إسلام ويب

لقاء الباب المفتوح [68]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • في هذه المادة فسر الشيخ آخر الآيات من سورة الفجر، وذكر ما فيها من المعاني والأحكام، ثم أجاب عن الأسئلة الواردة في هذا اللقاء.

    1.   

    تفسير أواخر سورة الفجر

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فهذا هو اللقاء الثامن والستون من اللقاء الأسبوعي الذي يتم في كل يوم خميس، وهذا اليوم هو: الخميس الرابع من شهر ربيع الأول عام (1415هـ).

    وكان من عادتنا أن نتكلم على ما يسر الله عزَّ وجلَّ من تفسـير القرآن الـكريم، وقد انتـهينا إلى قول الله تبارك وتعالى: يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذَّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثَقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ [الفجر:24-26] وهذا هو آخر سورة الفجر.

    تفسير قوله تعالى: (يومئذٍ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى..)

    يقول الله عزَّ وجلَّ: يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى [الفجر:23] أي: إذا جاء الله يوم القيامة وجاءت الملائكة صفوفاً صفوفاً وأحاطوا بالخلق، وحصلت الأهوال والأفزاع حينئذ يتذكر الإنسان.. يتذكر أنه وُعِد بهذا اليوم، وأنه أُعْلِم به مِن قِبَل الرسل عليهم الصلاة والسلام الذين أنذروا وخوَّفوا؛ ولكن من حقت عليه كلمة العذاب فإنه لا يؤمن ولو جاءته كل آية والعياذ بالله.

    حينئذٍ يتذكر؛ لكن يقول الله عزَّ وجلَّ: وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى [الفجر:23] أنى تكون له الذكرى في هذا اليوم الذي رأى فيه ما أُخْبِر عنه يقيناً؟ الإيمان عند المشاهدةٍ لا ينفع؛ لأن كل إنسان يؤمن بما شاهد؛ لكن الإيمان النافع هو الإيمان بالغيب: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة:3] ويصدق بما أخبرت به الرسل عن الله عزَّ وجلَّ وعن اليوم الآخر، في ذلك اليوم يتذكر الإنسان، ولكن قال الله عزَّ وجلَّ: وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى [الفجر:23] أي: بعيدٌ أن ينتفع بهذه الذكرى التي حصلت منه حين شاهد الحق.

    تفسير قوله تعالى: (يقول يا ليتني قدمت لحياتي)

    قال تعالى: يَقُولُ أي الإنسان.

    يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي يتمنى أنه قدم لحياته.

    وما هي حياته؟! أتظنون أنه يريد حياة الدنيا؟!

    لا والله، فإن الحياة الدنيا انتهت وانقضت، وليست الحياة الدنيا حياةً في الواقع، بل الواقع أنها هموم وأكدار، كل صَفْوٍ يعقبه كَدَر، كل عافية يتبعها مرض، كل اجتماع يعقبه تفرُّق، انظروا ما حصل! أين الآباء؟! أين الإخوان؟! أين الأبناء؟! أين الأزواج؟! هل هذه حياة؟!

    أبداً! ولهذا قال بعض الشعراء الحكماء:

    لا طيب للعيش ما دامت مُنَغَّصَةً     لَذَّاتُه بادِّكارِ الموتِ والهرمِ

    كل إنسان يتذكر أن مآله أحد أمرين: إما الموت، وإما الهرم.

    ونحن نعرف أناساً كانوا شباباً في عنفوان الشباب، عُمِّروا؛ لكن رجعوا إلى أرذل العمر، يَرِقُّ لهم الإنسان إذا رآهم في حالة بؤس، حتى وإن كان عندهم من الأموال ما عندهم، وعندهم من الأهل ما عندهم؛ لكنهم في حالة بؤس.

    هكذا كل إنسان، إما أن يموت مبكراً، وإما أن يُعَمَّر فيُرَد إلى أرذل العمر، فهل هذه حياة؟!

    الحياة هي ما بيَّنه الله عزَّ وجلَّ: وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [العنكبوت:64] يعني: لَهِيَ الحياة التامة.

    فيقول الإنسان هذا: يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي [الفجر:24] يتمنى؛ لكن مع الأسف أنَّى له الذكرى.

    تفسير قوله تعالى: (فيومئذ لا يعذب عذابه أحد..)

    قال تعالى: فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذَّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ [الفجر:25] * وَلا يُوثَقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ [الفجر:26] لأنهم والعياذ بالله يوثقون: ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ [الحاقة:32] أي: أدخلوه في هذه السلسلة، فتُغَلُّ أيديهم نسأل الله العافية، ولا أحد يتصور الآن ما هم فيه من البؤس والشقاء والعذاب، والله إن الإنسان أحياناً يتمنى أنه لَمْ يُخْلَق خوفاً من النار، كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: [ليت أمي لم تلدني، ليتني شجرة تُعْضَد] لأن الإنسان لا يدري أولاً ما هو عليه الآن! هل هو على صواب أم على خطأ؟! هل في عباداته رياء؟! هل في عباداته بدعة؟! ثم لا يدري أيضا -وهذا أخطر- لا يدري ماذا يُخْتَم له به: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل هل النار، فيدخلها) مَن الذي يأمن عند الموت أن يُصَدَّ ويُضَلَّ، ويأتيه الشيطان فيقول: أنا أبوك، اترك يا بُنَيَّ الإسلام، وكن نصرانياً أو يهودياً؟! لأن بعض الناس والعياذ بالله عند الموت يُفْتَن، فتُعْرَض عليه الأديان، ويقال له: اختر النصرانية ، أو اختر اليهودية ، وأعرض عن الإسلام. ولهذا نقول: ونعوذ بك من فتنة المحيا والممات.

    فمن الذي يأمن؟! أسأل الله أن يحسن لي ولكم الخاتمة!

    إذاً: على الإنسان أن يستعد.

    يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذَّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثَقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ [الفجر:26].

    تفسير قوله تعالى: (ولا يوثق وثاقه أحد)

    قال تعالى: فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذَّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثَقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ [الفجر:25-26] لأنهم والعياذ بالله يوثقون: ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ [الحاقة:32] أي: أدخلوه في هذه السلسلة، فتُغَلُّ أيديهم نسأل الله العافية، ولا أحد يتصور الآن ما هم فيه من البؤس والشقاء والعذاب، والله إن الإنسان أحياناً يتمنى أنه لَمْ يُخْلَق خوفاً من النار، كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: [ليت أمي لم تلدني، ليتني شجرة تُعْضَد] لأن الإنسان لا يدري أولاً ما هو عليه الآن! هل هو على صواب أم على خطأ؟! هل في عباداته رياء؟! هل في عباداته بدعة؟! ثم لا يدري أيضا -وهذا أخطر- لا يدري ماذا يُخْتَم له به: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل هل النار، فيدخلها) مَن الذي يأمن عند الموت أن يُصَدَّ ويُضَلَّ، ويأتيه الشيطان فيقول: أنا أبوك، اترك يا بُنَيَّ الإسلام، وكن نصرانياً أو يهودياً؟! لأن بعض الناس والعياذ بالله عند الموت يُفْتَن، فتُعْرَض عليه الأديان، ويقال له: اختر النصرانية ، أو اختر اليهودية ، وأعرض عن الإسلام. ولهذا نقول: ونعوذ بك من فتنة المحيا والممات.

    فمن الذي يأمن؟! أسأل الله أن يحسن لي ولكم الخاتمة!

    إذاً: على الإنسان أن يستعد.

    يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذَّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثَقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ [الفجر:24-26].

    تفسير قوله تعالى: (يا أيتها النفس المطمئنة)

    ثم ختم الله تعالى هذه السورة بما يبهج القلب، ويشرح الصدر، فقال: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ [الفجر:27] اللهم اجعل نفوسنا مطمئنة.

    يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً [الفجر:27-28].

    ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ [الفجر:28] يقال هذا القول للإنسان عند النزع في آخر لحظة من الدنيا، يقال لروحه: اخرجي أيتها النفس المطمئنة، اخرجي إلى رحمةٍ من الله ورضوان، فتستبشر وتفرح، ويسهُل خروجُها من البدن؛ لأنها بُشِّرت بما هو أنعم مِمَّا في الدنيا كلها، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لَمَوضع سوط أحدكم في الجنة خيرٌ من الدنيا وما فيها) سوط الإنسان: العصا القصيرة، موضع السوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها، وليست دنياك أنت بل الدنيا من أولها إلى آخرها، بما فيها من النعيم، والمُلْك، والرفاهية، وغيرها، فموضع سوط أحدكم خير من الدنيا وما فيها، فكيف بمن ينظر في مُلْك مسيرته ألفَي عام، يرى أقصاه كما يرى أدناه، نعيمٌ لا يمكن أن ندركه بنفوسنا ولا بتصورنا: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:17].

    المطمئنة: أي المؤمنة الآمنة؛ لأنك لا تجد نفساً أكثر اطمئناناً مِن نفْس المؤمن أبداً، فالمؤمن -يا إخواني- نفسُه طيبة مطمئنة، ولهذا تعجب الرسول صلى الله عليه وسلم من المؤمن فقال: (عجباً لأمر المؤمن! إن أمرَه كلَّه خير، إن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر؛ فكان خيراً له) فهو مطمئنٌ ماضٍِ مع الله بقضائه وقدره، لا يسخط عند المصائب، ولا يبطر عند النعم، بل هو شاكر عند النعم، صابر عند البلاء، فتجده مطمئناً.

    لكن الكافر، أو ضعيف الإيمان كلاهما لا يطمئن، إذا أصابه البلاء جَزع وسخِط، ورأى أنه مظلوم مِن قِبَل الله والعياذ بالله، حتى إن بعضهم ينتحر؛ لأنه لا يصبر ولا يطمئن، بل يكون دائماً في قلق، فينظر إلى نفسه وإذا هو قليل المال، وقليل العيال، وليس عنده زوجة، وليس له قوم يحمونه، فيقول: أنا لستُ في نعمة؛ لأن فلاناً عنده مال، وعنده زوجات، وعنده أولاد، وعنده قبيلة تحميه، أما أنا فليس عندي شيء من هذا، فلا يرى لله عليه نعمة؛ لأنه ضعيف الإيمان، وليس بمطمئن، بل هو دائماً في قلق.

    ولهذا نجد الناس الآن يذهبون إلى كل مكان ليُرَفِّهوا عن أنفسهم، ويزيلوا عنها الألم والتعب؛ لكن لا يزيل ذلك عنهم إلا الإيمان الحقيقي، فهو الذي يؤدي إلى الطمأنينة.

    فالنفس المطمئنة: هي المؤمنة الآمنة، مؤمنة في الدنيا، وآمنة من عذاب الله يوم القيامة، اللهم اجعل نفوسنا هكذا.

    يا إخواني! قال بعض السلف كلمة عجيبة، قال: [لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لَجالَدُونا عليه بالسيوف] هل تجدون أنعم في الدنيا من الملوك وأبنائهم؟

    لا. لا يوجد أحدٌ أنعم منهم في الظاهر في نعمة الجسد؛ لكن قلوبهم ليست كقلوب المؤمنين، فالمؤمن الذي ليس عليه إلا ثوبٌ مُرَقَّع، وكوخٌ لا يحميه من المطر ولا من الحر؛ هذا المؤمن دنياهُ ونعيمُه في الدنيا أفضل من الملوك وأبناء الملوك؛ لأن قلبَه مستنير بنور الله ونور الإيمان.

    شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حُبس وأوذي في الله عزَّ وجلَّ، فلما أُدْخِل الحبس وأُغْـلِقَ عليه الباب. قـال رحمه الله: فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ [الحديد:13] يقول هذا تَحَدُّثاً بنعمة الله لا افتخاراً، ثم قال: ما يصنع أعدائي بي؟! -أيَّ شيءٍ يصنعون؟!- إن جنتي في صدري -ما هي الجنة؟! الإيمان، والعلم، واليقين-، وإن حبسي خلوة، ونفيي -إن نفَوه من البلد- سياحة، وقتلي شهادة.

    سبحان الله! هذا هو اليقين، وهذه هي الطمأنينة.

    إن الإنسان عندنا لو أُدخل الحبس تجده يُخَمِّس ويُسَدِّس، ويقول: ما مستقبلي؟! ما مستقبل أولادي؟! وأهلي؟! وقومي؟!

    لكن ابن تيمية يقول: جنتي في صدري. وصَدَقَ، ولعل هذا هو السر في قوله تبارك وتعالى: لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ [الدخان:56] يعني: في الجنة لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى، وليس في الجنة موتة أولى ولا ثانية؛ لكن لَمَّا كان نعيم القلب ممتداً من الدنيا إلى دخول الجنة صارت الدنيا والآخرة كأنهما جنة واحدة، وليس فيها إلا موتة واحدة.

    فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يحسن لنا ولكم الخاتمة، وأن يجمعنا وإياكم في الجنة، وبإخوانَنا المسلمين الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ؛ إنه على كل شيء قدير.

    تفسير قوله تعالى: (ارجعي إلى ربك راضية مرضية)

    يقول تعالى: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً [الفجر:27-28].

    رَاضِيَةً بما أعطاك الله من النعيم.

    مَرْضِيَّةً عند الله عزَّ وجلَّ، وذلك كما قال تعالى: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [المائدة:119].

    تفسير قوله تعالى: (فادخلي في عبادي)

    قال تعالى: فَادْخُلِي فِي عِبَادِي [الفجر:29] أي: ادخلي في عبادي الصالحين لتكوني مِن جملتهم؛ لأن عبادَ الله الصالحين هم خير طبقات البشر، والبشر طبقاتهم ثلاث:

    الطبقة الأولى: مُنْعَمٌ عليهم.

    الطبقة الثانية: مغضوبٌ عليهم.

    الطبقة الثالثة: ضالُّون.

    كل هذه الطبقات مذكورةٌ في سورة الفاتحة: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7].

    وأنا أسألكم: هل يشعر أحدكم عندما يقرأ هذه الآية بأن الذين أنعم الله عليهم هم: النبيون والصديقون والشهداء والصالحون، فيسأل الله أن يهديه صراط هؤلاء؟!

    أكثر الناس لا يشعر، بل أكثرهم يقرؤها هكذا؛ لكن لا يشعر أن هذه الآية تاريخ، أي أنها تشير إلى تاريخ الأمم، وأن الطبقة الثانية المغضوب عليهم هم اليهود وأشبهاه اليهود مِن كل مَن عَلِم الحق وخالفة؛ لأن كل مَن عَلِم الحق وخالفَه ففيه شَبَهٌ من اليهود، كما قال سفيان بن عيينة رحمه الله: [مَن فَسَدَ مِن علمائنا ففيه شَبَهٌ مِن اليهود].

    ومَن هُم الضالون؟

    هُم النصارى، الذين جهلوا الحق، أرادوه لكن عُمُـوا عنه -والعيـاذ بالله- وما اهـتدوا إلـيه.

    قال ابن عيينة: [ومَن فَسَدَ مِن عُبَّادنا ففيه شَبَهٌ مِن النصارى] لأن العُبَّاد يريدون الخير ويريدون العبادة؛ لكن ليس عندهم علم، فهم ضالون.

    فأقول يا إخواني! الناس طبقات ثلاث:

    المُنْعَمُ عليهم، والمغضوبُ عليهم، والضالُّون.

    وهنا يقول: فَادْخُلِي فِي عِبَادِي [الفجر:29] فالمراد بالعِباد أيّ الطبقات؟

    المراد بهم الطبقة الأولى وهم: المُنْعَم عليهم.

    تفسير قوله تعالى: (وادخلي جنتي)

    قال تعالى: وَادْخُلِي جَنَّتِي [الفجر:30]: جنتُه التي أعدها الله عزَّ وجلَّ لأوليائه -نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهلها- أضافها الله إلى نفسه تشريفاً لها وتعظيماً، وإعلاماً للخلق بعنايته بها جلَّ وعَلا.

    والله سبحانه وتعالى قد خلقها خلقاً غير خلق الدنيا، خَلَقَ لنا في الدنيا فاكهةً ونخلاً ورماناً، وخلق في الجنة أيضاً فاكهةً ونخلاً ورماناً؛ لكن هل تظنون أن ما في الجنة كالذي في الدنيا؟!

    لا يمكن أبداً؛ لأن الله يقول: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السجدة:17] ولو كان ما في الجنة كالذي في الدنيا لكنا نعلم.

    إذاً: هو مثله في الاسم؛ لكن ليس مثله في الحقيقة، ولا في الكيفية، ولهذا قال: وَادْخُلِي جَنَّتِي [الفجر:30] حيث أضافها إلى نفسه للدلالة على شرفها وعناية الله بها، وهذا يوجب للإنسان أن يرغب فيها غاية الرغبة، كما أنه يرغب في بيوت الله، التي هي المساجد؛ لأن الله أضافها إلى نفسه، فكذلك يرغب في هذه الدار التي أضافها إلى نفسه أيضاً، والأمر يسير، قال رجلٌ للرسول صلى الله عليه وسلم: (دلني على عمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار، فقال: لقد سألت عن عظيم -وهو صحيحٌ عظيم، فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185] ولكن- وإنه ليسير على مَن يسره الله عليه -اللهم يسرنا لليسرى- تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة) وذَكَرَ الحديث.

    المهم أن الدين والحمد لله يسير وسهل؛ لكن النفس الأمارة بالسوء هي التي تحول بيننا وبين ديننا بالشهوات والشبهات.

    رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201].

    رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران:8].

    والآن إلى الأسئلة، ونبدأ باليمين، وكما هي عادتنا أن السؤال واحد لكل واحد، وأنه لا تعقيب على الجواب إلا إذا كان الجواب خطأً.

    1.   

    الأسئلة

    حكم الصلاة على القاتل

    السؤال: يا شيخ! رجل قتل زوجته ثم قتل نفسه، فهل يُصَلَّى عليه؟

    الجواب: نعم، يُصَلَّى عليه؛ لأن قتل النفس لا يُخْرِج من الإسلام، والدليل على أنه لا يُخْرِج من الإسلام قـول الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ [البقرة:178] فجعل القاتل أخاً للمقتول، ولو كان يَخْرُج من الإسلام ما كان أخاً له؛ ولكن الأمر شديد، بمعنى أنه وإن لم يَخْرُج من الإسلام؛ لكن العقوبة شديدة، يقول الله عزَّ وجلَّ: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً [النساء:93] خمس عقوبات:

    جهنم.

    والخلود فيها.

    وغَضِبَ الله عليه.

    ولَعَنَه.

    وأعد له عذاباً عظيماً.

    فالأمر ليس بالهين؛ لكن لا يَخْرُج من الإسلام، فيُصلى عليه، ويُدْعَى له بالمغفرة، وفضل الله واسع.

    حكم التحية العسكرية

    السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    كَثُر الكلام يا فضيلة الشيخ! حول التحية العسكرية وتحية العلم، ما بين مبدِّع ومكفِّر، وقبل شهرين أو عدة أشهر نشرت مجلة الحرس الوطني نشرة تبين التحية العسكرية؛ أنواعها، ونشأتها، وتطورها، ومن ضمن كلامها قالت: منذ العصور الأولى للتاريخ والناس يميزون بين رجل وآخر، وقد تجلى ذلك باستحداث طرائق خاصة للتحية التي ما لبثت أن أخذت طريقها في الذيوع والانتشار، وعلى رغم أن شعوب الدنيا اختلفت في طرائق هذه التحية إلا أنها اتفقت جميعها على وجوب أدائها. إلى أن قالت: وفي أحيان أخرى مؤداها إظهار الأمن والسلام والتعظيم. فما هو رأي فضيلتكم في هذه المسألة من حيث كونها بدعة أو كفراً، وإن كانت بدعة، فما حكم مَن فعلها وهو كاره، وجزاكم الله خيراً.

    الجواب: أقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

    وأخبركم بأن السلام عند إلقاء السؤال ليس من السنة؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يسألون الرسول في المجلس ولا يسلِّمون، إنما السلام عند اللقاء.

    وأما ما يتعلق بالتحية العسكرية، فأقول لكم يا إخواني!

    نصيحةً لله: كل شيء يتعلق بجهة مسئولة فالسؤال عنه من الأفراد في غير محله. لماذا؟! لأن ذلك لا يجدي شيئاً.

    افرض أنني قلت: إنها بدعة، أو كفر، أو فسق أو ما أشبه ذلك، هل يفيد؟!

    هذا لا يفيد، إلا أن المستفتي يأخذ هذه الفتوى ويذهب ينازع فيها ولاة الأمور ولا يستفيد من هذا شيئاً.

    فأرى أنه إذا حصل شيء منكرٌ في أي جهة مسئولة لا يجوز السكوت عليه؛ لأن السكوت عن المنكر معناه: تعطيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لكن تؤتى البيوت من أبوابها.

    فهذا السؤال يورَد على مَن؟!

    يورَد على وزير الدفاع، أو على وزير الداخلية، أو على الجهة المسئولة، ويقال: إذا كنتم تعلمون أن هذا حرام فاتقوا الله فينا، لا تجعلونا نتجشَّم الحرام فنأثم نحن وتأثمون أنتم، وإذا كنتم لا ترون هذا حراماً فبيِّنوا لنا، وإذا كان الأمر أشكل عليكم: فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43].

    أما أن يَسأل هذا السؤالَ فردٌ من أفراد الجنود أو الجيش، ثم يأخذ الجواب ويجعله سيفاً مصلتاً، كلما شاء أشهره، فأنا أرى أن هذا ليس من الحكمة، وأنه لا يجدي شيئاً، ولا يفيد.

    فهذا السؤال ينبغي للعقلاء منكم أن يوجهوه إلى الوزير في هذه الجهة المسئولة، ويقال له بصراحة: نحن وأنت عبيد لله عزَّ وجلَّ، وأنت ولاك الله علينا؛ فعليك أن ترعانا حقَّ الرعاية وأحسَنها. ثم نسأله:

    هل أنت ترى أن هذا حرام؟!

    فاتقِ الله في نفسك، واتقِ الله فينا.

    هل ترى أنه حلال؟!

    فبيِّن لنا؛ لأنه أُشْكِل علينا ولأن من الناس -وأنا سمعتُ بنفسي- من يقول: التحية العسكرية كفر والعياذ بالله، فيكفِّر مَن لا يكفِّره الله ورسوله، ألم يعلم هذا أنه سيُسأل يوم القيامة عمَّا قال؟! ألم يعلم أن مَن دعا رجلاً بالكفر وليس كذلك فهو كافر؟! هكذا جاء الحديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام.

    فالمسألة ليست هينة، فكونه يصف الإنسانَ ويقول: هذا كافر، وهذا فاسق؛ فهذا غلط.

    من الذي له الحكم؟!

    الله عزَّ وجلَّ، فإذا كفَّر الله أحداً فهو كافر، وإذا لم يكفِّره فلا يجوز أن نكفر بمجرد أذواقنا وأهوائنا.

    فأقول: قُل مثلاً للوزير المسئول: إذا كنت ترى أن هذا حلال فبيِّن لنا؛ لأن من الناس من شوَّش علينا، وقال: هذا فسق، هذا بدعة، هذا كفر، فبيِّن لنا.

    وإذا كان أشكل عليك فالحمد لله باب الفتوى مفتوح، وعند الدولة والحمد لله ما يحصل بهم الهدى إن شاء الله تعالى، فاسأل.

    فإذا قيل لك: هذا جائز، برئت ذمتك، وإذا قيل: هذا حرام، فامتنع.

    هذا جوابي على هذه المسألة.

    وأنا أنصح كل إنسان في هذه المسائل ألا يسأل فردٌ من أفراد جهةٍ مسئولة عن حكم شيء عام، وليسأل عن نفسه ويقول مثلاً إذا فعلتُ كذا، أو إذا صليت بلا وضوء إذا.

    مسألة المجاز في القرآن

    السؤال: أولاً يا شيخ! إني أحبك في الله، ولا أدري هل هذا من السنة أم لا! ولكن بعد أن قلتَ عن السلام أنه ليس من السنة يَجب أن أحذر.

    الشيخ: لا. جزاك الله خيراً، لا مانع من هذا، والحذر من الخطأ شيءٌ طيب؛ لكن هذا قد ورد عن الرسول حيث قال لـمعاذ بن جبل : (يا معاذ ! إني أحبك، فلا تَدَعَنَّ أن تقول دبر كل صلاة مكتوبة: اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك).

    وأنا أجيبك فأقول: أحبك الله الذي أحببتنا فيه.

    السائل: يا شيخ! المجاز في القرآن فيه خلاف بين أهل العلم، والمسألة كما هو معلوم أن هناك بعض الآيات تحتاج إلى تفسير فعلاً، فإذا كان لا مجاز في القرآن! فأريد توضيح المسألة!

    الجواب: الذين قالوا بالمجاز أو عدم المجاز يتفقون غالباً على المعنى، فمثلاً قال الله تعالى: وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ [الإسراء:24] فكلهم متفقون على أن الذل ليس طائراً له جناح، أليس كذلك؟!

    السائل: بلى.

    الشيخ: إذاً: بقي لنا أن نعرف هل الجملة أو هذا التركيب مستعمل في اللغة العربية، وأن جَناح كل شيء بحسبه؟!

    فحينئذٍ يحصل الخلاف.

    فالذين يقولون بالمجاز يقولون: ليس هناك جناح إلا للطير، فإذا استعمل الجناح لغير الطير فهو مجاز.

    والذين يقولون: جناح كل شيء بحسبه يقولون: الترفع مثلاً على الناس والتعالِّي عليهم يعتبر أن صاحب الترفع والتعالي طار وارتفع، وهذا هو جناح العلو والاستكبار.

    فالله عزَّ وجلَّ يقول: وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ [الإسراء:24] يعني: تذلَّل لهما للغاية، حتى لو كنت تريد أن تتثقف، فتقول مثلاً: أنا عندي شهادة بكالوريوس، وأبي هذا لا يعرف الخاء من الطاء فلا تترفع عليه: وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ [الإسراء:24].

    إذاً: اتفقا على المعنى؛ لكن اختلفا حول ما إذا كان هذا الأسلوب مُسْتَعْمَلاً حقيقةً في سياقِه أو لا!

    فالذين منعوا من المجاز في القرآن وأكدوا فيه كان منعُهم بناءً على أن هذا المجاز استُعمل على وجه غير صحيح، فقالوا مثلاً في الاستواء على العرش: لا يوجد استواءٌ على العرش أبداً، وإنما قوله تعالى: اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54] يعني: استولى عليه، وإذا قلنا لهم: ولكن الله قال: اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54] قالوا: هذا مجاز عن الاستيلاء، انظر الآن! أنكروا صفةً حميدة لله عزَّ وجلَّ وحوَّلوها إلى صفة لا يتميز بها الله سبحانه عن غيره؛ لأن الله مُسْتَولٍ على كل شيء.

    ثم إن قوله تعالى: خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى [البقرة:29] يدل على أن الاستيلاء قابلٌ لغير الله؛ إذْ معناه: ثم استولى عليه.

    فقولُ الذين أنكروا المجاز في القرآن وأكَّدوه مبنيٌّ على أن أولئك الذين قالوا بالمجاز توصلوا به إلى إنكار شيء لا يجوز إنكاره. أفهمت؟!

    وللعلماء في هذه المسألة عدة أقوال:

    منهم من قال: كل اللغة مجاز، حتى إذا قلتَ: أكلتُ فشبعتُ، قال: هذا مجاز.

    ومنهم من قال: لا مجاز في اللغة مطلقاً، ومِمَّن قال بهذا القول: شيخ الإسلام ابن تيمية ، وتلميذه ابن القيم ، وشرح أدلتهما على ذلك ليس هذا موضعه؛ لأن الناس ربما يحتاجون شيئاً أهم من هذا.

    ومنهم من قال: لا مجاز في القرآن، وأما اللغة ففيها مجاز.

    والصواب: أنه لا مجاز في القرآن ولا في اللغة.

    احتساب الأجر من الله على العمل

    السؤال: هل يلزم حضور النية لحصول أجر العمل عند أدائه؟

    الجواب: هذا سؤال مهم، فمعلومٌ أن العمل لا يكون إلا بنية، فلا يوجد عملٌ إلا بنية، قال بعض العلماء: لو كَلَّفَنا الله أن نعمل عملاً بلا نية لكان من التكليف ما لا يُطاق.

    فأنتم حينما جئتم إلى هذا المكان جئتم بنية أم بغير نية؟!

    جئتم بنية، وأي إنسان عاقل لا يعمل عملاً إلا بنية، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات).

    لكن بقي سؤال الأخ: هل يُشْتَرط للثواب على العمل أن يحتسب الأجر على الله، أو يحصل له الأجر وإن لم يحتسب؟

    نقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً -ولم يقل: إيماناً فقط، بل قال: إيماناً واحتساباً- غُفِر له ما تقدم من ذنبه) واحتساب الأجر له أثر عظيم على إحسان العمل؛ لأنك إذا علمتَ أنك كما تدين تُدان، وكما تعمل تُجازى، وأن الجزاء على قدر العمل؛ فسوف تحسن العمل، أليس كذلك؟!

    أما إذا شعرت بأنك إذا أديت العمل برئت ذمتك فقط، وأنك لن تعاقب على تركه، فعملك ناقص.

    لهذا أحث نفسي وإياكم على استحضار هذا المعنى؛ أنك إذا عملتَ العمل تحتسب أجره عـلى الله، نقول مثالاً: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من أسبغ الوضوء وقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فُتِّحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل مِن أيها شاء) وزاد الترمذي : (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) أريد من نفسي وإياكم أن نستحضر أننا إذا فعلنا ذلك فتِّحت لنا أبواب الجنة حتى نحرص على إسباغ الوضوء، ونحرص على قول كلمة التوحيد بعد الفراغ من الوضوء.

    فهذه مسألة ينبغي أن نتفطن لها، وهي: احتساب الأجر من الله على هذا العمل.

    كيفية التعامل مع أصحاب المنكرات من الأهل والأقارب

    السؤال: شيخنا المبارك! نفع الله بعلمكم وسدَّد خطاكم! بعض الشباب منذ نشأته يسير مع الشباب الخيِّر الصالح من أساتذة وإخوان، ثم يرى في بيته بعض المنكرات، فكيف يتعامل مع هذه المنكرات؛ مع كلٍّ مِن والدَيه، وأهل بيته؟

    الجواب: قال الله تبارك وتعالى لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام: لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [الشعراء:3] ومعنى بَاخِعٌ نَفْسَكَ [الشعراء:3] أي: مُهْلِكُها إذا لم يؤمنوا.

    وقال: فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:20].

    وقال: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ * إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ * إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ [الغاشية:21-26].

    فأقول لهذا الأخ الصالح: أسأل الله لك الثبات، وأقول لك: انصح أهلك بقدر ما تستطيع، فإن حَصَلَ المطلوب فذلك المطلوب، وإن لم يَحْصُل فهاهو إبراهيم قال لأبيه آزر : أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الأنعام:74].

    وقال: يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً [مريم:42].

    ولما أَيِس منه قال: سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً [مريم:47] حتى نهاه الله عزَّ وجلَّ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ [التوبة:114].

    فأقول لهذا الأخ: اجتهد في نصح أهلك، واجلب إليهم الأشرطة النافعة، والكتيبات، والرسائل، فإن اهتدوا فلك ولهم، وإن لم يهتدوا فلك وعليهم، ثم إن اضطررت إلى البقاء في البيت لكونك ليس لك دخل تستطيع به أن تنفرد عنهم فلا بأس أن تبقى، وتحرص على البُعد عن مشاهدة الأشياء المحرمة، أو سماع الأشياء المحرمة، وتنفرد في غرفتك، وإذا استطعتَ أن تخرج فاخرج.

    وفي هذه الحال يُشْكِل على بعض الشباب أنه ربما يغضب عليه الوالد أو الوالدة!

    فنقول: غضب الوالد أو الوالدة يمكن إزالته بالترضِّي والمداراة؛ لكن غضب الرب لا يمكن النجاة منه إلا بأن تترك ما يُغْضِب الرب عزَّ وجلَّ، فاخرج ولا عليك، حتى ولو غضبوا فإنك ترضيهم إن شاء الله، إما بالمال أو بالمساعدة، أو بغير ذلك.

    عدم جواز المجاملة والمداراة

    السؤال: ما حكم المجاملة في بعض الكلمات التي تصدر أحياناً من بعض الزملاء في العمل أو غيره؟

    الشيخ: مثل ماذا؟

    السائل: مثل أن يوجد رجلٌ ذو لحية فيقول آخرُ لأخيه الحليق: اجلس معنا، فهذا ليس من المتشدِّدين، أو مثل هذا القول.

    الجواب: هذه بارك الله فيك تسمى: مداراة، فمداراة أهل الفسق لعل الله يهديهم هذا لا بأس به.

    أما المداهنة بأن تقول: أنا أُعْفِي لحيتي، وأنت احلق لحيتك، وكلٌّ على سبيله، فهذا لا يجوز، بمعنى: كأنك تقول: لا تقل لي ولا أقول لك، فهذه مداهنة لا تجوز.

    أما المداراة فتعني: أنك تجامله رجاء أن يهديه الله؛ لأن بعض الناس إذا عاملته بالعنف من أجل معصية؛ أصرَّ عليها، وإذا عاملته باللطف ربما يستجيب.

    حدثني عدة أناس عن قضية وقعت، قالوا: إن هناك عاملاً -ليس عاملاً على طين، إنما هو عامل على سَوانٍ لِسَوقِ الإبل والحمير والبقر- عند غروب الشمس مر به أحد الإخوان، ومعلومٌ أن العامل يكون متعباً من الرائحة الكريهة، ومن سَوق الإبل أو الحمير، وكان في يد العامل عصا يضرب بها هذه السواني، فهذا العامل كان متعباً آخر النهار، وكان يغني، ومعلومٌ أن الغناء يشد الإنسان، ويشد أيضاً البهائم، حتى الإبل في الحداء ما شاء الله تُحَمْلِج، فعندما مرَّ عليه هذا الرجل الذي يملك غيرة شديدة تكلم على العامل، وقال له: يا الذي فيك ما فيك، وسَبَّه بما لا أحب أن أذكره الآن، وقال: صوت الرحمن مع صوت الشيطان؟! ما هو صوت الرحمن؟ الأذان، مع صوت هذا العامل.

    فالعامل كاد ينفجر، فقال: إما أن تنصرف عني وإلا فهذه العصا أكسِّر بها رأسك.

    وأبى الرجل أن ينصرف.

    فالعامل عاند وقال: اذهب وصلِّ ولا دخل لك بي.

    فجاء هذا الرجل الذي يعتبر من أهل الخير إلى الشيخ -وسُمِّي لي الشيخ؛ ولكن لا حاجة للاسم- فقال للشيخ: أنا مررتُ بالمكان الفلاني، ووجدت العامل ونصحتُه وقال لي: كذا وكذا.

    فقال الشيخ: اتركه، وأنا إن شاء الله أنظرُ أمرَه.

    فذهب إليه الشيخ في اليوم الثاني عند غروب الشمس، ووجده يغني، يروِّح على نفسه قليلاً، وينشد السواني، فركز الشيخ عصاه، ووضع المشلح عليها، ومعلومٌ أن الناس كانوا يفعلون هذا في الأول، وجاء الشيخ وسلم عليه سلاماً عادياً ومُطْمَئِناً، وقال: السلام عليكم.

    فرد العامل: وعليكم السلام.

    فقال الشيخ: يا ألله.. قَوّ!

    لا يقصد الشيخ قَوَّى على الغناء، بل قَوّ على الصلاة.

    فلما قال الشيخ هذا الكلام انشرح صدر العامل، فذهب الشيخ وتوضأ، وجاء إلى العامل، فقال: أما تذهب معنا لتصلي؟ قد أذَّن المؤذن، وسيقيم الآن.

    قال: ماذا قلتَ؟!

    قال: قلتُ هذا الكلام.

    قال: جزاك الله خيراً، والله لقد مرَّ عليَّ شخص بالأمس وبدأ يشتم، وقال، وفعل، وترك، فقلت له: يا شيخ، طوَّل الله عمرك، والله إذا لم تنصرف من هذا المكان لأكسرنَّ بهذه العصا رأسك.

    قال: يا بن الحلال! وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً [الفرقان:63].

    فذهب الشيخ ليصلي، وإذا العامل ترك العمل وتوضأ ولحق بالشيخ، فالتفت الشيخ بعدما سلم، وإذا به يجد العامل يتم ركعةً ولم يقل له شيئاً.

    وفي الليلة الثانية لم يذهب الشيخ إليه؛ ولكنه وجد هذا العامل لم يفته شيء من الصلاة.

    سبحان الله! لماذا؟

    لأنه أتاه بالرفق واللين. وهذا مهم جداً في جانب الدعوة، ألا تعنِّف، قال الله للنبي عليه الصلاة والسلام: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ [آل عمران:159] سبحان الله! يقول الله عزَّ وجلَّ هذا لأفضل الخلق.

    نسأل الله أن يوفقنا وإياكم للحكمة: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً [البقرة:269].

    صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بعد الوتر

    السؤال: في كتاب زاد المعاد لـابن القيم أورد الشيخ ابن القيم في معرِض كلامه عن صلاة القيام أن الرسـول صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الوتر ركعتين وهو جالس، فهل هذه من السنـة التي وردت عن رسـول الله صلى الله عليه وسلم؟ وما هي صفة صلاة الوتر؟

    الجواب: كان النبي عليه الصلاة والسلام أحياناً يصلي بعد الوتر ركعتين جالساً، فاختلف العلماء في تخريج هذا، إذْ كيف يقول: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) ثم يصلي بعد الوتر ركعتين جالساً؟!

    فقال بعض العلماء: نأخذ بقول الرسول، وأما فعلُه فهو خاصٌّ به؛ لأننا إذا واجهنا الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة وقلنا: إنَّا نصلي ركعتين بعد الوتر؛ لأن نبيك صلاها، سيقول الله عزَّ وجلَّ: ألم يقل لكم نبيي: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)؟! وهل قال: صلُّوا ركعتين بعد الوتر وأنتم جالسون؟!

    إذاً: فاتْبَعِ القولَ، وعلى هذا التقييم لا إشكال إذا قالوا: هاتان الركعتان صلاهما الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا نعلم هل هي تشريع للأمة، أم هي من خصائصه صلى الله عليه وسلم.

    وقال بعض العلماء: إن هاتين الركعتين لا تنافيان قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) لأن هاتين الركعتين بمنزلة الراتبة للفريضة، فهما دون الوتر مرتبةً، ولهذا يصليهما جالساً لا قائماً، فهما للوتر بمنزلة الراتبة للفريضة.

    وعلى هذا فلا يكون في الحديث مخالفة لقوله: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً).

    وهذا هو الذي ذهب إليه ابن القيم وجماعة من أهل العلم.

    السائل: يا شيخ! وهل نعمل بهذه السنة؟

    الشيخ: اعمل بها أحياناً.

    مسألة: أطراف الحرم ليس له حكم المسجد في أجر الصلاة

    السؤال: بالنسبة للصلاة داخل الحرم المكي، هل للإنسان نفس الأجر الذي يحصل عليه داخل الحرم إذا صلى في أطراف مكة ؟

    الجواب: الصحيح في هذه المسألة أن الإنسان لا يأخذ الأجر، إذا صلى في مساجد مكة غير المسجد الحرام؛ لأن قـول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة فيما سواه) يراد به مسجد الكعبة، فقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة)، وهذا نص.

    وقال الله تبارك وتعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى [الإسراء:1] وقد أُسْرِي به من الحِجْر، حِجْر الكعبة، الذي هو الجدار القصير الشمالي.

    فإذاً: المسجد الحرام هو: مسجد الحرام.. هو: مسجد الكعبة، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تُشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ...) الحديث، فما رأيك لو شدَدْتَ الرَّحْلَ إلى مسجد في (العزيزية) في مكة ؟! هل يجوز أو لا؟! لا يجوز.

    إذاً: المسجد الحرام الذي الصلاة فيه بمائة ألف صلاة؛ هو المسجد الحرام الذي تُشَدُّ إليه الرحال.

    لكننا نقول: لا شك أن الصلاة في الحرم وليس في مكة فقط، بل في الحرم الدائر، الذي هو كل حدود الحرم لا شك أن الصلاة فيه أفضل من الصلاة في الحِل، لا شك في هذا، فمثلاً: الآن مزدلفة حرم، ومنى حرم، فكذلك ما حول مكة يعتبر كله حرم، فالصلاة في هذا الحرم أفضل من الصلاة في الحِل، والدليل على ذلك: أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان نازلاً في الحديبية ، وكانت الحديبية بعضها من الحل وبعضها من الحرم، فكان نازلاً في الحل؛ لكنه كان يصلي داخل الحرم، أي: ينتقل من الحل إلى الحرم فيصلي فيه، فهو نزل في الحل؛ لأنه أوسع للإنسان، وأما الحرم فلا يستطيع الإنسان أن يقطع فيه شجرة، أو يحش حشيشاً، فالرسول نزل في الحل ليكون أوسع له، فيقطع الشجرة، ويحش الحشيش، ثم إن المعاصي في الحل أهون من المعاصي في الحرم.

    فالمهم أن الذي نراه هو هذا.

    وقد يقول قائل: لماذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديبية يجلس في الحل، ويصلي في الحرم؟! فهذا يدل على أن الحرم أفضل.

    فنقول: نعم، هو أفضل؛ لكن كلامنا على مائة ألف، لا على أن هذا أفضل، أو أن هذا غير أفضل.

    فتنة الإنسان عند الاحتضار

    السؤال: شيخي الفاضل، إني أحبك في الله، نفع الله بعلمك وبارك فيك! ذكرتَ في شرحك لهذه الآيات المباركة أن المُحْتَضَر يُفتن، فهل هذا خاص بالكافر، أم بجميع المُحْتَضَرِين؟

    الجواب: أحبك الله الذي أحببتني فيه.

    أما الكافر فكافر، يموت على الكفر؛ لكن المؤمن الذي على خطر هو الذي يُفتن.

    السائل: قلتَ أنه يُفتن، فيقال له: كن نصرانياً، أو كن يهودياً.

    الشيخ: هذا يُسمى عرض الأديان، وعرض الأديان هل هو على كل ميت؟! لا. ليس على كل ميت؛ لكن من الناس من يُفتن، يقال إن الإمام أحمد رحمه الله في سياق الموت كان يُغمى عليه فيسمعه مَن حولَه يقول: بَعْدُ! بَعْدُ! فإذا أفاق قالوا: ما بَعْدُ! بَعْدُ! يا أبا عبد الله ؟! قال: رأيتُ الشيطان يعض أنامله يقول: فُتَّنِي يا أحمد ، فقلتُ: بَعْدُ! بَعْدُ! كيف هذا؟! لأن الإنسان ما دام لم تخرج روحُه فهو عرضة للفتنة.

    حكم السلام عند الدخول على مجالس العلم والذكر

    السؤال: إذا دخل الإنسان على حلقة، هل يسلم أو يجلس فيستمع؟!

    الجواب: إذا دخل الإنسان على حلقة ذكر، أو قرآن، أو علم، أو أي شيء فمن العلماء من يقول: لا تسلِّم؛ لأن المشغول لا يُشْغَل، فهؤلاء مشتغلون بعلمهم، أو قراءتهم، أو ذكرهم.

    ومنهم من يقول: سَلِّم.

    والصواب: أنه إذا كان المجلسُ مجلسَ علم عام فلا بأس أن تسلم فتقول: السلام عليكم، فمَن سَمِع يَرُدُّ، ومَن لم يسمع ليس عليه شيء.

    لكن إذا كان المجلسُ مجلسَ تحقيق علم وبحث، فالأولى ألا تسلم؛ لأنك تشغل الناس، وكذلك القرآن، فبعض الناس إذا صار يقرأ عن ظهر قلب، إذا سَلَّم عليه شخص ضيَّعَ عليه موقفه، فيضطر القارئ إلى أن يعيد من أول السورة، أو من أول الآية، فالإنسان ينظر للمصلحة.

    حكم فرش المسجد باللبّاد

    السؤال: سمعنا لك فتوى عن اللَّبَّاد أنه لا يجوز فرشُه في المسجد.

    الشيخ: اللَّبَّاس؟!

    السائل: اللَّبَّاد: إسفنج يوضع تحت سِجَّاد المسجد.

    الشيخ: أقول: بارك الله فيك، وفي الإخوان، وفينا إن شاء الله جميعاً: ما أكثر ما يُنسب إلي من الأقوال! وهذه بلوى، أنا لا أدري هل الرجل الذي إذا أحب شيئاً قال: لا يكون مقبولاً مني إلا إذا قلتُ: قال به فلان، أو قال به فلان؟ أم ماذا؟! هذا لا يجوز أبداً.

    وأنا أقول لكم في هذا المكان، ولكل مَن سمع قولي هذا: إذا سمعتم عني ما تستنكرونه فراجعوني، قد أكون مخطئاً فيهديني الله على أيديكم، وربما نُقِل عني خطأً فأبيِّن أنه خطأ، وقد يكون صواباً فأبيِّن أنه صواب.

    فأقول: الإسفنج لا أقول: إنه حرام؛ لكن أقول: لا ينبغي أن يصل بنا الحد إلى هذا الترف، ثم إذا كان الإسفنج ليناً فإن وضعتَ عليه جبهتك وضعاً فقط دون أن تكبس عليه فهذا لا يجزئك في السجود، وقد ذكر ذلك أهل العلم في كتبهم، قالوا: إذا سجد الإنسان على عِهْنٍ منفوشٍ أو على قطن، واقتصر على مُمَاسَّة الجبهة لهذا فقط دون أن يكبس عليها فإن سجوده لا يصح، وهذا حق، والدليل على ذلك حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدنا أن يُمَكِّن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه). وفي قوله: (يُمَكِّن جبهته) دليلٌ على أنه لابد من التمكين.

    هذا هو الجواب؛ أنني لا أحبِّذ أن يصل بنا الترف إلى هذا الحد، وإذا كان الصحابة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام يصلون على الحصباء -أي: الحصى-، وكما سمعتَ حديث أنس ، إذا لم يستطع تمكين جبهته في الأرض بسط ثوبه فسجد عليه، فكيف يصل بنا الترف إلى أن نجعل مساجدنا كأنها فُرُش نوم؟!

    أما إنه حرام فلا أستطيع أن أقول: أنه حرام، وذلك لأنه لا يحل لأحد أن يقول في شيء أنه حرام إلا بنص، واعلموا أن أئمتنا رحمهم الله كالإمام أحمد وغيره لا يقول بالحُرْمة إلا في الشيء الذي ورد فيه نص أنه حرام، حتى لو كانت هناك أدلة دلت على تحريمه، فإنه لا يستطيع، بل كان في إجاباته كثيراً ما يقول: لا أحب ذلك، أو أكره ذلك، أو هذا لا ينبغي، أو اترك هذا، أو تجنب هذا، وأحياناً يراجَع فيقال له: هل هو حرام، فيقول: لا أدري، افعل كذا، فالتحريم شيء صعب جداً. الآن نحن تَرِدُ إلينا أسئلة، فنقول: لا تفعل هذا، ثم يجيئك السائل فيقول: هل هذا حرام؟ فنقول: لا تفعل، وهل لا يتجنب الإنسانُ الشيءَ إلا إذا كان حراماً؟!

    فالمهم: أني ما قلتُ إن الإسفنج في المسجد حرام، وهذا الذي يُقال عني كذب؛ لكن ستسمعون أشياء عجيبة، إنما الواجب عليكم إذا سمعتم مثل ذلك أن تتصلوا بي وتسألوني، فالحمد لله التليفونات موجودة، والسيارات موجودة، وكل شيء بحمد الله موجود.

    السائل: وهذه يا شيخ؟!

    الشيخ: هذه ليست بشيء، ولكن الذي يسمع لا يرى! حدِّد.

    السائل: إشارة إلى السجاد.

    الشيخ: السجاد ليس فيه شيء.

    مدة بقاء الميت في قبره

    السؤال: يا شيخ! إني أحبك في الله، ولقد قال أحد أئمة المساجد: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن مدة بقاء الميت المؤمن في قبره يجعلها الله له كصلاة عصرٍ أو ظهر، فهل هذا صحيح؟

    الجواب: أحبك الله الذي أحببتنا فيه، ونسأل الله أن يجعلنا جميعاً متحابين في الله.

    اعلم أن الزمن بالنسبة للميت يذهب سريعاً كأنه ليس بشيء.

    وقد أمات الله رجلاً مائة عام فلما بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ، فماذا قال؟! لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ [البقرة:259] وهي مائة سنة! يوماً أو بعض اليوم؛ لأن الله قال: إن الله أماته في أول النهار وأحياه في آخر النهار.

    وأهل الكهف لبثوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَمِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً، وهو نوم، والنوم ليس كالموت، بل الموت أسرع في ذهاب الوقت فيه، وهؤلاء الذين ماتوا ولهم ملايين السنين تجدهم كأنهم ما مرَّ عليهم شيء، كأنهم ماتوا الآن؛ فمن كان في نعيم تجده يمضي عليه الوقت سريعاً وأسرع بكثير؛ لكن الذي في جحيم يتباطأ الوقت عنده، ويكون الوقت عليه طويلاً، نسأل الله العافية، وهذا شيء مُشاهَد، حتى إن ابن خلدون وهو يعتبر من حكماء أهل الأخبار يقول: إن أيام الأمن وأيام الرغد تمضي سريعاً، وأيام الجوع وأيام الحروب والفتن تكون طويلة. وهذا صحيح.

    فأقول يا أخي: كل المدفونين إذا جاء يوم القيامة فكأنهم: لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا [النازعات:46]، ولهذا يقول المجرمون: يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا [يس:52] كأنه مرقد.

    فالحاصل بارك الله فيك! أنا لا أعرف عن هذا الحديث هل هو صحيح أم لا؛ لكن أقول لك: إن المدة تزول سريعاً، أسرع من لمح البصر، والله أعلم.

    التأمين في الصلاة السرية

    السؤال: هل يُشرَع التأمين في الركعات السرية؟

    الجواب: في الصلاة السرية يقال: آمين؛ لكن لا يُجهَر بها.

    السائل: أعني: هل يقول المصلي: آمين أو لا يقول؟

    الشيخ: إذا انتهى من الفاتحة يقول: آمين في الصلاة السرية والجهرية؛ لكن لا يجهر بها في الصلاة السرية، ويجهر بها في الصلاة الجهرية.

    المعاشرة بالمعروف لأقارب الزوج

    السؤال: هل لأم الزوج حق على الزوجة؟

    الجواب: لا. أم الزوج ليس لها حق على الزوجة؛ لكن يكون مِن المعروف والإحسان، ويكون هذا مِمَّا ا يوجب مودة الزوج لزوجته، فتراعيها في مصالحها، أو تخدمها في الأمر اليسير، وإذا أصبحت في الصباح تقول: صبَّحكِ الله بالخير يا فلانة! إما يا أم فلان! أو يا خالتي! لا فرق، وهذا حسن.

    أما كونه واجباً فلا؛ لأن المعاشرة بالمعروف تكون بين الزوج والزوجة.

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768030541