إسلام ويب

التربية الروحيةللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تزكية النفس من أهم الأمور الواجبة على الإنسان حتى يدرك الفلاح في الدنيا والآخرة, وينبغي عليه الحذر من الجبهات المفتوحة ضد نفسه: وهي الشيطان, والنفس الأمارة بالسوء, وفتنة المال والأهل, وإخوان السوء, ومفاتن الدنيا وشهوتها. وترويض النفس وتدريبها يبدأ من الطفولة, فينبغي الاهتمام بتربية الأطفال على الأخلاق الفاضلة من الصبر, والشجاعة, وعلو الهمة, ومحبة الله ورسوله, والاهتمام بالجانب العاطفي لديهم.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    مفهوم تزكية النفس

    فإن الجانب الثاني من التربية هو التربية الروحية، والمقصود بها: تطوير الروح وتنميتها وتزكيتها، وقد أقسم الله سبحانه وتعالى في كتابه أحد عشر قسماً على فلاح من زكى نفسه, وعلى خسران من أهملها، فقال تعالى: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [ الشمس:1-10].

    والتزكية إما أن تكون مشتقة من الزكاء أو من الزكاة، والزكاة: الزيادة, والزكاء: الطهارة، والطهارة هنا مقدمة على الزيادة؛ لأنها من درء المفاسد، والزيادة من جلب المنافع، ودرء المفاسد مقدم على جلب المنافع، وهذا التطهير النفسي هو الذي يسمى بالتخلية؛ أي: إزالة الأخلاق والأوصاف الذميمة عن النفس، والزيادة هي التي تسمى بالتحلية؛ وهي زيادة الأوصاف والأخلاق الحميدة التي تحتاج النفوس إلى اكتسابها.

    النفس بين كونها مفطورة على الاستقامة أو على الشر

    والنفوس في الأصل مفطورة على السلامة والاستقامة كما يرى جمهور أهل العلم، لكن ذهب الإمام الغزالي رحمه الله إلى أن الأصل في النفوس أنها مفطورة على أمراض القلوب، فيقول: لو ترك الصبي دون تربية ولا تدريب ولا تأديب لكان أسوأ ما يكون خلقاً. ويستدل على ذلك بالحيوان البهيمي وبالدواب قبل أن تروض على الاستقامة؛ فإنها تكون دائماً شرودة يصعب التعامل معها، فيقول: كذلك النفس البشرية هي بمثابة الدابة إذا أهملت كانت شروداً تشمئز إذا أحست بلجام أو خطام، وإذا دربت وربيت استقامة وأطاعت, وإذا أحست بالجد انقادت واستقامت له، وتكون مطيعة للأوامر مستعدة للعمل، متأهبة للازدياد من الخير، لكن لا يتم ذلك إلا بالمجاهدة.

    فهذا دليل الغزالي على أن الأصل في النفوس الشر، وأن ذلك يعالج بالتزكية والتنمية، واستدل الغزالي كذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم -وهو المنقى المختار من ولد آدم - شق صدره مرتين، وغسل بماء زمزم, وأزيلت منه المضغة السوداء التي هي موضع أمراض القلوب، فيقول الغزالي: لو كان أحد ينجو من هذه الأمراض بخلقته لنجا منها سيد الوجود والخلائق صلى الله عليه وسلم.

    وأما الجمهور فاستدلوا على أن الأصل السلامة بقول الله تعالى: فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [الروم:30]، وبقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)، وبقوله صلى الله عليه وسلم: ( ما من مولود إلا ويولد كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، فهل ترى فيها من جدعاء، أو فهل ترى فيها من جدع)، وهذا يقتضي أن الفطرة التي فطر الله الناس عليها هي السلامة، ثم بعد ذلك الشياطين هي التي تجتالهم، وقد أخرج مسلم في الصحيح من حديث عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله تعالى يقول: خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين)، فالأصل أن الإنسان بفطرته سليم من هذه الأمراض، لكنه محفوف بأعدائه، وهؤلاء الأعداء يجوسون حول القلب؛ يبحثون عن ثغرة يدخلون منها.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088779992

    عدد مرات الحفظ

    778981574