إسلام ويب

اليوم الآخر حكم وأحكام [1]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • خلق الله عز وجل الإنسان ليستخلفه في الأرض ليعمرها، وليخلص العبادة له سبحانه وتعالى، وقد جعل الله تعالى للإنسان أعماراً خمسة: فعمر في عالم الذر، يوم أخذ العهد والميثاق من ذرية آدم، وعمر الأرض، وهو أقصر الأعمار وأخطرها، فهو عمر التكليف، وعمر تحت الأرض في عالم البرزخ، فعندما يدفن الإنسان فإنه يبدأ حياة جديدة، وهي أول منازل الآخرة، وعمر فوق الساهرة في أرض المحشر. أما العمر الأخير: فهو العمر الأبدي السرمدي، إما في الجنة لأهل الإيمان والرضوان، وإما النار لأهل الكفر والطغيان.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بُعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فإن الله سبحانه وتعالى خلقنا وهو غني عنا، ولم يتركنا سدى وإنما اختار بحكمته البالغة أن يجعل هذا الجنس البشري بين جنسين، جنساً أسمى منه وهو الملائكة، محضهم الله لطاعته وعبادته، يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ [الأنبياء:20]، لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6]، لم يسلط الله عليهم الشهوات، ولكنه كلفهم بتكاليف، فهم جنس أسمى من الإنسان فيما يتعلق بهذه الناحية.

    والجنس الثاني: هو الحيوان البهيمي، سلط الله عليه الشهوات ولم يكلفه بالتكاليف، وهو أدنى من الإنسان، لأن اهتمامه إنما هو بهذه الحياة الدنيا فقط، ولذلك ضرب الله به المثل للكفار، فقال: وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ [محمد:12]، وقد ضرب به المثل في أكثر من موضع في القرآن لمن اتبع الهوى، فقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6]، أي: هم شر ما خلق الله، فهم شر من الكلاب والخنازير وغير ذلك من أنواع المخلوقات، وقال تعالى: إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا [الفرقان:44]، وقال تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا [الأعراف:175-176]، فالقوم الذين كذبوا بآيات الله واتبعوا الهوى يلتحقون بالبهائم والأنعام، بل يكونون أدنى منها لأن الحجة القائمة على الإنسان بالعقل والوحي أكبر من الحجة القائمة على البهائم، فلذلك لا تلام البهائم إذا اتبعت هواها، ويلام الإنسان إذا اتبع هواه.

    فالإنسان إذاً بين هذين الصنفين، فإن هو اتبع الهدى وعمل بالتكاليف وأدى الأمانة ولم يتبع الشهوات التحق بالصنف الأسمى وهو الملائكة، وإن هو ضيع التكاليف واتبع الشهوات التحق بالصنف الأدنى وهو البهائم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088781707

    عدد مرات الحفظ

    778993709