أما بعد:
السؤال: ما هو الأفضل في الحج: التمتع أم القران أم الإفراد؟
الجواب: هذا السؤال قد اختلف الفقهاء في إجابتهم عليه منذ القدم.
فمن قائل: إن الأفضل هو القران، وحجتهم في ذلك: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حج حجة الوداع قارناً)، وهذا هو الصحيح الثابت الراجح من الروايات المختلفة التي وردت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حجته.
وهناك من يقول: إنه عليه السلام حج متمتعاً.
ومنهم من يقول: إنه حج حجاً مفرداً، وحجتهم ما جاء في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبى بالحج، لكن هذا لا ينافي أنه ضم إلى الحج العمرة، وهذا ما جاء صريحاً عن بعض الصحابة، منهم أنس بن مالك حيث قال: (إنه كان آخذاً بخطام ناقة النبي عليه السلام حينما أحرم بالحج من ذي الحليفة، قال: فسمعته يقول: لبيك اللهم بعمرة وحجة).
فلا نشك -أقصد جماهير علماء الحديث- أن حجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانت قراناً، ولذلك فلا مجال للمفاضلة بين حج القران وبين حج الإفراد؛ لأن حج الإفراد ليس له وجه من التفضيل؛ لأنه لم يثبت أن الرسول عليه السلام حج حجاً مفرداً من جهة، ولم يثبت أنه حج على حج الإفراد من جهة أخرى، ولذلك فلم يبق مجال للمفاضلة إلا بين القران وبين التمتع.
ولا نشك -أيضاً- أن التمتع بالعمرة إلى الحج هو الأفضل، بل هو الواجب؛ ذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم -وإن كانت حجته قراناً- كانت هناك ضميمة اقترنت بحجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم تتعرى عن حجات الحاجين في أغلب الأزمان والعصور، وهي أنه عليه الصلاة والسلام ساق الهدي معه من ذي الحليفة، أي: أنه عليه السلام لما أحرم بالقران كان قد ساق الهدي، ولذلك فيختلف حكم من حج قارناً وقد ساق الهدي، عن حكم من حج قارناً ولم يسق الهدي.
هذا الاختلاف أخذناه من حجة الرسول عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع، ذلك أنه ثبت من حديث السيدة عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما حج وحج الناس معه -وكانوا ألوفاً مؤلفة- كان منهم القارن، ومنهم المفرد، ومنهم المتمتع) فمن كان قارناً مع الرسول عليه السلام ومفرداً كانوا على قسمين: جمهورهم لم يسوقوا الهدي وإنما نحروا في منى، والقليل منهم ساقوا الهدي من ذي الحليفة .
وعلى هذا فيمكن أن نقول: إن الذين حجوا مع الرسول عليه السلام منهم من ساق الهدي ومنهم من لم يسق الهدي، فالذين لم يسوقوا الهدي، أي: من كان قد قرن أو أفرد ولم يسق الهدي، فقد قال لهم عليه الصلاة والسلام في أول الأمر وهم ينطلقون من المدينة إلى مكة : (من كان منكم لم يسق الهدي وأحب أن يجعلها عمرة فليفعل)، فنجد هنا أن الرسول عليه السلام رغبهم ولم يعزم عليهم.
ثم في مرحلة أخرى لما جاء مكة وطاف حول الكعبة وسعى، قال لهم: (من لم يسق الهدي فليجعلها عمرة)، من قبل قال: (من أحب أن يجعلها عمرة فليفعل) وفي الأخير استقر حكم الله على لسان نبيه عليه الصلاة والسلام: (من لم يسق الهدي فليجعها عمرة)، فبادر بعضهم فتحلل. ومعنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (فليجعلها عمرة) أي: فليفسخ نيته السابقة، سواء كان حج مفرداً أو حج قراناً، وليحولها إلى نية جديدة، هي العمرة، ولازم ذلك أنه مجرد أن ينتهي من السعي بين الصفا والمروة يحلق شعره أو يقصه، وبذلك تنتهي العمرة، فيتحلل منها ويبقى حلالاً إلى اليوم الثامن من شهر ذي الحجة، وهو اليوم الذي يسمى بالتروية.
فبعض أصحاب الرسول عليه السلام بادروا إلى التحلل، إلى فسخ الحج إلى العمرة، لكن بعضهم ضلوا في إحرامهم، فلما بلغ الخبر إلى الرسول عليه السلام غضب، ورأته السيدة عائشة فقالت: (من أغضبك يا رسول الله؟ فقال: ما لي لا أغضب وأنا آمر الناس بأمر الفسخ ثم لا يفعلون) فخطب فيهم الرسول عليه السلام مرة أخرى، فقال: (أيها الناس من لم يسق الهدي فليتحلل، ولولا أني سقت الهدي لأحللت معكم، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة)، حينذاك بادر أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام فتحللوا جميعاً، وكما يقول جابر وغيره: [فسطعت المجامر وأتين النساء]، أي: تحللوا.
من هنا نأخذ أن حج التمتع هو الواجب على كل حاج، إلا من ساق الهدي من الحل فله أسوة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حيث كانت حجته كذلك، وإن كان في قوله الأخير: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة) ما يشعر بأن الأفضل بالنسبة إلينا بعد حجة الرسول عليه السلام ألا نسوق الهدي أيضاً، هذا هو الأفضل، لكن فإن فعل ذلك فاعل فليس لنا عليه سبيل من الإنكار؛ لأن الرسول عليه السلام فعل ذلك وما أنكره، بخلاف حج الإفراد، وبخلاف القران الذي لم يسق معه الهدي.
ونحن نؤكد إفادة وخطابة أن كل من أراد الحج فليجعل حجته متعة، ثم عليه بعد ذلك شكر الله عز وجل، وأن يقدم هدياً إن وجد إلى ذلك سبيلاً، وإلا صام سبعة أيام حسبما فصل الله عز وجل ذلك بالقرآن، فقال: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [البقرة:196] .
وكثير من الناس الذين يصدق فيهم قول ربنا تبارك وتعالى: وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ [النساء:128] لما كانوا يعلمون أن التمتع يجب عليه الهدي أو صيام عشرة أيام إذا لم يتيسر له الهدي، يفرون من هذا الحكم بحيلة شرعية، ومن تلك الحيل الشرعية: أنهم يفردون الحج ثم يقرنون العمرة إلى الحج، فبدل أن يتبعوا صريح القرآن وأمر الرسول عليه السلام بأن يأتوا بالعمرة بين يدي الحج، فهم يأتون بالعمرة بعد الفراغ من مناسك الحج، ويتخلصوا مما أوجب الله عليهم من الهدي أو سواه، ثم يأتي من يحتج لهم بحديث السيدة عائشة رضي الله عنها: (أنها جاءت بالعمرة بعد الحج وهي مع النبي صلى الله عليه وسلم)، فأخذوا ذلك حجة لهم أن يعتمروا بعد الحج، وكأنهم يظنون أنهم بذلك يحسنون صنعاً، مع أن الرسول عليه السلام ثم الصحابة الذين كانوا معه، ثم السلف الذين جاءوا من بعدهم، كانوا كلهم يأتون بالعمرة بين يدي الحج، ثم يقدمون الهدي أو الصيام، أما هؤلاء الناس المحتالون الذين يأتون بالعمرة بعد الحج، فيتخلصون بذلك من هذا الواجب من الهدي أو الصيام، ويجب أن نعلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان معه من الحجاج عشرات الألوف من الصحابة لم يأت أحد منهم بالعمرة بعد الحج، إلا السيدة عائشة رضي الله عنها، وهذا حكم خاص بها؛ لا لأنها عائشة وإنما لأنها كانت حائضاً.
الجواب: الركن الأول: الإحرام بالحج، مثل الإحرام بالصلاة، وهو نية الصلاة، وهو أن تقول: لبيك اللهم بحجة وعمرة، ولا بد من التنبيه أن نية الحج اليوم يجب أن تكون مبتدأة بعمرة بين يدي الحج، فتقول: لبيك اللهم بعمرة، لا تقل: لبيك اللهم بحجة؛ لأنه لا بد من تقديم العمرة بين يدي الحج؛ لأن الرسول عليه السلام قال: (دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة، وشبك بين أصابعه)، وهذا معناه أن العمرة أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الحج.
فالذي يريد أن يحج اليوم يبدأ بالعمرة، لكن نية الحج بالنسبة للتمتع تكون وأنت في مكة، أما إذا خرجت من بلدك ومررت بميقات من المواقيت المعروفة، فهناك تلبي بعمرة الحج، ثم وأنت في مكة تلبي بالحج في اليوم الثامن من ذي الحجة، وتقول: لبيك اللهم بحجة، وعند الميقات: لبيك اللهم بعمرة، أما في مكة حيث كنت نازلاً: لبيك اللهم بحجة.
ثم الطواف حول الكعبة، ثم الوقوف في عرفة، هذه هي الأركان التي لا بد منها، مع المبيت في مزدلفة، بحيث تصلي ثمة صلاة الفجر، فهذا أيضاً ركن على أصح قولي العلماء في طواف الإفاضة، هذه أركان الحج التي لا بد منها، وما سوى ذلك فهي شروط.
الجواب: التلبية هي من مناسك الحج والعمرة، ويبدأ الملبي في الحج أو العمرة من ساعة الإحرام بهما أو بأحدهما من الميقات، ويختلف هذا المكان باختلاف البلاد، فمثلاً: الشام ميقاتهم ذو الحليفة، وتسمى الآن أبيار علي، والعراق ذات عرق، واليمن يلملم .. وهكذا، ومن هذا المكان الذي يحرم منه الحاج أو المعتمر تبدأ التلبية ثم تنتهي عند استلام الحجر الأسود، فإذا لمسَ الحجر الأسود انتهت التلبية، ثم تستأنف التلبية، حينما يبدأ الإنسان بالحج بعد أن قضى عمرة الحج، فيلبي بالحج في اليوم الثامن، ثم يستمر في التلبية ما بين آونة وأخرى إلى أن يرمي يوم العيد جمرة العقبة، فهناك تنتهي التلبية حيث أعمال الحج لم تنته، فإذا رمى جمرة العقبة انتهت التلبية.
الجواب: عن الفضل أنه قال: (أفضت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من عرفات، فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة ويكبر مع كل حصاة، ثم قطع التلبية مع آخر حصاة) حديث صحيح.
لا يشترط الجمع بين التكبير وبين التلبية، وإنما هو مخير بين التكبير وبين التلبية، ولعل الأحسن التنويع، فتارة يلبي وتارة يكبر، والتكبير ليس خاصاً عند رمي الجمرة، وإنما جاء في الرجوع من عرفات، وجاء في بعض الأحاديث: (كان منا من يكبر ومنا من يلبي، فلا يعترض المكبر على الملبي ولا الملبي على المكبر).
ولكن الذي يريد أن يرمي جمرة العقبة هناك لا بد من التكبير مع كل حصاة، أما التكبير قبل ذلك فهو بدل التلبية، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كما قال عليه السلام: (أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله) أو يقول: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله .. إلى آخره، أما التكبير عند رمي الجمرة، فهو: الله أكبر، مع كل حصاة.
الجواب: الحديث إن كانت روايته هكذا فهي مختصرة، إذا كان كاتب الحديث أولاً: نقله كما وجده، وثانياً: هم كانوا يقولون في التلبية: لبيك اللهم بحج، أو لبيك اللهم بعمرة، وحينئذٍ لا يرد السؤال؛ لأن هذه تلبية.
الجواب: في الوقت الذي لا يوجد ما يمنع المحرم بالحج أو بالعمرة من أن يمتشط، فهذا الحديث يؤكد البراءة الأصلية، فيجيز للمحرم أن يمتشط؛ لأن الفكرة بالنسبة للحاج ليس كما يتوهمها الكثيرون، فهذا الحديث وهو قوله عليه السلام للسيدة عائشة : (انقضي رأسك وامتشطي) يؤيد البراءة الأصلية وهو جواز امتشاط المحرم، وليس المقصود بأن المحرم إذا تلبس بمناسك الحج أنه حرم عليه كل شيء، ليس الأمر بهذه التوسعة التي يتوسع فيها الكثير من المؤلفين والمقلدين، ولكن الواجب أن نقف عند حدود الشرع.
فمثلاً: الشارع الحكيم حرم على المحرم مطلقاً -ذكراً أو أنثى- أن يتطيب أثناء إحرامه، ولكن من السنة أن يتطيب الذي يريد الإحرام بين يدي الإحرام، يتطيب بالطيب الذي يفوح رائحته، فإذا أحرم بالحج أو العمرة شممت منه الرائحة الطيبة، فأجاز له الطيب بين يدي الحج، وحرم عليه الطيب أثناء الحج، إذاً: القضية ليس فيها هذا التضييق في أبعد معانيه كما يظن البعض.
مثال آخر: وهو ما يظن البعض أن الصائم لا يجوز له أن يتطيب، ماذا تلاحظون؟ تلاحظون أن الصائم حبس نفسه عن الطيبات، فمن الطيبات أن يشم الرائحة الطيبة، إذاً: لا يجوز شم الرائحة الطيبة، فهذا كلام ضعيف، لا يجوز الأكل والشرب ونحو ذلك مما هو منصوص عليه، أما أن تتطيب وأنت صائم فلا يوجد مانع، وأن تتسوك وأنت صائم لا يوجد مانع.
كذلك المحرم بالحج حرم عليه أشياء محدودة فنقف عندها، ولا نشدد على الناس أكثر مما جاء به النص، فالنص منع الرجل من أن يقص أظافره، ومن أن يأخذ من شعره ومن لحيته، كذلك المرأة لا يجوز لها أن تأخذ من شعرها إلا بعد أن تتحلل، لكن هذا المحرّم شيء وكونه مشط لحيته، أو قصر من شعره، فأخذ بعض الشعرات، فهذا ليس فيه ما يمنع شرعاً أبداً، وحديث عائشة يؤيد هذا الأصل، والذي أحرم بالحج لا يجوز له أن يتطيب، ولكن بين يدي الإحرام، قبل أن يقول: لبيك الله بعمرة، يجوز له أن يتطيب.
الجواب: التبان في اللغة العربية هو ما يسمى اليوم بالبنطلون (الشورت) وهو البنطلون الذي ليس له أكمام، فالسيدة عائشة لا ترى بأساً للحاج أن يلبس التبان، علماً بأن التبان سروال أو نوع من السروال، وقد جاء في صحيح البخاري وصحيح مسلم: (أن المحرم لا يجوز له أن يلبس السراويل ولا العمامة ولا القميص) أي: لا يجوز له أن يلبس أي ثوب يفصل على بدنه، وهذا حكم خاص بالرجال دون النساء؛ لأن إحرام المرأة إنما هو في وجهها وفي كفيها فقط، أي أن المرأة المحرمة لا يجوز لها أن تشد البرقع على وجهها، ولا يجوز أن تلبس القفازين (الكفوف) هذا إحرامها، وهو تيسير الله عز وجل على النساء، أما الرجل فلا يجوز له لبس السراويل، أما قول السيدة عائشة أنها أباحت لبس التبان، فقد فسره العلماء بأن المقصود: أنها لا ترى بأساً للمحرم أن يلبس هذا اللباس القصير ستراً لعورته إذا كان معرضاًُ للكشف عنها.
فأجازت السيدة عائشة لمثل هذا النوع من المحرمين أن يلبس التبان، من باب درء المفسدة الكبرى بالصغرى ليس إلا، فلا يؤخذ من كلام السيدة عائشة جواز لبس التبان من المحرم مطلقاً، وإنما للحاجة.
الجواب: آنفاً قلت: لا يجوز للمحرمة أن تشد البرقع على وجهها، أما كيف تحصل التغطية الجائزة؟ فذلك بسدل الحجاب على وجهها، وهذه تغطية جائزة؛ لقول السيدة عائشة رضي الله عنها: (كنا ونحن محرمات إذا مر بنا ركب من الرجال أسدلنا جلابيبنا على وجوهنا)، فالممنوع هو ما يشبه اللباس، كالبرقع الذي على الجبهة كما هي عادتنا في هذه البلاد، أو النقاب كما هي عادة البدو كما في كثير من البلاد.
وللجهل نجد في الحج نساء بالعشرات إن لم نقل بالمئات حاجات هكذا، ولا يوجد من يعلمهن ويذكرهن، فشد البرقع أو النقاب هذا الذي لا يجوز للمرأة، أما أن تأخذ خماراً وتسدله على وجهها فلا مانع، إذ الغرض ألا تلبس رأسها برقعاً أو نقاباً.
الجواب: إذا كان الكحل -كما نعلم- ليس طيباً فلا بأس بذلك، أما إذا كان طيباً فالطيب منهي عنه.
الجواب: لا يجوز قتل الذباب والنمل، ليس للمحرم فقط، بل وللحال (المحل) أيضاً، إلا في حالة واحدة، فقوله في الحديث: (العقور) يؤخذ من هذه اللفظة إذا كان النمل في صورة مؤذية جداً فيجوز قتله، أما بصورة عامة فلا يجوز قتل النمل حتى في حالة غير الإحرام وفي أي مكان إلا إذا كان يؤذي، فكل شيء مؤذي مما لم يأت النص بإباحة قتله لا يجوز مباشرة قتله فوراً، إلا بعد أن نعجز عن صرفه بالطرق السلمية، كالعدو الصائل تدفعه بالتي هي أحسن، فإذا ما استطعت إلا بقتله تقتله، أما رأساً نقتله فهذا لا يجوز.
وهناك حديث في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (نزل نبيٌ من الأنبياء تحت شجرة فلدغته نملة فأمر بجهازه فأخرج من تحتها، ثم أمر بها فأحرقت، فأوحى الله إليه: فهلا نملة واحدة؟!)، وفي رواية: (أن نملة قرصت نبياً من الأنبياء فأمر بقرية النمل فأحرقت، فأوحى الله إليه: أفي أن قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تسبح؟!)، أنكر الله على النبي، مع أنه مقروص من النملة وملدوغ منها، فهذا دليل على عدم جواز قتل النمل، إلا المؤذي حينما لا نستطيع أن نخلص من شره.
الجواب: نعم ذلك حرام، مادام لا يزال في الإحرام، فلا يجوز الخطبة فضلاً عن العقد، وهذا فيه حديث صحيح صريح في صحيح مسلم .
السؤال: ما حكم من أصاب ثوبه من طيب الكعبة وهو محرم؟
الجواب: مادام أنه ما قصد ذلك فليس عليه شيء.
الجواب: يجوز.
الجواب: يجوز مادام أنه لا طيب فيه.
الجواب: الصيد الذي صاده يحكم رجلان عدلان في نوعية الفدية التي تجب عليه، فإذا اصطاد غزالاً -مثلاً- فقد يوجبون عليه كبشاً، أو صاد -مثلاً- حماماً يوجبون عليه شيئاً قريباً منه، وهذا له تفاصيل في كتب الحديث والفقه، والأصل في ذلك تحكيم عدلين مسلمين عالمين بذلك.
الجواب: العلة هنا ليست كون النبات من إنبات الله أو من زرع الإنسان، وإنما العلة أن يكون النبات في أرض الحرم، فسواء كان من خلق الله عز وجل بدون واسطة البشر أو بواسطة البشر، فلا يجوز قطعه مطلقاً من هذا النوع أو من ذاك.
الجواب: هذه مسألة خلافية، والراجح أنه لابد من الطهارة، أولاً بدليل حديث عائشة السابق: (افعلي ما يفعل الحاج، غير ألا تطوفي بالبيت ولا تصلي) ثانياً: قوله عليه الصلاة والسلام: (الطواف بالبيت صلاة، ولكن الله تبارك وتعالى أحل لكم فيه الكلام فلا تكثروا فيه من الكلام)، فعندما قال: الطواف بالبيت صلاة، هذا التشبيه يقتضي إيجاد الطهارة، فيكون هذا الحديث مدعماً لحديث عائشة، وحديث عائشة مدعماً له، من حيث أن كلاً منهما يوجب الطهارة للطواف بالكعبة.
الجواب: هذه الآية استشكلها عروة بن الزبير حين قال ذات يوم للسيدة عائشة : [ما أرى إلا أن الرجل إذا حج وما طاف بالبيت ولا سعى بين الصفا والمروة إلا أن حجه صحيح، قالت له عائشة : ولم ذلك؟ فتلى هذه الآية: فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا [البقرة:158] فقالت له السيدة عائشة : لو كان الأمر كما تقول لكانت الآية: فلا جناح عليه ألا يطوف بهما] فبينت رضي الله عنها القضية بياناً شافياً، فقالت ما خلاصته: أن هذه الآية نزلت بعد ما آمن الصحابة وأسلموا وعرفوا الإسلام، فصاروا يـبتعدون عن جاهليتهم السابقة، حيث كانوا قبل الإسلام إذا جاءوا عند الكعبة وطافوا بين الصفا والمروة، كانوا يهلون لطاغوت من طواغيتهم هناك، ولصنم من أصنامهم، فلما هداهم الله تبارك وتعالى بالتوحيد والإسلام ترفعوا أن يضلوا، وأن يلبوا بالتلبية عند الكعبة وبين الصفا والمروة ؛ لأنهم كانوا يعبدون هناك ذلك الصنم، فوجدوا أن من المناسب لتوحيدهم وإيمانهم بالله ألا يعودوا فيطوفوا في المكان الذي كانوا يهلون ويلبون فيه باسم الطاغوت سابقاً، فكانوا يتخوفون، فأنزل الله هذه الآية.
فالآية نزلت لرفع الحرج الذي صار في نفوسهم، لا ليبين لهم أنهم ليس عليهم شيء؛ فهو يقول: الطواف أمرتكم به، ولا حرج عليكم أن تطوفوا؛ لأنكم كنتم سابقاً تطوفون هناك وتهلون باسم الصنم، فمادام أنكم كفرتم بهذا الصنم وآمنتم بالله وحده لا شريك له، فلا جناح عليكم أن تطوفوا الآن بالبيت العتيق.
ولذلك أكد هذا الأمر بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كتب الله عليكم السعي فاسعوا)، أي: فرض الله عليكم السعي فاسعوا.
الجواب: السؤال بناءً على قاعدة الجواب على قدر النص، أنه يجوز لها ذلك، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم طاف حول الكعبة في حجة الوداع وهو على بعيره، فإن كان جاز له ذلك وهو رجل فالأولى أن يجوز للنساء، لا سيما بالقصد المقصود في السؤال، لكن كيف تطوف المرأة وهي راكبة؟ إذا ركبت في دابة، تطوف هي بنفسها، كما طاف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وتعمل المستطاع، فهذا جائز، أما أنها تركب على السرر التي توضع على رءوس الرجال كالنساء والرجال العاجزين عن الطواف، فهذا لا يجوز، وإنما يجوز للعاجز المريض.
الجواب: إذا كان المقصود من السؤال أنه إذا صح هل يحتج به؟ فالجواب: لا يحتج به، سواء صح سنده إلى ابن عمر أو لم يصح؛ لأنه ليس مرفوعاً، وأصل مشروعية الرمل -خاصة بين الصفا والمروة- هو رمل هاجر زوجة إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
فـهاجر عندما تركها إبراهيم عليه السلام، كانت تركض بين الصفا والمروة بحثاً عن الماء -كما في قصة طويلة مروية في صحيح البخاري - فصار هذا الركض منها فيما بعد سنة تعبدية للرجال والنساء، فكيف يعقل أن يقال: ما كان أصل شرعيته من المرأة لا يشرع الآن للمرأة؟ هذا أبعد ما يكون عن الصواب.
أما الرمل حول الكعبة فمن الممكن هنا أن يقال: إن هذا الرمل خاص بالرجال دون النساء؛ لأن أصل مشروعية الرمل حول الكعبة أن الرسول لما طاف هو وأصحابه في صلح الحديبية قال المشركون: هؤلاء قوم وهنتهم حمى يثرب، فالرسول علم ذلك فأمر الصحابة أن يرملوا ليظهروا قوتهم ويظهروا خلاف ما ظن المشركون بهم، ولا شك أن موطن إظهار القوة ليس للنساء وإنما هو للرجال، فمن هذه الناحية ممكن أن يقال: إن الرمل حول الكعبة خاص بالرجال، أقول: ممكن؛ لأنه في الحقيقة لا جواب عندي في هذه المسألة، فإني لا أستحضر دليلاً قاطعاً في الموضوع، ولعله يستجد في الاجتماع القادم الجواب القاطع حول الرمل حول البيت، أما بين الصفا والمروة فلا فرق في ذلك بين النساء والرجال.
الجواب: هناك شبه إجماع على أن النساء لا ترمل، لا في الطواف ولا في المسعى، إلا أن بعض علماء الشافعية ذهبوا إلى التفصيل الآتي -وهو معقول ومقبول عندي- قالوا: إذا رملت المرأة في فراغ من الرجال في الليل حيث لا يراها أحد، فيشرع لها الرمل في السعي بين الصفا والمروة ليس في الطواف، وهذا مقبول؛ لأنكم تعلمون أن أصل الرمل في المسعى هو رمل زوجة السيد إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فما دام أن الأصل من المرأة فيشرع للمرأة، لكن الشرط الذي قيده به علماء الشافعية شرط مقبول يتجاوب مع أصول الشريعة وقواعدها، وهو أن المرأة مفروض عليها الحجاب، ومفروض عليها السترة والحشمة، وإذا ركضت هكذا كما يركض الرجال، وعلى مرأى من الرجال، فذلك مما لا يليق بها، فهذا التفصيل الذي جاء به الشافعية هو الراجح من الناحية النظرية، أما من الناحية العملية فقلما يمكن تطبيقه؛ لأنه من النادر جداً أن يخلو المسعى من الرجال، وأن يعمر بالنساء.
الجواب: الدفع قبل الفجر هذا من مناسك الحج، والبيات في مزدلفة واجب، والصحيح أنه ركن، ولكن النساء يختلفن في هذا الحكم عن الرجال، فالنساء والصبيان يجوز لهم أن ينطلقوا من مزدلفة إلى منى ليس فقط قبل الفجر، بل قبل الفجر بزمان ولكن بعد منتصف الليل، هذا حكم خاص بالنساء والصبيان، ويلحق بهم ضعاف الشيوخ من الرجال.
وفي هذا أحاديث صريحة: أن الرسول رخص للنساء والضعفة من الصبيان في الانطلاق والدفع من مزدلفة إلى منى قبل الفجر، وحينئذٍ فلا كفارة ولا فدية.
ولكن هنا نقطة يغفل عنها كثير من أهل العلم فضلاً عن غيرهم، وهي أن النساء والصبيان الذين أخذوا بهذه الرخصة واندفعوا من مزدلفة قبل الفجر، ووصلوا منى قبل طلوع الشمس، لا يجوز لهم أن يرموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس، فالدفع من مزدلفة قبل الفجر رخصة، لكن الرمي لا يجوز إلا بعد طلوع الشمس؛ لأن الرسول عليه السلام كما في حديث ابن عباس قال: (رخص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للضعفة والصبيان الدفع من مزدلفة قبل الفجر، وقال لهم: لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس).
الجواب: الحديث صحيح إسناده على شرط مسلم، ولكن في رجاله من تُكُلِم في حفظه، ولذلك قال ابن القيم في زاد المعاد عن هذا الحديث: إنه حديث منكر، ثم على شرط صحته فليس صريحاً في أن الرسول عليه السلام أمرها أن ترمي الجمرة قبل الفجر، ولكن أمرها بما أمر كل النساء أن تدفع من مزدلفة قبل الفجر، لكن هي فهمت أنه يلزم الدفع قبل الفجر والرمي أيضاً قبل الفجر، وخفي عليها حديث ابن عباس السابق: (لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس).
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر