أما بعد:
فهذا هو اللقاء التسعون من لقاءات الباب المفتوح التي تتم في كل خميس من كل أسبوع، وهذا هو الخميس العشرون من شهر ذي القعدة من عام (1415هـ).
لقاؤنا هذا اليوم سيشتمل على صفة العمرة والحج بإيجاز، ثم في اللقاءات الأخرى سوف نتكلم عن أركان وواجبات الحج والعمرة، ثم عن محظورات الإحرام إن شاء الله تعالى.
من المعلوم لنا جميعاً أن العبادة لا تتم إلا بشرطين:
الشرط الأول: الإخلاص لله.
الشرط الثاني: المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
دليل هذا قوله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5] فـ(مخلصين له الدين) هذا الإخلاص، و(حنفاء) هذه المتابعة، وفي الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى).
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الله تعالى قال: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه) فهذا الإخلاص.
المتابعة: ثبت في الصحيحين أيضاً عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، وفي لفظ: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) إذاً.. لا بد من الإخلاص والمتابعة.
ولا تتحقق المتابعة ألا بمعرفة كيف كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يفعل حتى نكون متبعين له، ولهذا ينبغي لنا ونحن نفعل العبادات أن نستحضر هذين الأمرين: الإخلاص والمتابعة.
الإخلاص: بأن لا نبتغي بعباداتنا إلا وجه الله والدار الآخرة، وأن نستشعر أيضاً أننا نمتثل أوامر الله، فمثلاً: عند الوضوء، نحن نتوضأ نغسل الأعضاء المغسولة منها ونمسح الممسوح لكن ينبغي أن نستحضر بأننا نمتثل قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة:6] إلى آخره. حتى يتم الإخلاص والإذعان والذل لله عز وجل.
ثم نستحضر أيضاً أننا نتابع الرسول عليه الصلاة والسلام في هذا؛ لأن هذا مما أمرنا به، كما قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21].
إذا وصل الإنسان إلى الميقات اغتسل كما يغتسل للجنابة، وبعد التجرد من ثيابه، ثم يطيب بدنه بأطيب ما يجد، يجعل الطيب على رأسه وعلى لحيته، ثم يلبس ثياب الإحرام، إزاراً ورداءً أبيضين، هذا بالنسبة للرجل، أما المرأة فتلبس ما شاءت من الثياب إلا أنها لا تتبرج بالزينة.
ثم إن كان وقت صلاة فريضة أدى الفريضة وأحرم بعدها، وإن كان غير وقت فريضة صلى صلاة سنة على أنها سنة الوضوء؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه شرع صلاة معينة عند الدخول في النسك، وبعد أن ينوي الدخول في النسك يلبي، فيقول: لبيك اللهم عمرة.
ويتوجه إلى مكة ولا يزال يلبي إلى أن يبتدئ بالطواف.
عند الابتداء بالطواف أول ما يبتدئ به الحجر يستلمه، أي: يمسحه بيده ويقبله إن تيسر، وإلا فالسنة أن لا يزاحم فيتأذى ويؤذي، وأنتم تعلمون أن في المزاحمة يخرج الإنسان عن استحضار النية واستحضار العبادة لأنه يحاول أن يدافع عن نفسه، فإذا وجدت زحاماً فالسنة ألا تزاحم، أشر إليه والإشارة تكفي، وفي حال الإشارة لا تقبل يدك، فتبتدئ الطواف وهذا يسمى طواف القدوم وهو طواف وعمرة في نفس الوقت.
في هذا الطواف يسن للرجل أن يضطبع في جميع الطواف، والاضطباع: أن يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن وطرفيه على كتفه الأيسر، وأن يرمل في الأشواط الثلاثة الأولى دون الأربعة الباقية، والرمل: إسراع المشي دون مد الخطوة، أي: تسرع لكن لا تمد الخطوة إنما خطوة عادية، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فعل كذلك في حجة الوداع.
فإذا انتهيت من طواف سبعة أشواط فتقدم إلى مقام إبراهيم واقرأ قول الله تعالى: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً [البقرة:125] تقرأ هذه الآية تأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم، واستحضاراً لامتثالك أمر الله، فتصلي ركعتين خلف المقام، وتتميز هاتان الركعتان بأن يقرأ في الأولى: (قل يا أيها الكافرون) وفي الثانية: (قل هو الله أحد) وأن يوجز فيهما، ولا يطول؛ لأن المكان صلاة لك ولغيرك، فإذا أطلت حجزت المكان عن غيرك.
إذا انتهيت من هذا ترجع إلى الحجر الأسود إن تيسر لك أن تستلمه فافعل وإلا فلا حرج، ولا تشير في هذه الحالة، ثم اخرج من المسجد، فإذا دنوت من الصفا فاقرأ قول الله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة:158] واصعد على الصفا حتى ترى الكعبة فاستقبلها وارفع يديك للدعاء والذكر، وقل: الله أكبر ثلاث مرات (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده) ثم تدعو بما شئت، ثم تعيد الذكر مرة ثانية ثم تدعو بما شئت، ثم تعيد الذكر مرة ثالثة وتنزل، فيكون الذكر معاداً ثلاث مرات والدعاء مرتين.
تنـزل من الصفا متجهاً إلى المروة ماشياً حتى تصل إلى العلم الأخضر أي: العمود الأخضر وهو معروف والحمد لله وفوق رأسك إشارات خضراء تدل عليه، فإذا وصلت هذا فاركض ركضاً شديداً بقدر ما تستطيع إذا كان هناك مجال، وإلا فامش على ما تيسر لك إلى العلم الآخر، ثم أمش مشياً معتاداً إلى المروة، فإذا وصلت المروة فقل ما قلت على الصفا، وهذا شوط، ثم ارجع من المروة إلى الصفا وهذا شوط آخر، وهلم جراً إلى سبعة أشواط تبتدئ بـالصفا وتنتهي بـالمروة.
وبعد هذا تقصر شعر رأسك إذا كنت متمتعاً، وإن كنت غير متمتع فاحلقه أو قصره والحلق أفضل، ثم تحل من إحرامك الحل كله، تلبس الثياب، وتتطيب، وتتمتع بأهلك إن كانوا معك، وتفعل جميع ما حرم عليك بالإحرام.
فإذا كان اليوم الثامن من ذي الحجة فأحرم بالحج من مكانك الذي أنت فيه، فتغتسل وتتطيب وتلبس ثياب الإحرام وتخرج إلى منى لتبقى بها إلى طلوع الشمس من اليوم التاسع، تصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر خمسة أوقات كل صلاة في وقتها إلا أنك تقصر الرباعية، فإذا طلعت الشمس تسير إلى عرفة، لكن إن تيسر لك أن تنـزل بـنمرة وهي مكان قرب عرفة وليست من عرفة فانزل فيها؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نزل في نمرة إلى أن زالت الشمس، فافعل هذا إن تيسر وإن لم يتيسر فلا حرج أن تمضي من منى إلى عرفة رأساً.
فإذا زالت الشمس من يوم عرفة فحينئذٍ تتفرغ للدعاء والذكر بعد أن تصلي الظهر والعصر مقصورتين مجموعتين جمع تقديم، وتتفرغ للذكر والدعاء بهذا اليوم العظيم الذي هو من أفضل أيام السنة ومن أقرب ما يكون إلى الإجابة إلى أن تغرب الشمس، فإذا غربت الشمس فادفع من عرفة متجهاً إلى مزدلفة ، وتجمع بين المغرب والعشاء، بمعنى: أنك تؤخر المغرب إلى أن تصل إلى مزدلفة ثم تصلي بها المغرب والعشاء، المغرب ثلاثية لا تقصر، والعشاء رباعية فتصليها ركعتين.
ثم تبيت هناك إلى أن تصلي الفجر بها، وإذا صليت الفجر فتفرغ للدعاء والوقوف إلى أن تسفر جداً، أي: إلى أن يتبين الإسفار بياناً ظاهراً، ثم توجه بعد ذلك إلى منى وتقصد جمرة العقبة قبل كل شيء، فترميها بسبع حصيات متعاقبات تكبر مع كل حصاة ثم تنصرف بعد هذا إلى المنحر -أي: إلى المكان الذي تريد أن تنحر فيه هديك فتنحر الهدي- ثم تحلق رأسك وتحلل التحلل الأول.
ثم تنزل إلى مكة لتطوف طواف الإفاضة وتسعى سعي الحج، وهنا الطواف بلباسك المعتادة، لأنك تحللت التحلل الأول، وليس فيه رمل، وكذلك السعي بلباسك المعتاد ولكن فيه السعي بين العلمين، ثم إذا أنهيت ذلك فقد تحللت كل الحل، تتمتع بكل ما منعت منه بالإحرام، ثم تخرج إلى منى لتبيت فيها ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر، وفي هذين اليومين ترمي الجمرات الثلاث كل واحدة بسبع حصيات، تبدأ بالأولى التي هي أقصى الجمرات عن مكة، فترميها بسبع حصيات متعاقبات وتكبر مع كل حصاة، ثم تقف للدعاء مستقبلاً القبلة رافعاً يديك وتطيل الدعاء إن تمكنت وإلا فبما تيسر، ثم ترمي الوسطى كذلك وتقف بعدها فتدعو، ثم جمرة العقبة كذلك ولا تقف بعدها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بين الجمرتين الأولى والثانية، والثانية والثالثة ولم يقف بعد الثالثة.
ثم تقف في منى إلى اليوم الثاني عشر وترمي الجمرات كما رميتها بالأمس، وإن شئت تعجلت ونزلت إلى مكة، وإن شئت بقيت في منى ليلة الثالث عشر ورميت الجمرات يوم الثالث عشر كما رميتها يوم الحادي عشر والثاني عشر، ثم ينتهي الحج في آخر أيام التشريق، وإذا أردت أن ترجع إلى بلدك فلا بد أن تطوف طواف الوداع، وهو واجب على كل من حج أو اعتمر إلا أنه يسقط عن المرأة الحائض أو النفساء؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض، هذا مجمل صفة الحج والعمرة.
الجواب: نعم، والدليل أن عروة بن مضرس رضي الله عنه اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم في صباح يوم العيد وأخبره أنه لم يدع جبلاً إلا وقف عنده، فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف ذلك في عرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه) ولم يذكر النـزول في منى قبل عرفة، إذاً.. فالنـزول في منى قبل عرفة سنة إن تيسر للإنسان فهذا المطلوب، وإن لم يتيسر فلا حرج أن يذهب رأساً إلى عرفة.
الجواب: نعم يلزم أن يبقى إلى غروب الشمس، دليل هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بـعرفة إلى الغروب وقال: (لتأخذوا عني مناسككم)، ولأن تقديم الدفع من عرفة قبل الغروب مشابهة للمشركين، فإن المشركين كانوا يقفون بـعرفة ويدفعون قبل الغروب، فمن دفع قبل الغروب فقد وافق هدي المشركين وخالف هدي سيد المرسلين صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
الجواب: نعم يجوز، إذا كان لا يستطيع الزحام -أي: زحام الحجيج- إما لضعف في بدنه أو مرضه أو كبره أو غير ذلك، فيجوز أن يدفع في آخر الليل، وتقريب ذلك: أن يدفع إذا غاب القمر، ودليل هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للضعفاء من أهله أن يدفعوا من جمع -أي: من مزدلفة- بليل، وكانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما تنتظر حتى يغيب القمر ثم تدفع، وترمي الجمرة قبل الفجر.
الجواب: نقول: نعم يجوز؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما أذن للضعفة أن يتقدموا في الدفع من مزدلفة من أجل أن يرموا، وإلا فما الفائدة من التقدم.
الجواب: نعم يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسأل يوم النحر عن التقديم والتأخير فما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: (افعل ولا حرج) يلزم من هذا أنه لو قدم النحر على الرمي فسوف ينحر بعد طلوع الفجر مثلاً قبل أن تطلع الشمس فهل يجوز؟ أو لا ينحر حتى ترتفع الشمس قيد رمح ويمضي مقدار صلاة العيد كالأضحية؟
الجواب: يجوز أن ينحر بعد طلوع الفجر في منى؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لما سئل عن الذبح قبل الرمي قال: (لا حرج) وإذا كان الرمي يجوز بعد طلوع الشمس مباشرة لزم من هذا أن يجوز النحر أيضاً قبل طلوع الشمس، ولهذا قال العلماء: إن نحر الهدي يوم العيد يجوز من بعد طلوع الفجر.
الجواب: لا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الناس أن يجعلوا آخر عهدهم بالبيت الطواف، ومن فعل ما قلت فقد جعل آخر عهده الجمرات، والواجب أن يكون آخر عهده الطواف، فإذا فعل الإنسان هذا فإنه لا يجوز، لكن إذا فعل هذا، أي: قدم طواف الوداع على رمي الجمرات، لكن لو أنه خرج من منى ضحى يوم الثاني عشر ولما زالت الشمس رجع ورمى ثم نزل إلى مكة وطاف ومشى أيجوز هذا؟
الجواب: نعم يجوز؛ لأنه لم يتجاوز الأمر الشرعي، ولم يتجنب إثماً .. غاية ما هنالك أنه خرج من منى قبل زوال الشمس ولا مانع من هذا، لأن المهم أن يرمي الجمرات بعد زوال الشمس وقد حصلت.
الجواب: في الحج ست وقفات، ليس وقفة واحدة: على الصفا ، وعلى المروة ، وفي عرفة ، وفي مزدلفة ، وبعد الجمرة الأولى في أيام التشريق، وبعد الجمرة الثانية، فالوقفات للدعاء ست لكنها تختلف في الطول والقصر.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل أيامنا وأيامكم معمورة بطاعته، وأن يوفقنا لحج مبرور وذنب مغفور وسعي مشكور.
الجواب: الأفعال المطلقة على الله عز وجل: إما أن تكون أفعال كمال، وإما أن تكون أفعال نقص، وإما أن تكون لا هذا ولا هذا.
- فأما أفعال النقص فلا يجوز أن تطلق على الله عز وجل كالخيانة مثلاً، مثل أن تقول: لو شاء الله لخان فلان فلاناً. هذا لا يجوز.
- وتارة تكون أفعال كمال مثل: خلق وأبدع وصنع وما أشبه ذلك هذه تطلق على الله ولا إشكال فيها.
- وتارة تكون لا هذا ولا هذا فلا بأس بها أيضاً؛ لأن باب الإخبار أوسع من باب الإنشاء، فمثلاً: الإرادة، معروف أنها ثابتة وهي من أنصاب الكمال؛ لأنها تدل على عموم الإرادة، لكن في أشياء كثيرة كالذي قلت مثلاً: إن الله تعالى يخاف، بدل يخاف تقول: يكره، والكراهة قد وقعت؛ ذلك لأن الخوف يدل على نقص، إذ أن الخائف لا شك أنه ناقص، فلا يصح أن نقول: الخوف؛ بل نقول: الكراهة، وأما المودة والمحبة فلا بأس بها.
أما الخشية فغير، الخشية قد تكون من غير نقص، لكن نقول: خوفنا لا يجوز على الله عز وجل؛ لأنها نقص.
الجواب: بيع العربون الصحيح أنه جائز، وأنه يملكه البائع، مثل أن تقول: اشتريت منك هذه السيارة بخمسين ألفاً وهذا عربون خمسة آلاف، إن تم البيع فهو أول الثمن، وإن لم يتم البيع فهو للبائع، وهذا وإن كان فيه تعليق للبيع فإنه لا يضر؛ لأنه مصلحة الطرفين، ولهذا جاء عن عمر رضي الله عنه صحة هذا البيع، وفيه مصلحة للجميع، أما مصلحة البائع فظاهر؛ لأنه سيأتيه دراهم وسلعته عنده، وإنما أبحنا له ذلك مع أنه لم يدفع عوضاً عنه؛ لأن السلعة سوف تنقص قيمتها إذا علم أنها اشتريت ورغب عنها، وأما المشتري فإن مصلحته أنه سلم من دفع جميع الثمن.
الجواب: هذا صحيح، نحن نقول: هذه الأشياء لا نصدقها، ولكن لا نكذبها؛ لأن الله تعالى قد يظهر العقوبة في الدنيا من أجل العظة والعبرة، ولهذا كشف للنبي صلى الله عليه وسلم عن القبرين اللذين يعذبان فقال: (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير)، أما المبالغة في هذا مثل أن يقال: لما دفناه وجدناه منحرفاً عن القبلة، فهذا يحتاج إلى صحة السند، وليس شرب الدخان أعظم من غيره من المعاصي.
الجواب: هذا محل خلاف بين العلماء، بعض العلماء يقول: إنه إذا رمى حصل له التحلل الأول.
وبعضهم يقول: لا يحصل إلا بالتحلل والحلق.
وهذا محل بحث عندنا ومحل نظر، ولو قال قائل: لماذا لا نعمل بالأحوط؟
فنقول: لا يحصل التحلل إلا بالاثنين: الرمي والحلق، قلنا: نعم هذا أحوط من جهة أن الإنسان يبتعد عن المحظورات، لكن قد يكون بعض الأحيان الأحوط أن نجعله يحل بالرمي، مثل: لو أن إنساناً جامع زوجته بعد الرمي وقبل الحلق، لو قلنا: إنه لا يحل إلا بالحلق لكان هذا الجماع قبل التحلل الأول، ولزم منه فساد النسك والمضي فيه وقضاؤه وبدنة، وإذا قلنا: حل بالرمي لم يفسد نسكه ولم يلزمه بدنة، وإنما يلزمه فدية.
فالواقع أن الاحتياط مشكلة إن احتطت وقلت: لا تحل إلا بعد الرمي والحلق قلنا: هذا طيب احتياط، لكن أتتنا الصورة الثانية: إذا جامع الإنسان بعد الرمي وقبل الحلق فبماذا نعامله؟
إن قلنا: إنه لا يحل إلا بالحلق لزم من هذا أن يكون حجه فاسداً وأن عليه القضاء والبدنة، وإن قلنا: إنه حل التحلل الأول فحجه صحيح وليس عليه إلا فدية.
الجواب: لا شيء عليه إلا أنه يذبح فدية يتصدق بها على الفقراء، أو يصوم ثلاثة أيام، أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، وعليه أن يحرم من جديد من الحل ليطوف محرماً.
الجواب: أولاً بارك الله فيك الإنسان المريض الذي لا يستطيع أن يتحرك بالقيام والقعود والركوع والسجود يجب عليه أن يصلي ولو بعينه، كما قال الفقهاء، ومن العلماء من لا يثبت الصلاة بالعين لضعف الحديث الوارد فيها، وأما الصلاة بالإصبع كما يفعله العامة فهذا لا أصل له، بعض العوام يقول: إذا لم تستطع الركوع والسجود والإيماء فبالإصبع، عند القيام واقف هكذا، وإذا ركعت (احنه) قليلاً، وإذا سجدت (احنه) أكثر، هذا ليس له أصل، لا رأيناه في الكتاب ولا في السنة ولا في كلام العلماء، لكن نقول: إذا لم تقدر على الحركة فانوِ بالقلب، واللسان في الغالب لا يعجز، لكن لو عجز أيضاً ينوي في القلب: التكبير والقراءة والركوع والسجود والقيام والقعود، فإذا قدرنا أن بعض الناس لم يصل ظناً منه أنه إذا كان لا يقدر على الحركة فإنه يؤجل الصلاة حتى يبرأ، أو ظناً منه أن ثيابه وسخة فيها قذر، ويقول: إذا عافاني الله لبست ثياباً طاهرة نظيفة ثم صليت.
فهذا نقول: إنه يسقط عليه الإثم بناءً على تأوله، وإن كان في الحقيقة يُعد مفرطاً؛ لأن الواجب أن يسأل أهل العلم، لكن لا يسقط عنه القضاء فيجب عليه القضاء، ويقضي مرتباً في آنٍ واحد لا ينتظر كل صلاة مع وقتها، فإذا قدرنا أنه ترك عشرة أيام وأمكنه أن يصليها في يوم واحد فليفعل؛ لأن القضاء واجب على الفور، أي: لا بد أن تبادر به، وأما ما اشتهر عند العامة أنه يقضي الظهر مع الظهر والعصر مع العصر حتى تنتهي، فهذا غلط.
أما إذا كان مغمى عليه سواء أغمي عليه من شدة المرض، أو لحادث أصابه فإنه لا قضاء عليه، بل الصلاة ساقطة عنه؛ لأنه لا يستطيع أن يستيقظ، بخلاف النائم فإن من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها.
الذي بالبنج هذا يقضي لأن إغماءه أو فقد العقل كان باختياره.
الجواب: هذه المسألة بارك الله فيك فيها تفصيل: إذا اشترى الإنسان من هذا الدكان بغير قصد الشراء لكن من أجل الجائزة فهذا لا يجوز، أو كان صاحب الدكان قد رفع السعر أكثر من غيره واشتراه فإن هذا أيضاً لا يجوز؛ لأن المشتري سيكون إما غانماً وإما غارماً، والقاعدة هذه هي الميسر في الحقيقة.
أما إذا كان الإنسان سيشتري على كل حال والثمن لم يرفع والكرت الذي أعطاه ليس له قيمة، بمعنى: أعطيه مجاناً، فهذا لا بأس به؛ لأن هذا المشتري إما سالم وإما غانم، ما في غرم.
وإن اشترطوا مبلغاً معيناً من المال يشترى به فلا بأس.
أقول: من اشترى من أجل الجائزة فهذا حرام ولا يجوز، لأني سمعت بعض الناس يشتري علب اللبن وهم لا يريدوه لكن يقول: لعلي أصادف الجائزة، هذا لا يجوز؛ لأنه أضاع ماله بغير فائدة، فالقاعدة عندنا:
أولاً: إذا كان لا يشتري إلا من أجل الجائزة فهذا حرام.
ثانياً: إذا كانت السلعة قد رفع ثمنها فهذا أيضاً حرام.
ثالثاً: إذا كان يشتري لحاجته لهذه السلعة والثمن لم يرفع فهذا لا بأس به؛ لأنه إما أن تأتيه الجائزة، أو لا تأتيه، إن أتته فقد غنم بدون خسارة، وإن لم تأته فقد سلم ولم يخسر شيئاً.
الجواب: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك شيء، لكن ذكروا عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن من قال: سبحان الله وبحمده عند البرق فإنها لا تصيبه صاعقة) ومثل هذا الخبر لا مجال للرأي فيه، وابن عباس عند المحدثين ممن عرف بالأخذ عن بني إسرائيل، وقد اشترطوا للمرفوع حكماً في مثل هذه الأمور: ألا يكون الصحابي ممن عرف بالأخذ عن بني إسرائيل.
ولكن ما قاله علماء المصطلح في هذا فيه نظر؛ لأن ابن عباس رضي الله عنهما أنكر على من يأخذ من بني إسرائيل كما في صحيح البخاري، فكيف ينكر على الناس وهو يأخذ منهم؟! هذا بعيد.
فيقال: إذا صح الخبر عن ابن عباس في هذا فتقول عند البرق: سبحان الله وبحمده.
أما عند الرعد فقد كان عبد الله بن الزبير يقطع الحديث ويقول: [سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته].
الجواب: إذا دفع الضعفاء من مزدلفة قبل الفجر ومعهم محرمهم فإن حكمه حكمهم يرمي معهم؛ لأنه يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً، وأما حديث ابن عباس : (أن الرسول عليه الصلاة والسلام بعثه في ضعفة أهله، وجعل يلطخ أفخاذهم ويقول: أبني لا ترموا حتى تطلع الشمس) فهذا منقطع الحديث ليس صحيحاً.
أنا عندي أن الوقت الحاضر كل الناس يصبحون بحكم من لهم مشقة عظيمة، فلو رخص للناس على سبيل الإطلاق، وقيل: من شاء دفع قبل الفجر مطلقاً كما يقول الفقهاء رحمهم الله: إنه يجوز الدفع قبل الفجر ولو بلا عذر لكان هذا القول متوجهاً؛ لأننا في الوقت الحاضر كلما وجدنا فرصة لإفتاء الناس بما هو أسهل فهو أحسن.
الجواب: الفقهاء رحمهم الله قالوا: إذا أعطاه مالاً وقال: حج به. فهو له زاد أو نقص، وإذا أعطاه مالاً وقال: حج منه. فما زاد يرده على صاحبه؛ لأن (من) للتبعيض، لكن العامة لا يفرقون هذا التفريق، ونظير ذلك عند العامة أن يقول مثلاً: مطرنا بنوء كذا، فهو لا يفرق بقوله: مطرنا بنوء كذا، وقوله: مطرنا في نوء كذا، لو سألت العامي: ما معنى قولك: مطرنا بنوء كذا، قال معناه: أننا مطرنا في هذا الوقت، بخلاف العرب فإنهم يعرفون الفرق بين: مطرنا بنوء كذا، ومطرنا في نوء كذا، وتعرفون حديث زيد بن خالد الجهني لما صلى بهم الرسول عليه الصلاة والسلام صلاة الصبح في الحديبية على إثر سماء كانت من الليل، قال: (إن الله يقول: من قال مطرنا بنوء كذا فهو كافر بي مؤمن بالكوكب) فالمهم من أعطى المال ليحج به إذا قال: حج بهذا. فهو له قل أو كثر، وإن قال: حج منه. فإنه يأخذ حاجته ويرد الباقي، لكن عادة الناس اليوم يرون أن من أخذ هذا المال يحج به فهو له كله فلا يجب عليه الرد.
الجواب: الأفضل للمتمتع أن يقصر؛ لأن هذا هو الذي أمر به الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: (ثم ليقصر وليحلل)، ولأنه لو حلق ووقت الحج قريب لن يبقى للحج شيء.
الجواب: إذا جلست في مجلس فيه من يشرب الدخان، انصحهم ولو كانوا في الحال يدخنون، وبين لهم: أن هذا حرم، ثم إن انتهوا وكفوا فذلك المطلوب، وإلا فقم.
لكن أنت تقول: إذا كان قيامي يسبب منكراً أعظم فكمل السؤال: قل: وإذا قمت من عندهم شربوا الخمر، والخمر أعظم من شرب الدخان فهل أقوم، أو أبقى معهم وهم يشربون الدخان لئلا يشربوا الخمر؟
في هذه المسألة أقول: قم، لأنهم إذا شربوا الخمر فإثمهم على أنفسهم، ولا يرد على هذا ما ينسب إلى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أنه مر بقوم من التتر وهم يشربون الخمر ولم ينكر عليهم، فقال له صاحبه: لماذا لم تنكر على هؤلاء شرب الخمر؟ قال: لو أنهم تركوا الخمر لذهبوا ينهبون أموال الناس ويستحلون أعراضهم. وهذا الثاني أعظم ضرراً من شرب الخمر لكنه ضررٌ متعدٍ للغير، فهؤلاء الذين يشربون الدخان لو أنني نهيتهم عن شرب الدخان تركوه لكن خرجوا إلى الأسواق يعبثون بالناس هؤلاء دعهم يشربون، فهذه المسألة إذا كان هؤلاء الذين يشربون الدخان ونصحتهم ولكنهم استمروا في ذلك فإني أقوم ولا أبالي بهم.
الجواب: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة).
وأما الذي يترك الحج ويقول: أريد التوسيع على الناس فلا أرى هذا، لكن إذا قال: أنا أرى أن أصرف نفقة الحج إلى شيء نافع كالجهاد مثلاً، ودفع المسغبة، فهذا قد يكون أفضل، خصوصاً أن الحج الآن -نسأل الله أن يعاملنا وإياكم بالعفو- لا يشعر الإنسان أنه في عبادة، تجده مثلاً إن كان من الأثرياء كل شيء كأنه نزهة، مكيف، وعنده الماء البارد وكل شيء، ولا يجد إلا أنه نزهة فعلاً، وإن كان من الفقراء فربما يكون الأمر بخلاف ذلك، لكن مع هذا لا يجد لذة في الطواف ولا في السعي؛ لأن الإنسان يقول: عسى الله يغفر لي قبل أن أموت.
فإذا قال هذا -وإن كان إن شاء الله الإنسان يرجو ما يرجو في هذا الحج من الخير-: هذه الدراهم التي أنفقها ثلاثة آلاف أو خمسة آلاف أو أقل أو أكثر أحب أن أنفقها للمضطرين من المسلمين، أو للمجاهدين من المسلمين فهنا نقول: هذا أفضل.
الجواب: لا تنـزع. بل تدفن معه لأنها ليس لها قيمة ذات أهمية، وربما لا تنـزع إلا بشق اللحم، وإذا كان كذلك فلا يجوز أن تُنـزع.
الجواب: ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم على سبيل العادة هذا ليس بسنة، يعني مثلاً: قال قائل: الآن سألبس إزاراً ورداءً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يلبس الإزار والرداء، وسألبس العمامة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعتم! نقول: هذا ليس من السنة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما لبس هذا لأنه عادة أهل بلده، وعليه فلباس أهل البلد هو السنة ما لم يكن محرماً، مثل: أن يكون طويلاً، أو يكون حريراً للرجال، فهذا ممنوع ولو جرت به العادة.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر