إسلام ويب

فقه العبادات - الصلاة [27]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن صلاة المأموم مع الإمام ليست صلاة الفرع مع الأصل، بل إنما جعلت الإمامة من أجل استكمال الجماعة، فالإمام لا علاقة له بالمأموم من حال العذر، وعليه فلا أثر لاختلاف نية المأموم عن الإمام، كصلاة المتنفل خلف المفترض والعكس، وكذلك لا أثر لبطلان صلاة الإمام على صلاة المأموم.

    1.   

    إمامة المحدث والمتلبس بنجاسة

    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه, ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:

    فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته إخوتي المشاهدين والمشاهدات! وحيا الله الإخوة الذين معنا في الأستوديو, ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين, وأن يمنحنا وإياكم رضاه، والعمل بسنة نبينا صلى الله عليه وسلم والتقوى, إنه على ذلك قدير، وبالإجابة جدير.

    كنا أيها الإخوة والأخوات قد توقفنا عند بعض المسائل المتعلقة بالإمامة، وهذه المسألة سوف نتحدث عنها، وكنا قد ذكرناها في درس سابق، ولم يسعفنا الوقت لأجل أن نفصل فيها, وهي الصلاة خلف المحدث وخلف المتنجس, وهو الذي قد لبس ثياباً متنجسة.

    اختلف أهل العلم في حكم الصلاة خلف المحدث وخلف المتنجس الذي لبس ثياباً متنجسة، فنقول:

    الصلاة خلف الإمام المحدث

    الشيخ: القسم الأول: الصلاة خلف المحدث: لا يخلو المصلي خلف المحدث؛ إما أن يعلم بحدثه بعد انتهاء الصلاة أو أثناءها.

    الحال الأول: إن علم بعد انتهاء الصلاة؛ فذهب جماهير الفقهاء من الأئمة الأربعة إلى أن صلاة المأموم خلف المحدث صحيحة, وأما صلاة الإمام فإنها تعاد.

    هذا القول الأول في مسألة المحدث.

    أعيد! الإمام المحدث إن علم بحدثه بعد انتهاء الصلاة صحت صلاة المأموم ولم تصح صلاة الإمام, وهذا قول جمهور الفقهاء من الأئمة الأربعة وغيرهم، استدلالاً بقوله صلى الله عليه وسلم كما في البخاري من حديث أبي هريرة : ( يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم, وإن أخطئوا فلكم وعليهم ).

    وقد روى ابن المنذر في الأوسط بسند صحيح عن عمر رضي الله عنه أنه صلى بأصحابه الفجر، فلما خرج إلى الجرف وجد في ثيابه بللاً من احتلام, فاغتسل وأعاد الصلاة، ولم يأمر أصحابه بذلك, وقد أخرجه أيضاً البيهقي وأشار إلى أن عثمان حصل له ذلك أيضاً, فهذان خليفتان من خلفاء المسلمين أمرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهما, فقال: ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ).

    الحال الثاني: إذا علم الإمام أو المأموم أو طرف آخر بحدث الإمام في أثناء الصلاة, فإن جماهير الفقهاء يقولون: لا تصح صلاة من خلفه, ولا تصح صلاة الإمام, فإذا علم الإمام بحدثه في أثناء الصلاة فإنه يجب عليه أن يقطعها، يجب على المأموم أيضاً أن يقطعها، ولا يصح الاستخلاف؛ يقولون: لأنه علم بطلان صلاة الإمام، والمأموم فرع عن إمامه, فمتى بطلت صلاة الإمام بطلت صلاة المأموم, وإنما منعنا من ذلك بعد انتهاء الصلاة لوجود الأثر، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة في المشهور عندهم.

    والقول الثاني في المسألة: هو مذهب الشافعي ورواية عند الإمام أحمد، اختارها أبو العباس بن تيمية رحمة الله تعالى على أئمة الإسلام، فقالوا: إن علم الإمام بحدثه في أثناء الصلاة بطلت صلاته إجماعاً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة : ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ), أما المأموم فإن صلاته صحيحة؛ وذلك لأن المأموم صلاته مع إمامه ليست صلاة الفرع مع الأصل, وإنما جعلت هذه الإمامة من باب استكمال الجماعة, وإلا فإن الإمام لا علاقة له بالمأموم في حال العذر, وأما مع عدم العذر فإن المأموم تبع لإمامه, وهذا ذكره أبو العباس بن تيمية رحمه الله، ورجحه ونسبه لـمالك و أحمد , وإن كان المعروف عن مالك في كتبه مثل قول أبي حنيفة ، وأنه متى صحت صلاة الإمام صحت صلاة المأموم, وإذا بطلت صلاة الإمام فقد بطلت صلاة المأموم كما هو مذهب الجمهور, وذكره ابن هبيرة في كتاب الإفصاح.

    لكن المقصود من هذا أن الراجح هو القول الثاني، وهو أن الإمام إذا علم حدث نفسه في أثناء الصلاة بطلت صلاته إجماعاً, أما المأموم فالصحيح أن صلاته صحيحة؛ لأنه لم يحصل منه مبطل.

    وبالتالي فيجوز للمأموم أو أحدهم أن يخلف إمامه في الصلاة, ولا أثر في ذلك للنية؛ لأن الراجح كما مر معنا أن نية الإمامة لا يشترط فيها أن تكون في ابتداء الصلاة خلافاً لجمهور الفقهاء, وقد رجحنا أنه تجوز نية الإمامة في أثناء الصلاة, وقلنا: إن هذا هو مذهب الشافعي واختيار أبي العباس بن تيمية رحمه الله.

    ولا أثر لأن يعلم الإمام بحدثه أو يعلم بعض المأمومين, فإن علم بعض المأمومين ولم يخبر الآخرين فإن الراجح في الذي لم يعلم أن صلاته صحيحة خلافاً للجمهور.

    الصلاة خلف الإمام المتلبس بنجاسة

    الشيخ: القسم الثاني: صلاة المتنجس, وهو إمام صلى بثياب نجسة، لكنه طاهر من حيث رفع الحدث:

    فذهب جمهور الفقهاء من الأئمة الأربعة إلى أنه إذا علم المأموم بأن الإمام ثيابه متنجسة بعد انتهاء الصلاة، -وهو مذهب عامة الفقهاء- أن صلاة المأموم صحيحة.

    وأما الإمام فقد وقع خلاف مبني على الخلاف في الشرطية, والراجح أيضاً أن صلاة الإمام صحيحة؛ وذلك لأن هذا من باب اجتناب المحظور وليس من باب فعل المأمور, فأما فعل المأمور فلا يعذر صاحبه بجهل ولا نسيان, إلا من جهة رفع الإثم، وأما من حيث الإعادة فإنه يجب على من لم يفعل المأمور أن يعيد.

    وأما اجتناب المحظور فإن الراجح، وهو مذهب أحمد في رواية وقول عند الشافعية, واختيار أبي العباس بن تيمية و ابن القيم : أن اجتناب المحظور إذا فعله الإمام سواء في أثناء الصلاة أو في انتهاء الصلاة أن صلاته صحيحة؛ لأنه لا علاقة لها برفع الحدث.

    واستدلوا على ذلك بما رواه أهل السنن من حديث أبي سعيد الخدري : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه, فخلع نعليه فخلع الصحابة نعالهم, فلما سلم قال: ما شأنكم خلعتم نعالكم؟ قالوا: رأيناك خلعت فخلعنا, فقال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن بهما أذى, فإذا أتى أحدكم المسجد فلينظر في نعليه، فإن وجد بهما أذى فليدلكهما بالتراب, فإن التراب لهما طهور ).

    وقد اختلف أهل العلم في رفع هذا الحديث ووصله, والصواب إن شاء الله تبارك وتعالى أن الحديث مرفوع، وأن الوصل صحيح كما رجح ذلك أبو حاتم الإمام الثقة المشهور في علم الرجال.

    إذا ثبت فإن النبي صلى الله عليه وسلم حينما أخبره جبريل أن في نعليه أذى -وهو النجس- لم يبطل صلى الله عليه وسلم صلاته، بل أزال هذا المتنجس.

    وجه الدلالة: أنه صلى الله عليه وسلم أكمل صلاته بعد علمه بالنجاسة في أثناء الصلاة، ولم يبطلها؛ فدل ذلك على أن اجتناب المحظور شيء، وفعل المأمور شيء آخر.

    إذا ثبت هذا فإن الإمام إذا علم بنجاسة ثيابه بعد انتهاء الصلاة فالراجح هو صحة صلاة الإمام والمأموم, وأما إذا علم في أثناء الصلاة فيجب على الإمام أن ينزعها إذا كان ذلك يمكنه, فإن لم يمكن قطع صلاته، وأما المأموم فإن صلاته صحيحة.

    فإن صلى مع علمه بنجاسته فإنه قد مر معنا حكم الصلاة بالثوب المتنجس؛ هل هو من شرط الصلاة أم هو من واجباتها, أم أن ذلك على سبيل الاستحباب؟ خلاف بين أهل العلم، وقلنا: إن الراجح أن ذلك من باب الواجب، وليس من باب الشرط ولا من باب الاستحباب, والواجب إذا تركه الإنسان متعمداً من غير عذر فإنه يجب عليه أن يعيد الصلاة؛ لأنه ترك الواجب مع علمه بذلك والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    1.   

    إمامة من يلحن في القراءة

    الشيخ: المسألة الثانية: وهي مسألة من كان يلحن في صلاته, ما حكم إمامته؟

    الجواب على ذلك هو التفصيل، فنقول: من يلحن في صلاته لا يخلو من حالين:

    الحال الأولى: من كان يلحن لحناً يحيل المعنى, وهو اللحن الجلي الذي يحيل المعنى، فإن اللحن الجلي منه ما يكون محيلاً للمعنى، ومنه ما لا يكون محيلاً للمعنى, فالجلي المقصود به الواضح, مثل: غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7], بعضهم يلحن في لفظ (ولا الضالين) لكنه ليس جلياً, وإن كان فيه نوع من إحالة المعنى, لكن (أنعمت) إذا ضم التاء فقال: (أنعمت), فهذا لحن جلي يحيل المعنى, وإذا قرأ: إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة:5], فقال: (إياك نعبد), ولم يشدد الياء، فهذا لحن جلي لا يحيل المعنى.

    إذا ثبت هذا فإننا نقسم إحالة اللحن في الصلاة إلى قسمين:

    القسم الأول: لحن يحيل المعنى، فاللحن الذي يحيل المعنى لا يخلو من فرعين:

    الفرع الأول: لحن يحيل المعنى في الفاتحة.

    والفرع الثاني: لحن يحيل المعنى في غير الفاتحة.

    إمامة من يلحن لحناً يحيل المعنى في الفاتحة

    الشيخ: فأما الفاتحة فإن من لحن فيها وهو قادر على التعلم لم تصح صلاته إجماعاً, ولا تصح إمامته أيضاً؛ لأنه ترك ركناً من أركان الصلاة.

    أما إذا لحن لحناً يحيل المعنى في الفاتحة، ولكنه لا يستطيع أكثر من هذا -ليس عن جهل، ولكنه لا يستطيع- وهذا ما يسمى عند الفقهاء بالأمي, فالأمي هو الذي يلحن في صلاته في قراءة الفاتحة, فيستبدل بعض الحروف، أو يستبدل بعض الحركات، فيحيل بذلك المعنى, مثل أن يقول: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7], فإذا قال: (أنعمت عليهم) بضم التاء، فقد أحال المعنى بلا شك.

    فإذا أحال المعنى لم تصح صلاته إذا كان متعمداً, وإذا كان غير قادر أو جاهلاً، فإن الجماهير من الأئمة الأربعة يقولون: لا تصح إمامته بمن يحسن ذلك, وتصح بمثله أو بمن دونه, وهذا يسمى: الأمي.

    فنقول: الأمي وهو الذي يلحن لحناً يحيل المعنى في الفاتحة تصح إمامته بمثله أو بمن دونه, أما من كان يحسن قراءة الفاتحة فلا يصح أن يكون مؤتماً بإمام يلحن في الفاتحة.

    القول الثاني في المسألة: وهو قول عطاء و قتادة و المزني و أبي ثور ، وهو قول لـأبي إسحاق الإسفراييني من الشافعية: أن كل من صحت صلاته في نفسه صحت إمامته, وهذا هو اختيار الشيخ ابن سعدي رحمه الله, ولعل هذا القول فيه قوة, فنحن حينما نقول: لو أن إنساناً صلى مع شخص يقول: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتُ عَلَيْهِمْ بضم التاء، أو (اللزين) فجعل الذال زاياً, فهذا أحال المعنى وأخطأ في ذلك, فنقول: ما دام أن صلاته صحيحة، فالراجح أن كل من صحت صلاته في نفسه صحت إمامته, ودليل ذلك هو قوله صلى الله عليه وسلم: ( يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم, وأن أخطئوا فلكم وعليهم ), وهذا القول فيه قوة.

    وأما دليل الجمهور فإنهم احتجوا بما جاء في رواية الجماعة من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ), قالوا: فإذا أحال المعنى في آية أو حرف من الفاتحة لم يكن قد قرأ الفاتحة, فيكون قد أخل بركن من أركانها، وقد تابعه شخص على ترك هذا الركن.

    والراجح والله أعلم أن الركن القولي يختلف عن الركن الفعلي؛ لأن الركن الفعلي لا يمكن معه الخلل أو الخطـأ أو عدم المتابعة, أما الركن القولي فإنه يخفف في ذلك, ولعل هذا القول أظهر، وهو اختيار ابن سعدي رحمه الله، وفي هذا سعة؛ لأنه لم يأت دليل صريح على عدم المنع، أو على المنع مطلقاً, لكن مع ذلك نقول: إن الأفضل للمأموم أن يصلي مع إمام حسن الهدي في السنة وفي قوله وفعله؛ لأجل ألا تنقص صلاته, فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة ), وفي رواية: ( من إقامة الصلاة ), فإذا كان تسوية الصف من إتمام الصلاة، فإن قراءة الفاتحة من إتمامها ولا شك, فهو من إتمامها الواجب.

    وعلى هذا فإن الراجح والله أعلم صحة الصلاة, ومع ذلك فإنه إذا علم المأموم أن إمامه بهذه الطريقة، ويجد إماماً غيره فلا ينبغي له أن يصلي خلفه؛ لأجل ألا تنقص صلاته بهذا, والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    إمامة من يلحن لحناً يحيل المعنى في غير الفاتحة

    الشيخ: وأما إن كان لحناً يحيل المعنى في غير الفاتحة: فإن كان متعمداً، فالذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم أن صلاته لا تصح, وهذا هو مذهب الشافعية والحنابلة واختيار أبي العباس بن تيمية ، قالوا: لأنه إذا أحال المعنى وهو متعمد فإنه متلاعب لم يقدر حق حرمة الصلاة؛ ولأنه إذا تكلم بقرآن قد أحال فيه المعنى فكأنه صار غير قرآن، ومن المعلوم أن من تكلم متعمداً في صلاته بطلت صلاته.

    انظر الفقه! يقولون: إن من تعمد وقرأ القرآن بقراءة تحيل المعنى فإن صلاته لا تصح ولو كانت غير الفاتحة؛ لأنه بإحالته المعنى قد قرأ كلاماً ليس بقرآن, ومن تكلم بكلام من كلام بني آدم ليس بقرآن متعمداً فقد بطلت صلاته, وهذا هو مذهب الجمهور من الشافعية والحنابلة، وقول عند الأحناف المتأخرين.

    والقاعدة في هذا: أن من تكلم بكلام يحيل المعنى من القرآن, فإن إحالة المعنى ليس بقرآن, فكأنه قال كلاماً وتكلم بكلام متعمداً، ليس بقرآن.

    والقصد من هذا أنه إذا أحال المعنى, فقرأ: (أنعمتُ عليهم) بضم التاء, فهذا ليس بقرآن، هل الله سبحانه وتعالى قال: (أنعمتَ) بالفتح، أم قال: (أنعمتُ) بالضم؟

    الجواب: (أنعمت) بالفتح، فإذا ضم التاء فقد لحن لحناً يحيل المعنى، قالوا: فكأنه بكلامه هذا لم يتكلم بقرآن, أي أنه ليس بالذي نزله الله سبحانه وتعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم, هذا هو القصد، وهذا هو الذي أشار إليه صاحب الكشاف، وأشار إليه البهوتي وأيضاً صاحب الفروع, وقال أبو العباس بن تيمية : إنه متلاعب.

    أما إذا كان لحناً يحيل المعنى، لكنه عن جهل، وليس بفاتحة، فالراجح والله أعلم صحة صلاته؛ لأنه جاهل، والقاعدة في هذا: أن الجاهل ليس كالمتعمد, وإذا كانت قراءة القرآن في غير الفاتحة على الراجح مستحبة, فإنه قد ترك هذا المستحب, وهو غير متعمد، ولم يتكلم بكلام، فالأصل أن صلاته صحيحة, هذا القسم الأول، وهو إذا أحال المعنى.

    إمامة من يلحن لحناً لا يحيل المعنى

    الشيخ: الحالة الثانية: أن يلحن لحناً لا يحيل المعنى:

    فقد ذهب الشافعية والحنابلة إلى أن صلاته صحيحة مع الكراهة.

    وذهب الحنفية والمالكية إلى أن صلاته صحيحة من غير كراهة، قال الحنفية: لأنه لو لم يقرأ فإنه صلاته صحيحة.

    فالجواب على هذا أن نقول: نحن متفقون على أن صلاته صحيحة، لكنه خالف المأمور, وهو ما جاء عند مسلم من حديث أبي مسعود البدري ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ), وقوله: (يؤم القوم). هذا خبر بمعنى الأمر, يعني: لا يؤمن أحد إلا وهو حسن القراءة, وهذا يدل على أنه خالف المأمور, ولما كانت قراءته في غير الفاتحة مستحبة كان تركه لهذا اللحن مكروهاً، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    وعلى هذا فالذي يخطئ في القرآن ويلحن فإن الراجح والله أعلم أنه إذا كان ذلك من غير تعمد ولا يحيل المعنى فإن صلاته مكروهة، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    1.   

    الإمامة بالمرأة الأجنبية

    الشيخ: إذا ثبت هذا أيها الإخوة فإن المسألة التي بعدها هي مسألة حكم الإمامة بالمرأة الأجنبية:

    أي: شخص يؤم امرأة أجنبية، فما حكمه؟

    الجواب لا يخلو من ثلاثة أحوال:

    الحال الأولى: أن يؤم محارمه ومعهن أجنبيات.

    (محارمه)، يعني: أخواته، عماته، خالاته، أمه، وبناته، وزوجاته، فإن الصلاة صحيحة ولا كراهة, ومثل ذلك أن يصلي معه رجل أو رجلان, فإن الصلاة صحيحة؛ لما جاء في الصحيحين من حديث أنس بن مالك قال: (فصففت أنا واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا), فدل ذلك على صحة الصلاة.

    الحال الثانية: أن يصلي بامرأة أجنبية واحدة، ولو كانت خلفه, فإن الصلاة محرمة، هذا هو الأظهر والله أعلم, وهو مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والحنابلة, خلافاً للشافعية الذين قالوا: لا يكره.

    فإذا صلى بامرأة واحدة فإن ذلك محرم وصلاته صحيحة؛ لأنه قد خلا بامرأة -وهذا مذهب الجمهور- ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم), والحديث متفق عليه, وفي رواية: (إلا ومعها رجلان أو رجل), وهذا يفيد أن وجود الرجلين ينفي الخلوة.

    الحال الثالثة: أن يصلي بنساء أجنبيات ليس معهن رجل، وليس معهن محارم, وهذا يوجد أحياناً عند بعض الناس كالذي يكون قيماً على بيت أحد، فما حكم صلاته؟

    أولاً: صلاته صحيحة, لكن الخلاف في الكراهة من عدمها.

    والذي يظهر والله أعلم هو الكراهة, وهو مذهب الحنفية والحنابلة؛ وذلك لأن نفسه قد تشغله وتوسوس له, وتذكره ما لم يكن يتذكر, ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كره أن يصلي بخميصة ذات أعلام، وقال: ( إنها ألهتني آنفاً عن صلاتي ), فإذا كان هذا في الخميصة، فما بالك بشخص يصلي بنساء ربما يشغل نفسه بتفكير وغير ذلك, فإذا كان ذلك فيه تفكير يشغله فإننا نقول: صلاته مكروهة, وإذا كان لا يفكر ولا ينشغل فإن الأصل صحة الصلاة وعدم الكراهة، والله تبارك وتعالى أعلم.

    1.   

    اختلاف نية المأموم والإمام في الصلاة

    الائتمام بمن يصلي قضاءً

    الشيخ: إذا ثبت هذا أيها الإخوة فإنه يصح أن يصلي الإنسان بمن يقضي صلاته, أي: شخص يقضي الصلاة ويكون إماماً لمن يؤديها, كشخص قام من النوم, وشخص أخر الصلاة, فهذا يعده بعض الفقهاء أداء.

    ومثله لو أن شخصاً صلى الظهر في وقتها, وآخر لم يصل الظهر بالأمس فصلاه خلفه, فهذا صلى ظهراً أداء وخلفه يصلي ظهراً قضاء, فالصلاة صحيحة، وهذا قول عامة أهل العلم.

    ائتمام المفترض بالمتنفل

    الشيخ: القسم الآخر: هو إمامة المفترض بالمتنفل, فيكون الإمام متنفلاً والمأموم مفترضاً, فما حكم صلاته؟

    اختلف في ذلك أهل العلم على قولين:

    جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة قالوا: إن صلاة المفترض خلف المتنفل لا تصح, لما جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه ), قالوا: فإن الإمام إذا كان يصلي صلاة نافلة والمأموم يصلي صلاة فريضة، فإن هذا يعد نوع مخالفة.

    القول الثاني: قالوا: إن صلاة المفترض خلف المتنفل إذا كان لا يخل بالصلاة في الجملة فهي صحيحة, وهذا مذهب الشافعي ورواية عند الإمام أحمد، اختارها أبو العباس بن تيمية رحمه الله, وهذا القول أظهر، وأدلته أقوى, وقالوا: معنى (فلا تختلفوا عليه), هو الاختلاف في الأفعال, ومما يدل على ذلك أدلة:

    أولاً: أنهم قالوا: إن أصحاب القول الأول يرون أن الإمام لو كان مفترضاً والمأموم متنفلاً فقد خالف المتنفل المفترض, ومع ذلك تصح صلاته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث أبي ذر : ( كيف بكم إذا كان عليكم أمراء يؤخرون الصلاة عن ميقاتها؟ قال: فما تأمرنا؟ قالوا: صل الصلاة لوقتها, فإن أدركتها معهم فصلها، تكن لك نافلة ), فلما جاز للمتنفل أن يصلي خلف المفترض مع وجود الاختلاف دل ذلك على أن هذا الاختلاف ليس هو الاختلاف في الأقوال، ولا الاختلاف في النيات, إنما هو الاختلاف في الأفعال, ولا اختلاف بين الإمام المتنفل أو المفترض بالمأموم المتنفل أو المفترض.

    وقالوا أيضاً: إنه قد ثبت في الصحيحين -رواه البخاري بصيغة الجزم, ورواه مسلم - من حديث جابر : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في صلاة الخوف بطائفة ركعتين, ثم أتت طائفة فصلى بهم صلى الله عليه وسلم ركعتين ), قال الشافعي : فدل ذلك على أن الطائفة الثانية صلت الفريضة، وصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو في حقه نافلة, فلما جاز للطائفة الثانية أن تصلي خلف الرسول صلى الله عليه وسلم وهو قد صلى الفرض بالطائفة الأولى, دل ذلك على أنه لا أثر لاختلاف نية الإمام من نية المأموم, وهذا استدلال قوي لو تأملته، وهذا هو استدلال الشافعي رحمه الله.

    الدليل الثالث: جاء في الصحيحين من حديث جابر أنه قال: ( كان معاذ يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم يأتي قومه فيصلي بهم, ثم إن معاذاً صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة، ثم أتى قومه فأمهم بسورة البقرة، فانفتل رجل .. )، الحديث.

    وجه الدلالة، قالوا: إن معاذاً كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم الفريضة، ثم يصلي بقومه نافلة, فإن قالوا: من قال لكم إن معاذاً صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فريضة, ربما يكون صلى نافلة؟ فالجواب من أوجه:

    الوجه الأول: يبعد أن يكون معاذ يصلي مع النبي نافلة؛ لأن صلاته خلف النبي أفضل من صلاته مع قومه وحده, هذا وجه.

    الوجه الثاني: روى البيهقي بسند لا بأس به من طريق ابن جريج قال: حدثني عمرو بن دينار عن جابر رضي الله عنه, أنه ذكر حديث معاذ ثم قال: ( فكانت له تطوعاً ولهم فريضة ), وهذا إسناده لا بأس به, والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    ومن الأدلة أيضاً ما ثبت في صحيح البخاري من حديث عمرو بن سلمة أنه أم قومه وكان ابن ست أو سبع سنين, ومن المعلوم أن الصبي المميز صلاته في حقه نافلة, وقد صلى قومه البالغون خلفه فريضة, ومع ذلك فهذا اختلاف في نية الإمامة عن نية المأموم.

    ولهذا نقول: الراجح والله أعلم أن صلاة المأموم الذي يصلي الفريضة خلف إمام يصلي النافلة جائزة.

    ومن الأدلة أيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث أبي مسعود البدري قال: ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ), ولم يفصل صلى الله عليه وسلم إذا كان ذلك في فريضة أو نافلة, فترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال.

    فإذا كان رجل من عادته أن يصلي أربعاً بعد الظهر نافلة, فصلى بالجماعة الأولى فريضة, فأتت جماعة أخرى، فأراد أن يصلي بهم, فهل يجوز أن يصلي الأربع بتسليمة واحدة من أجل الجماعة، حتى يأخذ الأجر؟

    هذه مسألة ذكرناها عند حكم التطوع أربعاً في النهار, وقلنا: إن الأفضل أن يتطوع ركعتين ركعتين؛ ولكن لو تطوع أربعاً بتشهد أو بتشهدين فذلك جائز, أما بتشهد واحد فقد صح عن ابن عمر , وأما بتشهدين فقد صح عن علي بن أبي طالب ، وروي مرفوعاً كما رواه الترمذي ، وفي سنده عاصم بن ضمرة عن علي تكلم الحفاظ فيه كما أشار إلى ذلك أبو حاتم وغيره، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    الائتمام بمفترض غير فريضة المأموم

    الشيخ: المسألة التي بعدها: صلاة من يصلي الظهر خلف من يصلي العصر, فكلاهما فرض، لكن النيتين مختلفتان.

    فالجواب: أن الخلاف في هذا نفس الخلاف السابق، فالجمهور يمنعون، والقول الثاني: يصححون، والراجح جوازه، وقد ذكر البيهقي من طريق ابن عائذ أن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخلوا المسجد ولم يصلوا الظهر, فوجدوا الناس يصلون العصر, فدخلوا فلما سلموا قال أحدهم: أما أنا فدخلت معهم الظهر, وقال الآخر: فأما أنا فدخلت معهم العصر ثم صليت الظهر بعد, وقال الآخر: إنما جعلتها تطوعاً فصليت الظهر والعصر, قال: فلم يعنف أحدهم الآخر, وهذا يدل على أن المسألة يسع فيها الخلاف، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    1.   

    موقف المأموم من الإمام

    موقف المأموم المنفرد

    الشيخ: إذا ثبت هذا فإننا ننتقل إن شاء الله إلى مسائل موقف المأموم مع إمامه.

    أولاً نقول: إذا كان الإمام معه شخص واحد فإن السنة أن يقف هذا الشخص عن يمين الإمام, ودليل ذلك ما جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس قال: ( قام النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل فقمت عن يساره، فأخذ بشحمة أذني حتى أقامني عن يمينه ), وهذا محل إجماع عند أهل العلم.

    لكن لو وقف عن يساره فهل تصح صلاته؟

    نقول: ذهب الحنابلة إلى أنه إذا أدرك ركعة فأكثر فإن صلاة المأموم لا تصح, وقالوا إن صلاة الإمام أيضاً لا تصح.

    أما المأموم فلا تصح صلاته لأنه صلى في غير موقف شرعي، وأدرك ركعة فأكثر.

    وأما الإمام فلا تصح صلاته عندهم لأن من شروط الجماعة نية الإمامة, فالإمام نوى الإمامة بشخص لم تصح مصافته، أي: وقوفه، فيكون صلى منفرداً وحده، ولم ينو الانفراد, فلا تصح صلاة المأموم، ولا تصح صلاة الإمام.

    القول الثاني في المسألة: أن صلاة المأموم عن يسار إمامه مكروهة، ولكن الصلاة صحيحة, وهذا قول أكثر الفقهاء، خلافاً للحنابلة.

    واستدلوا على ذلك بأن قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم حينما جعل ابن عباس عن يساره أخذه بشحمة أذنه حتى أقامه عن يمينه؛ ولم يأمره أن يستأنف الصلاة, فدل ذلك على أن الصلاة عن يسار الإمام أصلها صحيحة.

    وكذلك فعله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله : ( حينما قام عن يساره فأخذ بيده حتى أقامه عن يمينه ).

    وهذا القول أرجح، فالصلاة عن يسار الإمام ولو لم يكن عن يمينه أحد صحيحة, لكنها مع الكراهة أو التحريم؟ على الخلاف, لكن الصحيح أن الصلاة صحيحة مع الكراهة؛ لأنه لم يأت أمر بذلك.

    موقف المأمومين من الإمام

    الشيخ: أما لو كان الإمام معه شخصان فذهب جماهير الفقهاء، خلافاً لـأبي حنيفة في رواية عنه -وإلا فالمذهب الحنفي موافق للجمهور- إلى أن الإمام يتقدم الشخصين, فيكون الإمام قائماً، والشخصان خلفه.

    واستدلوا على ذلك بما جاء في صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله قال: ( أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فقمت عن يساره, فأخذ بيدي حتى أقامني عن يمينه, ثم جاء جبار بن صخر فوقف عن يساره, فأخذ بأيدينا حتى أقامنا خلفه ), فهذا يدل على أن السنة أن يقف الاثنان خلف الإمام.

    ومما يدل على ذلك أيضاً ما جاء في حديث أنس : ( فصففت أنا واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا).

    أما لو صلى الإمام وسطهما فجعل أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله، فما حكم صلاته؟

    نقول قال بعض أهل العلم باستحباب ذلك، كما في صحيح مسلم من حديث ابن مسعود : أن الأسود و علقمة أتياه فقال: قوموا فأصلي بكم, فقال: فذهبنا لنقوم خلفه, فأخذ بأيدينا، فأقام أحدنا عن يمينه، والآخر عن شماله.

    وهذا كان في أول الإسلام ثم نسخ، كما ذكر ذلك البيهقي و الحازمي في كتابه العظيم (الاعتبار).

    وأما ما جاء في رواية أحمد أن ابن مسعود حينما ذكر ذلك قال: ( إني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك ), فهذه الرواية لو صحت فإن ذلك في أول الإسلام، ولم يبلغ ابن مسعود النسخ, على أن رواية: ( هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصنع ), رواها الإمام أحمد و أبو داود وضعفها أبو عمر بن عبد البر في التمهيد، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    وعلى هذا فلو وقف الإمام بينهما صحت الصلاة, لكن السنة تركها, ومما يدل على ذلك أن إمام العراة لو صلى فإنه يقف وسطهم, فدل على أن ذلك جائز، لكنه خلاف السنة.

    تقدم المأموم على الإمام في الصلاة

    الشيخ: المسألة الأخرى: لو وقف المأموم قدام إمامه, فما حكم الصلاة؟

    نقول: ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن من وقف قدام إمامه فإن صلاته لا تصح, وقالوا: إن هذا يخالف وضع الإمامة، والسنة ألا يتقدم أحد إمامه, وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف ), وقال صلى الله عليه وسلم: ( تقدموا وائتموا بي، وليأتم بكم من خلفكم ).

    وقال في حديث أبي مسعود : ( ليلني منكم أولو الأحلام والنهى ), فإذا تقدم المأموم إمامه فإن ذلك مخالف لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم به من أن يكون الناس خلفه.

    وقالوا: إن التقدم يحصل بتقدم عقب المأموم على عقب إمامه، ولا أثر لطول الأصابع.

    القول الثاني: مذهب مالك رحمه الله: أن المأموم إن تقدم إمامه مع مقدرته ومعرفته بالائتمام بنحو سماع الصوت فإن الصلاة صحيحة، لكن مع الكراهة.

    والقول الثالث في المسألة: وهو رواية عند الإمام أحمد، اختارها أبو العباس بن تيمية رحمه الله, وهو أن صلاة المأموم مع إمامه حكمها الوجوب, فغاية الواجبات أن تسقط مع العجز وعدم الإمكان, فإن كان ثمة عذر بأن يتقدم المأموم إمامه, مثل الزحام في وقت الحج في المساجد، إذا احتاج الناس إلى أن يصفوا، وربما كان بعضهم جاهلاً، لكن يسمع الصلاة, فهذه حاجة؛ فإذا كان هناك حاجة، وأمكن الاقتداء فيصح؛ لأن غاية ما في ذلك أن يكون واجباً، والواجب يسقط مع العجز وعدم الإمكان فإن لم يكن ثمة حاجة، فإن الصلاة لا تصح, وأرى أن هذا القول الثالث هو قول وسط.

    وعلى هذا فالذين يصلون في مسجد الخيف في الحج، وهم ربما يكونون مصافين للإمام أو متقدمين قليلاً، فإن الأولى أن يرجعوا فيصلوا خلفه, ولكنهم لو صلوا كذلك مع شدة الزحام فالذي يظهر والله أعلم أن الصلاة صحيحة, لكن الأولى تركها, وأن ذلك واجب، والواجب يسقط مع العجز وعدم الإمكان, ولعل هذا القول أظهر، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    تقدم المأموم على إمامه في غير جهته في المسجد الحرام

    الشيخ: إذا ثبت هذا أيها الإخوة وهو أن من تقدم على إمامه لم تصح صلاته، فإن ذلك إنما هو فيما إذا وافقه في الجهة، وأما لو كان عند الكعبة، وكان المأموم في جهة غير جهة إمامه فإن تقدم المأموم على إمامه لا يضر، وصلاته صحيحة بالإجماع.

    فلو أن إماماً صلى في الحرم من جهة الحجر أو جهة المقام, وصلى شخص قباله قريباً من الركن اليماني, فهذا قد تقدم إمامه، لكنه تقدم في غير الجهة التي يصلي فيها الإمام, فتصح صلاته إجماعاً, حكى الإجماع غير واحد من أهل العلم.

    وإنما يمنع تقدم المأموم على إمامه إذا وافقه في نفس الجهة.

    وهناك فائدة، وهي أن الصلاة خلف الإمام في الحرم في نفس الجهة هو الصف الأول, وأن صلاة من كان أقرب إلى الكعبة من إمامه في جهة أخرى ليس ذلك الصف الأول في حقه.

    1.   

    أسئلة البرنامج والخاتمة

    الشيخ: وهناك مسألة يلغز بها فيقال: إمام صلى قبالة المأموم فصحت صلاة الإمام والمأموم, كيف هذا؟

    سوف نذكرها في حلقة قادمة إن شاء الله, وإلى ذلكم الحين أيها الإخوة تذكروا أن عندنا مسألة؛ وهي مسألة أن يصلي الإمام وجهاً لوجه مع مأمومه فتصح صلاة الإمام وتصح صلاة المأموم، كيف ذلك؟!

    تذكروا وابحثوا هذه المسألة إلى درس قادم إن شاء الله, وإلى ذلكم الحين أستودعكم الله على أمل اللقاء بكم.

    وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767139363