إسلام ويب

صلِ .. وانتظر النتيجةللشيخ : سعيد بن مسفر

  •  التفريغ النصي الكامل
  • للصلاة مكانة عظيمة في جميع الأديان السابقة، والمحافظة عليها مما امتدح الله به الأنبياء. إلا أن الله اختص هذه الأمة عمن سبقها بأن جعل الصلاة عمود هذا الدين، وميزها عن سائر العبادات بأن افترضها على أمة الإسلام في السماء، حين عرج نبينا محمد ليلة الإسراء. ولعظم هذه العبادة كان التشديد على المحافظة عليها، والوعيد الشديد لمن فرط في شيء منها، حتى أنها جعلت فاصلاً بين الكفر والإيمان.
    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين سيدنا وحبيبنا وإمامنا وقدوتنا محمد صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره وسار على دربه واتبع شريعته ودعا إلى ملته وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    أيها الأحبة في الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأسعد الله جميع أوقاتكم، وأسأل الله سبحانه وتعالى كما جمعنا في هذا المكان الطاهر وفي هذه الليلة المباركة وبعد أداء هذه الفريضة العظيمة أسأله أن يجمعنا بمنه ورحمته وفضله وكرمه في جناته جنات النعيم وآبائنا وأمهاتنا وإخواننا وأخواتنا وزوجاتنا وذرياتنا وجميع إخواننا المسلمين برحمته إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

    أيها الأحبة: من أعظم الدلائل ومن أبرز البراهين على صدق إيمان العبد وعلى قوة يقينه هو: حرصه على أداء هذه الصلاة التي هي صلة بين العبد وبين الله، وكلما كانت علاقتك بالصلاة قوية وحرصك عليها شديداً وحبك لها عظيماً كان هذا دليلاً على حبك لله وعلى قوة إيمانك به ويقينك عليه.

    وإذا نظرنا إلى هذه الفريضة العظيمة وجدنا أنها تحتل مكاناً عظيماً في الإسلام بل في كل الرسالات، فإنه ما من نبي بعث ولا رسالة نزلت إلا وفيها الأمر بإقامة الصلاة كما فيها الأمر بتوحيد الله عز وجل، فهي عبادة مشتركة لجميع أمم الأرض منذ أول الأنبياء إلى خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، يقول عز وجل: وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ [الأنبياء:73] فبعد أن سرد قصص بعض الأنبياء ذكر أنه أوحى إليهم فيما أوحى إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة.

    اهتمام الأنبياء بالصلاة

    يذكر الله عن بعض الأنبياء بصفة صريحة ظاهرة الأمر بالصلاة:

    - إبراهيم عليه السلام: يقول تعالى: رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ [إبراهيم:37] وكان من دعائه: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ [إبراهيم:40].

    - إسماعيل عليه السلام: يثني الله سبحانه وتعالى عليه ويقول: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ [مريم:54-55].

    - موسى عليه السلام: وذلك حينما حصل له التكليم من الله عز وجل؛ لأن الله اختصه واصطفاه بالكلام إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي [الأعراف:144] وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً [النساء:164] حينما عاد من رحلة العمل التي قضاها في خدمة عمه وهي إجارة عشر سنين مهراً لابنته التي تزوجها قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ [القصص:27] ثم قضى أفضل الأجلين وهي العشر سنوات ثم استأذن عمه في أن يعود إلى بلاده وسار بأهله، فلما كان في الطور في سيناء وكانت ليلة باردة ومطيرة وشاتية وكانت زوجته في حال الوضع، والمرأة في حالة الوضع تحتاج إلى الدفء وتحتاج إلى الطعام فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً [طـه:10] رأى نوراً فظنه ناراً: لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طـه:10-14] هنا الشاهد في أول الأمر (فاعبدني وأقم الصلاة).

    عيسى عليه السلام لما حملت به مريم ابنة عمران وكان حملها به بطريقة تختلف عن البشر، أراد الله عز وجل أن يظهر قدرته في خلق الإنسان من غير أب واختار لهذه الآية مريم، وسبب اختيار الله لمريم؛ لأن الله قد عصمها من الشيطان؛ ولأن أمها وهبتها لله وكانت تظن أنها ذكر، فقالت: رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [آل عمران:35] وهبته لله حتى يكون خادماً لـبيت المقدس ولكنها لما وضعت إذا بها أنثى، والأنثى لا تصلح لأن تخدم بيت المقدس الذي يرتاده الرجال قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ [آل عمران:36] قال الله تعالى: فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً [آل عمران:37].

    ولهذا ثبت في الصحيح أنه: (ما من مولود يولد إلا ويضربه الشيطان على ضلعه عند خروجه من بطن أمه إلا مريم وابنها) لم يستطع لهم الشيطان؛ لأن الله أعاذهم وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ [آل عمران:36] من ذريتها؟ عيسى فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ [آل عمران:37].

    كان الحمل عن طريق جبريل عليه السلام؛ نفخ في جيب درعها وقالت له حينما جاء: إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً * قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً * قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً [مريم:18-21] أراد الله بخلق عيسى التدليل على قدرته سبحانه وتعالى على خلق الأشياء من غير ما اعتاد الناس، فإن الله لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وقد خلق الناس على أربعة أشكال:

    الشكل الأول: من غير أم ولا أب وهو آدم، قبضه ربنا من التراب وقال له: كن. فكان آدم من غير أم وأب.

    الشكل الثاني: من أب بلا أم، وهي حواء: مخلوقة من ضلع آدم لكن ليس لها أم.

    الشكل الثالث: من أم بلا أب وهو عيسى.

    الشكل الرابع: من أب وأم وهم سائر البشر، ولهذا يقول الله عز وجل: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ [آل عمران:59] إذا كنتم تستبعدون أن يخلق الله عز وجل إنساناً من أم بلا أب فلماذا لا تستبعدون أن يخلق الله إنساناً من غير أم ولا أب إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران:59].

    حملته وانتبذت به مكاناً قصياً، حملها ووضعها كله كان في آن واحد ليس في تسعة أشهر، وبعد ذلك قال: فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً [مريم:22] والفاء هنا يسمونها فاء الفجائية وبعضهم يسميها تعقيبية تقول: جاء فلان ففلان ففلان وراء بعض، حملته وانتبذت به وجاءها المخاض وشعرت بالألم ليس ألم الوضع، إنما ألم مواجهة المجتمع بهذا المخلوق الجديد الذي ليس له أب، ماذا تقول للناس؟! فقالت: يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً [مريم:23].

    وليس أشق على النفس العفيفة والطاهرة والشريفة من أن تدنس أو يدار حولها أو حول عرضها أي شيء فيتمنى الإنسان العفيف الشريف الطاهر وتتمنى المرأة الطاهرة الشريفة أن تدفن في الأرض ولا يدور حول عرضها شيء، فالعرض غالٍ، والعرض كالتاج على الرأس؛ أي شيء يلوثه يكسره، فرأت وضعها وعانت نفسياً وقالت: يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً [مريم:23] فناداها لما خرج مباشرة وكلمها وهو من الأربعة الذين تكلموا في المهد فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي [مريم:24] كيف لا تحزن؟! قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً [مريم:24-26].

    وفي هذا الوضع النفسي المؤلم يقول لها: (وقري عيناً) وقرير العين هو الإنسان المرتاح الذي يعيش أفضل حياة السرور؛ لأن عين الإنسان المرتاح تقر -أي: هذه السوداء- لكن الذي في قلبه قلق ترى عينيه غير مستقرة، لا عيناً ولا نفساً، ولدها -وهي في حالة نفسية صعبة- يقول لها: قري عيناً، يقول المفسرون: قري عيناً؛ لأنك موضع اختيار من الله لإظهار هذه الآية! وهذا تشريف وتكريم أن يختارك الله من بين سائر العالمين ليظهر عن طريقك آية من آياته وقدرة من قدراته سبحانه!

    يقول تعالى: فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً [مريم:26] أي: لا داعي للاعتذار؛ لأن الاعتذار لا يجدي.

    ولذلك إذا رأيت التطويل مع شخص في الكلام ليس له نتيجة فكف.

    فأي كلام تستطيع أن توجهه للناس وتقنعهم بولدها؟ فالأحسن السكوت والله يدافع عنها: فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّا * فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ [مريم:26-27] في الصباح لم يكن معها شيء والآن قد أصبح معها ولد فاستغربوا: قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً [مريم:27] الفري: الشيء العظيم، يَا أُخْتَ هَارُونَ [مريم:28] أخوها من عباد بيت المقدس، ودائماً العروق والأصول السليمة لا تنبت إلا الثمار الطيبة؛ فذكروها بأخيها ثم ذكروها بأبيها وأمها: يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً [مريم:28] كيف تشذين عن المنهج السوي؟! أبوكِ عابد وأمكِ عابدة وليست بغياً، وأخوكِ عابد، وأنت تعملين هذا؟! فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ [مريم:29] لم تتكلم؛ لأنها مأمورة ألا تتكلم، فاستغربوا وقالوا: عجيب! الطفل يتكلم؟! تكلمي أنتِ. فتكلم الطفل فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ [مريم:29-30].

    هذه أول كلمة قالها وهي تنسف عقيدة أكثر من مليار ونصف نصراني على وجه الأرض الذين يعتقدون أن عيسى ابن الله -تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً- هو الذي يعرف نفسه ويكذبهم في أول عبارة منه، فيقول: إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ [مريم:30] لأن الله سبحانه وتعالى ليس له ولد؛ صفة الولد في الرب صفة نقص، وصفة الولد في العبد صفة كمال، الذي عنده أولاد يرفع رأسه، لماذا؟ لأنه يحتاج إليهم إذا كبر ومرض وشاب وهرم، فمن نقصه يحتاج إلى الولد، أما الله فمن كماله لا يحتاج إلى ولد ولهذا يقول الله تعالى: تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً [مريم:90-95] .. مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ [مريم:35] تعالى الله عن الولد لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ [الإخلاص:3].

    هؤلاء الكفرة يقولون: إن عيسى ابن الله وهو يقول: قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ [مريم:30-31] فالشاهد من القصة كلها وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً * وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً * وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً * ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ * مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [مريم:31-35].

    وهكذا حتى ختمت الرسالات برسالة محمد صلى الله عليه وسلم بالنبي الخاتم محمد رسول الله وهو خاتم النبيين لا نبي بعده.

    الصلاة عمود الإسلام

    احتلت الصلاة المكانة العالية والرفيعة في دين الله حتى جعلها الرسول صلى الله عليه وسلم عمود الإسلام، وأهم أجزاء الشيء عموده، فإذا عندك خيمة فالخيمة أهم جزء فيها هو العمود الذي بعدمه لا توجد خيمة، وإذا كان عندك خيمة ولا يوجد معها عمود ماذا تعمل بها؟ تصبح بطانية أو لحافاً فقط، لكن الخيمة لا بد لها من عمود، فإذا وجد العمود وجدت الخيمة، وإذا نقص وتد أو نقص شيء خاص بالخيمة تسقط، كذلك الصلاة عمود الإسلام، بحيث إذا وجدت وجد الإسلام وإذا انتفت وضاعت ضاع الإسلام.

    جاء في حديث معاذ الصحيح في السنن وفي مسند أحمد أنهم كانوا في سفر -في غزوة- فقال معاذ : (أصبحت وإذا بناقتي بجوار ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار) انظروا همة الصحابة! نفوسهم عالية، لا يسألون إلا عن هذه الجنة وعن هذه النار، لو أن شخصاً منا كان في هذا الموضع لقال: أسألك سيارة أو أرضية، همنا الأراضي فقط، وهؤلاء همتهم عالية، يريد الجنة ويريد الفوز بها ويريد أن ينجو من النار، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد سألت عن عظيم).

    ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه يقول: (كنت بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليل فأخذت إداوة ووضعت فيها ماء أرقبه ليقوم فأقدمه له، فقام من الليل ففتح الباب وأنا عند الباب، فقلت: هذا الماء يا رسول الله! قال: من؟ قلت: ربيعة ، قال: سلني يا ربيعة ! قلت: أسألك مرافقتك في الجنة قال: أو غير ذلك؟ قلت: ما هو إلا ذلك، قال: أعني على نفسك بكثرة السجود).

    يقول معاذ بن جبل رضي الله عنه للرسول صلى الله عليه وسلم: (أخبرني بعمل يدخلني الجنة وينجيني من النار) لأن هذا هو السعادة وهو الفوز وما قيمة دنيا بعدها نار، وما قيمة قصر بعده قبر، وما قيمة جسد بعده تراب تأكله الدود لكن عندما تدخل الجنة فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185] اللهم إنا نسألك من فضلك يا أرحم الراحمين.

    والله إن هذا هو الفوز أن تنادى يوم القيامة، ما هو يوم القيامة؟ يوم قيامتك أنت، وهذا قريب لأن العبد إذا مات فقد قامت قيامته، وأنت في بيت أهلك يأتي إليك ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب فإن جاء ملائكة الرحمة شاهدتهم من بعيد فتحب لقاء الله، كما قال عليه الصلاة والسلام : (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، قالت عائشة: يا رسول الله! كلنا يكره الموت؟ قال: ليس ذلك، لكن المؤمن إذا رأى ملائكة ربه أحب لقاء الله) اللهم لا تحرمنا من فضلك العظيم.

    ساعات حرجة أن تنظر وتقول وتعلن سعادتك التي تبدأها بأن تأخذ روحك ملائكة الرحمة وتضعها في حنوط من الجنة وكفن من الجنة، ثم تصعد إلى السماء ولها ريح كأطيب ريح وجد على ظهر الأرض، ثم تستفتح لك الملائكة في السماء فيفتح لك حتى يكتب كتابك عند الله في عليين وتعاد روحك إلى جسدك هذا والله هو الفوز وهذا ممكن وسهل جداً كما جاء في الحديث: (لقد سألت عن عظيم، ثم قال: وإنه ليسير على من يسره الله عليه) اللهم يسره علينا يا أرحم الراحمين، ثم ذكر (تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وبعد ذلك قال: ألا أدلك على رأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ قلت: بلى يا رسول الله! قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله).

    وفي الصحيحين يقول عليه الصلاة والسلام: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة...) فهي عمود الإسلام، بل كانت قرة عين النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (وجعلت قرة عيني في الصلاة) وكان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، من هو الذي إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة؟! بل نفزع للتليفون، نفزع للجار وللمدير وللوزير ولم نفكر أن نفزع إلى الله.

    شخص من الناس ظلم بشهادة زور على قطعة أرض، والأرض له وملكه وملك أبيه وجده والناس يعرفون ذلك، لكنَّ شخصاً أراد أن يأخذها؛ لأنها أمام البيت فهو يريدها للضيوف وموقفاً للسيارات، فذهب وسوّرها، وجاء صاحبها وقال له: يا أخي! هذه الأرض ملكي، قال: هذه ليست لك، فاشتكى ذاك، قال: تحت يدي هل عندك بينة؟ قال: عندي بينة، فذهب وأتى بشهود زور أن هذه الأرض المحددة شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً ملكاً لفلان بن فلان أباً عن جدٍ لا ينازعه فيها منازع ولا يشاركه فيها مشارك والله على ما نقول شهيد، وعلمهم الشهادة في الليل والله ينظر إليهم في الليل وأغراهم بنقود وقال: الدنيا دوارة؛ اليوم عليك وغداً لك، إذا شهدتم لي غداً أنا سوف أشهد لكم مرة أخرى، قالوا: مالنا بك عذر وشهدوا، قال القاضي للمشهود عليه: عندك فيهم جرح هؤلاء الشهود، قال: لا يحتاجون، التزكية أنا أزكيهم لكن كلمة أقولها يا قاضي! قال: نعم. قال: والله إني أعلم إن هذا يعلم -صاحب الدعوة- والشهود أنهم كاذبين وأن الأرض لي ولكن أرادوا أن يأخذوها غصباً فأنا أحيلهم إلى الله فينصفني منهم رب العالمين، قال: توقع أن عندك اعتراض على الصك، قال: لا. ليس عندي اعتراض، خرج من المحكمة ودخل إلى المسجد ورفع برقية عاجلة إلى الله؛ لأن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، يرفعها الله فوق الغمام وتفتح لها أبواب السماء، ويقول الله تعالى: (وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين) لكنه ما كان يريدها بعد حين، صلى ركعتين، وقال: اللهم إنك تعلم أن فلاناً ظلمني وأخذ الأرض وهي أرضي، وشهد اثنين ظلماً وزوراً، وإنه الآن يحوطها ويبني عليها وأنا أشاهده بعيني، فإن قتلته قتلوني وإن مكثت أشاهده كل يوم آلمني قلبي، اللهم إني أسألك أن تنصرني هذا اليوم وليس غداً، يقول: أريد الإجابة عاجلاً. وخرج من المسجد وذهب إلى بيته ودخل البيت مكسور الفؤاد حزيناً، قالت له زوجته: ماذا بك؟ قال: لا شيء، أريد أن أنام، فرشت له الفراش ونام قبل الظهر، وقليل وإذا بالصارخ يصرخ في القرية، ماذا حصل؟ قالوا: حادث مروري، لمن؟ للثلاثة؛ الشاهدين وصاحب الصك قد أخذ الصك في جيبه والشهود معه وقال لهم: الغداء في البيت في القرية وفي نشوة الفرحة بالأرض دار بقوة فانقلبت السيارة أكثر من مرة ومات الرجل ومات الشاهدان وما أمسوا تلك الليلة إلا في قبورهم، وفي اليوم الثاني بعد العزاء تأتي المرأة وتأخذ الصك من ثياب زوجها وهو ملطخ بالدم لتذهب إلى القاضي وتقول: يا قاضي! والله ما قتل زوجي إلا هذا الصك، قالت: والله إن الأرض ليست لنا لقد ذهب زوجي فلا أريد أن يذهب جميع أولادي.

    أحاديث في فضل الصلاة

    كان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة وكان يقول لـبلال : (أرحنا بها يا بلال) ليس مثلنا الآن ونحن نصلي الآن ونقول: دعونا نصلي الآن من أجل أن نرتاح منها كأنها حمل نبعدها عن أكتافنا من أجل السمر، يقول: نسمر، لقد صلينا وارتحنا من الصلاة، لا. يقول: (أرحنا بها يا بلال ) أي: أدخل الراحة والأمن واللذة والمتعة في قلوبنا بها، هل نجد الراحة والأمن والمتعة في الصلاة الآن؟ أم أن بعضنا يأتي وهو مغصوب، وبعضنا في الصلاة تشاهده يراوح بين رجليه ويحك ويريد أن ينفك بأي وسيلة وينتظر حتى تنتهي الصلاة.

    وكان صلى الله عليه وسلم يقول كما في الصحيحين : (سبعة يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله وذكر منهم: رجل قلبه معلق بالمساجد) وفي صحيح مسلم يقول عليه الصلاة والسلام : (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط .. فذلكم الرباط .. فذلكم الرباط) .

    والأحاديث في فضل الصلاة وأهميتها كثيرة جداً في دين الإسلام، هذه العبادة العظيمة حتى الملائكة تعبد الله بالصلاة يقول عليه الصلاة والسلام: (أطت السماء) أي: انحنت واحدودبت (وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربعة أصابع إلا وملك راكع أو ساجد).

    هناك ملائكة ركع من يوم أن خلقهم الله إلى يوم القيامة، فإذا قامت القيامة رفعوا ظهورهم وقالوا: سبحانك ربنا ما عبدناك حق عبادتك، والملائكة سُجَّد منذ خلقهم الله إلى يوم القيامة يسبحون الليل والنهار لا يفترون لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088536400

    عدد مرات الحفظ

    777190887