إسلام ويب

سلسلة الأسماء والصفات [14]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    سبب تسمية الكلالة بهذه التسمية

    السؤال: لماذا سمي ميراث الكلالة بهذا الاسم؟

    الجواب: أن الكلالة من (كلَّ) بمعنى تعب، والإنسان الذي ليس له أصل ولا فرع كأنه قد تعب من الحياة فانقطع وحده، ويقال: كلَّ الفرس إذا جرى حتى انقطع، وكلَّ السيف إذا لم يقطع، وكلَّ الإنسان بمعنى: تعب من سيره، فمن هنا جاء اشتقاق الكلالة.

    1.   

    معنى الأذن في قوله تعالى: (ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم)

    السؤال: قال تعالى: وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ[التوبة:61] ، هل (أذن) هنا بمعنى: الاستماع؟

    الجواب: لا؛ لأن الآية قرئت بقراءتين سبعيتين: (قُلْ أُذْنُ خَيْرٍ لَكُمْ) بالإسكان، وقرئت: (قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ)[التوبة:61]، بالضم، والمعنى في كلتيهما أي: موصل، فالأذن عند العرب هو المحقن الذي يحقن به اللبن في وعاء اللبن، والمقصود به: ما يبلغ، فقد كان المنافقون إذا طلب منهم تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: ما هو إلا أذن، أي: مبلغ عن الله فقط، فكأنه بمثابة المحقن الذي يحقن فيه اللبن، ثم لا يكون له فائدة بعد ذلك، فرد الله عليهم هذا القول بقوله: قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ[التوبة:61] .

    1.   

    حكم التجويد والتوسع في القراءات

    السؤال: ما رأيكم فيمن لا يرى التجويد لتلاوة القرآن أو التوسع في القراءة والتلفيق بين القراءات؟

    الجواب: التجويد أنواع: منه ما هو واجب؛ وهو الذي إذا لم يأخذ به الإنسان أفسد قراءته، وهذا واجب لا خلاف فيه، ولذلك قال ابن الجزري رحمه الله:

    الأخذ بالتجويد حتم لازم من لم يجود القرآن آثم

    وهذه المرتبة يأثم الإنسان بتركها.

    القسم الثاني: التجويد الذي يقتضي اختلاط الحروف في مخارجها وصفاتها، أو إدغام بعض ما لا يدغم، أو إزالة بعض الحركات بالإشالة والسرعة كالهذرمة، وكذلك التنطيق الزائد، فترك هذا واجب، وفعله يوقع في الإثم.

    القسم الثالث من التجويد: ما كان سنة، وهو ما يقتضي تحسين القرآن وحسن تقطيعه، ويعين على تدبره، كالوقف في مواضع الوقف على التمام أو الكمال، ونحو ذلك، فهذا التجويد سنة.

    ومنه تجويد مندوب عند طائفة من أهل العلم: وهو تحسين الصوت به حتى يكون أرق من صوته العادي، وذلك بأن يشجي صوته به، حتى يكون ندياً شجياً.

    ومنه ما هو مكروه: وهو ما يكون كشكل الطرب والغناء ونحو ذلك.

    ومنه ما يكون محرماً: وهو ما يبالغ الإنسان فيه حتى يتقعر ويخرج به الكلام عن أصله.

    فإذاًَ: التجويد تعتريه أحكام الشرع بهذا، وأما التوسع في القراءة بالقراءات فإن ذلك بحسب ما تيسر، والله تعالى يقول: فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ[المزمل:20] ، وقد قال السيوطي رحمه الله: إن القراءات العشر برواياتها العشرين مما تيسر في زماننا. أي: أنها ميسورة وسهلة، وقد ألفت فيها الكتب، وتداولها الناس؛ فأصبحت متيسرة.

    وابن الجزري رحمه الله ذكر في النشر ألف طريق وطريق واحدة في القرآن، فقال:

    هذه ألف طريق وطريق واحدة يمكن أن يقرأ بها جميعاً، فهي متيسرة سهلة، وقد نظمها في طيبة النشر.

    وأما التلفيق بين القراءات فإذا كان في الكلمة الواحدة فهو محرم قطعاً، مثل من يجمع بين قراءتين متنافيتين؛ كالذي يرقق الراء في كلمة الآخرة فإنه لا يحقق الهمزة، وهذا مثال في تحريف الكلمة الواحدة؛ لأنه لحن، وليس كلاماً من لغة واحدة.

    وإذا كان في الجملة الواحدة فمحل خلاف، فقيل بتحريمه، وقيل بكراهته.

    وإذا كان في الآية الواحدة فهو مكروه قطعاً، وإذا كان في آيتين ولم يكن على وجه التعليل فهو خلاف الأولى.

    ومع ذلك فإن كثيراً من أهل العلم يرى أن القراءات أنفسها ملفقة من الحروف السبعة التي أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم، فليست القراءة موافقة لحرف واحد، بل كل قراءة فيها أخذ من كل الحروف، ولا يمكن الجزم بهذا؛ لأن الجزم فيه صعب، ونحن نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أنزل عليه القرآن على سبعة أحرف؛ لكن لم يبين لنا أن هذا هو الحرف الأول وهذا هو الحرف الثاني وهذا هو الحرف الثالث وهذا الرابع وهذا الخامس وهذا السادس وهذا السابع، بل قرأ بالجميع، وأقر الناس على قراءة الجميع، فبالإمكان أن يحفظ فلان من الناس سورة التوبة على الحرف الأول، ويحفظ هو نفسه سورة يس مثلاً على الحرف الخامس، وسورة أخرى على الحرف السادس ويلفق الجميع، فيكون قد حفظ القرآن بحروفه المتعددة، وهكذا.

    1.   

    الحكمة في توفيق من لم تقبل توبته إلى التوبة

    السؤال: ما هي الحكمة من توفيق الله تعالى العبد للتوبة إذا كان لن يتقبل منه هذه التوبة؟

    الجواب: الحكمة من توفيق الله للعبد لأي عمل صالح وهو لا يريد أن يتقبله منه هي الرحمة بغيره، فقد يوفق الله العبد لأن يتوب من ذنب ليطهر الله الأرض من ذلك الذنب؛ لأن الأرض تشكو إلى الله من ذلك الذنب، فيترك الإنسان ذلك الذنب، والله تعالى يعلم أنه سيعود إليه، أو أنه يختم له بالشقاوة فلا يتقبل الله توبته، كما قال سبحانه: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ[المائدة:27].

    ومثل هذه الأعمال كلها، فمثلاً قد يوفق الله العبد للصدقة، فيجعل تلك الصدقة رحمة للمتصدَق عليه، ولكنه لا يقبلها من المتصدِق؛ لأنه علم أن في قلبه مرضاً فيبطلها بالمن والأذى ونحو ذلك، نعوذ بالله من سوء الخاتمة! فلله تعالى في ذلك حكم عجيبة جداً.

    ولهذا فإن أعمال الكافرين قد تحقق رحمة للمؤمنين، فمثلاً: الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأكل من مائدة ابن جدعان هو وكثير من المؤمنين الضعفاء ومع ذلك لا يتقبل الله تلك المائدة من ابن جدعان ، وقد سألت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم عما كان يقدمه؛ لأنه كان قد اشتهرت مائدته؛ لأنه كان ينادي عليها المنادي بفجاج مكة وشعابها، حتى قال فيه الشاعر:

    له داعٍ بمكة مشمئل وآخر فوق دارته ينادي

    فالرسول صلى الله عليه وسلم حين سألته عائشة قال: (إنه لم يقل يوماً: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين)، والله تعالى يقول: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا[الفرقان:23] ، ويقول تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ[النور:39] .

    وأهل الفترة هم في النهاية إما أن يكونوا من أهل الجنة أو من أهل النار، فإن كانوا من أهل الجنة فما تقربوا به إلى الله سبحانه وتعالى يحسب لهم إذا امتحنوا يوم القيامة ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم فآمنوا به؛ فإنه يتقبل منهم ما مضى من أعمالهم؛ لأنه لم تكن قد قامت عليهم الحجة في الماضي.

    وإن كانوا من أهل النار فلم ينجحوا في الامتحان الأخروي، فإنه لا يتقبل منهم، إنما يتقبل الله من المتقين.

    ونفس الشيء يكون للذين لم تبلغهم الدعوة من أهل الفترة، فتقام عليهم الحجة يوم القيامة بالامتحان، حيث يمتحنهم الله ببعثة النبي إليهم، ومن علم الله فيه الخير وفقه لتصديقه ومن علم فيه غير ذلك -نسأل الله السلامة والعافية- حجبه عن ذلك.

    1.   

    سبب حصول الغلبة للنصارى في الوقت الحاضر

    السؤال: كيف يكون لأتباع عيسى عليه السلام الغلبة على غيرهم في الزمان الحاضر؟

    الجواب: أن النصارى هم أكثر سكان أهل الأرض إلى الآن، وأيضاً دولهم ذات مكانة في الدنيا، فقد فتح لهم في مجالات الدنيا من أيام عيسى إلى زماننا هذا.

    وقد كان لهم من المال والقوة الشيء الكثير، حتى كان رجال الكنيسة هم الدرجة الثانية في المجتمعات الإقطاعية في أوروبا، وكان لهم الحكم، وكانوا يقتلون من خالفهم، ففي العصور المظلمة في أوروبا كان رجال الكنيسة فيها يتحكمون في العلم، ويقتلون من أتى بأي اختراع، ويتحكمون في كل شيء.

    وقد يكون هناك حكمة معينة وهي: إعزاز هذا الدين الذي جاء به عيسى؛ لأنه عاش في ذلة ومسكنة، وعاش أتباعه في حياته بذلة ومسكنة، حيث كان اليهود يطاردونهم ويريدون قتل عيسى، ولم تكن لهم دولة في حياة عيسى ولا تمكين ولا في أيام الحواريين، وهم قد باعوا أنفسهم لله حين قال لهم عيسى عليه السلام: مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ[آل عمران:52] ، فأراد الله تمكيناً دائماً لهم مقابلاً لذلك، وهذا مثل إبراهيم عليه السلام حين طرده أبوه وأقرب الناس إليه ورموه في النار، فجعل الله له لسان صدق في الآخرين.

    1.   

    معنى كون خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك

    السؤال: ما صحة قول القائل: إن الله منزه عن استطابة الروائح الكريهة تعليقاً على حديث: (إن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك

    الجواب: ليست الرائحة كريهة؛ لأن خلوف فم الصائم طيب عند الله سبحانه وتعالى، ولا ينبغي أن يقاس الله سبحانه وتعالى بخلقه، بل طيبه عند الله سبحانه تعالى أن يتقبله منه، بشرط أن يكون ذلك الصائم محقاً في صومه مخلصاً فيه لله، أما إذا كان الصائم غير مخلص لله فلا يكون خلوفه مستطاباً عند الله، وإذا كان الصائم مخلصاً لله فهو مستطاب عنده بأي وجه من الوجوه كان.

    فالمقصود: أنه ترك طعامه وشرابه من أجل الله سبحانه وتعالى، فكان هذا الصوم لله خالصاً، كما قال تعالى في الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به؛ يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي).

    وإنما يذكر هنا ما كان صفة صريحة جاء بها النص أو كان متعلقاً بصفة جاء بها النص ولو لم تذكر تلك الصفة، فقوله: (لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)، هذا ليس تصريحاً بصفة، لكنه تصريح بمتعلق صفة لم تذكر، فالشم صفة لم تثبت بلفظها لكن متعلق هذا ذكر في هذا الحديث، بخلاف ما جاء فيه أفعل من غير هذا مثل: أثقل عند الله، أو أرجح عند الله من كذا، فهذا المقصود به في الميزان الذي عند الله، فهو ليس متعلقاً بصفات الله، مثل المقصود بالعندية هنا، فالعندية بمعنى القرب في الميزان يوم القيامة فقط، ولذلك فلابد من النظر إلى دلالة الصفة على متعلقها سواءً ذكرت الصفة أو ذكر متعلقها فقط.

    1.   

    سبب وقوع القصاص بين الحيوانات التي لا تكليف عليها

    السؤال: كيف يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء يوم القيامة مع رفع التكليف عنها؟

    الجواب: أن هذا لنفي الظلم، فالظلم يقع حتى مع عدم التكليف، ولذلك لا ينبغي أن يترك الصبيان يظلم بعضهم بعضاً، وهكذا البهائم، وقد روي في السير والقصص أن رجلاً صالحاً كان على ماء فكانت ترده الأسود، فكان إذا ظلم أسد أسداً أو ضايقه بالماء ضربه بعصاه حتى يأخذ له حقه.

    1.   

    تكليف العبد ومحاسبته يوم القيامة

    السؤال: هل الطفل يحاسب على أعماله يوم القيامة؟ وكيف تكتب حسناته وسيئاته؟

    الجواب: الطفل له حسنات تكتب ويجازى عليها يوم القيامة، لكن سيئاته لا تصل إلى درجة الحرمة؛ فلا يعاقب عليها؛ لأنه ليس واصلاً إلى تلك الدرجة، وهذا محله في حقوق الله، أما في حقوق الناس فإنها من الحقوق التي لا تترك، بل لابد أن يأخذوها، وحقوق الناس تابعة للخطاب الوضعي لا للخطاب التكليفي، ولهذا فإن القاتل وهو نائم أو القاتل خطأً لابد أن يؤخذ منه الحق لذوي المقتول، والقاتل خطأً تجب عليه الدية، حتى لو كان الخطأ قد رفع فيه التكليف، وهكذا الصبي لو قتل أو جرح أو كسر شيئاً فإنه يجب ذلك في ماله، وهكذا النائم، فالمرأة إذا نامت حول طفلها فانقلبت عليه فمات، فقد قتلته خطأً تلزم فيه الدية والكفارة.

    فالخطاب التكليفي هو الذي يشترط له تكليفاً، أما الخطاب الوضعي فلا يشترط له ذلك، ومنه الضمان ونحوه.

    أما الصبيان فإن أجورهم يوم القيامة ثابتة في قوله صلى الله عليه وسلم حين رفعت إليه امرأة صبياً فقالت: ألهذا حج؟ قال: (نعم، ولك أجر)، فأثبت أن للصبي حجاً، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر الصبيان بالصلاة لسبع وضربهم عليها لعشر، وأمر بالتفريق بينهم في المضاجع، وهذا أيضاً لنفي ما يمكن أن يتصور بين ذكورهم وإناثهم من الاختلاط المحرم.

    وهنا يرد خلاف أصولي مشهور هو في معنى التكليف؛ لأن التكليف مختلف فيه، فقيل: هو إلزام ما فيه كلفة.

    وقيل: هو طلب ما فيه كلفة.

    وعلى كل واحد من القولين إشكال، فإذا قلنا: التكليف إلزام ما فيه كلفة، فمعناه أن المندوبات والمكروهات والمباحات ليست من أقسام التكليف؛ لأنها لا إلزام فيها.

    وإذا قلنا: التكليف هو: طلب ما فيه الكلفة، فمعناه أن الصبي مكلف؛ لأنه يطلب منه المندوبات على سبيل الندب والواجبات على سبيل الندب أيضاً، وينهى عن المحرمات على سبيل الكراهة وعن المكروهات على سبيل الكراهة أيضاً، هذا إشكال أصولي وارد.

    فينبغي إذا ظلم الطفل طفلاً آخر أن يقتص له منه، لكن يكون ذلك بلطف.

    وأما إذا كان في الآخرة فسيقتص له؛ لأنه يقتص للشاة الجلحاء من الشاة القرناء، وهذا من باب أولى.

    وأما رفع القلم فهو فيما يتعلق بحقوق الله، أما حقوق الناس فمشكلة؛ لأن حقوق الناس لابد أن يأخذوها، فهو حق لا يترك، أو يجازي الله عنها يوم القيامة، فيمكن أن الله يرضي صاحبها في مقابلها، ولهذا كانت أخطر الحقوق.

    والحقوق ثلاثة:

    - ذنب لا يغفر، وهو: الشرك بالله.

    - وذنب لا يترك، وهو: حقوق العباد.

    - وذنب تحت المشيئة؛ إن شاء الله أخذ به، وإن شاء عفا عنه، وهو حقوق الله، فرفع القلم هو في حقوق الله.

    1.   

    حكم استخدام أجهزة الصدى في المساجد

    السؤال: ما حكم استخدام أجهزة الصدى في المساجد؟ وهل يعد ذلك من التكلف؟

    الجواب: رأيي أنه من التكلف الذي لا ينبغي، وفيها مشغلة لكثير من المصلين عن الخشوع، فلا أرى جواز استعماله، وحتى إن كثيراً من الأئمة يتكلف فيما يتعلق بتقريب الميكرفون من فمه والتمايل معه، وهذا من التكلف الذي ينبغي أن يهجر.

    1.   

    متن يشمل أنواع التوحيد كلها

    السؤال: ماذا يجاب به من يقول: إن هذا المتن يقتصر على جانب الأسماء والصفات فقط؟

    الجواب: ليس هذا صحيحاً، بل فيه أنواع التوحيد كلها، وحتى فيه أمور زائدة على ما ليس من توحيد الله عز وجل، مثل أقسام الإيمان الأخرى؛ فإنها كلها مذكورة فيه، وقد جاء التصريح بما يتعلق بتوحيد الإلوهية في قوله:

    واجتنبوا الشرك الجلي والخفي ولو بما فيه اختلاف السلف

    فأفردوه جل بالعباده لا تشركوا في نوعها عباده

    فلا تسموا ولداً عبد علي أو تنذروا لصالح أو لولي

    ولا تمسوا قبراً أو تمسحوا ولا تطوفوا حوله أو تذبحوا

    لا تعبدوه بسوى ما قد شرع بل نتقرب بجلب ما نفع

    وصرح بتوحيد الربوبية في قوله:

    .... وبالربوبية وحدوه فهو الذي تعنو له الوجوه

    لا تجعلوا إذا دعوتم وسطا بينكم وبينه فهو خطا

    وكل هذا من توحيد الربوبية.

    وأما أنواع الإيمان الأخرى فهي مذكورة فيه: الإيمان، وتعريف الإيمان، والإيمان باليوم الآخر، والإيمان بالرسل، والكتب المنزلة، والملائكة، وبالقدر خيره وشره، ومشاهد القيامة، وما يتعلق بالإيمان باليوم الآخر، كل هذا مذكور فيه؛ فهو متضمن لكل أبحاث الإيمان.

    1.   

    بعض اللغات في الهمزة

    السؤال: لماذا لم يثبت الشيخ الهمزة في يشاء في قوله: فما يشا فينا يكن لو لم نشا؟

    الجواب: هذه الهمزة فيها أوجه كثيرة في اللغة، ومنها:

    تحفيفها بقلبها ألفاً، وهو كثير، وهي لغة قريش في مثل هذا، ولو أتى بالهمزة لم يكن ذلك مستقيماً في الوزن، فأسهل منها الإتيان بالألف؛ لأنه لو أتى بها ساكنة في الآخر كان النطق بها صعباً، ولذلك يقول ابن المبري رحمه الله:

    والهمز في النطق به تكلفُ فسهلوه تارة وحذفُوا

    وأبدلوه حرف مد محضاً ونقلوه للسكون لفظاً

    كل هذه تسهيلات في القراءة، وهذا ذكره ابن المبري في كتابه الدرر اللوامع في أصل ما قرأ الإمام نافع .

    1.   

    سؤال متعلق بتحريك قافية النظم

    السؤال الثالث: لم لا يصح تحريك قافية البيت رقم ثمانية وأربعين:

    وليس يطعمه ولن يناله لحومها ودماء ما يهدى له

    الجواب: بل يجوز فيها أن تقول: ولن ينالهُ لحومها ودماء ما يهدى لهُ ......، لكن الإسكان في مثل هذا أجود في القافية.

    1.   

    بعض معاني الإدراك

    السؤال: الإدراك بمعنى سعة العلم، هل يدخل في ضمن ذلك قوله تعالى: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ[غافر:19] ؟

    الجواب: هذا كله إدراك، والله سبحانه وتعالى يعلم ذلك تفصيلاً، فهو إدراك كامل له، لكن العلم قد يكون بالإدراك مثل المذكور هنا، وقد يكون دون ذلك، مثل علمك أنت بمن يطرق عليك الباب، فأنت جازم بأن وراء الباب شخصاً يطرق عليك، لكن لا تدركه؛ لأنك لا تعلم لونه، ولا تعرف قامته، ولا هل هو صغير أم كبير، ولا هل هو ذكر أو أنثى، فهذا هو الفرق بين العلم والإدراك، فإن العلم يشمل الجميع.

    1.   

    إطلاق لفظ القرآن على الكتب المنزلة من عند الله تبارك وتعالى

    السؤال: حديث: (ما أذن الله لشيء أذنه لنبي حسن التلاوة يتغنى بالقرآن)، هل (بالقرآن) هنا زيادة؟

    الجواب: هي رواية في الحديث؛ لأن القرآن المقصود به: الكتاب المنزل مطلقاً، وقد جاء في كثير من الأحاديث إطلاق القرآن على الكتب الأخرى التي تقرأ، فقد جاء ذكر قراءة داود للقرآن، والمقصود بالقرآن الزبور المنزل عليه، أو الكتب التي كان يقرؤها وهي التوراة والإنجيل والزبور، وجاء هذا في عدد كبير من الأحاديث التي فيها تصريح بقراءة الأنبياء للقرآن.

    1.   

    الفرق بين القضاء والحكم

    السؤال: ما هو تلخيص الفرق بين القضاء والحكم؟

    الجواب: قضاء الله سبحانه وتعالى هو رتبة من مراتب قدره، والمقصود به: تنفيذ ما يريد أن يكون على وقت ما أراد، مثل جلوسنا هذا قد أراده الله قبل خلقنا ثم كتبه، وقد كتب أنه سيقع في هذه السنة كذا وفي هذه الليلة كذا، ثم ينفذ ذلك في وقته الآن، فهذا قضاءه.

    ويأتي القضاء بمعنى الأمر دون إلزام، وذلك مثل قوله: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ[الإسراء:23] ، إذا كان الخطاب لأمة الدعوة.

    ويأتي بمعنى الأمر بالإلزام إذا كان الخطاب لأمة الإجابة في هذه الآية مثلاً.

    ويأتي القضاء بمعنى الفصل بين الخصوم، وذلك مثل القضاء في يوم القيامة.

    أما الحكم فإنه في أغلب إطلاقاته في النصوص الشرعية إنما يطلق على الإلزام بالقوة الحكمية، مثلاً: الفصل بين المتخاصمين وفض النزاع هذا يسمى حكماً، والقهر والغلبة يسمى حكماً، لكن مجرد الإيجاب أو مجرد الطلب غير الموجب يسمى قضاءً ولا يسمى حكماً، فبينهما تداخل، وبينهما عموم وخصوص.

    فالحكم يشمل ما لا يشمله القضاء؛ حيث يطلق على السلطان، والقضاء يشمل ما لا يشمله الحكم؛ حيث يطلق على تنفيذ الأشياء بعد أن لم تكن، فكل واحد منهما يختص بشيء، ويشتركان في عموم دلالتهما، وهذا الحال من وجود عموم وخصوص لهما من وجه كثير في الصفات، فهي تتداخل في أشياء، وتختص كل صفة بشيء آخر.

    أما السؤال عن إطلاق القضاء، فإطلاق القضاء بيننا أغلبه على فصل النزاع مثلاً، ولكن كلمة (قضى) في اللغة تستعمل لكثير من المعاني غير هذا:

    فهي تطلق على الموت: مثل قوله تعالى: فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ[القصص:15] .

    وتطلق على الإنهاء والإبلاغ: مثل قوله تعالى: وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ[الحجر:66] .

    وتطلق على الفصل: ومن ذلك قول الله تعالى: قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ[يوسف:41] .

    وتطلق على الخلق: مثل قوله تعالى: فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا[فصلت:12] ، ولها عدة إطلاقات غير هذه، حيث تطلق تقريباً على عشرة معانٍ في اللغة العربية.

    1.   

    معنى مثلية الأرضين السبع للسماوات السبع

    السؤال: ما هو التقابل في السماوات السبع والأرضين السبع؟

    الجواب: لم يرد في القرآن التصريح بأن الأرضين سبع إلا في موضع واحد وهو في سورة الطلاق في قوله تعالى: وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ[الطلاق:12] ، فقد صرح بمثلية الأرضين للسماوات، والمثلية لا يقصد بها المثلية بمعنى التشابه؛ لاختلاف حال السماوات عن حال الأرضين، وإنما نص العلماء على أن المقصود بالمثلية: المثلية العددية فقط، وإلا فلا يمكن مقارنة السماوات والأرض لا من حيث الضخامة والكبر ولا من حيث الارتفاع والانخفاض ولا من حيث مكونات الخلق، فالمثلية إنما هي في العددية فقط.

    وأما في الأحاديث فقد جاء التصريح بأن الأراضين سبع، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم رب السماوات السبع وما أظللن ورب الأرضين السبع وما أقللن)وجاء كذلك في الحديث: (إن السماوات السبع والأراضين السبع في قبضته).

    وأما في العلم الحديث فإن أهل العلم الحديث في أصل نظريتهم لا ينطلقون من مبدأ الإيمان والتسليم بما جاء به الوحي، وإنما يتحدثون عما وصلوا إليه وما وجدوه، ولذلك ليس للسماء ذكر في قاموس العلم الحديث، ولا يعرفون شيئاً اسمه السماء، إنما يعرفون الطبقات المحيطة بالأرض فقط، وهي أنواع: بعضها غازات، وبعضها طبقات جوية، وبعضها فضاء خارجي .. إلى آخره، لكن هذه كلها من عالم الأرض وليست من عالم السماء، حتى المدارات البعيدة التي فيها الكواكب البعيدة جداً والتي تبعد السنوات الضوئية عن الأرض، ومع ذلك تعتبر من الأرض ولا علاقة لها بالسماء؛ لأن السماء لا يمكن أن يصلها البشر بوجه من الوجوه.

    وأما بالنسبة لقوله تعالى: وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا[نوح:16] ، ليس المقصود أن القمر حجر من السماء أو أنه لاصق بها، بل هو كما تقول: فلان في البيت، وليس معناه أنه حجر من سقفه أو منه، بل المقصود: أنه في داخله، فكذلك القمر وغيره من الكواكب كلها ليست في داخل السماوات، وكلها تنسب إلى الأرض، ولذلك المجموعة الشمسية التي نحن فيها والمجموعات الشمسية الأخرى والمجرات المعروفة كلها، وطبقة اليونسفير وما دونها والفضاء الخارجي؛ كل هذا الذي اطلع عليه علمياً اليوم هو من الأرض لا علاقة له بالسماء، ولهذا فإن السماء محفوظة، كما وصفها الله بذلك في قوله: وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ[الأنبياء:32] ، فلا يمكن أن يصل البشر إليها بوجه من الوجوه.

    وهذه السماء الدنيا فقط هي المزينة بالكواكب، أما السماوات الأخرى فليس فيها شيء من الكواكب هذه، ولهذا قال: وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ[فصلت:12] ، وهذا التزيين هو بحسب الرؤية؛ لأننا إذا رأينا المصابيح فإنما تكون زينة للسماء، ولا يمكن أن تكون زينة للأطباق الأخرى التي فوقها، فهي تحول دونها السماء الدنياء.

    والسماء سقف حصين له أبواب تفتح ولا يمكن النفوذ منه دون فتح الأبواب بحال من الأحوال، حتى الأرواح التي يعرج بها الملائكة إذا لم يؤذن لهم ويفتح لهم أبواب السماء يرجعون إلى الأرض بها، ولهذا قال الله تعالى في أرواح أهل الشقاوة: لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ[الأعراف:40] ، والرسول صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به حين عرج إلى السماء استفتح جبريل واستأذن وعرَّف بنفسه وبمن معه حتى فتح له باب السماء.

    ولا يمكن أن يصل البشر ولا الجن إلى أقطار السماء أبداً، ولهذا قال الله تعالى : يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ[الرحمن:33] ، وهذا للتحدي، فصيغة افعل هنا ليست للأمر، وإنما هي للإعجاز مثل قوله سبحانه: قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا * أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ[الإسراء:50-51] ، فهي للإعجاز المطلق.

    إذاً: إذا كان الناس عاجزين عن اكتشاف السماء الدنيا فمن باب أولى السماوات الأخرى التي فوق ذلك، والكرسي فوق السماوات، والعرش فوق ذلك، والله سبحانه وتعالى فوق كل ذلك.

    أما الأرضون فقد اختلف فيها ما هي:

    فقيل: هذا الذي نكتشفه نحن ونعلمه ويصل إليه علمنا كلها أرض واحدة بما فيها من الكواكب، وإن كانت هذه الأرض التي نسكنها لا تمثل شيئاً بالنسبة للكواكب الأخرى؛ لأنها كوكب صغير في المجموعة الشمسية التي هي فيها، وفيها كواكب أضعاف الأرض عدة مرات.

    وقالت طائفة أخرى: بل الكواكب الكبرى أرضون، وهذا قد يشكل إلا إذا اعتبر بالمجرات الكبرى فلا يبعد أن تصل إلى السبع فيكون الأمر كذلك، وقد روي عن ابن عباس ما يدل على هذا، فقد جاء عنه: أن الأرضين السبع في كل واحدة منها آدم كآدمنا، وأن فيها شرائع ورسل كرسلنا. وهذا الذي قاله ابن عباس إن كان قاله برأيه فالمقصود أنه أخذه من المثلية في قوله: وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ[الطلاق:12] ، ففهم ابن عباس من المثلية. المثلية في الملك والجبروت، ولا يكون ذلك إلا بوجود هذه الجنود فيها.

    لكن ظاهر الآيات أن الجنس البشري مقصود على هذه الأرض، وأن لله تعالى خلائق أخرى لا نعرفها ولا ينبغي لنا أن نعرفها في الأرضين الأخرى وفي غيرها، ولهذا حين استشكل المشركون وجود نبي من البشر في الأرض قال الله تعالى: قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا[الإسراء:95] ، فبين أن الرسل في هذه الأرض لا ينبغي أن يكونوا إلا من أهلها من البشر، إذ لو كان سكانها ملائكة لكان رسلهم من جنسهم، أي: لكان رسلهم ملائكة، وهكذا.

    وعموماً هذا الخلاف فيما يتعلق بالأرضين لا نستطيع حسمه، وينبغي الوقوف عنده، ولا يتوسع الإنسان فيه؛ لأن العلم محصور، وليس لنا من العلم إلا الشيء القليل، كما قال تعالى: وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا[الإسراء:85] ، لكن الذي يجزم به ويقطع أن السماوات فوق كل هذه المخلوقات، وقد جعلها الله عز وجل سقفاً محفوظاً، والله عز وجل أخبر عن رفعه لها، وهذا الرفع لا يمكن أن يتصور مثله، ولذلك في المسافات وفي الارتفاع وفي الشرح ما جاء قياسها إلا بالسنوات، وهذا يدلنا على قضية السنوات الضوئية هذه وأهميتها في تقييم المسافات، فالرسول صلى الله عليه وسلم يذكر السنوات في ذكر المسافة، كذكر خمسمائة عام في مسافة الانتقال إلى العلو، وكان هذا متشابهاً قبل أن تعرف السنة الضوئية، واليوم بالنسبة للمسافات لو كان النبي صلى الله عليه وسلم ذكر للناس المسافات مثل مسافات الأرض لكانت المسافات التي تقطع اليوم في هذه المراكب أضعاف أضعاف ما يمكن أن يتصور في ذلك الوقت.

    فإذاً: من إعجاز الخبر النبوي أنه لم يقوِّم المسافات في الارتفاع إلا بالسنوات، مع أن تقويم المسافات عند أهل ذلك الزمن كان بالمراحل أو بالوحدات مثل الأميال أو نحو ذلك، لكنه صلى الله عليه وسلم ما حدد بهذا، وإنما حدده بالسنوات، والسنوات من وحدات الزمن وليست من وحدات المكان، والمسافات من وحدات المكان وليست من وحدات الزمان، فارتبطت وحدات الزمان بوحدات المكان ليصل هذا إلى حد الإعجاز.

    1.   

    أقسام الصفات واشتقاق الأسماء منها

    السؤال: ما حكم إطلاق الألفاظ التي فيها تكريم على الله سبحانه وتعالى دون توقيف؟

    الجواب: هذه المسألة اختلف فيها أهل العلم، فقالوا: الصفة إما أن تقتضي نقصاً أو لا تقتضي نقصاً، وإما أن يرد بها نص أو لا يرد بها نص، فهذه أربعة أقسام من الصفات:

    القسم الأول: الصفات التي لا تقتضي نقصاً وورد بها النص، فهذه لا إشكال فيها إطلاقاً، مثل صفات الله الواردة في النصوص الشرعية.

    القسم الثاني: الصفات التي قد توهم نقصاً، ولكنها ورد بها النص، فهذه تثبت وينزه الله عن ذلك النقص مثل قوله تعالى في الحديث القدسي: (جعت فلم تطعمني) ، وقد فسر ذلك وبين المقصود به، وهذه لا يُتعدى بها محل النص، ولا يجوز إطلاقها إلا في موضعها، ومثل قوله تعالى: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ[آل عمران:54] ، ومثل قوله تعالى: يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ[النساء:142] ، فلا يُتعدى بها محلها، ولا يتجاوز بها نفس الآية أو الحديث الذي وردت فيه أبداً.

    القسم الثالث: ما لا يقتضي نقصاً ولم يرد به النص، مثل صفات الكمال التي لم يرد بها النص، فهذه اختلف في إطلاقها، والراجح جواز إطلاقها؛ لدلالة عمومات المدح عليها؛ لأن الله امتدح نفسه بكل كمال، وامتدحه رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك، فهذا يقتضي وصفه بكل كمال نعبر نحن عنه.

    القسم الرابع: ما يقتضي نقصاً ولم يرد به نص، فهذا لا يجوز إطلاقه بالكلية.

    يبقى مسألة أخرى وهي: اشتقاق الأسماء من هذه الصفات، أما الأسماء التي جاء إطلاقها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي توقيفية، وما ورد به النص من الأسماء فليس فيه شيء يقتضي نقصاً، وهذا لا نقاش فيه.

    أما الصفات التي لا تقتضي نقصاً ولم يرد بها نص فقد اختلفت في استعمال الأسماء منها، مثل: المحسن، فالمحسن لم يرد به نص، وأنت قد تسمي ولدك مثلاً: عبد المحسن، أو عبد المتفضل، وهذا لم يرد به النص، فهل يجوز إطلاقه؟

    الجواب: هذا محل خلاف بين أهل العلم:

    قالت طائفة من أهل العلم: يجوز أن تسمي عبد المحسن، ويجوز أن تطلق على الله أنه محسن؛ لأن كل من قام به وصف يجوز أن يشتق له منه اسم، والعكس أيضاً: من لم يقم به وصف لا يجوز أن يشتق له منه الاسم، ولذلك يقول الناظم:

    وغير من قام به وصف فلا يشتق منه اسم له من عقلا

    و السيوطي رحمه الله ذكر أطراف هذه المسألة حيث قال:

    أسماؤه سبحانه موقفه ثالثها الاسم فقط دون الصفه

    ويكتفى بمرة والمصدر والفعل والظنون في المعتبر

    فأسماؤه سبحانه توقيفية، وهذا على القول بأن الأسماء والصفات توقيفية.

    القول الثاني: أن الأسماء توقيفية بخلاف الصفات.

    القول الثالث: أنها غير توقيفية مطلقاً لا الأسماء ولا الصفات، أي: أن كل وصف يقتضي كمالاً يجوز إطلاقه على الله، ويجوز أن يشتق له منه اسم كالمتفضل والمحسن.

    هذه الأقوال الثلاثة اختصرها السيوطي رحمه الله في قوله:

    أسماؤه سبحانه موقفه ثالثها الاسم فقط دون الصفه

    ثم قال بعد هذا في الصفات:

    ويكتفى بمرة، أي: لو جاء الاسم في حديث واحد من أخبار الآحاد أو الصفة في خبر واحد من أخبار الآحاد مرة واحدة فيكفي ذلك في إثباتها.

    قوله: والمصدر، أي: كذلك إذا جاء المصدر فقط فإنك يجوز أن تشتق لله منه اسماً أو صفة لثبوته بالوحي.

    وقوله: والفعل، أي: كذلك لو أطلق فعل على الله سبحانه وتعالى ولم يرد منه وصف فيجوز اشتقاق الوصف منه، وكثير مما نذكره من الصفات هنا إنما جاءت بلفظ الفعل أو المصدر كما في الحكم، فلم يأت اشتقاق الوصف منه إلا أحكم الحاكمين، وأحكم الحاكمين وصف من الحكم أو من الحكمة، لكنه أضيف إلى الحاكمين فكان ذلك يقتضي إثبات الصفة، وقد جاء بالفعل وجاء بالمصدر:

    جاء بالمصدر في قوله تعالى: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ[الأنعام:57] وقوله سبحانه: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ[الشورى:10] ، وجاء الفعل في قوله تعالى: يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ[البقرة:113] .

    وقوله: والظنون، أي: أخبار الآحاد إذا وصلت إلى درجة المقبول بأن كانت صحيحة أو حسنة، فذلك كافٍ في الاحتجاج بها في إطلاق الصفات والأسماء على الله سبحانه وتعالى، هذا هو القول الراجح.

    1.   

    حكم التأويل في النصوص الشرعية

    السؤال: هل يصح أن يقال: إن ما جاء في النصوص من مثل: (مرضت فلم تعدني)، من الصفات المؤولة؟

    الجواب: نعم، ثبت تأويله بالنص، والتأويل ليس كله محظوراً، ولذلك ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في التدمرية القاعدة الثالثة في التأويل أن التأويل ليس منفياً مطلقاً ولا مثبتاً مطلقاً، بل منه ما هو مثبت، ومنه ما هو منفي.

    والتأويل عند الأصوليين هو صرف اللفظ عن ظاهره لدليل يقتضيه، فاللفظ إذا جاء دليل شرعي يقتضي صرفه عن معناه الظاهر المتبادر يحمل عليه، هذا هو معنى المؤول عند الأصوليين، وهو التأويل الصحيح؛ لأن التأويل الصحيح لابد أن يكون بدليل، إذ التأويل من غير دليل تأويل باطل.

    1.   

    حدود الأرض

    السؤال: ألا يكون القول بأن المجرات ومجموعتنا الشمسية تابعة للأرض يناقض كون الأرض من أصغر كواكب المجموعة؟

    الجواب: لا يناقض ذلك؛ لأن الأرض لها إطلاقان: تطلق على هذا الكوكب الذي نحن عليه بيبسه وبلله، وتطلق على ما هو أكبر من ذلك، ولهذا فإن الجاذبية الأرضية تابعة للأرض ومساحتها مساحة قريبة من الأرض، مثلاً: حجاب الصوت لا يتجاوز خمسين ألف قدم تقريباً، والجاذبية تزيد على ذلك قليلاً، ويختفي من منطقة إلى أخرى، وما فوق الأرض من الأحجبة التي تحجبها عن أشعة الشمس ونحو ذلك من الطبقات الغازية يتبع الأرض، مثل طبقة الأوزون، ومثل الطبقات الأخرى التي تتبع الأرض، وهي معدودة.

    ولذلك فإن الأهوية القريبة من الأرض مثل الأكسجين الذي نتنفس به وغيره هي تابعة للأرض قطعاً، ولهذا يجوز بيعها إذا تملكها الإنسان، فإذا ملكت أرضاً فيجوز أن تبيع الهواء الذي فوقها بأمتار معينة؛ فمن ملك أرضاً ملك هواءها، وما كان معدوماً لا يجوز بيعه، وما لم يكن من الأرض ليس لنا، والله تعالى يقول: خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا[البقرة:29] ، فأنت تستطيع أن تبيع -مثلاً- عشرة أمتار فوق ثلاثين ألف قدم، ولهذا فناطحات السحاب الآن ما فوقها من الهواء تبع لها، ويملكه أهل الأرض، فلا يحجر عليهم فيما بنوه، فالسقوف فوق ذلك ملكهم، ولهذا نص الفقهاء على هذا، فمثلاً: يقول خليل رحمه الله: وجاز بيع عمود عليه بناء للبايع إن انتفت الإضاعة وأمن كسره ونقضه البائع، وهواء فوق هواء إن وصف البناء وغرز جذع في حائط وهو مضمون إلا أن يذكر مدة فإجازة تنفسخ بانهدامه.

    فهذا يدلنا على أنها تابعة للأرض.

    1.   

    أقسام الطوائف الذين قاتلوا علياً رضي الله عنه وموقف ابن عمر رضي الله عنه من ذلك

    السؤال: ما هو موقف ابن عمر رضي الله عنه فيما حصل بين الصحابة رضوان الله عليهم؟ وهل كان هذا الموقف متفقاً عليه أو كان محل خلاف؟

    الجواب: كان محل خلاف؛ فالطائفتان المتقاتلتان كانتا تريان الخوض في الأمر والمناقشة فيه والمجادلة، ولذلك فإن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يستشهد الصحابة على أمر الرسول صلى الله عليه وسلم له بمقاتلة الخوارج، وبمقاتلة الناكثين والخارجين والمارقين.

    فهو يفهم ذلك على أن الناكثين هم: من خرج مع طلحة و الزبير رضي الله عنهما وقد بايعوه، ورأى أنهم نكثوا بيعته.

    والخارجين: يقصد به أهل الشام الذين خرجوا عن بيعته.

    والمارقين: هم الخوارج الذين مرقوا من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية.

    فإذاً: هذه ثلاثة أقسام:

    القسم الأول: الناكثون، وهم أهل حق لا غبار عليهم، بل أكثرهم من أهل الجنة مقطوع بذلك.

    القسم الثاني: الخارجون، وهم طائفة باغية عليه، يعني: فئة باغية من أهل الإسلام ومن أهل الخير والصلاح، وفيهم من هو من أهل الجنة قطعاً أيضاً.

    أما القسم الثالث: فهم المارقون.

    فهو رأى قتال هذه الطوائف الثلاث، واستدل بأمر النبي صلى الله عليه وسلم له، واستدل على الزبير بحديث: (تقاتله وأنت له ظالم)، واستدل عليه أيضاً في قتال الخوارج بأنه قال: (بل يقتلهم خاصف النعل)، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في طريق فانقطع شسع نعل علي رضي الله عنه، فجعل يخصف نعله، فذكر الرسول صلى الله عليه وسلم الخوارج ومروقهم من الدين، وأن من قتلهم له أجر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لو شهدهم لقتلهم كقتل عاد وإرم، فقال: (أأقتلهم؟ قال: بل يقتلهم خاصف النعل)، يقصد بذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهذا تشريف له، وكل واحد من الخلفاء الراشدين له ميزة اختص بها.

    فمذهب ابن عمر رضي الله عنه هو اعتزال القضية بالكلية، وهذا الذي رآه هو، ورآه أسامة بن زيد ، ورآه سعد بن أبي وقاص ، وغيرهم من كبار الصحابة رأوا هذا الرأي، لكن كان مع علي في رأيه ثمانمائة ممن بايع تحت الشجرة بيعة الرضوان، وكلهم مقطوع بأنهم من أهل الجنة، ويجب الإيمان بأنهم من أهل الجنة.

    وكان كذلك مع معاوية رضي الله عنه عدد كبير من الصحابة رضوان الله عليهم، وكان في أهل الجمل من هو مقطوع بأنه من أهل الجنة، كـعائشة و الزبير و طلحة، وكان في الفئة الأخرى مع علي رضي الله عنه عدد مقطوع بأنهم من أهل الجنة.

    فإذاً: لم تكن القضية محل اتفاق، لكن كان مذهب هؤلاء هو اعتزال الطائفتين، وقد استمر عليه ابن عمر حتى بعد هذا، حتى في معركة كربلاء، وكان إذا ذكرت له معركة كربلاء يقول: قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ[الزمر:46] ، ولا يخوض في أمرها، مع أنه نصح الحسين رضي الله عنه ألا يتوجه إلى العراق.

    وحين دخل على عائشة بعد الجمل قال: لوددت أنك ما خرجت، فقد كنت أعلم عاقبة الأمر.

    فقال: لمَ لم تنصحني يا أبا عبد الرحمن ؟!

    قال: رأيت رجلاً قد غلب عليك. يقصد: أن عبد الله بن الزبير غلبها على رأيها.

    فـابن عمر كان يقدر هذه الظروف، ولذلك لم يبايع لأحد بعد بيعته لـعلي في المدينة إلى أن بايع عبد الملك بن مروان ، وبيعته لـعبد الملك مروية في صحيح البخاري ، فإنه كتب إليه بذلك.

    ولم يبايع معاوية رضي الله عنه، وحين طلب معاوية بيعة أهل المدينة من جديد امتنع ابن عمر عنها، وهكذا امتنع عبد الرحمن بن أبي بكر و الحسين و عبد الله بن الزبير عن تلك البيعة من جديد.

    1.   

    العلاقة بين الإنس والخلائق الأخرى

    السؤال: هذه الخلائق الأخرى التي جاءت بها النصوص كقوله تعالى: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ[المدثر:31] ، هل بينها من الألفة والتعارف مثل ما بين البشر؟ وهل تعرف أجناسها وأحوالها وقد حجب البشر والجن عن ذلك، أو ليس الأمر كذلك؟

    الجواب: العلاقة بين الإنس والجن هي الموضحة بالنصوص؛ فإن الجن يروننا من حيث لا نراهم، وقد حرمنا رؤيتهم على الوجه الذي هم عليه على الحقيقة، ولا يقتضي ذلك حرماننا من رؤيتهم مطلقاً، وهم يروننا وليس معناه أنهم يروننا مطلقاً، بل قال تعالى: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ[الأعراف:27] ، أي: من غير الجهة التي ترونهم منها.

    والجن على هذا في الدنيا يطلعون على كثير من أمور الإنس، ويذكر أن في يوم القيامة يراهم الإنس وهم لا يرون الإنس، فينعكس الأمر، يذكر هذا عن بعض الصحابة وبعض السلف.

    وقد جاء أن الخلائق الأخرى تشعر بأشياء لا يشعر بها الإنس والجن، كما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خير أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أهبط، وفيه أرسل إليه، وفيه مات، وفيه تقوم الساعة، وما من دابة إلا وهي مطرقة مصيخة من طلوع فجره إلى طلوع شمسه تنتظر الساعة إلا الإنس والجن)، وكذلك في حديث أسماء في الصحيحين في عذاب القبر: (أن الملكين يضربانه بمزربة معهما، وفي الرواية الأخرى: يضربانه بمطارق بين فوديه أو بين قرنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الإنس والجن)، قوله: (من يليه) يمكن أن يكون من الملائكة والأشجار وهذه الأنواع أيضاً التي نجهلها.

    لكن مع هذا فيتصور أن بعض ما اكتشف منها ليس له ذلك العلم، فمثلاً: اكتشف الآن الميكروبات والجراثيم ونحوها من عجائب الخلق، وهذه يرى بعض أهل العلم أنها داخلة في الجن، وأنها فصائل من الجن؛ لأن لها بعض أوصاف الجن؛ قالوا: لأن فيها التكاثر والضرر على الإنسان، ولزوم الأقذار والأوساخ، وأنها تجري من ابن آدم مجرى الدم، وهذه من خصائص الجن، وكلها تحصل في الميكروبات، فهي خصائص ثابتة بالنص للجن، وهي حاصلة في هذه الأجناس، ومع ذلك هي حيوية فعلاً وفيها حياة، وبالأخص بعض الميكروبات الضارة جداً التي تجري من ابن آدم مجرى الدم، ولها تمييز في أماكن الضعف.

    ونحن نراها، لكن لا نراها بالعين المجردة، فيمكن أن نراها بوسائل خاصة، ومثل هذا قد ينطبق على الجن، فالله سبحانه لم يقل: لا ترونهم مطلقاً، إنما قال: يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ[الأعراف:27] ، فيمكن أن يكتشف في المستقبل مجاهر يرى بها الجن أيضاً، ولا مانع من هذا، لكن لا يرون من الجهة التي يروننا منها.

    فلذلك هذه المخلوقات العجيبة والذرات الكونية المتحركة فيها ذرات تتحرك دائماً، وهذه الحركة هي عبارة عن حياة وإن لم يكن فيها نماء ولا زيادة.

    فمثلاً (الكوارتز) هذه في حركة دائمة، ويقال: إن الجبال أيضاً في داخلها حركة دائماً، وكذلك البراكين فيها حركة دائمة، سواءً كانت في يبس أو كانت في بلل، فالبراكين نوعان:

    براكين صخرية، وهي التي في اليبس، وحركتها أنك تشعر بغازيتها وبالحيوية فيها، ولذلك يزداد نشاطها في بعض الأزمنة ويخف، ومن البراكين ما ينشط في وقت معين ويخف نشاطه في وقت آخر.

    والبراكين البحرية كذلك مثل بركان باسيد هذا الذي يطلق على البركان الكبير الأعظم في الدنيا الذي يوجد في المحيط الأطلسي؛ فإنه أكبر بركان في الدنيا، وهو إلى الآن لازالت النار تشتعل فيه، وله نفق في البحر تمشي فيه النار يميناً وشمالاً، ولا تتأثر به الكائنات الحية الموجودة في البحر، وقد أطلق عليه الأمريكان اسم باسيد، وهذا الاسم يرتبط بأسطورة قديمة لدى اليونانيين حين يطلقون باسيد على إله البحر كما يسمونه، فهو إطلاق خرافي من الإطلاقات الشركية اليونانية القديمة.

    1.   

    الفرق بين علم الظهور والعلم المتجدد

    السؤال: ما معنى ذكر علم الله بعد الابتلاء ونحوه؟

    الجواب: يقول الله عز وجل في القرآن الكريم: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ[آل عمران:142] ، ويقول سبحانه: فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا * لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ[الجن:26-28] ، ونحو ذلك.

    والمقصود بذلك: ظهور ذلك وخروجه من عالم الغيب إلى عالم الشهادة، وليس المقصود تجدد العلم.

    فالعلم هنا يطلق على إطلاقين:

    يطلق على علم الله به، وهذا يستوي فيه عالم الغيب والشهادة.

    ويطلق على علم المخلوقات به، وهذا يختص بعالم الشهادة فقط.

    فما دام الشيء في عالم الغيب فإن الله يعلمه ولا تعلمه المخلوقات، لكن إذا ظهر إلى عالم الشهادة علمه من أراد الله له أن يعلمه من المخلوقات، وقد قرئ في القراءات الشاذة: لِيُعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ[الجن:28] ، فإذا قرأت: (( لِيُعْلَمَ ))[الجن:28] ، فما معنى الآية؟

    قال تعالى: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ[الجن:26-27]، أي: بالإرهاصات التي تسبق بعثته، وَمِنْ خَلْفِهِ[الجن:27] ، أي: بالمعجزات التي يشهدها، رَصَدًا[الجن:27] ، لِيُعْلَمَ[الجن:28] ، معناه: ليعلم الناس أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا[الجن:28] ، أي: أن قد أبلغ الرسل رسالات ربهم.

    وعلى هذا فالمعجزات ربما يعلم فيها النبي بعض الغيب ويخبر به، لكن عن طريق الوحي، فيكون ذلك معجزة، فقوله: لِيُعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ[الجن:28] ، أي: ليعلم الناس أنهم لم يأتوا بهذا من تلقاء أنفسهم، وإنما أخبروا عن ربهم؛ لأنه قد قامت المعجزة حجة على ذلك.

    1.   

    إخبار المتقدمين يوم القيامة بالمكتشفات العلمية

    السؤال: ما يتجدد من الاكتشافات العلمية ونحوها، هل يخبر بها الناس يوم القيامة حتى يستوي في علمها المتقدمون والمتأخرون، أم تبقى حكراً على المتأخرين الذين عرفوها في الدنيا ولا يعلم بها من مضى؟

    الجواب: أن هذا راجع لتقسيم الأرزاق، فالله سبحانه وتعالى يكتب لكل طائفة من الرزق ما يشاء لها، وكل قوم يقدر لهم من الرزق ما يتناسب معهم، ولذا فقد تجدد من الأرزاق وأنواع المعاشات والسكن واللباس والمراكب وغير ذلك ما حرمه السابقون، وفي الجنة يعوض الجميع خيراً مما كانوا فيه، حتى الذين نعموا بأرقى أنواع المعاش إذا دخلوا الجنة كأن لم ينالوا أي شيء مما يحبونه.

    وبالنسبة لمجرد إطلاعهم على هذه الأمور لم يرد به نص، فالأصل عدم ذلك، لكن يبدو أن بعض الرسل قد أخبروا بشيء من هذه الأمور، ولذلك جاءت كثير من نصوص الوحي تدل على بعض الإعجاز العلمي الحالي، وعلى كثير من الأمور التي لم تكن تعرف في الزمان الأول وهي من الإعجاز العلمي الموجود، مثل: عدد مفاصل الإنسان، هذا لا يمكن أن يعرف في القديم، وقد عرف بالوحي، ومثل: الإخبار بالظلمات التي في البحر، قال تعالى: فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ[النور:40] ، وهذا كان سبباً لإسلام أحد العلماء الكبار؛ لأنه درس البيئة التي عاش فيها النبي صلى الله عليه وسلم وهذا لم يكن موجوداً فيها؛ إنما هو في القطبين الشمالي والجنوبي، ولم يقصدهما قطعاً، ولا علم له بهما، وقد نزل الوحي بهذا.

    فإن هذا الظلام الدائم في هذا المكان هو في القطب الشمالي حيث يمكث ستة أشهر كاملة لا تطلع عليه الشمس بسبب الغيوم المتراكمة، وهكذا أيضاً نفس الشيء في القطب الجنوبي.

    والإعجاز العلمي في هذا كثير جداً لا حصر له، وكثير منه بدأ الناس اليوم يكتشفونه ويظنونه مكتشفاً جديداً، ويكون قد جاء بالوحي، مثل العلاجات النبوية بالعسل وغيره، ونحو ذلك.

    وتطاول الناس في البنيان هذا ما عرف في العصور القديمة، إنما عرف في زماننا هذا، والتطاول معناه أن يقول المتطاول: هذا أكبر مني داراً فلابد أن أطيل داري، وهكذا، قال صلى الله عليه وسلم في ذكر أمارات الساعة: (وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان).

    وكذلك الإخبار ببعض ما سيحصل من التطور الحضاري في بعض الأماكن بخصوصها، مثل فتح العراق، واليمن، والشام، حيث أخبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم وبما سيقع من أمور ستحصل، وأخبر أيضاً عن أمور غيبية في المدينة وفي مكة وفي غيرهما، كقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيت بنيان مكة يطاول جبالها فاعلم أن الأمر قد أظلك)، وفي الحديث الآخر: (إذا تبعجت بطون مكة كظائم فاعلم أن الأمر قد أظلك) وهذه الأمور قد حصلت الآن.

    السؤال: ومعنى الحديث: إذا تبعجت بطون مكة كظائم: أن مكة كانت وادياً غير ذي زرع كما وصفها الله بذلك في قوله: بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ[إبراهيم:37] ، فلم يكن الناس يزرعون فيها ولا يحرثون، فإذا كانت بطونها وأوديتها كظائم معناه: جنات ومزارع، (فاعلم أن الأمر قد أظلك)، أي: أن الساعة قد اقتربت.

    1.   

    أجساد الأنبياء لا تبلى

    السؤال: ما معنى (أرمت) في حديث: (وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت)؟

    الجواب: الرمم: جمع رمة، والرمة تطلق على القبر، وتطلق على العظام الرميمة، أي: المتفتتة، فمن إطلاق الرمة على القبر قول توبة بن الحمير :

    ولو تلتقي أصداؤنا بعد موتنا ومن بين رمسينا من الأرض سبسب

    لظل صدى صوتي وإن كنت رمة لصوت صدى ليلى يهش ويطرب

    فقوله: وإن كنت رمة، معناه: قبراً، ومن ذلك ما جاء في الحديث: (وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت؟)، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء).

    فقولهم: (وقد أرمت) معناه: أنهم كانوا يظنون أن كل ميت تأكل الأرض جسده، ولكنه بين لهم أن الأنبياء لا يدخلون في ذلك، ومثلهم الشهداء، قد اختلف في الشهداء: هل الشهداء كلهم كذلك أو يختص هذا بمن جاء النص فيه؟

    فقالت طائفة من أهل العلم: جميع الشهداء لا تأكلهم الأرض أصلاً.

    وقالت طائفة: ويشمل ذلك العلماء أيضاً.

    وقالت طائفة: ويشمل حملة القرآن.

    وقالت طائفة: ويشمل المؤذنين، وهذا كله مبناه على التجارب، فقد جرب حصول ذلك، فبعض العلماء نبشت قبورهم بعد فترة طويلة ووجدت أجسامهم كما هي، وقد حصل هذا لشهداء أحد، فقد نبش معاوية رضي الله عنه بعضهم عندما أراد إجراء العين التي بجوار أحد إلى المدينة، فأمر بستة عشر من الأنصار من شهداء أحد فاستخرجهم، وكان ذلك بعد ست وأربعين سنة من دفنهم.

    وكذلك أخرج السيل جثث أربعة شهداء من المهاجرين وهم: حمزة بن عبد المطلب، وابن أخته عبد الله بن جحش، وشماس بن عثمان، ومصعب بن عمير أخرجهم السيل في عام ستمائة وأربعين من الهجرة فوجدوا كما هم، ولذلك هم اليوم في المكان المعروف وحدهم من شهداء أحد، ولا يقطع بأحد أنه من شهداء أحد غير المهاجرين الأربعة، وكل اثنين في قبر؛ لأنهم دفنوا في الستمائة وأربعين.

    والله أعلم، وصلى الله عليه نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718711

    عدد مرات الحفظ

    765175511