع، والله أعلم.

    1.   

    سنن الفطرة

    الشيخ: يشرع للإنسان أيضاً أن يطبق سنن الفطرة، وقد جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( خمس من الفطرة: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط ).

    تقليم الأظافر

    الشيخ: وتقليم الأظافر هي إزالة الأظافر الطويلة، وقد ذكر بعض الفقهاء صفةً في تقليم الأظفار يبدأ بالخنصر، ثم الوسطى، ثم البنصر، ثم الإبهام، أو غير ذلك من الصفات.

    وأنا أقول للإخوة والأخوات إنه لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء يبين صفة تقليم الأظفار، فإذا بدأ بالإبهام، أو بدأ بالخنصر، أو بدأ البنصر، أو غير ذلك، فكل ذلك جائز، وكل ما يذكره الفقهاء في هذا ليس عليه دليل، ونحن هل نتعبد بقول فلان أم علان أم بما قاله الله سبحانه وتعالى وأوحى على رسوله صلى الله عليه وسلم؟ إنما نتعبد بما بين لنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله يقول: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:59]، وعلى هذا فإننا نقول: على أي صفة قلم أظفاره فإنه لا بأس، سواء بدأ بإصبعه الإبهام أو بالخنصر أو بالوسطى، فكل ذلك جائز، لكن الأفضل أن يبدأ باليمين؛ لما جاء في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها.

    على هذا لم يثبت حديث في كيفية تقليم الأظفار، وليس فيه طريقة معينة، ولا يثبت فيه يوم إلا يوم الجمعة، فيستحب يوم الجمعة مطلقاً، وأما غيره فلا بأس وهو جائز، فمتى احتاج الإنسان فإنه يفعل، وقد كان ابن عمر إذا أراد أن يذهب إلى الجمعة يقلم أظفاره، ويقص شاربه، وقد جاء مرفوعاً ولكن في سنده ضعف، وهو ابن السموأل ، وهو رجل اسمه عبد الله بن محمد السموأل ، وهو حديث ضعيف لا يصح مرفوعاً، وإنما هو من قول ابن عمر رضي الله عنهم أجمعين.

    قص الشارب

    الشيخ: كذلك يستحب قص الشارب إذا احتاج إلى ذلك، مثل أن يطول الشعر حتى يجاوز الشفتين أو يزداد كثيراً فإنه يستحب له أن يأخذ شيئاً منه.

    وطريقة قص الشارب إما أن يقص ما زاد عن الشفتين كما جاء في الحديث الذي رواه المغيرة بن شعبة : ( أنه وضع العود على أعلى الشفتين ثم قال: جز )، يعني: أن ما زاد فإنه يأخذ منه.

    وقال بعضهم: يستحب قص الشارب عموماً، وهو لا يسمى شارباً إلا للعموم، واستدلوا على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: ( خالفوا المشركين، جزوا الشوارب، وأعفوا اللحى )، والجز هو العموم، والراجح والله أعلم أنه يفعل هذا تارة، وهذا تارة لكن لا ينبغي أن يكون كثيراً.

    وقص الشارب من السنن، وهذا مذهب عامة أهل العلم، وأخطأ ابن حزم رحمه الله فجعله فرضاً، وذكره إجماعاً، والصحيح أنه ليس في المسألة إجماع، بل عامة الفقهاء وهو مذهب الأئمة الأربعة على أن قص الشارب سنة.

    حلق العانة ونتف الإبط ومشروعية دفنهما

    الشيخ: من سنن الفطرة حلق العانة.

    وحلق العانة هو الاستحداد الذي جاء في الحديث، ولفظ الاستحداد يعني: استعمال الحديدة التي بها يزول شعر العانة، وهو الشعر النابت فوق الذكر أو فوق قبل المرأة، وهذا الشعر يستحب للإنسان أن يحلقه لأجل ألا تجتمع الأوساخ فيها.

    وكذلك يستحب نتف الإبط، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينتف إبطه، وأي شيء قام بالإزالة سواءً بوضع بعض الأدهان، أو النورة، أو غير ذلك مما يعرفه الناس في عاداتهم فإن ذلك جائز، إلا أن نتف الإبط أفضل، وحلق العانة أفضل لأجل ألا يتضرر الإنسان ولا يتألم.

    وإذا تأخر الإنسان عن أربعين يوماً في نتف الإبط، وقص الشارب، وحلق العانة، فهل هذا محرم؟

    الجواب: جاء حديث عند مسلم من حديث أنس رضي الله عنه أنه قال: ( حد لنا النبي صلى الله عليه وسلم في قص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط ألا نزيد على أربعين يوماً ).

    فقال بعض أهل العلم: إن ما زاد فهو مكروه، وهذا نسبه النووي رحمه الله إلى قول عامة أهل العلم، وقال بعضهم: إذا زاد عن الأربعين فهو محرم.

    والذي يظهر والله أعلم أن ما زاد عن الأربعين فهو مكروه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وصفه أنه من الفطرة؛ ولأن مثل هذه الأشياء إنما هي من أمور الجبلة، فالإنسان مأمور بالفعل، والفعل مثل هذا يدل على الاستحباب، وأما إذا نهي عن الفعل فإنما يدل على التحريم، فحلق اللحية محرم لأنه أمر بالترك، فإذا فعل فقد خالف، وأما قص الشارب فهو أمر بالفعل، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) فمنه الواجب ومنه المستحب، ومن المعلوم أن مثل هذه الأشياء ليست إلا من باب الإرشاد والتوجيه، ولهذا كان مذهب عامة أهل العلم أن ذلك على سبيل الاستحباب، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    إذا ثبت هذا أيها الإخوة فمن المعلوم أن الإنسان يقص أظفاره، ويحلق شعره، فماذا يصنع فيها؟ الجواب: جاء عند ابن أبي شيبة من حديث محمد بن سيرين و الحسن أنهما كانا يدفنان الشعر والأظفار.

    وقد روى الإمام أحمد رحمه الله في مسائله قال: كان ابن عمر يصنع ذلك.

    فهذا يدل على أن الإنسان ينبغي له -لا أقول: يستحب- لكن ينبغي له إذا قص أظفاره أن يدفنها، فإن لم يدفنها بأن وضعها في منديل ثم وضعها في القمامة فلا حرج في ذلك إن شاء الله.

    وأما السن فإن من الناس من إذا سقطت أسنان أطفاله فإنه يدفنها، وهذا جاء في بعض الآثار، لكنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن دفنها فحسن، وإن ألقاها في القمامة فحسن وكل ذلك جائز، لكنه ينبغي أن تزال عن مرأى الناس؛ لأن ذلك مما يستقذر، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    الختان

    الشيخ: إذا ثبت هذا أيها الإخوة فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( خمس من الفطرة: وذكر الختان )، ونحن نشرح الختان، والختان للرجال والنساء.

    أما الرجال فهي إزالة الحشفة التي في رأس الذكر، ويجب على الرجل إذا وجبت عليه الصلاة والطهارة، فحكم الختان في حق الرجل واجب إذا وجبت عليه الطهارة والصلاة.

    وتجب عليه الطهارة والصلاة حين البلوغ، وأما من لم يبلغ فإنه يستحب، هذا هو الراجح والله أعلم، وهو مذهب الشافعية والحنابلة؛ لأن الإنسان إذا وجبت عليه الطهارة فإنه ربما يكون قد تعلق بعض النجاسات وبعض البول في تلك الحشفة، فربما وقعت في ثيابه بعدما تلتصق بجسده فيقع في عدم التنزه من البول، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على قبرين، فقال: أما إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، وإنه لكبير -كما جاء في بعض الروايات- أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول )، وفي راوية: ( كان لا يستتر من بوله، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة ).

    فهذا يدل على أن الإنسان يجب عليه أن يستنزه من البول، ومن لم يختتن من الرجال فإنه لا يستتر ولا يتنزه من البول، ولهذا يجب عليه إذا بلغ، وأما قبل ذلك فإنه مستحب أو جائز لأجل ألا يتألم أو ربما يشق عليه وقت الكبر.

    وأما المرأة فالراجح والله أعلم أن الختان في حقها جائز وليس بواجب، والمرأة طريقة ختانها إزالة الحشفة التي تشبه عرف الديك، ومما يدل على أن المرأة لها أن تختتن ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة ومن حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مسألة الغسل: ( ومس الختان الختان )، ( إذا التقى الختان بالختان )، فهذا يدل على أن المرأة تختتن، ولكنه ليس بسنة وليس بواجب، هذا هو الذي يظهر والله أعلم.

    وعلى هذا لو لم تختتن المرأة، أو كان البلد لا يعرفون ذلك فإن هذا جائز، ولا ينبغي أن نستغل من قبل المستشرقين، أو من بعض الكتاب الذين تأثروا بكتب المستشرقين حينما يتحدثون عن مثل هذه القضية، وأن الدين عذاب، فليس الدين عذاباً، ولكن الرب سبحانه وتعالى هو الذي خلقنا وهو أدرى بنا، وقد قال سبحانه وتعالى: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14]، فهو أعلم وإن لم ندرك ذلك، ولهذا قالوا: من حكمة ذلك أن المرأة تقل غلمتها، يعني: شدة شهوتها، والحكمة عند الله سبحانه وتعالى، لكن هذا التماس، ولكن طاعة الله سبحانه وتعالى هي أعظم من كل شيء.

    وقد ذكرنا أن الإنسان يختتن كما قال بعض أهل العلم: قبل أن يدرك، يعني قريباً من البلوغ وقبل أن يبلغ، وقد روى البخاري من حديث سعيد بن جبير : ( أن ابن عباس سئل: مثل من أنت حين دفن النبي صلى الله عليه وسلم؟ -يعني: كم عمرك؟- قال: وأنا يومئذ مختون، وكانوا لا يختنون أطفالهم حتى يدركوا )، يعني: أن من عادة قريش أنها لا تختن إلا قبل البلوغ، يعني والصبي مراهق ابن عشر، أو ابن إحدى عشرة، ابن اثنتا عشرة سنة.

    وقال بعضهم: إنه يستحب في اليوم السابع، وهو رواية عند الإمام أحمد ، وذهب مالك رحمه الله إلى أن ذلك مكروه؛ لأنه من فعل اليهود، وجاء في بعض الروايات: ( أن إبراهيم عليه السلام ختن ابنه إسحاق وعمره سبع ).

    وأقول والله أعلم: أنه حينما لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم متى يختتن حال الصغر، فإن كل ذلك جائز، فإن ختنوه بعد ولادته بثلاثين أو بعشرين يوماً، أو بعد ولادته بشهرين أو ثلاثة شهور فهو جائز، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    وعلى هذا هل هناك حد محدود في الختان؟ نقول: لا، لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، فالأصل فيه الجواز، سواء كان حال ولادته أو بعدها بشهر أو بأسبوعين، أو بعد ذلك بشهرين، أو سنة أو سنتين، أو قبل البلوغ، فكل جائز، وإنما يكون واجباً عند البلوغ، والله أعلم.

    1.   

    أحكام شعر الرأس

    الشيخ: بما أننا قد تحدثنا عن الحلق وغيره فيستحب لنا -كما كان الفقهاء يذكرون ذلك- أن نتحدث عن الرأس وحلق الرأس.

    حلق الرأس له أربعة مواضع:

    حلق الرأس في الحج والعمرة

    الشيخ: الموضع الأول: حلق الرأس في الحج والعمرة، فإن القص والحلق واجب من حيث العموم؛ لأن الراجح أن حلق الرأس أو تقصيره في الحج والعمرة واجب من واجبات الحج، إلا أن الحلق أفضل، لما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة ، ومن حديث ابن عمر : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اللهم اغفر للمحلقين )، وفي رواية: ( اللهم ارحم المحلقين ثلاث مرات )، هذا الحالة الأولى.

    حلق الرأس لحاجة كالتداوي

    الشيخ: الموضع الثاني: حلقه لحاجة كالتداوي، فالإنسان أحياناً قد يحلق رأسه لأجل الحجامة، ولا حرج في ذلك إن شاء الله، وهو مباح.

    حلق الرأس للتعبد والزهد

    الشيخ: الموضع الثالث وهو مهم جداً أن نذكره وهو حلقه للتعبد والزهد، ودلالة على التوبة.

    فإن من الناس أو من العوام من إذا كان فاسقاً أو كان مسرفاً على نفسه بالذنوب، ثم تاب ذهب إلى الحلاق وحلق رأسه بالموسى، فيقول: هذا نوع من التدين، وإذا تاب الله عليه فلا يبقي شيئاً من شعره، بل يحلقه دائماً بالموسى، وهذا لا يسوغ؛ لأنه تعبد لله بغير ما شرع، ولهذا ذكر ابن تيمية رحمه الله أن هذا من علامات وشعار أهل البدع، وقد أنكر مالك حلق الرأس إلا في حج أو تداو، فإن كان لغير حاجة كرهه مالك خوفاً من التشبه بأهل الأهواء، وقد جاء في صفة الخوارج كما في الصحيحين: ( فقام رجل كث اللحية محلوق الرأس )، وهذا يدل على أنه لا ينبغي حلقه، ولا يجوز إذا كان على وجه الزهد والتعبد، فهذا الخارجي الذي حلق رأسه إنما قصد بذلك أن الحلق أفضل، فالراجح والله أعلم أنه إذا كان على وجه التعبد فإنه من فعل أهل البدع، ولهذا تجدون في بعض البلاد إذا تاب الإنسان قيل له: اذهب إلى الحلاق، وهذا لا يصلح!

    حلق الرأس بلا حاجة

    الشيخ: الموضع الرابع: حلقه بلا حاجة، يعني: شخص يقول: أنا يتعبني الشعر الكثير، ولا يصلح لي خاصةً إذا كنت ألبس القلنسوة والطاقية، فأنا أحب أن أحلقه لا لشيء ولكن لأنه أريح لي وهذا الراجح فيه والله أعلم هو مذهب الشافعية والحنابلة: أن ذلك جائز، لما جاء عند أبي داود من حديث ابن عمر : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للصبي الذي رآه قد قزع في رأسه: احلقوه كله، أو اتركوه كله )، فقوله صلى الله عليه وسلم: (احلقوه كله) يدل على الجواز -والله أعلم- وهذا كما قلت هو مذهب الشافعية والحنابلة.

    وقال مالك: هو مكروه، والصحيح أن ذلك جائز، والله تبارك وتعالى أعلم.

    إطالة الشعر

    الشيخ: وهنا سؤال مهم وهو هل يستحب إطالة الشعر؟

    ذهب الحنابلة إلى أنه يستحب إطالة الشعر، ووافقهم بعض أصحاب المذاهب، واستدلوا على ذلك بما جاء عند أبي داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من كان له شعر فليكرمه )، وهذا الحديث في سنده رجل يقال له: عبد الرحمن بن أبي الزناد، وقد أنكر بعض أهل العلم حديثه، وقد ذكر الذهبي رحمه الله في ترجمته: أن بعض أهل العلم ضعف حديثه، وذكروا من الأحاديث التي استنكرت عليه هذا الحديث، وقال بعضهم: إنه قد تابعه محمد بن أبي ذئب، من علماء حديث مصر، ولكن الذي يظهر والله أعلم أن الحديث له طرق مما يدل على أن له أصلاً، ولكن هذا الحديث ليس فيه دلالة على استحباب إطالة الشعر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( من كان له شعر فليكرمه )؛ لأنه لا يحب صلى الله عليه وسلم أن يخرج الإنسان متبذلاً، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يرجل شعره، وكان يدهن شعره غباً. أي: مرةً دون مرة، يوماً وراء يوم، ولهذا كان ينهى عن كثير من الإرفاه كما جاء عند أبي داود : ( كان صلى الله عليه وسلم ينهى عن كثير من الإرفاه )، يعني: ينهى عن الترفه.

    تجد بعض الشباب يسرح شعره عند كل صلاة، فيقضي حياته كلها بالتسريحة وغير ذلك مما يعرفه الشباب، ولا ينبغي للمسلم أن تكون هذه حياته وهذا ديدنه.

    نعم، ينبغي له أن يدهن غباً مرةً بعد مرة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع، ولكن هذا لا يدل على استحباب إطالة الشعر، وإنما كان شعره صلى الله عليه وسلم إلى الوفرة، فهذا دليل على أن هذه عادة من عادات قريش والعرب، وليس فيه استحباب، وقد قال العلماء رحمهم الله في طريقة الاقتداء: ما كان من باب الجبلة والعادة فإنه لا يقتدى به، ليس على سبيل التعبد، مثل لبس العمامة فإنه ليس عبادة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما لبسها لأجل عادة قومه، وكذلك أطال شعره في بعض المواطن لأجل عادة قومه هذا هو القول الأول.

    القول الثاني: أنه جائز، ومما يدل على ذلك ما رواه أبو داود من حديث عاصم بن كليب عن أبيه، عن وائل بن حجر رضي الله عنه قال: ( أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ولي شعر طويل، فقال صلى الله عليه وسلم: ذباب ذباب ) يعني: أنك ذؤابة، أي: طويل، ( قال: فخرجت فجززت شعري -يعني: قصرته- ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لم أعنك )، يعني: كنت لا أخاطبك، ( إني لم أعنك، وهذا أحسن )، ولا أحسن مما حسنه النبي صلى الله عليه وسلم، فدل ذلك على أن إطالة الشعر إنما هو جائز وليس بسنة، وهذا هو الأقرب والله أعلم.

    وبعض الشباب هداهم الله ترى له شعراً كثيفاً وربما عقص رأسه، ووقت الصلاة يعقصه، وهذا منهي عنه للرجل وقت الصلاة؛ لما جاء في صحيح مسلم من حديث ابن عباس : ( أنه رأى رجلاً قد عقص رأسه وهو يسجد، فقام ابن عباس فحله، فقال الرجل: يا ابن عباس ما لك وشعري؟ قال: إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إنما مثل هذا مثل من يصلي وهو مكتوف )، يعني: يستحب أن يسقط الإنسان شعره لأجل أنه إذا سقط على مواضع السجود أو على الأرض فإنه يؤجر عليه.

    أما المرأة فلا بأس بذلك؛ لقول أم سلمة : ( إني أنقض رأسي )، وهذا يدل على أن هذا من عادة النساء، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    إذا ثبت هذا أيها الإخوة فإن بعض الشباب -هداهم الله- يبالغون في إطالة الشعر، وإذا سألتهم عن ذلك قالوا: هي سنة، وتجد أنه إذا جاء وقت الحج والعمرة والسنة فيها الحلق لا يحلق، ولا يقصر إلا شيئاً يسيراً، فإذا قلت له: لماذا؟ قال: أليس جائزاً؟! سبحان الله العظيم! لماذا هذه سنة وهذا جائز؟ وهذا يدل على أن الإنسان فيه شيء من الهوى وأن هذا يوافق هواه.

    على كل حال هذا يدل على الجواز، والله تبارك وتعالى أعلم.

    حلق الرأس على هيئة القزع

    الشيخ: حكم القزع. القزع هو: حلق بعض الرأس وترك بعضه.

    إذاً لا بد فيه من الحلق، وأما التخفيف بأن يجعل أمامه أكثر من الخلف، فهذا ليس من القزع في شيء، والقزع إنما هو حلق بعض الرأس وترك بعض، مثلما يفعله بعض الناس حينما يضع شعراً كثيفاً وخلف رأسه محلوق، أو قريباً من الحلق وهو الحف، فإن هذا يسمى قزعاً، وأما التخفيف بأن يجعل أمامه أكثر فهذه قصة الصبيان، وهو الذي تسميه العوام التواليت، فهذا الأصل فيه الجواز، وقد نص عبيد الله بن عمر حينما روى حديث نافع قال: (وأما القصة فلا بأس بها)، وكذلك صح عن إبراهيم النخعي ، وأشار إليه البخاري معلقاً، وأشار إليه مالك في الموطأ، ونهى عنه مالك ، والراجح هو جواز ذلك وهو مذهب الجمهور، والله أعلم.

    وأما حكم القزع وهو حلق بعض الرأس فهو مكروه، إما لأنه من زي الأعاجم، وإما لأنه تشويه بالخلقة.

    فسبب النهي إما لأنه زي الأعاجم، وقد جاء عند أبي داود ، وإما لأنه تشويه الخلقة كما ذكر ذلك بعض المالكية، ودليل الكراهة: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن القزَع )، والحديث متفق عليه.

    لعلنا نقف عند هذا الحد، ونستقبل فتاوى أو أسئلة الإخوة في الموقع.

    1.   

    الأسئلة

    القيء بين الطهارة والنجاسة

    السؤال: أم سارة وعمران من المغرب تقول: هل القيء نجس؟

    الجواب: هذا سؤال دقيق جداً، أما قولها: هل القيء نجس فقد ذهب الأئمة الأربعة إلى أن القيء نجس، وقد ذكر ابن المنذر رحمه الله إجماع أهل العلم على أن القيء نجس.

    والقول الثاني في المسألة، وهو قول لبعض المالكية، اختاره أشهب و ابن رشد : أنه ليس بنجس، وهذا القول قوي؛ لكن الأحوط أن يغسله الإنسان، ولا فرق بين قيء الصبي وقيء الكبير، فكل ذلك ينبغي أن يتوقى منه.

    فرك النجاسة من الثوب قبل إدخاله المغسلة الكهربائية

    السؤال: هل من الواجب فرك الملابس التي فيها شيء من النجاسة، أم يكتفى بغسلها في الغسالة؟

    الجواب: إذا كانت النجاسة لها جرم فينبغي إزالتها، لأجل ألا تنجس الماء، ربما يكون الماء قليلاً فربما تغيره، فإنه ينبغي أن يغسل في المغسلة، ثم بعد ذلك يوضع في الغسالة الكهربائية، أما إذا كان وحده والماء يتناوب عليه فلا حرج إن شاء الله في ذلك، والله أعلم.

    صبغ المرأة بعض شعرها وترك البعض

    السؤال: ما حكم صبغ بعض الشعر للنساء، وترك بعضه؟

    الجواب: سؤال جيد، الصبغة للمرأة إذا لم تكن فيها سواد فالأصل فيها الجواز، سواء صبغت بعض الشيء وتركت بعضاً مثلما تسميها العامة (ميش) أو صبغته كله، فإن كان بصبغة عادية فلا حرج إن شاء الله، وأما إذا كان بمادة كيميائية وتعزل وصول الماء عن هذا الشعر وكان كثيفاً كثيراً فإنه لا يجوز؛ لأن الأصل أن المرأة يجب عليها أن تمسح رأسها، فإن كان خصلة أو خصلتين أو خمس خصلات فلا حرج إن شاء الله في ذلك، أما الصبغة العادية صبغة الشعر أو الصبغة التي تباع في الصيدليات فلا حرج إن شاء الله في ذلك.

    وأما السواد فقد اختلف العلماء في ذلك: فذهب جمهور الفقهاء إلى أن ذلك مكروه، وهذا هو الراجح والله أعلم.

    ودليل ذلك هو عدم وجود الدليل، وأما حديث ( وجنبوه السواد ) فقد رواه مسلم ، وقد تكلم العلماء فيه، والصواب أنه من زيادة أبي الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، فقد روى زهير بن معاوية : فقلت لـأبي الزبير الراوي عن جابر بن عبد الله : هل قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا. فدل ذلك على أنها مدرجة.

    وأما حديث ابن عباس : ( سوف يكون في آخر الزمان قوم يخضبون بالسواد، لا يجدون رائحة الجنة )، فهذا الحديث رواه الترمذي ، وقال: حسن صحيح، لكن هذا يفيد الذم، وهو الذي استدل به بعض أهل العلم على الكراهة، وليس فيه ما يدل على التحريم -والله أعلم- مثله مثل حديث عمران بن حصين كما في الصحيحين أنه قال: ( ثم يأتي قوم في آخر الزمان يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، ويظهر فيهم السمن )، فهل السمن حرام؟

    الجواب: لا، لكن هذا من صفاتهم، فهذه صفة وليس فيها ما يدل على الحرمة فيدل على الكراهة، ولهذا ذهب جمهور أهل العلم إلى كراهة الصبغ بالسواد، والله أعلم.

    ضابط القلتين في المياه

    السؤال: يقول: حسين هتان من السعودية: ما هو ضابط: ( إذا بلغ الماء قلتين )، هل هو أي خبث؟

    الجواب: حديث ( إذا بلغ الماء قلتين ) حديث ابن عمر ، وقد جاء من أربع طرق كلها صحيحة، وقد صحح الحديث الإمام أحمد ، وكذلك ابن خزيمة ، وكذلك ابن حجر ، و أبو العباس بن تيمية ، وغير واحد من أهل العلم، فالصحيح أنه إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث، ومعنى (قلتان) هي مثنى قلة، وهي القلة من قلال هجر، وهي تسع مائتين وخمسين رطلاً، فإذا كان هناك خمسمائة رطل، ثم جاءت نجاسة فسقطت فيه فالغالب أن هذه النجاسة اليسيرة لا تغير الماء الكثير، أما إن غيرته بلون أو طعم أو رائحة فإنه ينجس كائناً ما كان، والله أعلم.

    وأما قوله: هل هو أي خبث؟ المقصود به خبث النجاسة، والله أعلم.

    الماء الذي غيرت الأصباغ لونه دون طعمه

    السؤال: أم المقداد من الأردن تقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نفع الله بكم وبارك في علومكم آمين، ومن قال وسمع!

    ما حكم الماء الذي سقط فيه أصباغ ملونات طاهرة، فغيرت لونه ولكنها لم تغير طعمه، فهل يصح الوضوء منه؟

    الجواب: إن كان هذا الصبغ قد غير لونه، كما لو سقط حبر على ماء فغير لونه تماماً بحيث يكون لونه أزرق، فإننا نقول: لا يتوضأ منه؛ لأنه سلبه مسمى المائية، والله أعلم.

    1.   

    أسئلة البرنامج والخاتمة

    الشيخ: لعلنا نذكر أسئلة الدرس القادم، فنقول:

    السؤال الأول: ما حكم القزع هل مكروه أو محرم؟

    السؤال الثاني: يستحب السواك في كل موضع، فهل يتأكد في ثلاثة مواضع، أم أربعة مواضع، أم ستة مواضع؟

    وجزاكم الله خيراً، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767082980