إسلام ويب

التبرج والسفور والحجابللشيخ : سعيد بن مسفر

  •  التفريغ النصي الكامل
  • بدأ الشيخ بالحديث عن الحكمة من وجودنا في هذه الدار الدنيا، ومن ثم تكلم عن مصير الإنسان بعد الموت. ثم تحدث بعد ذلك عن المخالفات التي تقع فيها كثير من النساء -سواءً عن إصرار أو جهل- ذاكراً من هذه المخالفات كثرة اللعن والتهاون في أداء العبادات وترك المنهيات عامة. ومن ثم حذر المرأة من إدخال بيتها من لا يرضى الزوج دخولهم، متناولاً العواقب المترتبة على التبرج وطرح الحجاب والعواقب الوخيمة المتحققة بسبب ذلك.
    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد:

    فنسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً، وأن يجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، وألا يبقي فينا ولا منا شقياً ولا محروماً؛ فإن الشقي المحروم هو من حرم طاعة الله عز وجل في هذه الدنيا. شقيٌ في هذه الدار بالمعصية، ومحروم في الدار الأخرى من الجنة، يقول عليه الصلاة والسلام وهو يدعو: (اللهم لا تبق فينا شقياً ولا محروماً، ثم قال: أتدرون من الشقي المحروم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: قاطع الصلاة أو تارك الصلاة).

    السعي لبلوغ أعلى درجة في الجنة

    أيها الإخوة! نحن في هذه الدار غرباء، ولا بد للغريب من الرحيل، وموعد الرحلة غير محدد، والمؤمن العاقل هو من يكون دائماً على أهبة الاستعداد للرحيل من هذه الدار، فهو لا يعرف متى يفاجئه القضاء، في ليله أو نهاره، بعد سنة أو يومٍ أو ساعة أو لحظة، فهو دائماً على أهبة الاستعداد، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني) والكيس هو: العاقل.

    إننا في هذه الدنيا غرباء؛ ولكن بسبب طول المدة أصبحنا كأننا من أهلها، وإلا فلسنا من أهل هذه الدار، نحن جئنا إليها عراة فرادى، وسنخرج منها عراة فرادى، قال الله تعالى: لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً * وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ [الكهف:48-49] إن هذا الكتاب هو كتاب الأعمال التي عملها الإنسان في هذه الدنيا، وما من يومٍ تشرق فيه الشمس إلا وصفحة جديدة من كتاب أعمالك تفتح لك في ذلك اليوم، وأنت الذي تملي والملائكة هم الذين يسجلون، فإن أمليت خيراً سجلوا خيراً، وإن أمليت شراً سجلوا شراً، فإذا غربت شمس ذلك اليوم طويت هذه الصفحة.

    حتى إذا ما انتهت صفحات هذا الكتاب -وهو عبارة عن انتهاء عمرك في هذه الدنيا- ونقلت من هذه الدار إلى الدار الآخرة، نقلت ونقل معك هذا الكتاب، ثم هو يبقى معك إلى يوم القيامة، وفي يوم القيامة تتطاير الصحف، وتؤخذ الكتب إما باليمين وإما بالشمال قال تعالى: وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ [الإسراء:13-14] الذي أمليت كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً * مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً * وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً * وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً * مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ [الإسراء:14-18] يعني: الدنيا عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً * كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً [الإسراء:18-20].

    فأنت في هذه الدنيا تملي البيانات، وتملأ الملفات، وفي الحديث: (ما من يوم تشرق فيه الشمس إلا وملك ينادي مع هذا اليوم: يابن آدم! أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فاغتنمني فإني لا أعود إلى يوم القيامة).

    الليل والنهار خزانتان تخزن فيهما الأعمال، والرحيل لا بد منه قال تعالى: وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ [الكهف:49] لأن أياديهم سوداء، وأعمالهم فظيعة، وجرائمهم شنيعة، ووجوههم -والعياذ بالله- مكفهرة من قلة الإيمان وكثرة المعاصي والذنوب، فإذا رأوا الكتاب قالوا: يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً [الكهف:49].

    فنحن -كما قلت، أيها الإخوة- في هذه الدنيا غرباء؛ لأننا جئنا إليها رغم أنوفنا، ولا يوجد أحد أعطي حرية الاختيار في المجيء إلى هذه الدار، وهل يوجد أحد أُخذ رأيه قبل أن يولد: أتريد أن تولد أم لا؟ لا. بل يأتي إلى الدنيا رغم أنفه، ولا يترك له حرية اختيار النوع: أيكون رجلاً أو امرأة؟ أيكون في هذه القرية أو في القرية الثانية؟ أيكون في هذه البلاد أو في بلاد أخرى؟ إنه يخلق ويولد ويوجد وفق مشيئة الله تبارك وتعالى، ثم هو يقضي هذه الفترة من العمر في هذه الحياة، حتى إذا ما انتهت تابعية السماء، وانتهى العمر المحدد من رب العالمين في هذه الدنيا؛ انتقل من هذه الدار رغم أنفه، ولا أحد يريد الموت!

    طلب نعيم لا موت فيه

    إن الإنسان في أول الحياة يتعب، ويكد ويكدح ويدرس السنين الطوال، فإذا ما كبر أولاده وأصبحت الأموال في قبضته، والأولاد في خدمته، والمجتمع كله يقدره ويجله؛ إذا بالموت يهدم عليه كل شيء.

    لهوت وغرتك الأماني وعندما      أتمت لك الأفراح فوجئت بالقبر

    تزينت له الدنيا من كل ناحية ثم فجأة يأتي الموت.

    يقول الحسن البصري رحمه الله: [أبى الموت إلا أن ينغص على أهل النعيم نعيمهم، فاطلبوا نعيماً لا موت فيه! قالوا: أين يرحمك الله؟ قال: في الجنة!] قال تعالى: خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ [هود:108] أي: غير منقوص.

    فعلى المسلم العاقل الحازم أن ينتبه! لماذا أتى إلى هذه الدنيا؟ وما الذي أراده الله من خلقه؟ أخلقك الله -أيها المسلم- من أجل أن تأكل وتشرب كما يأكل الحيوان ويشرب؟! أم من أجل أن تمسي وتصبح، تنكح، وتأكل وتشرب، وتنام وتستيقظ، ويكون همك محصوراً في هذا؟ إذا كنت كذلك فاعلم أن الأنعام أيضاً همها محصور في هذا، قال عز وجل وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ [محمد:12].

    أما المؤمنون فإنهم يدركون أن الله خلقهم لشيء غير هذا، يعرفون أن الله أوجدهم لطاعته، وخلقهم لعبادته، فهم يبذلون الليل والنهار، والسر والجهار، والأموال الطائلة، والأعمار الطويلة كلها في طاعة الله تبارك وتعالى، حتى إذا ما جاء الرحيل من هذه الدنيا؛ إذا بهم ينتقلون إلى دار الآخرة، وقد ملئوها بالعمل الصالح، يقول ابن القيم رحمه الله:

    فحي على جنات عدنٍ فإنها      منازلنا الأولى وفيها المخيمُ

    ولكننا سبي العدو فهل ترى      نعود إلى أوطاننا ونُسلمُ

    وقد زعموا أن الغريب إذا نأى      وشطت به أوطانه فهو مغرمُ

    وأي اغترابٍ فوق غربتنا التي      لها أضحت الأعداءُ فينا تحكمُ

    فيا خاطب الحسناء إن كنت راغباً     فهذا زمان المهر فهو المقدمُ

    فكن أيّماً عمن سوها فإنها      لمثلك في جنات عدنٍ تأيمُ

    وكن مبغضاً للخائنات بحبها           لتحظى بها من دونهن وتكلمُ

    إذا أردت الجنة -يا أخي المسلم- فأعد لها من الآن، ولا تغفل عن طاعة الله تبارك وتعالى حتى إذا نزل الموت إذا بك مفلس من العمل الصالح.

    إذا جاء الموت، ورأيت الحقيقة، وقامت عليك الحجة، ورأيت مقعدك من الجنة أو من النار، ونظرت إلى الأولاد وهم يتبرءون منك، ونظرت إلى الأموال وهي لا تدفع عنك شيئاً، ونظرت إلى الأقارب وهم يمسكونك بأيديهم ويقلبونك على فراش الموت، ما يملكون حيلة في تلك اللحظات، ويتمنى الإنسان أنه يرجع إلى الدنيا، يقول الله تبارك وتعالى: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ [المؤمنون:99-101].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088779686

    عدد مرات الحفظ

    778978042