بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين، أما بعد:
فأذكركم ونفسي بإخلاص النية لله تعالى وقصد وجهه الكريم، ونية طلب العلم وتعليمه وتبليغه، ومن قدم سؤالاً فهو مشارك في الطلب سواء أجيب على سؤاله أو لم يجب، ومن قدم له جواب فكان اجتهادياً، فليعلم أنه قابل للخطأ والصواب.
السؤال: هل يجب على الجاهل التزام مذهب معين؟
الجواب: لا، فالمذاهب لم تكن في العهد النبوي ولا في وقت التشريع، ومن المعلوم أن الذي يوجب ويحرم هو الله جل جلاله هو الله وحده، وأن المبلغ عن الله هو محمد صلى الله عليه وسلم وحده، فليس في هذه الأمة رسول سواه، فما لم يكن واجباً في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لا يكون واجباً إلا من باب المصالح وترتيب الأولويات.
والمذاهب هي طرق للتعامل مع النصوص ومدارس تدرس فيها الأحكام، وليست أكثر من ذلك، فليست المذاهب ديانات كما يتوهمه بعض الناس، فالدين الإسلامي واحد، وهو ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله، ولا خلاف بين المجتهدين من أئمة المذاهب فيما حسمه الدليل، حيث صح الدليل، وكان معناه واضحا لا خلاف فيه، فإن المذاهب لا تختلف، وإنما تختلف المذاهب إذا اختلف في تصحيح الدليل، أو اختلف في معناه، أو عارضه دليل آخر وحينئذٍ تقع المذاهب، وعلى هذا فالمذاهب ليست مرتبطة بأسماء أشخاص كما يتوهمه بعض الناس، فبعض الناس يظن مثلاً: أن مذهب الإمام مالك مرتبط بشخصه هو، وأنه من اجتهاده جميعاً، وليس الحال كذلك، بل أكثر الفروع المدونة في كتب المالكية ليست من اجتهاد مالك، ولا خطرت على باله، ولا حصلت في زمانه، وإنما هي نتاج عصر طويل فيه قرون متطاولة.
والمقصود بالمذاهب حسب ما تقرر في الأصول: أنها طرق للتعامل مع النصوص، وهذه الطرق أصولية لا فروعية، فالمذاهب في الأصل تتعلق بالأصول لا بالفروع، فمذهب مالك مثلاً أن الجمع مقدم على الترجيح، وأن الأمر يدل على الوجوب، وأن الأمر يقتضي الصحة، وأن الأمر يقتضي الفورية، وأنه لا يقتضي التكرار بذاته، وهذا مذهب مالك.
فالمسائل الأصولية هي التي يكون فيها للمجتهد مذهب، ولذلك أي فرع من الفروع يمكن أن أقول: فيه مذهب مالك كذا، ويكون جديداً لم يتكلم فيه مالك ولا خطر له على بال، لكن المقصود الجاري على قواعده والمتفق مع ما رتبه في الأدلة هو كذا، وهكذا مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد رحمهم الله أجمعين.
والجاهل درجات كثيرة كما أن العالم درجات، فأهل العلم ذكروا أن العالم ست درجات فيما يتعلق بالاجتهاد:
أولها: المجتهد المطلق: الذي لا يهتم باجتهادات الناس وآرائهم، وإنما يأخذ المصحف فيفتحه فيستنبط منه، أو يأخذ الموطأ فيفتحه فيستنبط من الحديث، أو يفتح صحيح البخاري فيستنبط من الحديث مباشرة، فهذا هو المجتهد المطلق الذي لا يحتاج فيما يتعلق بالرواية والنقل إلى من يقول له: هذا الحديث صحيح، ولا يحتاج في التفسير إلى من يقول له: معنى هذه الآية كذا، ولا يحتاج في شرح الحديث إلى من يقول له: غريب هذا الحديث كذا، أو الكلمة الفلانية معناها كذا، فهو محيط بعلم ذلك وآلته، وهذا هو المجتهد المطلق، وهو من النوادر.
ولا أقول: إن باب الاجتهاد المطلق قد أغلق كما يدعيه بعض الناس؛ لأن الله تعالى يقول: وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً [الإسراء:20]، فكل عصر من العصور يمكن أن يخرج الله فيه من العلماء من يبلغ هذه الدرجة، فيكون لديه من الآلات والوسائل ما يمكنه من تفهم الكتاب والسنة، ومعرفة معناهما وصحيحهما وضعيفهما، ويمكنه من خلال ذلك الجمع بين النصوص.
ومن هذه الدرجة الإمام مالك والإمام أبو حنيفة والإمام الشافعي والإمام أحمد والإمام ابن جرير الطبري، والإمام داود الظاهري، والسفيانان والأوزاعي، وقد ذكر بعض أهل العلم عشرة المجتهدين المطلقين، نظمهم السيوطي رحمه الله في الكوكب الساطع بقوله:
والشافعي ومالك والحنظلي إسحاق والنعمان وابن حنبل
وابن عيينة مع الثوري وابن جرير مع الأوزاعي
والظاهري وسائر الأئمة على هدىً من ربهم ورحمة
ثانيها: المجتهد التابع، وهذا حصلت لديه ملكة الاجتهاد وآلته، ولكنه اختار اتباع طريقة عالم معين أو عدد من المجتهدين، وهذه الطرق من النادر جداً أن ينفرد أحد العلماء بطريقة واحدة منها، حتى يكون مذهبه منفرداً، والأصل أن تكون المسألة مثلاً قابلة للاختلاف على وجهين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة، فتكون المذاهب على حسب قابلية المسألة، فمثلاً: إذا كانت المسألة ممكن تحريمها وإباحتها، فلا يمكن أن يكون فيها إلا مذهبان فقط: القول بالتحريم والقول بالإباحة.
لكن إذا كانت المسألة فيها قابلية لأكثر من ذلك، كأداء الصلاة الموسع وقتها في وقتها، ففيها عشرة مذاهب مثلاً فهذه قابلة لتنوع الآراء:
جميع وقت الظهر قال الأكثر وقت أداء وعليه الأظهر
لا يجب العزم على المؤخر وقد عزي وجوبه للأكثر
وقيل الآخر وقيل الأول ففي سواه قاض أو معجل
وقيل ما به الأداء اتصلا من وقته وآخر إذا خلا
وقيل إن قدم فرضاً وقعا إن بقي التكليف حتى انقطعا
ومن يؤخر مع ظن موته يعص فإن أداه قبل فوته
فهو أدىً والقاضيان بل قضا أو مع ظن أن يعيش فقضى
فالحق لا عصيان ما لم يكن كالحج فليسند لآخر السني
وهذا من المجتهدين وهم المجتهدون التابعون في كل مذهب منهم عدد، ففي المذهب المالكي مثلاً من أصحاب مالك عبد الرحمن بن قاسم العتكي، فقد حصلت لديه ملكة الاجتهاد بما رواه من النصوص وما عرفه من تفسيرها، وما استطاعه من تفهمها؛ ولذلك يخالف مالكاً في مسائل في المدونة وغيرها، فيقول: سمعت مالكاً يقول فيها كذا ولا أرى ذلك، أو الذي عندي كذا، ولذلك أشار خليل إلى الخلاف بين مالك وابن القاسم في أربعة مواضع في مختصره، فمثلاً: في سجود التلاوة ذكر أن القارئ إذا بلغ موضع السجدة فركع ساهياً، كان يريد السجود فركع، فهل يعتد بهذا الركوع أم لا ؟ فعند مالك يعتد به، وعند ابن القاسم لا يعتد به، ولذلك قال خليل:
وسهواً اعتد به عند مالك لا ابن القاسم
وهذا يدل على أن هؤلاء العلماء المجتهدين لم يكونوا يحابون، ولا يقدمون أحداً على الله ورسوله، فابن القاسم تلميذ مالك وهو يعرفه ويحبه ويقبله ويجله، لكن مع ذلك إذا رأى دليلاً يخالف ما قاله مالك فيأخذ بالدليل ويترك قول مالك، وهو ابن القاسم.
وهكذا في المذهب الشافعي مثلاً المزني، وفي المذهب الحنفي أبو يوسف ومحمد بن الحسن، وفي المذهب الحنبلي كذلك عدد من هذا النوع مثل ابن تيمية وابن القيم وابن رجب وابن قدامة وغيرهم.
ثالثها: مجتهد الترجيح، وهو المجتهد الذي لديه ملكة في الأصول والاستنباط، ولكنه جاء متأخراً، فوجد الاحتمالات في أكثر المسائل قد حسمت، فلا يستطيع الآن أن يحدث لنا قولاً فيما يتعلق بدلالة الأمر، هل الأمر يدل على الوجوب أو لا؟ لأن الأمر قد حسم ولم يعد فيه احتمال آخر، ولا يستطيع أن يحدث لنا قولاً في دلالة الأمر، هل يقتضي الصحة أم لا؟ لأن الأمر قد حسم، ولم يعد العقل قابلاً لتقسيم آخر. لكنه صالح لذلك، فيرجح من أقوال أهل العلم ما ظهر له دليله، ويمكن أن يستدل بالقول الواحد بعشرات الأدلة، وهذا النوع يسمى مجتهد الترجيح.
رابعها: الذي يعرف مذهباً معيناً، ويتقنه ويحيط بأدلته وفروعه، ويستطيع التخريج على مسائل الإمام، والإفتاء على حسب قواعده، فيخرج المسائل على نظائرها، وهذا النوع منه في المذهب المالكي مثلاً الأربعة الذين اعتمد عليهم خليل في المختصر، وهم: اللخمي والمازري وابن رشد وابن يونس، فهؤلاء الأربعة من أئمة التخريج في المذهب المالكي، وكذلك في المذاهب الأخرى، فمثلاً عند الشافعية أصحاب الوجوه كسعيد الأصطخري والأصم وابن كج، وفي المذهب الحنبلي أصحاب الوجوه مثل: أبي الخطاب وأبي يعلى، وفي المذهب الحنفي أيضاً الذين يخرجون مثل: الجصاص والخصاف وأبي زيد الدبوسي، فهؤلاء يسمون أئمة التخريج.
خامسها: المتبصر. والمتبصر هو الذي لديه وسيلة يفهم بها الكتاب والسنة، وله اطلاع على أقوال أهل العلم، ولكنه ليس محيطاً بذلك، فهذا يلزمه الأخذ بما ترجح لديه دليله؛ لأن العمل بالراجح واجب لا راجح، ولكنه لا يحل له إحداث قول ولا نقض إجماعٍ؛ لأنه لا يحيط بأقوال أهل العلم، فلذلك لا يخرج عن الأقوال المألوفة، ويرجح منها ما قوي دليله لديه فيعمل به؛ لأن العمل بالراجح واجب لا راجح.
سادسها: الناقل. وهو الذي ينقل عن الآخرين تصحيحهم وتضعيفهم، ولا يستطيع أن يبلغ درجة التصحيح والتضعيف للحديث، وكذلك في الفقه لا يستطيع استنباط الأحكام، وإنما ينقل عن الآخرين، وهذا مثل أغلب المفتين الذين ينقلون أقوال الآخرين.
أما الجاهل فالجهل درجات، أوصلها القرافي إلى اثنين وعشرين نوعاً، منها: الجهل الذي لا يقره الشارع كجهل الإنسان بعقيدته كأركان الإيمان مثلاً، فالذي لا يعرف أركان الإيمان الستة إجمالاً جهله مخرج له من الملة، ومثل ذلك الذي لا يعرف أركان الإسلام الخمسة، فلا يعرف أن الصلاة واجبة، ولا يعرف أنواع الصلوات الخمس، ولا يعرف أن الزكاة واجبة، ولا يعرف صيام رمضان، ولا يعرف حج بيت الله الحرام، أو لا يعرف حرمة الزنا، أو حرمة شرب الخمر، أو حرمة قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، فهذا خارج من الملة بجهله بما لا بد من معرفته ولا يقبل جهله من أحد، ثم دون ذلك الذي يجهل فرائض عينه فيما خاطبه الشارع بمعرفته يجهله، فهذا جاهل لفرائض العين وليس خارجاً من الملة ولكنه آثم، ويجب عليه أن يتعلم تلك الأحكام التي تختص بعينه هو.
وقد اختلف أهل العلم في الأحكام العينية التي يجب تعلمها على الأفراد، وذكر الحطاب في مقدمة حاشيته على مختصر خليل أن كثيراً من الفقهاء يذكرون أن فرض العين يختص بربع العبادات، أي: ربع الفقه المتعلق بالعبادات، وأن هذا خطأ فاحش؛ لأن الإنسان يضطر لأن يتزوج وأن يبيع ويشتري ويستأجر، ولا يمكن أن يعيش الإنسان حياته ولم يستأجر سيارة ولم يركب تكسياً، ولم يشترِ قلماً ولا ورقة، ولم يمارس أي عقد من العقود، فإذا كان الحال كذلك فلا يحل له أن يقدم على تلك العقود إلا بعد معرفتها؛ لأن الله تعالى يقول: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً [الإسراء:36]، والإنسان لا يحل له أن يفعل فعلاً حتى يعلم حكم الله فيه، ولذلك هذه الأفعال التي يضطر لها الإنسان تكون لاحقة بفرض العين، فيكون تعلم الإنسان لأحكام البيع والشراء والأنكحة والأكرية والإيجارات ونحو ذلك فرض عين في حق من سيقع منه ذلك لا محالة، وجمهور الناس سيقع منهم ذلك لا محالة؛ لأنه لا يستطيع الإنسان أن يعيش حياته ولم يتزوج ولم يبع ولم يشترِ ولم يستأجر أبداً.
وبعد ذلك الجهل بفروض الكفايات، وهذه ليست واجبة على الأعيان إلا إذا تعينت عليهم، فالذي لديه ملكة للفهم وقدرة عليه واستيعاب، ولديه فضلة من وقته زائدة على فرائض عينه وقوت يومه، ويجد من يدرس عليه العلم، فقد يتعين عليه الطلب؛ لأن أكثر الناس يعرضون عن هذه العلوم، فلا يدرسونها، فلذلك يتعين على من هو قادر على تعلمها ومستطيع له أن يمارس طلبها، وقبل أن يصل الإنسان إلى علم ما ينفذه في نفسه لا بد أن يأخذ عن أهل العلم؛ لأن الله أحال إليهم فقال: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43].
وقد ذكر الله سبحانه وتعالى حدين في كتابه: حد أعلى وهو خطاب أهل العلم فقال: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء:83]، فالمقام الأعلى هو الذين يستنبطونه منهم، والحد الأدنى هو قوله: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ[النحل:43].
وبين المقامين كل المقامات التي ذكرناها، ولذلك لا يجب التمذهب بهذا المعنى، لكن يجب سؤال أهل العلم، والمجتهد الحي أولى بالتقليد من المجتهد الميت؛ لأن المجتهد لو كان حياً لتراجع عن كثير من اجتهاداته، ولذلك فإن ابن أبي زيد رحمه الله، وهو من أئمة المالكية وكان يلقب بـمالك الصغير، لما ظهر الشيعة العبيدية في تونس، فكانوا يغتالون أئمة أهل السنة والحديث وخاف على نفسه فاتخذ كلباً للحراسة، فقيل له: قد نص مالك على حرمة اتخاذ الكلب للحراسة، فقال: رحم الله مالكاً لو كان في زماننا لاتخذ أسداً ضارياً؛ لأن اجتهاده سيتغير، فهو يخاف على نفسه من القتل.
السؤال: من أين أخذ المالكية السدل؟
الجواب: سدل اليدين في الصلاة صح عن رجل واحد من الصحابة وهو عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، فقد صح عنه السدل في الصلاة في مصنف ابن أبي شيبة وعبد الرزاق، وروي عن عدد كبير من التابعين أنهم كانوا يسدلون أيديهم في الصلاة، منهم: عكرمة مولى ابن عباس وقتادة بن دعامة السدوسي ومحمد بن كعب القرظي وعدد من الأئمة، وهذا يدل على أن قبض اليدين في الصلاة ليس واجباً، فلو كان واجباً لما تركه عبد الله بن الزبير صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حواريه وابن أبي بكر الصديق وأمير المؤمنين، ولا تركه هؤلاء الأئمة من التابعين.
وقد اختلف أصحاب مالك عنه فيما يتعلق بالقبض، فذكر في الموطأ حديث القبض وهو يقتضي أن مذهبه أنه يرى سنية القبض في الصلاة، وهذا الذي روى عنه عدد كبير من أصحابه، وروى عنه ابن القاسم في المدونة ما فهم منه أنه يرى كراهته في الفرض فقط، لكن في النفل لا يكرهه، ومع ذلك اختلف في معنى الكلام الذي جاء في المدونة؛ لأنه جاء في باب الاعتماد والاتكاء في الصلاة: (وسألته عن الرجل يضع يديه على صدره من طول القيام فقال: لا أعرفه)، وهذا يقتضي أن القبض من أجل طول القيام يكون اعتماداً.
وقد اختلف الناس في تفسير معنى كلام مالك هنا، فذهب بعضهم إلى أن المقصود إذا كان يعتمد عليه، ولهذا ذكره ابن القاسم في باب الاعتماد والاتكاء في الصلاة، وحمله بعضهم إلى أن المقصود بذلك خشية إظهار وجوبه، وخشية أن يعتقد الجاهل وجوبه، وذهب بعضهم أن إلى المقصود بذلك في حق ما كان بعد الرفع من الركوع، مثلاً: في حال القيام وليس حال القراءة، والرفع من الركوع لم يرد فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم في القبض فيه ولا في السدل، ولذلك جمهور أهل العلم على السدل فيه، إي: إذا قام الإنسان من ركوعه.
وعموماً فالمسألة خلافية عند المالكية، وسبب الخلاف ما ذكرناه.
السؤال: هل تجزئ القيمة في زكاة الماشية علماً بأنها في مصلحة الفقير؟
الجواب: مذهب الجمهور أن القيمة لا تجزئ؛ لأن الله سبحانه وتعالى حدد حدوداً، ولا يحل تعدي حدوده ولا تجاوزها، وقد حد الله سبحانه وتعالى الزكاة وبينها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن أراد تحقق براءة الذمة فعليه أن يؤدي ما أمر بأدائه، فإذا كان له خمس من الإبل فأدى شاة عنها فإنه فعل ما أمره الله به قطعاً، أما إذا أدى ثمن الشاة فسيبقى في تردد هل أدى ما أمر الله بأدائه أو لم يؤده؟ ولذلك ينبغي أن يختار مصلحته هو، وألا يختار مصلحة الفقراء على مصلحة نفسه، فإن الثمن أحب إلى الفقراء، ولكنه ليس في مصلحة المخرج، المخرج مصلحته أن يخرج ما يتحقق به أنه فعل ما أمر الله به.
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى إجزاء القيمة وهو مذهب أبي حنيفة والبخاري وأشهب من المالكية، وإسحاق بن راهويه، ولكن مذهب الجمهور أن القيمة لا تجزئ.
السؤال: ما حكم الجهر بالقنوت في الصلوات السرية؟ أعني: قنوت النوازل.
الجواب: القنوت هو دعاء، والأصل في الدعاء كله الإسرار، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر بالقنوت في الصلوات الجهرية، فدل ذلك على جواز الجهر به، وإذا أراد الإنسان مشاركة المأمومين في الأجر ومشاركتهم أيضاً بالتأمين، فإنه يجهر لهم به، لكن الأفضل أن يكون ذلك دائماً في الصلوات الجهرية، وألا يفعله في السرية، فالسرية يسر فيها الإنسان إذا كانت القراءة يسر بها، فكيف بالدعاء، وعموماً مع ذلك فإن بعض أهل العلم يرى جواز الدعاء جهراً في السرية والجهرية، وفي كل ذلك، فيجيزون القنوت جهراً.
السؤال: ما العمل إذا تعارضت مصلحة الدعوة مع رضا الوالدين؟
الجواب: على الإنسان أن يحاول استرضاء الوالدين، وأن يكون هواهما وأمرهما تبعاً لما تأمر به الشريعة، وما هو في مصلحة الدعوة، ولا يكون ذلك إلا إذا تحبب إلى والديه وبرهما، فكان أبر عيالهما بهما، ونافس إخوانه في بر والديه، فإن والديه سيرضيان بما يرشد إليه ويأمر به، وسيسرعان إلى ما يحبه.
السؤال: ما حكم دراسة المرأة في الخارج مع العلم أنها تسكن في سكن خاص بالنساء؟
الجواب: إذا كانت ستسافر مع محرم حتى يوصلها إلى ذلك السكن، وكان السكن مأموناً وليس فيها اختلاط ولا خلوة، فلا حرج في دراستها وسفرها من أجل ذلك.
السؤال: ما حكم امرأة بقيت عليها ستة أيام من رمضان، ثم لم تقضها حتى بقي على رمضان الآخر ستة أشهر، وعندما أرادت القضاء فإذا هي حامل، فتركت القضاء خوفاً على الجنين، فهل هنا قد لزمت الكفارة أم لا؟
الجواب: لا، لم تلزمها الكفارة، لكن تقضي على كل حال، فالحمل غير مانع من الصوم، إلا في حق من أمرها الطبيب بالفطر بعد أن رأت علامات تدل على أنه يخاف على جنينها وعلى نفسها بسبب الصوم.
السؤال: ما حكم سماع الغناء ووضعه في رنة الهاتف؟
الجواب: لا يجوز سماع الموسيقى ولا استعمالها في رنة الهاتف ولا في غير ذلك، وقد أقسم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن المعازف هي المقصودة بقول الله تعالى: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ [لقمان:6]، وقد أخرج البخاري في الصحيح: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن قوماً في آخر هذه الأمة يمسخون قردة وخنازير؛ يستحلون الحر والخمر والمعازف)، فهذا يدل على حرمة استعمال المعازف، وما قارب الشيء له حكمه، فالأصوات المقاربة لصوت المعازف يكون حكمها حكمها.
السؤال: هذا يسأل عن تفسير قول الله تعالى: وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ[آل عمران:152]؟
الجواب: الله سبحانه وتعالى وعد المؤمنين إذا صدقوا الله سبحانه وتعالى وأقبلوا أن ينصرهم على عدوهم، وهذا وعد باقٍ للمؤمنين في كل زمان ومكان، وقد أخبر الله في هذه الآية من سورة آل عمران أنه حققه للمؤمنين يوم أحد، فلما التقوا مع العدو الذي هو ضعفهم، وكان جيش قريش أكثر من ثلاثة آلاف مقاتل، وكان المؤمنون إذ ذاك سبعمائة رجل، فانهزم المشركون أمامهم، فقتل تسعة من حملة اللواء من قريش، واستحر القتل فيهم، فقتل منهم أكثر من ثمانية وأربعين رجلاً، فولوا الأدبار هاربين حتى حصل الفشل بمخالفة المؤمنين لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم رتب الرماة على الهضبة، وأمر عليهم عبد الله بن جبير، وأمرهم ألا ينصرفوا عن مكانهم حتى يأتيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يريد أن ينضح الخيل حتى لا تأتي من الخلف، وألا تأتي من جهة المدينة.
فلما انهزم المشركون تسارع الرماة إلى دخول ميدان المعركة؛ ليأخذوا الغنائم مع المؤمنين الذين يأخذونها، فخالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبقي عبد الله بن جبير في مكانه حتى قتل رضي الله عنه، فلما رأى خالد بن الوليد وهو إذ ذاك على خيل المشركين، رأى تزحزح الرماة عن مكانهم، قام بحيلة، فجاء من وراء الجبل، فأتى المؤمنين من الخلف، فالتف عليهم جيش المشركين فكانت الهزيمة التي قتل فيها سبعون من الأنصار، وقتل فيها أربعة عشر من المهاجرين.
فقوله: (إذ تحسونهم): أي: تقتلونهم قتلا ًشديداً.
(بإذنه): أي: بإذن الله سبحانه وتعالى وتقويته لكم عليهم.
(حتى إذا فشلتم): والفشل المقصود به معصية أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(وتنازعتم في الأمر): فمنهم من يقول: لا تبرحوا حتى يأتيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم من ظن أن الأمر تعللي، وأنه يقصد ما دامت المعركة قائمة على سوقها.
(وعصيت من بعد ما أراكم ما تحبون): أي: من بعد ما أراكم الله ما تحبون من هزيمة عدوكم.
ثم قال: (ومنكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة): وهذه طبيعة البشر، فيضعف بعضهم في بعض الأحيان أمام المغريات أو أمام الماديات، ولا يخلو من ذلك بشر أياً كان، وهؤلاء الذين حصلت منهم الهزيمة إذ ذاك لا شك أنهم عصوا في وقتها، ولكن الله عفا عنهم، كما قال تعالى: وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ [آل عمران:155]، فإن الله عفا عنهم هزيمتهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفرارهم من الزحف.
السؤال: ما تفسير قول الله تعالى إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى [الليل:4]؟
الجواب: هنا يبين الله أن عمل الناس متباين، فمنهم من يكون عمله الحسنة فيه بعشرة أضعافها، ومنهم من يكون بسبعمائة ضعف، ومنهم من يكون بألف ضعف، ومنهم من يكون بمليون ضعف، ومنهم من يكون بما فوق ذلك، فسعيهم متفاوت لما يحصل فيه من الصدق وعدمه، فالأجر على قدر الصدق والإخلاص، والناس متفاوتون في ذلك تفاوتاً عظيماً، وهم درجات عند الله سبحانه وتعالى، فلما كان سعيهم متفاوتاً كانت درجاتهم بالجنة متفاوتة، وفي الحديث: ( إن أهل الجنة ليتراءون الغرف كما يتراءى أهل الأرض الكوكب الدري في السماء )، وقد قال الله تعالى: وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً [الإسراء:21].
السؤال: هل تجوز إمامة المرأة للمرأة وغير المرأة؟
الجواب: المرأة الأصل ألا تكون إمامة مطلقاً لا للمرأة ولا لغيرها؛ لأن الله سبحانه وتعالى قسم ما في الدنيا، وهو الماديات والمعنويات، فخص الرجال بأشرف المعنويات كالإمامة والقوامة والإمارة، وخص النساء بأشرف الماديات كالذهب والحرير، وبهذا يقع التوازن والعدل، وقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم لامرأة واحدة أن تؤم نساء دارها، وهي أم ورقة رضي الله عنها، واختلف هل كانت تؤم نساء دارها في الفرض، أو في النفل؟ وأيضاً هل هذه واقعة عين تختص بها أم لا؟ فمذهب الجمهور أنها واقعة عين تختص بتلك المرأة لميزة علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوحي، ولمنزلتها في الإسلام وسابقتها فيه، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوحي أنها يمكن أن تصلح للإمامة، ولم يأذن في ذلك لغيرها، بل قد قال: ( لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة )، وأهم الأمر الصلاة كما كتب عمر إلى عماله: ( إن أهم أموركم عندي الصلاة، فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع وأضيع ).
وبعض أهل العلم قاس على أم ورقة من النساء، ولعل القياس مع وجود الفارق، فأذنوا بإمامتها للنساء، لكن إمامتها لغير النساء غير مقبولة، ولا يمكن أن تؤم المرأة الرجال.
السؤال: هل يجوز للمرأة أن ترفع صوتها في القراءة في الصلاة الجهرية؟
الجواب: نعم، فصوت المرأة الراجح فيه أنه ليس بعورة، ولذلك أمر الله أمهات المؤمنين بتعليم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فقال: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ[الأحزاب:34].
فآيات الله القرآن والحكمة السنة، وأمرهن أن يذكرن ذلك، أي: أن يعلمنها للناس، ولا يمكن أن يتعلم منهن إلا إذا رفعن أصواتهن به، فدل ذلك على جواز قراءة المرأة القرآن وللسنة بحضرة الأجانب، وتعليمها للأجانب، وكل ذلك مأخوذ من هذه الآية.
السؤال: بماذا تنصحون طالباً جامعياً يرغب في حفظ القرآن، ولكنه يعاني من ضيق الجدول الدراسي وكثرة المواد؟
الجواب: المواد لا يمكن أن تشمل الليل والنهار، فالوقت يبقى فيه سعة، ولكن الشيطان يضيقه على الإنسان، فإذا خصص الطالب ساعة في كل ليلة في آخر الليل مثلاً للقرآن، فلن تمضي عليه مدة يسيرة إلا وقد حفظ القرآن، فهل يخصص ساعة من آخر الليل لحفظ كتاب الله تعالى، وليخصص الإجازة كالخميس والجمعة مثلاً لمراجعة ما حفظ منه، وما حفظه الإنسان من القرآن إذا صلى به النفل، فإنه لن يضيع من حفظه، وذلك تعاهده الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: ( تعاهدوا القرآن؛ فلهو أشد تفلتاً من صدور الرجال من الإبل في عقلها ).
السؤال: هل المستوطنون اليهود مدنيون؟ وهل يجوز للمقاومة قتل أطفالهم ونسائهم وشيوخهم؟
الجواب: المستوطنون غزاة سلبوا أرض المسلمين ومقدساتهم، فهم جميعاً غزاة محتلون مقاتلون جميعاً: (ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والأطفال والشيوخ العجزة والرهبان)، ومحل النهي إذا لم يقاتلوا أو ينفعوا في القتال، فمن كان منهم مقاتلاً فإنه يقتل، والمرأة إذا قاتلت قتلت، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح بقتل ثلاث نسوة، فدل ذلك على أن المرأة إذا قاتلت يجوز قتلها، وكذلك الشيوخ الكبار إذا كان لهم رأي ينفع في الحرب، فإنهم يقتلون؛ ولذلك قتل الزبير بن العوام رضي الله عنه دريد بن الصمة يوم حنين، وكان شيخاً كبيراً، لكنه كان ذا رأي وخبرة بالحرب.
وأما الأطفال الصغار فلا يقتلون، ولا يجوز قصد قتلهم، ولكن إذا ضرب المنجنيق على أهل مستوطنة، مثلاً: ضربت المستوطنة فكان من بين القتلى أطفال ولم يقصدوا بالقتل فلا إثم على من فعل ذلك، ومحل ما ذكرناه الآن عن المستوطنين الذين جاءوا فاغتصبوا الأرض واحتلوها وجعلوها وطناً لأنفسهم، وليست لهم، سواء منهم من اشترى الأرض أو من اغتصبها، فلا فرق بين شرائها واغتصابها؛ لأنها أرض وقفية لا يصح بيعها، وقد وقفها أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه.
السؤال: ما الفرق بين المعجزة والخرافة؟ وهل صحيح أن الله قد يسمع عباده أحياناً عذاب القبر العصاة؟
الجواب: المعجزة أمر خارق للعادة مطابق لدعوى الرسالة، يظهره الله على يد من أرسله فكذبه الناس؛ ليدل ذلك على صدقه، وقد قال الله في ذلك: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً * لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً [الجن:26-28].
وخوارق العادة سبعة أقسام: أربعة منها للخير وثلاثة للشر، فالأربعة التي للخير هي:
القسم الأول: الإرهاص: وهو ما يظهر قبل مولد النبي أو قبل بعثته مما يدل على نبوته، كميلاد عيسى من غير أب، وحياة النخل لمريم، وجريان السري أي النهر الصغير من تحتها، وكلام عيسى في المهد لبني إسرائيل، ونحو ذلك، فهذا ليس معجزة؛ لأنه لم يدعِ النبوة بعد، وإنما يرسل الأنبياء على رأس أربعين سنة.
وكذلك ما حصل عند مولد النبي صلى الله عليه وسلم من تصدع الإيوان وخمود نار فارس، وغير ذلك مما رأته حليمة، فهذا ليس من المعجزات، وإنما هو من الإرهاصات؛ لأن المعجزات لا تكون إلا عند التحدي بدعوى الرسالة.
القسم الثاني: المعجزة: وهي ما يظهره الله على يد النبي إذا أرسله فكذبه الناس دليلاً على صدقه، كمعجزات الأنبياء، فعصا موسى وإدخاله ليده في جيبه وإخراجها بيضاء من غير سوء، وكذلك إحياء عيسى للموتى وإبراؤه للأبرص والأكمه، وكذلك المائدة التي جاءت من السماء يحملها الملائكة، وكذلك ناقة صالح، ومثل ذلك معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، كهذا القرآن الذي تحدى به الثقلين الإنس والجن أن يأتوا بسورة من مثله، وكانشقاق القمر فلقتين حتى رأوا الجبل بينهما، وكتكلم الضب المذبوح بالشهادة أنه رسول الله، وتسبيح الحصى في يديه، وطاعة الشجر والبهائم له، وتظليل الغمام له، وعلمه بكثير من العلوم الذي لم يدرسها ولا علاقة للأميين بها، واللغات وغير ذلك مما علمه الله مما لم يكن للأميين به عهد، فهذا معجزة؛ لأنه تصديق له في رسالته وإظهار أنه رسول الله.
القسم الثالث: الكرامة وهو ما يصدره الله على يد ولي من أوليائه، والمقصود هنا الولاية الخاصة، فالولاية قسمان: ولاية عامة: وهي أن كل من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فهو ولي لله بذلك؛ لأنه والى الله بالإيمان به، ووالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالإيمان به. لكن الولاية الخاصة معناه: أن يكون الإنسان عابداً لله محقاً في التعامل معه، صادقاً في التعامل مع الله، صادقاً في التوجه إليه، وهذه الولاية الخاصة هي التي أهلها يكرمهم الله تعالى ببعض الكرامات، فمنها: تقويتهم على الطاعة أن يعينهم على حفظ كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أن يعينهم على قيام الليل وصيام النفل، أن يعينهم على الطهارة في الصلاة، وأن ييسر لهم الخشوع في الصلاة، وييسر لهم استجابة الدعاء، وأن ييسر لهم إتقان ذكره وشكره وحسن عبادته، فهذه هي الكرامات، وقد تتعلق بأمور الدنيا كأن يعلمهم الله بخبر من الغيبيات من الغيب النسبي، أو أن يقضي بعض حوائجهم، أو يقضي بعض حوائج الناس على أيديهم، فهذا النوع هو الذي يسمى كرامات.
القسم الرابع: العون: وهو ما يسديه الله لعباده المؤمنين لا بقيد الولاية الخاصة، فكل مؤمن آمن بالله وصدق برسوله صلى الله عليه وسلم، فإن الله كثيراً ما يعينه على نوائب الحق، فيرزقه من حيث لا يحتسب، وييسر له كثيراً من الأمور التي لم يكن يطمع بها، ولا شك أن كل إنسان منكم في بعض الأحيان يجد تيسيراً لمهمة من المهمات، فتأتيه فجأة وهو لا يطمع بها، وذلك من عون الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين، فيكون خارقاً للعادة، وآتياً من حيث لا يحتسب الإنسان.
أما التي للشر فهي ثلاثة أنواع:
النوع الأول: السحر، والسحر قسمان:
القسم الأول: كلام يعظم به غير الله، وتنسب إليه الكائنات، وهو شرك بالله تعالى، وهو يؤثر تأثيراً تخييلياً، كما حصل لسحرة موسى، فإن الله تعالى: يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى [طه:66].
القسم الثاني: أخلاط وأمزجة يخدمها بعض الخدام من العالم الغيبي من الشياطين أو من غيرهم، وهذه الأخلاط والأمزجة منها العقد والنفث فيها، ومنها كذلك استعمال الأوساخ أو ملابس البشر أو بعض أعضائهم أو أعضاء الحيوانات، وقد سحرن بنات لبيد بن الأعصم رسول الله عليه وسلم في مشاطة ومشط وطلع نخلة ذكر، وعقدن على ذلك إحدى عشرة عقدة بالإبر، ونزل به لبيد بن الأعصم فجعله بين حجرين في أسفل بئر، فأنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم الوحي، وأخبره بمكان وجود السحر، فنزح البئر ثم استخرج السحر، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم المعوذتين على السحر، فكانت فيه إحدى عشرة عقدة، كلما قرأ آية انحلت عقدة، والمعوذتان إحدى عشرة آية، فانحلت العقد كلها وزال السحر، وهذا السحر خارق للعادة مؤثر تأثيراً خاصاً.
النوع الثاني من الخوارق التي هي للشر: الكهانة وهي مخالطة الجن، فإنهم يخلطون العادة للبشر، ويحضرون البعيد، ويسمعون الكلمة من أمر السماء، فيضيفون إليها تسعة وتسعين كذبة، فيغتر الناس بتلك الكلمة الواحدة الصادقة.
النوع الثالث من خوارق العادات هو: الإهانة: وهي ما يجريه الله على يد الكذاب الذي يدعي الرسالة، مما يكون خارقاً، ولكنه مكذب لدعواه كـمسيلمة الكذاب؛ فإنه سمع أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على رأس صبي فلم يشب، فمسحه على رأس صبي فقرع! وسمع أن النبي صلى الله عليه وسلم بصق في بئر كانت ملحاً فصارت عذباً، فبصق في بئر فيبست، فهذا النوع هو تكذيب له؛ لأنه إهانة، ولكنه خارق للعادة، فالبئر عادة لا يمكن أن تيبس بمجرد أن يبصق فيها إنسان عادي، والإنسان لا يقرع بمجرد مسح إنسان عادي على رأسه، لكن هذا الأمر خارق للعادة وهو تكذيب له وهو الذي يسمى إهانة.
والخراقة: كلمة عامية، وأصلها من قصة حصلت في الجاهلية لرجل كذاب، كان يسمى خرافة، زعم أنه ذهب إلى بئر في اليمن فأدلى فيها دلواً، فسمع إنساناً يتكلم في قعر البئر، فقال له: يا صاحب الدلو! ارفع دلوك وإلا دعوت عليك فقال: ادع، فقال: إن كنت رجلاً فصيرك الله امرأة، وإن كنت امرأة فصيرك الله رجلاً، فصار امرأة من حينه، وتزوج وولد ثم عاد إلى تلك البئر، فأدلى فيها دلوه، فقال له ذلك الذي في البئر: يا صاحب الدلو! ارفع دلوك، فقال: لا أرفعه، فقال: إلا دعوت عليك، فقال: ادع، قال: إن كنت رجلاً فصيرك الله امرأة، وإن كنت امرأة فصيرك الله رجلاً، فعاد رجلًا، والعرب يضربون المثل بهذا، فصار كل ما ينكره العقل يسمى خرافة.
والسائل هنا يقول: ما الفرق بين المعجزة والخرافة؟
الخرافة: هي عبارة عن الكذب والدجل، الذي هو من تخييلات النفس والشيطان، وليس له حقيقة ولا واقع.
والله تعالى قد يطلع بعض عباده على بعض عجائب كونه، ويكون ذلك حجة لله على عباده فقط، فإن الله سبحانه وتعالى يبقي من بعض المعجزات ما يدل على صدق الأنبياء بعد موتهم، ومن ذلك سفينة نوح، فإن الله تعالى يقول: وَلَقَد تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [العنكبوت:35].
ونحن لا ندري أين هي، ولكن نعلم أن الله ترك منها آية بينة لقوم يعقلون، وقد اكتشف في عصرنا فوق جبال الهملايا جسم من سفينة غريبة، وعندما بحثت في العلم الحديث وجدوا أنها مضى عليها عدد كبير جداً من القرون، يقال: عشرات القرون، وبعضهم يقول: أربعة وعشرون قرناً، أي: أربعة وعشرون ألف سنة، وبعضهم يقول: أربعة آلاف سنة، وبعضهم يقول أقل من ذلك، وبعضهم يقول أكثر، وآخر ما قيل أنها منذ أربعة آلاف سنة، وقد غطاها الثلج في قمة جبل، فلما ذابت الثلوج ظهرت.
ومن المعلوم أن تلك العصور لا يمكن أن توصل إلى قمة الجبل المرتفع العالي سفينة بهذا الحجم والكبر، فهي مئات الأمتار، وقد تكون هذه هي ما وعد الله به وقد تكون من ذلك.
ومثل ذلك ما حصل لفرعون عندما أدركه الغرق فقال: آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ [يونس:90] قال الله له: أَالآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً[يونس:91-92]، وبدن فرعون ما زال قائماً إلى الآن، وقد شاهدناه وهو موجود بالقاهرة، من ذهب إليه رآه.
وكذلك كشفه لبعض عذاب القبر، فإنه يحصل وكثراً ما يحصل، وقد كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم رجل اسمه محلم بن جثامة، وهو أخو الصحابي المشهور الصعب بن جثامة، وقد قتل رجلاً بعد أن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( اللهم لا تغفر لـمحلم، فمكث ثلاث ليال فمات، فدفنوه فنبذته الأرض بالليل، ثم أعادوا دفنه فنبذته الأرض ثلاثاً، فأمرهم الني صلى الله عليه وسلم أن يجعلوا عليه ردماً من حجارة، وقال: أما إن الأرض لتواري منه شر منه ولكنها آية ).
فالأرض تواري منه شر منه فهو مسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يدع عليه إلا بعدم مغفرة قتله لذلك الرجل، وذلك لا يقتضي كفره هو ولا خلوده في النار، ومع ذلك فالأرض تواري من تواري منه شر منه، فقد وارت جثث المشركين في بدر الذين ألقوا في القليب ولكنها آية.
وكذلك سماع الناس لتعذيب الموتى في قبورهم، فقد ثبت في الصحيح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ذات ليلة في بيته وعنده أصحابه، فسمعوا أصواتاً مروعة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تلك يهود تعذب في قبورها)، فبين لهم أن تلك الأصوات إنما هي أصوات اليهود يعذبون في قبورهم.
وجاء في صحيح البخاري أن ابن عمر سافر في الطريق بين مكة والمدينة، فمر على قبر مشرك، فخرج له صاحب القبر من قبره يقول: يا عبد الله! اسقني، فتبعه رجل، فجره بعنف: يا عبد الله لا تسقه، فقال: ما أدري هل عرف اسمي أم أنها كلمة تقولها العرب (يا عبدالله)، فحُمّ ابن عمر أصابته حمى شديدة من هول ما رأى، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوحدة في السفر بسبب ذلك.
وقد شوهد في كثير من العصور نظير هذا، فقد كان في مصر نباش ينبش القبور، ويسرق الأكفان، فمات قاضٍ من القضاة، وكان معروفاً بالجور والرشوة، فلما دفن فرح النباش به؛ لأنه يرى أن أكفانه ذات ثمن، فلما فتح الجبانة ليأخذ هذا القاضي رآه مسلسلاً في السلاسل، وتلقفته النار، ورأى اللهب يخرج من قبره ومن جثته، ففقد هذا النباش سمعه وبصره في الحال، وأخذته رعدة شديدة استمرت به طيلة عمره، فكان يتكلم، ولكنه لا يسمع ولا يبصر، فالقاضي الذي ولي بعده على مصر كان لا يحكم بين اثنين إلا بحضرة هذا الرجل؛ ليتعظ به، وقد حصل في بلادنا بعض هذا وفي أماكن كثيرة.
السؤال: ما المقصود بشمولية الإسلام؟
الجواب: الشمولية معناها: تغطية جميع جوانب الحياة، فالإسلام نظام شامل؛ نظم الله به حياة الناس وعلاقاتهم بربهم وعلاقاتهم فيما بينهم، ولم يهمل فيه شيئاً؛ ولذلك قال في وصف القرآن: تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ[النحل:89]، فكل ما يحتاج الناس إليه فهو موجود في الإسلام، مما ينظم علاقاتهم بربهم كعقيدتهم وعبادتهم، وما ينظم علاقاتهم فيما بينهم كمعاملاتهم وأخلاقهم، وما ينظم علاقاتهم بأعدائهم كالحرب والسلم والجزية والصلح وغير ذلك، كل ذلك مفصل في الإسلام، ففيه السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة، وفيه خبر من قبلنا، وفصل ما بيننا، وخبر ما يأتي بعدنا، فلم يهمل فيه أي شيء، فما من أمرٍ إلا ولله حكم فيه في هذا القرآن الذي بين أيدينا، وهذه السنة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تبيان للقرآن: ( ألا أني أوتيت القرآن ومثله معه ).
وهذا يقتضي أن يحرص الإنسان على جوانب الإسلام كلها على ذروة سنامه، وهي الجهاد، وعلى أكارعه وأطرافه وعلى شعبه كلها، فكل ذلك من الإسلام؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لـمعاذ لما أرسله لليمن: ( ادعهم إلى كبير الإسلام وصغيره )، مما يدل على أن كل ذلك من الإسلام، وأن الإسلام شامل لهم.
السؤال: بعض الإخوة ينتقد حضور النساء للمسجد، فما حكم تقديم تذكرة للأخوات في المدرسة مع ذكور؟ وما هي ضوابط الاختلاط؟
الجواب: المساجد لله وليست للرجال ولا للنساء، هي بيوت الله سبحانه وتعالى خصها بشرف عبادته وميزها، ولم يجعل عليها سلطاناً لأحد من خلقه، وهي أفضل البقاع وأحبها إلى الله كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أحب البقاع إلى الله مساجدها، وأبغض البقاع إلى الله أسواقها )، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو للصلاة فيها، فيأتيه الرجال والنساء يصلون معه جميعاً، وكان يخطب فيسمعه الرجال والنساء، وكان يعلم، فيعلم الرجال والنساء، لكنه كان ينظم أهلها فكان يقول: ( خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها )، وكان يأمر الرجال ألا ينصرفوا حتى ينصرف النساء، وكان يأمر النساء ألا يرفعن أبصارهن حتى يجلس الرجال في حال السجود؛ لئلا ينكشف عليهن شيء من عورات الرجال، فهن خلف الرجال.
وكن يشهدن كل الصلوات بما فيها صلاة الفجر، كما ثبت عن أمنا عائشة رضي الله عنها: ( إن النساء كن يشهدن الفجر مع النبي صلى الله عليه وسلم، فيرجعن متلفعات بمروطهن، ما يعرفن من الغلس ).
وكان يعلمهن في المسجد وفي غيره، وحتى في المصلى الذي تصلى فيه صلاة العيد والاستسقاء، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بإخراجهن، كما في حديث أم عطية: ( كنا نؤمر بإخراج العواتق والحيض وربات الخدور؛ يشهدن الخير، ويكثرن سواد المسلمين )، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر الحيض أن يعتزلن المصلى، أي: المكان الذي يصلى فيه، فيكن في الطرف بحيث يسمعن الخطبة والموعظة، ويكثرن السواد، ولكن لا يجلسن في مكان يصلى فيه.
ولذلك لا إنكار على النساء في حضورهن المساجد، لكن إذا حضرن فلا بد أن يحضرن بأدب المسجد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وليخرجن إذا خرجن تفلات)، ومعنى (تفلات) غير متعطرات ولا متزينات، وقال: ( أيما امرأة مست طيباً فلا تشهدن معنا العشاء الآخرة )، فهذا يدل على أن النساء لا يمنعن من المساجد، وأنهن يحضرن، لكن لا بد أن يحضرن بأدب المسجد، فلا يتعطرن ولا يتزين في خروجهن ولا يخالطن الرجال.
أما تقديم المرأة تذكرة وموعظة للمدرسات معها وللمدرسين أيضاً، فلا حرج في ذلك، فصوت المرأة ليس بعورة، وتكون متسترة غير متزينة، فتعظ وتذكر كما أمر الله أمهات المؤمنين بذلك: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ[الأحزاب:34].
والعلم المتلقى عن طريق النساء في تاريخنا كثير جداً، والغريب أن أهل الحديث يذكرون أنه لم تأتِ علة لحديث من قبل امرأة إلا من قبل الجهالة! فكثير من الرجال مجروحون وضعفاء، لكن لا تعرف امرأة من رواة الحديث ضعيفة أو مجروحة أبداً أو متروكة أو وضاعة، أي: لا تعرف امرأة جرحت بذلك، ولذلك قال الذهبي رحمه الله في كتاب ميزان الاعتدال في نقد الرجال، بعد أن ذكر ثلاثة آلاف وستمائة رجل تكلم فيهم، قال: (باب ذكر المجهولات والمبهمات ومن لم يسمين، ولا أعلم منهن من جرحت ولا من تركوها)، فلا يعرف في النساء مجروحة ولا متروكة ولا وضاعة ولا كذابة، أي: لا يعرف هذا في النساء اللواتي يروين الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أما الاختلاط المنهي عنه فهو التماس بين الأجانب، يعني: مس الرجال للنساء ومس النساء للرجال، وقرب أنفاس الرجال من النساء، وقرب أنفاس النساء من الرجال، وهذا هو الاختلاط المنهي عنه شرعاً، أما ما سوى ذلك كأن يجتمعن تحت سقف واحد مع الرجال، فلا حرج في هذا، وقد كان في العهد النبوي، وكن يدخلن بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
السؤال: من لم يخرج زكاة الفطر ظناً منه أن أهله أخرجوها عنه، وعلم بعد زمن أنهم لم يخرجوها عنه فماذا عليه؟
الجواب: عليه أن يتصدق بصاع من الطعام، والصاع هو أربعة أمداد، وذلك إن شاء الله تعالى كافٍ؛ لأنه لم يعلم بعدم إخراج أهله عنه.
السؤال: قرية بدوية كانت لا تصلي الجمعة وتقول بعدم وجوبها عليهم، وفيها مسجدان، وبعد ذلك صلوا جمعتين في المسجدين، فما حكم هاتين الجمعتين؟ وأي المسجدين أحق بها؟
الجواب: المسجدان إذا كانا يمتلئان ولم يكونا متقاربين بحيث يخلط أحدهما على الآخر، فلا حرج، فلم يرد نهي عن تعدد الجمع لا في الكتاب ولا في السنة، والجمعة مثل غيرها من الصلوات، كما تحل صلاة الظهر في مسجدين أو ثلاثة أو أربعة في قرية واحدة، كذلك تحل صلاة الجمعة، لكن المقصد الأساسي الشرعي من صلاة الجمعة، جمع الناس وسماعهم للموعظة والذكرى، فإذا كانوا سيتفرقون ويكون هذا مفرقاً لجماعة المسجد الواحد، فلا ينبغي الإقدام عليه، فالمسجد الأول الذي صليت فيه الجمعة يستمر، وإذا لم يكن أرفق للجماعة أو كان في طرف القرية، وكان الآخر في وسطها أو كان أكبر منه أو أوسع، فإنها تنقل إلى المسجد الجديد، ولا حرج في نقلها، فقد كتب عمر رضي الله عنه إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: انظر إلى المسجد الذي بالتمارين فانقله، واجعل بيت المال قبلته، فلم يزل في المسجد مصلٍ.
السؤال: ما حكم من حضرته الصلاة في الحضر، وسافر قبل أن يصلي، هل يصليها قصراً أم تماماً؟
الجواب: نص مالك في الموطأ على أن الرجل إذا سافر بعد أن دخل الوقت، ولم يصل، فإذا صلى الصلاة في وقتها فإنه يصليها قصراً، وإذا صلاها خارج الوقت فإنه يصليها إتماماً؛ لأن العبرة بوقت الوجوب وهو أول الوقت، وكذلك إذا دخل الوقت وهو في السفر فلم يصل الصلاة حتى حضر، فإن حضر في الوقت فإنه يصليها تماماً أربع ركعات، وإن حضر بعد خروج الوقت فإنه يصليها ركعتين على نحو ما وجبت عليه.
السؤال: العلم بحر لا ساحل له فبأي العلم أبدأ؟
الجواب: هذا يختلف باختلاف الأشخاص ومستواهم، واختلاف الظروف، فالإنسان الذي لا يجد إلا متقناً لعلم واحد، فإنه يبدأ بالمتيسر له، ولا ينتظر حتى تتاح له فرصة لا يدري هل تتاح له أم لا، فيبدأ بالمتيسر، وبعض أهل العلم يذكر ترتيباً لذلك كما قال الهلالي: (همه عقائد ثم فروع.. إلخ)، لكن هذا الترتيب لا يسلم، إنما هو باختلاف أحوال الناس وهيئاتهم.
السؤال: أريد نصيحة بخصوص الاستقامة والمداومة على الأعمال الصالحة، ماذا عليّ أن أعمل في وقت الفتور؟
الجواب: الاستقامة هي أهم الكرامة وأعظمها، والله سبحانه وتعالى أمر بها رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ [هود:112].
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( قل: آمنت بالله ثم استقم )، فعلى الإنسان أن يحرص على الاستقامة وأن يكره التذبذب، فأحب العبادة إلى الله أدومها وإن قل، ومما يعين الإنسان على الاستقامة ألا يتشدد ويعمل ما لا يستطيع الاستمرار عليه، فليفعل الإنسان من العبادة ما يستطيع الاستمرار عليه والدوام، وذلك أحب إلى الله سبحانه وتعالى، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيغال بحيث لا يستطيع الإنسان المتابعة، ( دخل على عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها فوجد عندها الحولاء بنت تويت )، وهي امرأة من بني تيم بن مرة من بنات عم أبي بكر ( فقال: من هذه؟ فقالت عائشة: فلانة تذكر من صلاتها وصيامها، فقال: مه، أكلفوا من العمل ما تطيقون ).
ومما يعين الإنسان على تجاوز فتوره وما يصيبه من الخلل في ذلك: صحبة أهل الصلاح والاستقامة، فقد قال الله تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً [الكهف:28]
وكذلك ما يعلي الهمة، فالسعي لإعلاء الإنسان لهمته مما يزيل فتوره ويعينه على الاستقامة.
السؤال: ما حكم استعمال موانع الحمل إذا كانت برضا الزوج؟
الجواب: الموانع المنتشرة المعروفة بين الناس أغلبها فيه أضرار كثيرة، فالحبوب التي يستعملها النساء لها أضرار كثيرة، فهي تؤدي إلى استمرار الاستحاضة، وتؤدي إلى زيادة في الخصوبة بعد انقطاع استعمالها، وعدم انتظام الدورة. والحقن تؤدي إلى نبات الشعر في الوجه وتغير لونه، وهي سبب من أسباب سرطان الثدي. وربط عنق الرحم فيه كشف للعورة في غير ضرورة، إلا إذا كان الطبيب زوجاً، فالزوج طبيب يمكن أن يربط عنق رحم زوجته؛ لأنه يحل له الكشف على جميع أعضائها بخلاف الطبيب الأجنبي.
وهناك بعض الموانع لم يعرف بعد ما فيها من الأضرار، لكنها ليست مثل السابقة، فمثلاً اللولب الذي يوضع في باطن الذراع اليمنى إذا وضعه من يعرف وضعه، فهذا ليس فيه كشف للعورة المغلظة، وليس حقناً ولا حبوباً؛ ولذلك هو أخف موانع الحمل استعمالاً، واذا اضطرت المرأة إليه يمكن أن تستعمله.
السؤال: ما حكم دخول الحمام بالنسبة للنساء؟
الجواب: إذا كان الحمام غير مختلط، فكان مختصاً بالنساء أو كان مختصاً بالرجال، وكان من يدخله يستر ما بين السرة والركبة، بكثيف ساتر، ولا يمسه أحد في هذه المناطق ما بين السرة والركبة، فلا حرج في دخوله، وإذا كان الحمام مختلطاً، أو كان فيه كشف لبعض العورة، أو فيه مس ودلك ولو من فوق ثوب لهذه العورة، فإنه لا يجوز دخوله.
السؤال: ما حكم حلق اللحية؟ مع العلم أن كثيراً من الشباب الذين يعملون للإسلام يفعلون ذلك وبم تنصحونهم؟
الجواب: النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتوفير اللحى، فقال: ( وفروا اللحى )، وقال: ( أرخوا اللحى )، وقال: ( لكن ربي أمرني بإعفاء لحيتي وإحفاء شاربي )، وقد اختلف أهل العلم في هذا الأمر، هل هو للوجوب أم لا؟ فمذهب الجمهور أنه للوجوب، وذهب بعضهم إلى أنه سنة، وعلى كل لم يرَ أحد أنه أنزل من السنة، فلذلك على الشباب أن يوفروا وأن يفعلوا ما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد اختلف في القدر الذي يكون الإنسان فيه ممتثلاً لما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم من التوفير، فذهب بعضهم إلى أنه لا يكون موفراً إلا إذا تركها جميعاً ولم يأخذ منها شئياً، ولكن هذا مخالف للهدي الأول، فقد كان كثير من السلف يأخذون بعضها، كما قال مالك: إنما يؤخذ من اللحية ما قبح وتطاير، وكان ابن عمر وأبو هريرة يقبضان قبضة فيقطعان ويجزان ما زاد على القبضة، وذهب بعضهم إلى أن القبضة هي أقل التوفير، وذهب بعضهم إلى أن التوفير أقله ما يكون الإنسان به ملتحياً ولو شيئاً يسيراً، فمثلاً: إذا وضع المشط ثم جزها من فوقه فإنه على الأقل لم يخالف الأمر، بل وفر شيئاً ولو كان يسيراً، كمن حلف له أن يأكل من طعام فأخذ منه لقمة واحدة فإنه يكون ممتثلاً، وهذا أقل ما يحصل له الامتثال.
السؤال: هل يمكن للزوجة أن تمنع زوجها في أوقات لا يمكن أن تتطهر فيها أو يشق عليها التطهر؟
الجواب: لا، تتيمم حينئذٍ؛ لأن الله جعل لها رخصة في ذلك، ونهاها النبي صلى الله عليه وسلم عن منع زوجها وقال: ( أيما امرأة دعاها زوجها إلى فراشه فامتنعت، فبات عليها ساخطاً، كان الذي فوق السماء عليها ساخطاً )، وفي الحديث الآخر: ( لعنتها الملائكة حتى تصبح )، نسأل الله لهن الهداية والثبات.
السؤال: هل يجوز التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعاء؟
الجواب: الخير كله فيما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أرسله الله إلينا لينقذنا من الضلالة إلى الهدى، وليعلمنا ما ينفعنا، وقد فعل، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة، ولم يعلمنا أن نتوسل به، ولم يأت بذلك من عند الله سبحانه وتعالى، وقد ورد في الإذن بذلك أو السكوت عليه أو اقرار عليه حديث واحد وهو ضعيف، فلا يعتمد عليه، ولذلك لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أي شيء في هذا، ولا يعلم في أدعية النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه ولا أحد من التابعين ولا أحد من أتباعهم شيء من هذه التوسلات التي تسمعونا لدى المتأخرين، وهم قطعاً أرغب في الخير وأحب لله ورسوله، فلو كان ذلك خيراً لسبقونا إليه.
السؤال: كيف الطريق إلى رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام في الدنيا؟
الجواب: الرؤيا في المنام مما يسر ولا يغر، فيحصل للإنسان بها سرور، ولكنها لا تغره، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد يراه الإنسان في المنام فيراه ساخطاً عليه، أو يراه على وجه ليس صورته الحقيقية، كما إذا رآه شيخاً كبيراً أشيب أو رآه أسود، أو رآه على صورة غير صورته، فيكون ذلك نقصاً في الرائي لا في المرئي، وقد قال: ( من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي )، وبالإمكان إذا أحبه الإنسان حباً شديداً أن يراه في المنام، فالذي ينام وهو عطشان يرى الماء، والذي ينام وهو جائع يرى الطعام، والذي يحب شخصاً إذا نام رآه، فبقدر زيادة حب الإنسان للنبي صلى الله عليه وسلم بكثرة تكون رؤيته له غالباً، ومن أسباب ذلك إذا نام الإنسان على طهارة وذكر وقرأ أحاديث من رياض الصالحين مثلاً عن رسول الله صلى الله وسم كثيراً ما يراه في المنام.
السؤال: من هم الأنصار هل هم في موريتانيا؟
الجواب: الأنصار هم الذي آووا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصروه من أهل المدينة، وهم في الأصل أغلبهم من الأوس والخزرج، والأوس والخزرج أبوهما حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن عمرو بن مزيقي بن عامر بن ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس بن كاهل بن مازن بن كهلان بن زيد بن الأزد .
والأزد من القبائل العشرة التي نسبها النبي صلى الله عليه وسلم لـسبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وقحطان هو ابن هود النبي عليه السلام، وهو ابن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح بن لملك بن متوشلح بن أخنوخ بن يارد بن مهلايل بن قينان بن شيث بن آدم، وقد نصر النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة وآواه قبائل أخرى كانت من جيران الأنصار، كانت من جيران الأوس والخزرج كبني بلي وبعض الأحلاف الذين في الأنصار.
وعموماً بقي شرف النصرة للذين سماهم الله الأنصار في القرآن، وهم الأوس والخزرج، الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أثنى الله عليهم بذلك فقال: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:9].
وأثنى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثناءً كثيراً فقال: ( إنهم أدوا ما عليهم، وبقي الذي لهم )، وقال: ( واستوصوا بالأنصار خيراً)، وبين أن (علامة الإيمان حب الأنصار، وعلامة النفاق بغض الأنصار )، وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس يزيدون وأنهم ينقصون، وقد كان الأنصار يكثرون عند الفزع، ويقلون عند الطمع، ومزيتهم في الإسلام كبيرة، ولذلك قال الله تعالى: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ[التوبة:100].
وقد وعدهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يردوا عليه الحوض وقال: ( أما ترضون أن يرجع الناس بالشاة والبعير، وترجعون برسول الله إلى دياركم، المحيا محياكم، والممات مماتكم، ولو سلك الناس شعباً وسلك الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار)، ودعا لهم، وقال: ( لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار )، وهو من المهاجرين، ودعا لذرياتهم من بعدهم فقال: ( اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار )، وكل من كان من ذريتهم فإنه تشمله هذه الدعوة إن شاء الله تعالى.
والسؤال عن من ينتسب الأنصار في بلادنا؟
فالجواب: أنهم ذوو عدد والحمد لله، ففي بلادنا عدد من القبائل التي تنتسب إلى هذه السلالة، فمنها مثلاً: البصاديون الذين هم من ذرية محمد بن صاد، وقد كان جاء من الأندلس، وكان عدد من بني النجار بالأندلس، والراجح أنه هو من بني النجار الذين استقروا بأشبيلية، ثم ذهبوا إلى غرناطة، ثم لما سقطت دخلوا بلاد المغرب ووصلوا إلى هذه البلاد، وكذلك منهم قبيلة تركض فجدهم أيضاً عبد الرحمن بن أبي بكر كان من الأنصار.
وكذلك بعض قبيلة (تاكاض) فهي أيضاً تنتسب إلى هذا النسب الشريف.
السؤال: ما حكم نوم المرأة في المسجد مع العلم أن مسجد الجامعة فيه مكان خاص للنساء؟
الجواب: لا حرج، فقد كان النساء في العهد النبوي ربما نامت إحداهن في المسجد، وكان لبعضهن خباء في المسجد، وكانت هناك امرأة سوداء تقم المسجد وتخدمه، وقد مرضت، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا ماتت أن يؤذنوه، فماتت وهو نائم، فلم يوقظوه وصلوا عليها ودفنوها، فأمرهم أن يدلوه على قبرها، فجاء فصلى عليها، فإذا كانت المرأة تأمن على نفسها كأن يكون عندها نساء، فلا حرج في نومها المسجد، وأما إذا خافت على نفسها فلا يحل لها النوم في المسجد.
السؤال: ما حكم من قال: يجب علينا أن نرد على الدنمارك بإساءتها لنا بأن نرسم رسوماً مشوهة ومستهزئة لزعمائهم؟
الجواب: لا، فالدنمارك فقط أعلنوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن بغضهم وكراهيتهم وتكذيبهم، ونحن نعلن للنبي صلى الله عليه وسلم عن ولائنا ومحبتنا وتصديقنا.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر