إسلام ويب

استغلال الوقت [2]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن من نعم الله على العباد تعاقب الليل والنهار، فلو كان أحدهما سرمدياً لهلك الناس ولأصابتهم المشقة الدائمة، وأفضل الأوقات ثلاثة: الغدوة والروحة وشيء من الدلجة، ومن هنا كان لزاماً على هذه الأمة على شبابها بالأخص أن ترتب أوقاتها وتعطي كل ذي حق حقه، فلا بد من اهتمام بالعلم، واعتناء بالعبادة، وقوة في الدعوة وقول الحق، وطاعة للوالدين، وصلة للأرحام والأقربين.

    1.   

    واجب الطلاب تجاه أوقاتهم وشبابهم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد:

    فإن طلاب العلم هم أولى الناس في حفظ الوقت والعناية به، فالطلاب بالخصوص عليهم أن يستشعروا نعمة الله عليهم بما آتاهم من القوة، وبما آتاهم من الشباب والفراغ، وبما أنعم عليهم به من التعود على تنظيم الوقت، فقد كانوا يستيقظون في الصباح الباكر، وكانوا في نشاط دائم، طيلة وقت الدراسة، فعليهم أن يستمروا على ذلك وأن يستغلوه بالطاعة، وأن يقسموا الأوقات تقسيمًا جادًا، فلا بد أن يجتهد كل إنسان منا ذكرًا أو أنثى، كبيرًا أو صغيرًا لاستغلال وقته وتنظيمه، فما لم ننظم الأوقات فلا بد أن تكون حجة علينا وحسرة وندامة يوم القيامة.

    ترتيب وقت العلم

    لكن إذا نظمناها فجعلنا وقتًا لتعلم ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله، يتعلمه الكبير والصغير والذكر والأنثى، والغني والفقير، والمشغول والفارغ: عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ [المزمل:20].

    لم يعذر أحدًا، اقرءوا جميعًا ما تيسر منه، فكلٌ وما يليق به، من يليق به أن يجعل ربع وقته للتعلم فهذا فضل عظيم، وهذا سيكون أبلغ الناس في ذلك، ومن يليق به أن يجعل ثُمن وقته للتعلم فهذا أيضًا على خير، ومن لا يليق به ذلك يجعل ساعة من أربع وعشرين ساعة للتعلم، ومن لا يليق به ذلك جعل نصف ساعة للتعلم يوميًا، ومن لا يليق به ذلك جعل ربع ساعة للتعلم يوميًا، لكن لا يمكن أن يقصر عن هذا أحد، إلا من كان مغبونًا خاسرًا في صفقته، غبينًا يندم على الغبن عندما لا ينفع الندم.

    ترتيب وقت العبادة

    ثم بعد ذلك لا بد من وقت آخر أيضًا للعبادة، ولا يقصد بالعبادة هنا الفرائض وحدها، فهي غير كافية في هذا، وإن كانت الفرائض أعظم ما يتقرب به إلى الله، لكن لا بد من الزيادة عليها، فمن المعلوم أن زماننا هذا زمن الفتن، والإنسان المقصر ينظر بعينيه ما لا يجوز له النظر إليه، ويسمع ما لا يجوز له سماعه، ويأكل ما لا يجوز له أكله، ويأخذ ما لا يجوز له أخذه، ويترك ما لا يجوز له تركه، فلا بد في مقابل ذلك من الحسنات اللاتي يذهبن السيئات، فقد قال الله تعالى: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114]، لا بد أن يطهر جوارحه بالطاعات والعبادات.

    فإذا كان لكل إنسان منا وقت للطاعة، يخلو فيه بربه إن كان من أهل قيام الليل فبها ونعمت، يجتهد في وقت الإجابة في الثلث الأخير من الليل، عندما ينزل الرب إلى سماء الدنيا، ويقول: ( ألا من يستغفرني فأغفر له، ألا من يدعوني فأستجيب له، ألا من يسألني فأعطيه )، هذا الوقت وقت بركة عظيمة، ووقت تنافس شديد، والملائكة فيه يكتبون، فمن كان من أهله وكان من المبادرين لاستغلاله فهو رابح لا محالة، يستطيع أن يغطي كثيرًا مما عمله ومما جناه، ومما اكتسبه، فالحسنات يذهبن السيئات، وتكون تكفيرًا لما بدر منه في نهاره، ومن المعلوم أن الحسنة إذا تقبلت فإنها قد تقضي على الكبائر من الذنوب، فالفرار من الزحف من أكبر الكبائر، وبالأخص إذا كان عن رسول الله الكريم صلى الله عليه وسلم، وقد انهزم عنه بعض المؤمنين يوم أحد، فكان ذلك كبيرة عظيمة، لكن الله عفا عنهم: فقال إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ [آل عمران:155]، وكل إنسان وقع في معصية من هذه المعاصي، فبالإمكان أن يكفرها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد إذا أسلم فحسن إسلامه محا الله عنه كل سيئة كان زلفها، ثم كان بعد ذلك القصاص، الحسنة بعشر أمثالها، والسيئة بمثلها إلا أن يتجاوز الله عنه).

    ومن المعلوم أيضاً أن الوزن بالحق سيقام يوم القيامة، فإذا رجحت كفة حسنات الإنسان فلا ضير عليه، ولا تضره سيئاته، وإذا رجحت كفة السيئات فمعنى ذلك أنه لم يقدم لنفسه ما ينجيه، فلا بد حينئذٍ من العقاب إلا أن يتداركه الله بشفاعة الشافعين أو بشافعة أرحم الراحمين.

    ومن هنا: فعلى الإنسان أن يجتهد في أن يكون له وقت من أربع وعشرين ساعة، يختص بعبادة خاصة يكتمها ويخفيها، وتكون مكفرة لسيئاته وما يكتسبه ويجترحه طيلة النهار من السيئات والتقصير.

    فضل ركعتي الضحى

    وإذا عرفنا أن ركعتين فقط في وقت الضحى يوميًا تقومان مقام ثلاثمائة وستين صدقة، كما بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وجدنا أن هذا الأمر عظيم جدًا، ركعتان فقط، في وقت الضحى تصليهما بالكافرون والإخلاص، أو بالكافرون والنصر، أو تصلي الأولى بسورة الزلزلة والثانية بالكافرون والنصر، فتكون قد ختمت القرآن كاملًا في ركعتين، سورة الزلزلة تعدل نصف القرآن، و(قل يا أيها الكافرون) تعدل ربع القرآن، و(إذا جاء نصر الله) تعدل ربع القرآن، فإذا صليت ركعتين في الأولى بسورة (إذا زلزلت الأرض زلزالها) والثانية بالفاتحة، قل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد تكون قد ختمت القرآن بكامله بركعتين قصيرتين، ويكتب لك هذا الثواب العظيم جدًا، ثلاثمائة وستين صدقة: ( كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس).

    وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم: (أن الله فطر ابن آدم على ثلاثمائة وستين مفصلًا، كل مفصل عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس، ويجزئ من ذلك أن يصلي ركعتين في وقت الضحى)، ركعتان فقط تجزئان مقام هذا العدد الكبير من الصدقات، هذا الشيء الكثير، أنتم تعرفون أن الصدقة الواحدة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، كما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، فكيف بثلاثمائة وستين صدقة.

    فلذلك احرص على أن يكون لك حظ من كل أربع وعشرين ساعة تصلي فيه، وتحاول أن تنجو به من حر يوم الوعيد بركعتين تباعدان وجهك عن النار، تحاول أن يكون لك شيء من المناجاة ولذتها، تحاول أن تعفر وجهك لله سبحانه وتعالى شكرًا لنعمته واعترافًا بربوبيته وألوهيته، ورضًى بحكمه جل شأنه، فأشرف ما فيك وجهك وكفاك فعفرهما بالتراب، إيذانًا برضاك بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم ورسولًا، واحترامًا لدينك وتوقيرًا لربك جل جلاله، وإجلالًا لوجهه الكريم، وتعظيمًا له.

    إمساك الزمام والحذر من مكائد الشيطان

    إذا استطعت أن تزيد: فاعلم أن الشيطان سيحاول معك، يحاول أن تنقطع عن هذه العادة، فلذلك يجعلك في اليوم الأول تصلي مائة ركعة .. مائتي ركعة؛ لتنقطع في اليوم الثاني فلا تصلي شيئًا، حاول أن يكون عدداً معيناً ليس فيه مساومة، ولا يمكن أن يطلع الفجر أو أن تغرب الشمس إلا وقد انتهى هذا العدد، وأفضل ذلك ما كان في أول النهار وفي أول الليل؛ لأنك تمسك زمام النهار، كما قال الفضيل بن عياض : إنما يومك كالجمل فإذا أمسكت بزمامه لم يفتك، وإذا فاتك زمامه لم تمسكه، فحاول أن تمسكه من البداية، في وقت الضحى عند صلاة الأوابين عندما ترمض الفصال، أو عندما يباح النفل وذلك عندما ترتفع الشمس قيد رمح وتزول عنها الحمرة، فكن من المبادرين الأوابين في هذا الوقت، فصلّ لتملك زمام يومك.

    فضل صلاة الليل

    كذلك في الليل: إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا [المزمل:6]، احرص على أن تصلي ركعتين بعد المغرب، واحرص على أذكار المساء، واحرص كذلك على ركعتين بعد العشاء إذا رجعت إلى بيتك، واحرص على أن تصلي ما تيسر لك في الليل بعد أن تستيقظ، بأن تجافي بذلك جنبك عن فراشك: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[السجدة:16-17]، قال أهل العلم في التفسير: في هذه الآية مناسبة عجيبة: وهي أنهم لما أخفوا أعمالهم فأخفوا صدقاتهم وأخفوا قيامهم، فالصدقة أفضلها أخفاها، وقيام الليل وقته وقت الظلام للإخفاء، فقال الله في جواب ذلك: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:17]، فأخفي لهم الثواب بحيث لا يمكن أن يصل إليه أحد بتفكيره: (أعددت لعبادي ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر).

    ترتيب الأوقات في الجانب الدعوي

    ثم بعد ذلك احرص أيضًا على أن تكون لك مشاركة في شأن هذا الدين، وإعلاء كلمة الله، ونصرة هذا الدين وتبليغه، وإرشاد الناس إليه، فهذا الدين أمانة جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله وبلغها، وأنت قامت الحجة عليك بها، فلا تستطيع أن تتنكر لها، وقد وظفك النبي صلى الله عليه وسلم وبين حقه عليك، فقال: (بلغوا عني ولو آية)، وقال: (ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب)، وقال: ( نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها، فرب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقيه إلى من هو أفقه منه).

    وقد أمرك الله سبحانه وتعالى في أمره لرسوله صلى الله عليه وسلم بأن تدعو إلى سبيله، وأن تبلغ فقال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ [فصلت:33]، وقال تعالى: وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُشْرِكِينَ [القصص:87]، وقال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125]، وقال تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ [يوسف:108].

    فحاول في كل يوم أن تسجل موقفًا تنصر فيه الله ورسوله، موقف واحد فيه أمر بمعروف أو نهي منكر، أو سعي لإظهار شعيرة من شعائر الدين، أو إحياء لسنة ميتة، أو نصرة لأهل الحق، أو إظهار لشعائر الإسلام أو تكثير للسواد، فكل ذلك من المواقف العظيمة التي تسجل لك، إذا سجلت في كل يوم نصرة لرسول صلى الله عليه وسلم، ونصرة لله بتكثير لسواد المسلمين أو بأمر بمعروف أو نهي عن منكر، أو تبليغ سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عمل بسنة ميتة، أو إماتةٍ لبدعة، فإنك بذلك تكون قد أديت واجبًا عليك، وكتبت في المجاهدين في ذلك اليوم.

    إعطاء كل ذي حق حقه

    كذلك احرص على أداء الحقوق التي عليك قبل فوات الأوان، وهذه التبعات التي تقعد بالإنسان عن الطاعات، وتقعد به عن المنازل العالية بادر لردها قبل فوات الأوان.

    حق الوالدين، حقهما عظيم جدًا، تعاهدهما في كل يوم، وحاول أن تحسن إليهم امتثالًا لأمر الله، في كل يوم تطلع فيه الشمس بإحسان جديد، ونوع أنواع الإحسان إليهما حتى تنال برهما، وحتى تتقرب منهما، ولا تكن كالذين يقتصرون على ما تعودوا عليه من المرور في الصبا، فيكون برورهم قاصرًا عند ذلك الحد، فحاول أن تكون صاحب إبداع، كل يوم لك مجاملة للوالدين وإحسان شديد لم يعهداه منكم من قبل، كلما تقدمت به من السن وجدا فيك من البر ولين الجانب ما يولهان به، كما قال الرجل في وصف ولده في ذكره لـرباط يقول:

    رأيت رباطًا حين تم شبابه وأودى شبابي ليس في بره عطب

    لنا جانب منه يلين وجانب ثقيل على الأعداء مركبه صعب

    وتأخذه عند المكارم هزة كما اهتز تحت البارح الفنن الرطب

    فحاول أن تكون محسنًا إلى والديك، سواء كان في الأحياء أو في الأموات، في الأموات أيضًا إبداعك في كل يوم بالتفنن بصلة أرحامهما، ووصل قراباتهما والقيام بكل عمل صالح كانا يحبانه، وإنفاذ وصيتهما، والدعاء لهما والصدقة عنهما، كل ذلك مما يكون إبداعًا في برهما بعد الممات.

    كذلك أداء حق الزوجة والزوج، فقد أوصى الله بهما: وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:36]، الصاحب بالجنب، الزوج والزوجة، فلا بد أيضًا من الإبداع أيضًا في أداء التبعة وأداء الحق، فكل واحد منهما له على الآخر حقوق، كما قال الله تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228]، فلابد من أداء تلك الحقوق والتبعات، والسعي للإبداع في الإحسان الذي أمر الله به.

    كذلك الجيران: (ما زال جبريل يحثني على الجار حتى ظننت أنه سيورثه)، وكثير منا الآن لا يعرف جيرانه الأدنين، ولا يهتم باهتماماتهم ولا يؤمل آمالهم، ولا يتألم لآمالهم، والجار حقه عظيم إن كان مؤمنًا فله حقان، وإن كان كافرًا فله حق.

    ثم بعد ذلك أداء حقوق الأقربين الذين أمر الله بالإحسان إليهم، حتى بالوصية لهم: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ [البقرة:180]، وما يتعلق بالوالدين نسخ، ولكن بقيت الوصية للأقربين.

    ( والنبي صلى الله عليه وسلم لما أتاه أبو طلحة الأنصاري رضي الله عنه، فذكر أنه سمع قول الله تعالى: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92]، وإنه لا يملك مالًا هو خير من بيرحاء، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعلها في ذوي القربى، فوزعها بين ذوي قرابته )، فهذه صلة الرحم التي هي حق عظيم: ( لما قضى الله خلق الخلق، قامت الرحم فتعلقت بساق العرش، فقالت: يا رب! هذا مقام العائذ بك من القطيعة، فقال: أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك)، وقد قال الله تعالى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ[محمد:22-23].

    وقد قال البخاري رحمه الله: صلة الرحم إشراك القرابات فيما أوتي الإنسان من أنواع الخيرات، فإذا أوتي علمًا يعلمهم، وإذا أوتي دعوة صالحة يدعو لهم، وإذا أوتي مالًا يعطيهم، وإذا أوتي جاهًا يشفع لهم .. وهكذا، فيسعى الإنسان بصلتهم؛ لأن الحقوق الدنيوية تقعد بالإنسان عن المقامات العالية، وقد يثقل ظهر الإنسان بكثرة ما تحمله من الديون والحقوق، فلا يوفق للطاعات العالية والمقامات الكبيرة، لكن إذا تخلص من التبعات استطاع الإسراع على الطريق، وكان من السابقين الذين قال الله فيهم: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا [فاطر:32-33].

    1.   

    فضل عمل اليد والإنتاج

    ثم بعد هذا اجتهد يا أخي، أن يكون لك إنتاج في حسنة في درهم المعاش، فالإنسان الذي هو تُكلة يتكل على مسألة الناس أعطوه أو منعوه، أو الذي يتكل على راتبه إذا كان موظفًا حكوميًا أو كان موظفًا في قطاع خاص، أو يتكل على ما كان لدى أهله وما ورثه عن آبائه وأجداده، هذا الإنسان ليس من ذوي الهمم العالية، لا بد أن يحرص الإنسان على الإنتاج، إن كان غنيًا عنه تصدق به والناس محتاجون إليه، وإن كان محتاجًا إليه أنفق ووقى نفسه ذل المسألة، ودفع عن وجهه الملل والسآمة:

    من عف خف على الحبيب لقاؤه وأخو الحوائج وجهه مذلول

    فيسعى الإنسان لأن يصون ماء وجهه بالاكتساب من حلال، وبذلك يحقق الاستخلاف في الأرض، فالإنسان الذي كان طالبًا وكان متعودًا على الدوام اليومي بالإمكان في الإجازة أن يستغل هذا الوقت، فيعمل في بقالة أو يذهب إلى المحيط يسترزق، لا يسأل إلا الله سبحانه وتعالى، ويلقي دلوه في الدلاء، فقد يرزقه الله سبحانه وتعالى من فضله وغناه، والله سبحانه وتعالى يداه مبسوطتان بالعطاء لا تغيظان الليل والنهار، وهو سبحانه وتعالى يحب من عباده أن يسألوه وأمرهم بذلك، ولهذا قال الحكيم:

    لا تسألن بني آدم حاجة وسل الذي أبوابه لا تحجب

    فالله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب

    وقال المكودي رحمه الله:

    إذا عرضت لي في زماني حاجة وقد أشكلت فيها علي المقاصد

    وقفت بباب الله وقفة ضارع وقلت: إلهي! إنني لك قاصد

    ولست تراني واقفًا عندي باب من يقول فتاه: سيدي اليوم راقد

    الاجتهاد في طلب المال، والحذر من تعلق القلب به

    وقد كان القراء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يذهبون إلى جبل من الجبال، فيجمعون الحطب ويأتون به يحملونه على ظهورهم فيبيعونه في السوق، فمن كان منهم فقيرًا أنفق على نفسه من كسب حلال: ( وما أكل امرؤ من كسب خير من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده)، فأطهر العمل وأنقاه، وأسوة الإنسان حيث لا يوجد فيه منة ولا مذلة ولا هوان، بل يأكل من عرقه وجده واجتهاده وعمل يده، وبذلك يستطيع الإنسان أن يتخلص من الأغيار ومن أذاهم ومن منّهم، وقد قال الشاعر:

    ألبان إبلك علة لمسافع ما دام يملكها علي حرام

    إن الذين يسوء في أعناقهم زاد يُمن عليهم للئام

    فلذلك يجد الإنسان في كسب درهم المعاش، لكن لا بد أن يتقيد بألا يأخذ المال إلا من حله، وألا يضعه إلا في محله، وألا يكون في قلبه، فكثير ممن يجدون في الكسب ولو كان من حلال يجعلون الدنيا في قلوبهم ليست في أيديهم، وبذلك ينشغلون عن الله سبحانه وتعالى، وهؤلاء حالهم مرذول؛ لأن الله تعالى يقول: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ[النور:36-38]، فلم يمدحهم بأنهم يتركون التجارة، لكن مدحهم بأن تجارتهم لا تلهيهم عن ذكر الله ولا عن الصلاة، فهم يتجرون ويأخذون المال من حله، لكن ليس في قلوبهم، قلوبهم خالية لله جل جلاله، لكن المال في أيديهم.

    ومن هنا: فعلى الرجال والنساء والشباب والكهول، أن يجتهدوا في هذه الدار في إنتاج مادي يحققون به الاستخلاف الذي خلقوا من أجله، فقد قال الله لملائكته: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة:30]، وتحقيقك للاستخلاف يقتضي أن يكون لك إنتاج بتجارة أو زراعة أو عمل يدوي أو صيد أو غير ذلك، فحاول أن يكون لك إنتاج أيًا كان، ولو لم تجد إلا بيع المحاري أو بيع الأملاح، باستخراجها فهذا خير كثير وحلال، وفيه ترك بصمة في هذا الوجود، وفيه استغلال لنواميس الكون وخيراته، ولا تدري لعلك يخرج لك منه كنوز لا تطلع عليها، فلذلك على كل إنسان منا أن يكون منتجًا، وأن يجعل من وقته كل يوم وقت الإنتاج، يغدو فيه إلى السوق.

    فضل عبد الرحمن بن عوف

    كما قال عبد الرحمن بن عوف لما جاء مهاجرًا إلى المدينة، ونزل على أخٍ له من الأنصار، فعرض عليه نصف ماله فقال: أمسك عليك مالك ولكن دلني على السوق، فذهب إلى السوق ليس يملك إلا سيفه ونعليه، لكنه كان خبيرًا بتجارة، فاشتغل بالدلالة والسعي للتقارب بين البائعين والمشترين، ويأخذ على ذلك أجرًا، وما هي إلا أيام قليلة حتى تزوج بوزن نواة من ذهب، أحرزه من السوق، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة.

    ومع هذا لم تدخل الدنيا قلب عبد الرحمن يومًا من الأيام، لما جاءته العير من الشام، ووصلت إلى المدينة في وقت الضراء وقلة البضائع جاءه التجار، فقالوا: نجعل لك على كل درهمٍ درهمًا وعلى كل دينار دينارًا، فقال: أعطيت أكثر من ذلك، فقالوا: نجعل لك على كل درهمٍ درهمين، وعلى كل دينار دينارين، قال: أعطيت أكثر من ذلك، قالوا: نحن تجار السوق ولا أحد في السوق يعطيك أكثر مما نعطيك، فمن أعطاك؟ قال: ربي أعطاني على كل درهم عشرة دراهم، وعلى كل دينار عشرة دنانير ويضاعف لمن يشاء، فتصدق بها في وقت الضراء والحاجة.

    الإبداع في الإنتاج والعمل

    والإنسان المنتج دائمًا يبدع، ويأتي بأشياء جديدة، تفتح بابًا للآخرين، فمن الناس من هم مفاتيح للخير مغاليق للشر، يفتح الله على أيديهم أنواعًا من المكاسب، فبعض الأعمال كانت مهملة ولم يكن أحد يشتغل بها في باب الصناعات اليدوية، بعض الأعمال التي فيها مكاسب دنيوية، فيشتغل بها بعض الصالحين وأهل الخير فيقبل الناس عليها فيرون فيها فائدة ويربحون منها أرباحًا؛ لأن هؤلاء من مفاتيح الخير يفتح الله لهم أبواب الخيرات، ويغلق بهم أبواب الشرور، والذي يجد في العمل لم يعدم فرصة للعمل.

    والأزمات العالمية اليوم بالبطالة والتضخم والانكماش وعدم وجود العمل سببه رغبة الناس في اختصار الطريق، فكثير من الناس يريد أن يكون مليونيراً دون أن يبذل أي عمل، يريد أن يكون اليوم أغنى الأغنياء وهو لم يعمل لله يومًا واحدًا، وهذا مستحيل، ومخالف لعادة الله وسنته الله الكونية، ابذل عملًا وارضَ باليسير في مقابله.

    خمس قواعد لجمع المال

    ولذلك فإن عثمان رضي الله عنه ذكر خمسة قواعد لجمع المال: قيل له: يا أمير المؤمنين! أتيت إلى المدينة مهاجرًا مع إخوانك من المهاجرين، وكنتم جميعًا فقراء، فأصبحت أغناهم، فمن أين لك ذلك؟ فقال: كنت أعالج وأنمي ولا أزدري ربحًا ولا أشتري شيخًا، وأجعل الرأس رأسين.

    خمس قواعد لجمع المال: (كنت أعالج) لا يقنط ولا ييأس، وإذا لم يربح الآن كانت نفسيته مرتفعة وشخصيته قوية، ويعلم أنه ربما يربح في الجولة القادمة، (وأنمي): فيسعى دائمًا للنماء والزيادة ولو كان ذلك بشيء يسير، (ولا أزدري ربحًا): أي: ربح وجده فوق الثمن الذي اشترى به يعتبره مغنمًا، فهو لا يريد أن يستعجل ولا يريد أن يضايق الآخرين، بل يريد أي شيء ينجو به هو من الصفقة، فيجد أي ربح فوق ما اشترى به.

    (ولا أزدي ربحًا ولا أشتري شيخًا)، أي شيء ليس عليه إقبال وليس له مستقبل في السوق لا يشتريه، وأي شيء أدبر الناس عنه لا يشتريه، فيشتري الأمور التي فيها إقبال والأمور الجديدة، والأمور التي الناس بحاجة إليها، مثل بطاقات تزويد الهاتف، والأمور التي إذا اشتراها الإنسان عرف قطعًا أنها ستباع ولم تبقَ في يده، فهذا الذي يضع فيه ماله، (ولا أشتري شيخًا وأجعل الرأس رأسين): لا يجعل جميع البيض في سلة واحدة، بل يحاول أن يكون له عدة مشاريع صغيرة، بدل المشروع الواحد الكبير، فالمشروع الواحد الكبير قد يضرب ضربة واحدة، فيكون ذلك ضررًا فادحًا، لكن إذا ضرب مشروع صغير وكان لك عدة مشارع أخرى صغيرة، فإنه لا يضرك.

    عمل جماعي تحصل به القناعة

    ومن هنا فالشباب بالإمكان أن يتعاون عشرة منهم أو عشرون فيوفروا فرصة عمل لواحد، كأن يجمعوا ما تشترى به بطاقة أو بطاقتان أو شيء يسير، فاليوم يتولى البيع فلان، يذهب إلى السوق، يبيع ويشتري والربح بيننا، وغدًا على فلان وبعد غد على فلان آخر، وهكذا، واليوم الذي لا تذهب فيه إلى السوق تتعلم فيه وتراجع محفوظاتك، واليوم الذي تذهب فيه إلى السوق أيضًا تعلم أن إخوانك وراءك وأنت شريك لهم في الأجر، وهم شركاء لك في المغنم، كما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلون.

    وبهذا تحصل القناعة، فإذا عم العمل فإن القناعة ستحصل، وسيكون الإنسان راضيًا باليسير، وكثير من طلبة العلم الآن لو عرض عليهم مثلًا رواتب وزراء، أو رواتب مغرية لما كفتهم ولطلبوا الزيادة، والغريب أنه ما من موظف اليوم في قطاع حكومي على الأقل إلا وهو يشكو من شح موارده ونقص في راتبه، وأن عليه ديونًا، وأنه لا يستطيع تسديد حوائجه، والسبب نقص القناعة، إن الناس لا يقنعون بما آتاهم الله من فضله، وهم يريدون أن يأخذوا حظوظهم من الدنيا دفعة واحدة.

    جاءني أحد الموظفين الكبار يومًا من الأيام فسألني عن دخلي؟ قلت: أحمد الله مستور، وعندي ما يكفيني، فقال: لا، أنا أريد كم تنفق في الشهر؟ فقلت: الحمد لله، هذا الشهر أنفقت فيه كذا وكذا، قال: سبحان الله! هذا لا يكفي واحد منا في ثمانية وأربعين ساعة، كيف يكفيك لشهر؟ قلت: أنا الحمد لله قانع بما لدي ويكفيني ما آتاني الله، وأنت تريد أكثر؛ لأنك تفكر أنك غدًا ستكون في مرتبة أعلى من التي أنت فيها، وسيأتي الموت ويقطع المسافة، ويقطع الأمل، لكن إذا فكرت أنك الآن أوتيت ما يكفيك، لكن الذي أمامك وهو العمل، والرزق مضمون والعمل مطلوب، فلا تنشغل في المضمون عما كلفت به:

    مثل الرزق الذي تطلبه مثل الظل الذي يمشي معك

    أنت لا تدركه متبعًا فإذا وليت عنه تبعك

    وما أوتي إنسان عطاءً أوسع من القناعة، وهذه القناعة أمرها عجيب جدًا، فإذا قنع إنسان بما أوتي فسيبارك له فيه بركة عجيبة جدًا، والإنسان الذي دائمًا يتطلع للازدياد من الدنيا ستكون الدنيا أكبر همه ومبلغ علمه، ويصاب بالتقصير في أمر الآخرة، والإنسان الذي لا يتطلع للدنيا ويرضى بما نال منها دائمًا يظن الناس أنه أغنى الناس، كالفقراء من المهاجرين: يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا [البقرة:273].

    تبليغ الدين للناس

    كذلك لا بد أن يكون للشباب زكاة لما تعلموه، لابد أن يحرص كل إنسان وألا يزدري نفسه، وأن يقدم درس في المسجد الذي حول بيته، أو في البيت أو نصيحة أو يقرأ حديثاً، أو آية تكون له مشاركة في التبليغ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعدد الطلبة الموجودين الآن في هذا المسجد لو توزعوا على المساجد جميعًا بعد كل فرض، وقرأ أحدهم حديثًا أو آية، أو قدم نصيحة، فسيكون أهل المساجد جميعًا مشغولين بما يدلهم على الله وبما يقربهم منه، وستستغل الفرصة بأهلها وأكفائها، ولن يترك مجال للجهلة ولا للذين ينشغلون بأمور الدنيا وعلومها، وقد كان عمر يطردهم من المسجد ويقول: اذهبوا إلى البطيحاء، فمن يريد الكلام في أمور الدنيا فليذهب إلى البطيحاء، لكن القضية أن كثيرًا من الشباب يحتقرون أنفسهم، وبذلك يحتقرهم المجتمع، وينظر الواحد إلى نفسه أنه صغير السن، نعم هو صغير السن لكن هو يقدم كلام الكبير جل جلاله: والمرء بأصغريه قلبه ولسانه.

    فيقرأ على الناس آية وتفسيرها من تفسير ابن كثير ، ويقرأ على الناس حديثًا من رياض الصالحين، أو يقرأ على الناس حديثًا من منتقى الأخبار وشرحه من نيل الأوطار، ويلخص درسًا فيقرأه من ورقته، فيكون بذلك مشاركًا في التبليغ عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان طفلًا صغيرًا، ويتعود بذلك على قوة الشخصية، ومن المؤسف أن بعض القرى كما بلغني إذا غاب الإمام لم يجدوا من يستطيع صلاة الجمعة فيعطلها؛ لأن لهم إماماً واحداً هو المتعود على الوقوف على المنبر للكلام، ومن سواه إذا قام على المنبر ارتعش وارتجف ولم يستطع أن يتكلم.

    التعود على قول الحق

    وعلينا أن نتعود جميعًا على الخطابة والكلام، وأن نتعود جميعًا على الشجاعة في الحق، وأن نعلم أن الله سبحانه وتعالى وحده هو الذي يملكنا ويملك مستقبلنا، وأن الناس لا يملكون لنا نفعًا ولا ضرًا ولا موتًا ولا حياة ولا نشوراً، وعلينا أن نقوي شخصياتنا، وأن نقوي إيماننا بالله جل جلاله، ولنتذكر قول عمر بن عبد العزيز رحمه الله: أي يومٍ أخشاه قبل يوم القيامة فلا وقيت شره.

    على الإنسان أن يتحرر من شرور الحياة الدنيا، وأن يعلم أن ضررها ليس بشيء، الضرر الذي إذا نزل بالإنسان لا يستطيع الخروج منه هو ضرر الآخرة، أما ضرر الدنيا فلا حرج فيه وليس فيه أي إشكال، بل قد قال الشيخ محنض باب بن أمين حفظه الله:

    فالرب يحمل عبده لطفًا به ويكون ذا جبر له بالكسرة

    ويسوق أحداثًا إليه تعوقه عن خوض بحر مهالك ذي غمرة

    فتعضه الأحداث عضة مازح وتمر مرة سحب صيف مرت

    فهكذا أمر الله سبحانه وتعالى، يحمل العبد لطفًا به، ويسوق أحداثًا إليه ظاهرها أنها مصائب، ولكن باطنها فيها خيرات كثيرة وتنقية وتطهير من الذنوب والسيئات، وإعداد له للطاعة والعبادة؛ فلذلك على كل إنسان منكم ألا يحتقر نفسه في مجال التكليف، وأن يقوم لله بالحق، وأن يتذكر ما حصل لعمارة بن رؤيبة وهو رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حديث في صحيح مسلم وغيره، عندما قام بشر بن مروان ، وكان من أبناء الملوك، أخو عبد الملك بن مروان ، وعم عمر بن عبد العزيز وعم أولاد عبد الملك ، وكان صاحب شكيمة وقوة، ( وقف على المنبر خطيبًا فمد يديه في الدعاء، فقام إليه عمارة ولم يتمالك نفسه عندما رأى مخالفة السنة، فقال: قبح الله هاتين اليديتين القصيرتين: لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر ما زاد على هكذا، ورفع إصبعه )، فوقعت يدا بشر ولم يحمل هذا بشر محمل سوء، بل رأى أنه رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ورأى مخالفة السنة فأنكر، فاستجاب له ولم ينكر عليه.

    من نماذج شباب الدعوة

    لذلك لا بد أن نقوي شخصياتنا، وأن نقوي أنفسنا وإيماننا بالله وتوكلنا عليه، وأن نقوم له بالحق، ولنتذكر أن شابًا من دعاة العصر الماضي، وهو حسن البنا رحمة الله عليه، جاء إلى القاهرة، وهو يدرس في كلية المعلمين، وقد ترك أسرته في القرية، وهم فقراء، وهو لا يجد نفقة في مدينة القاهرة، ولا يريد فقط الدراسة في الكلية، بل يريد أن يدرس في حلقات العلم، وأن يحضر جميع دروس المشايخ المعتبرين في القاهرة، ولم يكن له مال يتنقل بينهم، فماذا عمل؟ نظم وقته فكتب أيامًا معينة يجد فيها فراغًا، فذهب إلى صاحب بقالة، فقال: إن شئت جربت عملي، فإذا أعجبك أعمل معك ساعتين يوميًا، خمسة أيام في الأسبوع، فجربه صاحب البقالة فوجده أمينًا لطيفًا يعجب المشترين بحسن تعامله فاستأجره، فعمل معه فلما عرف صدقه وإخلاصه وأمانته زاد راتبه، وبقي يعمل ساعتين في كل يوم من الأيام الخمسة، فأحرز مالًا بهذا، ووفر وقتًا لحضور الدروس، وأنفق على أسرته وتخرج من الكلية وله مال، وتزوج منه وذهب بعد تعيينه إلى مدينة بعيدة وهي الإسماعيلية، فأقام فيها دعوة وعملًا من خلال إنتاجه عندما كان يعمل في البقالة، وبالإمكان أن يعمل أي واحد منكم في بقالة أو في مخبزةٍ أو في أي مكان، أو أن يتعاون مجموعة منكم -مثلًا- على مشروع صغير مثلما ذكرنا، أو لحراسة السيارات، أو لغير ذلك.

    والزراعة فيها أيضًا أجر عظيم: (ما من مؤمن يغرس غرسًا أو يزرع زرعًا، فيأكل منه طير أو يستظل به إنسان إلا كان له صدقة)، كما في حديث أنس في صحيح مسلم .

    وكذلك ما جعل الله في هذا البحر من العجائب، فبالإمكان أن تستغل الخيرات التي فيه وينتفع بها، والإنسان الذي يطلب الرزق من عند الله سبحانه وتعالى يوفق لاختيار الأبواب النافعة، ويساق له الرزق من حيث لا يحتسب.

    تنظيف المساجد وزكاة البدن

    ثم أيضًا لا بد من نشاط آخر، يكون فيه الإنسان مزكيًا لعضلاته وقوة بدنه.

    المساجد بين أيديكم فراشها متسخ، وجدرانها فيها الغبار، لماذا لا يكون للشباب فرق تتوزع على المساجد، كل يوم جمعة تنظف مسجدًا من المساجد، وتنظف جدرانه وفراشه وحماماته، وما حوله من الأوساخ، وتطهر ما حوله من الأنجاس ابتغاء مرضات الله، وتكريمًا لبيت الله جل جلاله، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله، ( فالنبي صلى الله عليه وسلم رأى مخاطاً في جدار المسجد الذي يلي القبلة، فقام إليها، فما زال يحتها بظفره حتى أزالها، ثم دعا بطيب فجعله عليها).

    فلذلك بالإمكان أن يكون للشباب كثير من النشاط الجاد في هذه الأوقات، وما أريد أن أطيل، وأظن أن الوقت قد تجاوز، فأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

    وأسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقنا لاستغلال أعمالنا في مرضاته، وأن يأخذ بنواصينا إلى البر والتقوى، وأن يجعلنا أجمعين هداة مهديين غير ضالين ولا مضلين.

    1.   

    ابتهال ودعاء

    اللهم صلّ على محمد وعلى آله وأزواجه وذريته، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آله وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم ، وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

    اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، لكن الحمد بكل شيء تحب أن تحمد به على كل شيء تحب أن تحمد عليه، لك الحمد في الأولى والآخرة، لك الحمد كثيرًا كما تنعم كثيرًا، لك الحمد كالذي نقول وخيراً مما نقول، ولك الحمد كالذي تقول، لك الحمد أنت أحق من ذكر، وأحق من عبد، وأنصر من دعي، وأرأف من ملك، وأجود من سئل، وأوسع من أعطى، أنت الملك لا شريك لك، والفرد لا ند لك، كل شيء هالك إلا وجهك، لن تطاع إلا بإذنك، ولن تعصى إلا بعلمك، تطاع فتشكر وتعصى فتغفر، أقرب شهيد وأدنى حفيظ، حلت دون النفوس وأخذت بالنواصي، ونسخت الآثار وكتبت الآجال، القلوب لك مفضية، والسر عندك علانية، الحلال ما أحللت والحرام ما حرمت، والدين ما شرعت والأمر ما قضيت والخلق خلقك، والعبد عبدك، وأنت الله الرءوف الرحيم، نسألك بعزك الذي لا يرام، وبنورك الذي أشرقت له السماوات والأرض: أن تهدي قلوبنا، وأن تستر عيوبنا، وأن تكشف كروبنا، وأن تجعل التقى زادنا، وأن تحقق مرادنا، وأن تصلح أولادنا.

    اللهم إنك قلت وقولك الحق: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، وقلت وقولك الحق: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَهمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186]، وقلت وقولك الحق: وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ [النساء:32]، وقد صح لدينا عن نبيك صلى الله عليه وسلم أنك قلت: (يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد منهم مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر)، وصح لدينا عن نبيك صلى الله عليه وسلم (أنك ستير كريم، تستحيي إذا مد العبد إليك يديه أن تردهما صفرًا).

    اللهم هؤلاء عبادك وإماؤك يرفعون إليك أيدي الضراعة في هذه الساعة فلا تردهم خائبين، ولا تجعلهم عن رحمتك من المطرودين، وهب المسيئين منهم للمحسنين، واملأ قلوبهم أجمعين من الإيمان، وأجسادهم من الصحة، وجوارحهم من الطاعة، وأيديهم من الخير، وأغنهم عمن أغنيته عنهم من خلقك.

    اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام، واكنفنا بركنك الذي لا يرام، واجعلنا في جوارك الذي لا يضام، وارحمنا بقدرتك علينا فلا نهلك وأنت رجاؤنا، فكم من نعمة أنعمت بها علينا قل لك بها شكرنا، وكم من بلية ابتليتنا بها قل لك بها صبرنا، فيا من قل عند نعمته شكرنا فلم يحرمنا، ويا من قل عند بليته صبرنا فلم يخذلنا، ويا من رآنا على الخطايا فلم يفضحنا، يا ذا المعروف الذي لا ينقضي أبداً، ويا ذا النعمة التي لا تحصى عدداً، نسألك أن تصلي على محمد وعلى آل محمد، وبك ندرأ في نحور الأعداء والجبارين.

    اللهم أعنا على ديننا بالدنيا، وعلى آخرتنا بالتقوى، واحفظنا فيما غبنا عنه، ولا تكلنا إلى أنفسنا فيما حضرناه، يا من لا تضره الذنوب ولا ينقصه العفو هب لنا ما لا ينقصك، واغفر لنا ما لا يضرك إنك أنت الوهاب، نسألك فرجًا قريبًا، وصبرًا جميلًا ورزقًا واسعًا، والعافية من البلايا، ونسألك تمام العافية، ونسألك دوام العافية، ونسألك الشكر على العافية، ونسألك الغنى عن الناس.

    اللهم أعنا ولا تعن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، واهدنا ويسر الهدى لنا، وانصرنا على من بغى علينا، اللهم اجعلنا لك ذاكرين، لك شاكرين، لك رهابين أواهين منيبين، اللهم تقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، وأجب دعوتنا، وثبت حجتنا، وسدد ألسنتنا، واسلل سخيمة صدورنا.

    اللهم إنا نشكو إليك ضعف قوتنا، وقلة حيلتنا وهواننا على الناس، أنت رب المستضعفين وأنت ربنا، إلى من تكلنا: إلى بعيد يتجهمنا، أم إلى قريب ملكته أمرنا، إن لم يكن بك علينا سخط فلا نبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لنا، نعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بنا سخطك، أو يحل علينا غضك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك.

    اللهم يا حي يا قيوم! برحمتك نستغيث أصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.

    اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصان واجعلنا من الراشدين، اللهم بارك لنا في كل نعمة أنعمت بها علينا، اللهم بارك لنا في أعمارنا وأعمالنا، وأوقاتنا، وعلمنا وإيماننا وذرياتنا، وأزواجنا، اللهم بارك لنا في كل ما أعطيتنا، يا أرحم الراحمين.

    اللهم إنك نسألك أن تلهمنا شكر نعمتك، وأن تتمها علينا، وأنت تزيدنا من فضلك يا أرحم الراحمين، اللهم لا تدع لنا أجمعين في ساعتنا هذه ذنبًا إلا غفرته، ولا همًا إلا فرجته، ولا دينًا إلا قضيته، ولا مريضًا إلا شفيته، ولا مبتلًى إلا عافيته، ولا ميتًا إلا رحمته، ولا ضالًا إلا هديته، ولا مجاهدًا إلا أيدته ونصرته، ولا عدوًا إلا كبدته وخذلته وكفيته، ولا أسيرًا إلا أطلقته، ولا فقيرًا إلا أغنيته، ولا جاهلًا إلا علمته، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة هي لك رضًى ولنا فيها صلاح إلا قضيتها يا أرحم الراحمين.

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وأوهن كيد الكافرين، وانصرنا عليهم أجمعين، اللهم قاتل كفرة أهل الكتاب الذين يحاربون أولياءك، ويصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك، اللهم لا ترفع لهم راية، ولا تحقق لهم غاية، واجعلهم لمن خلفهم آية، وأخرجهم من بلاد المسلمين صاغرين مهزومين يا قوي يا متين.

    اللهم طهر المسجد الأقصى من رجز اليهود، اللهم أخرج اليهود من بلادنا، ومن جميع بلاد المسلمين صاغرين مهزومين يا قوي يا متين، اللهم فرج عن إخواننا المستضعفين في فلسطين وفي العراق، وفي أفغانستان وفي كشمير وفي الشيشان وفي كل مكان، اللهم فرج همهم وارحم موتاهم، واشفِ مرضاهم، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم، اللهم مكن للمسلمين في الأرض واكفهم شر الكافرين الكائدين يا قوي يا متين، اللهم فرج هم الإخوان في السودان، اللهم فرج همهم ونفس كربهم ورد عنهم مؤامرة الأعداء وكيدهم، اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك وأقام منهجك، واجعل المال في أيدي أسخيائنا.

    اللهم اجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا رخاءً سخاءً سعة وسائر بلاد المسلمين يا أرحم الراحمين، اللهم لا تخرج أحدًا منا من هذا المسجد الآن إلا وقد غفرت له ما قدم وما أخر، وما أسر وما أعلن، وما أنت أعلم به منا أجمعين.

    اللهم إنك أعلم بنا منا فاقضِ ما في علمك من حوائجنا، اللهم إنك أعلم بنا منا فاقضِ ما في علمك من حوائجنا، اللهم إنك أعلم بنا منا فاقضِ ما في علمك من حوائجنا.

    اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغًا إلى حين، اللهم إن بالعباد والخلائق والبهائم من اللأواء والجهد والضنك ما لا نشكوه إلا إليك، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا، اللهم أنزل لنا من بركات السماء وأخرج لنا من بركات الأرض، اللهم أنزل لنا من بركات السماء وأخرج لنا من بركات الأرض، اللهم أنزل لنا من بركات السماء وأخرج لنا من بركات الأرض، اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا مريئًا، مريعًا طبقًا واسعًا تدر لنا به الضرع، وتنبت لنا به الزرع، وتذهب به عنا البلاء والوخم.

    اللهم استرنا بسترك الجميل، اللهم استرنا فوق الأرض، واسترنا تحت الأرض، واسترنا يوم العرض، اللهم أغننا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم أغني شباب المسلمين أجمعين، وعلمهم ما ينفعهم، اللهم أغنهم بحلالك عن حرامك يا أرحم الراحمين، اللهم أغني جميع الحاضرين من الشباب والطلاب، ووفقهم لما يرضيك وخذ بنواصيهم إلى الخير، واملأ قلوبهم من الإيمان، وأيديهم من المال الحلال الطيب يا أرحم الراحمين.

    اللهم أغنهم أجمعين عمن أغنيته عنهم من خلقك، اللهم وفقهم لما يرضيك وخذ بنواصيهم إلى البر والتقوى، واجعلهم في قرة عين النبي صلى الله عليه وسلم، اللهم أصلح نساءنا ونساء المسلمين، وأصلح الحاضرات من النساء، اللهم أصلحهن وأصلح نياتهن، وذرياتهن، واقضِ حوائجهن، وارحم موتاهن، اللهم اقضِ في علمك من حوائجنا أجمعين في هذه الساعة يا أرحم الراحمين.

    اللهم اختم بالصالحات أعمالنا، واختم بالحسنات آجالنا، واجعل خير أيامنا يوم نلقاك.

    سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767035075