إسلام ويب

الوسطية والاعتدالللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من المسلمات عند أهل العلم بالشريعة أن الإسلام دين الوسطية وداعية الاعتدال في جميع مناحي الحياة الدينية والدنيوية، وقد دعا إلى الموازنة بين الحقوق وإعطاء كل ذي حق حقه. والخارجون عن منهج الاعتدال على قسمين: مفرط غالي، ومقصر جاف، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    الدين القيم والمحجة البيضاء

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أعتذر أولاً عن التأخير غير المقصود وأنتم مأجورون إن شاء الله تعالى بجلوسكم ومرابطتكم في المسجد، وقد دخلنا في زحام لم نستطع الخلاص منه إلى وقت مجيئنا، ونسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنكم صالح العمل.

    تعلمون جميعاً أن الله سبحانه وتعالى جعل الدين منهجاً سوياً مستقيماً، وسماه في القرآن: دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ [الأنعام:161].

    وكذلك سماه صراطاً مستقيماً، وقال فيه: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ[الفاتحة:6-7].

    وبينه النبي صلى الله عليه وسلم كذلك بهذا البيان فقال: ( تركتكم على مثل المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ).

    وفي الحديث الآخر: ( مثل ما بعثني الله به كلاحم بين سورين، وفي السورين أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور، وفي كل باب داعٍ يدعو إليه، وفوق السورين مناد الله ينادي: يا عبد الله لا تلج الباب، فإنك إن تلجه لم تخرج منه ).

    وكل هذا يدل على أن المنهج السوي الذي هو صراط الله المرضي عنده جل شأنه، عن يمينه بنيات طريقٍ، وعن شماله بنيات طريق، وهي السبل التي حذر الله من اتباعها، وقال في محكم التنزيل: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:153]، وكلما طال الزمان وكلما اقتربت الساعة، كلما كثرت بنيات الطريق، وكلما كثرت الغواية؛ لأن هذا الزمان الذي نحن فيه هو زمان الفتن، وقد حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن ننتظر فيه أكبر فتنة بين خلق آدم وقيام الساعة، وهي خروج المسيح الدجال الكذاب، فإنه ما بين خلق آدم وقيام الساعة فتنة هي أعظم من فتنة المسيح الدجال ، وما من نبي إلا وقد أنذره قومه وإن نوحاً أنذره قومه.

    الفتن المضلة عن المحجة البيضاء

    وكذلك الفتن التي بين يدي الساعة، وهي كقطع الليل المظلم، تموج موجا، وقد حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين أنه في وقتها يكون المتمسك بدينه كالقابض على الجمر، فإن : (الرجل يصبح فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا )، وفي هذا الحديث دلالة على أن هذه الفتن سواءً منها ما كان من فتن السراء، وما كان من فتن الضراء، تلعب المادة فيه دوراً مهماً جداً؛ لأنه قال: (يبيع دينه بعرض من الدنيا)، فسيشتد إقبال الناس على الدنيا، ورغبتهم فيها، ورغبتهم في الماديات، وتنافسهم فيها، حتى ترى الحفاة العراة، العالة رعاء الشاء فاة العراة يااجيتطاولون في البنيان، وحينئذٍ تكون الدنيا أكبر هم الناس ومبلغ علمهم، ويعرضون عن دين الله سبحانه وتعالى فتأتي الفتن العظيمة، ويخلص الله سبحانه وتعالى الذين يرتضيهم من خلقه، فتنبو الفتن عن قلوبهم لا تمازجهم ولا تخالطهم، يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ[إبراهيم:27].

    طريق السلامة من الفتن

    وطريق السلامة من هذه الفتن والطرق والالتواءات التي عن يمين الطريق وشماله، إنما هي أولاً: بمعرفة الطريق الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله وتعلمه، ثم بعد ذلك بالثبات على الحق، والتمسك به والانطلاق من الدليل والبرهان، قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ[البقرة:111].

    أن يكون الإنسان على بصيرة من أمره وعلى بينة، كما قال أبو عبد الله الإمام مالك بن أنس رحمه الله للرجل الذي جاء يجادله في القدر، قال: (أما أنا فعلى بينة من أمري وأنت شاك، فاذهب إلى شاكٍ مثلك فجادله)، وكما قال الزبيري رحمه الله:

    أأرجع بعدما رجفت عظامي وكان الموت أقرب ما يليني

    فما عوض لنا منهاج جهم بمنهاج ابن آمنة الأمينِ

    صلى الله عليه وسلم.

    ثم بعد ذلك مدارسة هذه الفتن والأهواء ومعرفتها، فإذا لم يعرفها الإنسان أوشك أن يقع فيها دون أن يعرف أنها خطأ.

    1.   

    الوسطية والاعتدال

    فلذلك نحتاج إلى معرفة الطريق السوي الوسط، ومذاكرته ومدارسته دائماً لعل الله يثبتنا عليه، وهذا السبيل يشق طريقاً صعبةً، وهي طريق الإنسان من الدنيا إلى البرزخ، إلى الدار الآخرة، إلى الموقف، ثم بعد ذلك فوق الصراط يعبره فوق متن جهنم حتى يدخله الجنة، فنحتاج إلى أن نعرف أن هذا الطريق سيمر بنا بكثير من المضايق والمشكلات، وأنه أنواع منوعة، فمنها: ما يتعلق بالتعامل مع ربنا جل جلاله في جانب الاعتقاد.

    الوسطية في الإيمان بالغيب والشهادة

    فالاعتقاد الذي يقتنع به الإنسان ويؤمن به، ويربط نياط قلبه عليه، فيه سبيل سوي معتدل، وفيه طرق ذات اليمين وذات الشمال، فالذين يؤمنون بالغيب، ويعلمون أن الله قسم العالم إلى قسمين: إلى عالم غيب، وعالم شهادة، ولا يمكن أن يطلبوا الغيبيات في عالم الشهادة، و لا أن يطلبوا الشهادة في عالم الغيب، بل يعلمون أن بين العالمين برزخاً، وأنه لا يمكن أن يمثل الغيب في شكل الشهادة، يؤمنون به ولا يبحثون عن تجسيده وتشكيله وتجسيمه، لأنهم يعلمون أن هذه الأمور هي من عالم الشهادة وليست من عالم الغيب، كذلك لا يطلبون في عالم الشهادة تأويلاته وتغييبه حتى يكون من عالم الغيب، وتفسيره على غير وجهه، بل ينظرون إلى الظواهر التي هي من عالم الشهادة على وجهها، ويسلمون ويؤمنون بعالم الغيب على وجهه، فلا يهتمون بالكيفيات في أمور الآخرة ولا في صفات الله جل جلاله، ولا يراجعون أنفسهم، هل يستطيع هؤلاء جميعاً أن يمروا فوق الصراط، الذي هو أرق من الشعر، وأحد من السيف، وعليه كلاليب كشوك السعدان، ولا يفكرون في ما لا تدركه عقولهم؛ لأن هذا ليس من تكليفهم، و ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه )، فيؤمنون به ويعلمون أنه هو الحق، لكن يعلمون أن عقولهم وأبصارهم وأسماعهم هي من عالم الشهادة، وعالم الشهادة هو الذي يمكن أن نقيسه بالسمع، والبصر، واللمس، والذوق، والشم، ويمكن أن يكون له أبعاد مقيسة وأعداد وآحاد، واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، خمسة.. إلى مائة إلى ألف، لكن عالم الغيب لا يمكن أن نقيسه بهذه الأبعاد، ليس فيه كيلو مترات، ولا كيلوات، ولا لترات، ولا يمكن أن يقاس بالوحدات الحسابية التي نقيس نحن بها عالم الشهادة.

    الوسطية في الإيمان بالقدر

    وإذا انطلق الإنسان من مبدأ الاستسلام للشرع، فإنه لن يجد نفسه مرغماً على القول بالقدر، أي: بإنكار علم الله السابق بالأشياء، وهذا مذهب القدرية ، ولن يجد نفسه مرغماً على القول بالجبر؛ وهو نسبة جميع الأفعال لله جل جلاله، حسنها وقبيحا تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا، بل يجد نفسه متوسطاً بين الطائفتين، لا هو ينكر قدر الله الذي هو ركن من الإيمان، ويجب الإيمان بخيره وشره، حلوه ومره، ولا هو ينسب الأفعال الخسيسة الخبيثة إلى الله جل جلاله.

    بل يعلم أن الإنسان هو الذي يفعل أفعاله، فإذا فعل فعلاً حسناً فصلى، وصام، وصدق، وقرأ، فهذا فعله هو يثاب عليه، وإذا زنا، وسرق، وكذب، وأكل الربا، فهذا فعله هو أيضاً يعاقب عليه.

    وليس بشيء من بذلك من فعل الله جل جلاله، بل كل ذلك خلق الله لا فعله، والخلق لا يترتب به عليه ثواب ولا عقاب، وإنما يترتب الثواب والعقاب على الفعل لا على الخلق.

    وبذلك نعلم أن هذه الأفعال هي من تصرفاتنا نحن وأفعالنا، فنثاب على حسنها، ونعاقب على سيئها، وأنها من خلق الله، كما نحن من خلقه: خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ[الصافات:96]، فلا يقع في خلقه إلا ما يريد جل جلاله: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ[التكوير:28]، وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ[التكوير:29].

    وبذلك يكون الإنسان الذي يسلك الطريق السوي يعامل الخلق بالشرع، ويعامل الخالق جل جلاله بالشرع كذلك، فما أمره الله به بادر إليه، ولو كان لا يدرك حكمته، فنحن نطوف في البيت الحرام، ونرمي الجمار، ونسعى بين الصفا والمروة، وعقولنا لا يمكن أن تدلنا على أية فائدة في هذا، لا يمكن أن يدرك العقل معنى أن تأخذ حصيات صغيرة وترمي بها حجراً كبيراً، ولا يدرك العقل أن تطوف ببيت سبعة أشواط أن في هذا فائدة، أو أن تسعى بين الصفا والمروة، فهذه أمور غيبيه نؤمن بها ونستسلم لها، ونعملها؛ لأن الله أمرنا بها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله ).

    الوسطية في الموقف من القرآن

    وهكذا فيما يتعلق بالقرآن الكريم، فنحن نعلم أنه كلام الله ليس كلام المخلوقين، وأنه: لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ[فصلت:42].

    ونعلم أنه معجز بلفظه ومعناه، ونعلم أنه تضمن خبر ما قبلنا، وخبر ما بعدنا، وفصل ما بيننا، هو الفصل ليس بالهزل، هو حبل الله المتين، وصراط الله المستقيم، ومن تمسك به عصم، ومن تركه من جبار قصم الله ظهره.

    فلذلك نستمسك به ولا نتفرق عنه ولا نضل عنه، فالناس فيه بين غالين فيه، يتتبعون متشابهه؛ ويريدون أن يضربوا بعضه ببعض، وهؤلاء هم الذين في قلوبهم مرض.

    وبين معرضين عنه، تركوه ظهرياً وراء ظهورهم، وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا[الفرقان:30]، والطائفة الوسط هم الذين يأخذونه ويعلمون أن فيه ما هو محكم، وهو أمه وجمهوره، فيقدمونه على ما فيه من المتشابه، ويردون المتشابه إلى المحكم، ويقولون: كل من عند ربنا، ويؤمنون به جميعا، وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ[آل عمران:7].

    ويعلمون أن ما فيه من القصص والأخبار حق، وأنها لمصلحتنا نحن، ولأخذ الدروس والعبر منها، فما من درس في القرآن ولا مثل إلا فيه لنا كثير من الدروس التي تمر بنا، وإذا هدينا لأخذ العبر منها ففيها منافع كثيرة لنا، ولذلك قال عبد الله بن مبارك رحمه الله: (قصص الصالحين جندٌ من جنود الله يثبت الله بها قلوب عباده)، ومصداق ذلك من القرآن قول الله تعالى: وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ[هود:120].

    ومن هنا فإنهم أيضاً يصدقون بكل ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله، ويعلمون أنه بيان للقرآن، وأنه أوتي القرآن ومثله معه، وأن ما شرع الرسول صلى الله عليه وسلم مثل ما شرع الله، وأن الله ارتضاه لنا، وأمرنا باتباعه، وقال: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ[الأحزاب:21]، وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا[الحشر:7]، وقال: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[النور:63].

    الوسطية في الموقف من الصحابة والصالحين من بعدهم

    وكذلك فيما يتعلق بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن احترامه هو وإحسان الأدب معه يقتضي احترامهم ومحبتهم؛ لأنهم الذي آووه ونصروه وحملوا الدين عنه وجاهدوا معه.

    فلذلك يلزم احترامهم جميعاً نواليهم جميعاً، ولا نعادي أحداً منهم، ولا نلعن أحداً منهم، ونترضى عنهم جميعاً، ونجعلهم سلفاً لنا وأسوةً صالحة لنا جميعاً، ومع ذلك نعلم أنهم غير معصومين، وأن منهم من زنى، ومنهم من سرق، ومنهم من قتل، وهم أولى الناس بمغفرة الله جل جلاله، وبالدخول في شفاعة رسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم الذين جاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، وصحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وكذلك السلف الصالح من بعدهم من علماء الأمة وصالحيها وأوليائها ومجاهديها ودعاتها، فهم جميعاً غير معصومين يقعون بين الخطأ والصواب، ولكنهم قدموا لهذه الأمة ولهذا الدين الشيء الكثير، الذي يرجى أن يكفر الله به سيئاتهم وأن يرفع به درجاتهم.

    فلذلك الطريق السوي في معاملتهم أن ننظر إليهم على أنهم غير معصومين، ومع ذلك نحبهم جميعاً ونواليهم، ونحترمهم، ونقدرهم، ولا يحملنا احترامهم على قبول الخطأ منهم، فنعلم أن الخطأ خطأ ممن صدر، وأن الصواب صواب، وأننا لا نستطيع نفيه ممن صدر، حتى لو كنت تجد في نفسك إنكاراً شديداً على إنسان بسبب ارتكابه لبعض الأخطاء، لا يحملك ذلك على إنكار ما لديه من الحق، وما فيه مما هو مرضات لله جل جلاله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.

    الوسطية في النظر إلى الدنيا والآخرة

    كذلك فإن هذا المنهج السوي يقتضي النظر باعتدال إلى الدنيا والآخرة، فالإنسان له داران: داره التي هو فيها وهي الدنيا وهي مطية الآخرة، وما لم يصحبه من هذه الدار لا يمكن أن يجده، يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ[آل عمران:30].

    والدار الآخرة هي دار القرار، وهي المستقر الدائم الذي لا انقطاع فيه، إما في جنة أو في نار، لكن لا بد من الاعتدال في العمل الدنيوي والأخروي، فلا يمكن أن يجعل الإنسان الدنيا أكبر همه، ومبلغ علمه، فيغرق في أعمالها، حتى يأتيه الموت وهو على ذلك لم يقدم شيئاً لآخرته، ولا يمكن أيضاً أن يبقى هنا في المسجد طيلة عمره يتعبد في أعمال الآخرة، ويترك أمر الدنيا؛ لأن ذلك معصية لله ومخالفة لمنهجه، بل لا بد أن يسعى باعتدال لكسب درهم المعاش وحسنة المعاد، وينظم وقته تنظيماً قويماً، فلا ينسى نصيبه من الحياة الدنيا، ومع ذلك لا يجعلها في قلبه، بل يجعلها في يده كما قال الإمام الغزالي رحمه الله في تعريفه للزهد، قال: الزهد نفض يد القلب عن الدنيا، وإن كانت يد البدن مشغولة بها، فينفض الإنسان يد قلبه عن الدنيا، وإن كانت يد البدن مشغولة بها، فهو يمارس صلاحياته في ما آتاه الله وفيما ولاه عليه، ولكنه لا يتعدى حدود الله، فلا يمكن أن يكتسب من الحرام، ولو كان ذلك بأرباح هائلة؛ لأنه يعلم أنه ينفق، ثم يحرق، ثم ينفق، ثم يحرق، وأنتم تعلمون اليوم أزمة العالم في الاقتصاد، وأن سببها هو الربا ومخالفة منهج الله جل جلاله.

    الوسطية في حقوق العباد

    وهكذا في ما يتعلق بمعاملته لأهله وأدائه لحق نفسه وحقوق جيرانه، فلا بد في ذلك من التوازن كله والاعتدال، فإنه إذا قدم حق والديه مطلقاً، وأهمل حق نفسه، وحق زوجه، وحق أولاده، وحق جيرانه، وحق دعوته، فإنه لا يمكن أن يؤدي حق والديه على ذلك الحال، وهكذا في المقابل أيضاً، إذا أقبل على حقوق أسرته الخاصة، وأهمل حق والديه، وهما أمن الناس عليه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    فذلك إهمال وظلم، فلا بد أن يكون الإنسان معتدلاً في ذلك كله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـعبد الله بن عمرو بن العاص : ( إن لنفسك عليك حقاً، ولعينك عليك حقاً، ولزورك عليك حقاً، ولزوجك عليك حقاً، فآت كل ذي حقٍ حقه ).

    الوسطية في الكسب

    وكذلك في ما يتعلق بالاكتساب أيضاً يبذل الأسباب، ولكن لا يبالغ في بذلها، فلا بد من الإجمال في الطلب، فالذي يريد أن يكون غنياً بين عشية وضحاها، ويبذل كل الأسباب ويتعب نفسه، ويرهقها، لن يحصل إلا على ما كتب له، ولذلك نجد كثيراً من الناس لم يبذلوا كثيراً من الأسباب وكتب الله لهم الغنى، ونجد آخرين بذلوا كل ما يقدرون عليه من الأسباب وماتوا فقراء، فهذا يدل على أن الإنسان يكون معتدلاً في ذلك كله، وأن لا يبالغ فالمبالغة لا خير فيها.

    وهكذا في محبة من يحبه وعداوة من يعاديه.

    ( فأحبب حبيبك هوناً ما، فعسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما، فعسى أن يكون حبيبك يوماً ما ).

    والله تعالى يقول: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ[البقرة:216].

    والإنسان لا يدري متى ينصرف فؤاده عما هو بصدده، فالقلب سمي قلباً لتقلبه، وما أنت فيه اليوم قد تراه باطلاً غداً، وأول ما تعرف به ربك نقض العزائم، فلذلك على الإنسان أن تكون عزيمته في الدين، ونصرته واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم عزيمةً قوية، وأن تكون عزيمته في الدنيا عزيمةً وقتية، والعزيمة الوقتية معناه: ما دمت في هذا العمل خرجت فيه فلا بأس بالعزيمة فيه، لكن مع ذلك لن يأخذ كل وقتي ولا جل اهتمامي، ولن أنصرف إليه بكليتي، بل لا بد أن يكون للقلب رجعة إلى مولاه، وأن يكون للإنسان ساعة يتحرر فيها من الأغيار، ويقبل فيها على الله جل جلاله، فيخلو بالله فيبكي خالياً فتبيض عيناه، حتى يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ولا بد من الأنس بالله جل جلاله في أوقات كثيرة، ولا يمكن أن يدوم الإنسان أيضاً على ذلك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو تدومون على ما تكونون عليه عندي لصافحتكم الملائكة في الطرقات، ولكن ساعة وساعة )، فمصافحة الملائكة في الطرقات تقتضي موتهم؛ لأن هذا لم يعد معهود لأهل الدنيا ولمن يعيش فيها.

    فلذلك قال: (ساعة وساعة) فساعة تقبل فيها على الله وتبكي وتأنس بالله جل جلاله، وتنصرف عن المخلوقين وتهرب منهم، وتارةً أخرى تقبل على المخلوقين وتخالطهم باللتي هي أحسن، وتحسن إلى من استطعت الإحسان إليه منهم، وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا[البقرة:83].

    وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ[الإسراء:53]، من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل، فتقوم بحقهم ما استطعت، ثم بعد ذلك تنصرف أيضاً إلى مولاك، فتستريح من الناس بالإقبال على الله جل جلاله.

    وهكذا في كل شؤون الحياة، فلا بد أن يدرك الإنسان أن هذا المنهج السوي محطاته كثيرة، فما من مجال من مجالات الحياة إلا وفيه توسط، وفيه ميل إلى اليمين وميل وإلى الشمال، فالميل إلى اليمين هو بالإفراط: المبالغة والغلو، والميل إلى الشمال هو بالتفريط والتقصير والنقص، وكلاهما مذموم، وما من فضيله إلا هي بين رذيلتين، فالشجاعة هي بين الجبن والتهور، والجود هو بين البخل والتبذير، وكل فضيلة هي بين رذيلتين دائماً، كما قال الحكيم: (كلا طرفي قصد الأمور ذميم).

    التوسط في النفقة

    ومن هنا فقد سمعتم الآن في آيات سورة الفرقان، قول الله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا[الفرقان:67]، إذا أنفقوا معناه: في أمور الدنيا، سواءً كان ذلك بالعطاء للغير، أو أنفقوا على أنفسهم وعيالهم، وهذا شامل لكل ذلك، وحذف المفعول يدل على العموم، فهنا قال: (أنفقوا)، ولم يأتِ بالجار والمجرور الذي يقيد الإنفاق، هل هو على النفس أو على الأهل أو على الآخرين، أو أعطوا المال للناس، فحذف المفعول مما يدل على العموم: لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا[الفرقان:67]، (لم يسرفوا): والسرف هو المبالغة والمجاوزة، فهو من قبيل الإفراط ذات اليمين.

    (ولم يقتروا) والتقتير هو من باب النقص، فهو من التفريط ذالت الشمال، والمنهج السوي معتدل بين الأمرين، ومثل ذلك في جانب العلم: أن العلم الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم هو عبادة لله وهو شرف، شرف الله به الناس، والناس محتاجون إليه.

    الوسطية والتوازن في العلوم

    العلم كما ذكرنا قربة يتقرب بها إلى الله تعالى، ونحن الآن في جلستنا هذه، قدمناها على ركعتي المغرب مع أن ركعتي المغرب من السنن الموكدات الرواتب، ولكن الإجماع منعقد على أن العلم أفضل من صلاة النافلة، ولذلك لما سئل مالك رحمه الله عن المقرب للقتل الذي لم يبقَ من عمره إلا ساعة في آية طاعة يصرفها، قال: علم ينتفع به، قيل يا أبا عبد الله إنه لا يعمل به قال: تعلمه أفضل من العمل به.

    وقال الشافعي : العلم أفضل من صلاة النافلة، وقد نظم ذلك السيوطي رحمه الله فقال:

    والعلم خير من صلاة النافلة فقد غدا الله برزق كافله

    وإذا عرفنا ذلك فإنه لا بد أن يندرج جميع السالكين لطريق الاستقامة في سلك طلبة العلم، وأن يكون كل إنسان منهم راغباً في التلقي عن الله جل جلاله، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يحرص كل يوم تطلع فيه الشمس على أن يزداد علماً من ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله تعالى، أي يومٍ لا أزداد فيه علماً فلا بورك في طلوع شمس ذلك اليوم، والله تعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا[طه:114].

    لكن مع هذا لا بد من الاعتدال والتوازن في العلوم، فالعلوم كثيرة جداً، ولا يمكن أن يتقصدها الإنسان جميعاً وأن يتقفرها وأن لا يبقي منها وأن لا يذر، بل لا بد أن يأخذ بحظه، والناس متفاوتون في ذلك تفاوتاً عظيما، فيأخذ الإنسان من كل علم ما استطاع الوصول إليه، ودون أن يؤدي ذلك إلى تعطيل واجباته الأخرى، وما يتعلق بدرهم معاشه وحسنة معاده، ولا بد من التوازن بين العلم والعبادة، فيجعل الإنسان جزءً من وقته لعبادة الله بالعبادة الخاصة، وجزءً لتعلمه وزيادته من الفهم عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم.

    الوسطية في الموقف من الفقه والفقهاء

    والعلوم أيضاً لا بد من التوازن والاعتدال فيها، فأنتم تعرفون أن من الناس من يفرط في الفقه، فيجعل كلام غير المعصوم ككلام المعصوم، ويرى أنه ليس فيه أي شيءٍ يمكن رده، ولا تجاوزه، ويرى أن من رد قولاً لفقيه، أو إمام من الأئمة فمعنى ذلك أنه خارج من الملة، أو أنه معتدٍ على الشرع، وفي مقابل هؤلاء تجدون أيضاً المفرطين في الفقه بالكلية، الذين يرون أنه مما يخالف القرآن والسنة، وأنه طاغوت، وأنه من وحي الشيطان، وأنه مخالف لمنهج الله ورسوله، وأن الذي يتبعه ينبذ كتاب الله وسنة رسوله وراء ظهره، وكلا القولين باطل لا أساس له، فالمنهج السوي الوسط، أن الكتاب والسنة هما الدين الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله، وأن الله تعالى جعل الراسخين في العلم من العلماء والمجتهدين والفقهاء هم الذين يتلقون عن الله وعن رسوله، ويفهمون كلامه وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وينزلونه منازله، فكلامهم وفهمهم معتبر محترم شرعاً، لكن لا بد أن نعلم أنهم جميعاً مجتهدون، فمن وصل منهم إلى الصواب عند الله فله أجران، ومن لم يصل إلى الصواب وأخطأ فله أجر، وهو معذور في خطئه، وبهذا لا يمكن أن نعادي أحداً منهم ولا أن نغلو في أقوالهم أيضاً في مقابل ذلك، فلا بد من الاعتدال والتوازن في هذا كله، وأن نعلم أنه يؤخذ منه ويرد، كما قال الإمام مالك رحمه الله: (ما منا أحد إلا راد مردود عليه إلا صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم)، وقال: (ما من أحد إلا يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم)، والرسول صلى الله عليه وسلم، أرسل للناس كافة، فأرسل للعوام، وأرسل للمجتهدين، وأرسل إلى من هو تام العقل، وأرسل إلى من هو دون ذلك، وأرسل للكبار والصغار والعرب والعجم، بل أرسل إلى الجن والإنس.

    فإن عموم رسالته صلى الله عليه وسلم لا يستطيع أحد أن ينكره، وقطعاً ما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا بيان بعد بيانه، فإنه مأمون على وحي الله جل جلاله، وليس بضنينٍ عليه قطعاً، فهو غير ضنين على وحي الله، وقد نشهد جميعاً أنه أدى الأمانة، وأنه نصح للأمة، وأنه بلغ الرسالة، وما من خيرٍ إلا دلنا عليه، وما من شرٍ إلا حذرنا منه، ونعلم أن العلماء أيضاً مأمونون على وحي الله، وهم أمناء الله على وحيه، والله لا يمكن أن يأتمن على وحيه المفلسين، فالله يعلم سرائر النفوس جميعاً، والوحي هو أشرف ما في الأرض، فلا يمكن أن يودعه لدى سارق، فأنت يمكن أن تودع لدى إنسانٍ تظنه أميناً فيتبين سارقاً لصاً.

    لكن الله لا يمكن أن يتغير شيء في علمه، فإذا اختار فلاناً وفلاناً من الناس واختار من كل جيلٍ عدداً من العلماء وأتمنهم على وحيه، وجعلهم موقعين عن رب العالمين، ومفتين عن الله جل جلاله، فذلك يقتضي أن الله عرف في بواطنهم وسرائرهم وأنهم أهل لذلك، فقدمهم على غيرهم، ولذلك لا بد أن نحترمهم وأن نقدرهم بما آتاهم الله سبحانه وتعالى، ونعلم أنهم غير معصومين، ونعلم أن ما يقعون فيه من الخطأ لا يساوي ما نقع نحن فيه، فلدينا نحن من العيوب ما يكفينا، ومن اطلع منا على عيوب نفسه شغلته عيوبه عن عيوب غيره، ولذلك إياس بن معاوية بن قرة رحمه الله وهو من كبار أئمة التابعين ومن الأذكياء المشاهير، سئل: لماذا لا تتكلم في أقرانك من العلماء وترد عليهم؟ فقال: إني لست براضٍ عن نفسي، ولدي من العيوب ما يكفيني، ويشغلني عن عيوبهم، فهو ليس راضياً عن نفسه، ولا يرضى عن نفسه إلا من هو منافق، لا يمكن أن نجد من هو راضٍ عن نفسه، ويعلم أن ما هو فيه صواب مائة بالمائة إلا إذا كان منافقاً.

    فالمنافقون يرضون عن أنفسهم، وعن صلاتهم، وعن عبادتهم، وعن علمهم، ويظنون أن ما هم عليهم هو الحق الذي لا يمكن أن يكون فيه نقص، أما من ليس منافقاً من المؤمنين فهو يرجو ويخاف، ويعلم أنه لو عبد قدر عمر نوح قد لا يتقبل الله منه.

    فلذلك هو يرجو مغفرة الله وعفوه ومسامحته، ويخاف عقابه ومكره ولا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ[الأعراف:99]، وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ[يوسف:87]، قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ[الحجر:56]، فيعيش المؤمن في خط الاعتدال والتوازن بين الرجاء والخوف دائماً؛ لأنه يعلم أن الله سبحانه وتعالى غني عنه وعن عذابه، وأنه لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ[يونس:44].

    ويعلم من نفسه التقصير والتفريط في جنب الله، فهو يعلم من الله ما يؤدي إلى الطمع والرجاء، ويعلم من نفسه ما يؤدي إلى الخوف والخشية، فيبقى سائراً في هذا الطريق المعتدل دائماً، ومثل ذلك في كل إنتاج ينتجه المجتهدون في أي مجال من مجالات العلم في هذه الأمة، فهذه الأمة ليست طبقاً واحداً ولا طوراً واحداً، لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ[الانشقاق:19].

    ولذلك فيها المحسنون السابقون بالخيرات بإذن الله، وفيها المقتصدون الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، وفيها الظالمون لأنفسهم المعفو عنهم والمتجاوز عنهم، وقد قال الله في ذلك: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ[فاطر:32]، جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا[الرعد:23]، وقد قرأت أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق أم عبدالله عائشة رضي الله عنها: هذه الآية من سورة فاطر فقالت: استوة ذه الآية في سورة فاطر ستوت أكتافهم ورب الكعبة، فهم جميعاً موعودون بالجنة، وهم الذين اصطفى الله وهم هذه الأمة أمة محمد صلى الله عليه وسلم أمة الإجابة، الذين رضوا بالله رباً، وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولا.

    الوسطية والاعتدال في الخلف

    ثم بعد ذلك أيضاً لا بد بالخلق من التوازن والاعتدال، فالإنسان إذا كان حلواً يبتلعه الناس، (لا تكن حلواً فتبلع) معناه: إذا كان سائراً في أيدي الناس يتصرفون فيه لن تكون له شخصية ولا قرار في نفسه، وكذلك إذا كان مراً سينبذه الناس، فلا بد أن يكون معتدلاً متوازناً، كما قال الله تعالى: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً [الإسراء:29]، وهذا يقتضي أن يكون الإنسان متوسطاً في خلقه، فالذي ينشغل كل وقته بخدمة الآخرين والدخول في أيديهم ولا تكون له شخصية في نفسه ولا قرار، هذا إمعة تابع لغيره، والذي ينبذ الناس ويحاول الاستقلال بنفسه مطلقاً، وينأى بنفسه عن الناس لا يمكن أن يحسن المخالطة والمعاملة، وهي مهارة تحتاج إلى ذكاء، فالناس لا يمكن أن يرضوا عن الإنسان أبداً، وطلب رضا الناس غاية لا تدرك، لكن إذا عاملهم بمقتضى الشرع، فوقف عند شرع الله، فإنه حينئذٍ سيرضى الله عنه ويرضي عنه الناس، من لزم شرع الله فهو ناجٍ على كل حال.

    الوسطية فيما يتعلق بمعاملة الحكام

    ثم بعد ذلك أيضاً فيما يتعلق بمعاملة الحكام بالخصوص، فإن الناس في هذا الجانب منهم ولاة يرون أن الحاكم مطلقاً حتى لو جار ولو طغى ولو بغى ولو ظلم، مقدس ولا يمكن أن يرد عليه، ويظنون أن كل إنكار لمنكر أو رد لباطلٍ هو خروج، ويرون أن كل حاكم أيضاً هو خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا غلو كبير ومجاوزة للحد، وإعطاء للإنسان ما لا يستحقه ولا يدعيه، فحكام عصرنا مثلاً ليس أحد منهم يدعي أنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقائم بشرع الله والمدافع عن بيضة الإسلام، لا أحد منهم يدعي ذلك، فلا يمكن أن يعطوا ما لا يدعونه أبداً، وأيضاً لا شك أن كثيراً منهم إنما هم خلفاء الاستعمار، فالاستعمار هو الذي أتى بهم، وهم أتوا من غير طواعية للناس ومن غير رضاً منهم، فلذلك لا يمكن أن يعطوا ما لا يستحقونه.

    وبالمقابل أيضاً نجد آخرين يقصرون فيهم، فيرون أن كل حاكم هو كافر, وهو ظالم وهو باغي، وتجب منابذته مطلقاً، وكل من وصل إلى الحكم، أو أعان حاكماً، أو توظف لدى حاكم، فإنهم يتودعون منه بالكلية، ويرون أنه عدو لهم، وهذا خطأ أيضاً في التصور، فالحكام هم بشر مثل غيرهم يخطئون ويصيبون، فيهم الصالحون وفيهم الطالحون، وفيهم المتوسطون، وأعمالهم مكتوبة عند الله، وعليهم ملائكة يحصون عليهم أعمالهم، وما كان منها من حقوق الله المتمحضة إن شاء الله عذب به وإن شاء عفا عنه، وما كان من حقوق الناس فإن الله سيأخذها منهم إن لم يتجاوز عنهم الناس، وإن لم يردوا المظالم قبل الممات، وما كان منها حقاً مشتركاً، فعليهم حقوق كثيرة أكثر من غيرهم، كما قال أمير المؤمنين أبو الحسن علي رضي الله عنه: (ما أنا أحدكم ولكني أثقلكم حملاً)، فهم تحملوا أمانة ومسؤولية أكبر مما يتحمله من سواهم، لكن لا بد في التعامل معهم من هذا التوسط، وأن ننظر إليهم على أنهم بشر يخطئون ويصيبون، وأن من أصاب منهم لا بد من الاعتراف له بصوابه، ومن أراد منهم الخير لا بد من مساعدته على الخير الذي أراده حتى ولو لم يكن خليفة، نحن لا نزعم أنه خليفة، لكن ما دام يريد خيراً نساعده عليه؛ لأنه يجب علينا قصد الخير ومساعدة أهله، ومن أراد منهم الشر والظلم والعدوان يجب علينا منابذته، وإن استطعنا أن نمنعه من ذلك الشر الذي يرده وجب علينا ذلك.

    ولذلك لما سئل الإمام مالك فقيل له: (أرأيت إن كان خليفتنا على حكمه، فجاء رجل يريد أن ينازعه في ملكه، أفندفع عن إمامنا؟ قال: إن كان مثل عمر بن عبد العزيز فادفع عنه، وإلا دعه وما يطلب منه ينتقم الله من الظالم بالظالم ثم ينتقم من كليهما).

    وقال الإمام سحنون بن سعيد رحمه الله لما ذكر هذه القصة قال:) إذا كان الإمام غير عدل، فخرج عليه عدل وجب الخروج معه ليظهر دين الله، وإن كان الإمام غير عدل فخرج عليه عدل وجب الخروج معه؛ ليظهر دين الله، وإن كان الخارج عليه غير عدل وسعك الوقوف، إلا أن يقصد أهلك ومالك فيجب عليك دفعه عنهما، لا يحل لك دفعه عن الظالم).

    وهذا تفصيل لكلام مالك لأنه في منطقة لم يتكلم فيها مالك ، فـمالك تكلم في ما إذا كان الإمام عدلاً والخارج عله غير عدل؛ كان الإمام مثل عمر بن عبد العزيز ، ولن يخرج عليه قطعاً إلا من هو باغٍ ظالم، إذا كان مثل عمر بن عبد العزيز ، أما إذا كان الخارج عدلاً، والمخروج عليه غير عدل فهذه لم يتكلم عليها مالك بالصريح وبالمنطوق، وهي تفهم من كلامه بالمفهوم، وتبقى الصور الأخرى مسكوتاً عنها في كلام الإمام، وفسرها سحنون رحمه الله.

    وقد قال الإمام العز بن عبد السلام رحمه الله: فسق الأئمة يتفاوت، فمن كان فسقه بالاعتداء على الأنفس، فهو أعظم من من فسقه بالاعتداء على الأبضاع، ومن كان فسقه بالاعتداء على الأبضاع فهو أعظم ممن فسقه بالاعتداء على الأموال، فيرتكب أدنى الحرامين وأخف المفسدتين.

    الوسطية في ما يتعلق بالتكفير والتبديع والتفسيق

    ومثل ذلك أيضاً: ما يتعلق بالتكفير والحكم بالتفسيق والتبديع على الناس، فلا بد أن نعلم أن الناس لا بد أن يكون فيهم قضاة يفصلون نزاعهم ويفضون خلافاتهم، ولا يمكن أن يكونوا قضاةً جميعاً، هل يمكن أن يكون كل من في المسجد قضاةً جميعاً، على من يقضون؟ فإذاً لا بد أن نحدد قضاةً لنا، هم الذين يقضون، وأن يترك من سواهم للقضاء فلا شأن له به، والحكم على الأشخاص إنما هو شأن قضائي، فمن ليس منتصباً للقضاء ليس من شأنه هذا.

    نعم من شأنه الشهادة، الناس جميعاً شهود، المسلمون شهود عند الله، فيمكن أن يشهدوا لدى القضاء، لكن لا يمكن أن يقضوا ويحكموا ولا أن يرتبوا ما يترتب على الشهادة من حقوق، أنت إذا شهدت أن فلاناً له على فلان الحق الفلاني، لا تستطيع أن تنزعه منه شرعاً وتعطيه للآخر، ليس هذا من صلاحيتك، لكن لك أن تشهد عند القاضي أن فلاناً له على فلان كذا، فإذاً لا بد أن ننظر بهذه النظرة المعتدلة، وأن نعلم أن الناس فعلاً يكفرون بعد إيمانهم إلا من ثبته الله، وأنهم جميعاً عرضة للكفر والفسوق والعصيان إلا من عصمه الله من ذلك، ولكن التكفير لمن شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأقام الصلوات الخمس إلى جهة القبلة خطر عظيم؛ لأن من صدر منه لا بد أن يؤتى به وبخصمه يوم القيامة، فإما أن تثبت على أحدهما، فإن كان كما قال وإلا حارت عليه، فلذلك لا بد أن يحذر منه المؤمن وأن ينطلق من بينة وأن يكف لسانه عن ما لا علم له به.

    ومثل ذلك التفسيق والتبديع بغير حق، فأنت يا أخي عليك ملائكة يكتبون عليك والآخرون عليهم ملائكة يكتبون عليهم، والله جل جلاله هو الشاهد الذين لا يغيب، وهو أسرع الحاسبين، ولا يحتاج إلى أن تخبره أنت أن فلاناً كافر أو فاسق مبتدع، فهو أدرى بسرائر الأمور، وهو يعلم السر وأخفى: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ[غافر:19]، وانظروا إلى اللفظ هنا في قوله: (وما تخفي الصدور)، فالصدور نفسها خفية، وما فيها خفي، لكنها تخفي شيئاً، فيكون أخفى من ذلك، وكله معلوم عند الله جل جلاله.

    فإذاً لا بد أن يحذر الإنسان من هذا، وأن ينظر إلى الحكام بهذا التوازن وأن ينظر إلى عموم الناس أيضاً بهذا التوازن.

    الوسطية في ما يتعلق بالجانب الاقتصادي

    ثم بعد ذلك أيضاً في ما يتعلق بالجانب الاقتصادي، لا بد أن يأخذ الإنسان بهذه النظرة المعتدلة، فإن كثيراً من الناس يظنون أن الدنيا عدو للإنسان دائماً، وأنه لا بد من التخلص منها والزهادة فيها، ويقولون هذا ويفعلونه في الاكتساب، ولكنهم يجدون أنفسهم مضطرين للدنيا فيسألون الذين يعملون، فهم عطلوا أنفسهم عن الاكتساب والعمل، ومع ذلك لم يستغنوا عن الدنيا وذهبوا إلى أهلها يستجدونهم ويسألونهم، فهؤلاء متناقضون في ما يقولون، فلذلك لا بد من النظرة المعتدلة، أن ينظر الإنسان إلى الدنيا بنظرة معتدلة، فيعلم أن ما يسد واجباته وما يسد رمقه وما يؤدي به ديونه ونفقات أهله من الواجبات التي يجب عليه تحصيلها بالعمل أمر لا بد منه، وأن ما زاد على ذلك هو من ما ينظر فيه إلى حكمه الشرعي، فما أذن الله فيه فتزنه بميزان المصلحة، أيهما أصلح لك أن تأخذ هذا أو أن تدركه؟ وما لم يأذن الله به ليس لك أن تزنه بميزان المصلحة، فكثير من الناس يقدمون ميزان المصلحة على ميزان الشرع، فينظرون إلى ما فيه مصالح دنيوية لهم، فما وجدوا فيه مصلحة دنيوية لم يسألوا عن حكمه أصلاً، وهذا من آثار العلمانية الحديثة، فالعلمانية الحديثة حاولت أن تكسر دوائر في تصور المسلم، فالمسلم العادي في تصوره دوائر: منها أن دائرة تسمى دائرة الحلال، وأن دائرة تسمى دائرة الحرام، وأن دائرة الحرام حجبها الله ومنعها، وأن دائرة الحلال أذن الله فيها، والعلمانية الحديثة كسرت الحاجز بين الدائرتين فخلطتهما، فأصبح كثير من المسلمين ومن شبابهم لا يفرقون بين الحلال والحرام، يقولون: هل هذا فيه مصلحة دنيوية أو ليست فيه؟، فإذا كان فيه مصلحة لم يبالوا هل هو حلال أو حرام، وهكذا دائرة الأسباب أيضاً، فتصور المسلم العادي يعلم أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين، وأنه: مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ[فاطر:2].

    ويعلم أن طلب الأرزاق بالأسباب إنما هو لأنه مأمور بها، والله تعالى يرزق بدون الأسباب ويرزق بالأسباب، وقد قال لمريم بنت عمران : وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا[مريم:25].

    وقد كان ذلك في آخر شهر ديسمبر في وقت شدة البرد، ولا يمكن أن يكون الرطب على رؤوس النخل في ذلك الوقت، وأمرت أن تهز بجذع نخلة يابس وهي امرأة مقرب، ضعيفة، هزها لا يهز النخلة، لكن الله سبحانه وتعالى أراد أن يربط الأسباب بمسبباتها، فقال: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا[مريم:25-26].

    ولهذا فالنظرة المعتدلة إلى الأسباب هي أن التوكل عليها شرك بالله، وأن تركها معصية لله، فأنت تأخذ بالأسباب لأنك مأمور بها، ولكن لا تتوكل عليها؛ لأن التوكل عليها شرك بالله جل جلاله، فأنت تعلم أنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، والطبيب لا يشفي، بل هو يموت بالداء الذي كان يداوي منه.

    وكذلك الأسباب لا تؤدي إلى مسبباتها إلا أن يشاء الله، فأنت تتوكل على الله جل جلاله وحده، وتمارس الأسباب لأنك مأمور بها، ولا ينقص ذلك من إيمانك ولا من توكلك؛ لأنكم تشهدون جميعاً أن أصحاب الكهف مؤمنون؛ لأن الله شهد لهم بذلك، وقال: إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى[الكهف:13] .

    ومع ذلك أعملوا الأسباب فقالوا: فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى المَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا * إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا[الكهف:19-20]، فليس هذا نقصاً في توكلهم على الله، ولا نقصاً في إيمانهم؛ لأن الله شهد لهم بالإيمان وزادهم هدى، زادهم هدىً على ذلك.

    التوسط والاعتدال في ما يتعلق بالوقت

    ثم إن من هذه الأمور كذلك التي يلزم التوسط والاعتدال فيها ما يتعلق بالوقت، فإن كثيراً من الناس يحبون المتعة واللذة والراحة حباً شديداً، فيبالغون فيها ويرون أن حريتهم ينبغي أن تكون مطلقةً، ونجد أن آخرين أيضاً يجدون حتى يكونون من حديد، فيرون أنه لا بد من استغلال الوقت جميعاً، وليس للراحة مكان ولا للمتعة مكان، وكلا الطائفتين جانبت هذا المنهج الصواب المعتدل، فلا بد أن يأخذ الإنسان حظاً لبدنه من راحته، ومن متعته الدنيوية من حلال، ولا بد أن يزهد عن كثيرٍ من ذلك وعن تتبعه، وقد قال الحكيم:

    أفد طبعك المكدود بالجد راحةً يجم وعلله بشيءٍ من المزح

    ولكن إذا أوليته المزح فليكن بمقدار ما يولى الطعام من الملح

    وأنا أحب أن أطيل وأن أجلس إليكم وأنظر إلى وجوهكم ونحن في بيت من بيوت الله، ولكن الوقت لا يسمح فلدينا التزامات أخرى، ولكني أختم بحديث أشرف به وجوهكم بالإسناد المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأحدثكم بما حدثني به جدي محمد علي بن عبد الودود عن يحظيه بن عبد الودود عن محمد بن محمد سالم عن حامد بن عمر عن الفقيه ... الخطاط عن القاضي ... السباعي عن شيخ الشيوخ الفاضل بن الفاضل الحسني عن علي الأجهوري عن البرهاني العلقمي عن جلال الدين السيوطي عن زكريا الأنصاري عن الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني عن إبراهيم التنوخي عن أحمد بن أبي طالب الحجار عن أبي الوقت عبد الأول بن عيسى السجزي عن الحسين بن المبارك عن عبد الرحمن بن محمد الداودي عن عبد الله بن أحمد السرخسي عن محمد بن يوسف بن مطر الفربري عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري قال في صحيحه: حدثنا عبد السلام بن مطهر قال: حدثنا معن ، حدثنا عمر بن علي عن معن بن محمد الغفاري عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه؛ فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة ).

    وبالإسناد السابق إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الدين يسر، ولن يشاد الدين إلا غلبه، فسددوا وقاربوا)، وفي رواية أخرى: (إن الدين يسر، ولن يشاد الدين إلا غلبه، فسددوا وقاربوا، وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة، وشيء من الدلجة).

    اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718743

    عدد مرات الحفظ

    766203916