أما بعد:
فهذا هو المجلس الحادي والستون من المجالس المعبر عنها بـ(لقاء الباب المفتوح) والتي تتم كل خميس من كل أسبوع، وهذا هو اليوم الرابع عشر من شهر المحرم عام (1415 هـ) نبدأه كالعادة بما تيسر من تفسير كلام الله عز وجل.
وقد انتهينا في الدرس الماضي إلى قول الله تعالى: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ [الغاشية:17].
1- وجوه خاشعة عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً [الغاشية:3-4].
2- ووجوه ناعمة لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ [الغاشية:9].
وبين جزاء هؤلاء وهؤلاء، قال: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ [الغاشية:17].
وهذا الاستفهام للتوبيخ، أي: أن الله يوبخ هؤلاء الذين أنكروا ما أخبر الله به عن يوم القيامة، وعن الثواب والعقاب، فأنكر عليهم إعراضهم عن النظر في آيات الله تعالى التي بين أيديهم، وبدأ بالإبل؛ لأن أكثر ما يلابس الناس في ذلك الوقت الإبل، فهم يركبونها، ويحلبونها، ويأكلون لحمها، وينتفعون من أوبارها إلى غير ذلك من المنافع، فقال: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ [الغاشية:17] وهي الأباعر كَيْفَ خُلِقَتْ [الغاشية:17] أي: كيف خلقها الله عز وجل بهذا الجسم الكبير المتحمل؛ تجد البعير تمشي مسافات طويلة التي لا يبلغها الإنسان إلا بشق الأنفس وهي متحملة، وتجد البعير أيضاً يحمل الأثقال وهو بارك ثم يقوم في حمله لا يحتاج إلى مساعدة، والعادة أن الحيوان لا يكاد يقوم إذا حمل وهو بارك، لكن هذه الإبل أعطاها الله عز وجل قوة وقدرة من أجل مصلحة الإنسان؛ لأن الإنسان لا يمكن أن يحمل عليها وهي قائمة لعلوها، فيسر الله تعالى له الحمل عليها وهي باركة ثم تقوم بحملها، وكما قال الله تعالى في سورة يس: وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ [يس:73] منافعها كثيرة لا تحصى، وأهلها الذين يلازمونها أعلم منا بذلك، فلهذا قال: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ [الغاشية:17] ولم يذكر سواها من الحيوان كالغنم والبقر والظبي وغيرها؛ لأنها أعم الحيوانات نفعاً وأكثرها مصلحة للعباد.
ولا نقول: إن هذه الآيات السماوية هي كل الآيات، بل لعل هناك آيات كبيرة عظيمة لا ندركها حتى الآن.
وقوله: كَيْفَ رُفِعَتْ [الغاشية:18] أي: رفعت هذا الارتفاع العظيم، ومع هذا فليس لها عمد، مع أن العادة أن السقوف لا تكون إلا على عمد، لكن هذا السقف العظيم المحفوظ قام على غير عمد اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا [الرعد:2].
وقد قال بعض العلماء: إن هذه الجبال راسية في الأرض بمقدار علوها في السماء، فمثلاً: الجبل له جرثومة وجذر في داخل الأرض في عمق يساوي ارتفاعه في السماء، وليس هذا ببعيد أن يمكن الله لهذا الجبل في الأرض، حتى يكون بقدر ما هو في السماء لئلا تزعزعه الرياح، ولهذا يقول عز وجل: وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ [النحل:15-16].
وقد استدل بعض العلماء بهذه الآية على أن الأرض ليست كروية بل سطح ممتد، لكن هذا الاستدلال فيه نظر؛ لأن هناك آيات تدل على أن الأرض كروية، والواقع شاهد بذلك، فيقول عز وجل: يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ [الزمر:5] والتكوير هو: التدوير، ومعلوم أن الليل والنهار يتعاقبان على الأرض، فإذا كانا مكورين لزم أن تكون الأرض مكورة، قال الله تبارك وتعالى: إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ [الانشقاق:1-4] فقال: وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ [الانشقاق:3] وقد جاء في الحديث أنها يوم القيامة تمد مد الأديم أي: مد الجلد، حتى لا يكون فيها جبال ولا أودية ولا أشجار ولا بناء؛ يذرها الرب عز وجل قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً، فقوله: إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ [الانشقاق:1] متى تنشق السماء؟ كلنا يعرف أنها لا تنشق إلا يوم القيامة وأنها الآن غير منشقة.
إذاً: قوله: وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ [الانشقاق:3-4] أي: يوم القيامة فهي إذاً الآن غير ممدودة.
إذاً: فهي مكورة.
والواقع المحسوس المتيقن الآن أنها كروية لا شك، والدليل على هذا أنك لو سرت في خط مستقيم من هنا من المملكة متجهاً غرباً لأتيت من ناحية الشرق وتدور على الأرض ثم تأتي إلى النقطة التي انطلقت منها، وكذلك بالعكس لو سرت متجهاً نحو المشرق وجدتك راجعاً إلى النقطة التي قمت منها من نحو المغرب.
إذاً .. لا شك أنها كروية، فإذا قال الإنسان: إذا كانت كما زعمت كروية كيف تثبت مياه البحار عليها وهي كروية؟
نقول في الجواب عن هذا: إن الذي أمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه يمسك البحار أن تفيض على الناس فتغرقهم، والله على كل شيء قدير.
قال بعض أهل العلم في قوله تعالى: وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ [التكوير:6] أي: حبست ومنعت من أن تفيض على الناس، كالشيء الذي يسجر أي: يربط.
وعلى كل حال القدرة الإلهية لا يمكن لنا أن نعارض فيها، بل نقول: قدرة الله عز وجل أمسكت هذه البحار أن تفيض على أهل الأرض فتغرقهم وإن كانت الأرض كروية.
الجواب: لا. إِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:55] أما غير المؤمن فإن الذكرى تقيم عليه الحجة لكن لا تنفعه، لا تنفع الذكرى إلا المؤمن، ونقول: إذا رأيت قلبك لا يتذكر بالذكرى فاتهمه بعدم الإيمان؛ لأن الله يقول: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذريات:55] فإذا ذكرت ولم تجد من قلبك تأثراً وانتفاعاً فاتهم نفسك، واعلم أن فيك نقص إيمان؛ لأنه لو كان إيمانك كاملاً لانتفعت بالذكرى التي لا بد أن تنفع المؤمن.
وقوله: إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ [الغاشية:21] أي: أن محمداً صلى الله عليه وسلم ليس إلا مذكراً مبلغاً، وأما الهداية فبيد الله لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [البقرة:272] وقد قام صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالذكرى والتذكير إلى آخر رمق في حياته، حتى إنه في آخر حياته يقول: (الصلاة .. الصلاة وما ملكت أيمانكم) حتى جعل يغرغر بها عليه الصلاة والسلام، فذكر صلوات الله وسلامه عليه منذ بعث، وقيل له: قُمْ فَأَنْذِرْ [المدثر:2] إلى أن توفاه الله؛ لم يأل جهداً في التذكير في كل موقف وفي كل مكان على ما أصابه من الأذى من قومه ومن غير قومه، والذي قرأ منكم التاريخ -السيرة النبوية- يعرف ما جرى له من أهل مكة من قومه الذين هم أقرب الناس إليه، والذين كانوا يعرفونه ويسمونه بالأمين يلقبونه بذلك ويثقون به حتى حكموه في وضع الحجر الأسود في الكعبة حينما هدموا الكعبة ووصلوا إلى حد الحجر، قالوا: من ينصب الحجر؟ فتنازعوا بينهم، كل قبيلة تقول: نحن الذين نتولى وضع الحجر في مكانه، حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم وحكموه فيما بينهم، وأمر أن يوضع رداء، وأن يمسك كل واحد من هذه القبائل بطرف من هذا الرداء حتى يرفعوه، فإذا حاذوا محله أخذه بيده الكريمة ونصبه في مكانه، فكانوا يسمونه الأمين، لكن لما أكرمه الله تعالى بالنبوة انقلبت المعايير، فصاروا يقولون: ساحر، وكاهن، وشاعر، ومجنون، وكذاب، ورموه بكل سب، فالرسول عليه الصلاة والسلام يذكر وليس عليه إلا التذكير.
التولي أي: الإعراض، فلا يتجه للحق ولا يقبل الحق ولا يسمع الحق، حتى لو سمعه بإذنه لم يسمعه بقلبه كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ [الأنفال:20-21] أي: لا ينقادون. فهنا يقول عز وجل: إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ [الغاشية:23] تولى: أعرض، كفر: أي: استكبر، ولم يقبل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ [الغاشية:24] يوم القيامة، قال الله تعالى: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ [السجدة:21] والعذاب الأكبر يوم القيامة، وهنا قال: الأكبر ولم يذكر المفضل عليه، أي: لم يقل: الأكبر من كذا، فهو قد بلغ الغاية في الكبر والمشقة والإهانة -والعياذ بالله- كل من تولى وكفر فإن الله يعذبه العذاب الأكبر.
نقول: نعم. هناك عذاب أصغر في الدنيا، فقد يبتلى المتولي المعرض بأمراض في بدنه وعقله، وأهله، وماله، ومجتمعه، وكل هذا بالنسبة لعذاب النار عذاب أصغر، لكن العذاب الأكبر إنما يكون يوم القيامة، ولهذا قال بعدها: إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ [الغاشية:25-26] (إلينا إيابهم) أي: مرجعهم، فالرجوع إلى الله مهما فر الإنسان فإنه راجع إلى ربه عز وجل ولو طالت به الحياة فإنه راجع إلى الله، ولهذا قال تعالى: يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ [الانشقاق:6] فاستعد يا أخي لهذه الملاقاة؛ لأنك سوف تلاقي ربك، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان) مباشرة بدون مترجم يكلمه الله يوم القيامة (فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه -عن اليسار- فلا يرى إلا ما قدم، وينظر تلقاء وجهه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة) كلنا سيخلو به ربه عز وجل يوم القيامة يقرره بذنوبه يقول: فعلت كذا في يوم كذا، حتى يقر ويعترف، فإذا أقر واعترف قال الله تعالى: (قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم) وكم من ذنوب سترها الله عز وجل، وكم من ذنوب اقترفناها لم يعلم بها أحد، ولكن الله تعالى علم بها، فموقفنا من هذه الذنوب أن نستغفر الله عز وجل، وأن نكثر من الأعمال الصالحة المكفرة للسيئات، حتى نلقى الله عز وجل ونحن على ما يرضيه سبحانه وتعالى.
أما المؤمن فإن الله تعالى يخلو به بنفسه ليس عندهما أحد ويقرره بذنوبه، فعلت كذا .. فعلت كذا .. فعلت كذا؛ حتى إذا أقر بها قال الله تعالى: (قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم).
وأما الكفار فلا يحاسبون هذا الحساب؛ لأنه ليس لهم حسنات تمحو سيئاتهم، لكنها تحصى عليهم أعمالهم ويُقررون بها أمام العالم ويخزون بها، وينادى بهم على رءوس الأشهاد هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [هود:18] نعوذ بالله من الخذلان.
وبهذا ينتهي الكلام على هذه السورة العظيمة، وهي إحدى السورتين اللتين كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما في المجامع الكبيرة، فقد كان يقرأ في صلاة العيدين: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى:1].. هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1] وكذلك في صلاة الجمعة، ويقرأ أحياناً في العيدين ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق:1].. اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر:1] وفي صلاة الجمعة يقرأ سورة الجمعة والمنافقين، ينوع مرة في هذه ومرة في هذه.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم ممن تكون وجوههم لسعيها راضية، وأن يتولانا بعنايته في الدنيا والآخرة إنه على كل شيء قدير، والله تعالى أعلم.
الجواب: الامتحان ويقال له: الاختبار، معناه أن الطالب يختبر لينظر مدى تحصيله في هذا العام الدراسي، وينبني على ذلك أن يعطى شهادة يجتاز بها هذه المرحلة إلى المرحلة التي تليها، سواء كان من الابتدائي إلى المتوسط أو من المتوسط إلى الثانوي، أو من الثانوي للجامعة، أو من الجامعة للدراسات العليا، أو كان من سنة إلى سنة في كل مرحلة هذه الشهادة، وإذا كان كذلك فإنه لا يحل للطالب أن يغش فيها؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من غشنا فليس منا) وهذا عام في كل غش؛ ولأن ولاة الأمر رتبوا على هذه الشهادات أشياء معينة كالرواتب والمراتب .. وما أشبه ذلك، فكيف يمكن أن تنال هذه الرواتب وهذه المكافآت والمراتب وهي السلم الوظيفي؟
كيف يحل لك أن تأخذ هذه المراتب أو هذه الرواتب وأنت لم تبلغ ما تستحقه بهذه المراتب إلا بالغش؟
فنقول: الغش حرام، حتى في اللغة الإنجليزية .. الغش حرام؛ لأن ولاة الأمور قرروها، وجعلوا من شروط اجتياز هذه المرحلة أن تجيد هذه اللغة.
وأما قوله: إنها لغة الكفار. فهذا غير صحيح، فكم من أناس مسلمين لغتهم الإنجليزية، كل المسلمين الذين يتكلمون باللغة الإنجليزية في جميع أقطار الدنيا كلهم مسلمون، واللغة لا صنع للإنسان فيها، وإن كنا نرى كما هو واقع أن اللغة العربية أفضل اللغات وأشرفها؛ لأنها لغة القرآن الكريم ولغة سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام، لكن هذه لغة عالمية مشهورة يتكلم بها المسلم والكافر، ثم هي مقررة عليك حتى وإن كانت لغة الكفار، فإنك ربما تحتاجها في يوم من الأيام، أنا أتمنى أني أعرف هذه اللغة؛ لأني وجدت فيها مصلحة كبيرة، يأتي رجل ليسلم بين يديك فلا تستطيع أن تتفاهم معه، وترى مسلماً يخل في أشياء من واجبات الدين في الصلاة، أو في الصوم، أو في الزكاة، أو في الحج، أو في غير ذلك فلا تستطيع أن تتكلم معه؛ ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم زيد بن ثابت أن يتعلم لغة اليهود؛ اللغة العبرية؛ حتى إذا جاءت الكتب من اليهود يقرأها زيد ويكتب ردها.
فلا يمكن أن ينكر الآن مدى احتياج الناس إلى تعلم اللغة الإنجليزية، وأنها قد تكون وسيلة بالغة للدعوة إلى الله عز وجل.
افرض أنك في مجتمع لا يعرف إلا اللغة الإنجليزية سواء كان إنجليزياً أو غير إنجليزي، كيف تدعو إلى الله؟
هل يمكن أن تدعو بالإشارة؟ مهما بلغت من الإشارة لا تستطيع أن تدله أو تدعوه كما تدعوه بالعبارة.
فهذا التصور تصور غير صحيح.
وصحيح أنه لا يمكن أن نقول للناس الذين منَّ الله عليهم باللغة العربية: انتقلوا إلى اللغة الإنجليزية، أو إلى اللغة الفارسية أو الأردية أو غيرها، لا نرى أن الإنسان يتخطى اللغة العربية إلى لغة أخرى، فيجعلها هي لغة التخاطب والتفاهم، لكن كونه يتعلم لغة الغير لأجل الدعوة إلى الله عز وجل أو للمصالح الدنيوية التي ليست حراماً فلا أحد ينكره أبداً.
المهم أن الغش في اللغة الإنجليزية في الاختبار حرام، ولا يجوز للمصحح أن يتهاون في ذلك أيضاً، بل الواجب عليه أن يعامل الإجابة في اللغة الإنجليزية كما يعامل الإجابة في غيرها من مواد الدراسة ... ولا فرق.
وأما كون الإنسان ينجح بالغش ثم يتوصل بذلك النجاح المغشوش الهزيل الرديء إلى مرتبة من المراتب فإننا نرى أن ذلك خطر على أكله وشربه الذي استفاده من الراتب المقرر على النجاح في هذه المرحلة، ونرى أن الإنسان يجب عليه إذا تمكن أن يعيد الاختبار مرة ثانية على وجهٍ صحيح فليفعل، هذا إذا كان الغش في الشهادة التي ترتب عليها هذا الراتب.
أما إذا كان في أثناء الدراسة فهذا إذا تاب إلى الله وكان آخر مرحلة نال الشهادة بها على وجه صحيح، فنرجو أن الله سبحانه وتعالى يتوب عليه، وأنه لا حرج عليه فيما يأخذ من الراتب بناءً على هذه الشهادة، فإذا قال: إنه غش في آخر شهادة نال بها هذا الراتب، ولا يمكنه أن يعيد الاختبار؛ لأنه جبان لا يستطيع أن يصرح، فإني أرجو إذا كانت الوظيفة التي يشغلها لا علاقة لها فيما غش فيه أرجو أن يكون ذلك توبة صحيحة.
الجواب: لا. انشقاق الأرض بالبراكين هذه تعتبر من عذاب الله عز وجل، فهي تشبه الزلازل، والزلازل من عقوبات الله لا شك في هذا، فهي إنذار وتحذير للذين وقع بهم هذا البركان، وكذلك لغيرهم؛ لأن الذي شق الأرض حتى خرج منها هذا البركان قادر على أن يشقها في أي مكان، ولذلك يجب علينا ألا نقول: هذه أمور طبيعية، بل نقول: هذه أمور كونية قدرية، قدرها الله عز وجل وأراد أن يري العباد آياته حتى يتذكروا ويرجعوا إلى الله، لكن مع الأسف لقلة معرفتنا بالله عز وجل وخوفنا منه تمر بنا هذه الأشياء مر الرياح، وكأنها لا شيء، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى سحاباً أو غيماً صار يدخل ويخرج ويتغير، وجهه ويقول: (ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب، قد عذب قوم بالريح).
فالحاصل أن هذه البراكين تعتبر عقوبة من الله عز وجل وإنذار وتخويف، فعلى المؤمن أن يتعظ بها ويخاف، كما أن الفتن التي تقع -أيضاً- بين الناس من حروب وغيرها هي -أيضاً- عقوبات، كما قال الله تعالى: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ [الأنعام:65] وفي هذين قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أعوذ بوجهك) أي: أن ينالنا شيء من فوق أو من تحت؛ هذا لا يمكن التخلص منه، قال: أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً [الأنعام:65]يجعلكم متفرقين وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ [الأنعام:65] فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (هذه أهون) مع أنها عظيمة؛ كون الإنسان يقابل الرجل الذي هو مثله ويقتله، ويستبيح بذلك ماله وعرضه وأهله، هذه عظيمة، لهذا نقول: يجب علينا أن نتعظ بما يحصل من آيات الله الكونية التي لا صنع لنا فيها ولا قدرة، وأن نتعظ بما يحدث بين الناس من الفتن، فإن الذي قدر الفتن في أرض مطمئنة ساكنة من قبل قادر على أن يقدرها في أرض أخرى، وينقل هذه الفتنة إلى أرض أخرى، فالواجب أن نتعظ بهذه الآيات وألا تمر علينا مر الرياح.
الجواب: الذي نرى أن الإنسان إذا تاب من أي ذنب فإن الله يتوب عليه؛ لأن الله ذكر أصول الذنوب العظيمة الكبيرة في قوله تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ [الفرقان:68] وهذا الشرك وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ [الفرقان:68] عدوان على الله وعلى النفوس وعلى الأعراض، قال: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ [الفرقان:68-70] فالواجب على الإنسان إذا تاب توبة نصوحاً اكتملت فيها الشروط الخمسة المعروفة وهي: الندم، والإقلاع، والعزم على ألا يعود في المستقبل، والإخلاص وهو الأصل، وأن تكون التوبة قبل فوات الأوان، فإذا استكملت هذه الشروط الخمسة في حقه فهي توبة نصوح، يمحو الله بها كل ما سلف من ذنوبه حتى الزنا.
أما بالنسبة للمزني بها فإن كان باختيارها فهي لا تسأل عن ذلك بنفسها، وإن كان إكراهاً فعليه أن يتوب إلى الله عز وجل من هذا الإكراه، وإذا تمكن أن يستحلها فليفعل، وإذا لم يتمكن فليكثر من الاستغفار لها، والله سبحانه وتعالى غفور رحيم.
أما ما حصل من إذهاب بكارتها بهذا الزنا وأنها ستكون في حرج عظيم؛ لأنها إذا خطبت على أنها بكر مشكلة، إن قالت: قد زالت بكرتها سوف يكون عليها علامات استفهام كثيرة، وإن سكتت كان في هذا شيء من الغش بالنسبة للزوج الذي يتزوجها، لكني أرجو من الله عز وجل إذا كانت توبته صادقة وكانت المرأة -أيضاً- مطاوعة وتوبتها صادقة أن يجعل الله لهما فرجاً ومخرجاً.
وأما قولك في السؤال: إنه لا يمكن أن يتزوج بها فلا أدري لماذا قلت: لا يمكن؟ هل هو فقير؟
السائل: الأسباب التي لا يمكن أن يتزوج منها:
السبب الأول: اختلاف القبيلة.
السبب الثاني: رفض الأب من الزواج من هذه العائلة. فالأب مُصِر على الرفض، وكذلك علاقة العائلة بالقبيلة تختلف عن قبيلتهم بالنسبة للنسب.
الشيخ: على كل حال إذا تيسر أن يتزوج بها فهذا المطلوب، وإن لم يتيسر فسيجعل الله لها فرجاً ومخرجاً ما دامت توبتها صادقة؛ لأن الله تعالى قال: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً [الطلاق:2] وهذا عام.
الجواب: قال العلماء: صيام يوم عاشوراء إما أن يكون مفرداً أو يصوم معه التاسع، أو يصوم معه الحادي عشر، ويمكن هناك صورة رابعة أن يصوم التاسع والعاشر والحادي عشر، فيصوم ثلاثة أيام من الشهر.
والأفضل إذا كان لا يريد أن يصوم إلا يومين فالأفضل أن يصوم التاسع والعاشر دون الحادي عشر، لكن في هذا العام، أعني عام (1415هـ)، اختلف الناس؛ لأنه لم يصل الخبر -أعني ثبوت الشهر- إلا متأخراً، فبنى بعض الناس على الأصل وهو أن يكمل شهر ذي الحجة ثلاثين يوماً، وقال: إن اليوم العاشر هو يوم الإثنين، فصام الأحد والإثنين، والذين بلغهم الخبر من قبل عرفوا الخبر -أي: أن الشهر ثبت دخوله ليلة الثلاثين من ذي الحجة- فصاموا يوم السبت ويوم الأحد، وبهذه المناسبة أود أن أبين أنه قد ورد في حديث أخرجه أبو داود أن النبي صلى عليه وعلى آله وسلم قال: (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم وإن لم يجد أحدكم إلا لحاء شجرة أو عود عنب فليمضغه) فهذا الحديث قال أبو داود: إن مالكاً رحمه الله -وهو مالك بن أنس الإمام المشهور- قال: إن هذا الحديث كذب أي: مكذوب على الرسول صلى الله عليه وسلم لا يصح، والحقيقة أن من تأمل هذا الحديث وجد أن فيه اضطراباً في سنده وفيه شذوذ أو نكارة في متنه.
أما الاضطراب في سنده فقد تكلم عليه أهل العلم ومن شاء أن يراجعه فليراجعه، وأما الشذوذ في متنه والنكارة فهو أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري في صحيحه (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على
فثبت من سنة الرسول عليه الصلاة والسلام القولية والفعلية أن صوم يوم السبت ليس حراماً، والعلماء مختلفون في هذا الحديث في العمل به، فمنهم من قال: إنه لا يعمل به إطلاقاً، وأن صوم يوم السبت لا بأس به، سواء أفرد أم لم يفرد؛ لأن الحديث لا يصح، والحديث الذي لا يصح لا ينبني عليه حكم من الأحكام. ومنهم من صحح أو حسن الحديث وقال: إن الجمع بينه وبين الأحاديث الأخرى أن المنهي عنه إفراده فقط، أن يفرده دون الجمعة أو يوم الأحد، وهذا ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله، فقال: إذا صام مع يوم السبت يوماً آخر فلا بأس، كأن يصوم معه الجمعة أو يصوم معه الأحد.
وكذلك نقول: إذا صادف يوم السبت يوماً يشرع صومه كيوم عرفة أو يوم العاشر من شهر محرم فإنه لا يكره صومه؛ لأن المراد أن تصومه؛ لأنه يوم السبت، أي: تصومه بعينه لا بما صادفه من الأيام التي يشرع صومها وقد نبهت على ذلك؛ لأن بعض الإخوة سمع أن أناساً صاموا يوم السبت ليصوموا التاسع والعاشر فأمرهم أن يفطروا، وهذا في الحقيقة مجتهد، لكن ليس كل مجتهد مصيباً..
الجواب: استأجر طائرة من الطائرات وسر على هذا الاتجاه فستجد هذا، وهذا شيء مؤكد وقد تكلم العلماء رحمهم الله قديماً كـابن حزم وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهم على ذلك، وأكدوا أن الأرض كروية أما العرش فهو فوق السماوات كالقبة، لكنه غير كروي؛ لأن له قوائم كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا صعق الناس يوم القيامة يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أول من يفيق، ويرى موسى آخذاً بقوائم العرش، فهذا العرش ليس كروياً ولكن ما تحت العرش كروي، فأنت إذا أقلعت بالطائرة من مطار جدة واتجهت غرباً، فإذا بك تحط في مطار جدة مرة أخرى.
الجواب: المراد أنهم خالدون فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك فيما زاد على ذلك؛ لأنه لو لم يأت هذا الاستثناء وقال: مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ [هود:107] لتوهم واهم بأن مدة بقاء الناس في النار أو بقاء السعداء في الجنة على قدر دوام السماوات والأرض، فلما قال: إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ [هود:107] صار المعنى: يزيدون على ذلك ما شاء الله تعالى أن يزيدوا عليه، وقد بين الله تعالى في آية أخرى أن ذلك إلى الأبد، لا بالنسبة لأصحاب الجنة ولا بالنسبة لأصحاب النار، فقال تعالى في أصحاب النار في ثلاث آيات من كلامه أنهم خالدون فيها أبداً، كما قال في سورة النساء: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً [النساء:168-169] وقال تعالى في سورة الأحزاب: إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً [الأحزاب:64-65] وقال تعالى في سورة الجن: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً [الجـن:23].
أما التأبيد بالنسبة لأهل الجنة فكثير في القرآن، فعلى هذا يكون أهل النار خلودهم مؤبد وأهل الجنة خلودهم مؤبد، أما الاستثناء فعرفت وجهه إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ [هود:107].
الشيخ: كيف يعني؟
السائل: يعني: محلات الذهب الظاهر أنها مقايضة وليس فيها استلام نقداً بنقد؟
الشيخ: أما الذهب فلا بد من الاستلام، لكن أريد أن أعرف هذا الصرف؟
السائل: يعطى العميل بطاقة ويدخلها في الآلة ويطلب نقداً؛ علماً بأن المشتري لا يدفع نقداً، وإنما يدخل بطاقته في الجهاز ويحول المبلغ الذي اشترى به على حساب صاحب المحل دون أن يكون هناك تقابض؟
الجواب: هذا لا يجوز في حال شراء الذهب والفضة؛ لأنه يشترط في الذهب والفضة التقابض من الجانبين، أما إذا أخذ المشتري الذهب والفضة وقام بتحويل الثمن عن طريق الكمبيوتر فليس هناك تقابض في هذه الحال، ولذلك لا نرى جواز ذلك.
أما في غير الذهب والفضة فهذا لا بأس به، وهو من التسهيل على المشتري، فمثلاً: يدخل الرجل ويشتري سلعاً بثلاثة آلاف ريال -مثلاً- ولا يدفع نقداً، بل يقوم بتحويل هذا المبلغ إلى رصيد صاحب المحل عن طريق هذا الجهاز، فهذا شيء طيب ولا شيء فيه.
الجواب: ربما يصاب الإنسان بالعين في كل شيء وفي كل نعمة؛ لقول الله تعالى: وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ [الفلق:5] وفي الأمثال العامة المنتشرة: "كل ذي نعمة محسود" فقد يصاب الإنسان المتدين بالعين، ويضيق صدره بالعبادة، أو يصاب بالعين فينسى ما حفظ، أو يصاب بالعين فيعجز أن يحفظ، فالعين -نسأل الله العافية- قال فيها الرسول عليه الصلاة والسلام: (لو سبق القدر شيء لسبقته العين) ودواء ذلك أن يبحث عن العائن ليعمل ما أمر به الرسول عليه الصلاة والسلام حتى تزول العين، فإن لم يمكن فبكثرة القراءة والاستغفار، وكثرة قول: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) فإن الله تعالى قال: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ [الأنبياء:88] وهذه الكلمة كل من قالها بصدق حال الغم فإن الله تعالى يذهب عنه البلاء؛ لأن الله قال وهو أصدق القائلين وأقدر الفاعلين: وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ [الأنبياء:88] فعليه أن يتوب ويستغفر ويكثر من الاستغفار والتوبة والذكر والقراءة، وقول: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، وقول: اللهم إني أجعلك في نحورهم، وأعوذ بك من شرورهم.. وأمثال ذلك من التعوذات.
السائل : هل ينحرف عن دينه بسبب العين؟
الشيخ: مسألة الانحراف لا أدري؛ لكن كونه يضيق صدره بالعبادة التي حسد عليها يمكن هذا.
السائل : هل يأثم على ذلك؟
الشيخ: قال الله: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة:286] لكن فعل المحرمات يأثم عليها.
الجواب: أما كون الأرض تدور أو لا تدور فهذا لا أعلم شيئاً في القرآن أو السنة يؤيده أو يفنده، وقوله تعالى: وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ [النحل:15] هذه دليل من يقول: إن الأرض لا تتحرك، ومن يقول: إن الأرض تتحرك، كيف هذا؟ وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ [النحل:15] قال الذين قالوا إن الأرض تتحرك: هذا دليل لنا، وقال الآخرون: هذا دليل لنا، حسناً.. الذين قالوا: إنها دليل لنا قالوا: إن الله قال: َأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ [النحل:15] إذاً .. لا تتحرك، وقال الآخرون: أَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ [النحل:15] أي: أن تضطرب، وأن الاضطراب يدل على أصل الحركة. وعلى كل حال أنا أتوقف في هذا ولا أستطيع أن أقول: إنها تتحرك أو تدور ولا أقول: إنها لا تدور؛ لأنه لم يثبت عندي في القرآن أو في السنة أن ذلك كائن أو غير كائن.
أما بالنسبة للشمس فالذي أعتقده إلى الآن أن الشمس هي التي تدور على الأرض وأن اختلاف الليل والنهار يكون بالشمس بجريانها حول الأرض، هذا الذي أعتقده؛ لأن هذا هو ظاهر كلام الله، والله عز وجل هو الذي خلق الشمس وهو الذي خلق الأرض وهو أعلم بها من غيره، قال الله تبارك وتعالى: وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَر عَنْ كَهْفِهِمْ [الكهف:17] فيها ضميران الآن، طلعت يعني: الشمس ، تزاور أي: الشمس ، ولو كان طلوع الشمس بدوران الأرض لقال: وترى الشمس إذا طلعت عليها -أي: هي تطلع وتأتينا- إذا طلعت تزاور وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ [الكهف:17] (إذا غربت) ضمير يعود على الشمس (تقرضهم) ضمير يعود على الشمس أيضاً، وقال تعالى عن سليمان: فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ [ص:32] توارت الشمس بالحجاب، ولو كان ذلك بدوران الأرض لقال: حتى تورى عنها، أي: الشمس بالحجاب، وقال تعالى في ذي القرنين: حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ [الكهف:86] أي: في البحر، وقال النبي عليه الصلاة والسلام لـأبي ذر حين غربت الشمس: (يا
أما مجرد أن قالوا: كذا، نقول: كذا، هم قالوا: إن المادة غير مستحدثة، وغير حادثة -سبحان الله- المادة عندهم لا تفنى ولا تستحدث، فمن الذي خلقها إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ [الأنعام:116] كل الكون حادث مخلوق خلقه الله عز وجل من لا شيء، وأما فنائها فقد قال الله تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ [الرحمن:26] ونحن نشاهد الحطب خشباً، فإذا أحرق بالنار صار رماداً تذروه الرياح، هل الرماد هذا هو الذي كان خشباً تغير، ولهذا ذهب بعض العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية إلى طهارة النجاسة بالإستحالة، وقال: إن النجاسة إذا تحولت إلى رماد فهي رماد وليست نجاسة.
فعلى كل حال هذه مسائل لا ينبغي لنا أن نتابع آراء من تكلم بها بمجرد أن يقول هكذا، وعندنا وحي منزل من الله عز وجل، إلا إذا تبين لنا رأي العين على وجه ممكن أن نتأول الآيات إلى معنىً آخر فهذا شيء لا بأس به.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر