إسلام ويب

بناء شخصية المسلمللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • للشخصية الإسلامية أساسات يبنى عليها، ولا بد للمسلم أن يبني شخصيته عليها وهي الأساس العقدي والأساس التعبدي والأساس الخلقي، وأساس الرغبة فيما عند الله، وأساس معرفة قيمة الدنيا وعدم الاغترار بها، والأساس العلمي والأساس السياسي والأساس الاجتماعي والأساس الثقافي والأساس الاقتصادي.

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فإن كل ملة ونحلة وكل أيدولوجية لها قيم وأسس، تبنيها وتميزها عما سواها، وإن هذا الدين الذي هو الدين الحق عند الله سبحانه وتعالى له ميزات هي التي تميزه عما سواه، وهي التي يزداد بها منسوب الإيمان في قلوب ذويه، وهي التي يحسن الإنسان بها إيمانه فيصبح حسن الإسلام، من عدمها- ولو كان مؤمناً بقلبه ولسانه وبعض جوارحه- فإن إسلامه غير حسن.

    وحسن الإسلام هو الذي شرطه الرسول صلى الله عليه وسلم في تكفير الحسنات للسيئات، لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن العبد إذا أسلم فحسن إسلامه محا الله عنه كل سيئة كان سلفها، ثم كان بعد ذلك القصاص، الحسنة بعشر أمثالها، والسيئة بمثلها إلا أن يتجاوز الله عنه)، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم بعض أسس حسن الإسلام في قوله: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه).

    وعلى هذا الأساس فإن المؤمن مطالب بأن يعرف أسس شخصيته التي يرتضيها له بارئه سبحانه وتعالى، فيتخلق بهذه الأسس ويزيدها في نفسه، وما كان عادماً له منها تاب واستغفر، وتدارك التفريط فيما مضى، وما كان متصفاً به بفطرته أو بتربيته حمد الله عليه ورسخه وزاد فيه.

    إن الأسس التي تميز بناء شخصية المسلم متعددة المشارب، فأعظمها وأقدمها الأساس العقدي، فعقيدة المؤمن المقتضية للإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره تميز تصوره لهذا الكون والحياة، وتميز كذلك تصرفه في حياته هذه، فإن الذي لا يحدد مبادئه في الإيمان يبقى ضائعاً في هذه الحياة يتذبذب، فحاله كحال المنافقين الذين يقولون عندما يسألون في قبورهم: لا ندري. المنافق والمرتاب إذا سئل قال: لا أدري! كنت سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته، والمؤمن الصامد السالك إذا سئل في قبره: من ربك؟ وما دينك؟ وما كنت تقول في هذا الرجل؟ يقول: الله ربي والإسلام ديني، والرسول المبعوث فينا محمد صلى الله عليه وسلم، هو محمد، هو محمد، هو محمد (ثلاثاً)، جاءنا بالبينات والهدى فآمنا واتبعنا، ولذلك يجيبه الملائكة بقولهم: قد علمنا إن كنت لموقناً.

    فهذا الأساس العقدي يميز شخصية المسلم، ويلزمه بكثير من الأعمال، وكثير من الأخلاق، وكثير من التصرفات، ويرد عنه كذلك ما يقابلها.

    ومن هنا فهذا الأساس الأول مقتض من الإنسان لمحبة الله سبحانه وتعالى، والتوكل عليه وحده، ورجائه وخوفه، والأدب معه، وكذلك مقتض لمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر رسل الله، ومحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم مقتضية لتصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، وأن لا يعبد الله إلا بما بلغ عنه. هذه ثلاثة أمور هي مقتضيات شهادة أن محمداً رسول الله.

    ولذلك فإن هذه الأسس العقدية تقتضي من الإنسان الصمود والصبر، والثبات وعدم التزحزح، الذي يؤمن بالله وحده ويعلم أنه لا نافع ولا ضار إلا الله، وأن الله كتب ما هو كائن بقدره النافذ، وأنه رفعت الأقلام وجفت الصحف، وأن الأمة لو اجتمعت على أن تنفعه بشيء لم تنفعه إلا بشيء قد كتبه الله له، وأنها لو اجتمعت على أن تضره بشيء لم تضره إلا بشيء قد كتبه الله عليه ولا يمكن أن يخضع ويذل لغير الله، ولا يمكن أن يؤثر رضا المخلوق على رضا الله، ولا يمكن أن يخاف ولا أن يطمع إلا بالله سبحانه وتعالى وحده، ذلك لأن إيمانه بالله سبحانه وتعالى مقتض لمعرفته به، بمعرفته أن الله هو ديان السموات والأرض الحي القيوم ، الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، بيده مقاليد كل شيء، هو الملك الحق المبين، لا يسأل عما يفعل وهم يسئلون، ويعلم أنه سبحانه وتعالى هو القادر على كل شيء لا يعجزه شيء، وأنه هو المدبر للكون كله، وأنه لا يغفل عنه لحظة واحدة.

    ومن هنا فإن قناعته بهذا مقتضية منه تمام التعلق بالله والاتصال به، والتوكل عليه ورجاءه وخوفه، وعدم رجاء من سواه، وعدم خوفه، وعدم الاعتماد عليه في أي شيء، لعلمه أن كل من سوى الله لا يملك لنفسه فضلاً عن الغير حياة ولا موتاً ولا نشوراً، ولا نفعاً ولا ضرراً، ومن هنا لا يحق أن يتوكل عليه، ولا أن يرجى نفعه، ولا أن يخاف ضرره؛ لأنه لا يملك لنفسه شيئاً من ذلك، وإيمان الإنسان الراسخ بأن الأنفس كلها بيد الله، وأن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.

    مقتض منه كذلك أن لا يثق فيما سوى الله؛ لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي لا يبدو له البداء، علمه سابق لكل خلقه، إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ[العنكبوت:62]، والمخلوق يبدو له البداء في كل لحظة، فيتغير رأيه ويعدل عن الآراء التي كان يريدها، وأول ما تعرف به ربك نقض العزائم.

    كذلك فإن عقيدة المسلم هذه تقتضي منه أن يميز بين الخالق والمخلوق تمييزاً كاملاً، فمقتضيات الألوهية لن يعدل بشيء منها إلى المخلوق لعلمه أنها من خصائص الله سبحانه وتعالى وحده، ولا يمكن أن يصرف شيء منها للمخلوق، ولا يمكن أن تصرف عبادة للمخلوق أياً كانت، لا في ظاهرها ولا في باطنها، فالمؤمن ذو الشخصية الإسلامية القوية لا يصرف شيئاً من عبادته الباطنية للمخلوق فلا يرائي ولا يسمّع، ولا يلتفت بشيء من عباداته لغير الله، لعلمه بالمراقبة الحقيقية،(لا يزال الله مقبلاً على العبد وهو في صلاته مالم يلتفت، فإذا التفت أعرض عنه وقال: يا ابن آدم! إلام تلتفت أنا خير مما التفت إليه).

    وكذلك لا يعدل عنه بشيء من عباداته الظاهرة، فلا نذر للمخلوق ولا رجاء لما يأتي من عنده إلا ما كتبه الله، ولا خوف كذلك لما يأتي منه إلا ما كتبه الله، ومن هنا لن يصرف للمخلوق أي جزء من أجزاء العبادة بأي وجه من الوجوه؛ لأنها من خصائص الألوهية، حتى لو كان هذا المخلوق أشرف الخلق على الله وأكرمهم لديه، وأحبهم إلى الناس وأنفعهم له، فرسل الله عليهم السلام، وملائكته المقربون عليهم السلام هم أملأ عباد الله تحقيقاً لهذه العقيدة، ولهذا قال الله تعالى: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا [الإسراء:57]، ويقول في وصف الأنبياء: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90].

    ويقول في وصف من ارتضى عملهم ويدخل فيهم الأنبياء وغيرهم: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ [السجدة:16-18]، هذا الأساس مقتض لهذا التميز وعدم الميوعة، أما من اختل لديه شيء من الأسس العقدية فسيضع كل شيء في غير موضعه، يجعل العبادة في غير موضعها فلا يتجه بها اتجاهها الصحيح، ويجعل التوكل في غير موضعه فلا يتجه به الاتجاه الصحيح، ويجعل الخوف والرجاء في غير موضعهما فلا يتجه بهما الاتجاه الصحيح، ومن هنا يصاب بالتذبذب حال المنافقين الذين قال الله فيهم: مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا [النساء:143].

    الأساس الثاني بعد الأساس العقدي: هو الأساس التعبدي.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088777385

    عدد مرات الحفظ

    778958119