إسلام ويب

لقاء الباب المفتوح [60]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • شرح الشيخ رحمه الله آيات من سورة الغاشية، وبين فيها صفة المؤمنين يوم القيامة، وعن وجوههم الناعمة بما أعطيت، وعن صفة الجنة بأنها عالية وصفة فرشها وثمرها، وأن المؤمنين رضوا بما أعطوا فيها، ثم أجاب عن الأسئلة.

    1.   

    تفسير آيات من سورة الغاشية

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فهذا لقاء الباب المفتوح الموفي ستين لقاءً من ابتدائه، وهو اللقاء الثاني من شهر محرم عام (1415هـ)، وهو اليوم السابع من الشهر.

    تفسير قوله تعالى: (وجوه يومئذ ناعمة)

    في هذا اللقاء نتكلم على قول الله تبارك وتعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ * لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً [الغاشية:8-11] إلى آخر الآيات.

    قسم الله سبحانه وتعالى الناس يوم القيامة إلى قسمين:

    القسم الأول: وجوه خاشعة عاملة ناصبة، وسبق الكلام على ذلك.

    القسم الثاني: وجوه ناعمة، أي: ناعمة بما أعطاها الله عز وجل من السرور والثواب الجزيل؛ لأنها علمت ذلك وهي في قبورها، فإن الإنسان في قبره يُنَعّم؛ يفتح له بابٌ إلى الجنة، فيأتيه من روحها ونعيمها، فهي ناعمة.

    تفسير قوله تعالى: (لسعيها راضية)

    قال تعالى: لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ [الغاشية:9] أي: لعملها الذي عملته في الدنيا؛ لأنها وصلت به إلى هذا النعيم وهذا السرور وهذا الفرح، فهي راضية لسعيها بخلاف الوجوه الأولى فإنها غاضبة والعياذ بالله وغير راضية على ما قدمت.

    تفسير قوله تعالى: (في جنة عالية)

    قال تعالى: فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ [الغاشية:10] الجنة: هي دار النعيم التي أعدها الله عز وجل لأوليائه يوم القيامة؛ فيها ما لا عين رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر، قال الله تبارك وتعالى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:17]. وقال الله تبارك وتعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ إلى قوله: أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [المؤمنون:1-11] وقال الله تعالى: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [الزخرف:71] فهم في جنة عالية، والعلو ضد السفول، فهي فوق السماوات السبع.

    ومن المعلوم أنه في يوم القيامة تزول السماوات السبع والأرضون، ولا يبقى إلا الجنة والنار، فهي عالية، وأعلاها ووسطها الفردوس الذي فوقه عرش الرب جل وعلا.

    تفسير قوله تعالى: (لا تسمع فيها لاغية)

    قال تعالى: لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً [الغاشية:11] أي: لا تسمع في هذه الجنة قولة لاغية، أو نفساً لاغية، بل كل ما فيها جد، وسلام، وتسبيح، وتحميد، وتهليل، وتكبير؛ يلهمون التسبيح كما يلهمون النفس -أي: إنه لا يشق عليهم ولا يتأثرون به- فهم دائماً في ذكر لله عز وجل وتسبيح وأنسٍ وسرور، ويأتي بعضهم إلى بعض يزور بعضهم بعضاً، فهم في حبور لا نظير له، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهلها!

    تفسير قوله تعالى: (فيها عين جارية)

    تفسير قوله تعالى: (فيها سرر مرفوعة)

    تفسير قوله تعالى: (وأكواب موضوعة)

    قال تعالى: وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ [الغاشية:14] الأكواب جمع كوب وهو الكأس ونحوه مَوْضُوعَةٌ أي: ليست مرفوعة عنهم؛ بل هي موضوعة لهم متى شاءوا شربوا فيها من هذه الأنهار الأربعة التي سبق ذكرها.

    تفسير قوله تعالى: (ونمارق مصفوفة)

    قال تعالى: وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ [الغاشية:15] النمارق: جمع نمرقة، وهي الوسادة أو ما يُتكأ عليه، مصفوفة على أحسن وجه، تتلذذ العين بها قبل أن يلتذذ البدن بالاتكاء عليها.

    تفسير قوله تعالى: (وزرابي مبثوثة)

    قال تعالى: وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ [الغاشية:16] الزرابي: أعلى أنواع الفرش مَبْثُوثَةٌ منشورة في كل مكان، ولا تظنوا أن هذه النمارق، والأكواب، والسرر، والزرابي أنها تشبه ما في الدنيا؛ لأنها لو كانت تشبه ما في الدنيا لكنا نعلم نعيم الآخرة، ونعلم حقيقته، لكنها لا تشبه ما في الدنيا لقول الله تعالى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:17]، فالأسماء واحدة والحقائق مختلفة، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما: [ليس في الآخرة مما في الدنيا إلا الأسماء فقط] فنحن لا نعلم حقيقة هذه النعم المذكورة في الجنة، وإن كنا نشاهد ما يوافقها في الاسم في الدنيا، ولكن هناك فرق بين هذا وهذا.

    ثم قال تعالى: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ [الغاشية:17] ويكون إن شاء الله الكلام عليه في لقاء مقبل، والآن إلى الأسئلة.

    1.   

    الأسئلة

    الاستشهاد بالقرآن في سياق الكلام ... حكمه وشروطه

    السؤال: فضيلة الشيخ! كثيراً ما يتناقل بعض الناس أثناء الحديث على ألسنتهم آيات من القرآن الكريم أو من السنة على سبيل المزاح، مثاله: كأن يقول بعضهم: فلان نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا [الشمس:13] أو قول بعضهم للبعض: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [الكافرون:6] واليوم رأينا نون وما يعلمون ... وهكذا، ومن السنة: كأن يقول أحدهم إذا ذُكّر ونُصح بترك المعصية: يا أخي (التقوى هاهنا) أو قوله: (إن الدين يسر) وهكذا، فما قولكم في أمثال هؤلاء وما نصيحتكم لهم؟

    الجواب: الحمد لله رب العالمين.

    أما من قال هذا على سبيل الاستهزاء والسخرية فإنه على خطر عظيم، وقد يقال إنه خرج من الإسلام؛ لأن القرآن لا يجوز بأي حال من الأحوال أن يتخذ هزواً، وكذلك الأحكام الشرعية كما قال الله تبارك وتعالى: يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ [التوبة:64-66].

    ولهذا قال العلماء رحمهم الله: من قال كلمة الكفر ولو مازحاً فإنه يكفر، ويجب عليه أن يتوب، وأن يعتقد أنه تاب من الردة، فيجدد إسلامه، فآيات الله عز وجل ورسوله أعظم من أن تتخذ هزواً أو مزحاً.

    أما من استشهد بآية على واقعة جرت وحدثت فهذا لا بأس به، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم استشهد بالآيات على الوقائع، فاستشهد بقوله تعالى: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن:15]حينما جاء الحسن والحسين يتعثران في أثوابهما، فنزل من المنبر صلى الله عليه وسلم وقال: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَة [التغابن:15] فالاستشهاد بالآيات على الوقائع لا بأس به، وأما أن تنزّل الآيات على ما لم يرد الله بها ولاسيما إن قارن ذلك سخرية واستهزاء فالأمر خطير جداً.

    الجمع بين حديثي: (إن البحر هو جهنم) و (يؤتى بجهنم يوم القيامة ولها سبعون زمام)

    السؤال: فضيلة الشيخ! ما وجه الجمع بين قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن البحر هو جهنم) وقوله صلى الله عليه وسلم: (يؤتى يوم القيامة بجهنم ولها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها) كيف نجمع بينهما؟

    الجواب: أما الأول وهو قوله أنه قال: (إن البحر هو جهنم) فلا يصح هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن كثيراً من العلماء قالوا في قول الله تعالى: وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ [التكوير:6] إنها هي جهنم، ومعنى سجرت: أوقدت فتكون ناراً.

    ولا منافاة بين هذا وهذا؛ لأن أحوال يوم القيامة لا تقاس بأحوال الدنيا؛ أحوال الدنيا يوم القيامة لا يعرفها أحد -أي: لا يعرف حقيقتها وكنهها- إلا الله عز وجل، أو من شاهدها يوم القيامة، أما الآن فأحوال الآخرة غير معلومة من حيث الحقيقة، ولا يمكن أن نقيسها بأحوال الدنيا، فيمكن أن تكون هذه البحار يؤتى بها يوم القيامة وهي نار تجر بسبعين ألف زمام، ولا غرابة في ذلك.

    وأقول لكم: إنه لا يمكن أن تقاس أحوال الآخرة بأحوال الدنيا لئلا يشتبه عليكم شيء آخر أعظم من هذا، وهو أنه في يوم القيامة تدنو الشمس من الرءوس حتى تكون على قدر ميل، والميل: إما هو ميل المكحلة وهو قصير جداً، وإما ميل المسافة الذي هو كيلو ونصف تقريباً، وأياً كان فإننا لو قسنا أحوال الآخرة بأحوال الدنيا لكانت الشمس إذا قربت من الناس إلى هذا الحد انمحوا من الوجود لشدة حرارتها.

    وأيضاً أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس يعرقون يوم القيامة على قدر أعمالهم، فمنهم من يبلغ العرق إلى كعبيه، ومنهم من يبلغ العرق إلى ركبتيه، ومنهم من يبلغ العرق إلى حقويه، ومنهم من يلجمهم العرق، وهم في مكان واحد.

    ولو قسنا هذا بأحوال الدنيا لكان ذلك متعذراً، لكن أحوال الآخرة لا تقاس بأحوال الدنيا، وهذا أمر يجب على الإنسان أن يتفطن له وألا يقيس أحوال الآخرة بأحوال الدنيا، كما أنه لا يجوز أن يقيس صفات الله عز وجل بصفات المخلوقين، فمثلاً: إذا جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر) وهو نزول حقيقي يليق بجلاله وعظمته، وجاءت الآية الكريمة: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ [البقرة:255] وقوله: وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر:67] فيقول: كيف يكون هذا؟ كيف يكون نزول الله عز وجل إلى السماء الدنيا، والسماء الدنيا بالنسبة إليه ليست بشيء؟

    فيقال: يجب عليك السمع والتصديق في الأخبار، والسمع والطاعة في الأحكام، سواءً أدرك ذلك عقلك أم لم يدركه؛ لأن ما يتعلق بالرب جل وعلا لا يشبه ما يتعلق بالمخلوقين، فنحن نؤمن بأن الله ينزل نزولاً حقيقياً إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، ولكن كيف ذلك؟ الله أعلم، وقد سئل الإمام مالك رحمه الله عن قول الله: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] فقيل له: يا أبا عبد الله الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] كيف استوى؟ فأطرق برأسه حتى علاه الرحضاء -وهو العرق- خجلاً وحياءً، وتحملاً لهذا السؤال العظيم، ثم رفع رأسه وقال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.

    حكم إدراك التشهد الأخير يوم الجمعة

    السؤال: فضيلة الشيخ! ماذا يفعل المأموم يوم الجمعة إذا جاء إلى الصلاة والإمام في التشهد الأخير، هل يقضي أربعاً أم يصلي اثنتين؟

    الجواب: إذا جاء الإنسان والإمام في التشهد الأخير يوم الجمعة فقد فاتته الجمعة، فيدخل مع الإمام ويصلي ظهراً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) فإن مفهوم هذا أن من أدرك أقل من ذلك لم يكن مدركاً للصلاة، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أدرك ركعة من الجمعة فليضف إليها أخرى) أي: فقد أدرك صلاة الجمعة إذا قام وأتى بالركعة الثانية.

    جواز سؤال الخطيب أثناء خطبة الجمعة لمن دخل ثم جلس: (أصليت؟)

    السؤال: فضيلة الشيخ حفظك الله! إذا كان الخطيب يخطب الناس في صلاة الجمعة فدخل رجل فجلس دون أن يصلي ركعتين فأنكر عليه، هل يشرع في حقه تكرار الإنكار على الأشخاص الآخرين الذين يدخلون بعده ولم يعلموا؟ أرجو توضيح هذه المسألة وجزاكم الله خيراً.

    الجواب: إذا دخل الإنسان والإمام يخطب يوم الجمعة ثم جلس فالخطيب لا ينكر عليه مباشرة، بل يقول كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، يقول له: (أصليت؟) فإن قال: لا. فيقول له: (قم فصل ركعتين وخففهما) وإن قال: صليت. انتهى الأمر، وكذلك لو دخل ثانٍ وثالث فإنه يقول لهم هذا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال قولاً أو فعل فعلاً في حادثة فهو لجميع الحوادث المماثلة.

    حكم سماع الأشرطة التي فيها ردود بين طلاب العلم

    السؤال: فضيلة الشيخ! ما رأيكم في الأشرطة التي يكون فيها ردود بين طلاب العلم؟

    الجواب: أرى أن الأشرطة التي يكون فيها أخذ ورد وإذا تأملته وجدته ليس إلا جدلاً أرى ألا تخرج؛ لأن هذه توجب تذبذب المستمعين، وانقسامهم إلى أقسام، أما إذا كان رداً لا بد منه بحيث يكون شخص أعلن في شريط شيئاً باطلاً لابد من بيانه فهذا لابد من نشره، أي: لابد من هذا الرد.

    والإنسان يعلم ذلك بالقرائن، أي يعلم أن ما نشر مجرد جدال بين الناس أو أنه بيانٌ للحق، فما كان بياناً للحق فلا بد أن ينشر، وما كان مجرد جدال فلا أرى أن ينشر؛ لأن الناس في حاجة ماسة إلى ما يؤلف بينهم، لا إلى ما يفرق بينهم، وكما تعلمون -بارك الله فيكم- أن كثيراً من الناس لا يدركون الأمور على ما ينبغي، فربما يغتر أحدهم بهذا وربما يغتر أحدهم بهذا فتحل بذلك الفتنة.

    حكم الطيب الذي يحتوي على الكحول

    السؤال: فضيلة الشيخ! ما حكم استعمال الطيب (الكولونيا) الذي يحتوي على الكحول؟

    الجواب: الأطياب التي يقال إن فيها كولونيا أو إن فيها كحولاً لا بد أن نفصل فيها فنقول: إذا كانت النسبة من الكحول قليلة فإنها لا تضر، وليستعملها الإنسان بدون أن يكون في نفسه قلق، مثل أن تكون النسبة (5%) أو (2%) أو (1%)، فهذا لا يؤثر.

    وأما إذا كانت النسبة كبيرة بحيث تؤثر فإن الأولى ألا يستعملها الإنسان إلا لحاجة، مثل تعقيم الجروح وما أشبه ذلك، أما لغير حاجة فالأولى ألا يستعملها، ولا نقول: إنه حرام، وذلك لأن هذه النسبة الكبيرة أعلى ما نقول فيها إنها مسكر، والمسكر لا شك أن شربه حرام بالنص والإجماع، لكن هل الاستعمال في غير الشرب حلال؟ هذا محل نظر، والاحتياط ألا يستعمل، وإنما قلت: إنه محل نظر؛ لأن الله تعالى قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [المائدة:91]، فإذا نظرنا إلى عموم قوله: (فَاجْتَنِبُوهُ) أخذنا بالعموم وقلنا: إن الخمر يجتنب على كل حال، سواءً كان شراباً أو دهاناً أو غير ذلك، وإذا نظرنا إلى العلة: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [المائدة:91] تبين أن المحظور إنما هو شربه؛ لأن مجرد الادهان به لا يؤدي إلى هذا.

    فالخلاصة الآن أن نقول: إذا كانت نسبة الكحول أو الكالونيا في هذا الطيب قليلة فإنه لا بأس به ولا إشكال فيه ولا قلق فيه، وإن كانت كبيرة فالأولى تجنبه إلا من حاجة، والحاجة مثل أن يحتاج الإنسان إلى تعقيم جرح أو ما أشبه ذلك.

    الجنة منازل بحسب الأعمال

    السؤال: فضيلة الشيخ! هل الجنة على منـزلة واحدة أم أنها متفاوتة في الكرامة والمنازل؟

    الجواب: الجنة ليست سواءً وإنما هي بحسب الأعمال، لقول الله تبارك وتعالى: وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا [الأنعام:132] ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله) فالناس متفاوتون في الأعمال، فمن كمال عدل الله عز وجل أن يتفاوتوا في الثواب، لكن نعيم الجنة على سيبل العموم كامل من جميع الوجوه (فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) واقرأ ذكر منازل الجنات في آخر سورة الرحمن حيث قال: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46] ثم قال بعد ذلك: وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ [الرحمن:62].

    وهاتان الجنتان الأوليان والأخريان هنّ أيضاً متفاوتات بحسب أعمال الناس، كما أن النار -أعاذنا الله وإياكم منها- دركات بعضها أسفل من بعض وأشد عذاباً من بعض، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أهون الناس عذاباً في النار من هو في ضحضاح من نارٍ وله نعلان يغلي منهما دماغه).

    حكم توزيع شريط وكتاب كل شهر على كل أسرة برسوم اشتراك تعاونية

    السؤال: فضيلة الشيخ! لدي مشروع في قرية من القرى، وهو عبارة عن توزيع شريط وكتاب كل شهر على كل أسرة، بشرط الاشتراك بقيمة خمسين ريالاً، ونستغل هذه الفلوس في المسابقة من خلال هذا التوزيع على البيوت، فهل يجوز ذلك؟ وإذا كان هناك فائض من الأشرطة والكتب فأين تصرف؟

    الجواب: إذا كان المقصود من هذه العملية المعاوضة، يعني أن نأخذ من كل إنسان تأتيه هذه الكتيبات خمسين ريالاً كل شهر على سبيل المعاوضة فإنها لا تجوز؛ لأن العوض مجهول؛ إذ لا يعلم الذي سلم الدراهم ماذا يأتيه من هذه الكتيبات ومن هذه الأشرطة.

    وإن كان على سبيل التعاون وأنهم جعلوا صندوقاً يجمعون فيه كل شهر خمسين ريالاً، ثم يشترى من هذا المجموع كتيبات وأشرطة نافعة توزع على الناس، فهذا لا بأس به، وبناءً على هذا نقول: بالنسبة للفاضل الذي سألت عنه؛ فإذا فضل شيء بعد التصفية فإنه يستشار المساهمون في هذا أين تصرف؟ فإن وكلوا الأمر إلى القائم على هذا الصندوق فيما يرى أن فيه مصلحة، فليصرف الفاضل إليه.

    حكم الزواج بنية الطلاق

    السؤال: فضيلة الشيخ! سمعنا فتوى تنسب للشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله، وقيل: إن فضيلتكم قد أفتيتم بذلك أيضاً، وهي أنه يجوز للإنسان أن يتزوج بنية الطلاق، فما صحة هذه الفتوى؟

    الجواب: نعم. ذكر الشيخ عبد العزيز وكذلك اللجنة الدائمة للإفتاء أنه يجوز للغريب أن يتزوج بنية الطلاق دفعاً لما يخشى منه من الوقوع في الفاحشة، وفرقوا بينه وبين نكاح المتعة بأن نكاح المتعة مؤجل لأجل مسمى؛ إذا انتهى الأجل انفسخ النكاح، وهو محرم -أعني: نكاح المتعة- وهذه المسألة -أعني تزوج الغريب بنية الطلاق- فيها خلاف بين العلماء، فمنهم من قال: إنه لا بأس أن يتزوج الغريب بنية الطلاق، أي: أنه زوجٌ لهذه المرأة ما دام في هذا البلد وبنيته أنه متى سافر طلقها.

    وقال بعض العلماء: إنه لا يجوز؛ وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، والمعروف في كتب أصحابه المتأخرين أنه لا يجوز للغريب أن يتزوج بنية الطلاق، قالوا: لأن هذه نية متعة؛ لأنك لو سألت هذا الغريب لِمَ تزوجت؟ أتريد أن تكون زوجتك سكناً لك؟ أتريد أن يولد لك منها أولاد؟ لقال: لا أريد هذا ولا هذا، أريد أن أستمتع بها ما دمت في هذا البلد، وأن أحمي نفسي مما أخشاه من الوقوع في الفاحشة، فنقول: إذاً لم تقصد بهذا النكاح المقصود الشرعي من النكاح؛ لأن المقصود الشرعي في النكاح أن تكون المرأة سكناً للزوج، كما قال الله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا [الروم:21] ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى).

    ثم إن هذا القول يستغله ضعفاء الإيمان لأغراضٍ سيئة، كما سمعنا أن بعض الناس صاروا يذهبون في العطلة -أي: في الإجازة من الدروس- إلى بلاد أخرى ليتزوجوا فقط بنية الطلاق، وحُكي لي أن بعضهم يتزوج عدة زواجات في هذه الإجازة فقط، فكأنهم ذهبوا ليقضوا وطرهم الذي يشبه أن يكون زنا والعياذ بالله.

    ومن أجل هذا نرى أنه حتى لو قيل بالجواز فإنه لا ينبغي أن يفتح الباب؛ لأنه صار ذريعة لما ذكرت.

    أما رأيي في ذلك فإني أقول: عقد النكاح من حيث هو عقد صحيح؛ لأن كل إنسان يتزوج وفي نيته إن رغب بقي مع المرأة وإن لم يرغب تركها، لكن فيه غش وخداع، فهو يحرم من هذه الناحية، والغش والخداع هو أن الزوجة ووليها لو علما بنية هذا الزوج وأن من نيته أن يستمتع بها مدةً ثم يطلقها ما زوجوه، فيكون في هذا غش وخداع لهم، فإن بين لهم أنه يريد أن تبقى معه مدة بقائه في هذا البلد واتفقوا على ذلك صار نكاح متعة، لذلك أرى أنه حرام، لكن لو أن أحداً تجرأ ففعل فإن النكاح صحيح.

    جماعة التبليغ ... طريقة دعوتهم وحكم الخروج معهم

    السؤال: فضيلة الشيخ! أحب أن أطلع على حقيقة جماعة التبليغ، وهل ينصح فضيلتك بالخروج معهم في البلدان الأخرى أم لا؟

    الجواب: الدعوة إلى الله عز وجل مأمور بها، قال الله تبارك وتعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ [النحل:125] والسير في الدعوة إلى الله في الأرض أمر مطلوب أيضاً، لكنني لا أنصح إخواننا في بلادنا أن يذهبوا خارج البلاد إلى باكستان أو بنجلاديش أو ما أشبه ذلك؛ لأنه بلغني أن هناك رؤساء مشتبه في عقيدتهم، والإنسان يجب عليه أن يبتعد عما فيه الاشتباه، أما في داخل المملكة فلا أرى عليهم إلا خيراً.

    صحيح أن عندهم جهلاً، وأنهم يحتاجون إلى طلبة علم يخرجون معهم يوجهونهم ويبينون لهم أن الإسلام أوسع مما حصروه في الستة الأوصاف التي عندهم، ويرشدونهم إلى السنة في كثير من الأمور، لكنني لست أشدد في التحذير منهم، بل ولا أحذر منهم؛ لأن لهم تأثيراً بالغاً في هداية الخلق، فكم من إنسان فاسق صار مستقيماً على أيديهم، وكم من إنسان كافر صار مسلماً على أيديهم، وهم في الدعوة إلى الله ألين من غيرهم؛ عندهم لين، وعندهم إيثار، وعندهم خلق، ولكن عندهم شيء من البدع يمكن أن يُقضى عليها.

    أما بالنسبة لنصيحة كل شخص على حدة فالإنسان الذي عنده قدرة على التعلم والتفرغ لطلب العلم ننصحه أن يبقى في طلب العلم وألا يخرج معهم؛ لأن طلب العلم أفضل من الذهاب للدعوة إلى الله عز وجل، وأما إذا كان الإنسان ليس بطالب علم ولا مستعداً لطلب العلم وأراد أن يخرج معهم من أجل أن يلين قلبه ويقبل على الله عز وجل فلا حرج.

    تحريم تغيير اللحية بالسواد

    السؤال: فضيلة الشيخ! سمعت من بعض طلبة العلم بأن تغيير اللحية بالسواد لا بأس به، فما رأي فضيلتكم؟

    الجواب: أرى أن تغيير اللحية بالسواد محرم، وإن كان بعض العلماء قال: إنه مكروه كراهة تنـزيه، وربما قال بعضهم: إنه خلاف الأولى، ولكن الصحيح عندي أنه حرام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتغيير الشيب وقال: (جنبوه السواد) ولأنه ورد في الحديث الصحيح: (إنه يأتي في آخر الزمان أقوامٌ يخضبون لحاهم بالسواد كخافية الطير أو قال: كخافية الغراب لا يدخلون الجنة) وهذا وعيد شديد يقتضي أن يكون صبغها بالسواد من كبائر الذنوب، ثم إن هناك غنىً عن هذا وهو أن يصبغها بصبغ ليس أسود خالصاً ولا أحمر خالصاً، بل يكون بُنّياً بين السواد وبين الحمرة، وبذلك يسلم من الوقوع في الإثم، ويحصل له تغيير الشيب الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم.

    حكم الأذان والإقامة في أذن المولود

    السؤال: فضيلة الشيخ! هل الأذان للمولود في أذنه اليمنى والإقامة في أذنه اليسرى يكون في اليوم السابع أم في اليوم الأول، أم متى يكون ذلك -بارك الله فيكم-؟

    الجواب: أولاً: لابد أن نسأل: هل هذا من الأمور المشروعة أم لا؟ لأن الأحاديث الواردة في ذلك ليست بتلك القوة، لاسيما الإقامة، ومن صحح الأحاديث الواردة في ذلك قال: إنه يكون عند ولادة المولود كما جاء في هذه الأحاديث. والحكمة من هذا أن يكون أول ما يطرق سمعه هو الأذان المتضمن لتعظيم الله وتوحيده والدعوة إلى الصلاة والفلاح، هذا هو وجه كونه حين الولادة.

    أما تسمية المولود: فإن كان قد عُين اسمه قبل الولادة فإنه يسمى حين الولادة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أهله ذات يوم فقال: (ولد لي الليلة مولودٌ وسميته إبراهيم) أما إذا كان لم يعين اسمه قبل ولادته، فالأولى أن تكون التسمية في اليوم السابع؛ لأنه اليوم الذي تذبح فيه عقيقته ويحلق فيه رأسه ويختن إذا كان ذكراً.

    حكم ترغيب الناس على الصيام الجماعي للنافلة

    السؤال: فضيلة الشيخ! ما رأيكم في تشجيع عامة الناس على صيام النافلة وإقامة الفطور الجماعي؟

    الجواب: أرى أنه لا بأس به، لكن الأولى تركه؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم ما كانوا يسلكون هذه الأساليب، فإذا رُغب الناس في صيام النفل بالقول فهو كافٍ عن ترغيبهم بالفعل.

    قول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي في مسألة ظهور يأجوج ومأجوج

    السؤال: فضيلة الشيخ: استفاض عن الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمة الله عليه أنه قال بظهور يأجوج ومأجوج وأنهم أهل الصين . وبعد الرجوع إلى تفسيره تبين أن يأجوج ومأجوج سيخرجون في آخر الزمان وأنهم سيفسدون في الأرض، وأن خروجهم من علامات الساعة الكبرى، فهل رجع الشيخ عن قوله الأول أم أن له قولين في هذه المسألة؟ وأنتم ماذا ترجحون في هذا جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله هو شيخنا، وقد أثيرت ضجة حول ما نسب إليه من أن يأجوج ومأجوج هم أهل الصين وما وراء جبال القوقاز ، والحقيقة أنه رحمه الله لم يقل شيئاً إلا بدليل مبني على الكتاب والسنة، وبقول قاله من قبله، لكن أهل الأهواء يتشبثون بخيط العنكبوت في تشويه سمعة من آتاه الله من فضله، فأرادوا أن يحسدوه.

    فشيخنا رحمه الله لم يقل: إن يأجوج ومأجوج الذين يخرجون في آخر الزمان هم الموجودون الآن، ولا يمكن أن يقول به عاقل فضلاً عن عالم يعتبر علامة زمانه رحمه الله، وإنما قال: إن يأجوج ومأجوج موجودون، والقرآن يدل على ذلك، قال الله تعالى في ذي القرنين: حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْراً * كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً * ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً يعني: سار حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْماً لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً * قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً [الكهف:90-94] إذاً هم موجودون، وقوله تعالى: مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً يعني: مالاً عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً فاستجاب لذلك قال: آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ [الكهف:96] فآتوه بزبر الحديد وركم بعضها على بعض: حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ يعني: بين الجبلين: قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً يعني: آتوني قطراً، أي آتوني حديداً مذاباً أفرغه عليه فأتوه بذلك، فصار هذا السد مثل الجبل، وهو سد من حديد فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ [الكهف:97] يعني: يعلو عليه وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً أي: ما استطاعوا أن ينقبوه؛ لأنه من حديد قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي [الكهف:98] يعني في آخر الزمان: جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً * وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ [الكهف:98-99].

    فالحاصل أن شيخنا رحمه الله لم ير رأيين في هذه المسألة، بل هو رأيٌ واحد دل عليه كتاب الله عز وجل وكذلك أقوال أهل العلم، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه قال: (يقول الله تعالى: يا آدم -يعني: يوم القيامة- فيقول: لبيك وسعديك. فيقول: أخرج من ذريتك بعثاً إلى النار. قال: يا ربِّ وما بعث النار؟ قال: تسعمائة وتسعة وتسعون من كل ألف) يعني: تسعمائة وتسعة وتسعين من بني آدم كلهم في النار وواحد في الجنة، (فَكَبُر ذلك على الصحابة وعظم عليهم وقالوا: يا رسول الله! أين ذلك الواحد؟ قال: أبشروا فإنكم في أمتين ما كانتا في شيء إلا كثرتاه يأجوج ومأجوج) وهذا صريح أن يأجوج ومأجوج من بني آدم، وأنهم يدخلون النار.

    فعلى كل حال نحن نرى ما يدل عليه الكتاب والسنة من أن يأجوج ومأجوج موجودون، لكن هؤلاء الموجودين ليسوا هم الذين يخرجون في آخر الزمان، بل سيأتي أقوام آخرون من نسلهم، فيخرجون في آخر الزمان، ويفسدون في الأرض كما أفسد آباؤهم.

    كيفية زواج من لا ولي لها

    السؤال: فضيلة الشيخ! عندنا في جدة كثير من الجنسيات الوافدة، وهناك تأتي المرأة لتتزوج ولا يكون عندها ولي؛ لأنها جاءت إلى البلاد بمفردها، فتتزوج بلا ولي، فما الواجب تجاه ذلك جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: الواقع أن هذه ليست مشكلة، يعني إذا أتى نساء وافدات إلى البلاد ليس معهن أولياء، فليس هناك مشكلة، إذ أن الأمر يعرض على المحكمة الشرعية، ومن لا ولي لها فالسلطان ولي من لا ولي لها، ونائب السلطان يقوم مقام السلطان، والحاكم الشرعي له أن يزوج من ليس لها ولي، وله أن يزوج من لها ولي ولكنه امتنع من أن يزوجها من خطبها وهو كفء، وهذه المسألة يجب أن نهتم بها نحن طلبة العلم: يوجد بعض الأولياء والعياذ بالله يرى أن بناته وأخواته عنده بمنـزلة البهائم؛ يبيع ويشتري فيها وينافس، ويمنع الشخص الذي يكون كفئاً في دينه وخلقه؛ لأنه لا يحبه وهذا حرام.

    وإذا تكرر منه هذا المنع صار فاسقاً خارجاً عن العدالة، فلا تقبل له شهادة، ولا تقبل له إمامة في قوم، فلا يؤم الناس في الصلاة على قول بعض العلماء، ولا يصح أن يكون ولياً، فإذا تكرر منع هذا الولي من تزويج موليته من هو كفء قلنا له: ليس لك ولاية عليها. وبحثنا عن ولي أقرب، فإذا امتنع الأولياء كما هو الغالب فإنهم يقولون: إذا كان أبوها ما زوجها فلسنا ملزمين بتزويجها، فإذا امتنع الأولياء الآخرون عن الولاية انتقلت إلى ولاية القاضي، وفي هذه الحال يجب على القاضي أن يزوجها من هو كفء، وألا يمتنع من ذلك.

    فالحاصل أن هؤلاء الوافدات يجب عليهن إذا أردن أن يتزوجن أن يذهبن إلى المحكمة ويبين الحال للحاكم الشرعي، وهو بدوره يقوم بتزويجهن، أما إذا حصل النكاح من دون ولي فالنكاح فاسد لا يصح، ولا يجوز للزوج أن يجامعها أو يعاشرها أو يخلو بها بناءً على هذا العقد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا نكاح إلا بولي) يعني: لا نكاح يصح إلا بولي، والواجب عليك إذا كنت تعلم هذا يقيناً أن تبلغ الجهات المسئولة هناك، إما المحكمة أو الإمارة، أو الهيئة؛ حتى يجدد العقد على يد الحاكم الشرعي.

    قول الصحابي وفعله ... حكمه وحجيته

    السؤال: إذا ورد في مسألة فعل صحابي فقط، فهل يؤخذ بفعل الصحابي على أنه دليل يستدل به؟ مثال ذلك: قضية قضاء عمار بن ياسر رضي الله عنه بعض الصلوات التي فاتته بسبب الإغماء؟

    الجواب: هذا ينبني على الخلاف، هل فعل الصحابي وقوله حجة أم لا؟ والصحيح أن قول فقهاء الصحابة حجة، لكن بشرطين:

    الشرط الأول: ألا يخالف النص.

    الشرط الثاني: ألا يخالف صحابياً آخر.

    فإن خالف النص فمردود غير مقبول، وإن خالف قول صحابي آخر وجب طلب المرجح، فأيهما كان أرجح كان قوله أولى، مثل أن يختلف صحابي ليس معروفاً بكثرة جلوسه مع النبي صلى الله عليه وسلم وليس معروفاً بفقهه على صحابي آخر معروف بكثرة جلوسه مع النبي صلى الله عليه وسلم وبالفقه، فالثاني أولى أن يؤخذ بقوله من الأول.

    أما المسألة التي أشار إليها السائل وهي قضاء عمار صلاته التي فاتته بالإغماء فهي أيضاً مبنية على الخلاف في حجية فعل الصحابي، ثم إن فعل عمار لا يدل على الوجوب؛ لأن الفعل المجرد من الرسول صلى الله عليه وسلم وهو حجة لا يدل على الوجوب، فكيف بفعل غيره؟ فهو رضي الله عنه لما أغمي عليه استحسن أن يقضي ما فاته.

    فالقول الراجح: أنه لا يلزمه القضاء، أي لا يلزم المغمى عليه قضاء الصلاة، فلو أن إنساناً أصيب بحادث وظل مغمىً عليه لمدة يومين أو ثلاثة، ثم أفاق فإنه لا قضاء عليه لكن لو كان سبب الإغماء اختيارياً كأن يبنج لعملية ثم يبقى نصف يوم أو يومين لم يَصْحُ من البنج فإنه في هذه الحال يجب عليه القضاء؛ لأن إغماءه كان اختيارياً.

    ضابط الولاء والبراء والهجر

    السؤال: فضيلة الشيخ! بالنسبة لمسألة تغيير شعر اللحية بالسواد، إذا وجد داعية على قدم راسخ في العلم يغير شعره بالسواد، فهل يكون الخلاف معه خلافاً ينبني عليه الولاء والبراء؟ بمعنى أن يشنع عليه ويهجر علمه بسبب ذلك، أم أن هذا من جنس المسائل الخلافية التي يلتمس له العذر فيها؟

    الجواب: الواجب على الإنسان أن يجعل ولاءه وبراءه مبنياً على دليل من الشرع لا على هواه، فإذا قُدّر أن أحداً من الناس خالفه بمقتضى الدليل عنده فإنه لا يجوز له أن يتبرأ منه أو أن يعاديه، أرأيت لو أن إنساناً صلى بعد أن أكل لحم إبل ولم يتوضأ، هذه عند من يرى الوضوء من لحم الإبل كبيرة من كبائر الذنوب أن يصلي بلا وضوء، فهل إذا رأينا شخصاً يقول: لم يتبين لي وجوب الوضوء من لحم الإبل، فأنا أصلي ولا أتوضأ منه، هل نقول: يجب أن نعاديه؟

    الجواب: لا. بل لا يجوز أن نعاديه، ولا أن نحمل عليه حقداً، كذلك -أيضاً- لو رأينا شخصاً يرى أن صبغ اللحية بالسواد لا بأس به فإننا لا نعاديه، لكننا نناقشه حتى يصل كل منا إلى الحق، فإن لم يتبين له الحق وعلمنا أن الرجل صادق في طلب الحق لكنه لم يتبين له فإننا لا نعاديه أيضاً، أما لو علمنا أن الرجل مصر على رأيه وقال: نعم. هذا الحديث يدل على تحريم السواد لكن أنا اعتدت هذا، ولا أريد أن أتحول عنه، فهذا يكون قد عصى الله على بصيرة، ولا مانع أن نهجره إذا كان في هجره مصلحة.

    حكم المبيت خارج منى

    السؤال: بعض الناس في الحج يسكن خارج منى بدون أن يكلف نفسه ويبحث عن مكان في منى ، وإذا أتى في الساعة الواحدة في الليل أو الثانية أتى إلى منى وقضى الليل في السيارة، يقطع الوقت إلى الفجر، فهل يعتبر هذا قد بات في منى أم لم يتحقق المبيت؟

    الجواب: المبيت في منى ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر من ذي الحجة واجب على القول الراجح، ويدل لوجوبه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد العباس أن ينـزل إلى مكة لسقاية الحاج رخّص له.

    قال العلماء: وكلمة (رخّص) تدل على أن الأصل الوجوب؛ لأن الرخصة لا تقال إلا في مقابل أمرٍ واجب، فالواجب على الإنسان أن يبحث عن مكان في منى قبل أن ينزل بـمزدلفة ، فإذا لم يجد مكاناً فلينزل في مزدلفة ويبقى فيها، ولا يلزمه أن يذهب إلى منى يبحث فيها بسيارته معظم الليل، أو يجلس على الأرصفة بين السيارات، وقد يكون ذلك خطراً عليه فنقول: إذا لم تلق مكاناً في منى فاجلس في مزدلفة عند منتهى الخيام، ولا يلزمك شيء ما دمت بحثت عن مكان ولم تجد.

    حكم الوثوق بالكفار على سبيل الإطلاق

    السؤال: فضيلة الشيخ! نسمع وللأسف الشديد من المسلمين من أبناء جلدتنا من يقول: أنا والله أثق في العمالة من الكفار أكثر من المسلمين، فما رأيكم في مثل هذا القول وما توجيهكم لهؤلاء؟

    الجواب: رأينا في هذا أنه خطأ أن نفضل العمالة الكافرة على العمالة المسلمة على سبيل الإطلاق، لكن لو رأينا رجلاً مسلماً مقصراً في عمله ورجلاً كافراً يأتي بعمله على التمام فلنا أن نقول: إن هذا في عمله أفضل من هذا في عمله، أما على سبيل العموم والإطلاق فهذا غلط عظيم، ويخشى على إيمان المرء إذا فضّل غير المسلمين على المسلمين على الإطلاق؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ [البقرة:221] وقال: وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ [البقرة:221].

    ثم إن الإنسان يجب أن ينظر من ناحية الجهات التي تذهب إليها هذه الأجور؛ إذا كانت العمالة كافرة فإن كسبها يذهب إلى صناديق الكفار، ثم قد يكون هؤلاء القوم كفاراً يقاتلون المسلمين في بلادهم، فتكون هذه الأجور التي تدفعها إلى هؤلاء العمال سكاكين وخناجر في صدور المسلمين في بلاد هؤلاء الكفار، فالإنسان يجب أن ينظر الأمور من كل جانب.

    أما لو كان هؤلاء الكفار من جنسٍ مسالم للمسلمين؛ لم يأتِ للمسلمين منهم ضرر فالأمر أهون.

    الجهل والنسيان في الواجبات والمنهيات

    السؤال: فضيلة الشيخ: الجهل والنسيان هل يسقطان الإثم أم يسقطان الإثم والفدية، كمن نسي مبيت ليالي منى في منى ؟

    الجواب: أما الواجبات فالجهل فيها أو النسيان يسقطان الإثم، ولا يسقطان ما يجب في ترك هذا الواجب، ولهذا لم يسقط النبي صلى الله عليه وسلم الطمأنينة في الصلاة عن الرجل الجاهل بها، وأما المنهيات فالجهل فيها أو النسيان فيها يسقط الإثم، ويسقط الحكم المترتب على فعل هذا المحظور، وذلك لأن المترتب على هذا المحظور لا يرفع الحظر بعد وقوعه، مثلاً: رجل صلى بغير وضوء ناسياً، فصلاته غير صحيحة، ويجب عليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة، ورجل آخر تكلم في الصلاة ناسياً فصلاته صحيحة، وليس عليه إعادة الصلاة.

    حكم سؤال الآخرين: من أي الجماعات أنت؟

    السؤال: فضيلة الشيخ: صليت في أحد المساجد ورآني أحد الشباب وسلم عليَّ وقال: يا أخي! من أي الجماعات أنت؟ قلت: يا أخي! كلنا إخوان في الله. ولكنه أصر فقال: إما أن تكون من جماعة الحديث أو من جماعة التبليغ أو من الإخوان المسلمين أو من كذا أو كذا، فأخذنا مدة في النقاش ولم نصل إلى شيء، فما توجيه فضيلتكم لمثل هذا الشخص جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: أرى أن مثل هذه الطريقة أن تنبذ، فالناس كلهم -والحمد لله سواء- كلنا مسلمون، فجوابك كان جواباً صحيحاً في محله، وأما أن نفرض على الناس أن يتحزبوا؛ هذا من جماعة التبليغ ، وهذا من السلفيين، وهذا من الإخوان المسلمين، وهذا من جمعية الإصلاح ، وهذا من جماعة أهل السنة وما أشبه ذلك فبلادنا -والحمد لله- لا تحتاج إلى هذا.

    يمكن للبلاد الأخرى أن تحتاج؛ لأن الأحزاب فيها فرضت نفسها، لكن عندنا والحمد لله لا داعي لذلك، فهؤلاء الذين يدعون إلى الحزبية لا شك أنهم يجنون على أنفسهم وعلى إخوانهم، وأنهم سيجرون البلاد إلى نزاعٍ طويل ومشكلات متعددة، فنصيحتي للأخ الذي قال لك هذا أن يستغفر الله ويتوب إليه، وأن يعلم أننا إخوة وعلى ملةٍ واحدة، وتحت ظل شريعة واحدة -والحمد لله- فكلنا من أهل الحديث، وكلنا من أهل القرآن، وكلنا من أهل الدعوة، نسأل الله الهداية للجميع.

    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768032075