إسلام ويب

فضل الإيمان وآثارهللشيخ : سعيد بن مسفر

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ضرورات الحياة المتفق عليها بين البشر ثلاث، وهي: الهواء والماء والغذاء، ولكن ضرورة الإيمان والدين تطغي على ذلك كله، فهي الباعثة على الأمن والسعادة في الدنيا قبل الآخرة، ولهذا الإيمان ثمار وآثار في الدنيا والآخرة تظهر على من التزمه وحققه. في ظلال هذه الأفكار والأطروحات كان موضوع الشيخ في هذه المادة، إضافة إلى الكلام عن نظرية داروين الحيوانية وكيف استغل اليهود هذه النظرية وطوروها من أجل خدمة أفكارهم وتحقيق أهدافهم.
    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    وبعد:

    أيها الإخوة في الله: هناك في حياة البشر ضرورات لا بد من توفرها، ولا يستطيع إنسان أن يعيش حياةً سعيدةً إلا بتوفر تلك الضرورات، وهذه الضرورات كثيرة في حياة الناس، ولضغط الحياة المادية وانعدام المقاومة لدى الإنسان في هذا الزمان؛ أصبحت معظم الأشياء ضرورية لدرجة أنه إذا انتهت أية مادة من مواد الأسرة فإن البيت يشعر بنقص، وبعدم قدرة على التكيف مع الوضع الجديد، إذ لا بد من توفير هذه الأشياء ولو في أبسط صورها، مثلاً: لو تنتهي من البيت حفاظات الأولاد لقامت مشكلة في البيت، تصيح المرأة بأعلى صوتها، وتقيم الرجل من مضجعه، وتوقظه من نومه، وتأمره بأن يذهب إلى السوق لشراء حفائظ الأولاد، وكأن القيامة قد قامت.

    رغم أن الناس منذ آدم إلى قبل عشر سنوات لا يعرفون حفاظات الأولاد، وما ظهرت إلا منذ الأيام القريبة، لكن انهزامية الناس أمام ضغط هذه الأشياء جعلت كل شيء ضروري، لكن الضروري حقيقةً ثلاثة أشياء:

    أولاً: الهواء.

    ثانياً: الماء.

    ثالثاً: الغذاء.

    فقط هذه؛ لأن على هذه الثلاثة مدار حياة البشر، إذ لا يستطيع الإنسان أن يعيش بغير الهواء لحظة واحدة، ولا أن يعيش بغير الماء فترة معينة، ولا بغير الغذاء فترةً أطول، لكن بغير هذه الثلاث يمكن أن يعيش الإنسان، بل يمكن أن يعيش بدون كساء، فيستر عورته بأوراق الشجر، وينام في الكهوف، ويستظل بالأشجار، ويسير على قدميه حافياً، فإذا وُجد الماء والهواء والغذاء وجدت الحياة، وإذا انعدمت هذه الثلاثة الضرورية انعدمت الحياة.

    لكن هل الإيمان والتدين والالتزام ضروريٌ للبشر كضرورة هذه الأشياء الثلاث؟ هل الإيمان -تنبه لهذا السؤال- والدين والعيش على منهج ضروري للإنسان كضرورة هذه الأشياء الثلاث، بحيث إذا لم يتوفر الإيمان في حياة الإنسان مع هذه الثلاث تصبح الحياة غير ممكنة؟!

    قبل الإجابة على هذا السؤال يجب أن نناقش الموضوع بعقلية وبمنطق.

    هذه الضرورات الثلاث من أين نتجت حتى أصبح الإنسان لا يمكن أن يعيش بدونها؟

    الضرورة الأولى: الهواء

    الهواء يحيط بالإنسان من كل جانب، ويسير معه في كل مكان، تدخل المسجد تجد الهواء أمامك، تركب السيارة تجد الهواء في انتظارك، تخرج إلى الشارع تجد الهواء يلامسك، تركب في الطائرة تجد الهواء معك، تدخل في غرفة النوم كذلك هو معك، وتدخل دورة المياه والهواء معك، أينما دخلت والهواء يحيط بك من كل جانب، لماذا؟ لأنك لا تستطيع أن تعيش بغير الهواء، فجعل الله الهواء معك في كل مكان، ولو أنه انحبس عنك لحظة واحدة لمت! بينما هذا الهواء تحصل عليه بالمجان.

    هل سمعتم أحداً يقول: أعطني كيلو هواء؟

    ما ظنكم لو أن الهواء الذي يعيش الناس عليه يشترى بمال، لو حصل هذا لمات أكثر البشر الذين ليس لديهم مال، أو كان من معه هواء يحمله في قربة أو برميل فوق ظهره، وما عمله إلا مراقبة العيار متى ينتهي الهواء، لكن الله جعل الذي هو أغلى شيء في الوجود مجاناً، وهذه نعمة من الله عز وجل، وما سمعنا إنساناً يبيع الهواء أو يشتري الهواء، طبعاً لا تحتجون عليّ بهواء الإطارات الذي عند البنشر، فتقولون لي: نشتري هواء ونعبأه بثمن، لا. حتى هواء الإطارات مجاناً، فأنت عندما تقف عند صاحب بنشر، فتعاير الهواء وتزيد وتنقص لا تعطيه إلا ريالاً، وإذا أعطيته ريالاً قال لك: استحِ على وجهك، هذا هواء كيف نبيع الهواء؟

    وأذكر مرة من المرات في بداية حياتي أني اشتريت سيارة، وما كنت أعرف شيئاً عن السيارات، كنت أعرف فقط أقود، وفي يوم من الأيام حصل في سقف السيارة أن انحلت بعض (الصواميل) وما رأيتها؛ لأنها مغطاة من الداخل باللباس، فاشتكيت إلى أحد السائقين القدامى، فقلت له: يا أخي! عندي قعقعة في سقف السيارة ولا أدري ما سببها؟

    فقال لي: هل غيرت الهواء؟

    قلت: هواء ماذا؟

    قال: هواء الإطارات.

    قلت: لا والله ما غيرته.

    قال: من متى لم تغيره؟

    قلت: السيارة معي منذ سنة.

    قال: قل: لا إله إلا الله! سنة كاملة وما غيرت الهواء!! والزيت كذلك ما غيرته؟

    قلت: لا. الزيت كل (2000كم)أغيره.

    قال: جيد، الحمد لله تداركتها، لكن لا بد لك من تغيير الهواء.

    يقولون: إن الهواء يخزن داخل الإطار، وعندما يدور الإطار باستمرار يفسد الهواء، فيحصل قعقعة في السيارة، فأخذت كلام الرجل على محمله، وذهبت إلى صاحب البنشر وأوقفت سيارتي وقلت له: غيَّر الهواء؟ فنظر الرجل إلي نظرة استغراب وقال: ماذا بك؟

    قلت: غيَّر الهواء.

    قال: هواء ماذا؟

    قلت: هواء الإطارات.

    قال: أنت مجنون أم عاقل؟!

    قلت: أنت المجنون، غيّر الهواء فقط، فتركني وأدبر عني، وأنا من بالغ الاعتداد بنفسي ذهبت إلى الإطارات وفككت الإبر وفرغت الهواء كله على الأرض، وبعد ذلك أتيت (باللي) وعبأت الهواء وأرجعت الإبر وسلمته النقود، أعطيته ريالاً، فأخذه؛ لأنه قال: مجنون، نأخذ الريال من مجنون ولا نتركه له.

    وبعد ذلك مشيت بالسيارة في أول تجربة وإذا بالقعقعة هي هي، فذهبت إلى الرجل، فقلت: يا أخيّ غيرت الهواء وما ذهبت القعقعة، قال: وغيرته!! قلت: نعم. فجلس يضحك عليّ ويضحك معه من حوله.

    الشاهد في الموضوع أن الهواء أغلى ما في الوجود، ومع هذا لا يباع ولا يشترى وإنما هو مجاناً، ولو كان الهواء يباع لمات كثير من البشر؛ لأن على الهواء مدار حياة البشر، ولا يستطيع البشر أن يستغنوا عنه لحظة واحدة، فجعله الله مجاناً، وجعله في كل مكان وفوق كل أرض، وتحت كل سماء، وفي أي مكان في الدنيا لا تدخل إلا والهواء معك يحيط بك من كل جانب، هذه ضرورة واحدة.

    الضرورة الثانية: الماء

    الماء عليه مدار الحياة، يقول الله عز وجل: وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [الأنبياء:30].

    ولكن ضرورة الإنسان للماء أقل من ضرورة الإنسان للهواء، إذ يستطيع الإنسان أن يعيش بغير ماء أسبوعاً كاملاً، وفي المناطق الباردة يعيش أسبوعين، لكنه لا يستطيع أن يعيش لحظة واحدة بغير هواء، ولذا لم يجعل الله الماء مُلابساً للإنسان يخرخر فوق رأسه أينما دخل وأينما خرج، ولو جعل الله الماء في هذا الوضع لمات البشر، ولكن الله جعل الماء ينزل من السماء بِقَدر، يقول الله عز وجل: يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ [الشورى:27].

    وإذا نزل هذا القَدْر من السماء على الأرض لا يجعله الله راسياً، فلو أنه شكل بحيرات ومستنقعات في الأرض لفسدت الحياة ولنمت الجراثيم، ولَـجلبت العلل والأمراض، لا. إنما يفتح الله الأرض لهذا الماء فيسكن في بطنها، لا يسكن في أعماقها وإنما قريباً من السطح، ولو جعل الله الأرض تمتص هذا الماء، لذهب إلى أغوار الأرض البعيدة ولحُرم منه الناس ولم يستفد منه أحد، ومات كل من على ظهر الأرض، ولكن الله عز وجل جعل الأرض تمتصه حتى لا تفسد الحياة بوجود الماء على ظهرها، فتمتصه ويختزنه الله عز وجل للناس في الطبقة العليا من الأرض، يقول الله عز وجل: فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ [المؤمنون:18] ويقول: وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ [الحجر:22].

    والماء لديه قدرة عظيمة على اختراق الأشياء، فإذا وجد مثل خرق الإبرة في أي إناء فإن الماء يخرج منه، لكن من الذي حفظ لك أيها الإنسان داخل الأرض بين الشقوق والشعاب والحفر والحجارة، فتجده موجوداً لا ينقص؟! أنت تأخذ وهو يزيد من عند الله تبارك وتعالى، هذه نعمة من نعم الله عز وجل.

    فجعل الله الماء موجوداً، لكن الحصول عليه يكون بمشقة، تحفر بئراً، أو تذهب إلى البحر فتجري تكريراً لمياه البحار، وبعد ذلك تأخذ منها الماء العذب وتترك الماء المالح، المهم أنه موجود لكنه بجهد، وليس بغالٍ، فالماء من أرخص وأكثر الأشياء في الأرض، بل إن ثلاثة أخماس الأرض ماء، وخُمسين من الأرض يابس، مع ما في بطن اليابس من المياه الغزيرة التي نحن من فضل الله في هذه البلاد نعيش عليها، ليس عندنا أنهاراً، ولكن جميع حياتنا الزراعية قائمة على مياه الأرض الباطنة، التي امتصت من مئات السنين من الأمطار التي تنزل إلى الأرض، ثم تسير على شكل وديان تمتصها الأرض وتحتفظ بها، إلى أن جاء الإنسان واستطاع بفضل الله عز وجل أن يصل إلى أعماق الأرض ويسحب هذه المياه، ويحول هذه الصحاري إلى مزارع وبساتين وجنان، وهذه كلها من نعم الله على الإنسان.

    الضرورة الثالثة: الغذاء

    الغذاء أقل ضرورة من الماء، إذ بإمكان الإنسان أن يصبر على الغذاء فترة أطول من فترة صبره علىالماء، فللإنسان قدرة على أن يعيش شهرين بدون غذاء ولا يموت، لكنه لا يستطيع أن يصبر فترة طويلة عن الماء مثل الغذاء، ولذا جعل الله الغذاء موجوداً في الأرض بمشقة أكبر من مشقة الماء، عن طريق حرث الأرض، ثم سقيها وبذرها ثم انتظار الثمر حتى يظهر، ثم حصده، ثم طحنه وخبزه وأكله، فلا يُأكل هذا القرص حتى يُتعب عليه كثيراً، ولكنه موجود.

    هذه الضرورات الثلاث هي ضرورات البشر.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088550970

    عدد مرات الحفظ

    777280558