إسلام ويب

تقويم الله لغزوة أحد [3]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يحاول الكفار ثني المؤمنين وصدهم عن دين الله، وقد حذر الله سبحانه وتعالى من طاعتهم وموالاتهم، وبين عز وجل العاقبة الوخيمة في ذلك وأن هذا خسران للدنيا والآخرة. وطاعة الكفار تكون بموالاتهم وهي أعلى درجات الارتداد عن الدين، وقد تكون بطاعتهم لخوف أو طمع، أو إعجاب بهم، أو تحقيق بعض مآربهم، وكل ذلك حذر الله منه، وبين أن المستحق للطاعة هو الله وحده سبحانه. والمؤمن الحق ثابت في مجال الولاء والبراء، وهناك نماذج كثيرة ومواقف عديدة تبين كره المؤمنين الصادقين للكفر وأهله، ومحبتهم لله سبحانه واعتزازهم بدينه.

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فإن الله سبحانه وتعالى في سوقه لهذه الأحداث وتقويمه لتضحيات المؤمنين، يخلل ذلك بالأوامر والنواهي الموجهة إليهم؛ لبيان أن هذه الأحداث وما يقع في التاريخ من العبر والأمور، كلها ينبغي أن يأخذ منهما المؤمنون عبرة ودروسًا لمستقبلهم، ولتجارب حياتهم.

    وينبغي أن يربطوا ذلك كله بالربانية والاتصال بالله سبحانه وتعالى؛ لعلمهم أن الأسباب لا تأثير لها في شيء من الكائنات، وإنما يقع ما أراده الله سبحانه وتعالى على نحو ما أراد، فلذلك يقدر من الأسباب ما شاء، ويرتب عليها من الأحداث ما شاء، ومن هنا قال في هذا المقطع:

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ[آل عمران:149]، وهذا بيان لقاعدة عامة في سير المؤمنين في كل أمورهم، فالفشل والخلل إنما يقع للمسلمين إذا أطاعوا الكافرين، أو تقربوا إليهم بالتنازل عن مبادئهم، أو تركوا بعض ما أمرهم الله به خوفًا من الكافرين، أو طمعًا فيما عندهم، فلا يمكن أن يقع ذلك إلا ترتبت عليه أحداث عظيمة، ومحن تضر بهذه الأمة، فلذلك ناداهم، وربط هذا النداء بالإيمان الذي هو الدافع العقدي الذي يدفعهم إلى التضحية والبذل، فقال: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)).

    ثم ربط هذا الأمر بالشرط المشكك، فإن (إن)- كما سبق للمشكوك فيه؛ أي: أن ذلك مستغرب أن يقع من المؤمنين، وهو طاعتهم للكافرين، كيف يطيعونهم في مقابل طاعتهم لله؟! فالطاعة إنما تكون على أساس الخوف، أو الطمع، أو المحبة، وهذه الثلاثة كلها منقطعة بالنسبة للكفار.

    فالمؤمنون يعلمون أن الكفار لا يملكون لهم ولا لغيرهم نفعًا ولا ضرًّا ولا حياةً ولا موتًا ولا نشورًا، ويعلمون أنهم لو كان لديهم نفع لبدءوا به بأنفسهم، ولا يحبونهم؛ لأنهم يعادونهم في الدين، فكل ذلك يقتضي منهم عدم طاعتهم، فلهذا قال: إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا[آل عمران:149].

    وهذه الطاعة جاءت بصيغة الفعل الذي يقتضي الإطلاق، فهو يشمل الطاعة في القليل والكثير، فطاعتهم بالامتثال لما يأمرون به ويخططونه، حتى لو كان ذلك أمرًا يسيرًا مدعاة للهزيمة والمذلة في المؤمنين.

    ولهذا فإن الكفار قد يأمرون بأمر يسير، ولا يترتب عليه في الظاهر كبير خلل، ولكن من سنة الله تعالى أنهم إذا أطاعهم المؤمنون فيه، جاءت نكبة من عند الله تعالى تصيب المؤمنين؛ لتنبيههم على الخطأ الذي وقعوا فيه، وعلى الخطر الذي ينتظرهم إذا استمروا على هذا الطريق، وهو طاعة الكافرين، فلذلك قال: إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا[آل عمران:149].

    والطاعة: هي امتثال ما يأمرون به، أو اجتناب ما ينهون عنه، والطاعة امتثال أو اجتناب، فلا يدخل في ذلك مجرد العلاقة التي تقع بين الوالد وولده، أو بين الجار وجاره، أو بين الشريك وشريكه، فكل ذلك لا يدخل في الطاعة المنهي عنها هنا، فإنما الطاعة بامتثال الأوامر واجتناب النواهي في مقابل طاعة الله سبحانه وتعالى: إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا[آل عمران:149].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088777854

    عدد مرات الحفظ

    778962342