إسلام ويب

من أسباب عذاب القبر .. أكل الربا [10]للشيخ : سعيد بن مسفر

  •  التفريغ النصي الكامل
  • القبر إما حفرة من حفر النار، أو روضة من رياض الجنة، وقد جعل الله بعض العقوبات في الحياة البرزخية لبعض أهل الكبائر، ومن أعظم هذه العقوبات عقوبة المرابي؛ لأن الربا من أعظم الكبائر. وقد شدد الله الوعيد على آكلي الربا؛ فآذنهم بالحرب في الدنيا والآخرة، ومن تلك الحرب أنه أعد للمرابي عذاباً في الحياة البرزخية إلى أن تقوم الساعة قبل عذاب الآخرة.
    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونؤمن به ونتوكل عليه، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله وخيرته من خلقه، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    المطر رحمة مادية من الله لعباده

    أيها الإخوة في الله! القلوب فرحة، وهي تأمل المزيد من الله عز وجل من رحمته وغيثه، المطر ينزل في هذه اللحظات، والغيث يهمل والقلوب تأمل، والله يقول: وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ [الشورى:28].

    وقد سمّى الله المطر أو الغيث رحمة؛ لأنه دليل رضوان من الله عز وجل، وأحياناً يأتي دليل عذاب وعقوبة من الله عز وجل، إذا غضب ربنا تبارك وتعالى حينما تنتهك حرماته ولا يستجاب لأمره، فهو يعذب بالمطر إما بالإنزال وإما بالمنع، فيمنعه فيموت الناس، أو ينزله فيموت الناس، ينزله حتى يغرقهم: وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا [العنكبوت:40] ويمنعه حتى يموتون جوعاً وعطشاً، ولكن بالمقادير التي يحتاجها الناس يكون رحمة، أن ينزل الله المطر على الناس بالمقدار الذي يريدونه؛ لأن تحديد نسبة نزول المطر لا يملكها أحد على وجه الأرض: يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ [الشورى:27].

    فإذا جاء الغيث على المقدار الذي يحتاجه الإنسان، من غير تدمير ولا تخريب، ولا كوارث، ولا فيضانات، ولا إهلاك، كان هذا دليل رحمة من الله عز وجل، قال عز وجل: وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ [الشورى:28]. أما إذا جاء المطر كثيراً غزيراً مغرقاً مدمراً، فهو دليل عذاب من الله، ينبغي على هؤلاء الذين ينزل عليهم هذا الشيء أن يراجعوا حساباتهم مع الله، وأن يصححوا وضعهم قبل أن يكون المطر الذي نزل ناراً وعذاباً وحجارة من السماء -والعياذ بالله- فالمطر ينزل في هذه اللحظات وهذه الدقائق المباركة، ونحن نأمل من الله تبارك وتعالى أن يكون سقيا رحمة لا سقيا عذاب، وأن يعطينا بقدر ما نحتاج فإنه أعلم بحاجاتنا تبارك وتعالى.

    والله يا إخوان! القلوب تتألم كثيراً حينما نسمع الرعد ونرى البرق ونرى السماء ملبدة بالغيوم ثم ينزل من المطر قطرات وبعد ذلك يذهب، على ماذا يدل هذا؟ المفروض أن الإنسان العاقل يتأمل، كأنه يرينا تبارك وتعالى آثار رحمته ثم يبعدها منا من أجل أن نطلبه، وأن نتوب إليه، وأن نستغفره، وأن نلح عليه، وأن نراجع حساباتنا فيعطينا، وإلا فماذا؟ هذه عملية ترغيب وتشويق، أنت ترى محتاجاً وتعطيه شيئاً ثم تمنعه، من أجل أن يلح عليك، يقول: أعطني، زدني بارك الله فيك، فنحن نطلب من الله الذي لا إله إلا هو أن يسقينا وأن يسقي جميع المسلمين، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً سحاً طبقاً غدقاً نافعاً غير ضار، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب، اللهم اسقنا غيث الإيمان في قلوبنا وغيث المطر في بلادنا وأوطاننا، اللهم أنزل علينا من بركات السماء، وأدر لنا به الضرع، وأنبت لنا به الزرع، واجعلنا فيه من السعداء في الدنيا والآخرة يا رب العالمين!

    الرسول رحمة قلبية للناس

    لقد سمّى الله رسوله صلى الله عليه وسلم رحمة فقال: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107]. وفي الحديث الذي يرويه الحاكم وهو صحيح وقد ذكره السيوطي في صحيح الجامع، قال عليه الصلاة والسلام: (أنا الرحمة المهداة) وقال عز وجل: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [آل عمران:164]. فالرحمة القلبية هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرحمة المادية هو المطر، وقد تأتي هذه ولا تأتي تلك، أي: ليس بالضرورة أن تأتي الاثنتين إلا إذا توفرت رحمة القلوب، إذا رحم الله القلوب بأن تمسك الناس بغيث القلوب عن طريق التمسك بالهداية الربانية والرسالة النبوية -رسالة الإسلام- جاءت تبعاً لها بالضرورة الرحمة الأخرى رحمة المطر، أما إذا تخلفوا عن الرحمة النبوية، ولم يتمسكوا بدين الله فقد تأتي الأولى لكن إما على سبيل العذاب والتدمير أو على سبيل الاستدراج والمكر من الله، كما يحصل الآن في بلاد الكفر، عندهم أمطار بالليل والنهار، لكن هل هذا دليل رضوان الله عليهم؟ لا. إنما يمتعهم الله عز وجل ثم يضطرهم إلى عذاب غليظ: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً [آل عمران:178] من أجل أن يزداد العذاب عليهم.

    وديننا الذي شرعه الله عز وجل، ونبينا الذي أرسله الله، وكتابنا الذي أنزله الله هو رحمة لهذه القلوب، يقول الله عز وجل: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الأعراف:156] الرحمة العظيمة وسعت كل شيء، فيا حرج ويا شقاء من ضاقت عليه هذه الرحمة ولم تسعه، ولكن لا تسعه إلا إذا توفرت فيه الشروط التي ذكرها الله تبارك وتعالى في سورة الأعراف، فقال: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف:156-157] أربعة عشر شرطاً لنيل هذه الرحمة، وللحصول على الفلاح أن تتوفر فيك كل هذه، فإذا توفرت بداية بالتقوى ونهاية بمناصرة هذا الدين واتباع هذا النور الذي أنزله الله على رسوله الكريم فأنت من المفلحين.

    أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يرزقنا غيث الإيمان والرحمة وغيث المطر إنه على ذلك قدير.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088531383

    عدد مرات الحفظ

    777165100