بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعثه ربه رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فقد سبق أن تحدثنا عن مفهوم الدعوة إلى الله خصائصها ومميزاتها وأسسها وضوابطها وسنتحدث -بحول الله- عن بعض وسائل الدعوة إلى الله، كما في قوله تعالى في سورة النحل: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ[النحل:125] ، فلنأخذ من هذه الآية نبراساً نهتدي به إلى ما نقول، والله الموفق في القول والعمل.
هذه الآية من أجمع ما ورد في كيفية الدعوة إلى الله وأساليبها، وقد نزلت في مكة في وقت الأمر بمهادنة قريش، وقد اختلف العلماء هل هي محكمة أم منسوخة بالآيات التي توجب قتال المشركين أينما ثقفوا، وقد ذهب ابن عطية في تفسيره إلى الجمع بين القولين -أي: إلى التفصيل- حيث يقول ويظهر لي أن الاقتصار على هذه الحال -أي: حال اللين والرفق في الدعوة إلى الإسلام، وألا تتعدى مع الكفرة متى احتيج إلى المخاشنة- هو منسوخ لا محالة، وأما من أمكنت معه هذه الأحوال من الكفرة ورجي إيمانه بها دون قتال فهي محكمة في حقه إلى يوم القيامة، وأيضاً فهي محكمة في جهة العصاة، فهكذا ينبغي أن يوعظ المسلمون إلى يوم القيامة.
ويؤكد القرطبي نفس المعنى حيث يقول: هذه الآية نزلت بمكة وقت الأمر بمهادنة قريش، وقد أمر الله رسوله أن يدعو إلى الله وشرعه بتلطف ولين دون مخاشنة وتعنيف، وهكذا ينبغي أن يوعظ المسلمون إلى يوم القيامة، فهي محكمة في جهة العصاة الموحدين، ومنسوخة في بالقتال في حق الكافرين، وقد قيل -والكلام ما زال للقرطبي-: إن من أمكنت معه هذه الأحوال من الكفار ورجي إيمانه بها دون قتال فهي فيه محكمة.
وكلام هذين الإمامين يقرر بوضوح لا لبس فيه أن الأصل في الدعوة إلى الله أن تكون بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، وأن هذا الأسلوب مطلوب في حق الكفار، ولا يعدل عنه إلا إذا لم يجد في حقهم شيء، وأنه متعين في حق عصاة المسلمين والغادرين منهم، ويمنع الشارع العدول عنه إلا في حالات استثنائية محصورة محدودة كقتال الفئة الباغية، ففي القرآن آيات كثيرة تبيح للمؤمنين التعامل مع الكفار الذين لم يقاتلوهم في الدين ولم يخرجوهم من ديارهم، كقوله تعالى: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ[الممتحنة:8-9].
وفيه أمر -أي: في القرآن- للنبي صلى الله عليه وسلم بمنح الجوار لمن استجاره من المشركين، وإسماعه كلام الله، ثم إبلاغه مأمنه: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ[التوبة:6] ، والبر، والقسط، والجوار، والوفاء بالعهد إلى مدته كلها أساليب دعوية فعالة لما تتركه من أثر إيجابي في نفوس المدعوين، وقد أدت في كثير من الأحيان إلى دفع أعداء الإسلام إلى اعتناق الإسلام والإيمان والدفاع عنه بعدما كانوا من ألد أعدائه، فقد نقل ابن القيم أن الذين استثناهم الله وأمر بالوفاء لهم بعهدهم قد دخلوا في الإسلام قبل أن تنقضي مدة عهدهم، وأن الذين تركوا ليسيحوا في الأرض أربعة أشهر لم يسيحوا في الأرض، وإنما أسلموا، ولا يعارض -أيها الأخ الحبيب- إعمال هذه الآية ما جاء من الأمر بقتال المشركين حيث وجدوا وترصدهم وحصارهم، فالجهاد ماض إلى يوم القيامة، وهو مشروع لتحرير البشرية من العبودية للعباد، وتعبيدها لرب العباد، وإزالة كل قوة تقف في وجه ذلك وإيقافها عند حدودها، ولا يقف الإسلام عند تحدي الدفاع عن أرض الإسلام كما بين ذلك بعض المسلمين خطأ واقعين تحت تأثير دعايات أعداء الله.
يقول سيد قطب رحمه الله عند قوله تعالى: فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ[التوبة:5] ، يقول: إنه مع هذه الحرب المعلنة على المشركين كافة بعد انسلاخ الأشهر الأربعة يظل الإسلام على سماحته وجديته وواقعيته كذلك، فهو لا يعلنها حرب إبادة، وإنما هي حرب هداية متى أمكن ذلك.
فالمشركون الأفراد الذين لا يجمعهم تجمع جاهلي يتعرض للإسلام ويتصدى له يكفل لهم الإسلام في دار الإسلام الأمن، ويأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يجيرهم حتى يبلغوا مأمنهم، هذا كله وهم مشركون: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ[التوبة:6] .
إن هذا يعني أن الإسلام حريص على كل قلب بشري أن يهتدي وأن يثوب، وأن المشركين الذين يطلبون الجوار والأمان في دار الإسلام يجب أن يعطوا الجوار والأمان، ذلك أنه في هذه الحالة أمن الإسلام حربهم وتجمعهم وتألبهم عليه، فلا ضير إذن من إعطائهم فرصة سماع القرآن ومعرفة هذا الدين؛ لعل قلوبهم أن تتفتح وتتلقى وتستجيب، وحتى إذا لم تستجب فقد أوجب الله لهم على أهل دار الإسلام أن يحرسوهم بعد إخراجهم حتى يبلغوا بلداً يأمنون فيه على أنفسهم.
ولقد كانت قمة عالية تلك الإجارة والأمان الذي منحه الإسلام لهم في دار الإسلام، ولكن قمم الإسلام الصاعدة ما تزال تتراءى قمة بعد قمة، وهذه هي قمة من قممها، هذه الحراسة للمشرك عدو الإسلام والمسلمين ممن آذى المسلمين وفتنهم وعاداهم هذه السنين! هذه الحراسة له حتى يبلغ مأمنه خارج حدود دار الإسلام، إنه منهج الهداية لا منهج الإبادة.
والذين يتحدثون عن الجهاد في الإسلام فيصمونه بأنه كان لإكراه الناس على الاعتقاد، والذين يحملونهم هذا الاتهام ممن يقفون بالدين موقف الدفاع، فيروحون يدفعون هذه التهمة بأن الإسلام لا يقاتل إلا دفاعاً عن أهله في حدوده الإقليمية! هؤلاء وهؤلاء في حاجة إلى أن يتطلعوا إلى تلك القمة العالية التي يمثلها هذا التوجيه الكريم.
فهذا الدين إعلام لمن يعلمون، وإشارة لمن يستشيرون، حتى من أعدائه الذين شهروا عليه السيف وحاربوه وعاندوه، ولكنه إنما يجاهد بالسيف ليحطم القوى المادية التي تحول بين الأفراد وسماع كلام الله، وتحول بينهم وبين العلم بما أنزل الله؛ فتحول بينهم وبين الهدى، كما تحول بينهم وبين التحرر من عبادة العبيد وتربطهم برب العبيد، والتي تحول بينهم وعبادة رب العبيد وتلجئهم إلى عبادة العبيد، ومتى حطم الإسلام هذه القوى وأزال هذه العقبات فالأفراد -على عقيدتهم- آمنون في كنفه، يعلمهم ولا يرهبهم، ويجيرهم ولا يقتلهم، ثم يحرسهم ويكفلهم حتى يبلغوا مأمنهم، هذا كله وهم يرفضون منهج الله! انتهى الاستشهاد.
ولزوم أحكام هذه الآية -أي: الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة- والجدال بالتي هي أحسن.. لزوم أحكامها في حق الغافلين من المسلمين وعصاتهم -إلا في حالات استثنائية محصورة كما ذكرنا- أمر واضح بين، فقد أمر القرآن المسلمين بالاعتصام بحبل الله جميعاً واجتناب الفرقة، ونهاهم عن التنازع والافتراق فقال: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا[آل عمران:103] ، وقال: وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ[الأنفال:46] ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث)، متفق عليه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً كما أمركم، المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره)، أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يرجعوا بعده كفاراً يضرب بعضهم رقاب بعض، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر) متفق عليه.
بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يذهب إلى أبعد من ذلك حين ينهى عن الإشارة إلى المسلم بسلاح ونحوه ولو مزاحاً، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يشير أحدكم إلى أخيه بالسلاح؛ فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يديه، فيقع في حفرة من النار) متفق عليه، وفي رواية لـمسلم: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: (من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى ينزع، وإن كان أخاه لأبيه وأمه)، وروى النسائي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قتل المؤمن عند الله أعظم من زوال الدنيا).
وقد حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم في خطبة حجة الوداع، وكانت من آخر خطبه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ودع الناس فيها، ولقد نال المسلمين في ماضيهم من قريب وفي حاضرهم إلى اليوم نكبات كثيرة من جراء التفريط في هذا الأمر، وعندما أصبح التدريس خارج المسجد أصبح فيه ما نرى من المناهج المنحرفة، ومن الأساتذة الذين هم أولى بأن يتعلموا؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
وكذلك كان المسجد بيت مال المسلمين، كما كتب عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص : وانظر إلى المسجد الذي في التمارين فانقله واجعل بيت المال في قبلته، فلن يزال بالمسجد مصل.
وكذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبسط البسط في مؤخرة المسجد في الليالي الأخيرة من رمضان، فيأتي الناس بالصدقات، فيكلف بها من يحرسها حتى يوزعها يوم العيد.
فعندما انتقل بيت المال من المسجد طالته أيدي الفجرة والطغاة والظلمة، وانتزعوا أموال المسلمين، وغلبوا على حقوقهم، فأخذوا المال من غير حله، ووضعوه في غير محله.
وكذلك كان المسجد محل السجن لدى المسلمين، فهو الذي يصلح الناس فيه، وهو لا يقصد به التشفي والأذى، وإنما يقصد به استصلاح الناس، فقد ربط أبو لبابة رضي الله عنه نفسه في سارية المسجد حين أفشى سر النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليهود، وربط النبي صلى الله عليه وسلم ثمامة بن أثال في سارية من سواري المسجد، وحين أتى علي بن أبي طالب رضي الله عنه بسبي بني طيء أنزله النبي صلى الله عليه وسلم بالمسجد، فكان يمر على سفانة بنت حاتم فتقول: يا رسول الله! مات الوالد وغاب الوافد. فيقول: من والدك؟ فتقول: حاتم بن عبد الله الطائي فيقول من وافدك؟ فتقول: عدي بن حاتم ، فيقول: الفار من الله ورسوله؟! ويتجاوزها، حتى مر بها ذات يوم فقالت: يا رسول الله! امنن عليّ منّ الله عليك ولا جعل لك إلى لئيم حاجة. فما تعداها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى منّ عليها، فذهبت فأتت بـعدي مسلماً، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه، ولم يزل يبتسم في وجهه بعد ذلك كلما دخل عليه.
فعندما انتقلت السجون من المساجد أصبحت مدارس لتعليم الإجرام وأذى الآخرين، وأصبح فيها من أنواع أذى عباد الله ما لا يخطر ببال.
فمن الحكمة في استغلال النفس وإعادتها لمكانتها التدرج، وأن تكون إعادتها لذلك أمراً جماعياً يعتاد عليه أهل المسجد، وأن لا يكون قراراً من الإمام أو من أفراد يمثلون جماعة المسجد، فلابد أن يشارك أهل المسجد جميعاً في ذلك حتى يعود المسجد مؤسسة إسلامية كبرى كما كان في زمان النبي صلى الله عليه وسلم.
إن ما نذكره من مظاهر الحكمة كله يدخل في المجال النظري، أما المجال التطبيقي فيحتاج الإنسان فيه إلى تدريب وتعويد، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بمدة زمنية، فإذا أردت -يا عبد الله- أن تدعو نفسك إلى الصدق فاكتب آيات الصدق وأحاديثه في ورقة واجعلها في جيبك، وراجعها بين الفينة والأخرى، وألزم نفسك بالصدق طيلة أسبوع كامل؛ لأنك إذا قلت لها بأن تلتزم طيلة العمر فلن تستجيب لك.
لكن إذا قلت لها: سأحاول الصدق مدة أسبوع فتستجيب لك، فإذا مضى أسبوع وقد استطاعت نفسك الإقلاع عن الكذب فقل لها: إنما أنت مخادعة، وأنت تستطيعين الصبر عن الكذب مدة الحياة، فقد صبرت أسبوعاً كاملاً عن الكذب. وهكذا إذا أردت الإقلاع عن الغيبة فاكتب آيات الغيبة وأحاديثها في ورقة واجعلها في جيبك، ثم راجعها بين الفينة والأخرى، ثم اجعل لنفسك أسبوعاً لا تسمع فيه غيبة ولا تشارك فيها ولا تنطق بها، فإذا نجحت في ذلك عاتب نفسك بهذا العتاب.
وكذلك في التعود على الاستغناء بالله عمن سواه، فإذا أردت أن تعود نفسك ألا تسأل أحداً حاجة إلا الله فاكتب الآيات المتعلقة بذلك والأحاديث المتعلقة به، وراجعها بين الفينة والأخرى، وأدب نفسك بذلك أسبوعاً أو أسبوعين، ثم إذا نجحت فيه فقاض نفسك إلى ضميرك، وقل: قد نجحت في ذلك أسبوعاً أو أسبوعين فلم العناد؟ ولهذا بايع النبي صلى الله عليه وسلم عشرة من أصحابه على أن لا يسألوا أحداً شيئاً، فكانوا بعد ذلك إذا وقعت عصا أحدهم وهو راكب لم يأمر أحداً أن يناوله عصاه، بل ينزل حتى يأخذ عصاه.
ولذلك أخرج البخاري في الصحيح عن عمرو بن تغلب رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إني لأعطي أقواماً خشية أن يكبهم الله على وجوههم في النار، وأكل آخرين إلى ما جعل الله في قلوبهم من الإيمان، منهم عمرو بن تغلب. قال عمرو : فقال كلمة ما أود لو أن لي بها حمر النعم).
وكان عمرو لا يسأل أحد شيئاً، وكذلك حكيم بن حزام عندما سأل النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه، ثم سأله فأعطاه، ثم سأله فأعطاه، فقال له بعد أن ابتسم النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه: (إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بحقه بورك له فيه، ومن لم يأخذه بحقه كان كالذي يأكل ولا يشبع. قال حكيم : والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحداً بعدك شيئاً. فكان بعد ذلك لا يأخذ هدية ولا عطية من أحد)، حتى إن عمر كان يدعوه ليأخذ حظه من بيت المال فيمتنع، فيشهد عليه الشهود أنه قد أعطاه نصيبه من بيت المال فتركه، فلابد أن يتعود الإنسان على هذا تطبيقياً في نفسه.
ثم كذلك في التعاون مع الأهل، فإذا أردت أن لا تغضب، وأن تمتثل وصية النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك في قوله: (لا تغضب) فاكتب أحاديث الغضب واجعلها في ورقة في جيبك، وطبقها على أهلك.
وإذا أردت التخلق بخلق النبي الكريم الذي قال الله فيه: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ[القلم:4] فابدأ بأمر يسير جداً، وهو أنه إن كان سائق أو خادم في البيت أو عامل في المكتب أو المتجر أو غير ذلك فحاول أن لا تقول له لشيء فعله: لم فعلت؟ ولا لشيء تركه: لم تركته؟ فهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال أنس : (خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي لشيء فعلته: لم فعلت، ولا لشيء تركته: لم تركت)، ثم إذا نجحت في هذه التجربة في نفسك فحاول أن تطبقها على الآخرين فقد أصبحت أستاذاً في الدعوة، حاول أن تطبقها على الآخرين فقد أصبح في زماننا هذا علم متطور يدعى (علم النفس الدعوي) يدرس في الكليات، يعرف به الإنسان الأسلوب المؤثر، ويختار به الأساليب التي يستجيب لها الناس، ويستطيع به تقييد التجارب النافعة من حياته هو وحياة من يخالطهم من الناس، ومن عرف هذا العلم لم يخل وقت من أوقاته من درس يستفيده، فما من أحد يلحظه إلا تعلم منه درساً إما أن يكون درساً إيجابياً وإما أن يكون سلبياً، فإن رآه فعل أمراً محموداً تعلم منه درساً إيجابياً، وإن رآه فعل أمراً مذموماً تعلم منه درساً سلبياً فبادره بالترك، ولذلك فإن أنبياء الله عليهم السلام كانوا يستفيدون هذه الدروس حتى من البهائم، فنبي الله سليمان عليه السلام استفاد من نصيحة الهدهد الذي قال له: أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ[النمل:22] ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتدرون ماذا قال هذا الطائر؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: فإنه يقول: أكلت نصف تمرة، فعلى الدنيا العفاء)، فالدنيا كلها عليها الغبار، فائدتها أن يأكل الإنسان ما يغنيه.
كذلك رأى النبي صلى الله عليه وسلم امرأة تجري في السبي تبحث عن ولدها حتى وجدته فألصقته ببطنها وألقمته ثديها، فقال: (أترون هذه ملقية ولدها في النار؟ قالوا: لا. قال: فالله أشد رحمة بعبده المؤمن من هذه بولدها).
إن هذا المقام إذا وصله الإنسان أصبح أستاذاً يمكن أن يستملي الدروس من تلقاء كل ما ينظر إليه، فالنبي صلى الله عليه وسلم أخذ هذا الدرس من هذه المرأة التي تجري تبحث في السبي عن ولدها.
وسار ذات يوم -بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم- في طريقه بين المسجد والبقيع، فمر بسوق بني قينقاع، فرأى جدياً أسك ميتاً مرمياً فقال: (من يشتري مني هذا الجدي -والناس في السوق يقبلون على التبايع ويجمعون الدراهم والدنانير-؟ فقالوا: يا رسول الله! لو لم يكن ميتاً لكان عيباً أنه أسك! فقال: من يشتريه بأربعة دراهم؟ فقالوا: لا أحد يشتريه بذلك؛ إنه أسك صغير الأذنين ميت)، جيفة.. فلا أحد يشتريه بذلك، فجعله مثلاً للدنيا، وبين لهم حرص أهلها عليها، وأنهم إنما يتنافسون على الجدي، فهذه الأساليب المؤثرة هي التي تعلمها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منه بعد ذلك.
فقد مر أبو هريرة بالسوق، فإذا الناس قد انقطعوا في البيع عند مجيء البضائع، وغفلوا عن أنفسهم من شدة حرصهم على الربح، فصاح فيهم: يا أهل السوق! قد حرمتم نصيبكم من ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم. فاجتمعوا إليه حينما قال هذه الكلمة المؤثرة، فقال: قد تركت ميراث النبي صلى الله عليه وسلم يقسم الآن في المسجد، فأدركوا نصيبكم منه. قالوا: من يرعى لنا تجارتنا؟ فقال: أنا أرعاها لكم حتى ترجعون. فخرج التجار يشتدون عدواً ويتسابقون إلى المسجد فدخلوا، فما رأوا إلا حلق العلم، فرجعوا فقالوا: ما رأينا إلا حلق العلم. فقال: هو ذاكم، هذا ميراث النبي صلى الله عليه وسلم.
فهذه الراحة اليسيرة التي أقبل فيها التجار إلى المسجد وخرجوا بنية صادقة يريدون نصيبهم من ميراث النبي صلى الله عليه وسلم كانت راحة لهم من الانغماس في الدنيا بالبيع والشراء، أراحهم بها أبو هريرة رضي الله عنهم وقطعهم عن ذلك الإقبال الشديد والانهماك في الدنيا.
ونظير هذا قول إبراهيم عليه السلام: إِنِّي سَقِيمٌ[الصافات:89] ، فهو مقتض أن يحصل على الرحمة من أقاربه وذويه الذين يكذبونه ولا يرضون باستجابة دعوته.
ومن هذه التطبيقات ما حصل لرجل من الدعاة، فقد أعد برنامجاً دعوياً لمجموعة من الشباب، فقال: سنأخذ شهرين في الجانب النظري وأربعة أشهر في الجانب التطبيقي. فطال عليهم الجانب التطبيقي، فلما أكملوا الجانب النظري قال له أحد الشباب: أما أنا فلا أحتاج إلى التطبيق فسأطبق بنفسي. فقال: أحسنت وبارك الله فيك، اذهب واستعن بالله. فخرج -وكان اليوم يوم الجمعة- فدخل مسجداً لصلاة الجمعة، فقام الخطيب على المنبر، فافتتح خطبته بحديثٍ موضوعٍ طويل، فأطاله الرجل طولاً عجيباً لم يصبر عليه الشاب، فوقف في أثناء الخطبة يصيح ويقول: أخرجوا هذا الإمام من مسجدكم؛ فهو كذاب وضاع يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قال عليّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار)، وقال: (إن كذباً عليّ ليس ككذب على أحد)، و(من قال علي ما لم أقل فليلج النار)، وقال: (من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)، فقال الإمام: أخرجوا هذا من هذا المسجد. فقام الناس عليه وأشبعوه ضرباً وأخرجوه من المسجد.
فعاد حزيناً كئيباً إلى الشيخ فشكا إليه ما لقي من هؤلاء القوم في المسجد، وأن جوابهم لم يكن جواباً علمياً ولم يكن بالبرهان، وإنما كان بالعصا، فقال له الشيخ: اصبر يا بني عليهم أسبوعاً، فإذا كانت الجمعة القابلة فسنذهب ونطبق بعض الدروس التي سمعتها في هذا المسجد. فقبل الشاب ذلك مرغماً، فلما كان يوم الجمعة الآخر خرج الشيخ وطلابه إلى المسجد، فجاؤوا مبكرين، وأخذوا مقابل ظهر الإمام وجلسوا يذكرون الله، فصعد الإمام المنبر فبدأ خطبته بنفس الحديث الذي خطب به في المرة الماضية، وأخذ عليه الشيخ ووجد في نفسه تعصباً على هذا الحديث، فسكت الشيخ وهو يقلب رأسه كالمعجب بذلك، ولا يفعل ذلك إلا متعجباً لا معجباً به، فلما سلم الإمام تقدم الشيخ إليه، وسلم عليه تسليماً مبالغاً في احترامه، ثم وقف فأراد أن يتقدم فقدم إليه الإمام الميكرفون؛ لأنه عرف أنه سيثني عليه، فقال: أيها الناس! إن إمامكم هذا رجل مبارك، فمن أراد البركة وغفران الذنوب فلينتف شعرات من لحيته. فاجتمع عليه أهل المسجد حتى نتفوا لحيته، وما تركوه حتى سال الدم من لحيته، فاقترب إليه الشيخ فوضع يده على كتفه وقال: هل يكفيك هذا تأديباً على وضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فعرف الشاب أنه ما زال محتاجاً إلى التطبيق العملي.
ومما يقابل هذا أن إماماً من الأئمة جاءه شاب يحمل شهادة - أظنها شهادة في الشريعة- وهو يحفظ القرآن، ويرى أنه أحق بالإمامة من الإمام، ومعه أوراق رسمية كأنه معين من جهة حكومية ليتولى إمامة المسجد، فتقدم وأخذ أوراقه ووقف إلى جانب الإمام، ففهم الإمام قصده، فقال له: تأخر شفاك الله. فسمع الناس هذا الدعاء -وهو قوله: شفاك الله- فظنوا أنه يعرف أنه مجنون، فجروه حتى أخرجوه من المسجد، فكان يستحيي أن يدخل المسجد بعد ذلك حياء من الناس الذين اعتبروه مجنوناً.
إن هذه الأساليب مؤثرة، ولا تكلف شيئاً، وبالإمكان أن تستغل في الدعوة إلى طريق الحق.
إن الجانب النظري في كل أمر مهم، لكن الجانب التطبيقي أهم منه، فآثاره أبلغ، والملكات التي يكتسبها الإنسان منه أعظم، فلهذا يحتاج الناس إلى التعلم بأدب الاستماع قبل تعلم أدب الحديث، ثم يحتاج الإنسان أيضاً إلى تعلم أدب الحديث في الدعوة -مثلاً- في اختيار الوقت، واختيار المدة، واختيار الموضوع، وكلها ذات تأثير بالغ، فالذي يأتي فيقف بعد صلاة الفجر مباشرة ويأتي بخطبة طويلة رنانة لم يوفق في اختيار الوقت، والذي يأتي بعد الجمعة بعد أن انصرف الناس -وقد قال الله تعالى: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ[الجمعة:10]- فيأتي بخطبة ثالثة بعد أن استمع الناس إلى خطبتي الإمام لم يوفق في اختيار الوقت، والذي يأتي بعد كل صلاة فيأخذ الميكرفون لتوجيه الناس قد أمل وأخل، ولذلك قال ابن مسعود رضي الله عنه حين سألوه أن يذكرهم كل يوم، قال: (إنما أتخولكم بالموعظة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها في أيام مخافة السآمة علينا )، فكل من أطال أَملَّ، فلهذا لا ينبغي للإنسان أن يكرر الكلام كثيراً وأن يطيله حتى يُمِلَّ الحاضرين، ودرس في الأسبوع أو درسان أو ثلاثة كاف ومانع للإملال، وهو محصل للمتوخى، أما إذا كان الدرس في نفس المكان من نفس الإنسان يومياً مثلاً، هذا لا شك أنه مقتض للملل، وهو ينقص نور العلم ويقلل اهتمام الناس به.
السؤال: هل تجب صلاة الجمعة على النساء؟
الجواب: الجمعة لا تجب على النساء، لكن إذا صلينها أجزأت عن الظهر، وقد كن يشهدنها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
السؤال: ما تفسير قوله تعالى: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ[التوبة:18] ؟
الجواب: هنا بين الله سبحانه وتعالى أن عمارة المساجد باستغلالها في العبادة واستغلالها في طاعة الله سبحانه وتعالى لا يصدر إلا من مؤمن يريد وجه الله ويبتغي الدار الآخرة، فلذلك جاء بـ(إنما) التي هي أداة حصر، وقوله تعالى: (يعمر مساجد الله) يدخل فيه مساجد الجماعات والمصلَّيات وغيرها.
وقوله: (من آمن بالله واليوم الآخر) الذي آمن بالله هو الذي يعرفه ويريد عبادته، والمؤمن بالله واليوم الآخر هو الذي يحتسب ويرجو الأجر فيما يعمل.
وقوله تعالى: (وأقام الصلاة) لأنها هي التي تعمر بها المساجد.
وقوله تعالى: (وآتى الزكاة) لأن الزكاة أخت الصلاة، ولذلك إنما يتركها المشركون، ولهذا قال الله تعالى: وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ[فصلت:6-7] ، وامتدح الذين يؤدونها فقال تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ[الأعراف:157-158]، وقبل هذه الآية يذكر الأمر بالزكاة وحدها، وهذا الموضع الوحيد في القرآن الذي ذكر فيه الأمر بالزكاة وحدها دون أن يرتبط ذلك بالصلاة: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ[الأعراف:156-157].
وقوله تعالى: (وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ) هذا من تمام الإيمان بالله؛ لأن الإيمان به يقتضي خشيته، فهو أحق أن يخشى.
(فعسى أولئك) و(عسى) من الله الوجوب، ومعناها: يقارب أولئك (أن يكونوا من المهتدين)، فإنهم يهدون لذلك، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في سنن الترمذي أنه قال: (إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان) لأن الله تعالى يقول: (( إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ ))[التوبة:18] )؛ لكن هذا الحديث فيه ضعف، ومع ذلك فالمقصود بارتياد المساجد والمقصود بعمارتها ما كان مقصوداً به وجه الله، ولا يقصد بذلك ما قصد به الرياء والتسميع، أو ما كان عابراً للإنسان دون أن يحتسب فيه وجه الله.
السؤال: ما تفسير قول الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ * ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ[الحج:8-9] ؟
الجواب: قول الله تعالى: (ومن الناس) أي: من المشركين.
(مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ) أي: في ألوهيته، وينكر وحدانيته، ويزعم له شركاء.
(بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي: بغير برهان ولا دليل.
(وَلا هُدًى) أي: لم يأته في ذلك هداية من الله سبحانه وتعالى.
(وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ) أي: لم يجد ذلك في القرآن ولا في غيره من الكتب السماوية.
(ثَانِيَ عِطْفِهِ) وهذه جلسة المجادل، فالذي يجلس للخصام يدني عطفه، وعطفه جنبه.
(ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) أي: بالمجادلة في الله.
(لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ) فهذا وعيد من الله سبحانه وتعالى لمن كان كذلك، وهذه الآيات التي وردت في المشركين أو المنافقين ليست خاصة بالذين وردت فيهم، بل الوعيد وارد على كل من فعل ذلك، فكل من حصل منه الفعل الذي جاء في القرآن الوعيد عليه أو في السنة فهو داخل في الوعيد، وورود العام على الخاص لا يمنع عموم الحكم.
السؤال: هل يجوز زيارة المرأة الأجنبية للرجل الأجنبي إذا كان مريضاً؟
الجواب: إن عيادة المرضى تجب على الأقربين، فإن تهاونوا بها وجبت على الصاحب، فإن تهاون بها وجبت على الجيران، فإن تهاونوا بها وجبت على المسلمين عموماً، وهي من حق المسلم على أخيه إذا مرض أن يعوده، ويستوي في ذلك الرجال والنساء، لكن من السنة في حال العيادة أن يخفف، وأن لا يزور في الأوقات المحرجة، وأن يدعو له بالشفاء، وأن يحمله على العزاء بأن يقول له: طهور وتكفير. أي: إن هذا تكفير لذنوبك وتطهير لك من أدرانك، وفيه خير لك. فيبين له ما يحمله على الصبر على المرض، ويستوي في ذلك الرجال والنساء، لكن لا يحل للمرأة أن تخلو بالمريض الأجنبي؛ لأن الخلوة بين الأجانب حرام، وكذلك لا يحل لها أن تزوره في الريبة، فإن ما يؤدي إلى الريبة لا يجوز، أما في غير الريبة فلا حرج في ذلك، وهو مطلوب من حقوق المسلمين ويثاب الإنسان عليه، وقد كانت عائشة رضي الله عنها وأمهات المؤمنين يعدن المرضى من المسلمين، وقد كانت عائشة تعود بلالاً رضي الله عنه -وهو ليس بمحرم- لها في مرضه، وكذلك كانت أم سلمة رضي الله عنها تعود شماس بن عثمان وغيره، وقد كانت امرأة من الأنصار تعود عثمان بن مظعون لما كان عندهم في البيت يعالجونه، فلما مات شهدت له بالخير، فبين لها النبي صلى الله عليه وسلم الحذر من التزكية على الله.
السؤال: هل يجب على الحامل والمرضع قضاء رمضان؟
الجواب: الإرضاع والحمل ليسا سبباً للإفطار إذا لم يكن معهما مرض، فإن كان معهما مرض أو خشية مرض أو زيادة مرض أو خشية زيادة مرض أو تأخر برء فإنهما سبب مبيح للإفطار أو موجب له، بحسب ما يترتب على ذلك، وقد قال الله تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ[البقرة:184] ، معناه: فأفطر فعدة من أيام أخر. أي: فيجب عليه أن يقضي عدة الأيام التي أفطرها من أيام أخر. وقد ورد حديث ضعيف بأن الحامل والمرضع ليس عليهما قضاء، ورد في ذلك أثر عن ابن عباس ، لكن ذلك لا يصح ولا يمكن أن تعارض به الآية، فهي نص صريح من كلام الله.
السؤال: ما تفسير قول الله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ[البقرة:184] ؟
الجواب: هذه الآية نزلت أول ما نزل الصوم، فقد كان الصوم على التخيير إن شاء الإنسان صام وإن شاء أطعم، وذلك في وقت حاجة المسلمين إلى الإطعام، ثم نسخ ذلك بالأمر الجاد بالصيام، فقد قال الله تعالى في بداية الأمر بالصيام: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ[البقرة:183-184].
فهنا: أمرهم إذ ذاك أن يصوموا، فمن كان عاجزاً عن الصوم يجب عليه الإطعام مقابل كل يوم، وذلك في وقت الحاجة إلى الإطعام، ثم جاء الأمر الجاد بالصيام بعد قوله: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ[البقرة:185] ، فلم يبق عذر في الصيام، ولم يبق التخيير الذي كان، بل نسخ التخيير بوجوب الصيام على من شهد الشهر، أي: من لم يكن مسافراً أو له عذر.
وقد قال بعض أهل التفسير: إن قوله: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ[البقرة:184] أي: على الذين لا يطيقونه. و(لا) في لسان العرب تأتي زائدة فتذكر ولا يراد بها النفي، وتحذف كذلك ويراد إثباتها، فمن إثباتها في الموضع الذي لا تقتضي فيه النفي قول الله تعالى: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ[القيامة:1] ، لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ[البلد:1] .
ومن حذفها في الموضع الذي يراد إثابتها فيه، قوله: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ[البقرة:184] أي: على الذين لا يطيقون الصيام لعطش أو هرم (فدية) وهي: إطعام مسكين عن كل يوم مداً، وعموماً فبأي التفسيرين أخذت فصحيح، فالتفسير الأول تكون الآية على أساسه منسوخة، والتفسير الثاني تكون الآية على أساسه محكمة.
السؤال: هل الخبر: ( لعن الله امرأة رفعت صوتها ولو بذكر الله) حديث؟
الجواب: ليس حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم.
السؤال: هل هذه المقامات خاصة بالإنكار، وهي مقام الابتداء، ومقام التردد، ومقام الإنكار؟
الجواب: الجواب لا. فهذه المقامات في الدعوة مطلقاً، في تغيير المنكر والتعليم وغير ذلك، فأول ما يبتدئ به الإنسان ينبغي أن يكون اللين، ثم بعد ذلك يأتي بالموعظة، ثم بعد ذلك يأتي بالحجة الدامغة.
السؤال: كيف ندعوا المسلمين، خاصة المنحرفين انحرافاً بيناً كالعلمانيين والشيوعيين؟
الجواب: هؤلاء ليسو من المسلمين، لكن دعوة المسلمين إنما هي تخويفهم بالله تعالى وتذكيرهم به، وتذكيرهم بأيام الله، وأخذه الشديد، وتذكيرهم بالموت وسرعة الانتقال من هذه الدار، فإن هذا مما ينفع المؤمنين، فإن الذكرى تنفع المؤمنين، فيدعون بوسائل الدعوة السبع، وهي المذكورة في قول الله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ[يوسف:108] هذه الوسيلة الأولى، أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي[يوسف:108] ، هذه الوسيلة الثانية، وَسُبْحَانَ اللَّهِ[يوسف:108] هذه الوسيلة الثالثة، وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ[يوسف:108] ، هذه الوسيلة الرابعة.
وفي قوله تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ[النحل:125] هذه الوسيلة الخامسة، وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ[النحل:125] هذه السادسة، وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ[النحل:125] هذه الوسيلة السابعة، فهذه السبع الوسائل بنص كتاب الله.
فالوسيلة الأولى قوله: عَلَى بَصِيرَةٍ[يوسف:108] ، فلا بد أن يكون الإنسان على بصيرة بما يدعو إليه، وعلى بصيرة بمن يدعوه وبأسلوب الدعوة.
وقوله تعالى: أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي[يوسف:108] هذه الوسيلة الثانية، فلا يمكن أن يكون الإنسان داعياً بنفسه وحده، بل لابد أن يجد من يساعده على ذلك ويعينه عليه.
وقوله تعالى: وَسُبْحَانَ اللَّهِ[يوسف:108] هذه الوسيلة الثالثة، فلا بد أن يستعين الإنسان بالتوكل على الله وعبادته واللجأ إليه، فإن من وسائل الدعوة الدعاء، وإتقان العبادة، فمن لم تستطع التأثير فيه ببيانك ولسانك فأثر فيه بنور قلبك، وبدعائك، فإن لم يستجب لك فحاول التأثير فيه بالدعاء، فقلما يعجزك مع الدعاء.
وقوله تعالى: وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ[يوسف:108] هذه الوسيلة هي التميز، فلابد أن يكون الداعية متميزاً مخالفاً للذين يدعوهم فيما يدعوهم إليه، فلا يمكن أن يدعو إلى شيء وهو يخالف فيه، فلابد أن يتميز عن المشركين.
السؤال: من إذا قام في دعوة الناس آخذته رهبة، كيف يعالج ذلك؟
الجواب: هذا إنما يحصل في بداية الجانب التطبيقي من الدعوة، ويزول ذلك باعتلاء المنابر والتحدث أمام الناس، فإن لكل موقف رهبة، والإنسان في بداية أمره لابد أن يحصل له ذلك، وعثمان رضي الله عنه حين صعد المنبر أول ما بويع خليفة وضع قدميه في المكان الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يضع فيه قدميه، فارتج عليه فلم يستطع الكلام بعد أن حمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، فسكت طويلاً ثم قال: أنتم إلى أمير فعال أحوج منكم إلى أمير قوال، ولئن بقيت لتأتينكم الخطب على وجهها، وسيجعل الله بعد عسر يسراً. ونزل فكانت خطبته أبلغ خطبة، وهو أول من ارتج عليه على المنبر من هذه الأمة.
السؤال: ما حكم من يتجادلون في المسجد قبل صلاة الجمعة محتجين بالدعوة إلى سبيل الله؟
الجواب: إذا كان ذلك في الحق وعلى أساس وبصيرة وبينة، وكان ذلك ليس مراءً في الدين وإنما هو مجادلة بالتي هي أحسن فلا حرج في ذلك في المساجد، ولهذا بنيت، وهو من العلم النافع، وإن كان ذلك بالمراء في الدين والمناورة والمكابرة التي يقصد بها الإنسان أن يعرف -كما قال علي : إنما أنت رجل يقول: اعرفوني اعرفوني، فقد عرفناك- فهذا ممنوع محرم في يوم الجمعة وفي غيره من الأيام.
السؤال: ما السن الذي تكون فيه المرأة أجنبية وتشتهى به؟
الجواب: لا عبرة بالسنوات، وإنما العبرة بجسمها هي وبحال الإنسان أيضاً.
وكذلك أيضاً الطفل، لكن إذا كانت مراهقة فقطعاً أصبحت أجنبية على كل الاحتمال، وكذلك الصبي إذا أصبح مراهقاً، أي: قريباً من البلوغ.
أما تعريف الريبة فهي: ميل القلب الذي يتهم الإنسان فيه بأنه يريد ما لا يحل له.
السؤال: ما كيفية دعوة العلمانيين بالحكمة، مع تعريف العلمانيين؟
الجواب: إن دعوة العلمانيين إنما هي بحسب مستواهم وحالهم، فالعلماني معناه: الذي يقر بالإسلام في جانب من جوانب الحياة ويرده في الجوانب الأخرى. الذي يريد من الإسلام الصلاة والعبادة، ولكن لا يريد من الإسلام الحكم، ولا التشريع، ولا الجهاد، ولا الحدود، ولا المعاملات هذا هو العلماني، يقبل الإسلام في بعض الجوانب ويرفضه في بعض الجوانب، ويقول: ما لقيصر لقيصر وما لله لله. وهذا النوع من الناس إنما يُجادَل بالتي هي أحسن، فيبين له أن الجميع من عند الله: كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا[آل عمران:7] ، فالذي فرض الصلاة هو الذي حرم الربا، وهو الذي أوجب الحكم بما أنزل الله، وهو الذي شرع الأحكام كلها، ولا يمكن أن يؤخذ بعض تشريعه ويرد عليه بعضه، فهو الذي قال: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ[البقرة:85] .
السؤال: والدي لديه نية حسنة، ولكنه يمارس بعض البدع، ولا يفهم كغيره من الشيوخ هذه الصحوة المباركة، فعندما تذكر له هذه الجماعات يطلق العبارات التي يطلقها كثير من الشيوخ، كقولهم: هذا الدين الجديد. أو: المذهب الخامس فكيف يتعامل معه، وكيف يُفَهَّم، وكيف يكف عن ذلك؟
الجواب: إن معاملة الوالدين في المجال الدعوي خاصة، ومثال هذا ما عامل به إبراهيم أباه عندما قال له: يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا[مريم:43-45]، فيحاول الولد أولاً الحصول على ثقة والده، ويحاول بره حتى يكون أحب أولاده إليه، فإذا كان أحب أولاده إليه فلا شك أنه سيؤثر فيه تأثيراً بالغاً.
وأعرف رجلاً والده شيخ قبيلة، وهو من رجال المجتمع، لكنه كان براً به، فكان أحب أولاده إليه، فتأثر بسلوكه وهديه ودله تأثراً بالغاً، فكان الوالد بعد ذلك إذا رأى أي شيء يفعله ولده هذا، قال: ما فعل محمد محمود هذا إلا على أساس بينة من الله ورسوله. وبعد أن مات محمد محمود رحمة الله عليه كان هذا الوالد يناصر أهل الدعوة الذين كان محمد محمود منهم، ويقول: محمد محمود لا يصحب إلا الصالحين. وقد مات هذا الوالد رحمه الله وهو من أنصار هذه الدعوة أو من أنصار هذا الدين ومن المجتهدين في الحق، وما تأثر إلا ببر ولده به، لكن ولده إنما ابتدأ بالبر والإقناع من غير أن يبدأ بالمناقشة والمجادلة، فأثر فيه تأثيراً بالغاً، نسأل الله أن يغفر له ويرحمه.
السؤال: كيف يكون تعامل الطالب مع زملائه من الرجال والنساء المختلطين الذين يتسابقون فيما بينهم؟
الجواب: يجب على الإنسان أن لا يخالط الأجنبيات، فقد قال الله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ[النور:30] ، وخلطة الأجنبيات أعظمها خلطة الفروج وأدناها خلطة النظر، وقد حرم الله الأمرين، فدل ذلك على تحريم ما بينهما؛ لأنه قال: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ[النور:30] ، وهذا أقوى شيء في الخلطة، فإذ حرم هذان الحدان حرم ما بينهما كالمصافحة والاقتراب، ولذلك حرم النبي صلى الله عليه وسلم الدخول على النساء فقال: (إياكم والدخول على النساء. قالوا: والحمو يا رسول الله؟ قال: الحمو الموت)، وأمر النساء أن يقمن من وراء الرجال، وأن لا يمشين وسط الطرق، والحمو قريب الزوج ووالده وقريبه.
نعم، لا بد من صلة الرحم، لكن لا يحل الاختلاط والخلوة، كذلك إذا كان الإنسان بين مجموعة من المنتهكين لحرمات الله كهؤلاء فيجب عليه أمران: أولهما: أن يهجر بقلبه. وهذه الهجرة هي التي تسمى بالهجرة الشعورية، أن يهجر ما هم عليه، وأن يبغضهم على مخالفتهم للحق، وأن يهجرهم بقلبه، ثم بعد ذلك الأمر الثاني: وهو تغيير ما استطاع، فإن استطاع تذكيرهم بالله وتخويفهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر فليفعل، وإن لم يستطع ذلك فليهجرهم ما استطاع، إن استطاع الهجرة البدنية فبها ونعمت، وإن لم يستطع فليهجر الهجرة الشعورية.
السؤال: هل تعتبر المجلة الحائطية أسلوباً نافعاً من أساليب الدعوة في المدارس؟
الجواب: نعم. فهي أسلوب مؤثر قدر جرب نفعه، وبالأخص إذا كان إخراجها إخراجاً جيداً بالألوان وبالخطوط الجيدة.
السؤال: ما هو دور الأطفال في الدعوة؟
الجواب: الأطفال هم قادة المستقبل، وهم علماؤه ومجاهدوه، وحكامه، ووزراؤه، ومعلموه، ودعاته، وأئمته، وتجاره، فيجب عليهم أن يتزودوا في صباهم، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (تفقهوا قبل أن تسودوا)، وكذلك يطلب منهم أن يكونوا أسوة حسنة ومثالاً يقتدى به لزملائهم ونظرائهم، فإن من فعل ذلك منهم تيسر له الالتزام فيما بعد بلوغه، واستطاع أن يكف جوارحه عما حرم الله عليه بعد البلوغ، وكان بذلك من بداية عهده ناشئاً في طاعة الله، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين أنه قال: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعمل شماله ما تنفق يمينه، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه)، فهؤلاء السبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
السؤال: ما هو الحكم فيمن له أبناء في بلاد لا تتوافر فيها دراسة القرآن، هل حكمه الذهاب بهم إلى محضرة قرآنية، أم حضانتهم في بلدهم المذكور مع دراستهم ودراستُهم ضعيفة؟
الجواب: إن استطاع هو أن يعملهم القرآن وأن يتعلمه معهم فذلك أولى وأزكى، وإن لم يستطع ذلك وعجز عنه فليبحث لهم عمن يعلمهم، وإذا أحضر معلماً إلى القرية التي هو فيها كتب له أجر ذلك التعليم وأجر تعليم الأولاد الآخرين، وكان ذلك من التعاون على البر والتقوى.
السؤال: ما حكم صلة الجار إذا كان قريباً نسبه ولم يكن بمحرم كبنات العم والخال، وهل يجوز للشخص أن يهجر جاره القريب فوق ثلاثة أيام؟
الجواب: صلة الرحم من شعب الإيمان البارزة، وقد قال الله تعالى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ[محمد:22-23]، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله حين خلق الرحم أمسكت بساق العرش فقالت: يا رب! هذا مقام العائذ بك من القطعية. فقال: أما ترضين أن أصل من وصلك وأن أقطع من قطعك؟)، وكذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم بالغ بالحض على صلة الرحم، وبين أن أفضل صلة الرحم صلة الرحم الكاشح الحاسد المشاكس، ولم يرد في الشرع تقييد للرحم بأن تكون محرماً، بل ذكر البخاري رحمه الله في صلة الأرحام، فقال: صلة الرحم: تشريك القرابات فيما أوتي الإنسان من أنواع الخيرات، فيدخل في ذلك الزيارة والدعاء والسؤال عن الحال والإهداء والنصيحة وغير ذلك مما ينفع، ويشمل ذلك الأجنبية وغيرها من ذوي الرحم.
لكن آكد ذوي الأرحام صلة هم الذين يتوارث الإنسان معهم، فالذين ترثهم ويرثونك هم آكد ذوي الأرحام رحماً، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم.
وأما الجار فلا يحل هجرانه إلا على أساس معصيته؛ لما أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يهجرن أحد أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذين يبدأ بالسلام)، وفي رواية: (وأفضلهما الذي يبدأ بالسلام)، فحرم النبي صلى الله عليه وسلم أن يهجر الرجل أخاه فوق ثلاث، ومثل ذلك هجران المرأة المرأة فوق ثلاث، فالهجران إذا كان على أساس المعصية فلتهجره وقت مقارفة المعصية؛ لقول الله تعالى: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ[الأنعام:68] .
وأما الهجران المطلق فإنما يقصد به تأديب الإنسان المصر إذا علم أن ذلك يؤثر فيه، أما إذا علمت أن هجرانك لا يؤثر فيه ولا يرده عن باطله فلا تهجره بهجرة البدن.
السؤال: ما حكم زوال النجاسة عن الثياب التي توضع في المغاسل لغسلها؟
الجواب: من القواعد الشرعية المسلمة في المذاهب كلها أن التعبد في التطهير لا يحتاج إلى النية، فطهارة الخبث كلها لا تحتاج إلى النية، لأنها ليست مثل طهارة الحدث، فلا تحتاج إلى النية، فلذلك يطهر الثوب بالمطر إذا تعرض له وهو على شجرة، ويطهر إذا أخذته الريح فرمته في البحر أو نحوه، وكذلك الثياب إذا كانت متنجسة فغسلها الأجير، أما إذا علم أن الذين يمتهنون ذلك إنما يضعون الثياب في المياه المتغيرة، ولا يضعونها في الماء المطهر فتكون -الثياب- حينئذ داخلة في خلاف العلماء إذا زالت عين النجاسة بغير الماء المطلق، هل يبقى الحكم مؤثراً أو لا؟
فذهب الحنفية وبعض المالكية إلى أن حكم النجاسة يزول تبعاً للعين، وذهب الجمهور إلى أن حكم النجاسة لا يزول إلا بالمطهر، وهو الماء الطهور الذي لم يتغير فيه أحد الأوصاف الثلاثة.
والمسألة محل خلاف بين أهل العلم، فلذلك يمكن أن يوسع على المسلمين بها، لكن ينبغي أن ينصح الذين يزاولون هذه المهنة بأن يضعوا الثياب في ماء مطهر، سواءٌ كان ذلك في بداية غسلها أم في نهاية الغسل.
السؤال: قول الله تعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا[النور:31] ، هل يدخل في ضمن ذلك ما ظهر من الثوب، وما صفة الثوب الذي يطلب من المرأة الخروج فيه في السفر؟ وهل هو القبيح بحيث يكون في لباسها له عدم صيانة العرض، أم الحسن الذين لم يكون لافتاً للانتباه؟
الجواب: إن قول الله تعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا[النور:31] فيه استثناء بما يحل للمرأة إبداؤه من الزينة، وهو ما ظهر؛ لأن المرأة لا يمكن أن يحرم عليها إبداء الزينة مطلقاً وهي تحتاج إلى الخروج ومخالطة الناس في البيع والشراء وغير ذلك، فأذن الله لها في إبداء ما ظهر منها.
واختلف أهل العلم ما هو؟ فقال بعضهم: هو اللباس الظاهر. وقال بعضهم: ما كان في الوجه من الكحل ونحوه، وما كان في اليدين من الخاتم ونحوه. وهذا المذهب الأخير هو الذي ذهب إليه جمهورهم، فرأوا أن ما ظهر منها هو ما كان في الوجه واليدين، وبهذا فسر هذه الآية عدد من الصحابة، وفسرها غيرهم، بأن المقصود بذلك اللباس الظاهر، فاللباس ظاهر كله من الزينة؛ لقول الله تعالى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ[الأعراف:31] ، فالزينة المقصود بها ما يستر العورة من اللباس، فهذا هو القول الثاني، وعلى هذا فإن الملابس التي تخرج فيها المرأة لا يحل أن يكون فيها عطر قطعاً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة تعطرت فخرجت من بيتها فهي زانية)، وكذلك لا ينبغي أن تكون من لباس الزينة الذي لا يلبس إلا في الأعياد ونحو ذلك، فهذا أيضاً مدعاة للريبة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في خروج النساء للمسجد: (وليخرجن إذا خرجن تفلات)، أي: غير متزينات.
وأما ما دون ذلك فهو من الأمور المشككة لا المتواطئة، فبالإمكان أن تكون ملابس حسنة ظاهرة لدى قوم وهي رخيصة الثمن غير حسنة لدى آخرين، ولا عبرة بما يحصل فيها التفاوت حينئذٍ من هذا الأمر، فإذا لم تكن الملابس مختصة بالزينة فالأمر فيها ميسور، أما الملابس القبيحة المزرية فلا ينبغي على من أنعم الله عليها من النساء بما تستتر به أن تتخذها للخروج؛ فإن ذلك من تواضع النفاق وهو ذميم: (إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عباده)، والخروج في تلك الملابس من غير ضرورة من المذلة التي نهي عنها أهل الإسلام، ولذلك فهي من الأمور التي ينبغي التفريق بينها وبين التواضع، كما قال السيوطي رحمه الله:
والمرء محتاج إلى أن يعرف فرق أمور في افتراقها خفا
كالفرق بين العجز والتوكل والحب لله ومعه المنجلي
إلى أن يقول:
وعزة في أمر دين والعلو والاجتهاد في اتباع والغلو
فعد منها التواضع والمذلة، فلا بد أن يفرق الإنسان بينهما.
السؤال: هل يمكن الجمع بين الحديث: (اجعلوا آخر صلاتكم في الليل وتراً)، والحديث الذي فيه: النهي عن النوم قبل الوتر، مع العلم أن من صلى الوتر قبل النوم لا يمكن أن يصليه آخر الليل للحديث السابق؟
الجواب: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بجعل آخر الصلاة في الليل وتراً، فقال: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الفجر أوتر بركعة) أو: (فصل ركعة توتر لك ما سبق)، وقال: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)، لكنه لم يأمر الناس جميعاً بأن يجعلوا الوتر آخر الليل، بل أمر بعض أصحابه لما علم منهم ثقل النوم أن يوتروا قبل أن يناموا، ومن هؤلاء أبو هريرة رضي الله عنهم، قال: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم: أن أوتر قبل أن أنام)، فهذه الوصية تختص بأولئك، وليست بيد كل الناس، بل كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يوتر إلا في آخر الليل، فقد كان ينام قبل قيام الليل، وهذا هو التهجد؛ لأن التهجد معناه مجانبة الهجود، وإنما تسمى الصلاة تهجداً إذا كانت بعد نوم أو في وقت النوم، ولا تعارض بين الحديثين.
فمن كان إذا نام علم أنه لم يستيقظ فلا ينم حتى يوتر، ومن كان يعلم أنه سيستيقظ وجرت العادة له بذلك فالأفضل له أن يؤخر صلاة الليل بعد أن ينام الناس؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلُوا الأرحام، وصلّوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام)، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (وصلاة الرجل في جوف الليل ثم تلا: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ..[السجدة:16] إلى قوله: .. يَعْمَلُونَ[السجدة:17] )، لذلك من علم من نفسه أنه إن نام لم ينشط للصلاة، فليوتر قبل النوم، ومن علم من نفسه أنه سيستيقظ وينشط للصلاة فليؤخر صلاته إلى جوف الليل.
اللهم! صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً، اللهم! لك الحمد كالذي نقول، وخيراً مما نقول، ولك الحمد كالذي تقول، لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، لك الحمد بكل شيء تحب أن تحمد به على كل شيء تحب أن تحمد عليه، لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، لك الحمد أنت أحق من ذكر، وأحق من عبد، وأنصر من ابتغي، وأرأف من ملك، وأجود من سئل، وأوسع من أعطى، أنت الملك لا شريك لك، والفرد لا ند لك، كل شيء هالك إلى وجهك، لن تطاع إلا بإذنك، ولن تعصى إلا بعلمك، تطاع فتشكر، وتعصى فتغفر، أقرب شهيد وأدنى حفيظ، حلت دون النفوس وأخذت بالنواصي ونسخت الآثار، وكتبت الآجال، القلوب لك مفضية، والسر عندك علانية، الحلال ما أحللت، والحرام ما حرمت، والدين ما شرعت، والأمر ما قضيت، والخلق خلقك، والعبد عبدك، وأنت الله الرءوف الرحيم، نسألك بعزك الذي لا يرام، وبنورك الذين أشرقت له السماوات والأرض أن تهدي قلوبنا، وأن تستر عيوبنا، وأن تكشف كروبنا، وأن تصلح أحوالنا وأحوال المسلمين، اللهم! ألهمنا رشدنا وأعذنا من شرور أنفسنا، واهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم، اللهم! اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا، ولا تجعل إلى النار مصيرنا، واجعل الجنة هي دارنا، اللهم! استعملنا في طاعتك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم! اجعلنا في قرة عين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم! اسقنا من حوضه بيده الشريفة شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبداً، اللهم! بيض وجهونا يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، اللهم! لا تشوه وجوهنا بنارك، اللهم! لا تشوه وجهونا بنارك، اللهم لا تشوه وجهونا بنارك، الله استرنا بسترك الجميل، اللهم استرنا فوق الأرض، واسترنا تحت الأرض، واسترنا يوم العرض، اللهم! أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين أجمعين، اللهم! أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ورد كيد الكافرين، وانصرنا عليهم أجمعين، اللهم! لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مبتلى إلا عافيته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة هي لك رضاً ولنا فيها صلاح إلا قضيتها يا ذا الجلال والإكرام، اللهم! انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم! ثبت أقدامهم، وسدد سهامهم، واجمع كلمتهم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر