إسلام ويب

تقويم الله لغزوة أحد [5]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • في ضمن تقويم الله لغزوة أحد بين سبحانه وتعالى سبب تراجع المؤمنين وهزيمتهم وأن ذلك باستزلال الشيطان لهم ببعض كسبهم، وقد عفا الله عنهم وتجاوز، وهذا دليل لحسن الظن بصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم والتجاوز عن عثراتهم. ولذلك كان من الدروس المستفادة من يوم أحد الصفح والحلم والتجاوز عن العثرات، ومنها الإيمان بقضاء الله وقدره وأنه لن يكون إلا ما أراده سبحانه وتعالى، وكذلك أهمية الشورى وما تحتويه من فوائد، والتوكل على الله مع الأخذ بالأسباب، وحاجة المسلمين لاجتماع الكلمة وتوحيد الصف.

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فقد وصلنا في آيات تقويم غزوة أحد إلى قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ[آل عمران:155].

    وقد بين الله سبحانه وتعالى هنا تعليقًا على حدث مهم حصل في غزوة أحد، وهو انهزام طائفة من المؤمنين، وتركهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم في مواجهة العدو بعد أن بايعوه على القتال، وهم لا شك يرغبون في الجنة، ويرغبون في الشهادة في سبيل الله، فيحتاج إلى بيان سبب ذلك، فما السر في انهزام هؤلاء وهم من المؤمنين الصادقين؟ كيف انهزموا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركوه، وهم يحبونه أشد مما يحبون أنفسهم؟ وهم يرغبون في الشهادة في سبيل الله، وكانوا يتمنون الموت من قبل أن يلقوه.

    استزلال الشيطان لبعض الصحابة

    والجواب عن هذا الحدث: بينه الله تعالى بقوله: إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَانُ[آل عمران:155]، فلم يفعلوا ذلك من تلقاء أنفسهم، ولا هو نقص في شجاعتهم، ولا هو نقص في إيمانهم، ولكنه استزلال من الشيطان، فقد دخل عليهم الشيطان من ثغرة، وهي بعض ما كسبوه من قبل؛ أي: إن الشيطان يستضعف الإنسان بسبب ذنوبه السابقة، فيدخل عليه من ثغرات الذنوب، ومن هنا فإن الإيمان حصن الله يدخله المؤمن فيتحصن به من الشيطان والمكاره، ولكن هذا الحصن تعروه الثغرات، وهي خدوش الإيمان وهي السيئات، فإذا اقترف الإنسان كبيرة من كبائر الإثم أو فاحشة من الفواحش، فقد حصلت ثغرة في جدار إيمانه، وهكذا كلما زاد من السيئات، كلما انتقصت حصانة هذا الحصن، وحينئذٍ يدخل الشيطان إليه من تلك الثغرات التي سببها ما اقترف من السيئات؛ فلهذا قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ[آل عمران:155]؛ أي: انهزموا.

    (يوم التقى الجمعان)؛ أي: يوم التقى حزب الله، وهو النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه، وحزب الشيطان وهم المشركون.

    إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَانُ[آل عمران:155]؛ أي: استدرجهم حتى وقعوا في الزلل، ويقال: زل الفارس عن ظهر الفرس، إذا سقط عنه، ومنه قول امرئ القيس:

    كميت يزل اللبد عن حال متنه كما زلت الصفواء بالمتنزل

    فالمقصود بذلك: أنهم وقعوا في مزلة- وهي فرارهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم- من قبل الشيطان، فهو الذي استدرجهم إلى ذلك: إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَانُ[آل عمران:155]، كيف يسلط عليهم الشيطان؟

    سبب استزلال الشيطان لبعض الصحابة

    جواب ذلك: بما اكتسبوا: إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا[آل عمران:155]؛ أي: ببعض سيئاتهم السابقة التي اقترفوها، فكانت سبيلًا للشيطان عليهم حتى استزلهم إلى الوقوع في هذا الذنب، وهذا درس عظيم يدل أهل الإيمان على أن كل إنسان اختاره الله وشرفه بهذا الإيمان عليه أن يحصن إيمانه، وأن يحذر من الثغرات التي يدخل منها الشيطان، فإن كبائر الإثم والفواحش هي صدوع في جدار الإيمان، وبعدها الصغائر أيضًا سبب لاقتراف الكبائر، وبعد ذلك المكروهات سبب للوقوع في الصغائر، وبعد ذلك خلاف الأولى، فاقترافه سبب للدخول في المكروهات، وبعد ذلك عدم الورع عن الشبهات، فهو سبب للدخول في خلاف الأولى، فكل هذه الشريعة متدرجة؛ ولهذا فهي بمثابة الشجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء.

    فأكارع الإيمان هي عروق الشجرة، ولحاؤه؛ أي: قشرة الجذع، هي التي ترد عنه، فإذا اقتُطع شيء من هذه القشرة، دب اليبس في مكانه وما يقابله من الجذع، فيتأثر بذلك أصولها وأطرافها.

    فالشجرة تتمدد، ولكن تمددها يتأثر بتأثر انقطاع الماء أو اليبس عن أطرافها، فإذا قطع عرق من عروقها أو قُشِّر بعض قشورها، فذلك سبب ليبس بعض أطرافها، وتراجع تمددها.

    ولهذا كان على كل إنسان أن يحرص على إيمانه؛ حتى لا يكون عرضة للعب الشيطان به، فما منا أحد لديه ضمانة أن يموت على الإيمان، وكلنا يحرص على حسن الخاتمة، وهذا الحرص لا يمكن أن يكون مجرد التمني أو التظني، بل لابد أن يطابقه عمل، والذي يريد حسن الخاتمة لابد أن يحرص على تقوى الله، والخوف من عقابه، ورجاء ثوابه، والتقرب إليه بالأعمال الصالحة؛ ولهذا أخرج مسلم في الصحيح، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: (من سره أن يلقى الله غدًا مسلمًا فليحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس حيث ينادى بهن، فإنهن من سنن الهدى، وإن الله تعالى شرع لنبيكم سنن الهدى، ولعمري لو أن كل أحد منكم صلى في بيته كما يفعل هذا المتخلف لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد رأيت الرجل يهادى بين الرجلين حتى يدرج في الصف).

    فهنا بيَّن أن من كان يريد حسن الخاتمة، وأن يموت على الإيمان، فعليه أن يحافظ على هذه الصلاة، فهي الضمان والعهد الذي يحول بين إيمانه وبين الانتقاض؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (حد ما بين العبد والكفر والشرك ترك الصلاة، فمن تركها فقد كفر).

    فإذا خدش شيء من الصلاة اقتضى ذلك الاستدراج في أصل الإيمان، فتيبس أطرافه وأكارعه، ثم لا يزال ينقص حتى يتراجع بالكلية.

    ومن هنا على كل إنسان منا أن يعلم أن الحسنة تدعو إلى الحسنة، وأن السيئة تدعو إلى السيئة، فإذا أخلصت فقمت في الليل والناس نيام، فذكرت الله وتوضأت وصليت ركعتين، فهذه الحسنة سيوفقك الله بها لحسنة أكبر منها، فتوفق مثلًا للدعوة في سبيل الله، فإذا أخلصت في ذلك وفقت للحج المبرور، فإذا أخلصت في ذلك وفقت للجهاد في سبيل الله، وهكذا، فهذا التدرج بالحسنات، كل حسنة تدعو الإنسان إلى حسنة أكبر منها، وفي مقابله السيئات، فكل سيئة تدعو إلى سيئة أخرى أكبر منها، نسأل الله السلامة والعافية؛ ولهذا قال: إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا[آل عمران:155].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088778850

    عدد مرات الحفظ

    778970288