أما بعد:
أيها الأحبة في الله! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسأل الله عز وجل بمنه وكرمه، وأسمائه الحسنى، وصفاته العلا، واسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب، أن يجعلنا وإياكم في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، وأن يكتب لنا ولكم شهادة الملائكة المقربين، أننا اجتمعنا في بيت من بيوته لا نريد إلا وجهه، نثني عليه الخير كله، نعبده وحده لا شريك له ولا نكفره، ونخلع ونترك من يكفره، ونرجو رحمته ونخشى عذابه، إن عذابه الجد بالكفار ملحق.
أيها الأحبة! لئن تعددت وتنوعت وسائل إبلاغ المعلومات والفوائد، ولئن تيسر لكثير منا أن يستدرك ما فات من الخطب والمحاضرات والندوات من خلال الإذاعات والأشرطة والتسجيلات، فإن فضلاً لا يوجد إلا في هذه المساجد، وإن ثواباً لا يتحقق إلا بالاجتماع في هذه الرياض، وإن درجات ونعيماً لا يدركه إلا أنتم وأمثالكم ممن يسعون ليرتعوا في رياض الجنة، ولتحلق أرواحهم في طلب الرحمة، وتسبيح الخالق سبحانه وتعالى في هذه المساجد، لأن فضل حلق الذكر مرتبطٌ بالاجتماع في بيوت الله عز وجل، ولئن تيسر -كما قلت- أن يستدرك العبد ما فات من معلومات إلا أن فضل حلق الذكر يبقى، تختص وتتميز به بيوت الله عز وجل، لذا فإني أوصي نفسي وأحبابي والسامعين أجمعين مهما تباينت مراتبهم في العلم، واختلفت درجاتهم في المعرفة، ألا يحرموا أنفسهم ثواب حلق الذكر، ورياض الجنة؛ حيث تشهد لهم الملائكة، وتتنـزل عليهم السكينة، وتغشاهم الرحمة، ويذكرهم الله في ملئه الأعلى.
أحبتنا في الله! ولئن كان الحديث في سلسة المحاضرات التي نوه عنها فضيلة المقدم جزاه الله خيراً موصولاً بالكلام عن الأسرة المسلمة، إلا أن حديثنا اليوم وإن كان متعلقاً على وجه الخصوص بالحديث عن (النكاح وآدابه وأحكامه) أو بشيء وطرف من ذلك، إذ المقام لا يستوعب أحكام ذلك كله، ولكن هذا أحسبه وأرجو ألا يشغلنا وإياكم عما لا تزال الفاجعة في قلوبنا بسببه، وهي كارثة لم يسبق لها مثيل حلت بالمسلمين الألبان في كوسوفا نستذكرها، ونحمد الله على ما من به علينا من النعم، ونسأل الله بمنه وكرمه أن يرفع الكربة عن إخواننا، هذه الفاجعة التي ليس لها من دون الله كاشفة، قرابة المليون مسلم من أصل ألباني يهجرون على يد الصرب:
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتمُ وما هو عنها بالحديث المرجمِ |
أعراض تنتهك، وأشلاء تتناثر، ودماء بغير حق تسفك، وشعوب تشرد، ونساء ترمل، وأطفال يصبحون يتامى، ونساءٌ يشكين الثكل وفقد الزوج والمعين، والحال لا يصفها لسان، ولا يخطها قلم، فنسأل الله بمنه وكرمه أن يرفع الكربة عن المسلمين هناك، وعن المسلمين أجمعين.
أيها الأحبة! يقول تعالى: أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ [التوبة:126] كم مرة تحدثنا وصرخنا ورفعنا أصواتنا، وقلنا: قد فعل الأعداء بنا ما فعلوا، وكم مرة أخذنا نندب الماضي، ونخشى المستقبل، ونخاف من الواقع، ونحن كما قال الأول:
حرب حزيران انتهت وكل حرب بعدها ونحن طيبون |
تغلغل اليهود في بلادنا ونحن راجعون |
صاروا على مترين من أبوابنا ونحن عائدون |
وصوت فيروز من الفردوس يأتي عائدون |
وكل ما نملكه إنا إلى الله لراجعون |
حرب حزيران انتهت جرائد الصباح ما تغيرت |
والصور العارية النكراء ما تغيرت |
هذا يقوله القائل وليس من أهل القول؛ ولكنه يبكي على ما حصل في (1967م)، نكبة (67) التي دمر اليهود فيها قوات عربية لا يخفى تاريخها عليه، وكما قال الذي يحاكي أبا تمام:
وأطفأت شهب الميـراج أنجمنا وشمسنا وتحدت نارها الخطب |
أيها الأحبة! ليست القضية هي ما ينظر إليه بعض المسلمين من جانب الحرب بين الصرب الأرثوذكس، والدوما والكتلة الروسية من جهة، وحلف الناتو من جهة أخرى، الذي يقض مضاجعنا، والذي يؤلمنا غاية الألم، هو حال المسلمين، أما ما سواهم فنسأل الله أن يهلك الظالمين بالظالمين، وأن يخرج أمة محمد من بينهم سالمين، نحن يسرنا ما نراه من ضربات موجعة في الصرب، ولكننا نعلم أن حفنة من الملايين أو قل: مليارات من الدولارات كفيلة بأن تعيد المنشئات الصربية والقواعد العسكرية، وليس هذا من باب التعاطف مع الصرب، بل نسأل الله أن يضاعف عليهم البلاء، وأن يزيد التسلط عليهم، ولكن من الذي يرد المسلمين الذين شردوا؟
إذا هاجر قرابة مليون مسلم، وتقاسمتهم قرابة عشرين دولة أوروبية، ولكل دولة منهم جزءٌ مقسوم، وكل دولة تفرق هؤلاء في مدن شتى، وكل مدينة تشتت المسلمين في أحياء متباينة، ثم اسأل وتعرف بعد خمس سنوات، أو بعد عشر سنوات، هل ترى من المسلمين أحداً؟
هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزاً بعد هذا الانتشار وهذا التناثر، وبعد هذا التطاير؟ هذه هي القضية الكبرى؛ لأن الكفار ليس لهم وزن في ميزان الشرع، ودماؤهم كما علمنا في ديننا ليست بأمر ذي بال، أما دماء المسلمين فلأن تزول السماوات والأرض أهون عند الله من أن يراق دم مسلم.
المسألة في غاية الخطر، وإن الذي يتابع ما يعرض وينشر من لقاءات وحوارات ومناظرات وتحليلات وكتابات ليعجب من تباين بعض المسلمين في نظراتهم، فهذا لا يزال يؤيد الصرب، وهذا لا يزال يرى أن المسلمين الآن في منتهى النصر والنشوة، أي نشوة وأي نصر لأناس يتفرقون ويشتتون؟! وكما قال الرندي حينما بكى الأندلس:
يا رب أم وطفل حيل بينهمـا كما تفرق أرواحٌ وأبدانُ |
وطفلة ما رأتها الشمس إذ بزغت كأنما هي ياقوتٌ ومرجانُ |
يقودها العلج للمكروه مكرهةً والعين باكية والقلب حيرانُ |
لمثل هذا يذوب القلب من كمدٍ إن كان في القلب إسلام وإيمانُ |
أيها الأحبة! إن من الواجب أن نشارك كل المسلمين في فلسطين وكوسوفا والشيشان وفي كل البقاع بكل ما نستطيعه، ولا أقل من أن يخصص القادرون من دخلهم ولو حفنة يسيرة من المال، دخلك ألف ريال لو خصصت من هذا الدخل ولو عشرة في المائة يعني مائة ريال أو أقل أو أكثر بقدر ما تستطيع فإنك ستجد فضل ذلك في الدنيا والآخرة، والصدقة تقي مصارع السوء، وتطفئ غضب الرب، وتدفع أبواباً من البلاء لا تحصى.
أيها الأحبة! إننا نمشي في حياتنا على ألوانٍ من النكد والكبد: لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ [البلد:4]وربما صار البعض على ألغام وشيكة الانفجار قد يطؤها فلا تنفجر بسبب صدقة تصدقها وهو لا يدري، فأخي الحبيب! لا تتبرم، ولا تتسخط ولا تتضجر يوم أن تدعى إلى النداء: هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد:38].
إنا لنفرح بالأيام نقطعها وكل يوم مضى يدني من الأجلِ |
ربما فرح البعض بدنو زواجه في العطلة، وربما فرح البعض بقرب ترقيته في السنة الهجرية الجديدة، وربما فرح البعض برتبة يعلقها بعد دورة عسكرية، ولكن نسينا جميعاً إلا من رحم الله أننا دنونا من المقابر أشهراً وأياماً، أو طوينا صفحة سنة كاملة شاهدة بما عملنا فيها من الحسنات والسيئات، ولكننا في هذا الدين العظيم قد أكرمنا الله بالخلاص من عقد النصارى الذين يظلون يبكون عقد الماضي، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (استعن بالله ولا تعجز، ولا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا) يعني دع ما مضى.. وأتبع السيئة الحسنة تمحها: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود:114].
أما أن يظل البعض يندب الماضي، ويخاف من المستقبل، ويضيع الحاضر فليس هذا من دين الله في شيء:
فإن كنت بالأمس اقترفت إساءة فثن بإحسانٍ وأنت حميدُ |
إذاً أيها الأحبة لا بد أن نتأمل هذا العام الذي انقضى، ونعلم أن انقضاء العام دال على انقضاء كل شيء :كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن:26-27] إن انقضاء العام دليل على انقضاء الأعمار، وانقضاء الممالك، وانقضاء الملذات، وتبدل الأحوال، اليوم يبدأ ثم ينقضي، والساعة تبدأ ثم تنقضي، واللقاء يبدأ ثم ينقضي، والرحلة تبدأ ثم تنقضي، والحياة تبدأ ثم تنقضي، لكن تمر الحياة على أهل الرخاء والسعادة والنعيم والحبور في لذة، كأنما تصبح الأيام ساعات، والساعات دقائق، وتمر الأيام والحياة على أهل الشقاء والبلاء الساعة كاليوم، واليوم كأسبوع، الأسبوع كشهر، والشهر كسنة:
مرت سنون بالوصال وبالهنـا فكأنها من قصرها أيامُ |
ثم انثنت أيام هجر بعدها فكأنها من طولها أعوامُ |
ثم انقضت تلك السنون وأهلها فكأنها وكأنهم أحلامُ |
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً [مريم:98] إن من يقرأ كتاب الله، ويتأمل ما ذكره الله في شأن الأمم التي ملكت وسادت، ثم أهلكها الله وبادت: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:6-14].. وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلا نَاصِرَ لَهُمْ [محمد:13].
أين الملوك ذوي التيجان من يمنٍ وأين منهم أكيال وتيجان |
وأين ما ساده شداد فـي إرمٍ وأين ما ساسه في الفرس ساسانُ |
أتى على القوم أمر لا مرد لـه حتى قضوا فكأن القوم ما كانوا |
هكذا انقضت السنة، وقطعنا من عمرنا ورقة شاملة كما تقطع ورقة من التقويم، وقد ولت مدبرة ولا تعلم ما الذي كتب لك فيها، ولكن ما الأحسن في الخاتمة؟! فإنه حري أن يستدرك ما فات لأن الله عز وجل قال في شأن التائبين: فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:70] وبين أيدينا وبالتحديد الإثنين القادم يوم عاشوراء من نعم الله؛ أننا نختم العام بعبادة تكفر ذنوب العام ونبدؤه بعبادة تكفر ذنوب العام، لما سئل صلى الله عليه وسلم عن صيام عاشوراء فقال: (يكفر السنة الماضية..) نعمة عظيمة أن الله شرع لنا في بداية أعوامنا وفي نهايتها وفي أواسطها، وفي أيامنا وأسابيعنا من الفرص الكفيلة بأن تغسل الخطايا، وترفع الحوب والرزايا، وذلك من عظيم فضل الله ورحمته بعباده، إنه جواد غفور حليم رحيم كريم.
النكاح في اللغة يكون بمعنى: عقد التزويج، ويكون بمعنى: وطء الزوجة، فأما ما يدل على أن النكاح يطلق، ويراد به العقد فقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا [الأحزاب:49] فهنا قال: إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ [الأحزاب:49] ثم أتبعها بقوله ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ [الأحزاب:49] فسمى العقد نكاحاً، ويسمى الوطء نكاحاً حيث دل عليه قول الله عز وجل: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ [البقرة:230] فمعنى تنكح هنا: يعني حتى تعقد عقداً صحيحاً على زوج آخر ثم يدخل بها ويخلو بها ويجامعها ويطؤها، هذا هو المقصود.
دل على ذلك ما جاء في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها: (أن
يقول أبو علي القالي: فرقت العرب فرقاً لطيفاً يعرف به موضع العقد من الوطء، فإذا قالوا: نكح بنت فلان فإنهم يريدون عقد الزواج، وإذا قالوا: نكح امرأته أو زوجته فإنهم لا يريدون إلا الجماع والوطء.
ومعنى النكاح في الشرع: تعاقد بين رجل وامرأة يقصد به استمتاع كل منهما بالآخر، مع القيام بما يترتب على ذلك من الحقوق والواجبات بينهما.
وجاء في السنة الحث على الزواج فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه عبد الله بن مسعود أن النبـي صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)رواه البخاري ومسلم.
وهذا أمر وتوجيه صريح بالمبادرة إلى الزواج، بل إنه من سنن المرسلين كما أخبر سبحانه وتعالى بقوله: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً [الرعد:38] فعلمنا أن المرسلين كانوا يتزوجون، وأن الزواج من سنن المرسلين، والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال في معرض رده على أولئك الذين أرادوا التبتل وكأنهم لما سألوا عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم تقالوها، فقال أحدهم: (أما أنا فلا آكل اللحم، وقال الآخر: وأما أنا فلا أتزوج النساء، وقال الثالث: وأما أنا فأقوم الليل ولا أنام، فقال صلى الله عليه وسلم: أما أنا فآكل اللحم، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني) إذاً فبإجماع أهل العلم أن الزواج مشروع استناداً إلى هذه النصوص الواضحة.
ولكن ما مستقبل هؤلاء الذين هم نصف السكان، وأعمارهم الآن أقل من خمس عشرة سنة؟! هذا يعتمد على مستوى تعليمهم ووعيهم وإدراكهم، ومستوى تمسكهم بكتاب الله وسنة رسوله، فحينئذٍ يكون شباباً في عز الإسلام والمسلمين، وذلك ما نسأل الله أن يحققه، ونتمناه ونرجوه.
وهناك دول هرمة، وهي التي يكون الغالبية العظمى فيها من العجائز والشيوخ، ويلاحظ ندرة المواليد وكثرة العجائز وكبار السن، ومن هنا لا نعجب يوم أن نلاحظ أن بعض الدول الأوربية لا تتردد في تجنيس ومنح الجنسية لعدد من الجاليات المهاجرة، ليس فقط لتذويب هؤلاء في المجتمعات الغربية، بل وأيضاً من أجل أن يضيفوا إلى السكان شريحة شابة جديدة، خاصة وأنهم يعلمون أنهم من المسلمين الذين همهم ودأبهم العناية بالأسرة، ومن صفاتهم الحرص على التوالد والتناسل، فإذا جنسوا جالية عربية من رجال ونساء وأصبحوا يحملون جنسية تلك البلاد الأوروبية فإن أولادهم لا شك يعيشون ويحملون هذه الجنسية، ثم بعد ذلك لا تسل -إلا من رحم الله منهم- عن حال ذوبانهم وتحويلهم أيضاً إلى عمال مهرة، وخدم يستمرون في خدمة تلك البلاد، وتلك قضية يمكن أن تناقش على حدة، لأن من الأمور الخطرة هي أن النسل المسلم الذي وجد على أرض الغرب من آباء وأمهات مسلمين سرعان ما يذوب في رياح التغيير والمجتمع الغربي، ويتحولون بمكيدة غربية إلى خدم في تلك المجتمعات، يقول واحد من مدراء المدارس الإسلامية في بلجيكا في بروكسل يقول: والله إنا لنلاحظ هؤلاء الغرب كيف يعتنون بأولادنا، ويعطونهم الكثير من وسائل الترفيه والدلال، بل ويعينونهم على النجاح، ولكن بطريقة غير علمية صحيحة، فيمكن من الدراسة في المراحل الأولى والإعدادية، وإذا أوشك أن يبلغ مرحلة الجامعة تُحدي تحدياً واضحاً جلياً؛ حتى يثبت فشله؛ ويخفق في المواجهة، ثم يقولون له: إن مؤهلاتك لا تسمح لك إلا أن تكون عاملاً إما في صيانة أو في بناء أو في تبريد، أو في أي أعمال الخدمات الفنية والمهنية؛ ليظل أبناؤهم وحدهم هم الذين يعرفون أسرار الاختراع والتقنية والابتكار والاكتشاف، وأما أبناء المسلمين فلقد خدموهم إلى الدرجة المناسبة؛ ليكونوا عمالاً مهرة ليضمنوا استمرار إنتاج المصانع الغربية، ولذا من المؤسف أن بعض المسلمين حينما يذهب ليمكث في بلاد الغرب سنتين وثلاث من أجل تحسين مستوى الدخل، ثم العودة إلى بلاده، سرعان ما يغير قراره، ثم يمكث عشر سنوات وعشرين سنة، وينجب أولاداً، فإذا أراد أن يعود إلى بلده الأصلي رفض أبناؤه وقالوا: لن نبرح هذه الأرض، ولن نغادرها بأي حال من الأحوال.
إن إحصائية قد ظهرت منذ أيام في إحدى الصحف تقول: أكثر العوانس من الموظفات، ولماذا؟ لأن التعلق بهذه الوظيفة والشروط التي تمليها بعض النساء لأن عندها سلاح المال الذي ربما أطغى بعضهن: كَلَّا إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق:6-7] وشروط بعض النساء في ظل الوضع المالي الذي تعيش فيه من دخلها أو مرتبها جعلها تملي شروطاً قد لا يقبل بها الكثير من الأزواج، ومن ثم مرت السنون تلو السنين وربما فات بعضهن القطار، وربما أدركت بعضهن الرحلة قبل المرحلة الأخيرة أو قبيلها بقليل، هذه مسألة ينبغي أن تنتبه لها المرأة المسلمة.
تخيل أن أم أولادك عرض لها وظيفة بثمانية آلاف ريال، وفي المقابل عندك خمسة أطفال صغار يحتاجون إلى الرعاية والعناية، أنت لو تتأمل مقدار ما تحتاجه من المال والجهد والوقت لتعطيهم نصف ما تعطيه الأم لهؤلاء، لم تجد ما تنفقه عليهم ولو بلغ عشرة آلاف أو خمسة عشر ألفاً، إذاً فصرف وقت المرأة زوجة وأماً على أولادها هو في الحقيقة عملية اقتصادية، وعملية تربوية، وتلك أخطر عملية لبناء الرجال، وصناعة الأجيال، من أهم المهمات التي غفل عنها كثير من النساء، وكثير من العاملات اليوم منذ أن تصبح وهي تظل ساعة أمام المرآة في إحسان هندامها، ومظهرها، وهيئتها، وعطرها، أو شيء من ذلك، ثم تتوجه إلى عملها، فالطفل المسكين محضون عند الخادمة، ينمو ويتربى أعجمياً لا يعرف النطق، الأطفال الذين يعيشون مع أمهاتهم ينطقون في السنتين، يبدءون يتكلمون ويرتبون الجمل، وهذا ربما بلغ السنة الثالثة وهو لم يستطع أن يتكلم بعد ولم يرتب جملة؛ لأنه دائماً مع الخادمة التي هي أيضاً مسئولة عنه بماذاً؟ بالغسيل واللباس وحاجات المنـزل، وكلما هنالك إذا سمعت صوته جعلت رضاعة الحليب في فمه، وإن كبر قليلاً فإن التوجيهات المبلغة بها سلفاً قبل مغادرة صاحبة السعادة ربة المنـزل، قبل توجهها إلى عملها أن إذا قام ضعي الحليب، وأعطيه هذه المأكولات، وجهزي له الفيديو، والشريط جاهز لأفلام الكرتون وأشغليه بذلك، وأدخليه في غرفة الألعاب، ذلك أقصى ما تقدمه الخادمة لهذا الطفل.
لكن الزواج الذي من مقاصده المحافظة على الذرية، المحافظة على الأولاد، وتربيتهم، وتكوينهم، وتنشئتهم، ذلك من أهم المقاصد العظيمة الجليلة التي ينبغي أن نهتم بها، ومهما وجد في مختلف أنحاء العالم من ملاجئ ومحاضن ترعى شئون الأطفال، فإن ساعة من الأم أعظم من أيام خادمة أو مربية.
أيها الأحبة! والزواج قد يكون واجباً وجوباً متعيناً على المستطيع القادر الذي بدونه ربما وقع في المعصية والفاحشة، فمثل هذا آثم بترك الزواج والنكاح، وهذا ملاحظ للأسف عند طائفة من الشباب، ترى الواحد منهم قادراً مستطيعاً، وترى الواحد منهم يعاني من مكابدة ومعالجة شهوة متأججة، ومع ذلك يؤجل هذا النكاح ويؤخره، ولا تسل بين الفينة والأخرى عما يقع فيه من هفوات وزلات وفواحش وآثام يرتكبها بحجة العلاقة، وبحجة الصداقة، فمثل هذا الشاب القادر الذي نفسه راغبة مقبلة، وإمكانيته والباءة مكتملة، من جهته المادية والبدنية فإنه آثم بتأجيل الزواج وتأخيره، بل يجب عليه وجوباً متعيناً أن يبادر به سيما إذا علمنا أن عدم مبادرته سبيل محقق إلى وقوعه في الفاحشة.
ومن أعظم المخاطر التي وقع فيها كثير من الشباب في ظل هذه القنوات الفضائحية -ليست الفضائية بل الفضائحية- حيث لا تسل عن ألوان وحركات وأصوات وطرق وأساليب إغراء الشباب بالفاحشة، من خلال عرض الفتيات الجميلات الكاسيات العاريات، بل بصور في مواقع مؤججة للغريزة، كاسرة للعفة والحياء، ثم يقع بعضهم ضحية هذا المشهد؛ لينفذ ما رأى؛ متأثراً بسماع هذا الغناء المتكسر، أو كما يسمى بالفيديو (كليب) أو فيديو كلب، الحاصل أنه تتأجج غريزته، ويرى هذه الجميلة الحسناء تتكسر، وهذا يلاحقها ويغازلها، وهي تقبل تارة وتدبر، وتغضي تارة وتفضي، إلى غير ذلك ثم لا يجد أمامه إلا أن يفعل الفاحشة مع قدرته على الزواج الذي يحصنه، مثل هذا آثم .. آثم .. آثم بتركه الزواج وهو يعلم أن مثله يقع في الفاحشة -سيما كما قلت- والكثير من الشباب لا يزال يجلد بسياط الصوت والصورة والكلمة عبر هذه القنوات الفضائحية.
كذلك من كان قادراً على الزواج ويستطيع القيام بالحقوق، ولكن لا يخشى على نفسه أن يقع في فاحشة لو لم يتزوج فنقول: وهذا يتأكد الزواج في حقه تأكداً واضحاً جلياً، لكن ليس على درجة الوجوب المتعينة على الأول الذي يخشى على نفسه الوقوع في الفاحشة، لماذا؟ لما في الزواج من مصالح ومنافع وحكم ذكرناها، وأما الذي لا يخشى على نفسه وهو في ذات الوقت غير قادر على أن يقوم بحاجات المرأة العامة والخاصة وغير ذلك فمثله لا ينبغي له أن يدخل في دائرة هو ليس في حاجتها، وهو أيضاً عاجز عن القيام بالحقوق والواجبات، بل ربما يغلب على ظنه أن يوقع المرأة في فتنة بسبب ارتباط هذه المرأة برجل لا يقوم بحقوقها ولا واجباتها العامة والخاصة.
ومن نعم الله عز وجل أن شرع في هذه الخطبة من الآداب التي تحقق الرضا والاختيار والطمأنينة، وكذلك تؤمن من غائلة عدم الانسجام والاتفاق وغير ذلك.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا خطب أحدكم المرأة فقدر أن يرى منها بعض ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل)رواه الإمام أحمد وأبو داود.
وليس عيباً أن يتزوج رجل امرأة طمعاً في جمالها فإنه من مقاصد الرجال ومطالبهم أيضاً في النكاح، ولكن الحرص على ذات الدين أمر مهم؛ لأن دينها بإذن الله عز وجل يحفظها، ويحفظ قلبه عن الشكوك والوساوس حيالها أو بشأنها.
إن من الناس من يتزوج خضراء الدمن، وهي المرأة الحسناء في المنبت السوء، فإذا غاب عنها واتصل على بيته أو رأى سيارة تحوم حول داره، أو رأى رجلاً قد وقف قريباً من بابه اشتعلت نار الشك في بابه، وأخذ يلقي بالاتهامات والشكوك إلى حدٍ ينتهي بحياته معها إلى الطلاق، ولكن إن تزوج ذات الدين على ما يطمع فيه الرجال من الجمال وغير ذلك، فإنه وإن غاب عنها طويلاً فلن يخالجه شكٌ في عفافها، ولن يحوم في نفسه ريبٌ حول طهارتها، ولو انشغل خط هاتفه فلن يقول له الشيطان: إن زوجتك تعاكس، ولو رأى سيارة وقفت بالقرب من الباب فلن يقول كلاماً كهذا، أو حينما يرى رجلاً قريباً من الدار، ذلك من الأمور المهمة في شأن من تزوج امرأة ذات دين.
وبالمناسبة فاحفظ الله يحفظك، من كان حريصاً على حفظ نفسه عن محارم الناس فإن الله يحفظ محارمه عن الناس، أما من ولغ في الأعراض فهو على خطر أن تلغ الكلاب في عرضه، وإن كان هذا لا يتعارض مع قول الله عز وجل: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164] ولكن في الغالب أنه من حصل منه الجرأة على أعراض الناس، ففي المقابل يقع منه التساهل الذي يفضي بجرأة الناس على محارمه.
من يزن يُزنَ به ولو بجداره إن كنت يا هذا لبيباً فافهمِ |
إن الزنا دينٌ فإن أقرضته كان الوفا من أهل بيتك فاعلمِ |
من قد زنا يوماً بألفي درهـمٍ في بيته يزنى بغير الدرهمِ |
أي: بالمجان والعياذ بالله، فينبغي أن ينتبه الإنسان، وليحرص على المرأة المعروفة بالدين، وألا يتنازل عن شرط الدين، وشرط العفة والحياء انهياراً أمام قضية الجمال، ذلك أمرٌ مهم، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة)رواه الإمام مسلم وأحمد .
فأيضاً أن يحرص على امرأة ولود لعل الله سبحانه وتعالى أن يرزقه منها ذرية، وقد يكون للرجل ذرية ولكنه بحاجة إلى امرأة، أي: قد يكون له ذرية وقد انقطع استمتاعه بها لمرضها ولظروفها ولأحوالها، وهو أيضاً لا يزال يحتاج إلى امرأة يسكن إليها، فحينئذٍ لو وجد امرأة عقيماً يجد سكن نفسه عندها فلا بأس أن يتزوجها، يعني: ليست هذه المواصفات تحذيراً مما سواه، بل ربما يؤجر البعض في زواجه بامرأة ثيبٍ ذات أولاد، أرملة ترعى أيتاماً وله من الأجر العظيم أضعاف أضعاف ما يناله من اختار بكراً عملاً بالحديث: (تزوجوا الأبكار) لأن هذا الذي تزوج أرملة ذات أيتام له أجر كما قال صلى الله عليه وسلم: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله -وأحسبه قال-: كالصائم لا يفطر، وكالقائم لا يفتر) وذلك من الأمور الجليلة.
قد يوجد بعض الناس عنده من الذرية ما فيه البركة، ولكنه علم أن امرأة أم أيتام، وبقيت منقطعة لا يوجد من يكفلها، ولا يوجد من يرعاها، وقد توفي والدهم فحينئذٍ يؤجر غاية الأجر أن يتزوجها ولو لم يرد منها ذرية، وإنما غاية أنسه بها مع سكنه إليها أن يكفلها ويرعاها، وأن يرعى أيتامها؛ حتى لا يتشرد أولادها في الشوارع، أو أن يستغل أحد الطامعين حاجتهم ليسخرهم في مقاصد بذيئة نتنة خبيثة تحت وطأة حاجتهم، أو أن تذل أمهم بأن تعرض عليها الفاحشة تصريحاً أو تلميحاً في ظل حاجتها، والفقراء اليوم كان الله في عونهم في كل مكان، ذلك أن الفقير تتجدد معاناته إذا حل موعد دفع الإيجار، وتتجدد نفس المعاناة إذا حل موعد دفع القسط الثاني، وتتجدد المعاناة في بداية العام الدراسي حال البحث عن الحقيبة والكراريس والمساطر والأوراق والدفاتر، وتتجدد المعاناة حينما يدنو فرح الناس بأعيادهم، وهؤلاء لا يوجد من يشتري لهم جديداً أو على الأقل يقدم لهم شيئاً يسترهم، ويخفي هذه الثياب والرقاع البالية التي يلبسونها، إذاً إذا قصد رجلٌ إلى الزواج بهذا المقصد، قد أكون أنا لا رغبة لي في الولد لكن أرغب أن تسكن نفسي؛ لأن أم أولادي غير قادرة على القيام بحاجاتي وحقوقي الخاصة، وفي نفس الوقت لم يكن أنانياً ليجعل قصده لذة نفسه بل جعل معها مقاصد شريفة من كفالة أرملة وأيتامٍ ورعايتهم، فإنه يكون بإذن الله عز وجل ممن يؤجرون أجراً عظيماً.
على أية حال الحرص على المرأة الصالحة سواءً كانت بكراً، أو كانت ثيباً، أو كانت عقيماً لمن أراد أن تسكن نفسه عندها، أو أراد أن يتزوجها ويتزوج من بعدها، فالضابط في ذلك مسألة الصلاح، والنبي صلى الله عليه وسلم لما سئل: (أي النساء خير؟ قال: التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه فيما يكره في نفسها وماله).
ومن الطرائف التي ذكرت أن أحد الشباب كان مشتاقاً إلى الزواج، وكان في جلسة عقد النكاح، فكان المأذون يقول للولي: يا فلان! قل لهذا الشاب زوجتك بنتي فلانة بنت فلان على مهر قدره كذا .. ثم التفت المأذون وقال: يا فلان! قل قبلت هذا النكاح ورضيت به، قال: (أوكّي) شيخ، (أوكّي) شيخ، قال: يا حبيبي! قل: قبلت هذا النكاح ورضيت به، يعني: كلمة (أوكي) يا شيخ لا ينعقد بها النكاح، الإجابة والقبول زوجتك، وقبلت، أما (أوكّي) يا شيخ فإن هذا لا يصلح، لا بد أن ننضبط بالألفاظ الدالة على الإيجاب والقبول.
ومن الطرائف التي ذكرت أن أحد الشباب كان مشتاقاً إلى الزواج، وكان في جلسة عقد النكاح، فكان المأذون يقول للولي: يا فلان! قل لهذا الشاب زوجتك بنتي فلانة بنت فلان على مهر قدره كذا .. ثم التفت المأذون وقال: يا فلان! قل قبلت هذا النكاح ورضيت به، قال: (أوكّي) شيخ، (أوكّي) شيخ، قال: يا حبيبي! قل: قبلت هذا النكاح ورضيت به، يعني: كلمة (أوكي) يا شيخ لا ينعقد بها النكاح، الإجابة والقبول زوجتك، وقبلت، أما (أوكّي) يا شيخ فإن هذا لا يصلح، لا بد أن ننضبط بالألفاظ الدالة على الإيجاب والقبول.
على أية حال إذا اختلف في مهر من لم يسم مهرها ولم يحدد فالمرجع في ذلك إلى مهر المثل، بأن ينظر إلى أمثالها من النساء كم مهرها؟ فإن كان مهر مثلها عشرين ألفاً فيعطى لهذه المرأة قدره عشرون ألف ريال من غير مغالاة ولا بخس، أما أن تبخس أو يغالى في ذلك فلا يجوز، وهذه قاعدة في تحديد ما لم يسم عند التعاقد، لو استأجرت أحداً يبني هذا الجدار، فبنى الجدار وانتهى، ثم قال لك: أعطني أجرتي ألف ريال، قلت له: أجرتك خمسمائة، نحن ما اتفقنا على ألف، وقال هو: نحن ما اتفقنا على خمسمائة، فالمرجع في ذلك إلى أجرة المثل في البناء، كذلك الزواج إذا لم نتفق على المهر فالعبرة بمهر المثل، وقس على ذلك سائر العقود حينما لا يسمى العوض في العقد فالعبرة فيه بسعر المثل.
ومما ينبغي أن نعلمه أن المهر حق للمرأة، خلافاً لما يفعله بعض الآباء هداهم الله، يضع المهر في جيبه ثم يقول: هذا المهر لي أنا، وأنت صلح زوجتك ودبرها، ثم يبدأ هذا المسكين من جديد لينفق فوق ما أنفق على إعداد البيت وتهيئته، لينفق عليها من جديد في اللباس والطيب والذهب والحلي، وأين المهر؟ ذهب المهر للأب الجشع الطماع ولا حول ولا قوة إلا بالله! فالله عز وجل قد أضاف الصداق إلى النساء إضافة تمليك فقال: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً [النساء:4] فأضاف الصداق إلى المرأة، فلا يجوز لأحد أن يأخذ مهرها كما قال تعالى في سورة النساء: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً [النساء:4] لنعلم أن الصداق هو من حق الزوج.
أتى هذا الشاب بخمسين ألفاً وقد استدان من الشركات سيارات بالتقسيط، وفعل الأفاعيل حتى يحصن نفسه، ثم بعد ذلك تحفر له خندقاً من الدين والعسر والضيق لا يخرج منه، بل لو كان الولي عاقلاً لأعان زوج بنته، إن من العقلاء من يختار الزوج ويعطيه المهر ويعينه ويحرص على ما يحقق سعادته؛ لأنه يعلم أن ذلك ينعكس على سعادة ابنته معه، أما ما يفعله بعض الجشعين الطماعين فلا يبالي، يقول: ليس من شأني أن يكون سعيداً معها، وإن شاء الله يأتي زوج ثاني ويأتي الله برزق، فهو مستعد أن يمارس العملية مرات ومرات، المرة الأولى: استفاد من هذا سيارة، والمرة الثانية: استفاد من هذا أربع رشاشات، والمرة الخامسة: أخذ من هذا مضاد طائرات، والسابعة: أخذ من هذا مدفعية ميدان خمسة وسبعين، وهلم جراً، يعني: ما عنده مانع أن تطلق مرتين وثلاث؛ لأنه يعلم أنه في كل عقد سوف يبتز الزوج بشيء يخص به، وينحل له وحده دون هذه الفتاة المسكينة، ومن هنا نؤكد على مسألة التحذير من المغالاة في المهور؛ فإنه أمر خطير؛ ويسبب حرمان الفتيان والفتيات من الزواج، كم من الفتيات تود أن تتزوج ولو على ألف ريال، ولكن تكبر أهليها أو غطرستهم، أو نظرتهم إلى الناس باحتقار ودون، منعت من أن يبلغ إليهن الخاطبون والراغبون، وظلت الفتيات محرومات، بل إن بعض الفتيات لما وجدت الزوج الصالح وهي موظفة أرسلت مع ثقة من الثقاة مالاً جمعته من راتبها وقالت: خذ وأعطه هذا المال وقل له: يقدمه مهراً لوالدي، وفيما بعد نحن نتفق على التقسيط والتسديد، وربما تتنازل دفعة واحدة إن صلحت الحال بينهما، إذاً ينبغي أن نحذر من ذلك.
فقلنا: يترتب على النكاح -أيها الأحبة- آثار منها المهر الذي يسميه العوام الجهاز أو الصداق، وكما قلنا ينبغي عدم المغالاة في المهور لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (خير النكاح أيسره) رواه أبو داود ، ومعناه: أقله مؤنة وأسهله؛ لأن التكلف في المهر من أسباب شقاء الزوجين، فشقاء الزوجين في سداد ما جمع من المهر إن كان استدانة، أو استكثاره ما بذل على المرأة، ومن ثم عدم تسامحه ولطفه، وعدم رحمته بالمرأة يجعله يريد منها أن تسدد بكل ذل وخضوع وانكسار لهذا الزوج ما بذله من المال، وكأنه اشتراها، والمهر هو نحلة وهدية وعطاء وليس قيمة للمرأة، يظن البعض أن المهر هو السعر للمرأة، فإذا قيل لبعضهم: والله زوجت ابنتك على صداق كم مقداره؟
قال: والله زوجت ابنتي على عشرة آلاف يقول: أترضى أن تكون قد بعت ابنتك بعشرة آلاف؟
من الذي قال: إن المهر سعر البيع؟ لا المهر بطاقة جمركية، ولا سعر البيع، ولا سعر الجملة، هو شيء من المال للاستمتاع بالمرأة، وما تحتاج إليه في تجهيز نفسها، لكن لا يظن أن هذا المهر في الحقيقة هو قيمة أو عوضٌ عن نفسها.
وتصاعدت المهور، ومغالاة الناس في المهور في هذا الوقت كما قلت من الأسباب التي عطلت الزواج، وعطلت شئون النكاح، والواجب على الجميع أن يتناصحوا في ذلك، وإن ما نراه من تأخر زواج الفتيات والشباب، ووقوع كثير من الشباب في الفواحش والمنكرات، في تغطية وتلبية حاجات النفس البشرية، والغريزة الفطرية، هو المغالاة في المهور ولا حول ولا قوة إلا بالله!
وكذلك مما يترتب في شأن المحرمية أن الزوجة تكون من محارم آباء الزوج وإن علوا، وأبنائه وإن نزلوا.
قيمة البطاقات التي بلغت خمسين ألفاً أو أربعين ألفاً عند بعض الأسر كم يتيماً يُكفَل مقابل هذه البطاقات التي زخرفت وزينت؟! ألا يكفي الناس أن ترسل لهم ورق (a4) عادي، وتبلغهم برسالة عادية أو على الفاكس أو على أي شيء أن الزواج قد يعقد في اليوم الفلاني، وحيا الله الحضور، وانتهى الأمر؟
ألا يكفي الهاتف؟
لماذا الحرص على إبلاغ الناس كلهم؟
يكفي الأقارب أو المقربون وهذا كاف، لكن للأسف .. إسراف في البطاقات، وإسراف في صالة الأفراح، تجد بعض الصالات تستأجر بمائة ألف ولو وقف إخوان وقالوا: يا إخوة! لدينا أيتام مساكين ومشردون .. أعطونا عشرة آلاف نكفل عشرة أيتام سنة كاملة، عشرة أيتام نكفلهم ونحفظهم بإذن الله عن التنصير والفقر والجهل والمرض، وعن الفساد والانحراف، لقال: اذهب يا أخي ما نكد نحن إلا على فقراء، لكن الصالة بمائة ألف .. لا بأس أن يبذل، أخبرني أحدهم في زواج من الزيجات أحضر الفنان والفنانة بستين ألف ريال في إحدى صالات الفنادق، ولو وقف الفقراء على باب هؤلاء وقالوا: أعطونا ربع هذا المبلغ من أجل أن نسد به حاجة، أو نسد به رمقاً، أو نستر به أسرة لما وجدتهم يبذلون مالاً بنفس سخية، فالإسراف الذي وقع فيه كثير من الناس اليوم في مسائل الزواج كان من أسباب الفشل، فساتين.. فستان الليلة الأولى بثلاثين ألفاً، وبعشرين ألفاً، والفتاة لا تلبث أن تحمل بعد ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر فإذا تغير بدنها لظروف الحبل والولادة بعد ذلك لا يستفاد من هذا الفستان فماذا نفعل بهذا الفستان؟ قال: اتركوه للذكرى، ويعلقونه كأنه (أبو الهول) في الحجرة، والله هذا فستان فرحنا، وعندما يقع بينه وبينها مشكلة يقول: اليوم الذي شفت عليه هذا الفستان هو يوم الشقاء ويوم النكد، الله لا يعيد هذا الفستان ولا من فصَّله، ثم يصبح سبباً لتذكر بعض المآسي أو بعض المصائب أو مما يحقق ذلك.
لأن البركة إذا تحققت حصلت المنفعة بإذن الله عز وجل، كم من أناس عندهم أموال طائلة لكن الله لم يبارك لهم فيها، فلم ينتفع بها المسلمون، ولم تكفل بها أيتام، ولا الدعاة ولا الأرامل ولا المساكين، ولا الفقراء ولا الضعفاء، بل هي أموال تئط بها البنوك، تعج بها الأرصدة.. والمال يولد أموالاً بالربا، ولا يستفيد من ذلك أحد، فليس وجود المال بحد ذاته هو الغاية لكن الغاية هو وجود المال المبارك، لأن المال المبارك هو الذي ينفع في طاعة الله ومرضاته.
ليست المسألة أن تجد زوجة، أو المرأة تجد زوجاً، فالقضية أن تجد الزوج المبارك، وأن تجد أنت الزوجة المباركة، لأنه إذا كتب الله فيها البركة نفع الله بها.
كم بارك الله لقلب فانتفع والله إن بارك في شيء نفع |
كم من رجل تمنى أن يكون عنده عشرون ولداً، وصار عنده عشرون ولداً لكن لم يجعل الله في أحدهم بركة، بل إن بعض الناس عنده عدد من الأولاد: اثنان مسجونان في مخدرات، وواحد مسجون في أموال، والثالث مسجون في بلاء، والرابع مسجون في جريمة، ليست القضية كثرة الولد، بل القضية أن يبارك لك في الولد، ليست القضية أن تنال الزوجة، بل أن يبارك لك في الزوجة، ليست المسألة أن تنال هذه الدابة بل أن يبارك لك فيها، ولذلك إذا تأملنا مسألة البركة وجدناها حتى في عباداتنا، إذا أثنيت على الله: ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، إذا وضعت يدك في الطعام: باسم الله اللهم بارك لنا فيما رزقتنا، إذا دعوت لمن أضافك قلت: اللهم بارك لهم فيما رزقتهم، واغفر لهم وارحمهم، إذا هنأت أحداً قلت: بارك الله لك وبارك عليك، وجمع بينكما في خير، مسألة البركة مهمة، ولذا نسأل الله أن يبارك لنا ولكم في أموالنا وأولادنا وأعمالنا وأزواجنا وذرياتنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، ونجعل ما بقي من الوقت للإجابة على الأسئلة:
الجواب: جميل جداً أن ينبه الأخ السائل على هذه القضية، وهي من العادات المستوردة التي نقلت إلينا إما بالمحاكاة أو بالمشابهة أو بما يراه البعض في هذه القنوات الفضائية وفي الأفلام والمسلسلات، لا يجوز في ليلة الزفاف أن تنتهك الحرمات، يأتي رجال يرقصون مع النساء، يأتي الزوج ليجلس مع زوجته على منصة أو على كرسي والفتيات الجميلات يتراقصن أمامه، وأيضاً الوقوع في اللباس العاري عند الفتيات، وبعض الزواجات ليست بحفلات زفاف بل كأنما هي عرض عارٍ للأزياء ولا حول ولا قوة إلا بالله! ويحتجون بمسألة عورة المرأة إلى المرأة من السرة إلى الركبة، يعني ما سوى ذلك فلتخرج المرأة ما شاءت، ليس بصحيح، هذا بيان حكم لكن لا يعني ذلك الإذن بفعل ما تقع به الفتنة بين المرأة والمرأة، لا يظن البعض أن المرأة لا تفتن بالمرأة، بل مما ابتلي به كثير من الفتيات اليوم إلا من رحم الله مسألة العشق والفتنة والولوع والتعلق بأمثالهن من الفتيات، ومن أسباب ذلك لبس هذه الملابس الفاتنة والضيقة التي تصف أحجام الأبدان.
الجواب: أما تصوير الحفلات فكل عاقل غيور لا ينبغي له أن يأذن بأن تدخل أي كاميرا تصوير في الحفلة، قد يأتي يوم من الأيام وتجد صورة زوجتك أو صورة ابنتك أو صورة فتاة من محارمك في يد فلان وعلان، هذه مسألة خطرة ولا ينبغي التساهل بها، إضافة إلى أن التصوير حصره على المصلحة والحاجة والضرورة ينبغي أن نقف عند هذا، أما التساهل في ذلك فلا حاجة إليه، التساهل في ذلك إذا كان في مصلحة أو حاجة أو ضرورة، لكن ما المصلحة؟ بنتك أو قريبتك تصور في زواج أو في حفلة ثم بعد ذلك تستعرض صورها عند الغادين والرائحين، أحد يرضى بهذا؟ هذه مسألة خطيرة جداً، وما ذكره الأخ في أول السؤال أظن قد أجبته عليه في السؤال الأول.
الجواب: يا أخي الحبيب! لا بأس أن يطلب الإنسان الشيء في الجملة، إذا علم من الفتاة عفافها وصيانتها وتدينها، وعدم الخضوع بالقول، وعدم الاختلاط بالرجال، هذا كافٍ، لا يشترط بتدين الفتاة أن تكون قد حفظت القرآن والصحيحين والكتب الستة، وإلا ما تزوج في البلد كله إلا أربع أو خمس أو عشر، كذلك يعني الجمال مسألة نسبية فإذا حصل القدر الذي قد أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم: (التي إذا نظر إليها سرته) يعني تشرح خاطره، بمعنى: ألا تكون إذا نظر إليها كرهها أو أبغضها أو فركها أو شيء من ذلك.
كذلك مسألة الحسب والمغالاة فيه، كذلك مسألة النسب وغير ذلك، يا أخي الحبيب! إذا توفرت القاعدة المتيسرة من هذه الشروط أو من هذه المواصفات فالحمد لله، القدر المتيسر من التدين، القدر المتيسر من الجمال، القدر المتيسر من الحسب، والقدر المتيسر من النسب إلى غير ذلك، هذا كافٍ، أما أن تتشدد وتجعل كل هذه وأن تكون متعلمة، وتحدد العلم، قد تكون جيدة وصالحة وحافظة لكن ليست بجامعية، كل الشروط الأربعة توفرت إلا أنها ليس معها شهادة جامعية، إذاً تعطى مهلة إنذار أربع سنوات لإكمال الشهادة، فليس صحيحاً هذا الكلام، أو كذلك تجد كل الشروط توفرت إلا مقداراً معيناً من الجمال، والله ليست تشبه فلانة الفنانة، ليست تشبه فلانة الراقصة، ليست تشبه فلانة، هذه من شروط بعض الشباب الذين لا يهمهم الدين بل يركزون على الجمال، وكما قال الشاعر:
عراقية العينين نجدية الحشا حجازية الأطراف هندية الشعرِ |
يا أخي! أنت تطلب حورية ما نزلت بعد، فينبغي للإنسان حينما يؤكد على مثل هذه المواصفات، أن يكتفي بالقدر المتيسر، وألا يتشدد في ذلك.
تشدد بعض الشباب في مسائل النسب فلا يريد إلا من آل فلان، ومن بيت فلان، ومن بني فلان، ما الذي تعلم في نفسك يا مسكين؟ اعلم أن أبا لهب من أهل النار، وبلالاً الأسود الحبشي من أهل الجنة! بسبب التعلق بهذه العنصرية المقيتة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (من رأيتموه يتعزى بعزاء أهل الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا) (لينتهين أقوامٌ عن تفاخرهم بأحسابهم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان) بعض الناس مسكين أول ما يتكلم في فلان أو علان .. لا يهمك، فلان ليس من آل فلان، ليس من بني فلان، ليس من القبيلة الفلانية، أرنا مقاييسك أنت؟! ما حظك من العلم؟!
ما حظك من الفكر والإنتاج؟
ما حظك من نفع المسلمين؟
ما حظك من نفع الأمة؟
لا. ليس عندهم شيء إلا أن فلاناً ابن فلان، هذه ما نفعت أبا طالب وما نفعت أبا جهل ، وما نفعت الذين هم من صناديد قريش، ومع ذلك لم يكونوا على فوز بما فاز به الصالحون الأبرار من صحبة محمد صلى الله عليه وسلم.
الجواب: لا. لا تطعهم، بل تزوج وبادر في الزواج، وتركك الزواج معصية، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
الجواب: أرجو من الأخ أن يعرف نفسه بفضيلة مندوب الدعوة في هذه المنطقة الذي قدم هذه المحاضرة، وبإذن الله عز وجل سيبذل له ما يستحقه وما يحتاجه، ونهنئه بالإقبال على الله عز وجل، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً [الزمر:53] فالحمد لله الذي فسح في أجلك، وأمد في عمرك حتى تبلغ هذه الروضة من رياض الجنة؛ لتضع يدك في يد أهل الخير، وتشق معهم طريقاً لا تخاف دركاً ولا تخشى، وتبلغ بإذن الله جادة الأمان على الثبات والاستقامة بإذن الله عز وجل.
الجواب: والله أعجبت الكثير أو لم تعجبهم، إذا كان هناك من فرح على شيء لا يتعارض مع الأمور الشرعية، ويكون فيه بعض البنيات الصغيرات ينشدن الأناشيد التي ليس فيها تشبيب بالنساء، وليس فيها كلام فاحش ولا كلام رديء، وفيها الدف الذي شرع للنساء، فهذه من الأفراح التي نؤيدها ونحث عليها، وينبغي أن يجتهد كل من عنده مناسبة زواج أن يجعل ليلة الزفاف عامرة بمثل هذه الأفراح التي لا تخالف الشرع، ومما علمنا أن مثل هذه الأفراح تهدى فيها الكتيبات النافعة والأشرطة المفيدة، ولا يحصل فيها تبرج، ولو دخلها متبرجات فإنهن يكرمن ويعاملن باللين والرقة، والموعظة الحسنة، والنصيحة الطيبة، ويستفدن، أيضاً لا نريد أن تكون الأفراح التي تخلو من المخالفات الشرعية أفراح عداوات، مجموعة فتيات متدينات دخل عليهن بعض الفتيات في لبسٍ مزرٍ، أو غير ساترٍ، ثم أخذن ينتقدنهن بشدةٍ .. لا، بل يتلطفن بهن ويكرمنهن، ويعتنين بهن، وينصحنهن بكل وسيلة تحقق لهن الاستقامة بإذن الله عز وجل.
الجواب: يا أخي الكريم! المستقبل أنت لا تعرفه، ولا تدري لو أويت إلى فراشك الليلة هل تنهض منه بعد ذلك
تزود من الدنيا فإنك لا تدري إذا جن ليلٌ هل تعيش إلى الفجرِ |
فكم من صحيح مات من غير علة وكم من سقيم عاش حيناً من الدهرِ |
وكم من صغار يرتجى طول عمرهـم وقد أدخلت أجسادهم ظلمة القبرِ |
وكم من عروسٍ زينوها لزوجها وقد نسجت أكفانها وهي لا تدري |
هذا المستقبل أنت لا تعرف عنه شيئاً، بل إن المبادرة بالزواج قد يكون نعمة، أن تدخل بامرأة فيكتب الله لك منها ولداً صالحاً يحمل لك ذكراً حسناً، ويدعو لك الناس إذا رأوه، وتكون كل أعماله الصالحة في موازين أعمالك، وربما أنت لا تبلغ أن تراه قد شب أو أصبح رجلاً كبيراً، ربما تموت وهو جنين في بطن أمه، ربما تموت وهو لا يزال صغيراً يحبو، أو لا يزال في مراحله الابتدائية، فالمبادرة بالزواج وطلب الولد والذرية من دلائل العقل.
الجواب: نعم. سئل الإمام أحمد عن الرجل يستدين لأجل الزواج؟ قال: أرى أن يستدين ويقضي الله عنه بإذنه سبحانه وتعالى.
فالدين ثقيل إلا في الزواج وبناء المسكن المناسب المعقول، فإن من استدان .. هذا ملاحظ ومشتهر ومعروف بالتجربة والملاحظة؛ أن من استدان لبناء بيت يؤويه وأسرته فإن الله سرعان ما يقضي دينه، أما أن يبني بيتاً آلاف الأمتار بالدين، وأنواع الاكسسوارات، وألوان المفارش والكنب والستائر والرخام، ويأتي بالعجائب والغرائب، ثم بعد ذلك يطلع له صك إعصار بأربعة ملايين، ويقول: لقد تحملت ديناً بسبب البيت، هذا الدين الذي تحملته يكفي لبناء عشرين بيتاً لا بيتاً واحداً، فلا يحل لك أن تأخذ أموال الصدقات والزكوات بحجة أنك بنيت بيتاً وتحملت فيه ديناً.
نعم. يقضى عنك الدين في بيت تبنيه بالمعروف، بالحد المعقول، أما أن تغالي في البناء، وتريد السداد من أموال الزكوات والصدقات، فيحرم، الفقراء والمساكين الذين لا يجدون أجرة البيت، وربما بعضهم يطرد فلا يجد مأوى، وبعضهم يسكن في الخيام أو في شارع، وأنت تريد أن تبذل أموال الصدقات لذلك، لا، كذلك الشاب حينما يستدين لأجل الزواج، ويكون دينه معقولاً، والزواج ونفقاته معقولة، فإن الله سبحانه وتعالى يقضي عنه.
نقف عند هذا الحد، حيث اتفقنا مع الشيخ على أن تكون الأسئلة في المدة المحددة والمعتادة بين الأذان والإقامة، وما سوى ذلك فلعل الله أن يمن بلقاءٍ مبارك يجمعنا بكم على مرضاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر