إسلام ويب

العقيدة الصحيحة وأثرهاللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تزرع العقيدة الصحيحة في النفوس الشجاعة في قول الحق والثبات عليه، وعدم الخوف والفزع ممن سوى الخالق جل وعلا، ويسعى بها الإنسان دائماً وأبداً إلى إرضاء الخالق في جميع أفعاله وأقواله، وهذه آثار تصحيح الإنسان لعقيدته، وهناك آثار أخرى هامة وهي تصل بالإنسان إلى رضوان الله تعالى، وإلى جنته، وتجنبه نقمته وعذابه.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فإن الله سبحانه وتعالى ميز هذا الجنس البشري عن غيره من سائر الأصناف بالعقل الذي به التكليف، وبه تشريف كذلك على سائر الحيوانات، وهذا العقل إنما يتم تصرف الأعضاء كلها على أساس معتقده، فما اعتقده العقل يعمل الإنسان على أساسه، وما اعتقد فساده وخلافه لا يمكن أن يكون تصرفه على ذلك الأساس؛ لأن العقل هو المسيطر على حركات الإنسان كلها، بل هو قائده وسلطانه؛ لذلك احتيج إلى أن يعلم أن اعتقاد الإنسان هو أصل تصرفه وأعماله، وما لم يقتنع به الإنسان لا يمكنه أن يتصرف به إلا لمدة معينة، اتباعاً لهوىً، أو ارتباطاً بشخص، أو بغير ذلك، لكن ما اقتنع به واعتقده لا بد أن يعمله في خلواته وجلواته وفي سائر أوقاته؛ لهذا فإن الله سبحانه وتعالى علم قصور عقولنا عن الوصول إلى الاعتقاد فيما يلزم أن نبني عليه تصوراتنا، فأرسل إلينا الرسل مبشرين ومنذرين؛ ليعلموا الناس ما يلزم أن يعتقدوه، وما يلزم أن تقتنع به قلوبهم، وقفى على آثارهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، فبين المحجة البيضاء للناس، التي هي الصراط المستقيم المرضي عند الله سبحانه وتعالى، وبين انبناءها على خمسة أركان هي أولاً: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، فهذه الأركان هي دعائم هذا الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وأسسه.

    أثر العقيدة الصحيحة على بقية دعائم الدين

    الركن الأول والدعيمة الأولى لا يمكن أن يصح شيء من الدعائم الأخرى إلا بصحتها، فمن فقد هذه الدعيمة الأولى فقد فقدَ الجميع، ومن تحققت لديه الدعيمة الأولى ولو كان مقصراً في بعض ما سوى ذلك حتى لو دخل النار فسيخرج منها بإيمانه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم بين: ( أن أقواماً يدخلون النار بذنوبهم، ويخرجون منها بإيمانهم، فيخرجون منها قد اسودوا وامتحشوا، فيلقون في نهر الحياة فتنبت أجسامهم كما تنبت الحبة في حميل السيل، ثم بعد ذلك يدخلون الجنة ).

    وبين: ( أن الله سبحانه وتعالى يقول يوم القيامة لملائكته: انتهت شفاعات الشافعين، وبقيت شفاعة أرحم الراحمين، أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، ثم يمكث ما شاء أن يمكث ثم يقول: أخرجوا من النار من قال: لا إله إلا الله ).

    وبين النبي صلى الله عليه وسلم كذلك: ( أن الرجل يؤتى به يوم القيامة، فيرى الصحائف المحتوية على سيئاته قد سدت الأفق، ولا يرى أي شيء من الأعمال الصالحة، فإذا قرب إلى الميزان جزع فيقول الله له: إنك لا تظلم شيئاً، ثم يقول لملائكته: اطلبوا هل لعبدي من حسنة؟ فيطلبون فلا يجدون إلا قصاصةً كالظفر كتب عليها: لا إله إلا الله، فيقول العبد: يا رب! وما تغني هذه عن هذه السجلات؟ فيقول: إنك لا تظلم شيئاً. فتوضع السجلات في كفة، ولا إله إلا الله في كفة، فرجحت لا إله إلا الله وطاشت السجلات ).

    فلذلك لا بد أن يعلم الإنسان أن هذا المنطلق هو أساس العمل، وهو الذي ينبني عليه كل التصرف، وأنه لو عمل الإنسان أعمالاً أمثال الجبال ثم بعد ذلك قدم على الله عز وجل يشرك به شيئاً، فإن تلك الأعمال ستذهب هباءً منثوراً، كما قال الله تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً [الفرقان:23]، وكما قال تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65]، وكما قال تعالى: مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [البقرة:217]، وكما قال تعالى: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ [المائدة:5].

    فلا بد إذاً من الاعتناء بهذا الركن الذي هو شرط للبقية، ولا بد أن يراجع كل واحد منا نفسه؛ حتى يعلم أساس بنائه هل هو مستقيم أو مائل، فإن كثيراً من الناس يغفلون عن الأساس، فيبنون ويشيدون القصور المتراكمة، لكنها مبنية على أساس هش، ومن هنا احتاج الإنسان إلى مراجعة مبادئه وأصوله وأسسه قبل أن يبني عليها، فينهار به في نار جهنم.

    امتحان العبد في عقيدته في القبر

    إن هذا المجال من الأمور الضيقة التي لا يغني فيها أحد عن أحد شيئاً، وكل إنسان فيها سيمتحن امتحاناً خاصاً، وهو أول ما يواجهه بعد ضمة القبر في قبره، فإن الإنسان إذا وضع في قبره أول ما يلقاه من مشاهد القيامة ضمة القبر التي تختلف منها الأضلاع، وتزول منها الحمائل، ثم بعد ذلك الامتحان في التوحيد ( يأتيه منكر ونكير، وهما جعدان أسودان أشقران عظيمان فيجلسانه إلى ركبتيه ويقولان له: ما ربك؟ وما دينك؟ وما كنت تقول في هذا الرجل؟ فأما المؤمن فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، والرجل المبعوث فينا محمد صلى الله عليه وسلم، هو محمد، هو محمد، هو محمد ثلاثاً، جاءنا بالبينات والهدى فآمنا واتبعنا، فيقولان له: صدقت وبررت، نم نومة عروس، ويملآن عليه قبره خضراً ونوراً، وأما المنافق أو المرتاب فيقول: هاه هاه، لا أدري! كنت سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته، فيقولان له: لا دريت ولا تليت، ويضربانه بمطارق فيصيح صيحةً يسمعها من يليه إلا الإنس والجن ).

    وفي رواية: ( ويضربانه بمرزبة معهما لو اجتمع عليها أهل منى ما أقلوها، فيصيح صيحةً يسمعها من يليه إلا الإنس والجن )، شتان ما بين هذين الحالين: شتان بين حال من يقول له الملائكة: صدقت وبررت، ومن يقول له الملائكة: لا دريت ولا تليت؛ فلذلك لا بد أن يحرص الإنسان في حياته هذه قبل الامتحان على المراجعة، وأنتم تعلمون أن كل موعود بامتحان أمامه لا بد أن يذاكر أو يراجع، ونحن موعودون بهذا الامتحان، وهو قطعاً أمامنا، ولا يمكن أن نميل عنه ذات اليمين ولا ذات الشمال؛ فلذلك لا بد أن نستعد لهذا الامتحان، والاستعداد له إنما هو في هذه الحياة أن يراجع الإنسان اعتقاده ومبادئه، فالذي يكبر في نفسه شيء من أمور الدنيا، إذا سئل: ما ربك؟ فسيذكر ما يكبر في نفسه، والذي يعجبه رجل من رجال الدنيا دون النبي صلى الله عليه وسلم، أو زعيم من زعمائها إذا سئل: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ سيذكر ذلك الرجل الذي يذكره كثيراً في حياته، والذي ينتمي لشيء غير الإسلام لأدلوجية أو قبيلة أو حزب، إذا سئل: ما دينك؟ يوشك أن يجيب بانتمائه الذي كان ينتمي إليه في الحياة الدنيا، فاحتجنا إذاً إلى أن نحقق هذه المبادئ والأصول، وأن ننطلق منها في تصرفاتنا كلها؛ فذلك أقمن للنجاح في الامتحان، وقد ضمن الله الثبات عند الموت وفي هذا السؤال لمن آمن به، فقال تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم:27].

    فلذلك نحتاج إذاً إلى أن نتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بالإيمان به حتى يثبتنا عند هذا الامتحان الشاق الصعب، الذي الناس عرضة له وهو فتنة من الفتن، وأنتم تستعيذون منه في صلاتكم، تستعيذون بالله من أربع، فتقولون: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المسيح الدجال، ومن فتنة المحيا والممات، ففتنة الممات هي هذه؛ فلذلك لا بد أن يستحضر الإنسان ما يقول، وأن يفهمه، وأن يستوعبه، ثم يبني عليه بعد ذلك تصرفاته، إن الإنسان إذا لم يصحح بناءه وكان يعتقد اعتقاداً فاسداً فذلك الاعتقاد سيجره إلى تصرفات فاسدة كلها، فيعيش حياته في خواء وفساد، وهذا مثل حال المشركين والمنافقين والمبتلين في أمور الدين، ( فقد سألت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن جدعان ، وكان يطعم اليتيم، والمسكين، والفقير، وابن السبيل، والضيف، هل يغني عنه ذلك من الله شيئاً؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، إنه لم يقل يوماً واحداً: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين ).

    فلذلك لا بد أن يحرص الإنسان على تصحيح مبدئه وأصله حتى لا يطول عمله، وحتى لا يكون من الذين أرهقوا أنفسهم وأتعبوها في الحياة، ثم يجدون أعمالهم يوم القيامة كالسراب، وقد ضرب الله بذلك المثل فقال: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ [النور:39].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3088776080

    عدد مرات الحفظ

    778941932